عروض موجزه لمحتويات كتب متنوعه

16-01-2011, 12:48 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

في كتاب عن التتار... عبدالناصر مسؤول عن تقاعس بني أمية ويسأل عن كل أخطاء التاريخ!
Pictures%5C2009%5C02%5C03%5C36eae79f-f3d8-4c6c-abfb-5614bacd1d4a_main.jpg


«جمال عبدالناصر حين كشرت انكلترا عن انيابها راح يعتلي منبر الجامع الازهر زاعقا بأعلى صوته: الله اكبر.. الله اكبر..!! وحين وضعت الحرب اوزارها عادت الاحوال كما كانت لم يعد للدين موضع قدم في قصر السلطان!!».
«وها هو التاريخ مرة اخرى يتكرر كأنه صورة كربونية، فحين انتظر عبدالناصر الضربة الاولى من اسرائيل تمكنت منه واحتلت سيناء واجهضت قواته وبسطت نفوذها حتى قناة السويس، وحين قرر السادات مباغتة اسرائيل وتلقينها درسا لا ينسى دون ان ينتظر ضربتها ارغم اليهود على الانسحاب قهرا من سيناء وابرم معاهدة سلام انصاعت لها اسرائيل رغم انفها».

المؤلف «هشام محمد»، ومعه الناشر «دار مشارق»، يستبقان الاحداث، ويخلطان الاوراق خلطا متعسفا يؤدي بهما الى نتائج ابسط ما يمكن ان توصف به انها نتائج مختلة وغير منطقية بالمرة، والفقرتان الاوليان اخذتا بالنص ودون اضافة او حذف او بتر او اخلال بسياق، فقد اوردهما مؤلف كتاب «دولة التتار.. الشروق والغروب» في الفصل الذي اعطاه عنوان «حلب المحتلة»، وفيه يتحدث عن الموقف المتخاذل الذي اتخذه امير حلب الناصر يوسف - حفيد صلاح الدين - كما يتحدث عن جبنه وكراهيته للحرب «لكن الامير يوسف الذي اشتهر بكراهيته للحرب وجبنه الشديد راح يعلن الجهاد وعزمه لمحاربة التتار»، ومن هذا ومن دون مناسبة - في ما نرى - يعرج ناحية عبدالناصر، ويسوق الفقرة الاولى - ص‍‍ 182 - وفي فصل بعنوان «معركة عين جالوت» ص‍‍ 191، بعد مقدمة قصيرة يخلص بنتيجة «اذاً لم يكن قطز من هؤلاء الذين يؤمنون بحتمية تلقي الضربة الاولى»، ومباشرة يورد الفقرة الثانية من مقالنا.
هلا شققت عن قلبه..
ونحن بدورنا نقول ان المؤلف والناشر - متضامنان - يقدمان جهداً مكرساً لاشياء كثيرة غير محاولة البحث عن حقيقة من خلال رصد وتحليل دقيقين لما تقدمه صفحات التاريخ من حوادث، هذا الجهد وتلك النتائج التي توصل الباحث - المؤلف - اليها فيها الكثير من التسرع الذي ادى الى افساد الغرض من الكتابة حول حوادث التاريخ وخصوصاً العظمى منها، ونظن ان التتار كانوا من العقبات الصعبة التي واجهت مسيرة الدولة الاسلامية في المنطقة العربية وفي العالم بوجه عام، لذلك فإن التسرع او لنقل الجلوس للكتابة وقد وضعت نصب عينيك لي ذراع الحوادث لتدين شخصا او جهة، فانك واقع لا محالة في اخطاء كثيرة سيغيبها عن عينيك غرضك الضيق، فانت لست محتاجاً للتار لكي تتوارى خلف تاريخ دولتهم من الشروق حتى الغروب لتقول ان فلانا اخطأ، او ان عبدالناصر تحديداً كان - في ما ترى - ليس اكثر من جعجاع يتكلم كثيرا دون ان يكون عازما على تنفيذ ما يقول، او انه يذهب الى الله رياء، واليك نسوق ما حدث من الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه، عند علمه بقتل اسامة بن زيد لرجل نطق الشهادة، ودفاع اسامة بان الرجل نطق باللسان ليفتدي نفسه من الموت، واحالة الرسول لاسامة الى الشهادة يوم الحشر «ماذا تفعل بلا اله الا الله حين تحاجك امام الله يوم القيامة»، نقول لك - وعفوا للاخذ عن الرسول - هلا شققت عن قلبه..
تبييت النية، وشحذ الهمة للهجوم على عبدالناصر، توقع في التسرع الذي يوقع بدوره في ما يمكن ان يسمى «كروتة» كما يقول العامة فنلحظ من الباحث الاخذالمباشر من المرجع دون ان يتكلف ـ في احيان كثيرة ـ مراجعة ما اخذ حتى ان عبارته تأتي على المنوال نفسه للغة المستخدمة في المرجع الذي في يده ولنأخذ «وكان السلطان محمد عاهل دولة خوارزم او البادي شاه ابن السلطان الراحل طقش والسلطانة طرخان خاتون يدير شؤون مملكته الواسعة الفخمة من خلال احد القصور التاريخية والمنيفة في العاصمة اورجندة ـ احدى مدن تركمانستان ـ وبالتحديد في قاعة السجادة، وهي حجرة كبيرة. «موضوع طويل عريض، لا هدف له سوى اضافة اسطر تزيد من حجم البحث ولا يؤثر حذفها في سياق الامر، وهي مأخوذة عن كتاب لمؤلف صيني حول جنكيز خان سفاح الشعوب، وفي موضع آخر «حلب المحتلة» نرى المؤلف يأخذ من مرجعه دون ان يعمل قلمه ليتلافى الوقوع في الركاكة واسر السجع، يقول بعد هزيمة امير حلب «هكذا دارت الدوائر على الامير يوسف الذي باع نفسه وولده وجيشه بابخس الاثمان نظير ارضاء قائد جيش الخاقان، ولا يتعظ بسيرة جده العظيم الذي لا يزال امل الامة المفقود وحلمها الموعود وبطلها المنشود..»، حتى يصل الى نص خطاب هولاكو الذي صاغه «احد رجال هولاكو من العرب الخائنين» ـ قول المؤلف.
جمال الدين آقوش.. لا ينسى
والى جانب هذا نراه وقد استلب احد قواد قطز حقه في ذكر مأثرته، ربما لانتسابه الى آل ايوب، فالرجل «جمال الدين آقوش» كان احد مماليك الناصر يوسف صاحب حلب ودمشق، وخرج عليه لما لمسه من تقاعس وميل الى التسليم من اجل النجاة بنفسه، وذهب آقوش فانضم لجيش قطز، وهو من انجز قتل «كتبغا» الامر الذي فت في عضد جيش التتار فكسره، مما دفع جنوده الى الفرار، وجند قطز يتعقبونهم حتى تم القضاء عليهم في مدينة «بيسان».
لو اننا قلنا ان فلانا يأخذ من كل بستان زهرة، لكان قولنا قريب من تشخيص حالة الباحث في كتابه، وكان القرب الى حد معقول، فنراه يلبس لباس المحلل والناقد فيهاجم عبدالناصر، ونقول ربما يكون واحدا ممن اصابهم الضرر بسبب عبدالناصر في مرحلة ما، ربما ينتمي الى جماعة الاخوان، لكنه يفاجئنا بهجوم على صدام حسين، ثم يفاجئنا بتعاطف مع صدام حسين، يقول حول موقف صدام عن غزوه واحتلاله للكويت صـ149 «.. بيد انه اصر على عناده وتحجره وصلابته فجرى ما جرى..»، وفي صفحة 166 «تعرضت بغداد لحريق هائل ومذابح ومجازر بشرية راح ضحيتها نحو مليون شهيد امام صدام حسين رحمه الله، فقد انتهى هو ايضا نهاية مأساوية بشعة لا تليق به»، ويعود في نفس الصفحة ذات السياق ليتشفى فيه «اما مأساة صدام حسين التي كانت نموذجا مكررا من مأساة المستعصم بالله، فقد تمثلت في تشتيت الاسرة الصدامية، حيث لاذت زوجته وبناته بالفرار الى حيث لا يدري ولا يعرف الى اين وبصحبة من؟ واما ولداه عدي وقصي فقد لقيا حتفهما قبل ان يلقى صدام حسين حتفه مشنوقا مرفوسا ركلا باقدام الحمير الوحشيين»، قد يفهم البعض ان المؤلف يسوق ما تقدم ليقول ان صدام حسين قد لقي جزاءه الذي يستحقه، وقد يقول البعض الآخر انه ـ المؤلف ـ انما يسب الاميركان ويصفهم بالحمر الوحشية، لكن ايراد التفاصيل الخاصة بالزوجة والولد يصعب الامر على القارئ فيميل ناحية قصد التشفي وليس اقرار وحشية غازي.
وعلى هذا المنوال يوافقنا المؤلف امام اكثر من مأزق بخصوص المادة التاريخية التي يسوقها الينا عبر حكايات طويلة مليئة بتفاصيل مملة لا لزوم للكثير منها، ولا تخدم سوى الاستطراد الذي يفتقر الى لغة تسند ما اعوج منه.
واللغة تجرنا مباشرة الى التدقيق، الذي يضعنا امام حالة من غياب المراجعة، فمنذ الصفحة الاولى، التي تقع فيها مقدمة المؤلف ـ ص3 ـ نرصد اربعة اخطاء جمع (التزبب بدلا من التعذيب، تطل بدلا من تطيل، غرفتهم بدلا من غرتهم، كبنت بدلا عن كنبت)، وخطأ خامس (فساد وافساد) بدلا من،فسادا وافسادا، حيث ان حديثه يبدأ «ان التتار هؤلاء الهمج عاثوا في الارض فسادا وافسادا»، اي انها تتميز.
وفي صفحات 7، 8، 9 يأتي رسم الاسم الاول لجنكيز خان «تيموشين» على اربعة اشكال، فرسمه الجمع مرتين يتومشين، ومرة واحدة يموشين، وواحدة اخرى يتمرشين، واخيرا يجمع لثلاث مرات تيموشين، والاخطاء في الرسم كثيرة يكاد معدلها يصل الى ثلاثة في الصفحة الواحدة.
ابن السماء.. قاهر العالم
«تيموشين» اذا هو الاسم الذي أطلقه المقاتل التتاري بسوكاى علي مولده الذي بدأ حياته كمقاتل وهو صغير، مما عرضه للأسر علي يد مقاتلي قبيلة أخرى، لم يكتفوا بالأسر بل باعوه عبداً نكاية في والده أمير القبيلة، وفي الاسر عمل الصبي المحارب المفتول العضلات في الحدادة، الأمر الذي ساعده، فقد كان محتاجا للمزيد من القوة العضلية كي تنجح خطته للهرب من الأسر، تلك الخطة التي أثمرت ونجح فعلا في التخلص من العبودية ونفض ذل الأسر.
عاد تيموشين ليعمل على لم شمل القبائل وتجييش قوة ضاربة، واصبح زعيما فرض زعامته بقوة ارادته وتفكيره الذي نحا نحو التخطيط العلمي، آخذاً في اعتباره كل الأساليب المطروقة والحديثة وقتها، وبعد ذلك توجه إلى صياغة عقيدة تدين بها جماعات المغول والتتار، وقبلها اتخذ لنفسه لقباً جديداً هو جنكيز خان، وهو الاسم الذي تعرف العالم به على الرجل، وحفظه له التاريخ، والاسم يعني عند المغول (قاهر العالم)، وعند الصينيين «ابن السماء»، ومعروف ان اتخاذ أسماء على هذه الشاكلة شائع في ثقافات هذه المنطقة، وهو نوع المكافأة السامية التي تمنح لمن قدم عملاً بطوليا، أو تلصق بالمدعين لإضفاء المهابة وفرض الاحترام وإحكام السيطرة، وفيه الكثير من التفاخر ، فعندما تبدأ المعارك- بين الأشخاص أو الجماعات- تتم المناداة بالأسماء والرد عليها بتعقيبات تقلل من شأنها وتحقيرها، وهو ما يمكن أن يكون «جر الشكل» كما يقول العامة.
التتار يغيرون على خريطة العالم
النظر في حكاية التتار- المغول- مع العالم يحتاج إلى شمول في الرواية حتى يمكن الإلمام بتفاصيل الصورة لأنها شديدة التعقيد، حيث إن سطحية التناول ستخرج الأمر من سياقه، ليعطي مردوداً مشوهاً، وهو ما يحول الأمر إلى مجرد عبث لا طائل من ورائه، فالذي حدث أن التتار ظهروا كقوة، أوائل القرن السابع الهجري، وكانت القوى المرصودة في ذلك الوقت البعيد تتمثل في قوتين عظميين أساسيتين متحاربتين، أو دائمتا الاشتباك، هما: الدولة الإسلامية، وتجمع القوى المسيحية الغربية.
كانت الدولة الإسلامية، أو لنقل الدول الإسلامية، تحتل مساحة كبيرة من الدنيا والاستدراك يحيلها إلى حالة الفرقة التي عانى منها مسلمو هذه الفترة، ففي مصر والشام وأرض الجزيرة العربية نرى بني أيوب، وفي المغرب والأندلس ووسط أفريقيا نرى أمراء وملوك الموحدين، أما منطقة آسيا حتى الصين وأجزاء من إيران، يسيطر الخوارزميون، بينما اكتفى الغوريون بالهند وإن اشتبكوا في حرب مع خوارزم، وبقيت الأجزاء الغربية من إيران في قبضة الاسماعيليين، واستقر حكم الاناضول في يد السلاجقة الروم.
وفي الجانب الآخر من الصورة، تحديداً في غرب أوروبا كان التجمع الصليبي الأول الذي يضم: انجلترا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، وهؤلاء هم من قادوا الحملات المتتالية على المنطقة العربية باسم الصليب، أما تجمع الجنوب الغربي الذي شمل: أسبانيا، البرتغال، فرنسا، فقد ركزوا جهودهم على حرب الدولة الإسلامية- أو بقاياها- في الأندلس.
وفي هذه الفترة تعاظم دور المماليك حيث أصبح اعتماد الحكام المسلمين عليهم هو الأساس، الأمر الذي مكن لهم حتى أنشأوا دولتهم التي اسهمت أكبر إسهام في المعركة ضد التتار، حيث انتصر جيش قطز عليهم في عين جالوت في رمضان عام 658 هجرية الموافق صيف 1260، وتأتي نهايتهم بعد هذا التاريخ بقرابة قرن ونصف القرن من الزمان على يد سلطان مملوكي آخر.
الكتاب «دولة التتار.. الشروق والغروب» مكرس تقريبا للحرب بين التتار والخوارزميين، فبعد المقدمة، التي لا تتجاوز صفحتين، ثم تأسيس الدولة والنظر في خريطة العالم، يدخل بنا المؤلف إلى تاريخ حروب التتار ودولة خوارزم، وأخيرا، وفي أقل من تسع صفحات يلخص لنا معركتهم ضد قطز، وهذا هو مصدر الدهشة، فالمفترض أن قطز بدولته وجيشه ومماليكه أهم المظاهر الدالة على غروب دولة التتار، وانحسار هجمتهم البربرية التي روعت العالم بأسره، مشرقه ومغربه على السواء، لكن هذا ما رآه المؤلف.
محمد الزرقاني

الكتاب: دولة التتار - الشروق والغروب.
تأليف: هشام محمد.
الناشر: دار مشارق.
قطع متوسط 204 صفحات.


القبس
 
19-01-2011, 06:38 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif


الجريده

هو شي منه... شاعراً
الوقت في السجن طويل دائماً
بيروت - محمد الحجيري
بات لافتاً أن شخصيات سياسية وثورية كثيرة تميل إلى كتابة الشعر والرواية، بعضهم يدوّن نصوصاً تلقى استحسان النقاد والقراء وبعضهم الآخر يكتب نصوصاً هي أشبه باعتداء على الكتابة.
تنعكس شخصيات السياسيين على نصوصهم تبعاً لسلوكياتهم في الحكم، فمهما يكن شعر وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد جميلاً فهو لا ينفصل عن قراراته الحربية وأصوات طائراته، ومهما يكن شعر ماو تسي تونغ رهيفاً، فالقارئ قبل أن يقرأ مضمونه يتذكر مجازر «الثورة الثقافية»، والأمر نفسه في روايات المخلوع صدام حسين وقصص العقيد معمر القذافي.
إحدى الشخصيات السياسية التي كتبت الشعر وحافظ شعرها على رونقه السياسي الفيتنامي هو شي منه، فهو الذي وضع يومياته باللغة الصينية، وهو في سجون الصين. ونقلتها إلى الإنكليزية أيلين بالمر، وترجمها إلى العربية سركون بولص، الشاعر العراقي الذي كان أحد رواد قصيدة النثر.
كتابات هو شي منه إشارة الى تعبيرات شخصية ووجدانية، وليست شعارات أيديولوجية يطلقها «القائد» لبث الروح الثورية في نفوس الشيوعيين كما فعل غيره من قادة الزمن الشيوعي الآفل، والحال أن هو شي منه كتب «يوميات في السجن»، أي معنى أن يكون المرء خلف القضبان، ومعنى أن يكون بعيداً عن الحرية. يقول:
«في هذا العالم قد نصاب بألوف النكبات
لكن لا شيء أقسى من خسارة الحرية.
حين لا حقّ للإنسان، بعدُ، بكلمة، بإشارة
نرضى بأن نُساق كالخيول أو الماشية!
***
كما يتألم الرزّ هو تحت المدقة!
لكنه، بعد الطحن، يخرج أبيضَ كالقطن.
هكذا البشر في هذا العالم:
مشغل المصائب يصقلهم كحجر الصوّان».
والكلام الأكثر تعبيراً لهو شي منه حين سئل من أحد الصحافيين:
هل كنت في السجن؟ وكان واضحاً ما يرمي إليه الصحافي، فقال هو شي منه: نعم. أي سجن؟ يسأله الصحافي، يجيبه هو شي منه، سجون عدة، يا سيدي. أمضيت وقتاً طويلا في السجن؟ ينظر الرجل النحيف (هو شي منه) إلى الصحافي المليء نشاطاً وهو يبتسم ابتسامة ضعيفة، ويقول: الوقت في السجن دائماً طويل، كما تعرف.
كانت الإجابة التي أعطيت بالفرنسية واضحة، وغير متوقعة. يسأل مقدم يوميات هو شي منه: هل قيلت بقصد السخرية أو التفكهة؟ الأكيد هو أن الفرنسيين والإنكليز والأميركيين الموجودين في الغرفة تلك اللحظة، دهشوا عندما أيقنوا أن ذلك الرجل الملتحي يستطيع الابتسام في باريس أو في لندن كما في هانوي. كانت ابتسامة لا تسبر، ابتسامة رجل حكيم تمتد رؤيته بعيداً إلى ما وراء الحاضر.
لهو شي منه سيرته الطويلة في السجن، ففي أغسطس (آب) 1942 سيطر اليابانيون على الهند الصينية. إلا أن قوى جديدة برزت الى الوجود، وفي فيتنام تأسست قاعدة للمقاومة بشكل راسخ، ذلك في الأراضي المرتفعة. وذات يوم بالقرب من الجبهة الصينية – الفيتنامية، قبضت شرطة تشانغ كاي شك على رجل لم تعرف عنه شيئاً سوى أنه يدعى هو شي منه، وأنه يريد الذهاب الى تشنغ كنغ، ويمثل الوطنيين الفيتناميين. كانت ثياب هذا الرجل بسيطة جداً، إلا أن تفاصيل صغيرة كانت تظهر أنه لم يكن بالرجل العاديّ، لا سيما أنه كان يريد مقابلة السلطات الصينية في تشنغ – كنغ. كان هذا كافياً ليزجّ بأي تهمة في السجن. فوضع هو شي منه بدايةً في سجن تسنغسي، ثم نقل، من دون أي سبب واضح، إلى ناننغ، ومنه أرسل إلى كويلين، ثم ليوتشو.
أخذوه قبل الفجر، عندما انطفأت النجوم، بيدين مكبلتين على حصان، خلف خنزير يقوده حارسان. وعند هبوط الليل، حين عادت العصافير الى أعشاشها، زج به في سجن موقت بالقرب من مجمع قمامة. وكان، مع ذلك، سعيداً.
وفيما كان ينقل من هنا الى هناك على خطّ دائريّ مفرغ، اجتاز إقليم كوانغسي من أقصاه إلى أقصاه، ووضع في 30 سجناً في الدساكر والمقاطعات لمدة 14 شهراً. كذلك سجن في ليوتشو، حيث عاد من هناك عبر الطريق نفسه إلى الحدود التي اجتازها قبل عامين.
ومع أن هو شي منه أمضى أياماً قطع فيها 50 كيلومترا مشياً على الأقدام، وعانى ليالي الأرق، والجوع، والبرد، ونوبات الحمى، فقد احتفظ السجين بابتسامته التي كانت تدلل على ثقته التي لا تتزعزع بالحياة، بكل انتصاراتها على الشر والموت.
بتعب تطير العصافير إلى الغابة تنشد الراحة.
وعبر السماء الفارغة غيمة وحيدة،
وبعيداً في قرية جبلية، فتاة شابة تطحن الذرة.
وعندما تطحن الذرة كلها، تتأرجح النار في الفرن.
وفي مكان آخر كتب:
الوردة في المساء تزهر، وبعدئذ تذوي.
تفتُّحها وذبولها يستمران في الخفاء.
لكن عبير الوردة ينتشر حتّى أعماق السجن،
19-01-2011, 07:47 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,789

icon1.gif


http://www.annaharkw.com/annahar/AuthorArticles.aspx?id=3017

جوشوا في الأرض غير الموعودة..
يوميات ضابط أميركي عن الحرب
الحلقة الأولى
بروكس: استغربت عناد صدام حسين كثيراً وكنا نتوقع إعلان العراق الانسحاب من الكويت قبل الحرب
ترجمة شاهر عبيد - تقديم د. إبراهيم بهبهاني
249597_1_main.JPG

الجزء الأول: عملية درع الصحراء
إهداء إلى الشعب الكويتي (لاسيما المتطوعين منه في جمعية الهلال الأحمر) الذي حصل على حريته كما يستحق. مع التقدير
لا شك في ان الحياة تجارب، نتعلم منها الكثير من الدروس والعبر. وقد يحدث ان نلتقي مصادفة بأناس غير متوقعين، فيكونون كالبلسم والدواء حين نكون في أشد الحاجة إليه، حيث تلفنا الكوارث، فتعم الفوضى العامة ونعاني من الضياع. وهذا ليس أمرا نادرا، وقد يحدث في أي مكان.

كانت تجربة الغزو العراقي للكويت قاسية بكل ما في الكلمة من معنى، من بداية الاحتلال حتى خروجي من الكويت في 20/10/1990، وكنت خارجا لتوي من سجن دام 26 يوماً قضيتها في مبنى محافظة العاصمة. كانت تلك الفترة، بالغة المرارة، وشكل الخوف فيها عاملا أساسيا، لا سيما انه ترافق مع هروب أو ابتعاد الذين عرفتهم، وهم المفروض أن يكون لهم دور يعوّل عليه في ذلك الوقت. حتى هؤلاء أصبحوا عاجزين عن المساعدة والوقوف الى جانبك.. وفي لحظة واحدة، تمثل عامل «الخوف» وكل ما درسناه من نظريات في هذا المجال أمامنا، من دون الدخول في التفاصيل.

بعد خروجي من الكويت احتضنتنا البحرين الشقيقة حكومة وشعباً (كأخوة لاجئين) أنا وأهلي، فتبدد عامل «الخوف» جزئياً من نفوسنا. لكننا بدأنا نواجه مشكلة أخرى تضاف الى رواسب الخوف مشكلة حب الظهور والقيادة.. ربما هو الشعور بالفراغ مع انقطاعنا عن أعمالنا وحياتنا!

وسط هذا الجو المشحون بالقلق والتوتر تعرفت على الكولونيل الاميركي «إيفان بروكس» في غمار انشغال الجيش الأميركي في مهمات عسكرية لمواجهة محنة الغزو. كان لتكليف الكتيبة 352 للشؤون المدنية التي يتبع لها بروكس تأثير كبير جداً على عملنا الإنساني، وشكل تحولاً نوعياً واضحاً في سير مهمتنا. ولطالما رددت بأن الدور الذي قام به «إيفان» وكتيبته للشؤون المدنية فاق التصور، ويكاد يقترب من الخيال. وكثيرا ما ذكرني وجوده الى جانبنا بالمثل «رب أخ لك لم تلده أمك». كان هذا الرجل يسجل كل حركاتنا وسكناتنا، مصورا حالة القلق التي أحاطت بنا. ومن ثم فوجئنا في اليوم نفسه أو اليوم التالي، بمجموعة من المتطوعين والمتطوعات من الجيش الأميركي يقومون، من حيث لا ندري، بمساعدتنا، نحن متطوعو الهلال الأحمر، على أداء العمل.

لقد تمكن «إيفان» من تحريك قافلة الهلال الأحمر من البحرين، يوم 28/2/1991. ولم يتوقف دوره عند هذا الحد، بل ساعد بعد ذلك على إدخال قوافل مساعدات تموينية عديدة وصلت من البحرين أو اسبانيا وعدد من جمعيات الهلال والصليب الأحمر عبر العالم. وعندما استدعت الحاجة الماسة استطاع هو بالتعاون مع متطوعين ومتطوعات من البحرية الأميركية والقوات الجوية، توضيب مئات البالات (جمع بالة) من مواد الإغاثة، لنقلها جواً الى الكويت، حيث بلغ مجموع الحمولة التي قاموا بنقلها حوالي 2000 طن. ثم تولى عملية نقلها من مطار الكويت الدولي الى مخازن الهلال الأحمر في الجابرية والري، ومنها الى مخيم اللاجئين في العبدلي.

وكنت أقضي مع «إيفان» معظم ساعات يومي في التشاور والتنسيق والعمل في إطار الهلال الأحمر. وطوال تلك الفترة، كنا معا بالتأكيد، ما لم يكن يقوم بعمل ما في مكان آخر، محاولاً حل مشكلة أو معضلة عندي أو حتى عند غيري، دون أن ينسى تسجيل كل ذلك.

واليوم، حيث أجلس وأنغمس بقراءة مذكراته تغمرني السعادة بسبب ما كان يشعر به من احترام وأخوة وود، ليس مني ومن متطوعي الهلال الأحمر فقط، بل حتى على مستوى الحكومة في مقرها بمنطقة الشامية، وكذلك من المنظمات الإنسانية المحلية والدولية والسفارة الكويتية لدى البحرين وحتى الحكومة البحرينية (ممثلة بالدفاع المدني).

لقد طلب مني الأخوه في جريدة «النهار» وضع مقدمة لكتاب «إيفان» كما سجله من واقع مذكراته بعنوان «جوشوا في الأرض غير الموعودة».. وفي اعتقادي أن دقة ما سجله هذا الرجل وما قدمه من خدمات للكويت في تلك الآونة يستحق الشكر والتقدير. ولاحقاً، علمت بأنه «يهودي». وأعتقد أن من أخبرني بذلك توقع أني سوف أتراجع، ولكن ذلك لم يحركني قيد شعرة، لما قدمه للكويت. فمرحباً به مهما كان جنسه (أو دينه أو مذهبه).. يقول السيد الخميني - رحمة الله عليه - في إحدى فتاواه: إذا استولى شخص على بيتك فمن حقك الاستعانة بجارك حتى لو كان كافراً لإخراجه من بيتك. ونحن استعنا بالولايات المتحدة لطرد الغازي، وبهذا الشخص الأميركي اليهودي، فأثبت أنه انسان مخلص في مساعدته لنا حتى تحرير الكويت. وهو لم يبد لنا في أي وقت من الأوقات تعصباً لمذهبه.. لقد تعامل هو معنا بصدق، فبادلناه هذه المعاملة بالمثل. وأنا على يقين بأن القارئ سيصل لهذه النتيجة عينها بعد قراءة هذه المذكرات.

الفصل 1

تسلمت كتاب إحالتي على التقاعد في مطلع ديسمبر 1990، بعد بلوغي سن الستين. وفي اليوم ذاته تسلمت أيضا كتابا بالتحاقي كضابط احتياط بقوات «عملية درع الصحراء». في يوليو 1990 شاركت في مناورة مشتركة وهي «إنتيرنال لوك» لمدة أسبوعين، إذ حدث غزو عراقي لدولة الكويت والسعودية. وقد بلغت هذه العملية ذروتها مع التدمير على الورق «لقوات التدخل السريع»، ومنها تدمير لواءين مجوقلين، والاضطرار لمواصلة لواء ميكانيكي الحرب عن طريق البحر الى الظهران (السعودية).

تطوعت للخدمة العسكرية في 20 أغسطس. وأرسلوني الى «فورت براغ «بشمال كاليفورنيا للتدرب على الأجواء المتوسطية. كنت ضابطا في وحدة الشؤون المدنية بالجيش، وهي وحدات لم تعد تحظى بثقة كبيرة من القوات المسلحة بعد الحرب العالمية الثانية. وهذه الوحدة كانت مطلوبة لمرافقة الوحدات الخاصة SOF (في حرب فيتنام كانت وراء الخطوط). وبعد تسريحي مؤقتا بسبب كبر السن، أعادوني للخدمة في 11 ديسمبر 1990، على أن يرسلوني الى السعودية فورا، وهذا ما كان فعلا.

الأربعاء 12 ديسمبر 1990

أوصلتني زوجتي الى فيينا (فرجينيا)، ومنها ذهبنا بالحافلات الى فورت براغ، حيث أمضينا يومنا الأول هناك. وكان أول شيء قمت به بعد التحاقنا بوحدتي الأفراد واللوجستيات هو أخذ أوزاننا وأطوالنا واعطونا أحذية.

الخميس 13 ديسمبر 1990

بعد تناول الفطور حضرنا درسا حول الحرب النووية والبيولوجية والكيميائية، وحقن الأتروبين، من كابتن لا يفقه شيئا في هذه المسائل. ثم انتشرنا في أرض المعسكر. حتى حان وقت الغداء، وأعقبه توزيع ألبسة عسكرية لدى الآمر شبيغلميير، قائد العمليات الخاصة. وقد ألحقوني بفصيلة عسكرية، حيث قدم لنا ضابط أمن العمليات بعض المعلومات الأمنية عن يوم الانتشار للقوات، وهو 7 أغسطس.

استجوبوني حول موقفي وخبراتي بلا تحديد. ولكن المحقق سألني عن مشاكل الفرد اليهودي في العالم العربي. وأعقب ذلك استماع الى معلومات حقوقية، شملت قانون إغاثة المدنيين الخاص بالجنود والبحارة SSCRA. وأبلغونا بعدم السماح لنا بأي مقابلة أو قبول كتب أو مجلات ومعلومات، وضرورة تحويلها الى مكتب الشؤون العامة.

الجمعة 14 ديسمبر 1990

هذا يوم خصص للفحص الطبي للتأكد من صلاحيتنا للخدمة في الخارج. ولم يفتني إبلاغهم بأنني لا أهتم بالأمور الدينية، لمعرفتي ان هذا لا يناسب الخدمة في المنطقة العربية. ثم حضرنا اجتماعا، لكن تبين أن لا أحد يعرف الى أين سنمضي أو ما الذي سيحدث.

السبت 15 ديسمبر 1990

استكملنا الفحوص الطبية، واختبارات اللياقة العامة بعد الظهر. ثم كان إرسال أول دفعة من المتطوعين الى دوفر. وقد عينت ضابط ارتباط للشؤون المدنية في قيادة البحرية برفقة «فرانكي راي». وأبلغوني أنني سأرسل الى الرياض، على ان ألتحق بقائد البارجة «لاسال».

الأحد 16 ديسمبر 1990

واصلنا التدريب العام لكنه كان سطحيا. وبدا لي ان التحضيرات للحرب مسؤولية فردية. وقد طلبت (مع بعض الشروط) زيارة أصدقاء لي. وفي المساء صرفوا لنا أدوية عصبية، بعضها لم يكن يتم ذكره خلال التدريبات كلها، وهي ساعدت على تحسين معنوياتنا، على أن تسافر طلائع وحدتنا الى دوفر خلال 24 ساعة.

الاثنين 17 ديسمبر 1990

كان مقررا أن نغادر في الساعة الثانية.، مع تسلمنا معدات التمويه والثياب الحربية. ولكن كان هناك أمور اخرى لم نحصل عليها فتأخرنا بعض الوقت.

الثلاثاء 18 ديسمبر 1990

وصلنا الى دوفر عند الخامسة فجرا، والى المطار في الحادية عشرة. وبقينا ننتظر. وهناك التقيت صديقا قديما من العام 1953.

الأربعاء 19 ديسمبر 1990

انطلقنا بالطائرة في الواحدة ليلا، الى جزر اللازورد البرتغالية. ولم نكن نعرف أين وجهتنا لقلة النوافذ بالطائرة.

الخميس 20 ديسمبر 1990

وصلنا «راين مين»، ونقلونا بالحافلات الى مقر منظمة الخدمات المتحدة. وهناك أخذنا استراحة طويلة. وبعد الظهر صعدنا الى الطائرة واتجهنا الى المملكة العربية السعودية.

الفصل الثاني

الالتحاق بالبحرية

يبدو انني وضعت في المكان الخطأ تماما، حيث لا حاجة للقوات البحرية بالخدمات المدنية، كما سيتضح لي.

الجمعة 21 ديسمبر 1990

وصلنا الى الظهران خلال سبع ساعات، مع حلول الظلام، ونمنا في خيام عسكرية. حاولنا مرارا الاتصال بقيادة الجيش الوسطى لكن بلا جدوى بسبب صعوبة الاتصالات، فضلا عن تشابك وانشغال الخطوط المكثف. ومرة فقط كدت أنجح في الاتصال لكن صفارة إنذار محذرة من صواريخ سكود دوت، فهرعنا الى ارتداء ثيابنا الواقية. وتبين انه إنذار كاذب، وان صاروخا إسرائيليا من نوع «جيريكو» كان قيد الاختبار، لا أكثر.

اتصلت بالميجور ستيف غريكو في البحرين فخف لمساعدتنا بسيارته. ورأيت ان البحرين «لؤلؤة» وسط بحر من الأصولية، وان فيها أسماء إنجليزية أكثر من أرلنجتون بفرجينيا. واستمتعنا بوقت جيد هناك، لاسيما في مقر وحدة الدعم الإداري قرب الشاطئ في المنامة. وتقرر ألا تلبس قوات الشؤون المدنية «البيريه» العسكرية الخمرية اللون، باعتبارها قوات غير مجوقلة، كما منعنا من ارتداء اللباس العسكري داخل المدينة.

السبت 22 ديسمبر 1990

كان هناك أربعة أماكن للجيش: الإدارة، الاستخبارات، التدريب والعمليات، اللوجستيات، ويمكن إلحاق قوات الخدمات المدنية بها. وقد التقيت بالعديد من الأفراد من هذه الأسلحة، مثل جون شيروين، غلين فلتشر، بيتر هوستا، بريان المتخصص في العمليات وآخرين.

كان أول عقبة اصطدمت بها هناك هي عدم قبول القيادة البحرية بوثيقتي الأمنية، والتي لم أتمكن من تصديقها في الرياض، واضطررت لمخاطبتهم في مريلاند لتزويدي بنسخة مصدقة منها. بعد ذلك راجعت السفارة الأميركية لإبلاغهم عن التحاقي. وفي وقت لاحق قابلت أنا ورفيقي الرقيب «رايت «الأدميرال روبرت سوتون، الذي أعجب بخبرتي كضابط كيميائي، دون ان يدري انها مجرد حبر على ورق كما قرأها في سيرتي الذاتية.

الأحد 23 ديسمبر 1990

لدى التحاقي بالقيادة البحرية تلقيت أول تعنيف من الكابتن «كاس» البحري بسبب فلة الانضباط. وكان كاس ضابط احتياط قديماً، وفي الخمسينيات من عمره ومهتما بالسياسة.

ولكن المشكلة التي واجهناها كانت تعييننا لدى القوات الدعم البحري NAVLOG أو في القيادة البحرية المركزية NAVCENT بشكل فعلي، واستقر بي المطاف رسميا كضابط في عمليات التسجيل البحري.

الأثنين 24 ديسمبر 1990

قضيت وقتا في مراجعة ملفات الخطط القتالية، واستنتجت ان القيادة الوسطى قد حولت كل مسؤولية الشؤون المدنية الى قيادة قوات الشرق الأوسط CMEF. وفهمت ان مخطط العمليات يوضح أن من المفترض ان يتولى كبير الضباط داخل كل بلد قيادة العمليات المدنية. كما انها تطلب تقديم تقرير يومي للقيادة المركزية عن طريق قيادة الجيش الوسطى يتضمن نشاطات الخدمات المدنية.

الثلاثاء 25 ديسمبر 1990

إنه يوم عيد الميلاد، ولكنهم أجلوا العطلة ليوم غد بسبب حالة الاستنفار. وقد مر بطيئا علي، بين البحث عن الرسائل والأعمال العادية. ثم نظمت قيادة العمليات حفلا ترفيهيا لموسيقى البوب للشقيقتين آن جوليان وماري أوزموند، بعد أن منعتا من الدخول الى السعودية.

وفي هذه المناسبة تحدثت مع الكابتن كاس بشأن تعييني. قلت له ان البحرية بحاجة الى ضابط ارتباط عسكري، ولا حاجة بهم الى خدماتي في الشؤون المدنية. ولأن البحرية متواجدة في البحرين منذ 1947 بأعداد قليلة، فلا مشكلة في تعيين ضابط ارتباط لهذا العدد الكبير من القوات الآن. لذلك اتصلت بالقيادة الوسطى لكنه كان يوم عطلة في الرياض. وفيما بعد أبلغتهم بأن الكابتن كاس ليس بحاجة الى ممثل للشؤون المدنية في البحرين.

الأربعاء 26 ديسمبر 1990

استيقظت في التاسعة، وتوجهت الى وحدة الدعم الإداري، حيث اتصلت بالقيادة الوسطى للجيش CENTCOM، وقيادة المركزية للجيش ARCENT، لكن بلا طائل. وكان هناك رجل إيراني يدعى «حمزة»، قالوا لي انه يستطيع ان يعمل كل شيء هناك حتى داخل القيادة.

ذات مرة رن الهاتف، فأجبت. كان المتكلم من البنتاغون، بشأن تحديد طلب الأدميرال سوتون لحوامة لنقله في زيارته المقبلة الى واشنطن العاصمة. وقلت لهم انني لا أدري، لأكتشف بعد إقفال الخط انني ارتكبت حماقة تتعلق بالسرية. وقد خشيت من العواقب، ولم أتخلص من الخوف إلا بعد أن التقيت مدرسا مصريا للغة الإنجليزية، فحدثني عن عدم ارتياحه في البحرين، ولكن همه هو كسب المال.

الخميس 27 ديسمبر 1990

في الاجتماع الصباحي سجلت ملاحظات للاجتماع المقبل، ثم قمت بزيارة للمستشفى الميداني. وناقشنا موضوع اللباس والأعتدة المضادة للأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية.

بعد العاشرة قمت بزيارة الى السفارة الأميركية. وكانت هناك مشكلة المؤن لدى البحارة. ولم يوافق الضابط المسؤول في قوات على تنظيم المواد الطبية المشتركة وفتح المخزن لهذا الغرض، داخل القاعدة البحرية. واتصلت بالآمر جون جاسكيت بشأن وضعي، باعتباره محامي دفاع على متن السفينة الحربية «لاسال».

ثم حضرت اجتماعا أمنيا حول الفنادق والعبور برئاسة الآمر «هوسر»، وفهمت أنه لا توجد أي خطط بهذا الشأن. وحضر الاجتماع بريطانيون وكنديون، وضابط الأمن سكوت كارسون، فأصبح صديقا لتشوك ترومبيتا من يومها. وكانت لي عدة اتصالات حول تلك الأمور كلها مع آخرين.

الجمعة 28 ديسمبر 1990

قمت مع الرقيب رايت بزيارة البارجة «بلو ريدج»، حيث قدمت نسخة من سيرتي الذاتية والعسكرية للقومندان سانتوس. ولكني ارتكبت هفوة حين أخبرتهم بأن علي السفر الى أميركا في أبريل. ولما سألوني عن السبب، قلت لهم انه من أجل حضور مناسبة ابني الذي سيبلغ سن الثالثة عشرة (وهي مناسبة تسمى Bar Mitztah عند اليهود). وفيما بعد أخبرني صديق بأن سلاح البحرية لا يثقون باليهود. وبالفعل، عندما سألت عن العطل الدينية قال لي أحدهم: ولماذا تسأل؟ أنت اليهودي الوحيد هنا، ولا عطلات لك.

السبت 29 ديسمبر 1990

رتبت لقاء مع الكولونيل الجوي «كرومراين» في السفارة الأميركية. ولدى عودتي علمت ان التدريب على الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية قد ألغي. كذلك تلقيت اتصالا في تلك الليلة من ستيف غريكو العائد من هاواي. فقد ناقش وضعي مع الكولونيل جيم غوليك، ورأى ضرورة مساعدتي.

الأحد 30 ديسمبر 1990

ذهبت لحضور اجتماع السفارة. وهناك طرحت أسئلة تتعلق بإخلاء المدنيين الأميركيين، وأكثريتهم يعملون في المدرسة الخاصة بوزارة الدفاع. لكن القنصل تنصل من المسؤولية عن المدرسة. وأبديت فيما بعد ملاحظات قاسية بهذا الصدد.

الاثنين 31 ديسمبر 1990

أبلغوني ان العمل يبدأ في الوحدة منذ السابعة صباحا. والجيش يفضل رؤية الأفراد وكأنهم مشغولون، بغض النظر عن حقيقة انشغالهم. ومن ثم اجتمعت مع الكابتن كاس فأخبرني بأن البحرية بحاجة الى ضابط ارتباط.

وعقد اجتماع لضباط الشؤون المدنية في الظهران لكنهم لم يسمحوا لي بحضوره. فاعترضت، وقبل الظهر أبلغني الكابتن كاس انهم قبلوا بحضوري.

249597_2_main.JPG

249597_3_main.JPG


===============================================


جوشوا في الأرض غير الموعودة..
يوميات ضابط أميركي عن الحرب قدمها
الحلقة الثانية
مساء 15 يناير 1991 كان يوماً عصيباً.. وتوقعنا قيام الجيش العراقي بضربة استباقية
ترجمة شاهر عبيد - تقديم د. إبراهيم بهبهاني




249924_6_main.JPG
الجزء الأول: عملية درع الصحراء

إهداء إلى الشعب الكويتي (لاسيما المتطوعين منه في جمعية الهلال الأحمر) الذي حصل على حريته كما يستحق. مع التقدير



لا شك في ان الحياة تجارب، نتعلم منها الكثير من الدروس والعبر. وقد يحدث ان نلتقي مصادفة بأناس غير متوقعين، فيكونون كالبلسم والدواء حين نكون في أشد الحاجة إليه، حيث تلفنا الكوارث، فتعم الفوضى العامة ونعاني من الضياع. وهذا ليس أمرا نادرا، وقد يحدث في أي مكان.

كانت تجربة الغزو العراقي للكويت قاسية بكل ما في الكلمة من معنى، من بداية الاحتلال حتى خروجي من الكويت في 20/10/1990، وكنت خارجا لتوي من سجن دام 26 يوماً قضيتها في مبنى محافظة العاصمة. كانت تلك الفترة، بالغة المرارة، وشكل الخوف فيها عاملا أساسيا، لا سيما انه ترافق مع هروب أو ابتعاد الذين عرفتهم، وهم المفروض أن يكون لهم دور يعوّل عليه في ذلك الوقت. حتى هؤلاء أصبحوا عاجزين عن المساعدة والوقوف الى جانبك.. وفي لحظة واحدة، تمثل عامل «الخوف» وكل ما درسناه من نظريات في هذا المجال أمامنا، من دون الدخول في التفاصيل.

بعد خروجي من الكويت احتضنتنا البحرين الشقيقة حكومة وشعباً (كأخوة لاجئين) أنا وأهلي، فتبدد عامل «الخوف» جزئياً من نفوسنا. لكننا بدأنا نواجه مشكلة أخرى تضاف الى رواسب الخوف مشكلة حب الظهور والقيادة.. ربما هو الشعور بالفراغ مع انقطاعنا عن أعمالنا وحياتنا!

وسط هذا الجو المشحون بالقلق والتوتر تعرفت على الكولونيل الاميركي «إيفان بروكس» في غمار انشغال الجيش الأميركي في مهمات عسكرية لمواجهة محنة الغزو. كان لتكليف الكتيبة 352 للشؤون المدنية التي يتبع لها بروكس تأثير كبير جداً على عملنا الإنساني، وشكل تحولاً نوعياً واضحاً في سير مهمتنا. ولطالما رددت بأن الدور الذي قام به «إيفان» وكتيبته للشؤون المدنية فاق التصور، ويكاد يقترب من الخيال. وكثيرا ما ذكرني وجوده الى جانبنا بالمثل «رب أخ لك لم تلده أمك». كان هذا الرجل يسجل كل حركاتنا وسكناتنا، مصورا حالة القلق التي أحاطت بنا. ومن ثم فوجئنا في اليوم نفسه أو اليوم التالي، بمجموعة من المتطوعين والمتطوعات من الجيش الأميركي يقومون، من حيث لا ندري، بمساعدتنا، نحن متطوعو الهلال الأحمر، على أداء العمل.

لقد تمكن «إيفان» من تحريك قافلة الهلال الأحمر من البحرين، يوم 28/2/1991. ولم يتوقف دوره عند هذا الحد، بل ساعد بعد ذلك على إدخال قوافل مساعدات تموينية عديدة وصلت من البحرين أو اسبانيا وعدد من جمعيات الهلال والصليب الأحمر عبر العالم. وعندما استدعت الحاجة الماسة استطاع هو بالتعاون مع متطوعين ومتطوعات من البحرية الأميركية والقوات الجوية، توضيب مئات البالات (جمع بالة) من مواد الإغاثة، لنقلها جواً الى الكويت، حيث بلغ مجموع الحمولة التي قاموا بنقلها حوالي 2000 طن. ثم تولى عملية نقلها من مطار الكويت الدولي الى مخازن الهلال الأحمر في الجابرية والري، ومنها الى مخيم اللاجئين في العبدلي.

وكنت أقضي مع «إيفان» معظم ساعات يومي في التشاور والتنسيق والعمل في إطار الهلال الأحمر. وطوال تلك الفترة، كنا معا بالتأكيد، ما لم يكن يقوم بعمل ما في مكان آخر، محاولاً حل مشكلة أو معضلة عندي أو حتى عند غيري، دون أن ينسى تسجيل كل ذلك.

واليوم، حيث أجلس وأنغمس بقراءة مذكراته تغمرني السعادة بسبب ما كان يشعر به من احترام وأخوة وود، ليس مني ومن متطوعي الهلال الأحمر فقط، بل حتى على مستوى الحكومة في مقرها بمنطقة الشامية، وكذلك من المنظمات الإنسانية المحلية والدولية والسفارة الكويتية لدى البحرين وحتى الحكومة البحرينية (ممثلة بالدفاع المدني).

لقد طلب مني الأخوه في جريدة «النهار» وضع مقدمة لكتاب «إيفان» كما سجله من واقع مذكراته بعنوان «جوشوا في الأرض غير الموعودة».. وفي اعتقادي أن دقة ما سجله هذا الرجل وما قدمه من خدمات للكويت في تلك الآونة يستحق الشكر والتقدير. ولاحقاً، علمت بأنه «يهودي». وأعتقد أن من أخبرني بذلك توقع أني سوف أتراجع، ولكن ذلك لم يحركني قيد شعرة، لما قدمه للكويت. فمرحباً به مهما كان جنسه (أو دينه أو مذهبه).. يقول السيد الخميني - رحمة الله عليه - في إحدى فتاواه: إذا استولى شخص على بيتك فمن حقك الاستعانة بجارك حتى لو كان كافراً لإخراجه من بيتك. ونحن استعنا بالولايات المتحدة لطرد الغازي، وبهذا الشخص الأميركي اليهودي، فأثبت أنه انسان مخلص في مساعدته لنا حتى تحرير الكويت. وهو لم يبد لنا في أي وقت من الأوقات تعصباً لمذهبه.. لقد تعامل هو معنا بصدق، فبادلناه هذه المعاملة بالمثل. وأنا على يقين بأن القارئ سيصل لهذه النتيجة عينها بعد قراءة هذه المذكرات.

في الحلقة السابقة كشف الكولونيل الأميركي ايفان بروكس عن تفاصيل الاعداد اللوجيستي التي سبقت حرب تحرير الكويت المعروفة باسم «عاصفة الصحراء»، وكيف كان متذمرا من وجوده بل عمل في البحرية الأميركية.

وكشف عن ارساله رسالة لأخيه يحمل فيها قيادته مسؤولية تعرض أحد الافراد لعمل إرهابي.

الفصل 3

الفوضى تدب

الثلاثاء 1 يناير 1991

ذهبت الى المستشفى الميداني لأفهم ما حدث بشأن المعدات الواقية من أسلحة التدمير الشامل. تحدثت مع الكولونيل توم ماكنوغير، الذي خدم في معهد بروكنغز، وعمل محللا لدى محطة سي ان ان. ومشكلته ان تحليلاته كان يثبت خطؤها دوما! لقد كان يقول ان الوضع في الكويت سينتهي بلا نزاع. وقد خالفته الرأي، لشعوري بان لا مجال سوى الحرب. والمهم انني فهمت من إحدى المجندات بأنه لا يريد أن يساعدني، قائلا عني « إنه كثير الشكوى».
ما أدهشني هو ان القوات البحرية كانت تستأجر عمالا لإنشاء قاعدة مؤقتة. وكان ذلك العمل سيحتاج الى حوالي ربع مليون دولار. وتساءلت عن سبب عدم تشغيل القوات البحرية من المتسكعين، وتوفير المال. واستنتجت انهم كانوا لا يقيمون وزنا للقضايا المالية.

الأربعاء 2 يناير 1991

توجهت باتجاه الدمام لحضور اجتماع الشؤون المدنية في المستشفى الميداني، ومقره في منزل على الشاطئ مستأجر من أميرة سعودية. وهناك التقيت الميجور جون ويدين، وحدثته عن مشاكلي مع قيادة البحرية. كان في الاجتماع ممثلون من مختلف الوحدات (الوسطى، العسكرية، البحرية، القوات الجوية الوسطى، القوات الخاصة، المارينز) وآخرون.
وفهمت ان الهجوم سينطلق من منطقة «الشعيبة» (الكويت)، ولهذا فإن البحرية سيكون لها الدور الحاسم، وبإمكاني تقديم المساعدة لها. وسألت عن دور قيادة البحرية الوسطى بالنسبة لضابط شؤون مدنية. فأوضح الكولونيل كير ان لدى هذه القيادة سلطة في المنطقة الساحلية، ريثما تطهّر قوات المارينز المنطقة الساحلية. وقد يستغرق هذا من 6- 8 ساعات.
حملني الكولونيل كير رسالة رسمية وجهها الجنرال شوارتسكوبف للمسؤول الأمني في البحرين، الكولونيل كروراين، بالسفارة لتعزيته بوفاة زوجته. وقررت أن أطلق شاربي، كتقليد عسكري خلال اندلاع الحرب، وهو ما جعلني كالعرب.

الخميس 3 يناير 1991

أخذت أحضر للانتقال الى موقع قوات الدعم البحري ( نافلوغ). وقد تلقينا شحنة من الكمبيوترات اليابانية. لكن كانت هناك عراقيل، وشعرت بأنني وضعت في المكان الخطأ. وتساءلت عن مستقبل الجيش الأميركي في محيط من الضياع!

الجمعة 4 يناير 1991

عادت البارجة «بلو ريدج» وسيزورها الأدميرال آرثر. وبالفعل فقد تعرفت عليه وهو في طريقه عبر موقع وحدتنا. واتصلت أكثر من مرة بالمسؤولين في البارجة لمعرفة ما حدث بشأن وضعي، لكن بلا فائدة تذكر.

السبت 5 يناير 1991

اتصلت بالقائد بيل كونيلي بشأن وضعي، وأجاب بأن وحدة الشؤون المدنية غير ضرورية لهم وانني شخصيا لن يتم تعييني في القيادة البحرية. قلت لغلين إيكلي إنني ضائع بين تبعيتي لهذه القيادة أو لتلك القوات. وكان جوابه هو : اذا كنت تفكر في العمل مع قيادة الجيش الوسطى ومع القيادة البحرية فأنت جاسوس في هذا المكان، ولسنا في حاجة إليك!

الأحد 6 يناير 1991

بدأت أحضر أجهزة الكشف عن الأسلحة الكيميائية للدورة التدريبية المرتقبة. وبعد الظهر تلقيت رسالة برفض حضوري للاجتماع القانوني. ولم أفهم السبب وراء هذا الموقف السلبي مني.

الاثنين 7 يناير 1991

بدأت الدورة منذ الصباح. وكان هناك كلام وشكاوى تتعلق بجدوى استخدام جهاز الكشف عن المواد الكيميائية، لأنه لا يوجد متخصصون في مثل هذا النوع من الأجهزة.

الثلاثاء 8 يناير 1991

هذا يوم العطلة الأسبوعية. ولم أغادر السرير حتى لتناول الشورما اللذيذة في وسط المدينة. وكان علي التأكد من أن الحضور أمس في الدورة استفادوا من التدرب على الجهاز.

عند الخامسة مساء سمعنا انفجارين في البحرين. وصرخ غلين بالجميع للاختباء. ولم يعرف أحد مصدر الانفجارين. لكن البعض قال انها ألغام في الميناء أو كسر الطائرات للحاجز الصوتي.

الأربعاء 9 يناير 1991

بدأت الدورة صباحا على الأجهزة. وطلبت من القيادة وصلا بتسلمهم 40 جهازا ( قيمة كل منها 25 ألف دولار ). وبعد العمل أبلغني رئيس الأركان الكابتن دودلي بوك ان عناصر الشؤون المدنية بحاجة الى مساعدة. وكان هؤلاء قادمين من كاليفورنيا وليس لديهم ثياب ولا مال.
ومن المصاعب التي واجهوها هو الدفع لهم بشكل يومي (لأن هذا غير مسموح في الميدان لأكثر من شهر)، ومشاكل نقص المياه في الموقع جنوبي المنامة، ثم نقص المولدات والأجهزة والأغذية. وهكذا اتصلت بقيادة الجيش الوسطى وأخبرتهم بالأمر. وقالوا لي إن الوحدات الصغيرة قد تواجه خطر الإرهابيين إذا تشتتت، وهي بحاجة الى بنادق يجب علي تأمينها.

الفصل 4

التحضير للحرب

مع اقتراب موعد شن الحرب تزايد التوتر لدينا. بدت المبادرات الروسية والأخبار من داخل أميركا مطمئنة بأن العراقيين على وشك الانسحاب من الكويت. وقد استغربت عناد صدام حسين، حيث كان بإمكانه تفويت الفرصة على الجميع بالاعتراف بأن احتلال الكويت كان عملا متعجلا وانه مستعد للانسحاب، وكذلك القبول بانتخابات حرة في الكويت. وفي هذا الشأن، المواطنة في الكويت ستكون محصورة بالمواطنين الذكور من العائلات التي سكنت الكويت في العام 1920.

الخميس 10 يناير 1991

اتصلت بالقيادة العسكرية في السعودية بشأن تأمين الأسلحة الفردية لكن دون جدوى. وأجريت عدة اتصالات أخرى لهذا الغرض، منها اتصال بالميجور جيف كرستيانسن في القيادة. وقلت له إنني بحاجة الى 40 بندقية. وكان علي كتابة «برقية» الى القيادة المركزية في بيرل هاربر، بينما أراد الأدميرال سوتون تحضير القوة الرئيسية للبدء بالتحضير لخطط ما بعد الحرب هناك.

الجمعة 11 يناير 1991

اتصلت بكرستيانسن وقال انه أمن لي عشرين بندقية فقط. فأخبرت مشاة البحرية بذلك فأرسلوا طائرة عسكرية لنقل البنادق الى الرياض. ومع ذلك انتظرت ثلاثة أيام لكي يوقع رئيس الأركان في مشاة البحرية وصل استلام الأسلحة.

السبت 12 يناير 1991

اجتماع أمني في التاسعة صباحا. لقد كان النشاط الإرهابي يتزايد، ونحن نراوح في المكان. كان علينا ان نبقى مستعدين حتى تصلنا مساعدات، ولكن في البحرين ذلك صعب.

لم أجد ما يكفي من العناصر لتشغيل الأجهزة الكاشفة للتلوث الكيميائي. أحد المحللين أرسل لي نسخة من فيلم ألعاب أنتجه بعنوان « كابوس عربي: حرب الخليج» فاستمتعت به.

الأحد 13 يناير 1991

منع رئيس الأركان الجميع من حمل السلاح. وكان لدي مسدس من عيار 45 من وحدتي. وعلمت ان السلطات البحرينية أعلنت انها ستطلق النار على أي رجل تضبطه حاملا السلاح. وقد ارتكبت هفوة لدى دخولي الحمام بأن نسيت مسدسي عند المغسلة، وخرجت فلم أجده. بحثت كثيرا عنه وسألت، واخيرا قيل لي انهم أخذوه وأعادوه الى مخزن الأسلحة.

الإثنين 14 يناير 1991

أنهيت مخطط إعادة الانتشار وارسلته الى بيرل هاربر. ثم تابعت عملي المقيت في الشؤون المدنية.

الثلاثاء 15 يناير 1991

نظمت بمساعدة الرقيب رايت دورة قصيرة لعناصر البحرية. وناقشت مع الكولونيل ماكنوغير لإرسال رايت الى الرياض لإيجاد عمل له بدلا من حراسة الباب الرئيسي هنا. ثم حجزت له بالطائرة ليسافر يوم الخميس.
أرسلت الى شقيقي رسالة حول قرار منع حمل الأسلحة لدينا، ومحملا المسؤولية لرئيس الأركان عن أي حادث تتعرض له العناصر من قبل إرهابيين بسبب هذا القرار، معبرا عن أملي بألا ينشر هذا الكلام.
وهذا المساء كان صعبا علينا، لأنه آخر يوم في المهلة التي أعطاها بوش لصدام حسين. فقد توقع الكثيرون قيام الجيش العراقي بضربة وقائية، وهو ما كان يدور بين الناس.
وقد بدأوا بتوزيع كمامات على الأفراد للوقاية من أسلحة التدمير الشامل من عربة عسكرية وصلت الى الفندق. وسألت القائد هناك عما يحدث، فقال « إننا ذاهبون الى الحرب». ورأيت كيف أخذ الموظفون في الفندق يذرفون الدموع توجسا، حيث تلقوا أوامر بحمل أقنعتهم الواقية أيضا.


فريق الطوارئ وإعادة البناء الكويتية KTF

هو فريق برئاسة د. ابراهيم ماجد الشاهين رئيس الهيئة العامة للاسكان «سابقاً» ولاحقاً وزير الدولة لشؤون المجلس البلدي «السابق» ومقرها في واشنطن وكانت تنسق مع وزارة الخارجية والبنتاجون.
وتضم من الجانب الكويتي قيادات الدولة من جميع مؤسساتها لوضع خطة اعادة البناء وشراء المعدات الخاصة بكل وزارة ومؤسسة لارجاع الاوضاع في الكويت المحررة لوضعها الطبيعي، واثناء فترة التحرير توفير المواد التموينية.. الخ لحاجة المواطنين تحت الاحتلال والتنسيق فيما بينها في ذلك.
وكان يساعدهم فريق متخصص من الجانب الاميركي ومنهم انبثقت مجموعة من ضباط الارتباط والذين كانوا يعملون مع المؤسسات المختلفة لمتابعة نشاطها وتوفير احتياجاتها.
والاسم الانكليزي مختصر KFT ويعني «قوة الهدف الكويتي»
وكما قال لي د. ابراهيم ماجد الشاهين رئيس اللجنة عند سؤاله عن الاسم «فقال بان الاسم الاميركي ليس له علاقة بالاسم الكويتي للجنة وقال افضل استعمال الاسم الرسمي والذي صدر بقرار من مجلس الوزراء وهو فريق الطوارئ واعادة البناء الكويتية.
249924_5_main.JPG

c88a8ea7-f822-434f-b61f-fd4aa470545b_main.jpg


cd07859d-f6ad-4bc9-9829-8bd9d92a6ba3_main.jpg




جوشوا في الأرض غير الموعودة..
يوميات ضابط أميركي عن الحرب
الحلقة الثالثة
الكويتيون كانوا قلقين من حجم المعونات المالية المخصصة رغم مساعداتهم لدول العالم
ترجمة شاهر عبيد - تقديم د. إبراهيم بهبهاني
http://www.annaharkw.com/annahar/AuthorArticles.aspx?id=3017


c67fe466-9be8-4dc7-b75f-cfa643837cb9_main.jpg
الجزء الثاتي: حرب عاصفة الصحراء
إهداء إلى الشعب الكويتي (لاسيما المتطوعين منه في جمعية الهلال الأحمر) الذي حصل على حريته كما يستحق. مع التقدير
لا شك في ان الحياة تجارب، نتعلم منها الكثير من الدروس والعبر. وقد يحدث ان نلتقي مصادفة بأناس غير متوقعين، فيكونون كالبلسم والدواء حين نكون في أشد الحاجة إليه، حيث تلفنا الكوارث، فتعم الفوضى العامة ونعاني من الضياع. وهذا ليس أمرا نادرا، وقد يحدث في أي مكان.

كانت تجربة الغزو العراقي للكويت قاسية بكل ما في الكلمة من معنى، من بداية الاحتلال حتى خروجي من الكويت في 20/10/1990، وكنت خارجا لتوي من سجن دام 26 يوماً قضيتها في مبنى محافظة العاصمة. كانت تلك الفترة، بالغة المرارة، وشكل الخوف فيها عاملا أساسيا، لا سيما انه ترافق مع هروب أو ابتعاد الذين عرفتهم، وهم المفروض أن يكون لهم دور يعوّل عليه في ذلك الوقت. حتى هؤلاء أصبحوا عاجزين عن المساعدة والوقوف الى جانبك.. وفي لحظة واحدة، تمثل عامل «الخوف» وكل ما درسناه من نظريات في هذا المجال أمامنا، من دون الدخول في التفاصيل.

بعد خروجي من الكويت احتضنتنا البحرين الشقيقة حكومة وشعباً (كأخوة لاجئين) أنا وأهلي، فتبدد عامل «الخوف» جزئياً من نفوسنا. لكننا بدأنا نواجه مشكلة أخرى تضاف الى رواسب الخوف مشكلة حب الظهور والقيادة.. ربما هو الشعور بالفراغ مع انقطاعنا عن أعمالنا وحياتنا!

وسط هذا الجو المشحون بالقلق والتوتر تعرفت على الكولونيل الاميركي «إيفان بروكس» في غمار انشغال الجيش الأميركي في مهمات عسكرية لمواجهة محنة الغزو. كان لتكليف الكتيبة 352 للشؤون المدنية التي يتبع لها بروكس تأثير كبير جداً على عملنا الإنساني، وشكل تحولاً نوعياً واضحاً في سير مهمتنا. ولطالما رددت بأن الدور الذي قام به «إيفان» وكتيبته للشؤون المدنية فاق التصور، ويكاد يقترب من الخيال. وكثيرا ما ذكرني وجوده الى جانبنا بالمثل «رب أخ لك لم تلده أمك». كان هذا الرجل يسجل كل حركاتنا وسكناتنا، مصورا حالة القلق التي أحاطت بنا. ومن ثم فوجئنا في اليوم نفسه أو اليوم التالي، بمجموعة من المتطوعين والمتطوعات من الجيش الأميركي يقومون، من حيث لا ندري، بمساعدتنا، نحن متطوعو الهلال الأحمر، على أداء العمل.

لقد تمكن «إيفان» من تحريك قافلة الهلال الأحمر من البحرين، يوم 28/2/1991. ولم يتوقف دوره عند هذا الحد، بل ساعد بعد ذلك على إدخال قوافل مساعدات تموينية عديدة وصلت من البحرين أو اسبانيا وعدد من جمعيات الهلال والصليب الأحمر عبر العالم. وعندما استدعت الحاجة الماسة استطاع هو بالتعاون مع متطوعين ومتطوعات من البحرية الأميركية والقوات الجوية، توضيب مئات البالات (جمع بالة) من مواد الإغاثة، لنقلها جواً الى الكويت، حيث بلغ مجموع الحمولة التي قاموا بنقلها حوالي 2000 طن. ثم تولى عملية نقلها من مطار الكويت الدولي الى مخازن الهلال الأحمر في الجابرية والري، ومنها الى مخيم اللاجئين في العبدلي.

وكنت أقضي مع «إيفان» معظم ساعات يومي في التشاور والتنسيق والعمل في إطار الهلال الأحمر. وطوال تلك الفترة، كنا معا بالتأكيد، ما لم يكن يقوم بعمل ما في مكان آخر، محاولاً حل مشكلة أو معضلة عندي أو حتى عند غيري، دون أن ينسى تسجيل كل ذلك.

واليوم، حيث أجلس وأنغمس بقراءة مذكراته تغمرني السعادة بسبب ما كان يشعر به من احترام وأخوة وود، ليس مني ومن متطوعي الهلال الأحمر فقط، بل حتى على مستوى الحكومة في مقرها بمنطقة الشامية، وكذلك من المنظمات الإنسانية المحلية والدولية والسفارة الكويتية لدى البحرين وحتى الحكومة البحرينية (ممثلة بالدفاع المدني).

لقد طلب مني الأخوه في جريدة «النهار» وضع مقدمة لكتاب «إيفان» كما سجله من واقع مذكراته بعنوان «جوشوا في الأرض غير الموعودة».. وفي اعتقادي أن دقة ما سجله هذا الرجل وما قدمه من خدمات للكويت في تلك الآونة يستحق الشكر والتقدير. ولاحقاً، علمت بأنه «يهودي». وأعتقد أن من أخبرني بذلك توقع أني سوف أتراجع، ولكن ذلك لم يحركني قيد شعرة، لما قدمه للكويت. فمرحباً به مهما كان جنسه (أو دينه أو مذهبه).. يقول السيد الخميني - رحمة الله عليه - في إحدى فتاواه: إذا استولى شخص على بيتك فمن حقك الاستعانة بجارك حتى لو كان كافراً لإخراجه من بيتك. ونحن استعنا بالولايات المتحدة لطرد الغازي، وبهذا الشخص الأميركي اليهودي، فأثبت أنه انسان مخلص في مساعدته لنا حتى تحرير الكويت. وهو لم يبد لنا في أي وقت من الأوقات تعصباً لمذهبه.. لقد تعامل هو معنا بصدق، فبادلناه هذه المعاملة بالمثل. وأنا على يقين بأن القارئ سيصل لهذه النتيجة عينها بعد قراءة هذه المذكرات.

الفصل 5

الحرب: أصبحت أشك في إمكانية تنفيذ أي مهمات وخدمات كأفراد في الشؤون المدنية. وكان هناك مشروع لنقلي للعمل في مجال اللوجيستيات وكنت مدربا ضد التلوث من أسلحة التدمير الشامل. كتبت رسائل للأقارب والأصدقاء، ووصلتني رسالة من والدي بقبولي للوضع مهما كان بالغ الشدة.

الأربعاء 16 يناير 1991

رن الهاتف في منتصف الليل، حيث اتصلوا من فورت براغ ليخبروني ان فريقا من الشؤون المدنية وصل الى البحرين ويحتاج الى من يساعدهم. وقد انتهى الإنذار الأميركي لصدام. ولم نكن متأكدين من توقيت الحرب، لأن هناك فارقا بالتوقيت بين البحرين وأميركا، لاسيما أننا على أبواب شهر رمضان في مارس.

الخميس 17 يناير 1991

في الساعة 3.12 تلقيت مكالمة من فليتشر، فقال لي: إيفان، لقد بدأت الحرب! يجب عليك أنت ورايت النزول الى الدور السفلي من الفندق في غضون نصف ساعة. وكنا في البهو نستمع ونرى الغارات الجوية والقصف بشكل حي في التلفزيون متعدد الفضائيات.

تم تكليفي في الشؤون المدنية بشبكة «السكود» لمراقبة الهجمات الصاروخية من طراز سكود، وبقيت أعمل حتى منتصف الليل.

الجمعة 18 يناير 1991

كانت مناوبتي تبدأ من منتصف الليل. وقد اكتشفت ان محطة السي ان ان كانت تتحدث عن إحراز تقدم في تدمير الأهداف، لكنها كانت متشككة بمستقبل الحرب. ومع استمرار الحرب تواصلت الهجمات الصاروخية، وكان علينا تجهيز المعدات المضادة للأسلحة الكيميائية.

وجهت بضعة صواريخ عراقية الى اسرائيل، مع التخوف من انها محملة برؤوس لغاز الأعصاب. وكنت أخشى أن ترد اسرائيل وتوسع نطاق الحرب. وكنت قلقا على اسرائيل، لأنني وإن لم أزرها لكنني اعتبرتها بلدي الثاني. وتساءلت: هل يمكن لاسرائيل التي لا علاقة لها بتلك الحرب ان ترد بقنابل نووية؟ لكن بعد عدة ساعات اتضح ان صواريخ السكود كانت ذات رؤوس تقليدية فقط.

السبت 19 يناير 1991

استمرت الحرب وأعمال القصف. وطلبت من قيادة الجيش تزويدنا بخمسة آلاف فلتر و2500 بدلة ضد الأسلحة الجرثومية. ولكنهم قالوا لي عليك الاتصال في الغد. وأصبحت ناقما على تعامل البحرية معي.

الأحد 20 يناير 1991

اتصلت للاطمئنان عن وضع رفيقي رأيت الذي أرسلناه الى الرياض. كما اتصلت ثانية بقيادة الجيش لطلب الأعتدة المضادة للأسلحة الكيميائية. ولم أحصل على جواب شاف.

في الساعة التاسعة والنصف ليلا تلقينا تعليمات للمرة الأولى بالاستعداد لهجمات صواريخ السكود. لكن الصواريخ لم تحدث أي أضرار.

الإثنين 21 يناير 1991

أمضيت وقتا كبيرا في متابعة تأمين المعدات لكني لم أتوصل الى نتيجة من قيادة الجيش في الرياض ولا وحدة الشؤون المدنية. وكان ذلك محبطا جدا لي، لكن ما العمل؟ وقد تواصلت هجمات صواريخ السكود مستفيدة من حالة الطقس للانتشار وكانت المنطقة الشرقية ( الرياض، البحرين) هي المستهدفة بهذه الصواريخ. وكانت القيادة البحرية هي المسؤولة عن مراقبة تلك الهجمات.

كان أكثر شيء محبط هي المعدات المضادة للأسلحة الكيميائية، لا سيما ان الأدميرال سوتون أعطى أوامر لعناصر البحرية برفع استعداد هذه الأسلحة الى الدرجة الثانية، وهي تتضمن ارتداء البزات والأحذية الخاصة بها. لكن الجنود الذين كانوا في الفنادق بقوا منسيين. شعرت ان كل شيء هنا يسير بشكل خاطئ، وأن الحرب لا يمكن أن تدار بهذه الطريقة أبدا.

مراقبة صواريخ «سكود».. محادثات كويتية

22 31 يناير 1991

وصلت القوات التي سميت «القوة الكويتية» KTF الى أرض المعركة، وهي الوحدات العسكرية التي تم تشكيلها من أجل التحرير، والمؤلفة من مسؤولين حكوميين كويتيين وعسكريين أميركيين، وهؤلاء في غالبيتهم من الفرقة المعنية 352 في الشؤون المدنية. في بداية الامر كان مقررا أن يرأس هذه القوات الاميركية الكولونيل «هوارد موفي»، لكن بعد ان تم تفعيلها في مطلع ديسمبر 1990 تغلبت اعتبارات سياسية على المنطق، ما دام ذلك ممكنا وكان هذا هو النهج الذي اتبع في حرب الخليج عمليا، ولم يكن ممكنا لضباط الاحتياط ان يتولوا القيادة الفعلية للقوات الا بعد ان وصلت الى الكونغرس شكاوى مصدرها «مكتب الحرس القومي».

وهكذا تم تعيين الكولونيل راندي ايليوت قائدا جديدا لفريق الطوارئ وإعادة البناء الكويتية، ومن الواضح ان هذا الفريق يأتي في المرتبة الثانية بعد قيادة مكتب الشؤون المدنية 352 وقد وضعت في الخدمة الفعلية بواشنطن، حيث اضطلعت بمهمة التخطيط لتحرير دولة الكويت واستعادة سيادتها حتى قبل استكمال تشكيل قيادة القوات عموما، وكان هناك تعاون وثيق بين فريق الطوارئ وإعادة البناء الكويتية هذه ووزارة الخارجية والبنتاغون، وبالتالي تمكن الكولونيل ايليوت من تشكيل قيادة ميدانية مستقلة.

الاستخبارات

كان الكولونيل ايليوت قائدا في البحرية 14 - GS تابعا للخارجية (مكتب الشرق الأوسط)، ويدرك جيدا مدى تعقيدات الوضع السياسي العالمي، وكان واضحا انه لم يكن يقيم وزنا كبيرا للجنرال «موني»، كما سارع مساعدوه الى التعبير عن ازدرائهم لضابط كبير لم يكن سوى مساعد لمدير معهد عال في حياته المدنية، وكان يوصف بأنه الافضل والألمع، واذا لم تصدق فيمكنك أن تسأل أي رجل من فريق الطوارئ وإعادة البناء الكويتية حيث سيؤكدون لك ان هؤلاء هم الصفوة في قيادة مكتب الشؤون المدنية.

هذا الموقف الذي لم يتضح الا مع بداية الحرب أدى الى صراع داخلي لم يخدم أحدا من الاطراف، كان الكولونيل ايليوت نشطا وكفؤاً ولو كان هو القائد فان قيادته كانت ستعطي نتائج جيدة.

من جهة أخرى، كان الجنرال موني هادئا بلا ادعاء وقيادته يصعب تحديدها في الغالب كان المرء يحار اذا ما كانت في اتجاه محكم، في حين كان مساعده الكولونيل ادوارد كنغ قليلا ما يظهر قيادة متماسكة أمام عناصره على كل حال، كان الجنرال موني هو القائد الاقدم وهي حقيقة طالما تم تجاهلها من قبل فريق الطوارئ وإعادة البناء الكويتية ولم أستطع شخصيا ان أفهم لماذا الجنرال موني لم يعط أوامر مباشرة من أجل جعل قيادة هذه القوات خاضعة للقيادة عموما، لكن ذلك لم يحدث.

عندما وصلت وحدات القوة الكويتية KTF الى المملكة العربية بدت قيادة القوات الوسطى ARCENT قلقة لانها ستدخل بثياب مدنية، حيث منعوا ارتداء البزات العسكرية. وكانت سمعتها كقوات طليعية قد سبقت وصولها. كان العقيد رون سميث، وهو محامي تلك القوات قد دخل مع قوات القيادة الوسطى وفاز بحب أعضائها حين أبدى ملاحظة تقول ان وحدته كانت تحت رعاية وزارة الخارجية، وأرسلت للرئيس مباشرة هذه المعلومات، ولم تكن تحت اشراف القيادة المركزية «السنتكوم» . وفهمت من ذلك انه اذا كانت وزارة الدفاع ستدفع مرتبات أفراد القوة الكويتية فان سعيها للاستقلال سيكون معرضا للخطر، فكان هؤلاء عسكريين ومكانتهم تابعة للقائد العسكري، لكن الوحدات التدخل الكويتية كانت القوات الوحيدة الراغبة في دعم جهودي الشخصية، لهذا أصبحت أنا جزءا أساسيا من قوامها وان يكن بشكل غير رسمي ودون أوامر، لكني كنت سأدعم أي شخص كان يمكن ان يساعدني للحصول على منصب شرعي.

بدأ ذلك اليوم عاديا، وعند الظهر كنت أقوم باتصالات للحصول على معلومات من القوات البحرية من القيادة الوسطى حول الاسلحة النووية والبيولوجية. ولم تكن اتصالاتي بالشخص المطلوب متوافرة، بينما كان مساعده يدرك أهمية الامر. وعند الساعة الثانية والنصف أرسلت تقريرا عن تحركاتي الى الوحدة N4، وقد طلبت مني قوات الحماية الثابتة MOPP توفير 250 بزة عسكرية بشكل عاجل، مئة بزة من القياس المتوسط و150 من قياس كبير، مع 514 زوج من الاحذية المضادة للكيماويات وأوراق مقاومة للتلوث . وفي مكان تصبح المواد البيولوجية والنووية ذات أهمية كبيرة كان ذلك الطلب يبدو صعب التحقيق.

كنت كضابط ارتباط للشؤون المدنية افتقر لأمر مهمة قانونية. وكنت مدركاً ان وضعي في القيادة البحرية مشكوك فيه. وقيل من وراء ظهري ملاحظات مفادها «لماذا لم نستطع الاحتفاظ بالرقيب «رايت» هنا وارسال الكولونيل إلى الرياض؟». وكنت على اتصال خفيف مع غلين إيكلي. ثم وجدت على مكتبي رسالة ملفوفة. لم أعرف شيئاً عن الرسالة فأخذت أقرأها، كانت الرسالة تركها هناك بلا انتباه ضابط صف وهي تعكس وجهة نظرة في كفاءتي، وتقول: «لقد طلبنا: وتم تعيين ضابط ارتباط عسكري، وهو ضابط احتياط من «دي سي» ومحام، لكنه متخصص في الشؤون المدنية... ويفترض ان يتقابل مع الحكومة العربية المحلية حول مسائل مدنية/ عسكرية. وهو رجل يهودي (حتى النخاع!). وأنا مقتنع ان أحد الضباط الكبار بالجيش وجد في ذلك فرصة مسلية لكي يتخلص من لغط يدور في الخفاء.. وهذا الرجل كان بطول قامتي ووزنه 250 باونداً، وله باع طويل في المعارك والكتابة، وهو يهودي الأصل. وقد تضايق لأننا لم نسمح له بالعمل في مجال تخصصه».

شعرت وكأن أحدهم صفعني على وجهي. وكنت أعرف وأعمل مع كاتب الرسالة. وبينما كان يصعب ان اعتبره صديقاً لي فانني كنت أجهل حقيقة رأيه فيَّ. وربما كان علي ألا أقرأ تلك الرسالة، لكني كنت لا أعرف مضمونها حين رأيتها. وحاولت ان استذكر من كان صاحبها بعد ان قرأتها.

صورت الجزء الخاص من الرسالة وجلست أحملق في الجدران لمدة من الوقت. وكان من الصعب علي مواجهة ذلك الضابط مرة أخرى، والاعتراف أمامه بانني قرأت الرسالة. وقد شعرت بالاحباط، لكني تضايقت أكثر من افتراءاته، وهو الضابط الذي يرى أكثرهم انه غير مؤهل أبداً لعمله. وكان أكثر ما أثارني هي اشارته الى وزني، حيث ان وزني ما كان يزيد على 185 باونداً.. وبدا واضحاً انه كان يسخر مني. أما الزلّة الثانية فهي حول العرق الذي انتمي اليه، مع انني غفرت له ذلك مما لا أحبه، ولكنه مما يمكن التسامح فيه. لكن اذا كانت هذه هي سمعتي فان فرصة حصولي على منصب رفيع في سلاح البحرية أمر متعذر.

وفجأة تلقيت ذات يوم اتصالاً هاتفياً من ضابط بالبحرية، يدعى د. ستيف وينال. وكان هذا تم تعيينه قائداً لقوات الحملة البحرية M&F ومقرها في «الجبيل» بالسعودية. وهذا الضابط كانت له علاقات تربطه مع جمعية الهلال الأحمر الكويتية KRCS التي كانت تنشط من البحرين خلال احتلال الكويت وأخبرني النقيب وينال انه أخذ اسمي من قيادة فريق الطوارئ وإعادة البناء الكويتية كوني ضابط اتصال مدنياً في البحرين، وكانت تلك هي أول اشارة الى ان تلك الوحدات قد وصلت الى المملكة العربية السعودية.

سألني هو «هل يمكنني مساعدة جمعية الهلال الأحمر الكويتية أو نقل أخبار الأحداث التي تجري على الأقل؟». تلك الرسالة بدت لي مشجعة كبداية، لأنها تشير الى سبب تعيين ضابط اتصال مدني في موقع العمليات، لهذا وافقت فوراً على حضور الاجتماع. وقبل ان انطلق اتصلت بقائد الحملة البحرية وأبلغته بالأمر. وافق الكابتن «بوك» على حضوري للاجتماع لكنه قال لي: «هذا اجتماع لا معنى له.. لا تتوقع ان يؤدي الى نتائج عملية.. وإذا كنت ستحضره فانها ستكون مسؤوليتك». وأذكر انني وافقته الرأي.. وقررت الذهاب بصفتي مراقباً ولكي أنقل الأخبار الى جماعتي في الرياض.

راوياً للمقيمين فيه ظلم الحياة وشقاءها.
 
التعديل الأخير:
25-01-2011, 03:56 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

اين كنت في الحرب؟
القبس

Pictures%5C2011%5C01%5C25%5Cb2697486-8cff-4ed6-9dea-da7fa502c064_main.jpg


رائد الخمار
السؤال الذي حمله كتاب الزميل غسان شربل الجديد عنواناً له، وهو «أين كنت في الحرب؟»، لا يُطرح فقط على «جنرالات» الحرب اللبنانية أو صانعيها واللاعبين فيها، بل على أهل الفكر والثقافة أيضاً وربما على المواطنين العاديين الذين عاشوا الحرب سواء بالانخراط فيها أم بالبقاء على هامشها. فالحرب في لبنان أو الحرب اللبنانية، ولعلها حتى الآن لم تثبت على صفة نهائية، كانت وما زالت شأناً عاماً حتى وإن بدت غالباً صنيع جماعات سياسية أو طائفية، وأفراد ينتمون الى هذه الجماعات والطوائف. هذا السؤال الذي لم يخفت فيه طابع الإلحاح هو السؤال الأخير الذي لا بد من طرحه، فردياً أو جماعياً. فهو يمثل حافزاً على المساءلة والمراجعة والعودة الى الذات أو «الضمير» إن جاز القول، للوقوف على أطلال الماضي القريب أو بالأحرى على خرائبه. والسؤال الملح هذا يمكن طرحه في صيغة أخرى هي: «ماذا فعلت في الحرب؟»، فالمفردتان «كنت وفعلت» تتشابهان هنا وتتداخلان، وتكمل واحدتهما الأخرى.

في كتاب غسان شربل «دار رياض الريس»، يجيب «الجنرالات» الأربعة على هذا السؤال بما يشبه الاعتراف، الاعتراف في معناه «الكاثارثيثي» أو التطهيري بحسب الدراما الإغريقية، أي في معنى التكفير عن «الأفعال» التي لم تكن سوية، لئلا أقول الذنوب، فالجنرالات عادة لا يعترفون بما يُسمى ذنوباً حتى في لحظات هزيمتهم. وهذا ما علّمتنا إياه الرواية الأميركية اللاتينية على يد كتّاب كبار مثل ماركيز ويوسا وفوينتس وسواهم، وهي أفردت لهؤلاء الجنرالات حيّزاً واسعاً.
ويصدم في الكتاب على سبيل المثل ما بادر به «الجنرال» إيلي حبيقة محاوره قائلاً بما يشبه الندم: «تريدني أن أتذكر الحرب وأنا أريد أن أنساها». ويعترف أنه لا يشتري لابنه ألعاباً على صورة بنادق أو مسدسات «لئلا يحب الحرب أو يسأل عن تجربتنا»، التي يصفها بـ«المريرة». يخاف «الجنرال» إيلي حبيقة الذي كان أحد اللاعبين الكبار والقساة في الحرب أن ينفضح أمام ابنه. هذه إحدى خلاصات الاعتراف الذي دفعه إليه غسان شربل، مثله مثل سائر «الجنرالات»: وليد جنبلاط، سمير جعجع وميشال عون. وهؤلاء الأربعة الذين حاورهم يمكن أن يضاف إليهم جورج حاوي الذي كان حاوره على حدة، وكذلك بضعة أسماء أخرى كان لها دورها في الحرب كما في السلم الذي كما يعبّر جنبلاط لم يكن يستحق مثل هذه الحرب.
وقد تمكن شربل عبر حواراته هذه من تشكيل صورة شديدة الواقعية عن الحرب أو الحروب اللبنانية، صورة ساهم صانعو الحرب في ترسيخها من خلال شهاداتهم أو اعترافاتهم التي لا يمكن الطعن بها، مهما حاول بعضهم تضخيم بعض الوقائع والأحداث أو التقليل من شأنها أو طمسها في أحيان. لكن شربل من طينة المحاورين «المعاندين»، يلاحق الشخص الذي أمامه بإصرار ويواجهه عندما تجب المواجهة، ويسأله حتى ليضع إصبعه على جرحه. وهذا فعلاً ما تميزت به هذه الحوارات التي تؤلّف مرجعاً مهماً لا بد من العودة إليه لتأريخ الحرب وكتابة صفحاتها الدامية والسوداء، وكشف الكثير من أسرارها التي يبوح بها صانعوها. هذا نوع آخر من التأريخ أو التوثيق للحرب يتم على ألسنة المعنيين الأوائل بها وعبر شهاداتهم الحية.
عبر خطوط التماس
لم يؤدّ غسان شربل دور المحاور الحيادي أو غير المنحاز، لكن انحيازه يبدو بوضوح، انحيازاً الى «الضحايا» و«المهمشين» والمواطنين الذين قيض لهم أن يكونوا خارج اللعبة، متفرجين أو مشاهدين. وهو، كصحافي، عاش الأعوام الأولى للحرب عن كثب، وتنقل بين المناطق المشتعلة واجتاز خطوط التماس وعبر «الجسر» الذي طالما جمع بين البيروتيين وكان مرمى للقناصة من الجهتين. لكنه لا يؤدي دور الحكم الذي يتهم ويدين، بل هو يحاور بحثاً عن حقائق وأسرار تساعده، كما تساعد القراء، على فهم أو استيعاب ما حصل، وهو ليس بالأمر اليسير. لقد التقى كما يقول «جميع اللاعبين على مسرح الحروب»، أولئك الذين «أمروا بإطلاق النار أو أبرموا هدنات أو اتفاقات سلام». بل هو حاول استدراجهم كما يعبّر أيضاً، الى الكلام «علّنا نقرأ، علّنا نتعظ ونندم». لكنه على رغم هذا التفاؤل الذي يبديه يعلم في سريرته أن «الاحتفاظ بروح لبنان مهمة شاقة تجعل من قيام الاستقرار فيه مهمة شبه مستحيلة».
كان غسان شربل أجرى هذه الحوارات في التسعينا ت من القرن المنصرم في سياق سلسلة «يتذكّر» في مجلة «الوسط». ومع أنه لم يتوهم أن «رجال» الحرب هؤلاء سيعترفون بكل ما يملكون من أسرار ووقائع، فهو استطاع أن يأخذ منهم ما يساعد على فهم «قصة الحرب وقصتهم فيها». وعندما جمع هذه الحوارات بعد أعوام على إجرائها، لم يعمد الى تشذيبها أو تهذيبها. تركها كما هي، بقسوتها و«فجاجتها» وعدائيتها واتهاماتها وفضائحها.
وكان عليه فعلاً أن يحافظ على حرفيتها وإلا لكانت هذه الحوارات فقدت صدقيتها ووثائقيتها وجرأتها. لكنه طبعاً استبق أي دافع الى التشكيك معترفاً بما طرأ على مسار هؤلاء، سياسياً و«استراتيجياً»، لا سيما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي غيّر مثلاً مصير سمير جعجع وميشال عون ووليد جنبلاط الذي راح حينذاك «يستجمع القوى لتتشارك في اتهام النظام الأمني اللبناني ــ السوري»... وذلك اليوم، يوم اغتيال الحريري، كان له «دوي لا ينسى» كما يقول، فهو «هزّ المشهد اللبناني بعنف غير مسبوق».
أميرة الشهداء
إنها حقاً بيروت «أميرة الشهداء وعاصمة الجنازات» كما يصفها غــسان شربل. إنهم الشهداء الذي ابتلعتهم «شراهة المقابر»، الشهداء بمواقعهم المختلفة وطوائفهم ومناطقهم وقضاياهم، وحتى بمراتبهم المختلفة. الشهداء الذين سقط بعضهم «على حدود الوطن» وبعضهم «على حدود الطائفة أو المذهب» كما يقول شربل، مضيفاً: «أقول الشهداء ولا أستثني واحداً منهم. كلهم من شعبنا أو شعوبنا. كلهم أبناء جمهورية اللحم المتطاير»، الجمهورية التي يرث فيها السياسيون «شهادة» آبائهم والعبء الذي تتركه هذه الشهادة: «دخل وليد جنبلاط المسرح حاملاً نعش والده. دخله سليمان فرنجية حاملاً نعوش عائلته. دخل عمر كرامي حاملاً نعش شقيقه. دخل سامي الجميل حاملاً نعش شقيقه وعمّه. دخل سعد الحريري نادي الأقطاب حاملاً نعش رفيق الحريري». ناهيك عن المواطنين العاديين الذين لا يذكرهم التاريخ عادة، والذين توارثوا النعوش. أليس تاريخ لبنان أصلاً منذ منتصف القرن التاسع عشر، تاريخ نعوش ومقتلات ومجازر؟
هذه هي الحرب التي أكبّ غسان شربل على الحفر في «منجمها» وعاد خائفاً. وهو كلما حفر ازداد خوفاً، كما يعبر. فمنجم الحرب لا يفيض بالذهب، بل بالجثث والرماد والفحم. ولا يتهيّب الكاتب أن يعترف أنه «بلا وطن». هذه العبارة لم تعد شعاراً أطلقه عديد اللبنانيين في لحظة عبث أو قهر ويأس. إنها عبارة واقعية، أليمة وجارحة. فهذا الوطن الذي لم يعلّم الكاتب إلا الخوف، «الخوف منه والخوف عليه» اصبح أكثر من وطن وأقل من وطن، وطن اللاوطن، وطن اللادولة، وطن اللامواطنين، وطن الخوف بامتياز والقلق والحيرة، وطن «الهويات القاتلة»: «أخاف كلما زغرد الرصاص في تشييع شهيد. كلما لمعت في العيون شهوة الثأر. كلما توترت الأعصاب الطائفية والمذهبية وانتفخت. كلما ولد قوي وادّعى أنه منقذ وحاول فرض لونه وشطب ألوان الآخرين»، يقول شربل.
الإيقاع في الشرك
يكتب غسان شربل على ألسنة «الجنرالات الأربعة» ما يسمّيه «حكايات» الحرب. والكتاب هو كتاب هؤلاء مثلما هو كتاب شربل، الذي نجح تماماً في محاورتهم وإيقاعهم في شرك الاعتراف، آخذاً منهم الكثير مما لم يقل ولم يعترف به سابقاً. إنها حكايات حقاً، لا تخلو من التشويق (أجل التشويق) والدراما والوقائع والاتهامات، وقد يشعر القارئ حيالها بمتعة هي متعة الاكتشاف والغوص على خفايا الحرب وألغازها، على رغم الألم الذي يعروه جرّاء الأحداث الفاجعة التي شهدتها هذه الحرب.
وحسناً فعل شربل في عدم حذف الكلام النافر والمفعم بالحقد، حقد الماضي الذي ليس ببعيد، مع أن بعضاً من أعداء الأمس انقلبوا أصدقاء والعكس أيضاً. وكعادته اعتمد شربل في صوغ هذه الحوارات كما المقدّمة الجميلة والوافية والصائبة، لغة هي غاية في السهولة والرشاقة، في الانسياب والتوتر، كما في الإلفة والمتانة.
وإن كان لسواي أن يقرأ هذا الكتاب قراءة سياسية صرفة، مقارناً بين معطيات الحوارات الأربعة ودلالاتها وأبعادها، فالقراءة الثقافية له، هي واحد من المداخل التي يتيحها هذا الكتاب الذي ينتمي بقوة الى «أدبيات» الحرب اللبنانية.
 
08-02-2011, 05:08 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

المايسترو» بعد 19 عاماً لم يكن قائدا جيدا لأوركسترا المجلس 1-3 «فقاعات غرينسبان.. عصر الجهل في مجلس الاحتياطي الفدرالي» الأميركي
Pictures%5C2009%5C01%5C04%5C75595a17-4775-48c9-9889-5b7eb8618bfe_main.jpg


ترجمة: رزان عدنان
خلّف خروج آلان غرينسبان من مجلس الاحتياطي الفدرالي بعد 19 عاما من رئاسته، جدلا واسعا، بسبب سياساته خلال تلك المدة وما نتج عنها أخيرا من فقاعات وأزمات اقتصادية.
في حين يرى البعض أن الفترة التي تولى فيها غرينسبان رئاسة مجلس الاحتياطي، الفدرالي كانت محاطة بالرفاهية، يعارض البعض الآخر بالقول ان قراراته أدت نوعا ما إلى القضاء على النظام المالي الأكبر في العالم.
يتناول كتاب «فقاعات غرينسبان.. عصر الجهل في الاحتياطي الفدرالي» للمؤلف ويليام فليكنشتاين ومساعده فريدريك شيهان ابرز الأخطاء التي ارتكبها غرينسبان خلال عهده وما نتج عنها من فقاعات لا يزال أثرها حاضرا وبقوة إلى الآن في الأسواق الأميركية والعالم.
فمنذ نهاية الثمانينات وحتى اليوم، يبدو أن «المايسترو» كما يفضل أحد الصحافيين تسميته، لم يرتكب أي خطأ. فقد وضع معدلات الفائدة عند مستوياتها الصحيحة، كما يصر مناصروه على قول هذا، كما اشرف على اقتصاد نادرا ما يتعرض للانزلاق نحو الركود أو الأزمات، وعندما يجنح الاقتصاد عن الطريق الصواب، فإن مجلس الاحتياطي الفدرالي برئاسة غرينسبان سرعان ما يتصدى للأزمة عبر طبع الدولارات أو تخفيض معدلات الفائدة.
لقد بدا المستقبل براقاً في عهده، واستطاعت الدولارات المطبوعة الجيدة ومعدلات الفائدة المنخفضة تحفيز الاصول الاستثمارية والعقار.
لكن الحقيقة تقول ان معظم قرارات غرينسبان كرئيس مجلس ادارة للفدرالي منذ الحادي عشر من اغسطس من عام 1987 وحتى الحادي والثلاثين من يناير من عام 2006 لم تكن جميعها في مصلحة المستثمر، وحتى الولايات المتحدة. وسيعيش معظم الاميركيين اياماً اسوأ لاحقاً بسبب ادارة غرينسبان.
ويتساءل البعض قائلا: «كيف يمكن لرئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي ان يكون مخطئاً لهذه الدرجة؟» والاجابة هي ان غرينسبان اخطأ باستمرار عندما كان يصر على ابقاء معدلات الفائدة عند مستويات منخفضة جداً، وعندما تقع مشكلة يقوم بحلها من خلال تخفيض معدلات الفائدة مرة اخرى. والنتيجة انه خلال فترة رئاسته، شهدت الولايات المتحدة فقاعة في الاسهم تبعتها فقاعة اخرى في القطاع العقاري. ومنذ تسلمه منصبه لم تشهد البلاد فقاعات كهذه منذ خمسين عاماً.


لم يكن غرينسبان مخططاً مركزياً دائماً. فقبل ان يتسلم منصب رئاسة مجلس الاحتياطي الفدرالي، كان يترأس شركته الاستشارية «تاونسيند غرينسبان» من عام 1954 ولغاية عام 1987. كما عمل غرينسبان في مؤسسات حكومية عديدة. على سبيل المثال، كان يشغل منصب عضو في لجنة الضمان الاجتماعي.
لكن من ابرز المناصب التي تبوأها هي رئاسة مجلس ادارة مجلس المستشارين الاقتصاديين CEA، والتي عمل فيهامنذ 1974 حتى بداية عام 1977.
وقد تتساءل بعض العقول الحائرة عن الارث الذي خلفه هذا الرجل وراءه، وربما من المثير ان نبدأ بالحديث الذي دار بين غرينسبان والسيناتور ويليام بروكسماير في الحادي والعشرين من يوليو من عام 1987. اذ يبدو ان الاخير كان على اطلاع تام على التوقعات التي صدرت عن مجلس المستشارين الاقتصاديين من عام 1976 ولغاية 1986، فقد وجد السيناتور بروكسماير ان التوقعات التي صدرت في حقبة غرينسبان لم تصب الهدف. فعندما يتعلق الامر بمعدلات الفائدة المتوقعة، لاحظ السيناتور ان غرينسبان والذي سيصبح المسؤول عن تحديد معدلات الفائدة لأكبر اقتصاد في العالم قد اخطأ في تقديراته، وبحسب رأي بروكسماير فان اخطاء غرينسبان تتركز في انها تجاوزت كل الارقام القياسية ابان تلك الفترة.
توقع غرينسبان ان تبلغ معدلات الفائدة على سندات الخزينة 4،4 في المائة في عام 1978، بيد انها لم تكن سوى 9،8 في المائة، ولم يفلح عندما تنبأ بأن يصل معدل التضخم للعام ذاته الى 4،5 في المائة، في حين ان المعدل السنوي بلغ آنذاك 9،2 في المائة. وما كان من غرينسبان الا ان رد على كلام بروسكماير قائلاً: «ذاكرتي لا تسعفني على استرجاع هذه الارقام». حينها قرأ بروكسماير التوقعات امام غرينسبان واجبره على الاعتراف، لكن الاخير قال له ان هناك اختلافا كبيرا بين ان تتوقع شيئا وانت في الادارة وبين ان تتوقع وانت خارج نطاقها».
ولم يكن امام السيناتور سوى ان يصرخ قائلاً: «كل واحد من الذين تناوبوا على رئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين ارتكب الاخطاء ذاتها، لكن فشلهم لم يصل الى الدرجة التي كنت عليها».
وفي نهاية الحديث، قال بروكسماير: «اتمنى عندما تتسلم مهام مجلس الاحتياط الفدرالي، ان تكون جميع الامور وردية، اذ لا يمكن ان تكون دائما على خطأ».
وهنا رد عليه «المايسترو»: «كل ما استطيع قوله ايها السيناتور انني كنت اكثر من ناجح في بقية المناصب التي توليتها في حياتي».
لعل غرينسبان يكذب عند هذه النقطة، او يحاول تعديل تاريخه.

تاريخ حافل بالمصائب

دعونا نراجع بعض الأمثلة من سجل غرينسبان قبل تعيينه كرئيس للاحتياطي الفدرالي في السابع من يناير من عام 1973.
ففي حديث مع صحيفة نيويورك تايمز دعا غرينسبان الى التفاؤل بشأن اوضاع السوق وقال: «انه من النادر جدا ان تجد شخصا متفائلا في هذه اللحظة».
لكنه كان مخطئا الى درجة بعيدة، اذ انه بعد اربعة ايام فقط من كلامه، ارتفع متوسط مؤشر داو جونز الى 1051 نقطة، ثم انخفض بعد ذلك بنسبة 46 في المائة، وكان اسوأ ركود تتعرض له البلاد منذ الكساد العظيم. لكن خطأ غرينسبان لم يكن الوحيد ابان تلك الفترة، ففي الخامس من سبتمبر من عام 1974، وبعد يوم واحد على تأديته القسم في مجلس المستشارين الاقتصاديين، صرح غرينسبان قائلا: «لن يتعرض النشاط الاقتصادي في البلاد لأي انخفاض دراماتيكي». غير ان ما حصل بدقة هو تعرض هذا النشاط لانكماش بنسبة 5،8 في المائة منذ منتصف عام 1974 وحتى الفترة ذاتها من العام الذي تلاه. ولم يكتف «المايسترو» عند هذا الحد، فقد عاد مرة اخرى ليصرح بأن الاسوأ لم يأت. بعد وهذا ما لم يحدث، اذ انتهت فترة الركود منذ بداية مارس من عام 1975.
يكفي أن نقول ان الانكماش الاقتصادي خدع غرينسبان سواء في تلك الفترة او بعدها.
الأمثلة كثيرة ولعل أحد أبرزها الحكم الخاطئ الذي أطلقه عندما كان مستشارا في «تاونسند غرينسبان»، ولم يتضح هذا الخطأ الا عندما اصبح رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي، والذي كان يدور حول وجهةنظره المتزمتة عن العمليات التجارية للقروض والمدخرات في منتصف فترة الثمانينات.
ونشأت عن هذه العمليات أزمة قروض ومدخرات أدت الى حدوث ركود في بداية فترة التسعينات. إذ قادت السياسات المتهورة وعلى رأسها ما يخص المدخرات والقروض الى انهيار تلك الصناعة بأكملها.

انعدام فهم

إن انعدام فهم غرينسبان لما يتعلق بعمليات الاقراض الخارجة عن السيطرة في تلك المؤسسات، كان سببا في الانكماش الاقتصادي، ولم يدرك الاخير مدى خطورة الوضع الا عندما استفحل الأمر، رغم أنه ادعى لاحقا أنه لم يتوقع حدوث أزمة قط، بل انه اتخذ تدابير صارمة للحد مما هو أسوأ.
لكن بطريقة أخرى، كانت أزمة القروض والمدخرات بادرة لعمليات الاقراض غير المنظمة والسهلة والتي أدت الى أزمة السكن عام 2007.
وفي شهادته التي قدمها أمام هيئة المصارف التابعة لمجلس الشيوخ الاميركي، قال غرينسبان في شرحه لما قام به الفدرالي وأسباب القيام بذلك: «في ربيع عام 1989، بدأنا بتخفيف الشروط النقدية عندما لاحظنا أن آثار القيود في الموازنة العامة أفرزت الانفاق، كما بدأ المقترضون بمعارضة فكرة توسيع الائتمان، وهي ظاهرة غالبا ما يشار اليها بـ «الازمة الائتمانية». وفي مسعى لتخفيف هذه القيود المالية، قمنا بتخفيض معدلات الفائدة على المدى القصير في سلسلة طويلة من الخطوات في صيف عام 1992، وابقينا على المعدلات ضمن مستويات منخفضة على غير العادة حتى نهاية عام1993».
بغض النظر عما اذا كان ما قام به الفدرالي تقييما دقيقا للموقف ام لا، فان غرينسبان لم يذكر ابدا في تفسيره اعلاه ان الخطوات التي اتخذها الفدرالي كانت مرتكزة بشكل جزئي على توقعات غرينسبان، وبدا ذلك واضحا من خلال شهادته السابقة قبل اربع سنوات من تلك الحادثة.
وفي يناير من عام 1990، قدم غرينسبان شهادته امام اللجنة الاقتصادية المشتركة.

مراجعة

قام غرينسبان بتخفيض معدل الفائدة بشكل كاف عندما كان لا يزال واثقا بان الاقتصاد سيعود للنمو مجددا.
الا انه وبسبب عدم ادراكه للانتعاش، تماما كما غاب عنه الانكماش الاقتصادي، خفض معدلات الفائدة بدرجة كبيرة جداً، وابقى على ذلك لمدة طويلة، وبذلك حفز الاسواق المالية بطريقة مبالغ فيها.
ومن خلال ذلك، نجح في تحويل اهتمام كبار المستثمرين من الاستثمار في شهادات الايداع والسندات الى الاسهم في محاولة يائسة لاسترجاع عوائدهم التي فقدوها في السابق.
ان خطوات غرينسبان في ما يتعلق بمعدل الفائدة يعزز تقييما ناقداً لفهمه للبيئة الاقتصادية في الفترة ما بين 1989 وبداية عام 1994.
ففي العام 1994، تبرز نقاط كثيرة حول آلان غرينسبان. اولا دعونا نلقي نظرة على الظروف الاقتصادية كما وصفها في شهادته امام مجلس الشيوخ في السابع والعشرين من مايو من عام 1994: «منذ بداية الربع الاخير من عام 1993، ورغم ان التأثيرات الممتدة للسياسة النقدية في الاعوام القليلة الماضية قد زادت بشكل واضح، فان اجمالي الناتج المحلي ارتفع، واصبحت القوة دليلا خاصا في القطاعات التي لديها حساسية اتجاه الفائدة، واصبح الاستثمار التجاري قوياً جداً.
وبدأت المساكن بالارتفاع في الاشهر الثلاثة الاخيرة من ذلك العام الى اعلى مستوياتها منذ اربع سنوات، وعلى الرغم من انها عادت للانخفاض في الاونة الاخيرة، الا انها بقيت عند معدل 18 في المائة في العام الماضي، كذلك تميز الطلب على المركبات بالقوة ووصل انتاج الكثير من السيارات والشاحنات الخفيفة الى الذروة، علاوة على ذلك مع تحسن الشروط الاقتصادية في بلدان اقتصادية اخرى، ارتفع نمو الصادرات التجارية بشكل ملحوظ، كما زاد استخدام الطاقة الصناعية بشكل عام الى 83،5 في المائة، وهو اعلى معدل منذ اواخر الثمانينات، كما تم خلق اكثر من مليوني وظيفة خلال الاشهر الاثني عشر الاخيرة، وانخفض معدل البطالة بنحو كبير، ونظرا الى الظروف المالية والاقتصادية التي باتت اقوى، فانه اصبح واضحا مع بداية عام 1994 ان مهمة السياسة النقدية في الاعوام القليلة الماضية قد انجزت».
وبعد ان اعلن انتصاره في النهاية على الانخفاض الاقتصادي الذي ارّقه في نهاية عام 1989، بدا غرينسبان جاهزا لمناقشة افكاره المتعلقة برفع الفائدة بقوله: «بما اننا وصلنا الى هدفنا، واجهنا سؤالا فيما اذا كان هناك هدف مقبول في الحفاظ على المستوى التحفيزي لمعدلات الفائدة في عام 1993، والجواب لا، لكن السؤال الذي بقي راسخا هو كيفية تطبيق هذا التحول».


أزمة التوليب الهولندية

من النادر حدوث الفقاعات، حتى في ظل غياب ضمان البنك المركزي. ولعله من الجدير بالذكر الاستشهاد بأزمة التوليب التي حدثت في أوائل القرن السابع عشر ومقارنتها بفقاعات غرينسبان، إذ شهد الهولنديون خلال تلك الحقبة انتعاشا اقتصاديا عزز ازدهار تجارة الأقمشة، ووصلت خلالها اسعار السكن والانشاء إلى أعلى مستوى لها. وكانت بذور التوليب رمزا خاصا بأصحاب الثروات. وكان من يملك بذور هذه الزهرة يعد رمزا للقوة و«البريستيج».
ومع انتشار بذرة التوليب، أدركت الطبقة المتوسطة حجم الثروات التي تنفق على هذه البذور وحجم الثروات التي يجنيها أصحابها من بيعها وشرائها. وفي ذلك الوقت، وصل متوسط الدخل السنوي للفرد في امستردام إلى حوالي 150 فلورين، لكن البذرة الواحدة كانت تباع بستة اضعاف هذا المبلغ.
وآنذاك اصبحت الحانات كأسواق الاسهم لتداول تجارة التوليب، وكانت العامة تتجمع هناك من أجل البيع والشراء.
وتهافت المزارعون واصحاب المخابز وصانعو الأحذية على هذه التجارة التي رأوا فيها طريقة سهلة لجني الأموال دون مخاطرة. وباعوا محالهم ومزارعهم ومنازلهم للتداول ببذور التوليب.
وفي قمة الفقاعة ارتفعت الاسعار عشرين ضعفا في شهر واحد. وفي فبراير من عام 1673، انهار سوق التوليب فجأة وانهارت معه أسعار بعض أكثر البذور غرابة في ستة اسابيع من 75 الف دولار الى دولار واحد. وعندها هب الذعر، وأفلس آلاف المواطنين الهولنديين.
وتوضح لنا أزمة التوليب أنه أحيانا عندما تكون أحوال السوق مناسبة، يهيمن جنون المستثمرين وتلي ذلك نتائج غريبة. لكن عندما تواجه الأحوال الاقتصادية السليمة بنكا مركزيا يميل لطبع الأموال، لا بد ان تنتج فقاعة كبيرة ومدمرة. وهذا ما حدث بالفعل في الولايات المتحدة في نهاية العشرينات من القرن الماضي، إذ أدت آثار الفقاعة إلى الكساد العظيم.

صب الزيت على النار

في نهاية التسعينات، اتخذ غرينسبان دورا أكثر فاعلية في العملية من أي عضو آخر عمل في الفدرالي.
إذ انه ومن خلال صب الزيت على النار الذي جاء على شكل اموال رخيصة التكلفة او من خلال ارشاد الناس للمضاربة، كان غرينسبان المتهم الرئيسي في تطور الفقاعة.
ومع أنه لم يكن السبب الوحيد في حدوث تلك الفقاعة، الا انه لولا رعايته لما نمت المشكلة بالدرجة والحجم اللذين وصل كلاهما إليه في زمنه.
لقد ساهمت مجموعة عوامل الى جانب سعي غرينسبان باستمرار لصب الزيت على النار في شكل أموال رخيصة التكلفة بإقناع المستثمرين ان الخطر الحقيقي الوحيد الذي يصاحب الأسهم هو عدم امتلاكها.
باختصار، لقد كانت حقبة خصبة بشكل لا يصدق بالنسبة للمضاربة، وبما أن غرينسبان يتحكم بمركز القوة، فإنه من السهل ان تعرف سبب المضاربة.
لكن ما ليس واضحا هو سبب تصرف غرينسبان على ذلك النحو، لكنه في الإمكان القول ان السبب في ذلك هو ان «المايسترو» كان مفتونابمفهوم الانتاجية.

الكاتبان من هما؟
ويليام فليكنشتاين


يعمل ويليام فليكنشتاين كرئيس لشركة ادارة الاموال «فليكنشتاين كابيتال» ومقرها في سياتل، ويكتب عمودا يوميا في موقعه الالكتروني
www.fleckensteincapital.com حول السوق، اضافة الى انه يكتب عمودا معروفا لمصلحة موقع «إم إس إن توديه» بعنوان «كونتراريان كرونيكليز».

فريدريك شيهان

يعمل فريدريك شيهان مديراً لقسم خدمات توزيع الاصول في شركة «جون هانكوك» للخدمات المالية في بوسطن، كما يعمل على اعداد سياسات استثمارية وخطط لتوزيع الاصول لمصلحة صناديق تقاعد مؤسساتية.
واعتاد شيهان اعداد تقارير شهرية تتناول مراجعة فصلية للسوق ونظرة عامة عنه لمصلحة عملاء منذ عام 1990 وحتى 2001.
كما كان يكتب مقالات عديدة في جهات مختلفة وساهم في الفترة الاخيرة بكتابة مقالات كثيرة لمصلحة ويسكي آنذ غانباودر» وموقع «برودينت بير» الالكتروني.


القبس
 
10-02-2011, 03:11 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

رينسبان يصف التكنولوجيا بـ«الصلصة السرية» للاقتصاد الأميركي (2-3) ملك الفقاعة يتحول من مكافحها إلى نافخ فيها

Pictures%5C2009%5C01%5C05%5C8a385689-b1dc-44fa-b51c-2294ffb36bc3_main.jpg


ترجمة: رزان عدنان
خلّف خروج آلان غرينسبان من مجلس الاحتياطي الفدرالي بعد 19 عاما من رئاسته، جدلا واسعا، بسبب سياساته خلال تلك المدة وما نتج عنها أخيرا من فقاعات وأزمات اقتصادية.
في حين يرى البعض أن الفترة التي تولى فيها غرينسبان رئاسة مجلس الاحتياطي، الفدرالي كانت محاطة بالرفاهية، يعارض البعض الآخر بالقول ان قراراته أدت نوعا ما إلى القضاء على النظام المالي الأكبر في العالم.
يتناول كتاب «فقاعات غرينسبان.. عصر الجهل في الاحتياطي الفدرالي» للمؤلف ويليام فليكنشتاين ومساعده فريدريك شيهان ابرز الأخطاء التي ارتكبها غرينسبان خلال عهده وما نتج عنها من فقاعات لا يزال أثرها حاضرا وبقوة إلى الآن في الأسواق الأميركية والعالم.
فمنذ نهاية الثمانينات وحتى اليوم، يبدو أن «المايسترو» كما يفضل أحد الصحافيين تسميته، لم يرتكب أي خطأ. فقد وضع معدلات الفائدة عند مستوياتها الصحيحة، كما يصر مناصروه على قول هذا، كما اشرف على اقتصاد نادرا ما يتعرض للانزلاق نحو الركود أو الأزمات، وعندما يجنح الاقتصاد عن الطريق الصواب، فإن مجلس الاحتياطي الفدرالي برئاسة غرينسبان سرعان ما يتصدى للأزمة عبر طبع الدولارات أو تخفيض معدلات الفائدة.
لقد بدا المستقبل براقاً في عهده، واستطاعت الدولارات المطبوعة الجيدة ومعدلات الفائدة المنخفضة تحفيز الاصول الاستثمارية والعقار.
لكن الحقيقة تقول ان معظم قرارات غرينسبان كرئيس مجلس ادارة للفدرالي منذ الحادي عشر من اغسطس من عام 1987 وحتى الحادي والثلاثين من يناير من عام 2006 لم تكن جميعها في مصلحة المستثمر، وحتى الولايات المتحدة. وسيعيش معظم الاميركيين اياماً اسوأ لاحقاً بسبب ادارة غرينسبان.
ويتساءل البعض قائلا: «كيف يمكن لرئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي ان يكون مخطئاً لهذه الدرجة؟» والاجابة هي ان غرينسبان اخطأ باستمرار عندما كان يصر على ابقاء معدلات الفائدة عند مستويات منخفضة جداً، وعندما تقع مشكلة يقوم بحلها من خلال تخفيض معدلات الفائدة مرة اخرى. والنتيجة انه خلال فترة رئاسته، شهدت الولايات المتحدة فقاعة في الاسهم تبعتها فقاعة اخرى في القطاع العقاري. ومنذ تسلمه منصبه لم تشهد البلاد فقاعات كهذه منذ خمسين عاماً.

يعتبر عام 1995 بداية لأكبر فقاعة سوق أسهم شهدتها البلاد. لقد فُت.نَ كبار المستثمرين حينئذٍ بشبكة الإنترنت والشبكات المالية الجديدة مثل «سي إن بي سي»، وكانوا يثقون بأنهم يملكون المعرفة في كيفية الاستثمار لمصلحتهم، وأن لديهم الحق في أن يكونوا أثرياء.
إضافةً إلى هذا، صب غرينسبان الزيت على النار عندما خفض من معدلات الفائدة بشكل مستمر.
وسجل شهر يوليو من عام 1995، بداية أكبر فقاعة يشهدها سوق الأسهم في الولايات المتحدة. وقد يسأل أي عاقل في الدنيا عن سبب تحول غرينسبان من موقع المكافح للفقاعة إلى النافخ فيها في فترة وجيزة من الزمن. والإجابة الوحيدة على ذلك هي «خياله».
إذ خفض «المايسترو» من معدل الفائدة من دون وجود دوافع كبيرة لذلك، كما لم يقدم غرينسبان دليلاً واحداً ضرورياً في نسخة أعدها آنذاك لتخفيض معدل الفائدة من 6 في المائة إلى 5.75 في المائة.
واعترف غرينسبان في أحد نصوص النسخة التي قدمها خلال لقاء عقد في يوليو من عام 1995 يقول فيها: «وصلت الى نتيجة مفادها انه مع تقلص المخاطر، فانه لا ضرورة للتعجل، وان كنت اعتقد بوجوب التحرك حتى يتسنى لنا الدفاع عن فكرة البقاء على الوضع الحالي، الا اذا كانت ضغوط التضخم ما زالت تتفاقم».
لكن ماذا عن الفقاعة التي لم يكافحها غرينسبان إلا من خلال الكلام، وادعى في وقت لاحق أنه ناضل ضد الأمر هذا بجدية. إنه لم يذكر الفقاعة أبداً في كلامه هذا. مما يجعلنا نعتقد أن غرينسبان لم يكن جاداً في مكافحتها.
وبعد مناقشة تلت مطالبته بتخفيض معدلات الفائدة، يبدو أنه لا يوجد أحد في مجلس الاحتياط الفدرالي قد سمع بكلمة فقاعة أو كان مهتماً بها.
وبعد التصويت على موضوع تخفيض معدل الفائدة في المجلس، سأل أحدهم إذا كان هناك بيان صحفي. إلا أن غرينسبان أجاب: أنا آسف، المسودة ستكون كما يلي: «أعلن رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي آلان غرينسبان أن اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح قد قررت تخفيض درجة الضغوط على مراكز الاحتياط بعض الشيء، نتيجة لتقييد الضغوط التضخمية بما يكفي لمواءمة التعديل البسيط في الظروف النقدية».
لقد كان واضحاً أن غرينسبان حضّر النص مسبقاً، واعترف بهذا لاحقاً في اللقاء.
وقرر تخفيض المعدلات، وبدا واضحاً أنه لا يوجد هناك من سيوقفه. بل إن أحدهم لم يحاول إيقافه حتى.
في هذه الفترة من ذلك العام، ارتفع سوق الأسهم تقريباً بنسبة 20 في المائة مقارنة مع بداية العام السابق.
ويبدو أنه وبشكل غير قابل للتوضيح عند نهاية عام 1995، لم يكن هناك حديث جديد من قبل غرينسبان عن الفقاعة، حتى ان السوق ارتفع تقريباً بنسبة 35 في المائة مقارنة بأول مرة، تم الحديث فيها عن الفقاعة.

عصر الاضطراب

في السادس من سبتمبر 2007، وقبل فترة قصيرة من إطلاق غرينسبان سيرته الذاتية بعنوان «عصر الاضطراب»، ألقى خطاباً في «واشنطن دي سي»، ذكرت على هامشه صحيفة وول ستريت جورنال أن رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي ادعى أنه لم يكن بالإمكان إيقاف الفقاعات عن طريق القيود المتزايدة ما بين عامي 1994 و1995، لكنه عندما أوقف القيود، بدأت الأسعار في التصاعد.
وذكر غرينسبان أيضاً قائلاً: «لقد حاولنا القيام بذلك مرة أخرى في عام 1997 وحدثت الظاهرة ذاتها».
ويبدو من خلال الأحداث أنه بالكاد حاول إيقاف القيود، وكانت النتائج أوسع من محاولاته في عام 1995، لكن الظاهر أنه حقاً لم يهتم لذلك.
فقد كان يؤمن بعصر جديد. وما بين عصره الجديد ومهارته لم يكن هناك ما يخفيه، إذ إنه وفي لقاء اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح في الخامس والعشرين من مارس 1997، لم يكن خطابه سوى عظة يتحدث فيها عن روعة الاقتصاد بعيداً عن أي نقاش جدي يتناول حل الفقاعة التي حدثت.
وعقب ذلك الاجتماع، ارتفعت معدلات الفائدة إلى 5.5 في المائة للمرة الأولى منذ عامين، وكانت المرة الأخيرة لمدة 15 شهراً تبعها ثلاث عمليات لخفض الفائدة.

هبوط الروبل

تسبب هبوط العملة الروسية (الروبل) وحدة انهيار إدارة رأس المال على المدى الطويل في عام 1998، في انخفاض مؤشر استاندرد آند بورز 500. وخفض غرينسبان من معدلات الفائدة في سبتمبر من ذلك العام إلى 5.25 في المائة. وبرأ الأخير نفسه في كتابه» عصر الاضطراب» من التهمة التي يستحقها بسبب إجراءاته غير المسؤولة – والمتهورة بالفعل- في الأعوام الأخيرة، التي تسببت في فقاعة أصابت سوق الأسهم.
ويفسر في كتابه قائلاً: «لقن المستثمرون مجلس الاحتياطي الفدرالي درساً. في الوقت الذي كان وزير الخزانة بوب روبن على حق. إذ لا يمكنك إخطار المستثمرين في حال تعرضت قيمة السوق للمبالغة، كما أنه لا تمكنك السيطرة على قوى السوق. واتضح في ما بعد أن هذا الازدهار هو نتيجة ثروة الأوراق المالية، في الوقت الذي كانت تشغلنا قضية الإنتاجية واستقرار الأسعار والأوجه الأخرى لما بات يسميه الناس الاقتصاد الحديث. لقد أخذنا نبحث عن طرق أخرى للتعامل مع مخاطر الفقاعة. لكننا لم نرفع من معدلات الفائدة، ولا حاولنا حتى كبح اسعار الأسهم مجددا».

النقاط المتنوعة التي جاءت على لسان غرينسبان.

1ــ من المضحك جداً القول ان المستثمرين لقنوا الفدرالي درساً. إذ إن ما قاموا به لم يكن سوى ردة فعل على السياسات التي كان الفدرالي يواصلها والمتمثلة بالسعي الحثيث لخفض معدلات الفائدة.
2ــ إن اقحام اسم بوب روبن كسبب في حدوث الفقاعة، ومحاولة إلقاء جزء من اللوم عليه أمر غير مبرر، إذ لم يكن روبن يملك شيئاً للتدخل في السياسة النقدية.
3ــ لم تشهد أواخر فترة التسعينات مبالغة بسيطة في تقييم السوق، إذ لم تعش الولايات المتحدة فقاعة كبيرة بحجم تلك التي حدثت إبان عهد غرينسبان.
4ــ ذكر غرينسبان أنه لا يستطيع محاربة قوى السوق، لكن كما سنرى فإن الأخير فعل ذلك على نحو متواصل.
على سبيل المثال، سمح رئيس مجلس الفدرالي السابق بول فولكر برفع معدلات الفائدة إلى 20 في المائة، في محاولة منه لإعاقة عودة معدلات التضخم المتضاعفة في بداية الثمانينات. غير أن غرينسبان قام بخفض معدل الفائدة.
وحتى لو لم يكن الأخير يعرف ان الإجراءات التي اتخذها ستؤدي في نهاية المطاف إلى أزمة، فإنه ساهم من دون أدنى شك في حدوث فقاعة، كلما سنحت الفرصة.
5ــ ذكر غرينسبان أنه اتخذ طرقاً أخرى للتعامل مع مخاطر الفقاعة، إلا أنه لا توجد بيانات تدعم صحة مزاعمه.إذ إنه لم يقم باتخاذ أي خطوات فاعلة في هذا الصدد، وحتى عندما تضخمت الفقاعة، لم يرها.
فلو كان هذا صحيحاً وأنه قام بكبح الفقاعة، لكان رفع معدلات الفائدة بشكل حاد، ومتطلبات هوامش الربحية أو أحد منهما.
إضافةً إلى ذلك، كان بإمكان غرينسبان تقييد المخاطر التي أفرزتها الفقاعة أو استخدام بعض الأدوات الأخرى التي يمكلها الفدرالي.
6ــ لعل الجملة الأخيرة التي ختم بها تصريحه هي أكثر ما يغيظ، فعندما قال:» لم نحاول أبداً إطلاق العنان لأسعار الأسهم مرة أخرى»، بدا غرينسبان وكأنه يروي قصة قصيرة، مفادها أن الثراء عم على الجميع وأننا من دون استثناء عشنا في سعادة بعد إجراءاته المتخذة.
في الحقيقة، ان جميع ما ذكره غرينسبان عار عن الصحة. فكما نعرف أن فقاعة الأسهم انهارت وأن الأخير دفع معدلات الفائدة للانخفاض عند واحد في المائة على ضوء الانهيار، الأمر الذي صعّد من فقاعة العقار التي لا تزال منتشرة في الولايات المتحدة حتى تاريخ كتابة هذا الكتاب.

عمليات الاكتتاب العام

يبدو أن هناك من لاحظ أزمة عمليات الاكتتاب العام من مجلس الاحتياطي الفدرالي أخيراً. ففي الحادي والعشرين من ديسمبر، وفي لقاء لللجنة الفدرالية للسوق المفتوح، لاحظ عضو الفدرالي مايك بريل أن الفقاعة الخطيرة في الطريق. ووصف الوضع بدقة خلال اللقاء.
الا أن تقييمه الدقيق لبيئة عمليات الاكتتاب العام لقي آذاناً صماء.
ولم يزعج أي عضو من أعضاء اللجنة بمن فيهم رئيس المجلس بالسؤال عما وصفه بريل، وكأنه كان يقرأ لائحة مشتريات.
وأعتقد أن سياسة غرينسبان غير المسؤولة، أثارت عمليات المضاربة الهائلة التي أدت الى صعود أسعار أسهم شركات الانترنت الى مستويات مرتفعة، وكانت مبهمة بالكامل.
واستطاعت أسعار الأسهم المرتفعة والثروة التي تراكمت بين ايدي أصحاب تلك الأسهم وما نتج عن تلك الثروة ايهام الناس أنهم يرون المستقبل جيداً.
في الحقيقة، لم يكن أحدهم يعرف ما سيؤول اليه جنون الانترنت.
وفي عام 2000، ذكرت دراسة أعدتها الأكاديمية الوطنية للمهندسين أنه تم تصنيف الانترنت في المركز الثالث عشر من أصل عشرين مرتبة من حيث أعظم الأعمال الهندسية الفذة خلال القرن العشرين، وجاء بعد الكهرباء والسيارات والطائرات والحاسوب والتلفونات.
ومع الصخب الذي رافق الفقاعة، بدا غرينسبان وكأنه أصبح مفتوناً بشكل أكبر بالتكنولوجيا، وتأثيرها على الانتاجية، وامكانية دخول عصر جديد.
وتطوعت «وول ستريت جورنال» باطلاق مسمى «الاقتصاد الجديد» على هذه المرحلة.
وفي الثالث عشر من يناير من عام 2000، قال غرينسبان في خطاب له بعنوان: «التكنولوجيا والاقتصاد»: «ان تكنولوجيا المعلومات هي التي تحدد هذه الفترة المميزة. والسبب في ذلك أن الابتكار المعلوماتي ينطوي في جذور الانتاجية والنمو الاقتصادي. وان مساهمة التكنولوجيا الرئيسية تكمن في تخفيض عدد ساعات العمال المطلوبة لخلق الناتج الوطني».
وذهب غرينسبان بعيداً ليشرح سبب وصفه التكنولوجيا بالصلصة السرية في هذه العملية بقوله: «قبل توافر ثورة المعلومات هذه، كانت معظم القرارات التجارية في القرن العشرين مكبلة بعدم استقرار شامل، لكن التطورات الأخيرة أكدت على أهمية تكنولوجيا المعلومات»، ومن ثم قال رئيس الاحتياطي أن اسعار الأسهم المرتفعة كانت مجرد مكافآت لأولئك الذين خاضوا مخاطر استثمار رأس المال.

انفجار الفقاعة

عزز الحماس المنتشر للتكنولوجيا وخاصة أسهم شركات الإنترنت من فقاعة سوق الأسهم التي انفجرت فيما بعد على نحو كبير.
وبعد طباعة الفدرالي المزيد من الأموال، والمحافظة على معدلات الفائدة عند مستويات منخفضة، بدا أنه لا توجد حدود لارتفاع أسعار الأسهم، غير أن الرخاء الذي عاشته أميركا لم يكن سوى وهم.
ففي نوفمبر من العام 1999، وصل معدل الفائدة إلى 5.50 في المائة، ولم يكن لهذا الارتفاع أي تأثير على المضاربين الذي سرعان ما اكتشفوا أن الفدرالي لا يشكل أي تهديد لهم.
ومع توجس الجميع من مشكلة الألفية وهي المخاوف التي أثيرت من عدم قدرة أجهزة الحاسوب في نهاية عام 1999 على التحول تلقائياً من ألفية إلى ألفية جديدة، كان الوضع العام مضطرباً للغاية.
وفي مقالة لي نشرت في تاريخ العاشر من نوفمبر من العام 1999 على موقع «سي إن بي سي ماركت ووتش»، ذكرت نماذج بسيطة تصف كيف سيكون عليه شكل الاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة، ووصفت ارتفاع اسهم شركات الإنترنت، التي انخفضت فيما بعد بنسبة 90 في المائة عندما انكمشت الفقاعة.
وفي الفترة ما بين 10 سبتمبر ولغاية 20 سبتمبر من عام 1999، طبع الفدرالي أموالاً كانت تكفي لانفجار الإجمالي الواسع للعرض النقدي بنحو 147 مليار دولار والذي كان معدل نموه السنوي يبلغ 14.3 في المائة.
في الحقيقة، جاءت هذه الأموال المطبوعة لتفسر على نحو واضح سبب تشكل الفقاعة.
فمنذ فبراير عام 1996 ولغاية أكتوبر من عام 1999، توسع العرض النقدي حسب معيار واحد بحوالي 6.1 تريليونات دولار أو 20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وعند ذلك المعدل، قد يتضاعف العرض النقدي كل ثماني سنوات.
ومن السهل جداً معرفة سبب سخرية المساهمين في الفقاعة من رفع معدل الفائدة في السادس عشر من نوفمبر.
إذ أفرزت سياسات غرينسبان التي تتمثل في ضخ الأموال لتبديد مخاوف مشكلة الألفية وما يتعلق بمعدلات الفائدة ذعراً خارجاً عن السيطرة.
كذلك قفزت عمليات الاكتتاب العام بمقدار كبير في اليوم الأول إن يكن في الساعات الأولى من التداول.
وقفز سهم شركة كوبالت نيتورك إلى 482 في المائة، كذلك قفز سهم شركة «فاوندري نيتورك» إلى 525 في المائة، وحلق سعر سهم «أكاماي تكنولوجيز» إلى 458 في المائة.




Pictures%5C2009%5C01%5C05%5Cd6833a16-92e1-4413-9ae5-b313fcdd9fa4_maincategory.jpg




لم يعترف بأخطائه أو يصلحها بل كررها مرات عدة خلال 19 عاما (3-3) غرينسبان سيد انزلاق الولايات المتحدة والعالم.. نحو الأزمة المالية

Pictures%5C2009%5C01%5C06%5C6e6e8def-ddb9-4d2f-b3df-bed52b772665_main.jpg


ترجمة: رزان عدنان
خلّف خروج آلان غرينسبان من مجلس الاحتياطي الفدرالي بعد 19 عاما من رئاسته، جدلا واسعا، بسبب سياساته خلال تلك المدة وما نتج عنها أخيرا من فقاعات وأزمات اقتصادية.
في حين يرى البعض أن الفترة التي تولى فيها غرينسبان رئاسة مجلس الاحتياطي، الفدرالي كانت محاطة بالرفاهية، يعارض البعض الآخر بالقول ان قراراته أدت نوعا ما إلى القضاء على النظام المالي الأكبر في العالم.
يتناول كتاب «فقاعات غرينسبان.. عصر الجهل في الاحتياطي الفدرالي» للمؤلف ويليام فليكنشتاين ومساعده فريدريك شيهان ابرز الأخطاء التي ارتكبها غرينسبان خلال عهده وما نتج عنها من فقاعات لا يزال أثرها حاضرا وبقوة إلى الآن في الأسواق الأميركية والعالم.
فمنذ نهاية الثمانينات وحتى اليوم، يبدو أن «المايسترو» كما يفضل أحد الصحافيين تسميته، لم يرتكب أي خطأ. فقد وضع معدلات الفائدة عند مستوياتها الصحيحة، كما يصر مناصروه على قول هذا، كما اشرف على اقتصاد نادرا ما يتعرض للانزلاق نحو الركود أو الأزمات، وعندما يجنح الاقتصاد عن الطريق الصواب، فإن مجلس الاحتياطي الفدرالي برئاسة غرينسبان سرعان ما يتصدى للأزمة عبر طبع الدولارات أو تخفيض معدلات الفائدة.
لقد بدا المستقبل براقاً في عهده، واستطاعت الدولارات المطبوعة الجيدة ومعدلات الفائدة المنخفضة تحفيز الاصول الاستثمارية والعقار.
لكن الحقيقة تقول ان معظم قرارات غرينسبان كرئيس مجلس ادارة للفدرالي منذ الحادي عشر من اغسطس من عام 1987 وحتى الحادي والثلاثين من يناير من عام 2006 لم تكن جميعها في مصلحة المستثمر، وحتى الولايات المتحدة. وسيعيش معظم الاميركيين اياماً اسوأ لاحقاً بسبب ادارة غرينسبان.
ويتساءل البعض قائلا: «كيف يمكن لرئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي ان يكون مخطئاً لهذه الدرجة؟» والاجابة هي ان غرينسبان اخطأ باستمرار عندما كان يصر على ابقاء معدلات الفائدة عند مستويات منخفضة جداً، وعندما تقع مشكلة يقوم بحلها من خلال تخفيض معدلات الفائدة مرة اخرى. والنتيجة انه خلال فترة رئاسته، شهدت الولايات المتحدة فقاعة في الاسهم تبعتها فقاعة اخرى في القطاع العقاري. ومنذ تسلمه منصبه لم تشهد البلاد فقاعات كهذه منذ خمسين عاماً.

رغم أوامره المماثلة السابقة، فإن مجلس الاحتياط الفدرالي رفع معدلات الفائدة بمعدل ربع نقطة مئوية الى 5.75 في المائة في الثاني من فبراير من عام 2000، بذلك عادت معدلات الفائدة الى مستوياتها ذاتها قبل نحو خمسة أعوام أي في بداية يوليو 1995.
ومع أن اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح رفعت من معدلات الفائدة، فإنها قامت بذلك بسبب مخاوف التضخم.
ولم يؤثر هذا الاجراء على سوق الأسهم، اذ وصل الى أعلى مستوى مرتفع له منذ 25 عاماً، وبلغ معدل الارتفاع 9 في المائة.
وبعد أسبوع واحد من ارتفاع معدل الفائدة، ذكرت شركة «سيسكو» في تقريرها الفصلي أنها سجلت أداءً جيداً خلال ربع واحد وتوقعت أن يتجه سعر سهمها نحو الصعود. الذي بلغ 10 دولارات. وفي تلك اللحظة كان يمكن تقييم السهم باكثر من 150 ضعفا من حيث الارباح واكثر من 40 ضعفا من حيث العائدات.
لكن السؤال الذي يطرح نقاطاً عدة هو هل يمكن لسهم أن يصل الى ذلك المستوى المرتفع من السعر؟
لقد قالت محطة «سي ان بي سي» تلفزيون الفقاعة كما أسميها بأن «سيسكو» قد تكون أول شركة تصل قيمتها السوقية الى تريليون دولار.
على أي حال، كل شيء ممكن في ظل هذا الصخب. لكن دعونا نمحص قليلاً في الأرقام الموجودة، ان القيمة السوقية لشركة سيسكو في ذلك الوقت بلغت 500 مليار دولار، لكن اجمالي الناتج المحلي للعالم ككل يبلغ أكثر من 30 تريليون دولار.
اذاً، هل يمكن أن تبلغ القيمة السوقية لشركة تريليون دولار، وعوائدها تصل الى 12 مليار دولار أو لنقل 15 مليارا أو 20 مليار دولار، أي حوالي 3 في المائة من اجمالي الناتج المحلي العالمي؟
ان اجمالي الناتج المحلي الأميركي هو 9 تريليونات فقط ، فهل يمكن لشركة واحدة بتلك العوائد أن تبلغ عُشْر اقتصاد أميركا؟ وكيف يمكن لأي أحد تخيل ما جرى؟
ان أحد العوامل التي دفعت الأسعار نحو الارتفاع الكبير هو الزيادة المفرطة في الديون الناتجة عن هوامش الربحية وساهم الفدرالي بتعزيزه بشكل خاص حتى يصل تأثيره الى ذلك المدى.
وكان بند لجنة الأوراق المالية و الصرف الصادر في عام 1934 قد خَّول الفدرالي تشريع قروض الوسطاء أو المعروفة باسم»ديون هوامش الربحية» والمستخدمة لشراء الأسهم.
وسمحت تلك القوانين لمدة 25 عاماً للمضاربين باقتراض أكثر من 50 في المائة من قيمة الأسهم التي اشتروها.
ووصل اجمالي ديون هوامش الربحية في فبراير من العام 2000 الى 265 مليار دولار.
وتبعاً لاجمالي الناتج المحلي، فان ديون هوامش الربحية كانت الأعلى في ذلك العام وذلك منذ عام 1929، وأعلى بمعدل ثلاثة أضعاف عما كانت عليه في أكتوبر من عام 1987.
الى هذا، طفا موضوع ديون هوامش الربحية على السطح في السابع عشر من فبراير عام 2000 عندما قدم غرينسبان شهادته أمام لجنة الاسكان التابعة لمجلس الشيوخ، كما فعل قبل ثلاثة أسابيع أمام اللجنة ذاتها في مجلس الشيوخ.
وعلى الرغم من أنه تم استجوابه على خلفية ذلك الموضوع من قبل السيناتور تشارلز شومر في السادس والعشرين من يناير، لكن غرينسبان ظل يكرر الرؤية التي سبق وتحدث عنها في شهادته السابقة والتي تقول ان متطلبات هوامش الربحية المرتفعة قد لا يكون لها أي تأثير على أسعار الأسهم.
وذكر غرينسبان في شهادته ان هذه المتطلبات قد تراعي المستثمرين الصغار ، علاوة على أن الدراسات قالت ان مستوى أسعار الأسهم لا يمكن أن يؤثر على متطلبات هوامش الربحية.
في الحقيقة، ليست لدي أي فكرة عن الدراسات التي أشار اليها في جملته السابقة. اذ لم تتم مناقشة أي دراسة خلال اجتماع اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح.
الا أنه قد يعني تلك الورقة الوحيدة الموجودة على موقع الفدرالي الالكتروني والمكتوبة بتاريخ 22 ابريل عام 1997 بوساطة بول كيوبيك بعنوان»
متطلبات هوامش الربحية، التذبذب،وسلامة السوق: ماذا تعلمناه منذ الأزمة؟».
على أي حال، لم تتم مناقشة تلك الورقة في أي من اجتماعات اللجنة.
علاوة على هذا، هناك أمثلة كثيرة تشير الى أن آراء رئيس المجلس الفدرالي عن فعالية متطلبات هوامش الربحية لم تتم مناقشتها من قبل مجلس التدقيق التشريعي.

21 مارس 2000
كان لقاء اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح في الحادي والعشرين من مارس من عام 2000، مشابهاً لغيره من الاجتماعات التي عقدت مسبقاً. وتم ذكر كلمة» سوق الأسهم» 20 مرة على الأقل. لكن من دون اشارة لتحذير ما.
ولاحظ أعضاء عدة في اللجنة الترابط غير العادي أو عدم وجوده أحياناً بين مؤشري ناسداك وداو جونز.
ولم يحفز التذبذب بين المؤشرين أحداً على مناقشته بجدية. كما أن غرينسبان لم ينبث ببنت شفة عن أسعار الأسهم أو علق حتى على قضية الترابط غير الطبيعي بين المؤشرين.
وبدا واضحاً أنه لا يملك أدنى فكرة أنه أحد الأسباب الرئيسية وراء ما يحصل.
وخلال تلك الجلسة لم ترد كلمة فقاعة ولا حتى كلمة متطلبات هوامش الربحية.
وكما لاحظت سابقاً لقد أعمت التكنولوجيا غرينسبان عن الفقاعة التي كانت واضحة أمام أعين الكل.
ومن جهة أخرى، وخلال اجتماع اللجنة الفدرالية في السادس عشر من مايو عام 2000، رفع الفدرالي معدل الفائدة نصف نقطة مئوية ليصل الى 6.5 في المائة ، وها هو الاجتماع ينتهي كسابقه، لكن مايك بريل قرع جرس الانذار وحذر من الفقاعة المضاربية. وكما كان حال تحذيراته السابقة، لم تلق سوى آذان صماء.
وأثناء الاجتماع، استخدم غرينسبان كلمة «سوق الأسهم» مرة واحدة لكنه مررها مرور الكرام. ورفع معدل الفائدة عند نصف نقطة مئوية لانه، وبحسب قوله: «تشير الدلائل الى أن الانتاجية لا تزال في تصاعد»، وقال رئيس الفدرالي بثقة: «أعتقد أن الزخم الحقيقي في الاقتصاد لا يزال قويا».

الأزمة السكنية
بعد أكذوبة «الاقتصاد الجديد»، وانفجار فقاعة التكنولوجيا، ها هو غرينسبان يتبنى مسألة السكن كمعجزة اقتصادية جديدة.
اذ انه بفضل معدلات الفائدة المنخفضة التي هي أقل من واحد في المائة، وبسبب الشروط السكنية المتساهلة، ازدهر العقار في السوق الأميركي. وعند هذه النقطة ولدت الفقاعة الجديدة.
من جانب آخر، لم تكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر في عام 2001 السبب الرئيسي في انخفاض سوق الأسهم أو ضعف الاقتصاد في أواخر عام 2001 و2002، رغم أنهما تأثرا بشكل سلبي وواضح من الهجمات الارهابية على الولايات المتحدة والنتائج التي تلت عنها.
وصحيح أنه بعد ذلك اليوم، وضعت جميع المشاكل المالية والاقتصادية اللوم على ما جرى، وان 11 سبتمبر فاقم من المشاكل الموجودة أصلاً، لكنه ليس أصل البلاء.
وعندما عاد التداول في سوق الأسهم في السابع عشر من سبتمبر من ذلك العام، ركزت في مقالتي على طبيعة المشاكل المالية التي تعاني منها البلاد والموجودة مسبقاً.
وشعرت بانه من الضروري أن يفهم الناس السبب الحقيقي وراء هذه المشاكل خصوصا أنهم يحاولون معرفة نتائج الهجمة الأخيرة.
ومما ورد في مقالتي آنذاك: «ان حقيقة الضغط الذي يمر به الاقتصاد وسوق الأسهم ما هو الا نتيجة الفقاعة التي امتدت طويلاً منذ نهاية التسعينات. وعلى عكس ما ذكرته وسائل الاعلام، فان الهجمات لم تقم سوى بمفاقمة اتجاهات كانت موجودة أصلاً. حتى ان الناس الذين بدأوا الاستفاقة من وهم امتلاك الأسهم بدأوا - لكن ببطء - استخلاص نتيجة مفادها أن سوق الأسهم قد يكون أخطر مما يعتقدونه».
فسوق الأسهم يتعرض للضغط منذ أعلى مستوى وصل اليه في مارس من عام 2000، كما ان آلان غرينسبان انزلق في أكثر من مناسبة وبدا واضحاً أنه لا يسيطر على الاقتصاد. ان الأحداث الأخيرة التي شهدناها سوف تفاقم من تلك العملية وستفرز انقسامات اجتماعية اقتصادية ستتضح ابعادها مع مرور الوقت.
في غضون ذلك، لم يجتمع أعضاء اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح سوى مرات قليلة في الأشهر الأخيرة من عام 2001، وناقش خلالها لبعض الوقت غرينسبان التكنولوجيا أو الانتاجية. وفي الاجتماع الذي عقد في السادس من نوفمبر من عام 2001، عّبر رئيس الفدرالي عن قلقه ازاء الاستقرار الاقتصادي في البلاد وقال: «ما زلنا نتوقع الاستقرار، لكن لا يوجد دليل عليه، واليوم نشهد وجهاً للتصاعد غير العادي الذي حدث في اقتصادات العالم في أواخر التسعينات نتيجة لانتشار العولمة، وأصبح التطور سيفا ذا حدين».
ان ما قاله غرينسبان أعلاه يشير الى أن العولمة هي السبب في خلق سنوات المجد التي عاشها العالم أواخر فترة التسعينات وليست التكنولوجيا أو الانتاجية كما كان يزعم سابقاً، وأننا في الولايات المتحدة نشهد حالياً انحدار هذا الاتجاه.

فقاعة العقار
مع بداية عام 2002 كانت لا تزال فقاعة العقار بعيدة. وفي السابع والعشرين من فبراير من العام ذاته، ظهر غرينسبان أمام لجنة الخدمات المالية السكنية. وبدأ شهادته بالحديث عن جهوده الجادة الأولى تجاه مراجعة التاريخ الذي اتضح في الأعوام الثلاثة السابقة. وعند مناقشته للمشاكل الاقتصادية، ركز على هبوط الطلب الذي حدث نتيجة زيادة الطاقة الاستيعابية التي تطورت اخيراً. وفشل غرينسبان في لفظ كلمة واحدة عن الفقاعة التي تسببت في زيادة العرض. وساعد على خلق الزيادة في العرض سوء توزيع رأس المال الذي جاء نتيجة مطاردة شركات الاتصالات والأنشطة التجارية المتعلقة بالانترنت.
وفي اللقاء ذاته، تطرق غرينسبان الى السبب المهم في الضعف الاقتصادي في ذلك الوقت بحسب رايه وقال: «ان انخفاض انفاق راس المال خلال العام والنصف المنصرم كان سبباً في التباطؤ الحاد الذي شهدناه في النشاط بشكل عام، كما ان الزيادة المفرطة في الانفاق على التكنولوجيا المتطورة التي حدثت في الأشهر ما بعد الألفية الجديدة لم تكن مستمرة. ومع أن الطلب على الكثير من شرائح التكنولوجيا الأحدث سريع النمو، لكن الطاقة الاستيعابية ازدادت بوتيرة أسرع».
في الحقيقة، ان الانفاق قبل وبعد الألفية الجديدة كان غير مستمر. ومع ذلك، يشير كلام غرينسبان الى أنه لا يرى أو لا يفهم.
والجدير بالذكر هنا أنه وخلال اللقاء قال غرينسبان: «ان جميع المنتجات المالية الجديدة والتي تشمل المشتقات والأوراق المالية المدعومة بأصول، والتزامات القروض المرهونة، والتزامات الرهون العقارية الاضافية،وما الى ذلك من تنوع الفرص أمام المقرضين،واعتماد المقترضين بشكل أقل على مؤسسات محددة من أجل التمويل بات يساهم في تطوير نظام مالي أكثر كفاءة ومرونة».
أنا لا أريد اقحام أنفي في هذا، لكن ألا تبدو هذه المصطلحات مألوفة؟ ان الأوراق المالية المدعومة بأصول والتزامات الرهون العقارية الاضافية والقروض المرهونة هي الأدوات ذاتها التي قادت الى أزمة السوق المالية في أواخر عام 2007، حيث تعرضت الكثير من المؤسسات المالية الضخمة لخسائر.
انه غرينسبان حقاً الذي يمجد فضائل أفكاره التي لا يفهمها كلها، ويمنحنا شعوراً بأنه سيأخذنا الى الأرض الموعودة، لكن بدلاً من ذلك، يتسبب لنا بذرف الدموع.
وفي الرابع والعشرين من نوفمبر من عام 2007، ادعى غرينسبان في أوسلو في النرويج بأنه لم يكن له دور في الفقاعة السكنية، وقال: «أصبحت الأسواق أكثر وعياً تجاه حقيقة انخفاض أسعار السكن من دون توقف، وليس لدي أي اعتذارات خاصة أقدمها. ففقاعة السكن ليست انعكاساً لما قمنا به، بل هي ظاهرة عالمية».
وكان غرينسبان قد زعم في وقت سابق أن الولايات المتحدة لن تتعرض لفقاعة سكنية لان العقار عبارة عن سوق محلي. وكأنه من خلال كلامه هذا يريدنا تصديق البعد العالمي لفقاعة السكن كبرهان على براءته. ان ماقاله غرينسبان كالعادة لا يعبر عن المنطقية ولا الدقة.
والنظر عبر انجازاته الخاصة من خلال نظارات وردية يعتم على الواقع الأليم الذي أجبرنا على معايشته حالياً.
لكن، مع ذلك، ان عيب غرينسبان الرئيسي الذي ارتكبه ليس أخطاءه، بل رفضه الاعتراف بها. اذ انه لم يتعلم من أخطائه طوال 19 عاماً، بل حاول تكرارها أكثر من مرة.
ان العالم المالي الذي خلفه غرينسبان وراءه من الخطورة بمكان لا يستطيع أحد الابحار فيه، اذ ان خوضه سيترك الكثير من الجرحى.
ومن دون أدنى شك لم يكن غرينسبان مايسترو، بل كان سيد انزلاق الولايات المتحدة نحو أزمة مالية. والدليل يتحدث عن نفسه.

انهيار معجزة التكنولوجيا

كان المشهد تراجيدياً في عام 2000 بالنسبة للمستثمرين الذين استثمروا مدخراتهم في أسهم الشركات المتخصصة بالتكنولوجيا.
ورغم انفجار ازدهار ثورة التكنولوجيا، لكن غرينسبان لم يره. وبقي مصراً على وعده بنمو الانتاجية واستمر بالتعبير عن شغفه بالتكنولوجيا في عام 2000.
وهاهو الوجه الآخر لما وعد به غرينسبان من خلال هذه الرسالة التي تقول: «أنا أكتب بقلب مثقل والدموع في عيني، لقد عملت بجد طوال حياتي، وحاولت دائماً تقديم كل ما هو جيد لعائلتي ولأصدقائي.ولم أصعد على ظهر أي أحد . وادخرت لسنوات ولم أكن أملك راتباً تقاعدياً أو خطة تقاعد حتى. لكني بدأت استثمر الأموال في شركة «سايبر» بعد أن اقتنعت بأدائها من خلال اعداد بحوث عنها، وصرت اشتري اسهمها. لكن بعد فترة، فقدت كل شي كنت أعمل على ادخاره طوال حياتي».
لقد اتصلت بي امرأة هذا الصباح تخبرني هذه القصة عن زوجها الذي بحسب قولها سيقتل نفسه.
أضافت هذه السيدة على لسان زوجها أنه ارتكب حماقة كبيرة بشراء الأسهم على هامش الربحية، اذ كان عليه تسييل الأسهم مرات عدة وظن أن الكابوس قد انتهى.لكنه حصل هذا الأسبوع. ان قصة هذا الرجل ليست الوحيدة من نوعها، فقد تكون هناك الكثير من القصص المالية المخيفة التي لا تعد ولا تحصى ستظهر في الأعوام الثلاثة المقبلة على خلفية انهيار سوق الأسهم.
المضاربة في رامبوس
لدي صديق يعمل مستشاراً في احدى الشركات المتخصصة بقطع الكمبيوتر قرر عدم دفع الضرائب الفصلية للفدرالي، بل استثمارها في سوق الأسهم. لقد قال لي ان قيمة مخالفة ذلك الأمر هي 9 في المائة فقط، وأن باستطاعته المراهنة بسهولة في البورصة، وبالفعل راهن الأخير بأمواله كلها على سهم شركة «رامبوس».
انها قصة مثيرة، لكن السؤال ما هو عدد الذين فعلوا الشيء ذاته؟ وبعد أن راهن صديقنا بماله لم تكن نهاية قصته سعيدة، اذ انخفض سعر سهم الشركة 50 في المائة، ولعل الكثيرين سيتعلمون أن المضاربة ممتعة عندما تجدي نفعاً، لكنها مدمرة عندما لا تكون في محلها.
ومع ذلك، لم يكن كثير من الناس يعلمون أن مايقومون به ليس سوى مضاربة.
لقد كانوا كالحملان التي تساق الى المذبح.
وحتى ذلك الوقت، لم يبد. سوى القليل قلقه ازاء تبعات المضاربة وسوء توزيع رأس المال في السوق. ورغم أن أقلام بعض النقاد أشارت الى هذا الأمر، الا أن اياً من أصحاب مراكز القوى لم يحاول تأكيد هذه المخاطر وبالتأكيد كان غرينسبان منهم.






Pictures%5C2009%5C01%5C06%5Cc7ea2c19-610b-47ee-b22c-d9a176ff33f6_maincategory.jpg



القبس
 
14-02-2011, 07:47 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif


كوندي: قصة نجاح كوندليسا رايس
محمد الحجيري
mhoujeiri@hotmail.com
تأليف: انطونيا فيليكس
ترجمة: سعيد الحسنية
عن الدار العربية للعلوم
استطاعت «كوندي» (كوندليسا رايس) أن تصبح امرأة نهضوية بالمعنى الادقّ للكلمة في غضون خمسين سنة، في اكثر من حقل واحد بصفتها فنانة، واكاديمية، وكاتبة، ومديرة جامعة وسلطانة السياسة الخارجية، ومستشارة رئاسية. ومن يقرأ كتاب «كوندي/ قصة نجاح كوندليسا رايس» لانطونيا فيبليكس، يعرف سرّ وزيرة الخارجية الاميركية العابق في اروقة البيت الأبيض. فكوندي ليست امرأة عادية، وعابرة، تستند قصتها على تراث عائلي مدهش، فأجدادها لأبيها وأمها كانوا، من جهة البيض الذين يمكلون العبيد، ومن العبيد من الجهة الاخرى. وهي ولدت عام 1954 في بيرمنغهام، المدينة التي كانت تسودها قواعد الفصل العنصري. ونشأت في الحي الحديث المتطور من المدينة، وهو الحي الذي تسكنه طبقة متوسطة من السود.
بدأت عائلة رايس بتمكين ابنتها الوحيدة من تلقي دروس العزف على البيانو منذ ان اتمت سنتها الثالثة، وأغنت طفولتها بدروس الباليه، وبتعليمها اللغتين الفرنسية والاسبانية، بالإضافة الى مشاهدة مباريات كرة القدم، وكذلك بوضع عدد كبير من الكتب على المنضدة المحازية لسريرها. استطاعت عائلتها بهذه الطريقة ان تضع امامها نموذجا فريدا للتفوّق يدعى «التفوق المضاعف» وهو المستوى المطلوب كي تصبح على مستوى واحد مع رفاقها البيض في الجنوب العنصري. واستمرت رايس في التدرب لتصبح عازفة بيانو (وهو الحلم الذي تخلت عنه اخيرا)، وتخرجت في المدرسة الثانوية في عمر السادسة عشرة، وتخرجت في جامعة دنفر عندما كانت في عمر التاسعة عشرة، واستجابت اخيرا لنداء حياتها الذي اطلقه عندها استاذها في تلك الجامعة جوزف كوربيل، والذي كان دبلوماسيا سابقا في اوروبا الشرقية، وهو والد وزيرة الخارجية السابقة مادلين اولبرايت، والذي شجعها على التخصص في الشؤون السوفياتية. تسلمت كوندي شهادة الدكتوراة عندما كانت في السادسة والعشرين من عمرها، واصبحت بعد ذلك استاذة مساعدة لمادة العلوم السياسية في جامعة ستانفورد، وهذا فتح الطريق امامها لتصبح اصغر مديرة لجامعة ستانفورد على الاطلاق. واصبحت كوندي لاحقا اصغر مستشارة للأمن القومي سناً في تاريخ ذلك المجلس، بالاضافة الى كونها أول امرأة سوداء تحتل منصب وزيرة الخارجية، بل وصلت الى ذروة مناصب بقيت حكرا على الرجال البيض لفترة طويلة.
عزوبة
لا نريد في البحث عن نجاحات كوندي السياسية، فهي غنية عن التعريف، بل نريد التحدث عن الجانب «الهامشي» في حياتها، والقصد حبها للموسيقى وللبيانو تحديدا، فهذا الكتاب يستكشف الجذور الموسيقية لاسرتها، التي ساهمت بتكوين اسمها والهدف الذي وضعته نصب عينيها لتصبح عازفة بيانو. ابتكرت والدتها، وهي عازفة بيانو وارغن، اسم كوندليزا من العبارة الايطالية كون دولسيززا، وهي علامة موسيقية توعز الى العازف كيف يعزف بعذوبة. ومنذ البداية، اكتسبت كوندي انضباطا ذاتيا قبل ان تلتحق بالمدرسة بوقت طويل، وذلك بعد تلقيها دروس العزف على البيانو، وبرنامجا كاملا في التدريب على مواد دراسية اخرى، تقول كوندي «وجدت نفسي وسط بيئة منضبطة جدا، مليئة بالنوادي المخصصة للاولاد الصغار ودروس الباليه»، وقراءة الكتب كانت نوعا من الفروض عليها، ولم تكن وسيلة للهو، او الترفيه. تذكر ان والدتها اشترت لها شريط التسجيل اوبرا «عايدة»، عندما كانت في السادسة، منذ ذلك اليوم باتت الموسيقى الكلاسيكية ولعها.
وأول اغنية تعلمتها على البيانو كانت بعنوان «اي صديق نجد في يسوع». في الخامسة عشرة من عمرها عزفت «كونشرتو دي مينور» لموزار مع أوركسترا دنفر السيمفونية، وكانت تلك جائزتها التي حصلت عليها في مسابقة خاصة بالطلبة. لم تستطع كوندي ان تتخيل نفسها وهي تدرس العزف على البيانو طوال حياتها. قررت ان تغير وجهة اختصاصها، بدا هذه التغيير في لحظة كأنه جرعة مريرة من الواقع، بدا كأنه يعاكس الاعتقادات التي كونتها عن نفسها، تتذكر انها وجدت نفسها مع عالم الموسيقى منذ نعومة اظفارها، واستقرت على فكرة انها «جيدة جدا، ولكنها ليست عظيمة»، شرحت الامر بعد عدة سنوات فقالت:»استطيع من الناحية التقنية ان اعزف اية مقطوعة، لكن لن اكون قادرة على العزف بالطريقة التي يعزف بها كبار العازفين». وما أن حققت نجاحات في تعليمها العالي ومنصبها الحكومي بدأت تتخلى عن الموسيقى، وعندما شعرت بخسارتها عام 1993 حين اصبحت المسؤولة الجامعية الأقل عمرا في جامعة ستانفورد، عادت مرة اخرى الى أخذ دروس منتظمة في الموسيقى، مع جورج بارث، وهو زميل لها في المعهد، وقد شجعها على الاهتمام بموسيقى الحجرات.
رغم ان كوندي لم تعد تسعى لتصبح عازفة محترفة، الا انها ظلت تلميذة جدية للبيانو. تقول في هذا المجال:» وجدت شغفا كبيرا في دراسة شؤون روسيا، لكنني في الواقع لم افقد شغفي بالموسيقى، استمررت بدراسة البيانو والتدرب عليه حتى وقت متقدم جدا». يضعها هذا الجانب من دراستها في اطار مجموعة صغيرة من المسؤولين الحكوميين الرسميين الذين بدأوا اختصاصهم الجامعي في حقل الموسيقى. صرحت كوندي في العام 2001 «لست نادمة لانني تخليت عن مهنة الموسيقى. اعتقد ان عظمة الموسيقى تكمن في انك تبقى على حبها طوال حياتك، وباستطاعتك ان ترجع اليها في مراحل مختلفة منها». وحتى الآن فهي تحافظ على هذا العالم بعيدا عن الجمهور. ويسألها الناس فيما إذا كانت موسيقى الحجرة مريحة لها، فتكون إجابتها «ليست مريحة إذا كنت تجاهد من اجل عزف موسيقى براهمز». لغرفة الاستقبال في بيت كوندي زاوية للعزلة وهناك وضعت آلة البيانو الخاصة بها والمتميزة باتساعها، والبيانو هدية من والديها حينما كانت مراهقة.
السلالة الموسيقية
وكوندي هي عازفة بيانو من الجيل الرابع من ناحية أمها، وقد كانت أمها، أنجلينا رايس، التي توفيت بالسرطان عام 1985، مدرّسة للموسيقى والعلوم في مدرسة ثانوية للصناعة في حي للسود في برمنغهام بولاية ألاباما، وقالت رايس في مقابلة سابقة «كانت امي موسيقية في الكنيسة وكانت تعزف الموسيقى على نحو جميل ولكنها لم تكن تعزف المقطوعات الكلاسيكية كثيرا، وكانت لديها أذن موسيقية وقدرات استثنائية على الارتجال وهو ما لا امتلكه». وكان والدها، الذي خلف والده المتحدر من عائلة عبيد، كاهنا في كنيسة في برمنغهام، ويحب الموسيقى ايضا، وخصوصا الجاز (وقد توفي عشية الكريسمس عام 2000 بعد ايام من تعيين رايس مستشارة للأمن القومي). وعندما كانت طفلة أهداها والدها لعبة على شكل بيانو صغير، وقالت «كانت لديهما خطة»، وتعرض تلك الهدية اليوم على منضدة القهوة في شقتها. تجد رايس موسيقى الحجرات جذابة بحيث انها ليست لديها رغبة تقريبا في عزف الأعمال المنفردة. ولكنها قالت «قبل أن أغادر هذه الأرض سأقوم بدراسة كونشرتو برامس الثاني للبيانو الذي يعتبر أجمل قطعة موسيقية» وهي قطعة صعبة ايضا.
تسلمت كوندي شهادة الدكتوراة عندما كانت في السادسة والعشرين من عمرها، واصبحت بعد ذلك استاذة مساعدة لمادة العلوم السياسية في جامعة ستانفورد، مما فتح الطريق امامها لتصبح اصغر مديرة لجامعة ستانفورد على الاطلاق. واصبحت كوندي لاحقا اصغر مستشارة للأمن القومي سناً في تاريخ ذلك المجلس، بالاضافة الى كونها أول امرأة سوداء تحتل منصب وزيرة الخارجية، بل وصلت الى ذروة مناصب بقيت حكرا على الرجال البيض لفترة طويلة.


الجريده
 
17-02-2011, 06:42 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

الدين والدهماء والدم
محمود شريح
تأليف: صقر أبو فخر
عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر
صقر أبو فخر المؤرخ والبحّاثة في جديده «الدين والدهماء والدم: العرب واستعصاء الحداثة» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2007 في 287 صفحة من القطع الكبير) يشنّ حملة شعواء وبلا هوادة على الموروث والشائع. يسجّل مثلاً أنه منذ 800 سنة تبدّدت الحضارة العربية ويكاد العرب اليوم أن يتبدّدوا هباء، وأنهم ما زالوا يتفاخرون بالقول: لولا العرب لهلكت أوروبا وظلت في ظلام العصور الوسطى.
يلحّ أبو فخر على أنه من الضروري تبديد هذه الخرافة كي يستقيم التفكير وحتى تكفّ الخرافة عن أن تصبح البديل من التاريخ، وكعيادة في هذا كلّه أن العقل لدى الغرب هو الإدراك، أي ادراك قوانين الوجود ثم تسخيرها لمصلحة الكائن العاقل، وهو، في هذا المعنى، غير منفصل عن الكائن وله طبيعة شبه عادية. وهنا، في هذا الافتراق، ربما نعثر على معضلة التقدم والتخلّف التي خضعت لها المنطقة العربية بأسرها منذ نحو 800 عام فصاعداً.
الخلافة
وحول مسألة العلمانية والخلافة يرى أبو فخر أن العالم العربي يمرّ الآن بأزمة تشبه، في بعض وجوهها، الأزمة التي مرّت بها أوروبا في القرن الثامن عشر، وهي أزمة تتمثّل في التنافر بين قوى راكدة تريد أن تبقى متشبّثة بالأفكار التقليدية التي ورثتها منذ مئات السنين، وقوى ترغب في الانخراط في سياق العلم ومكتشفاته ومنتجاته ومنظوماته العقلية حتى ولو تناقضت هذه المكتشفات مع «اليقينيات» الدينية الموروثة، ويضيف أبو فخر: «لنتذكّر البابا بيوس التاسع وتصريحاته في سنة 1864 التي دان فيها حرية الضمير وفصل الدولة عن الكنيسة والفلسفات العقلانية؛ أليست هذه القضايا هي ما يدينها رجال الدين المسلمون اليوم؟» (ص23).
طه حسين
وحول فداحة الواقع العربي يرى المؤلّف أن اضطرارنا اليوم، ويا للأسف، الى مواجهة تيارات القرون الوسطى في القرن الحادي والعشرين بالعودة الى طه حسين يشكّل، في حد ذاته، أكبر برهان عن مدى التأخير المريع للفكر العربي، ويضيف أبو فخر: «المسائل العاصفة التي أثارها طه حسين والتنويريون العرب كان ينبغي أن تكون حُسمت منذ زمن بعيد. وأخشى أن تصبح النوعة الماضوية، أي استعادة الماضي ولو بطريقة نقدية، استلاباً فكرياً، وهي دليل، في أي حال، على خواء الحاضر الذي ليس خاوياً تماماً» (ص47).
ويلاحظ صقر أبو فخر أن واحدة من علامات الانحدار التي تعصف بمجتمعاتنا العربية هي الانحسار في دور العلم والفكر وازدياد دور الدعاة والفقهاء ورجال الدين، ولو أن المجتمعات العربية تتقدم «لكانت حجّتنا ضعيفة في هذه الحال. لكن الدول العربية، والإسلامية استطراداً، هي أسطع برهان عن أنها الأسوأ في حقول العلم والمعرفة والتقدم الاجتماعي والتنمية الإنسانية، وفي مجال الحريات وحقوق الإنسان والأخلاق واحترام الفرد والجماعات وعدم اضطهاد الآخرين من أتباع الديانات الأخرى» (ص 73). في «ساتر يا رب»

هذه بعض محاور كتاب صقر أبو فخر «الدين والدهماء والدم» وهي محاور كثيرة تثير جدلاً وتساؤلاً. إنه كتاب جريء لمؤلف جريء.
العالم العربي يمرّ الآن بأزمة تشبه، في بعض وجوهها، الأزمة التي مرّت بها أوروبا في القرن الثامن عشر، وهي أزمة تتمثّل في التنافر بين قوى راكدة تريد أن تبقى متشبّثة بالأفكار التقليدية التي ورثتها منذ مئات السنين، وقوى ترغب في الانخراط في سياق العلم ومكتشفاته ومنتجاته ومنظوماته العقلية حتى ولو تناقضت هذه المكتشفات مع “اليقينيات” الدينية الموروثة.


الجريده
 
19-02-2011, 06:32 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif


الدوائر الانتخابية الخمس
(قراءة في التركيبة الاجتماعية والسياسية)
آدم يوسف
a.youssuf@aljarida.com
تأليف: دبّي الهيلم الحربي
عن شركة السياسي للنشروالتوزيع
يقدم الباحث دبّي الهيلم الحربي قراءة في النظام الديمقراطي الكويتي ومراحل تطوره، منذ نشأة الدولة الحديثة، متخذاً من قانون الدوائر الانتخابية الخمس الذي أقرمؤخراً مدخلاً لدراسة التركيبة الاجتماعية والسياسية، وماقد تتمخض عنه الانتخابات النيابية القادمة، وكماهوالحال مع أغلب الداسات الفكرية ذات الطابع السياسي، يرتكز المؤلف على مقدمة تاريخية يستقصي خلالها النظم الديمقراطية الغربية وأثرها على تطورشعوبها، وحالة النماءوالازدهارالتي تعيشهاهذه الدول لاسيمافي الولايات المتجدة الامريكية ودول أوروبا الغربية، ويرى المؤلف أن الأخذ بالديمقراطية بكافة أدبياتها وتفاصيلها الحاضرة هي أسلم الطرق لتجاوز المآسي والحروب، فالديمقراطية كتجربة ناضجة هي ملك للبشرية جمعاء، كماأن التجارب الإنسانية والعلمية الناجحة يُبنى عليها، ويستفاد من خلاصتها ولايعاد تكرارها.
وفيمايتعلق بالمسيرة الديمقراطية الكويتية، وتطور النظام الانتخابي فإن المتتبع سيدرك أن الطابع المدني كان يغلب على الدولة الناشئة حديثاً، وكانت إدارة شؤون الإمارة تقوم على طابع تشاوري، حتى وإن اختص آل الصباح بمسند الإمارة والقيادة السياسية، فقد ظهرت مطالبات سياسية لتأطير مبدأ المشاركة في إدارة الشؤون العامة.
وتعود المطالبات تلك إلى عام 1921 حين تقدم عدد من أهل الكويت إلى الحاكم آنذاك الشيخ أحمد الجابر الصباح بوثيقة يقترحون فيها إيجاد صيغة لتنظيم شؤون الإمارة، وتنظيم السلطات التنفيذية والتشريعية، وبعد أن التقى الشيخ أحمد الجابر بموقعي الوثيقة وتداول معهم الأمر وافق على الوثيقة وأنشأ مجلس شورى يتكون من اثني عشر شخصاً تم اختيارهم على أساس جغرافي، ستة من أهل القبلة، وستة من أهل منطقة الشرق، ويتم اختيارهم من قبل وجهاء البلاد.
ولم يعمر المجلس طويلاً وتم حله بعد شهرين، إلاأن فكرة الانتخابات تخمّرت في أذهان الكويتيين، وجاء المجلس البلدي الأول ليكون التجربة التالية بعد مجلس الشورى، وتم اختيار أعضاء المجلس البلدي الاثني عشر من قبل عدد محدد من الناخبين لا يتجاوز المئة في عام 1932، أعقبه قيام مجلس المعارف عام 1936، وتم انتخاب أعضائه الاثني عشر من قبل خمسين ناخباً من وجهاء الكويت ومثقفيها، وتواصلت الطموحات والمطالب بقيام مجلس تشريعي، واستمر الحوار بين أخذ ورد إلى أن أدت إلى قيام مجلس تشريعي في أوائل عام 1938 مكون من أربعة عشر عضواً برئاسة الشيخ عبدالله السالم.
مآخذ أولية
ويقدم الباحث بعض المآخذ الأولية والسلبيات الناجمة عن القانون الجديد، فالاختلالات نفسها التي كان يعاني منها القانون الجديد مازالت موجودة، فمن حيث عددالناخبين في كل دائرة، ينحاز القانون إلى المناطق الداخلية، ويعطيها عدداً أقل من الناخبين وعدداً أكبرمن النواب، مع العلم أنها من الدوائر الثابته والمستقرة، وعلى المدى المنظورلن تشهد زيادة غير طبيعية في عددالناخبين، مالم تشهد نقصاً في تعداد ناخبيها، بعكس المناطق الخارجية المتوقع أن يزداد الناخبين فيها مع اكتمال المشاريع الإسكانية الجديدة ومن هنا يمكن القول إن القانون رقم 42 لسنة 2006 الذي اعتمده المجلس دون تعديل أبدى ميولاً لإعطاء المناطق القديمة للحضر السنة 20 نائباً بما لايتناسب مع تعدادهم الانتخابي ، حيث إن كثيراً من سكان تلك المناطق انتقلواإلى مناطق أخرى حديثة، تدخل في نطاق دوائر أخرى، وهذا خلل جوهري في القانون.
ويقدم الباحث بعض الإحصاءات والأرقام التي تثبت الخلل في توزيع الناخبين، فمثلاً وحسب القيودالانتخابية لعام 2006 مجموع الدائرة الثانية والثالثة»92950» فيماالدائرة الخامسة وحدها يصل تعداد الناخبين فيها إلى « 92539 « ناخباً والدائرة الرابعة ناخبوها يقاربون ذلك الرقم 90036» ناخباً، وفي الدائرة الأولى حيث يتواجد الشيعة في كثافة أكثر من غيرهاوصل تعداد الناخبين فيها إلى»63258» ومخرجاتها قد تؤدي إلى ظهورأربعة من الشيعة وستة من نواب الحضرالسنةوالعوازم، أي أن نواب المناطق الداخلية سيزدادون إلى 26نائباً هذافي حال أن الشيعة لم يلجأوا إلى نقل الأصوات إلى الدائرة الأولى من الوائرالأربع الأخرى، وبالتالي رفع تمثيلهم إلى ثمانية نواب، إذ ان هناك اختلالات بينة في توزيع الناخبين على الدائرة، وهذا يؤثرعلى العدالة في تمثيل المناطق، فالدائرة الثانية بلغ عددناخبيها نحو»39310» ناخباً أي نحو ثلث تعدادناخبي الدائرةالخامسة، ممايجعل الصوت فيهايعدل ثلاث أصوات من الدائرة الخامسة.
الانتخابات الفرعية
وتحدث المؤلف عن بعض السلبيات التي كانت ترافق الانتخابات حسب التوزيعة القديمة، ومنها الانتخابات الفرعية القائمة في أصلها على أساس قبلي وانتشارظاهرة الرشوة ونفوذ المال السياسي، مشيراً إلى أن الكثير ممن تناولواإصلاح النظام الانتخابي في الكويت تحدثوا عن وصفات جاهزة، وكأنهاالحل المثالي للسلبيات في الممارسة الديمقراطية، فليس من الدقة القول بأن تقليص الدوائرالانتخابية وبالتالي زيادة الجمعية الانتخابية في كل دائرة سيؤدي بالضرورة إلى تلافي كثير من السلبيات السابقة، فالدائرة الانتخابية الواحدة أيضاً لهامساوئها مالم يترافق اعتمادهامع أمورأخرى، وإجراءات مبتكرة، فمالذي يضمن أن كبرالدائرة لن يؤدي إلى بروز المظاهر السابقة؟
التنظيمات السياسية
شهدت الكويت عبر مسيرتها الديمقراطية قيام ونشوء عددمن جماعات الضغط والتكتلات البرلمانية، تمثلت في بدايات القرن العشرين بالقوى التجارية والبرجوزية والوطنية والفئات المتعلمة والمستنيرة، ولم يلبث الأمر إلاأن تطورمع الحراك الاجتماعي وازديادأعدادالمتعلمين، مماأدى إلى تبلورمفهوم، وذلك خلال النصف الثاني من القرن المنصرم، وتراوحت انتماءاتهم الفكرية والسياسية مابين اليمين واليسار، وشكلت حركة القوميين العرب العمود الفقري للقوى السياسية الشابة المطالبة بتطوير البنية الأساسية للدولة وآليات المشاركة السياسية في صنع القرار، وكان لتحالفها مع القوى التجارية والبرجوزية الوطنية والعناصر المستنيرة من العائلة الحاكمة أثره الفاعل في تطور مسيرة الديمقراطية، ولم يسجل للجماعات السياسية الإسلامية في تلك الفترة إسهاماً مهماً في الدفع باتجاه تعزيزالديمقراطية، بل إن كثيراً من المرجعيات والمشايخ اعتبرواالديمقراطية بدعة غربية، ورجس من عمل الشيطان، ولايشفع لها أن بعض التنظيمات ولاسيما حركة الإخوان المسلمين قد غيرت مواقفها، منذعام1985، وساهم عددمن كوادرهافي المطالبة بعودة العمل بالدستور، بعدحل مجلس الأمة عام1985، وفي المجمل فإن مواقف القوى السياسية الإسلامية في مجملها مع الأسف بقيت معوقة للتطور الديمقراطي والحضاري في الكويت
المدى المنظور
أشار المؤلف إلى أنه على المدى الممنظور سينحصرالصراع السياسي بين الأصوليين والقوى الليبرالية والتقدمية في عمومها، وهذا سيخترق بالضرورة المناطق القبلية والطائفية، والمفاهيم المناطقية، ليذوب معظمها في أحد هذين التيارين، وما تشهده التيارات الأصولية الإسلامية واليسارية من انشقاقات هو دليل تفكيك للمفاهيم المعلنة، التي سادت منذ عشرات السنين وكانت تحكم مرجعياتها الحزبية، وذلك بعد عودة واستمرارالعملية الديمقراطية والانتخابات البرلمانية منذ عام 1992 حتى تاريخه








الدوائر الانتخابية الخمس
(قراءة في التركيبة الاجتماعية والسياسية)
آدم يوسف
a.youssuf@aljarida.com
تأليف: دبّي الهيلم الحربي
عن شركة السياسي للنشروالتوزيع
يقدم الباحث دبّي الهيلم الحربي قراءة في النظام الديمقراطي الكويتي ومراحل تطوره، منذ نشأة الدولة الحديثة، متخذاً من قانون الدوائر الانتخابية الخمس الذي أقرمؤخراً مدخلاً لدراسة التركيبة الاجتماعية والسياسية، وماقد تتمخض عنه الانتخابات النيابية القادمة، وكماهوالحال مع أغلب الداسات الفكرية ذات الطابع السياسي، يرتكز المؤلف على مقدمة تاريخية يستقصي خلالها النظم الديمقراطية الغربية وأثرها على تطورشعوبها، وحالة النماءوالازدهارالتي تعيشهاهذه الدول لاسيمافي الولايات المتجدة الامريكية ودول أوروبا الغربية، ويرى المؤلف أن الأخذ بالديمقراطية بكافة أدبياتها وتفاصيلها الحاضرة هي أسلم الطرق لتجاوز المآسي والحروب، فالديمقراطية كتجربة ناضجة هي ملك للبشرية جمعاء، كماأن التجارب الإنسانية والعلمية الناجحة يُبنى عليها، ويستفاد من خلاصتها ولايعاد تكرارها.
وفيمايتعلق بالمسيرة الديمقراطية الكويتية، وتطور النظام الانتخابي فإن المتتبع سيدرك أن الطابع المدني كان يغلب على الدولة الناشئة حديثاً، وكانت إدارة شؤون الإمارة تقوم على طابع تشاوري، حتى وإن اختص آل الصباح بمسند الإمارة والقيادة السياسية، فقد ظهرت مطالبات سياسية لتأطير مبدأ المشاركة في إدارة الشؤون العامة.
وتعود المطالبات تلك إلى عام 1921 حين تقدم عدد من أهل الكويت إلى الحاكم آنذاك الشيخ أحمد الجابر الصباح بوثيقة يقترحون فيها إيجاد صيغة لتنظيم شؤون الإمارة، وتنظيم السلطات التنفيذية والتشريعية، وبعد أن التقى الشيخ أحمد الجابر بموقعي الوثيقة وتداول معهم الأمر وافق على الوثيقة وأنشأ مجلس شورى يتكون من اثني عشر شخصاً تم اختيارهم على أساس جغرافي، ستة من أهل القبلة، وستة من أهل منطقة الشرق، ويتم اختيارهم من قبل وجهاء البلاد.
ولم يعمر المجلس طويلاً وتم حله بعد شهرين، إلاأن فكرة الانتخابات تخمّرت في أذهان الكويتيين، وجاء المجلس البلدي الأول ليكون التجربة التالية بعد مجلس الشورى، وتم اختيار أعضاء المجلس البلدي الاثني عشر من قبل عدد محدد من الناخبين لا يتجاوز المئة في عام 1932، أعقبه قيام مجلس المعارف عام 1936، وتم انتخاب أعضائه الاثني عشر من قبل خمسين ناخباً من وجهاء الكويت ومثقفيها، وتواصلت الطموحات والمطالب بقيام مجلس تشريعي، واستمر الحوار بين أخذ ورد إلى أن أدت إلى قيام مجلس تشريعي في أوائل عام 1938 مكون من أربعة عشر عضواً برئاسة الشيخ عبدالله السالم.
مآخذ أولية
ويقدم الباحث بعض المآخذ الأولية والسلبيات الناجمة عن القانون الجديد، فالاختلالات نفسها التي كان يعاني منها القانون الجديد مازالت موجودة، فمن حيث عددالناخبين في كل دائرة، ينحاز القانون إلى المناطق الداخلية، ويعطيها عدداً أقل من الناخبين وعدداً أكبرمن النواب، مع العلم أنها من الدوائر الثابته والمستقرة، وعلى المدى المنظورلن تشهد زيادة غير طبيعية في عددالناخبين، مالم تشهد نقصاً في تعداد ناخبيها، بعكس المناطق الخارجية المتوقع أن يزداد الناخبين فيها مع اكتمال المشاريع الإسكانية الجديدة ومن هنا يمكن القول إن القانون رقم 42 لسنة 2006 الذي اعتمده المجلس دون تعديل أبدى ميولاً لإعطاء المناطق القديمة للحضر السنة 20 نائباً بما لايتناسب مع تعدادهم الانتخابي ، حيث إن كثيراً من سكان تلك المناطق انتقلواإلى مناطق أخرى حديثة، تدخل في نطاق دوائر أخرى، وهذا خلل جوهري في القانون.
ويقدم الباحث بعض الإحصاءات والأرقام التي تثبت الخلل في توزيع الناخبين، فمثلاً وحسب القيودالانتخابية لعام 2006 مجموع الدائرة الثانية والثالثة»92950» فيماالدائرة الخامسة وحدها يصل تعداد الناخبين فيها إلى « 92539 « ناخباً والدائرة الرابعة ناخبوها يقاربون ذلك الرقم 90036» ناخباً، وفي الدائرة الأولى حيث يتواجد الشيعة في كثافة أكثر من غيرهاوصل تعداد الناخبين فيها إلى»63258» ومخرجاتها قد تؤدي إلى ظهورأربعة من الشيعة وستة من نواب الحضرالسنةوالعوازم، أي أن نواب المناطق الداخلية سيزدادون إلى 26نائباً هذافي حال أن الشيعة لم يلجأوا إلى نقل الأصوات إلى الدائرة الأولى من الوائرالأربع الأخرى، وبالتالي رفع تمثيلهم إلى ثمانية نواب، إذ ان هناك اختلالات بينة في توزيع الناخبين على الدائرة، وهذا يؤثرعلى العدالة في تمثيل المناطق، فالدائرة الثانية بلغ عددناخبيها نحو»39310» ناخباً أي نحو ثلث تعدادناخبي الدائرةالخامسة، ممايجعل الصوت فيهايعدل ثلاث أصوات من الدائرة الخامسة.
الانتخابات الفرعية
وتحدث المؤلف عن بعض السلبيات التي كانت ترافق الانتخابات حسب التوزيعة القديمة، ومنها الانتخابات الفرعية القائمة في أصلها على أساس قبلي وانتشارظاهرة الرشوة ونفوذ المال السياسي، مشيراً إلى أن الكثير ممن تناولواإصلاح النظام الانتخابي في الكويت تحدثوا عن وصفات جاهزة، وكأنهاالحل المثالي للسلبيات في الممارسة الديمقراطية، فليس من الدقة القول بأن تقليص الدوائرالانتخابية وبالتالي زيادة الجمعية الانتخابية في كل دائرة سيؤدي بالضرورة إلى تلافي كثير من السلبيات السابقة، فالدائرة الانتخابية الواحدة أيضاً لهامساوئها مالم يترافق اعتمادهامع أمورأخرى، وإجراءات مبتكرة، فمالذي يضمن أن كبرالدائرة لن يؤدي إلى بروز المظاهر السابقة؟
التنظيمات السياسية
شهدت الكويت عبر مسيرتها الديمقراطية قيام ونشوء عددمن جماعات الضغط والتكتلات البرلمانية، تمثلت في بدايات القرن العشرين بالقوى التجارية والبرجوزية والوطنية والفئات المتعلمة والمستنيرة، ولم يلبث الأمر إلاأن تطورمع الحراك الاجتماعي وازديادأعدادالمتعلمين، مماأدى إلى تبلورمفهوم، وذلك خلال النصف الثاني من القرن المنصرم، وتراوحت انتماءاتهم الفكرية والسياسية مابين اليمين واليسار، وشكلت حركة القوميين العرب العمود الفقري للقوى السياسية الشابة المطالبة بتطوير البنية الأساسية للدولة وآليات المشاركة السياسية في صنع القرار، وكان لتحالفها مع القوى التجارية والبرجوزية الوطنية والعناصر المستنيرة من العائلة الحاكمة أثره الفاعل في تطور مسيرة الديمقراطية، ولم يسجل للجماعات السياسية الإسلامية في تلك الفترة إسهاماً مهماً في الدفع باتجاه تعزيزالديمقراطية، بل إن كثيراً من المرجعيات والمشايخ اعتبرواالديمقراطية بدعة غربية، ورجس من عمل الشيطان، ولايشفع لها أن بعض التنظيمات ولاسيما حركة الإخوان المسلمين قد غيرت مواقفها، منذعام1985، وساهم عددمن كوادرهافي المطالبة بعودة العمل بالدستور، بعدحل مجلس الأمة عام1985، وفي المجمل فإن مواقف القوى السياسية الإسلامية في مجملها مع الأسف بقيت معوقة للتطور الديمقراطي والحضاري في الكويت
المدى المنظور
أشار المؤلف إلى أنه على المدى الممنظور سينحصرالصراع السياسي بين الأصوليين والقوى الليبرالية والتقدمية في عمومها، وهذا سيخترق بالضرورة المناطق القبلية والطائفية، والمفاهيم المناطقية، ليذوب معظمها في أحد هذين التيارين، وما تشهده التيارات الأصولية الإسلامية واليسارية من انشقاقات هو دليل تفكيك للمفاهيم المعلنة، التي سادت منذ عشرات السنين وكانت تحكم مرجعياتها الحزبية، وذلك بعد عودة واستمرارالعملية الديمقراطية والانتخابات البرلمانية منذ عام 1992 حتى تاريخه


الجريده





الجريده
 
22-02-2011, 03:58 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif


العرب في المحرقة النازية ــ ضحايا منسيون
سليمان بختي
تأليف: غرهرد هُب
عن دار قدمس
يطرح هذا الكتاب قضية جديرة بالتحقق والاعتبار والانتباه. وضعه الباحث الألماني غرهرد هُب تحت عنوان «العرب في المحرقة النازية ــ ضحايا منسيون!؟» ونقله الى العربية محمد جديد. يعرض المؤلف النتائج الأولى لأبحاثه حول فئة من الضحايا هي فئة المعتقلين العرب في معسكرات الاعتقال النازية الألمانية بين عامي 1939 و1945 ويمكن مقارنة هذا العدد من هؤلاء المعتقلين بعدد المعتقلين المنتمين الى الأمم الصغيرة، وإن لم تكن آلامهم أقل شأناً أو أقل معاناة من آلام الملايين من المعتقلين الآخرين من غير اليهود. فالعرب لم يكونوا من المعتقلين المتمتعين بالامتيازات، لكنهم كانوا من ضحايا النازية «المنسيين» آنذاك ومن جملة ما أدى اليه ذلك أن ثمة حديثاً اليوم عن المقترفين أو المذنبين من العرب. ليس ما يبعث على العجب أن التأريخ العربي وغير العربي هو في صدد العلاقات العربية ــ الالمانية بين 1933 و1945 ولعلّ المناقشات التي تثار حول علاقة العرب بالنازية أو النازية الجديدة والمحرقة يغلب عليها الحديث عن المذنبين الذين نشروا تجاربهم وعلاقاتهم مع النازية في مذكرات أو سير ذاتية.
الواقع أن الباحث يذكر في كتابه الذين تعاونوا مع النازية بصفة سياسيين وعسكريين ورجال دعاية وهم: أمين الحسيني، رشيد عالي الكيلاني، يونس البحري، يوسف الرويسي، مصطفى بشير، كامل مروه، كمال الدين الآل، منير الريس، محمود حسين العرابي، فوزي القاوقجي، ابراهيم الراوي، صلاح الدين الصباغ، كمال عجمان حداد، ناجي أوقات، محمد عزت دروزه، فاضل أرسلان، نبيه وعادل العامة، أنطون سعادة، عبد الخالق طريز، محمد حسن الوزاني، محمد المكي النغيري، عبد الهادي بو غالب. والجدير ذكره انه في ما يخص انطون سعادة يؤكد الباحث جان دايه في كتابه (سعادة والنازية) (2005 ــ طبقة ثانية) عدم وجود أي علاقة لسعادة مع النازية بعد مراجعة وثائق الخارجية الألمانية من دون أن ينفي لقاءات سعادة مع بعض المسؤولين الألمان إثر زيارته لألمانيا في العام 1938.
لكن هذه العلاقات لا تقطع مع ضرورة إعادة تركيب ألوان المشاهدات والتجارب المتصلة بضحايا النازية من العرب، والتي تعد بالنظر الى هذا مطلباً من مطالب الانسانية ومساهمة في كتابة جديدة لتاريخ العلاقات العربية الألمانية بين 1933 و1945 ولو على نحو جزئي.
صناعة الهولوكوست
من هنا يعيد هذا الكتاب تعريف الألمان والعرب والعالم بحقيقة أن العرب، مسلمين ومسيحيين، كانوا أيضاً من ضحايا الإجرام النازي، وبالتالي يجب إخراج هذه الحقيقة من العتمة الى الضوء وإلى ساحة التاريخ وإنهاء عملية احتكار دور الضحية من قبل اليهود ووضع حد لصناعة الهولوكوست وابتزاز العالم. كذلك تعريف الناس بخطر الفكر العنصري الإرهابي الذي لا يستثني أحداً من اجرامه.
إذا كان المؤلف ينطلق من تساؤله الصريح حول عدم إيلاء ضحايا النازية والفاشية من العرب أهمية في كتابة التاريخ العربي وغير العربي من ناحية والاهتمام المكثف بتعاون السياسيين العرب مع النازية والفاشية من ناحية ثانية فإن ذلك يشير الى تواطؤ مريب، علماً أن المؤلف يعتبر أن معاداة السامية لم تسق عربياً الى غرفة غاز ألمانية بل ان العنصرية والإرهاب هما ما دفع العرب وسواهم الى ذلك المصير!
الذاكرة الجماعية
لكن السؤال هو: من هم هؤلاء العرب الذين غيبوا ولم تذكرهم اللوائح ولم يلتفت اليهم التاريخ؟ مع أن الباحث يجدهم في بحثه الجاد الدؤوب وتقميشه رغم التمويه، فمعظمهم صُنف تحت بند التبعية الفرنسية والإيطالية والإسبانية وشعوب المستعمرات. هذا الترميز أوقعهم في التغييب والنسيان. لكن بعد تحطيم هذا الترميز الاستعماري والتماس التفاصيل وكشف البيانات نجد اسماءهم وأماكن ولادتهم وعاداتهم وحتى يصل العدد الى ألف معتقل عربي على الأقل. معظم المعتقلين هم من شمال افريقيا. لكن المؤلم في هذه القضية أن هؤلاء الضحايا لا يجدون، حتى اليوم، مكاناً لهم، لا في الذاكرة الجماعية ولا في ذاكرة شعوبهم ولا في حالات رد الاعتبار. تحوّلوا الى نوع من الضحايا المنسية المجهولة «ضحايا الآخرين». يتناول الكاتب في بحثه 945 معتقلاً عربياً باسمائهم ووفق توزعهم في معسكرات الاعتقال، والعدد الأكبر من الجزائر (248) والأقل من لبنان (1).
ويميز المؤلف ستة أسباب لتحويل هؤلاء الى معسكرات الاعتقال:
1- للمشاركة في كفاح المقاومة ضد النازيين ولا سيما فرنسا.2- المشاركة في الحرب الإسبانية الى جانب الجمهوريين.3- كان كثير من المعتقلين من العمال الأجانب وعمال السخرة السابقين ومن اتباع منظمة تودت أسرى حرب.
4- كان بعض المعتقلين موجودين في المعتقلات بسبب التصرف الذي ينطوي على انتهاك القانون في ما يتعلق بتوجيهات الدولة في المعسكر.5- الانتماء الى اليهودية وكان بين نزلاء معسكرات الاعتقال من العرب أناس كثيرون يشار الى سبب اعتقالهم بكونهم يهوداً جيء بهم الى معسكرات الاعتقال لأسباب عنصرية.6- كانت الأغلبية الكبيرة من المعتقلين من العمال المدنيين السالفين، ومن أسرى الحرب من الرايخ، ومن المناطق المحتلة، وكان يزج بهم في المعسكرات من عمليات التمشيط والتطهير.المحرقة والتسييس
يحمل هذا الكتاب قضية ويفتح موضوعه الباب لإعادة النظر في التاريخ على ضوء معلومات جديدة حقيقية كشف عنها بعد مراجعة محفوظات الدولة النمسوية في فيينا ولايبزغ، وولاية برندنبورغ/ بوتسدام، ومراجعة الوثائق الألمانية المتوافرة في الوزارات الألمانية المتعلقة بهذا الشأن. وهو محاولة لرفع الاحتكار عن قضية المحرقة وإنقاذها من المتاجرة والمصانعة والتسييس.
وللوصول الى العدالة التاريخية وإعادة النظر في وقائع تاريخنا الإنسانية ومصائر أبناء العرب في العالم. وكي لا يصير تاريخ بلادنا تاريخاً منسياً وشبيهاً بمصير العرب في المحرقة النازية.




الجريده


 
24-02-2011, 02:00 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif


إستهداف إيران
ميشال مراد
تأليف: سكوت ريتر
ترجمة: أمين الأيوبي
عن الدار العربية للعلوم
لا شك في أن الملف النووي الإيراني من أخطر الملفات التي واجهت العالم عبر تاريخه، أزمة تجرى اليوم بشأنها لقاءات بين كبار الممثلين لسياسة الاتحاد الأوروبي وكبار المفاوضين الإيرانيين وسط رفض طهران تعليق نشاطات نخصيب اليورانيوم.
اتهم الأميركيون إيران منذ 20 عاماً، بأنها ستمتلك قنبلة نووية في العام المقبل. هم الذين لا يجدون حلاً سوى لجم إيران ومنعها من استكمال أي نشاط حتى لو كان محدوداً، علماً أنّ ما من بند في معاهدة عدم انتشار السلاح يشير إلى موجبات مماثلة.
عايش سكوت ريتر مؤلف كتاب «استهداف ايران» فترة طويلة هذه المعاناة. فهو كان أحد كبار مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة في العراق في الفترة الواقعة بين عامي 1991 و1998، وكان خدم قبل عمله مع الأمم المتحدة، ضابطاً في مشاة البحرية الأميركية ومستشاراً للجنرال نورمان شوارزكوف في شؤون الصواريخ البالستية أثناء حرب الخليج الأولى.
في هذا الكتاب يروي سكوت ريتر قصة تحدّيه للسلطة الأميركية في الفترة التي سبقت غزو العراق وكشفه الأكاذيب التي نشرتها ادارة بوش والقسم الأكبر من وسائل الإعلام حول أسلحة الدمار الشامل العراقية.
غداة الفشل التام في السيطرة العسكرية والسياسية على العراق ثبتت صحة اتهام المؤلف بأن هذا التبرير لم يكن إلاّ ذريعة أطلقها الحكم الأميركي بهدف إطاحة صدام حسين والاستيلاء على النفط والإمساك بالمنطقة.
محور الشر
يقول سكوت ريتر إن البيت الأبيض وحلفاءه المحافظين يحبكون اليوم السيناريو نفسه ويطلقون التحذيرات عن برنامج ايراني مزعوم لصنع أسلحة نووية. ما يدعم هذه التحذيرات في بعض نواحيها تصاريح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي غالباً ما يهاجم إسرائيل والغرب بشراسة في خطبه زاعماً أن الإبادة الجماعية التي تدعيها إسرائيل بحق شعبها ليست أكثر من أسطورة وهميّة.
منذ مطلع العام 2002 صاغ الرئيس بوش في خطابه عبارة «محور الشرّ» للمرة الأولى بطريقة علنية، وكان يشير بذلك الى العراق وإيران وكوريا الشمالية. قال: «إن دولاً كهذه وحلفاءها الإرهابيين يشكلون محور شرّ يتسلح من أجل تهديد السلم العالمي. وبسعيها الى امتلاك أسلحة الدمار الشامل تشكل هذه الأنظمة خطراً داهماً ومتنامياً، كما يمكنها توفير هذه الأسلحة للإرهابيين لتصبح في أيديهم وسائل تضاهي كراهيتهم فيستطيعون شنّ هجمات على حلفائنا أو محاولة ابتزاز الولايات المتحدة. وفي أيّ من هذه الحالات سيكون ثمن اللامبالاة كارثيّاً». أعطى بوش نفسه حق اقتلاع الشر الذي بات يهدد العالم بنظره، وأوّل هدف له سيكون صدام، ومن بعده دور إيران.
باتت المواءمة أمراً واقعاً وأصبحت ايران عضواً مؤسساً في محور الشرّ الذي وصفه جورج بوش. تمّ ربط إيران والعراق باستراتيجية عامة للأمن القومي لادارة بوش تمحورت حول تغيير إقليمي للأنظمة في الشرق الأوسط وتبني فكرة تنفيذ عمليات عسكرية استباقية أحادية الجانب بوصفها الآلية الرئيسية لتنفيذ هذه الاستراتيجية.
في ذلك الوقت شعر المواطن الإيراني علي رضا جعفر زادة، مسؤول الارتباط الرئيسي لدى الكونغرس والمتحدث الصحافي باسم المكتب التمثيلي للبرلمان الإيراني في المنفى والمجلس الوطني للمقاومة في إيران، بأن الوقت حان لتغيير جذري في النظام الإيراني فدعا «لجنة إيران الديمقراطية» المرتبطة مباشرة بإسرائيل ومنظمة «مجاهدي خلق» الى الضغط على الولايات المتحدة لتشمل حربها على العراق الجمهورية الإيرانية أيضاً، وتلك كانت حال حكومة أرييل شارون ففي حين لم تكن إسرائيل لتذرف الدموع على اسقاط نظام صدام سرى اعتقاد واسع أن على الولايات المتحدة أن تتهيأ بعد غزو العراق لاكمال مهمتها من المنظار الإسرائيلي أي تغيير النظام في كل من سوريا وإيران وضرب حزب الله في لبنان وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها حماس في فلسطين.
تقاسم أرييل شارون ووزير دفاعه بن أليعازر مع نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني الخوف من برنامج التسلح النووي الإيراني واعتقادهم أن ايران ستمتلك أسلحة نووية بحلول العام 2005. تزايد هذا الشعور عندما أثار الرئيس بوش مسألة بناء مفاعل نووي في بوشهر مع الرئيس بوتين. لكن الروس فاجأوا الجميع بالتوقيع على اتفاق مع الايرانيين يقضي ببناء خمس منشآت نووية إضافية لتوليد الطاقة في ايران. ورغم احتجاج الولايات المتحدة الشديد فإن الروس مضوا قدماً في تنفيذها ضمن خطة تعاون مع الإيرانيين تمتد الى عشرة أعوام.
وعاد جعفر زادة ليكشف عن العديد من البرامج النووية السريّة التي يجري العمل عليها من دون معرفة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأكثرها أهمية منشأة ناتانز النووية ومنشأة آراك التي تقع في وسط إيران. تحوّلت هذه المعلومات التي أفضى بها الى أزمة عالمية هددت في صيف 2006 بدفع العالم الى شفير الهاوية.
إقتراحات إيرانية
بناء على هذه المعلومات غير المؤكدة وعلى مزاعم اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة بأن كل نشاط تقوم به ايران وله علاقة بمواد نووية، سواء أكان لأغراض سلمية أم لا، فإنه يدخل في سياق برنامج لإنتاج أسلحة نووية، وسعت السلطة الحاكمة في أميركا نطاق حملتها ضدّ إيران وشرعت ادارة بوش تبذل قصارى جهدها لنقل تركيز أي مواجهة وشيكة مع ايران الى معادلة تضعها في مواجهة العالم كله.
يقول سكوت ريتر إن ايران كانت تسعى الى حمل الولايات المتحدة على الدخول في حوار مباشر في أعقاب الغزو الأميركي للعراق سنة 2003 إلى حدّ أنها اقترحت عبر وسيط سويسري التوصل الى سلام دائم مع اسرائيل يرتكز على اعلان بيروت 2002، كما اقترحت قطع الأموال عن حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية والسعي الى وقف الهجمات الإرهابية التي تستهدف المدنيين داخل حدود العام 1967، ووافقت ايضاً على صيغة خاصة بأعمال التفتيش عن الأسلحة النووية وموادها، لكن ادارة بوش لم ترد على المبادرة الإيرانية لأن سياستها الأساسية تهدف الى تغيير النظام في ايران لا التفاوض معه والسماح باستمرار وجوده.
«استهداف ايران» تقويم استخباراتي قومي أعدّه المؤلف وتوصل من خلاله الى خلاصة مفادها أن التاريخ يعيد نفسه. فأوجه الشبه التي سلكتها الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا وروسيا والأمم المتحدة في غزو العراق هي نفسها التي تسكلها اليوم لدخول حرب مع إيران. الوقت ليس متأخراً لكي تغيّر أميركا المسار الذي انتهجته منذ عدة سنين، لكن هذا التغيير في المسار يتطلب مشاركة من المواطنين الأميركيين ورفض لسياسة بوش وإدارته، كما يتطلب اعادة انعاش الكونغرس بدم جديد وتطلعات إيجابية بعيدة عن العجرفة والفوقية في إملاء طريقة للتعايش على ستة مليارات من البشر!
تذوّق
لم تكن المشكلة الرئيسية في اتفاق باريس تكمن في التفاصيل التي تتحدث عن واجبات ايران المتعلقة بتعليق برامج التخصيب، وإنما في مدة هذا التعليق. فقد اعترف اتفاق باريس بأن التعليق الإيراني غير ملزم، وموقت، وطوعي. لكن ما فشل في التصدي له كان الموقف الإيراني من أن تعليق نشاطات التخصيب سيستمر لفترة طويلة وحسب. فقد أعلن رئيس مصلحة تشخيص النظام، الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، عن موقف ايران بشأن تحديد المدة التي يمكن توقعها لأي تعليق لنشاطات التخصيب، قائلاً: «أنا لا أعتقد بأنه ينبغي أن يزيد سقف هذه المدة عن ستة شهور لكي نثبت لهم بأن إيران لا تسعى الى تطبيقات عسكرية».
أوضحت إسرائيل والولايات المتحدة خطوطهما الحمراء المتعلقة بالطموحات النووية الإيرانية: لا تخصيب. ولكن كان لدى إيران خطوطها الحمراء الخاصة بها، كما أشار المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الذي صرح بأن «الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تتخلى عن نشاطاتها النووية بالتأكيد».
كان اتفاق باريس مجرد تدبير موقت من المحتم أن يلاقي الفشل ما لم تكن إيران أو الولايات المتحدة (وإسرائيل) على استعداد لتغيير موقفها. وهذا ما يفسر، أكثر من أي شيء آخر، الموقف الذي اتخذته إدارة بوش عشية التوقيع على اتفاق باريس وصدور التقرير الإيجابي للوكالة الدولية، حيث عبرت الولايات المتحدة عن دعمها الحذر لمبادرة الترويكا الأوروبية.
بذلت الولايات المتحدة جهداً في ديسمبر/ كانون الأول 2004 من أجل زيادة فاعلية محاولاتها لإحالة الملف الإيراني الى مجلس الأمن عندما شرعت في جهود لحرمان البرادعي من الحصول على ولاية ثالثة على التوالي. حقق البرادعي لنفسه سمعة طيبة لنزاهته وشدته في تعامله لا في القضيتين العرا قية والكورية الشمالية وحسب، بل وفي الوقوف في وجه الولايات المتحدة في مسألة البرنامج النووي العراقي. وعندما واجهت الولايات المتحدة صعوبة في بثّ الحماسة حتى في أقرب حلفائها للتخلص من البرادعي، قام جون بولتون شخصياً بخطوة غير عادية عندما أمر وراجع بنفسه الاتصالات التي تم اعتراضها والتي دارت بين البرادعي وغيرْ في مسعى للعثور على دليل يثبت ارتكاب عمل خاطئ. لم يتم اكتشاف شيء، وتم تثبيت البرادعي في منصبه للمرة الثالثة بدون مشكلات. ولكن الشعور بالكراهية استمر بين المدير العام للوكالة الدولية والولايات المتحدة.


الجريده
 
26-02-2011, 05:27 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

الروائي ميلان كونديرا ثلاث وستون حكمة لميلان كونديرا
الجمال هو الانتصار الأخير لإنسان فقد الأمل
بيروت - حمزة عبود
يشتمل «فن الرواية» للكاتب التشيكي الفرنسي ميلان كونديرا – أحد أبرز الروائيين المعاصرين ومؤلف «الحياة في مكان آخر» و»حفلة وداعية» و»هوية»- على عدد من المقالات والحوارات التي تعكس مفهومه للرواية «المتضمن في صميم أعماله الروائية»، كما يقول في تعريفه للكتاب، بينها مقالة عنوانها «ثلاث وستون حكمة» كان الكاتب أعدّها نزولاً عند طلب صديقه بيار نورا محرّر مجلة «لي ديبا» الأدنى الى قاموس خاص لرواياته.
هنا ترجمة لمقدّمة المقالة وعدد من «الكلمات» التي يتضمنها هذا القاموس.
«في 1968 و1969 تُرجمت «الدعابة» الى جميع اللغات الغربية. لكن يا لها من مفاجآت! في اللغة الفرنسية أعاد المترجم كتابة الرواية مُزخرِفاً أسلوبي. وفي اللغة الانكليزية إقتطع الناشر كل المقاطع التأملية وألغى المقاطع الموسيقية وغيّر ترتيب الأجزاء، فأعاد تأليف الرواية. في بلد آخر التقيت بمُترجمي، وهو رجلٌ لا يعرف كلمة واحدة من اللغة التشيكية. «كيف ترجمتها إذاً».
«بقلبي». وسحب صورة لي من محفظته. كان طبيعياً ومؤمناً بما يقول حتى انني كدت أصدّق انّ من الممكن ان تتمّ الترجمة عبر توارد الافكار. بالطبع اتضح، في ما بعد، ان الأمر أكثر بساطة: لقد عمل على النص المترجم، المعادة كتابته بالفرنسية، كما فعل المترجم الأرجنتيني. في بلد آخر تمّت الترجمة من النص التشيكي. فتحتُ الكتاب بالصدفة على مونولوغ هيلينا فوجدتّ أن الجُمل التي تشكّل في النص الأصلي فقرة كاملة قد قُطّعت الى جُملٍ عدّة قصيرة... صدمةُ ترجمات «الدعابة» أخافتني دائماً لانه لم يعد لي على الأرجح ومنذ ذلك الوقت جمهور تشيكي. اصبحت الترجمات كل شيء. لذلك قرّرت قبل بضع سنين ان أضع بعض «التعديلات» على النشرات الاجنبية لكتبي وهذا تطلّب قدراً من الخلافات والتعب: القراءة، التدقيق، تصحيح روياتي القديمة والجديدة في اللغات الثلاث او الاربع التي أجيد قراءتها. وهذا أخذ وقتاً طويلاً من حياتي.
الكاتب الذي يتولّى الاشراف على ترجمة كتبه بنفسه يجد نفسه يلاحق قطعاناً من الكلمات كما يطاردُ الراعي مجموعة كبيرة من الأغنام البرية. مشهدٌ مُحزن له وللآخرين. أظن ان صديقي بيار نورا محرّر مجلة «لي ديبا» يعرف الكوميديا المحزنة لحياتي كراعٍ. قال لي ذات يوم وهو بالكاد يخفي شعوره بالشفقة: «إسمع! انس كلّ هذا الشقاء واكتب لي شيئاً لمجلتي. لقد أرغمتك الترجمات على التفكير في كل كلمة من كلماتك فاكتب قاموسك الخاص. قاموس رواياتك. اكتب فيه كلماتك الرئيسية. كلماتك التي تثير إشكالية او التباساً. الكلمات التي تحب». حسنا, هذا هو.
الجمال (والمعرفة): اولئك الذين يعتبرون، بروحية بروك، ان المعرفة هي القيمة الوحيدة للرواية، هم مخدوعون بالهالة البرّاقة للمعرفة. لذلك علينا ان نضيف: مهما كانت مظاهر الوجود التي تكشف عنها الرواية فانها تكشف عن جماليتها (اولاً). الروائيون الأوائل اكتشفوا المغامرة. وبفضلهم نجد المغامرة جميلة ونتمنّى ان نعيشها. يصف كافكا الانسان بأنه في «سجن تراجيدي». الكافكالوجيون (دارسو كافكا) تجادلوا طويلاً ما اذا كان كاتبهم منحنا بعض الأمل. لا، ليس الأمل ولكن شيئاً آخر. فحتى موقف إنكار الحياة يقدّمه كافكا كحالة جمالية غريبة وسوداء. الجمال هو الانتصار الاخير الممكن لإنسان فقد الأمل. الجمال في الفن: النور المتوهج المضاء فجأة لما لم يُقل من قبل. هذا النور الذي يشع من زمن الروايات العظيمة لا يخبو أبداً. وان اكتشافات الروائيين، مهما تكن قديمة فلن تكفّ عن إدهاشنا.
الخيانة: ولكن ما هي الخيانة؟ الخيانة تعني خرق القواعد. الخيانة تعني خرق القواعد والانطلاق نحو المجهول. لم تعرف سابينا شيئاً أكثر روعة من الانطلاق نحو المجهول» (من رواية «خفّة الكائن غير المحتملة»).
الحدود: لا يلزم إلا القليل، القليل جداً، حتى يجد المرء نفسه على الجهة الاخرى للحدود، حيث كل شيء – الحب، المعتقدات، الايمان- التاريخ. يفقد معناه. سرّ حياة الانسان كلّه يكمن في ان نمضي الحياة على تماسٍ مباشر، او حتى على اتصالٍ مباشر، بالحدود. فالحياة لا تبتعد عن الحدود بالكيلومترات ولكن بالكاد بميليمتر واحد (من رواية «الضحك والنسيان»).
التعاون: المواقف التاريخية، وهي دائماً جديدة، تكشف عن الاحتمالات الثابتة للانسان وتسمح بتسميتها. هكذا، في سياق الحرب ضد النازية، أخذت كلمة «التعاون» معنى جديداً: ان يضع الواحد نفسه طوعياً في خدمة قوّة حقيرة ما هذه النظرية «الجوهرية»! ماذا كانت البشرية تفعل من دونها قبل عام 1944؟ الآن، وقد وُحدت الكلمة، نحن نتأكد اكثر فأكثر ان نشاط الانسان هو في طبيعته نوع من التعاون. كل الذين يمّجدون جلبة الاعلام الجماهيري، الابتسامة البلهاء للدعاية، إهمال العالم الطبيعي، الحماقة التي تمدح تمثال الحقيقة... يستحقون أن يُدعوا «متعاونين مع العصري».
الكوميدي: عبر تزويدنا الوهم الخادع عن عظمة الانسان، يجلب لنا التراجيدي العزاء. الكوميدي أشدّ قسوة: انه يوحي، الى حدّ مؤلم، بعبثية كل شيء. أعتقد ان للأشياء الانسانية وجهها الكوميدي الذي يكون في بعض الحالات مميّزاً، مقبولاً، مفيداً وفي حالات اخرى محجوباً. المميزات الحقيقية للكوميدي ليست تلك التي تجعلنا نضحك بقوة بل تلك التي توحي شيئاً من العالم المجهول للكوميدي. اعتُبر التاريخ دائماً منطقة جدية فحسب. لكن هناك الكوميدي الذي لم يكتشف من التاريخ. تماماً كما هناك الوجه الكوميدي الذي يصعب الأخذ به للجنس.
تشيكسلوفاكيا: لم أستخدم هذه الكلمة في رواياتي، حتى عندما يكون الحدث، بعامة، وقع هناك. هذه الكلمة المركّبة صغيرة جداً (ولدت عام 1918) بلا جذور في الزمن، ولا جمال. إنها تكشف طبيعة الشيء الذي تُسميه مركّبة وصغيرة جداً (لم تُختبر عبر الزمن). قد يكون ممكناً، عند الضرورة القصوى، ان تؤسر دولة بكلمةٍ على هذا القدر من الضعف. كلمة ولكن ليس رواية. لهذا استخدمت دائماً كي أظهر بلد شخوصي (الروائية) كلمة «بوهيميا» إنها من منطلق الجغرافيا السياسية غير صحيحة. (مترجمو رواياتي غالباً يعترضون). بيد أنها من المنطلق الشعري الكلمة الوحيدة الممكنة.
النخبوية: ظهرت كلمة «النخبوية ظهرت في فرنسا عام 1967. اما كلمة «نخبوي» فلم تظهر قبل عام 1968. للمرة الاولى في التاريخ ألقت اللغة نفسها طابعاً سلبياً وحتى مُريباً على مفهوم النخبة.
الدعاية الرسمية للبلدان الشيوعية بدأت تضرب النخبوية والنخبة في الوقت نفسه. استخدمت المصطلحات لا لتصنّف قادة الصناعة او الرياضيين المشهورين او السياسيين، بل لتصنّف النخبة الثقافية فحسب: الفلاسفة، الكتّاب، الاساتذة، المؤرخون، رموز السينما والمسرح.
تزامن مدهش: يبدو ان النخبة الثقافية في كل اوروبا خاضعة لنخبٍ اخرى. في اوروبا للنخبة. من جهاز الشرطة. هنا لنخبة جهاز الاعلام الجماهيري. لا أحد سوف يتهم هذه النخب الجديدة للنخبوية. وهكذا فان كلمة «نخبوية» سوف تُنسى عاجلاً.
الافكار: أحتقر أولئك الذين يختزلون العمل بالأفكار (التي يحتوي عليها). أشمئز من الانزلاق الى ما يسمونه «مناقشات الأفكار». أشعر باليأس من هذا التاريخ المضبّب بالأفكار واللامبالي بالأفعال.
اللاّخبرة: العنوان الاصلي لـ «خفّة الكائن غير المحتملة» هو «كوكب اللاّخبرة». اللاّخبرة «باعتبارها صفة» لحالة الانسان. نحن نولد مرة واحدة فقط. لا نستطيع أبداً ان نبدأ حياة جديدة مزوّدين الخبرة التي اكتسبناها من خبرة سابقة. نحن نترك الطفولة من دون ان نعرف ما الشباب، نحن نتزوج من دون ان نعرف ماذا يعني ان نكون متزوجين، وحتى حين نتقدّم في السن نحن لا نعرف ما الذي نتقدّم نحوه: الكبار في السن هم الأطفال البريئون لأعمارهم المتقدّمة. بهذا المعنى عالم الانسان هو كوكب اللاّخبرة.
الحروف: تصبح أصغر فأصغر في الكتب هذه الايام. أتخيل موت الأدب. شيئاً فشيئاً، ومن دون أن يلاحظ أحد، ستتضاءل الحروف الى ان تختفي تماماً.
المجاز: لا أحبّه حين يكون مجرد زخرفة. وأنا لا أفكّر فقط بالكليشيهات مثل: «المرج سجادة خضراء»، ولكن أيضاً، وعلى سبيل المثال، بعبارة ريلكيه: «ضحكهم يرشحُ من أفواههم كما ينزّ الجرح قيحاً» أو «صلاته تُسقِطُ أوراقها وتنتأ من فمه كشجيرةٍ ميتة».
من جهة ثانية يبدو المجاز لي أمراً لازماً كوسيلة للإمساك، من خلال وحيٍ فوري، بمعنى لا ندركهُ للاشياء، والمواقف، والشخوص. المجاز ـ التعريف. لـ»بروش» موقف «إيش» الوجودي: يريدُ وضوحاً لا لبس فيه. أراد أن يبتكر عالماً على درجةٍ من البساطة الواضحة حتى أن عزلته يمكن أن تقيّد بهذا الوضوح كما لو أنها تقيدُ بعمودٍ حديدي. رأيي: القليل من المجازات في الرواية. ولكن هذه المجازات يجب أن تكون في ذروتها.
الرواية (والشعر): 1857 أعظم عام في القرن. «أزهار الشر»: الشعر الغنائي اكتشف أرضه الملائمة، جوهره. مدام بوفاري: للمرة الأولى تتوصل الرواية الى أسمى متطلبات الشعر (التصميم على «البحث عن الجمال فوق كل اعتبار»؛ أهمية كلّ من المفردات؛ الإيقاع القوي للنص؛ الجدّة والإبداع في كل تفصيل). ابتداء من عام 1857 اتجه تاريخ الرواية نحو «الرواية تصبح شعراً». ولكن الوصول الى متطلبات الشعر يختلف عن أخذ الرواية نحو الغنائية (بالاستغناء عن سخريتها، وبالبعد عن العالم الخارجي، بحيث تتحول الرواية إلى اعتراف شخصي مثقل بالزخرفة). الروائيون يصبحون شعراء، هم ضد الغنائية بعنف: فلوبير، جويس، كافكا، غومبروفيتش. الرواية: شعرٌ نقيض الغنائية.






الجريده
 
26-02-2011, 05:30 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif


بين مبايعته أميراً للشعر وغيابه المهيب الرثاء
الأخطل الصغير... شاعر الوردة والسيف
بيروت - ميشال معيكي
نتذكر الأخطل الصغير ــ بشارة الخوري ــ أمير الشعراء، بين ذكرى مبايعته بإمارة الشعر العربي بعد أحمد شوقي في 4 حزيران 1961 في بيروت ورحيله مطلع آب من العام 1968.
أسّس جريدة «البرق» في 1908 وكانت منتدى أهل الأدب وشرارة النضال الوطني والدعوة الصارخة إلى التحرّر من أنواع الاحتلالات والانتدابات. طارده العثمانيون وكاد يُشنق يوم الشرق ليل و«شفيق يدعوك». صوت تركي حرّ يطلع من البوسفور. إنه صوت ولي الدين يكن في «صحائفه السود».
اعتلى المنابر وكتب المقالات النارية. عرف التشرد والاعتقال وعطّل الانتداب الفرنسيّ مراتٍ جريدة «البرق» رداً على صرخة الحرية وقولة الحق.
شاعر «الصِّبا والجمال» و«جفنه عَلَّم الغزل» و«اسقنيها». أخطلُ الحب والوطنيات، شاعر الوردة والسيف، قامة في تاريخ لبنان والمشرق العربي.
يوم تأسست جريدة «البرق» في العام 1908، إثر اعلان الدستور العثماني و«إطلاق الحريات» في العالم العربي، تحولت مكاتب «البرق» في بيروت إلى ملتقى لرجالات الأدب والفكر وكبار الشعراء من كل الأقطار العربية. جاء الزهاوي وأحمد شوقي والرصافي وبدوي الجبل وسواهم وكان الهمّ تحرير العالم العربي من العثمنة، حتى أن المؤرخ يوسف ابراهيم يزبك كتب يوماً في «الأوراق اللبنانية»: «إن الجامعة العربية ولدت في مكاتب جريدة البرق قبل ولادتها 1946 بعشرات السنين (...)».
وكانت مقالات الأخطل مدوّية تدعو إلى استقلال لبنان وسوريا وسائر البلدان العربية ورحيل الاحتلال العثماني. وفي أوائل أيار من العام 1914 كانت لائحة جمال باشا بأسماء أحرار لبنان وسوريا قد اكتملت وبينها الأخطل الصغير. يروي عبدالله الخوري (نجل الأخطل الصغير) أنه كان للأخطل صديق محبّ يدعى محمد كرد علي وكان رئيساً لقسم الترجمة في المتصرفية (أسّس في ما بعد المجمع العلمي العربي في دمشق) وبحكم وظيفته بلغه أن اسم الأخطل بين المطلوبين للإعدام شنقاً بسبب مواقفه التحررية «المزعجة» فأرسل الى صديقه الأخطل مع أحد الأصدقاء رسالة مقتضبة كتب فيها: «(...) أحرق كل الأوراق والمستندات التي تدينك وتدين رفاقك الأحرار واحتجب عن الأنظار فوراً».
غادر الأخطل مكاتب «البرق» على عجل ــ كما يروي ابنه الشاعر عبدالله الخوري ــ وتوجه إلى منطقة كسروان في جبل لبنان (كانت تتمتع بنظام حكم خاص فرضه الأوروبيون على العثمانيين) وهناك في قرية فيطرون، في أحد الأديرة، تنكّر الأخطل باسم حنا فيّاض تجنّباً لجواسيس العثمانيين المنتشرين في كل مكان. من عزلته راح يراسل الصحف العربية بتوقيع «الأخطل الصغير»، حتى انتهت الحرب العالمية الأولى بانكسار السلطنة العثمانية ــ الرجل المريض ــ ودخول فرنسا وبريطانيا العظمى إلى المنطقة العربية وبينها لبنان وسوريا بقرار من عصبة الأمم، بصيغة انتداب.
مطلع ثلاثينات القرن الماضي، وكان الأخطل يترأس الوفد العربي (لبنان وسوريا ومصر)، في احتفال رثاء الملك فيصل الأول في بغداد، القى قصيدة نارية هاجم فيها الانتدابين الفرنسي والبريطاني على المنطقة العربية اللذين وعدا كذباً بمنح الاستقلال للدول العربية. وما إن وصل صدى القصيدة إلى بيروت حتى سارع المفوض السامي الفرنسي الكونت دو مارتيل إلى اصدار مرسوم يقضي بإلغاء امتياز جريدة «البرق» عقاباً للأخطل على مواقفه الوطنية، فعاد الشاعر إلى بيروت وباع المطبعة لدفع حقوق العمّال والمحررين. شن الأخطل الصغير حرباً لم تتوقف على الفساد والمفسدين والسلطات التي صادرت رغيف الشعب في زمانه. في العام 1933 اعتلى منبر الخطابة في صالة التياترو الكبير يرثي صديقه النائب وديع عقل بحضور وزراء ونواب وممثلي الانتداب. قال رافعاً إصبعه في وجه الجميع:
يا أمةً غدت الذئابُ تسوسُها
غرقَتْ سفينتها، فأين رئيسُها؟
(...) تعساً لها من أمةٍ... أَزعيُمها
جلاَّدها وأمينها جاسوسُها...
ومتى تُؤَيَّدْ بالرعاع حكومةٌ:
كانت أَحَطَّ من الرُّعاعِ نفوسُها (...)
هبطوا الجحيمَ: فردَّهُمْ بَوّابُها
إذ خاف من إبليسِهم إبليسُها (...)
وتحركت على الفور أجهزةُ الأمن لتوقيف الأخطل وإنزاله بالقوة عن المنبر فقامَ بعضُ النواب الأحرار والحضور وحملوا الأخطل فأكمل القصيدة ومشوا بتظاهرة في شوارع بيروت.
في احتفال مبايعة بشارة الخوري (الأخطل الصغير) بإمارة الشعر، في 4 حزيران 1961 في قصر الأونيسكو في بيروت، كان شعراء العالم العربي: الجواهري، عمر أبو ريشة، صالح جودت، عبد المنعم الرفاعي، سعيد عقل. يومذاك وقف الشاعر أمين نخلة يقول في صديقه:
أيقولون أخطلٌ وصغيرُ؟
أنت في دولة القوافي الأميرُ
ثم وقف الجمع تصفيقاً فيما الأخطل ينهي مقاطع من قصيدةٍ هي «سونات الغروب»:
أَيومَ أصبحتُ لا شمسي ولا قمري
من ذا يُغنِّي على عودٍ بلا وترِ
ما للقوافي إذا جاذبتُها نَفَرَتْ
رَعَتْ شبابي وخانتني على كِبَريْ
قصائد
لن تنسى بيروت مهرجان ذكرى أمير الشعراء (الأخطل الصغير- بشارة الخوري) ذلك الأحد 28 كانون الأول 1969 في قصر الأونيسكو ذاته في قلب بيروت التي كانت تضج ثقافة وفكراً وفنوناً... وكان الأخطل قد رحل (2 آب أغسطس 1968) ورثاه شعراً كبارُ شعراء العالم العربي: عزيز أباظة (مصر) لميعة عبّاس عمارة (العراق) عبد المنعم الرفاعي (الأردن) عمر أبو ريشة (سوريا) أحمد السقَّاف (الكويت) حسن القُرَشِي (السعودية) محمد الفيتوري (السودان) كمال ناصر (فلسطين) سعيد عقل (لبنان) إضافة إلى نجل الأخطل وعبدالله الخوري.
تتالى الشعراء العرب على المنبر «بحضور» الأخطل الراحل ومما جاء في قصائدهم:
عمر أبو ريشة:
(...) طلعتَ من حَرَم التاريخ في جبل
تَزَيَّنَتْ بسَنا آلائه العصرُ
ازميلُ مبدعِه أدَّى رسالتَه
إلى العوالم فانطُق أيها الحجرُ (...)
عزيز أباظة:
(...) قف في ربى الخُلد واهتف في مقاصره
بشاعرٍ ملأ الدنيا كشاعِرِهِ
البحتريُّ تهادى عن ميامِنِهِ
يختالُ والمتنبي عن مياسرِهِ (...)
كمال ناصر:
(...) أَلَسْتَ أول من غنّى ملامحنا
ألَستَ أول من أشجى فأشجانا
ألستَ من عصرَ العنقود فانفجرت دماؤه ومن العنقودِ روَّانا (...)
عبد المنعم الرفاعي:
(...) جئتُ في موكب الأمير أغنّي
وغنائي يغصُّ في أوزانه (...)
واعتلى صهوة النضال كأن الجنَّ مِن رَكبه ومن فرسانِهِ (...)
محمد الفيتوري:
(...) أنتَ في لبنان ... والشعر له
في ربَى لبنان عرشٌ ومقامُ
شادهُ الأخطل قصراً عالياً
يزلقُ الضوءُ عليه والغَمامُ (...)
سعيد عقل:
(...) لا مُذْ بكيتُكَ، لَكِنْ قبلُ مذ سكنتْ يراعةٌ لكَ قَلَّ الهمُّ في الغُصُنِ
أنا الذي قال: يا شعرُ، ابْكِهِ وأجِدْ
من قبل ما كان؟ لا، يا شِعرُ، لم تَكُنِ...
وانتهى اللقاء الكبير بقصيدة «مفاجِئة» ألقاها نجلُ الأخطل المحامي الراحل عبدالله الخوري، مطلعها:
لم يخلِّف شاعرٌ في الارضِ شاعرْ عاقراتٌ في ربى البحرِ المنائرْ! (...)
كان زمان، كان الشاعرُ ضمير الجماعة وصوت الشعب، وكانت القصيدة حدثاً.
يبدو هذا الكلام – وما تقدَّم – مشهداً سوريالياً في مدينة غرائبية لزمنٍ غارقٍ في التوغل. ولَّى زمن المنابر وضَمُر الشعر وانزوى الشعراء... نحن في زمن الفضائيات والعولمة الكبرى. عالم آخر!
المتنبي والشهباء
(...) عُرسٌ من الجِنِّ في الصحراءِ قد نصبوا
له السُّرادِقَ تحت الليلِ والقُببا
كأنه تَدمُرُ الزهراءُ مارجةً
بمثلِ لُسْنِ الأفاعي تَقْذِفُ اللَّهبا (...)
نادى ابوهُ ـ عظيمُ الجِنِّ ـ عِثرَتَهُ،
فَأَقْبَلوا ينظرونَ البِدعةَ العَجبا
مَاذا نسِّميهِ؟... قال البعضُ: صاعقةً
فقالَ: كلاَّ... فقالوا: عاصفاً ـ فأبى
فقامَ كالطَّودِ منهم ماردٌ لَسِنٌ
وقال: لَمْ تُنْصِفوهُ اسماً ولا لقبا
سنبعثُ الفتنةَ الكبرى على يَدهِ
فَنَشْغَلُ الناسَ والأقلامَ والكتبا
ونجعلُ الشعرَ رباًّ يسجُدونَ له
فَإِنْ غَوَوْا فلقد نِلنا به الأَرَبا
واختال غيرَ قليلٍ، ثم قال لهم
سَمَّيتُه المتنبي... فانتَشَوا طربا
وزلزلوا البيْدَ حتى كادَ سالِكُها
يهوي به الرَّحْلُ لا يدري له سببا
يرى السَّرابَ عُباباً هاجَ زاخرُهُ
والرَملَ يلتحفُ الأزهار والعُشُبا (...)
ثورة فلسطين
سائِلِ العَلياءَ عنَّا والزَمانا
هَل خَفَرْنا ذِمّةً مُذْ عَرَفانا
أَلمرؤاتُ التي عاشَتْ بِنا
لَم تَزَلْ تَجري سَعيراً في دِمانا.
ضَحِكَ المجدُ لَنا لمَّا رّآنا
بدَمِ الأبطال مَصْبوغاً لِوانا
عُرُسُ الأحرار، أن تسقي العِدى
أكْؤساً حُمْراً وأنغاماً حَزانى!
ضَجّتِ الصَحراءُ تَشكو عُرْيَها
فَكَسَوْناها زَئيراً وَدُخاناً
مُذْ سَقَيْناها العُلى مِنْ دَمِنا
أيْقَنَتْ أنَّ مَعَدّاً قد نمانا.
أنشروا الهَوْلَ، وَصُبّوا نارَكُمْ
كيفما شِئتُمْ فلَنْ تلْقَوْا جباناً
غَذَّتِ الأحداثُ مِنَّا أنفساً
لم يَزِدْها العُنْفُ إلاّ عُنْفُوانا!
شَرَفٌ للمَوْتِ انْ نُطْعِمَهُ
أنْفُساً جَبَّارةً تأْبى الهوانا
وَرْدَةٌ مِنْ دَمِنا في يَدِه
لَوْ أتَى النارَ بها - حالَتْ جِنانا!
يا جِهاداً صَفَّقِ المَجْدُ لهُ
لَبِسَ الغارُ عليْهِ الأرْجُوانا
شَرَفٌ باهَتْ فِلِسطينٌ به
وبِناءٌ للمعالي لا يُدانى
أنَّ جُرْحاً سالَ مِنْ جَبهتِها
لَثَمتْهُ بخُشوعٍ شَفتانا
وَنشيداً باحَتِ النَّجوى بهِ
عَرَبيّاً: رَشَفَتْهُ مُقلتانا!
نحن يا أُختُ، على العَهْدِ الّذي
قد رَضِعْناهُ مِنَ المَهْدِ كلانا
«يَثْرِبٌ» «القُدُس» مُنْذُ احْتَلما:
كعبتانا! وهوى العُرْبِ هَوانا...
قُمْ الى الأبطالِ نَلْمسْ جُرْحَهُمْ
لَمْسَةً تَسْبَحُ بالطِّيبِ يَدانا
قُمْ نَجُعْ يَوْماً مَنَ العُمْر لَهُمْ
هَبْهُ صَوْمَ الفِصْحِ، هَبْهُ رَمَضانا
انَّما الحَقُّ الّذي ماتوا لهُ
حَقُّنا! نمشي إليْهِ أَيْنَ كانا...
الأخطل الصغير
«سنة 1936»



الجزيره
 
10-05-2011, 03:05 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

10/05/2011


العالم يشاهد العرب وهم يحاولون الخـروج من الإغماءة الطويلة الصحوة.. أين تكمن جذورها؟

Pictures%5C2011%5C05%5C10%5Cb2f36b48-80da-4086-9eb1-b43ccd1d08a0_main.jpg
غلاف كتاب {البطل}
محمد حسن
في الوقت الذي يشهد فيه العالم، هذه الايام، البلدان العربية وهي تحاول الخروج من حالة الاغماءة الطويلة التي عانت منها، والدخول في مرحلة صحوة وحكم انفسهم بأنفسهم، نجد ان تلك الخطوة التي يحاولون تحقيقها كانت قد بدأت منذ 90 عاما، ولقد كان وراء تلك المحاولة الاولى، وقادها وقاتل من اجلها «تي.اي ـ لورنس»، المعروف باسم «لورنس العرب».
وقد استعرض كريستوفر هارت {البطل: حياة وأسطورة لورنس العرب} لمؤلفه مايكل كوردا في {التايمز}.
كذبة وحقيقة
فلورنس هو الذي شجع الثورة العربية ضد الحكم التركي بوعد قدمه للعرب يقول انه كلما «زادت جهودهم وانتصاراتهم في تلك الثورة اتسعت وكبرت دولة الوحدة العربية».
بيد ان لورنس كان يدرك ان بريطانيا وفرنسا كانتا تنويان الاحتفاظ بسوريا، ولبنان وفلسطين والعراق، اذا لم يكن في شكل مستعمرات، فعلى الاقل السيطرة عليها كمناطق نفوذ خاصة بهما، وانهما لن تسمحا لأي دولة عربية الاستمرار كدولة مستقلة استقلالا تاما.
مأساة حياته
ويرى البعض ممن تناول سيرة لورنس ان تلك كانت مأساة حياته، حيث ظل يعاني من عقدة الذنب طوال حياته، ولكن رغم ان رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج، والرئيس الفرنسي كليمنصو، عقدا اتفاقا حول مصير المنطقة، فإن لورنس نجح ابان تولي تشرشل ادارة مكتب المستعمرات، في اقامة مملكتي العراق وشرق الاردن واجلس على عرشيهما الاخوين فيصل وعبدالله اللذين كان يثق بهما.
نبوءة حول العرب
وما زال احفاد عبدالله يحكمون الاردن الى اليوم، بينما اغتيل ملك العراق، واستبدل ملكه بنظم دكتاتورية، من بينها نظام صدام حسين، وان أنفسهم بأنفسهم بالمعنى الديموقراطي لم يحدث بعد. وقد تنبأ لورنس بذلك.
ففي عام 1927 ورد في رسالة بعث بها لورنس إلى شارلوت، زوجة برناردشو، إنه «يوماً ما سيكون العرب مؤهلين للحكم الذاتي، ولكنني لا ادري إن كان ذلك سيحدث خلال سبعة أو سبعين أو سبعمائة عام!».
ومن الغريب ان هذه الرسالة لم ترد في هذه الدراسة الحديثة المتوازنة حول لورنس. فالمؤلف مايكل كوردا لديه معرفة بكل السير التي تناولت حياة لورنس. والقضايا المثيرة للجدل التي دارت حوله. وهو يطلق على لورنس صفة «البطل» في عنوان الكتاب. وتصوره هذه السيرة بانه واحد من اميز الشخصيات البارزة في القرن العشرين.
ولد غير شرعي
ولد لورنس في عام 1888 وكان الطفل الثاني من بين خمسة اطفال غير شرعيين للبارون توماسي تشابمان، ومربية الأطفال سارة لورنس. ويرى مؤلف السيرة مايكل كوردا إن وضعه كابن غير شرعي قد يكون ساهم في سعي لورنس الذي لا يهدأ لاكتساب الشرعية.
غير ان لورنس عاش حياة طفولة وشباب مبكر سعيدة. وكان يحب ممارسة الرياضة ويقطع مسافة 150 كيلو متراً بالدراجة كل يوم، وقارئا نهما «ومثله مثل كل الأطفال الموهوبين كان يولي اهتماماً لكل ما يثير اهتمامه اكثر من تركيزه على المنهج الرسمي». كما كان يكثر من قراءة الكتب العسكرية الكلاسيكية.
واثناء دراسته بجامعة اوكسفورد كتب بحثاً مميزاً حول قلاع الصليبيين. ودرب نفسه على تحمل المصاعب والالم والجوع، وقلة النوم، وتحول بذلك الى طاقة متوقدة لا تهدأ. ففي صيف عام 1908 قطع 4 آلاف كيلو متر.
تجربة مريرة
وبعد التخرج من جامعة اوكسفورد عمل في مواقع حفريات الآثار في الشرق الاوسط.
ومع بداية الحرب العالمية الأولى في عام 1914 سنحت له فرصة البروز والتألق. فقد كانت معرفته للمنطقة العربية لا تقدر بثمن. وبعدها بقليل كان يقود الثورة العربية ضد الدولة العثمانية. وقد كانت الجزيرة العربية في اوائل القرن العشرين تضم ربما عشرة ملايين نسمة. وكان الرق مازال شائعاً والحياة البدوية هي السائدة، ولكن لورنس احب تلك المنطقة، وخبر عادات اهلها.
ويورد المؤلف التجربة المريرة التي تعرض لها لورنس عند اسره على يد الاتراك في درعا، حيث تعرض لمعاملة قاسية كما تم تعذيبه والاعتداء عليه، وكيف ان تلك التجربة كانت لها آثار سيئة على نفسيته.
الثورة العربية
أما الثورة التي شارك فيها في الصحراء العربية، فكانت تشكل جزءاً من حملة أوسع تعرضت لها الامبراطورية العثمانية مثل معركة غاليبولي، والمواجهات التي جرت على الجبهة الغربية، غير ان اهم معركة قادها، كانت معركة الاورانس، في عام 1917 وتحت امرته خمسة آلاف مقاتل تمكنوا فيها من قطع امدادات القوات التركية ومهاجمة طوابيرهم، وتفجير خط سكك حديد الحجاز الذي يربط دمشق بمدينة مكة المكرمة، والهجوم على العدد الكبير من القوات التركية التي كانت تحاول حماية ذلك الخط الحيوي وقد عانت تلك القوات من هبوط الروح المعنوية.
إشغال الاتراك
وادت تلك الهجمات الى اشغال الاتراك عن خططهم الهادفة للهجوم على قناة السويس وشكلت منحى جديدا في مجال المواجهات العسكرية، وكانت البداية لما عرف بعد ذلك بحرب العصابات، والعمليات السرية التي تنفذها مجموعات القوات الخاصة في الجيوش النظامية، بل وحتى حرب العصابات الماوية، وكذلك عمليات زرع القنابل ع‍لى جوانب الطرق.
ألم وتأنيب ضمير
وبعد تلك الفترة القصيرة التي شهدت مجد لورنس تحول دوره الى العمل في المجال الدبلوماسي وتحديدا في مجال الدبلوماسية المكوكية، والتي شكلت دوراً مهماً في اقامة بعض الدول مثل العراق والاردن ولبنان، بيد ان دولة الوحدة العربية او «سوريا الكبرى» المستقلة التي قاتل من اجلها الشيخ عودة ابو تايه شيخ قبيلة الحويطات وبقية القبائل لم تر الوجود، وهو امر ظل لورنس دوماً يدركه وقد خلف لديه شعواً بالالم وتأنيب الضمير.
60 سيرة
وفي نهاية المطاف انسحب لورنس من الحياة العامة حيث التحق بالعمل في صفوف سلاح الطيران الملكي، وذلك حتى وفاته في عام 1935 في حادثة دراجة نارية وكان في السادسة والاربعين من عمره، ويرى المؤلف ان الحكم النهائي على لورنس وما حققه ولم يحققه يظل دائما موضوع اختلاف في اوساط من يتناولون سيرته وهنالك كما هو معروف قرابة ستين سيرة كتبت حول هذه الشخصية المركبة ذات السمات العديدة، فهو اكاديمي وباحث في مجال الآثار وعسكري محارب، ودبلوماسي يعمل في خدمة مخططات بلاده الاستعمارية.
ويوضح المؤلف ان لورنس كان محبوبا فمن عملوا معه او ممن كانت لديهم صلة به، مثل وينستون تشرشل الذي كان يكن له تقديراً خاصا، وكذلك جون بيو كانت ولورد تويه سميور المعروف بتحفظه في اصدار الاحكام ولكنه قال عن لورنس: «إن في امكاني ان اتبعه حتى نهاية الكرة الأرضية، فهو الرجل العبقري الوحيد الذي عرفته». واذا عرفنا ان بيوكانت كان يعرف العديد من العباقرة والمتميزين مثل توماس هاردي وهنري جيمس ولويد جورج، بل وتشرشل، عندها يمكن ادراك الاثر الذي خلفه لورنس لديه.
وينقل الكاتب ايضا شهادة الشيخ حموده، الذي قاتل بشراسة الى جانب لورنس وقوات الثورة العربية، وذلك بعد ان سمع بوفاة لورنس «آه، ليته مات في ساحة الحرب! لقد فقدت ابناً ولكني لم أحزن عليه كثيرا كما حزنت على لورنس. ان قلبي من الصلب، ولكن قلبه كان من حديد. وهو رجل يده دائما مبسوطة ولم يقبضها البتة. قل لهم.. قل لهم في انكلترا ما قلته لك عن الرجولة والرجل الحر والحرية، فهو لديه ذهن لا مثيل له، ولا استطيع ان اجد اي نقص فيه».
ولهذا نجد ان المؤلف يصف لورنس في عنوان الكتاب بانه «بطل» ويقدم صورة شاملة يراعي فيها ادق التفاصيل حول تلك الشخصية المعقدة التي ما زال المؤرخون يختلفون حولها.
وقد حلل المؤلف السير السابقة التي اشرنا الى انها تقترب من الستين، مما يشير الى اهمية شخصية لورنس المعقدة التي لعبت ادوارا عديدة عسكرية ودبلوماسية وعلمية.







Pictures%5C2011%5C05%5C10%5C639cd98d-4783-4ccd-b1c7-a4f6c9e903bb_maincategory.jpg
لورنس العرب
 
10-06-2011, 06:11 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

04/01/2009


«المايسترو» بعد 19 عاماً لم يكن قائدا جيدا لأوركسترا المجلس 1-3 «فقاعات غرينسبان.. عصر الجهل في مجلس الاحتياطي الفدرالي» الأميركي

Pictures%5C2009%5C01%5C04%5C75595a17-4775-48c9-9889-5b7eb8618bfe_main.jpg


ترجمة: رزان عدنان
خلّف خروج آلان غرينسبان من مجلس الاحتياطي الفدرالي بعد 19 عاما من رئاسته، جدلا واسعا، بسبب سياساته خلال تلك المدة وما نتج عنها أخيرا من فقاعات وأزمات اقتصادية.
في حين يرى البعض أن الفترة التي تولى فيها غرينسبان رئاسة مجلس الاحتياطي، الفدرالي كانت محاطة بالرفاهية، يعارض البعض الآخر بالقول ان قراراته أدت نوعا ما إلى القضاء على النظام المالي الأكبر في العالم.
يتناول كتاب «فقاعات غرينسبان.. عصر الجهل في الاحتياطي الفدرالي» للمؤلف ويليام فليكنشتاين ومساعده فريدريك شيهان ابرز الأخطاء التي ارتكبها غرينسبان خلال عهده وما نتج عنها من فقاعات لا يزال أثرها حاضرا وبقوة إلى الآن في الأسواق الأميركية والعالم.
فمنذ نهاية الثمانينات وحتى اليوم، يبدو أن «المايسترو» كما يفضل أحد الصحافيين تسميته، لم يرتكب أي خطأ. فقد وضع معدلات الفائدة عند مستوياتها الصحيحة، كما يصر مناصروه على قول هذا، كما اشرف على اقتصاد نادرا ما يتعرض للانزلاق نحو الركود أو الأزمات، وعندما يجنح الاقتصاد عن الطريق الصواب، فإن مجلس الاحتياطي الفدرالي برئاسة غرينسبان سرعان ما يتصدى للأزمة عبر طبع الدولارات أو تخفيض معدلات الفائدة.
لقد بدا المستقبل براقاً في عهده، واستطاعت الدولارات المطبوعة الجيدة ومعدلات الفائدة المنخفضة تحفيز الاصول الاستثمارية والعقار.
لكن الحقيقة تقول ان معظم قرارات غرينسبان كرئيس مجلس ادارة للفدرالي منذ الحادي عشر من اغسطس من عام 1987 وحتى الحادي والثلاثين من يناير من عام 2006 لم تكن جميعها في مصلحة المستثمر، وحتى الولايات المتحدة. وسيعيش معظم الاميركيين اياماً اسوأ لاحقاً بسبب ادارة غرينسبان.
ويتساءل البعض قائلا: «كيف يمكن لرئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي ان يكون مخطئاً لهذه الدرجة؟» والاجابة هي ان غرينسبان اخطأ باستمرار عندما كان يصر على ابقاء معدلات الفائدة عند مستويات منخفضة جداً، وعندما تقع مشكلة يقوم بحلها من خلال تخفيض معدلات الفائدة مرة اخرى. والنتيجة انه خلال فترة رئاسته، شهدت الولايات المتحدة فقاعة في الاسهم تبعتها فقاعة اخرى في القطاع العقاري. ومنذ تسلمه منصبه لم تشهد البلاد فقاعات كهذه منذ خمسين عاماً.


لم يكن غرينسبان مخططاً مركزياً دائماً. فقبل ان يتسلم منصب رئاسة مجلس الاحتياطي الفدرالي، كان يترأس شركته الاستشارية «تاونسيند غرينسبان» من عام 1954 ولغاية عام 1987. كما عمل غرينسبان في مؤسسات حكومية عديدة. على سبيل المثال، كان يشغل منصب عضو في لجنة الضمان الاجتماعي.
لكن من ابرز المناصب التي تبوأها هي رئاسة مجلس ادارة مجلس المستشارين الاقتصاديين CEA، والتي عمل فيهامنذ 1974 حتى بداية عام 1977.
وقد تتساءل بعض العقول الحائرة عن الارث الذي خلفه هذا الرجل وراءه، وربما من المثير ان نبدأ بالحديث الذي دار بين غرينسبان والسيناتور ويليام بروكسماير في الحادي والعشرين من يوليو من عام 1987. اذ يبدو ان الاخير كان على اطلاع تام على التوقعات التي صدرت عن مجلس المستشارين الاقتصاديين من عام 1976 ولغاية 1986، فقد وجد السيناتور بروكسماير ان التوقعات التي صدرت في حقبة غرينسبان لم تصب الهدف. فعندما يتعلق الامر بمعدلات الفائدة المتوقعة، لاحظ السيناتور ان غرينسبان والذي سيصبح المسؤول عن تحديد معدلات الفائدة لأكبر اقتصاد في العالم قد اخطأ في تقديراته، وبحسب رأي بروكسماير فان اخطاء غرينسبان تتركز في انها تجاوزت كل الارقام القياسية ابان تلك الفترة.
توقع غرينسبان ان تبلغ معدلات الفائدة على سندات الخزينة 4،4 في المائة في عام 1978، بيد انها لم تكن سوى 9،8 في المائة، ولم يفلح عندما تنبأ بأن يصل معدل التضخم للعام ذاته الى 4،5 في المائة، في حين ان المعدل السنوي بلغ آنذاك 9،2 في المائة. وما كان من غرينسبان الا ان رد على كلام بروسكماير قائلاً: «ذاكرتي لا تسعفني على استرجاع هذه الارقام». حينها قرأ بروكسماير التوقعات امام غرينسبان واجبره على الاعتراف، لكن الاخير قال له ان هناك اختلافا كبيرا بين ان تتوقع شيئا وانت في الادارة وبين ان تتوقع وانت خارج نطاقها».
ولم يكن امام السيناتور سوى ان يصرخ قائلاً: «كل واحد من الذين تناوبوا على رئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين ارتكب الاخطاء ذاتها، لكن فشلهم لم يصل الى الدرجة التي كنت عليها».
وفي نهاية الحديث، قال بروكسماير: «اتمنى عندما تتسلم مهام مجلس الاحتياط الفدرالي، ان تكون جميع الامور وردية، اذ لا يمكن ان تكون دائما على خطأ».
وهنا رد عليه «المايسترو»: «كل ما استطيع قوله ايها السيناتور انني كنت اكثر من ناجح في بقية المناصب التي توليتها في حياتي».
لعل غرينسبان يكذب عند هذه النقطة، او يحاول تعديل تاريخه.

تاريخ حافل بالمصائب

دعونا نراجع بعض الأمثلة من سجل غرينسبان قبل تعيينه كرئيس للاحتياطي الفدرالي في السابع من يناير من عام 1973.
ففي حديث مع صحيفة نيويورك تايمز دعا غرينسبان الى التفاؤل بشأن اوضاع السوق وقال: «انه من النادر جدا ان تجد شخصا متفائلا في هذه اللحظة».
لكنه كان مخطئا الى درجة بعيدة، اذ انه بعد اربعة ايام فقط من كلامه، ارتفع متوسط مؤشر داو جونز الى 1051 نقطة، ثم انخفض بعد ذلك بنسبة 46 في المائة، وكان اسوأ ركود تتعرض له البلاد منذ الكساد العظيم. لكن خطأ غرينسبان لم يكن الوحيد ابان تلك الفترة، ففي الخامس من سبتمبر من عام 1974، وبعد يوم واحد على تأديته القسم في مجلس المستشارين الاقتصاديين، صرح غرينسبان قائلا: «لن يتعرض النشاط الاقتصادي في البلاد لأي انخفاض دراماتيكي». غير ان ما حصل بدقة هو تعرض هذا النشاط لانكماش بنسبة 5،8 في المائة منذ منتصف عام 1974 وحتى الفترة ذاتها من العام الذي تلاه. ولم يكتف «المايسترو» عند هذا الحد، فقد عاد مرة اخرى ليصرح بأن الاسوأ لم يأت. بعد وهذا ما لم يحدث، اذ انتهت فترة الركود منذ بداية مارس من عام 1975.
يكفي أن نقول ان الانكماش الاقتصادي خدع غرينسبان سواء في تلك الفترة او بعدها.
الأمثلة كثيرة ولعل أحد أبرزها الحكم الخاطئ الذي أطلقه عندما كان مستشارا في «تاونسند غرينسبان»، ولم يتضح هذا الخطأ الا عندما اصبح رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي، والذي كان يدور حول وجهةنظره المتزمتة عن العمليات التجارية للقروض والمدخرات في منتصف فترة الثمانينات.
ونشأت عن هذه العمليات أزمة قروض ومدخرات أدت الى حدوث ركود في بداية فترة التسعينات. إذ قادت السياسات المتهورة وعلى رأسها ما يخص المدخرات والقروض الى انهيار تلك الصناعة بأكملها.

انعدام فهم

إن انعدام فهم غرينسبان لما يتعلق بعمليات الاقراض الخارجة عن السيطرة في تلك المؤسسات، كان سببا في الانكماش الاقتصادي، ولم يدرك الاخير مدى خطورة الوضع الا عندما استفحل الأمر، رغم أنه ادعى لاحقا أنه لم يتوقع حدوث أزمة قط، بل انه اتخذ تدابير صارمة للحد مما هو أسوأ.
لكن بطريقة أخرى، كانت أزمة القروض والمدخرات بادرة لعمليات الاقراض غير المنظمة والسهلة والتي أدت الى أزمة السكن عام 2007.
وفي شهادته التي قدمها أمام هيئة المصارف التابعة لمجلس الشيوخ الاميركي، قال غرينسبان في شرحه لما قام به الفدرالي وأسباب القيام بذلك: «في ربيع عام 1989، بدأنا بتخفيف الشروط النقدية عندما لاحظنا أن آثار القيود في الموازنة العامة أفرزت الانفاق، كما بدأ المقترضون بمعارضة فكرة توسيع الائتمان، وهي ظاهرة غالبا ما يشار اليها بـ «الازمة الائتمانية». وفي مسعى لتخفيف هذه القيود المالية، قمنا بتخفيض معدلات الفائدة على المدى القصير في سلسلة طويلة من الخطوات في صيف عام 1992، وابقينا على المعدلات ضمن مستويات منخفضة على غير العادة حتى نهاية عام1993».
بغض النظر عما اذا كان ما قام به الفدرالي تقييما دقيقا للموقف ام لا، فان غرينسبان لم يذكر ابدا في تفسيره اعلاه ان الخطوات التي اتخذها الفدرالي كانت مرتكزة بشكل جزئي على توقعات غرينسبان، وبدا ذلك واضحا من خلال شهادته السابقة قبل اربع سنوات من تلك الحادثة.
وفي يناير من عام 1990، قدم غرينسبان شهادته امام اللجنة الاقتصادية المشتركة.

مراجعة

قام غرينسبان بتخفيض معدل الفائدة بشكل كاف عندما كان لا يزال واثقا بان الاقتصاد سيعود للنمو مجددا.
الا انه وبسبب عدم ادراكه للانتعاش، تماما كما غاب عنه الانكماش الاقتصادي، خفض معدلات الفائدة بدرجة كبيرة جداً، وابقى على ذلك لمدة طويلة، وبذلك حفز الاسواق المالية بطريقة مبالغ فيها.
ومن خلال ذلك، نجح في تحويل اهتمام كبار المستثمرين من الاستثمار في شهادات الايداع والسندات الى الاسهم في محاولة يائسة لاسترجاع عوائدهم التي فقدوها في السابق.
ان خطوات غرينسبان في ما يتعلق بمعدل الفائدة يعزز تقييما ناقداً لفهمه للبيئة الاقتصادية في الفترة ما بين 1989 وبداية عام 1994.
ففي العام 1994، تبرز نقاط كثيرة حول آلان غرينسبان. اولا دعونا نلقي نظرة على الظروف الاقتصادية كما وصفها في شهادته امام مجلس الشيوخ في السابع والعشرين من مايو من عام 1994: «منذ بداية الربع الاخير من عام 1993، ورغم ان التأثيرات الممتدة للسياسة النقدية في الاعوام القليلة الماضية قد زادت بشكل واضح، فان اجمالي الناتج المحلي ارتفع، واصبحت القوة دليلا خاصا في القطاعات التي لديها حساسية اتجاه الفائدة، واصبح الاستثمار التجاري قوياً جداً.
وبدأت المساكن بالارتفاع في الاشهر الثلاثة الاخيرة من ذلك العام الى اعلى مستوياتها منذ اربع سنوات، وعلى الرغم من انها عادت للانخفاض في الاونة الاخيرة، الا انها بقيت عند معدل 18 في المائة في العام الماضي، كذلك تميز الطلب على المركبات بالقوة ووصل انتاج الكثير من السيارات والشاحنات الخفيفة الى الذروة، علاوة على ذلك مع تحسن الشروط الاقتصادية في بلدان اقتصادية اخرى، ارتفع نمو الصادرات التجارية بشكل ملحوظ، كما زاد استخدام الطاقة الصناعية بشكل عام الى 83،5 في المائة، وهو اعلى معدل منذ اواخر الثمانينات، كما تم خلق اكثر من مليوني وظيفة خلال الاشهر الاثني عشر الاخيرة، وانخفض معدل البطالة بنحو كبير، ونظرا الى الظروف المالية والاقتصادية التي باتت اقوى، فانه اصبح واضحا مع بداية عام 1994 ان مهمة السياسة النقدية في الاعوام القليلة الماضية قد انجزت».
وبعد ان اعلن انتصاره في النهاية على الانخفاض الاقتصادي الذي ارّقه في نهاية عام 1989، بدا غرينسبان جاهزا لمناقشة افكاره المتعلقة برفع الفائدة بقوله: «بما اننا وصلنا الى هدفنا، واجهنا سؤالا فيما اذا كان هناك هدف مقبول في الحفاظ على المستوى التحفيزي لمعدلات الفائدة في عام 1993، والجواب لا، لكن السؤال الذي بقي راسخا هو كيفية تطبيق هذا التحول».


أزمة التوليب الهولندية

من النادر حدوث الفقاعات، حتى في ظل غياب ضمان البنك المركزي. ولعله من الجدير بالذكر الاستشهاد بأزمة التوليب التي حدثت في أوائل القرن السابع عشر ومقارنتها بفقاعات غرينسبان، إذ شهد الهولنديون خلال تلك الحقبة انتعاشا اقتصاديا عزز ازدهار تجارة الأقمشة، ووصلت خلالها اسعار السكن والانشاء إلى أعلى مستوى لها. وكانت بذور التوليب رمزا خاصا بأصحاب الثروات. وكان من يملك بذور هذه الزهرة يعد رمزا للقوة و«البريستيج».
ومع انتشار بذرة التوليب، أدركت الطبقة المتوسطة حجم الثروات التي تنفق على هذه البذور وحجم الثروات التي يجنيها أصحابها من بيعها وشرائها. وفي ذلك الوقت، وصل متوسط الدخل السنوي للفرد في امستردام إلى حوالي 150 فلورين، لكن البذرة الواحدة كانت تباع بستة اضعاف هذا المبلغ.
وآنذاك اصبحت الحانات كأسواق الاسهم لتداول تجارة التوليب، وكانت العامة تتجمع هناك من أجل البيع والشراء.
وتهافت المزارعون واصحاب المخابز وصانعو الأحذية على هذه التجارة التي رأوا فيها طريقة سهلة لجني الأموال دون مخاطرة. وباعوا محالهم ومزارعهم ومنازلهم للتداول ببذور التوليب.
وفي قمة الفقاعة ارتفعت الاسعار عشرين ضعفا في شهر واحد. وفي فبراير من عام 1673، انهار سوق التوليب فجأة وانهارت معه أسعار بعض أكثر البذور غرابة في ستة اسابيع من 75 الف دولار الى دولار واحد. وعندها هب الذعر، وأفلس آلاف المواطنين الهولنديين.
وتوضح لنا أزمة التوليب أنه أحيانا عندما تكون أحوال السوق مناسبة، يهيمن جنون المستثمرين وتلي ذلك نتائج غريبة. لكن عندما تواجه الأحوال الاقتصادية السليمة بنكا مركزيا يميل لطبع الأموال، لا بد ان تنتج فقاعة كبيرة ومدمرة. وهذا ما حدث بالفعل في الولايات المتحدة في نهاية العشرينات من القرن الماضي، إذ أدت آثار الفقاعة إلى الكساد العظيم.

صب الزيت على النار

في نهاية التسعينات، اتخذ غرينسبان دورا أكثر فاعلية في العملية من أي عضو آخر عمل في الفدرالي.
إذ انه ومن خلال صب الزيت على النار الذي جاء على شكل اموال رخيصة التكلفة او من خلال ارشاد الناس للمضاربة، كان غرينسبان المتهم الرئيسي في تطور الفقاعة.
ومع أنه لم يكن السبب الوحيد في حدوث تلك الفقاعة، الا انه لولا رعايته لما نمت المشكلة بالدرجة والحجم اللذين وصل كلاهما إليه في زمنه.
لقد ساهمت مجموعة عوامل الى جانب سعي غرينسبان باستمرار لصب الزيت على النار في شكل أموال رخيصة التكلفة بإقناع المستثمرين ان الخطر الحقيقي الوحيد الذي يصاحب الأسهم هو عدم امتلاكها.
باختصار، لقد كانت حقبة خصبة بشكل لا يصدق بالنسبة للمضاربة، وبما أن غرينسبان يتحكم بمركز القوة، فإنه من السهل ان تعرف سبب المضاربة.
لكن ما ليس واضحا هو سبب تصرف غرينسبان على ذلك النحو، لكنه في الإمكان القول ان السبب في ذلك هو ان «المايسترو» كان مفتونابمفهوم الانتاجية.

الكاتبان من هما؟
ويليام فليكنشتاين


يعمل ويليام فليكنشتاين كرئيس لشركة ادارة الاموال «فليكنشتاين كابيتال» ومقرها في سياتل، ويكتب عمودا يوميا في موقعه الالكتروني
www.fleckensteincapital.com حول السوق، اضافة الى انه يكتب عمودا معروفا لمصلحة موقع «إم إس إن توديه» بعنوان «كونتراريان كرونيكليز».

فريدريك شيهان

يعمل فريدريك شيهان مديراً لقسم خدمات توزيع الاصول في شركة «جون هانكوك» للخدمات المالية في بوسطن، كما يعمل على اعداد سياسات استثمارية وخطط لتوزيع الاصول لمصلحة صناديق تقاعد مؤسساتية.
واعتاد شيهان اعداد تقارير شهرية تتناول مراجعة فصلية للسوق ونظرة عامة عنه لمصلحة عملاء منذ عام 1990 وحتى 2001.
كما كان يكتب مقالات عديدة في جهات مختلفة وساهم في الفترة الاخيرة بكتابة مقالات كثيرة لمصلحة ويسكي آنذ غانباودر» وموقع «برودينت بير» الالكتروني.

القبس
 
17-06-2011, 05:01 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

غرينسبان يصف التكنولوجيا بـ«الصلصة السرية» للاقتصاد الأميركي (2-3) ملك الفقاعة يتحول من مكافحها إلى نافخ فيها
Pictures%5C2009%5C01%5C05%5C8a385689-b1dc-44fa-b51c-2294ffb36bc3_main.jpg


ترجمة: رزان عدنان
خلّف خروج آلان غرينسبان من مجلس الاحتياطي الفدرالي بعد 19 عاما من رئاسته، جدلا واسعا، بسبب سياساته خلال تلك المدة وما نتج عنها أخيرا من فقاعات وأزمات اقتصادية.
في حين يرى البعض أن الفترة التي تولى فيها غرينسبان رئاسة مجلس الاحتياطي، الفدرالي كانت محاطة بالرفاهية، يعارض البعض الآخر بالقول ان قراراته أدت نوعا ما إلى القضاء على النظام المالي الأكبر في العالم.
يتناول كتاب «فقاعات غرينسبان.. عصر الجهل في الاحتياطي الفدرالي» للمؤلف ويليام فليكنشتاين ومساعده فريدريك شيهان ابرز الأخطاء التي ارتكبها غرينسبان خلال عهده وما نتج عنها من فقاعات لا يزال أثرها حاضرا وبقوة إلى الآن في الأسواق الأميركية والعالم.
فمنذ نهاية الثمانينات وحتى اليوم، يبدو أن «المايسترو» كما يفضل أحد الصحافيين تسميته، لم يرتكب أي خطأ. فقد وضع معدلات الفائدة عند مستوياتها الصحيحة، كما يصر مناصروه على قول هذا، كما اشرف على اقتصاد نادرا ما يتعرض للانزلاق نحو الركود أو الأزمات، وعندما يجنح الاقتصاد عن الطريق الصواب، فإن مجلس الاحتياطي الفدرالي برئاسة غرينسبان سرعان ما يتصدى للأزمة عبر طبع الدولارات أو تخفيض معدلات الفائدة.
لقد بدا المستقبل براقاً في عهده، واستطاعت الدولارات المطبوعة الجيدة ومعدلات الفائدة المنخفضة تحفيز الاصول الاستثمارية والعقار.
لكن الحقيقة تقول ان معظم قرارات غرينسبان كرئيس مجلس ادارة للفدرالي منذ الحادي عشر من اغسطس من عام 1987 وحتى الحادي والثلاثين من يناير من عام 2006 لم تكن جميعها في مصلحة المستثمر، وحتى الولايات المتحدة. وسيعيش معظم الاميركيين اياماً اسوأ لاحقاً بسبب ادارة غرينسبان.
ويتساءل البعض قائلا: «كيف يمكن لرئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي ان يكون مخطئاً لهذه الدرجة؟» والاجابة هي ان غرينسبان اخطأ باستمرار عندما كان يصر على ابقاء معدلات الفائدة عند مستويات منخفضة جداً، وعندما تقع مشكلة يقوم بحلها من خلال تخفيض معدلات الفائدة مرة اخرى. والنتيجة انه خلال فترة رئاسته، شهدت الولايات المتحدة فقاعة في الاسهم تبعتها فقاعة اخرى في القطاع العقاري. ومنذ تسلمه منصبه لم تشهد البلاد فقاعات كهذه منذ خمسين عاماً.

يعتبر عام 1995 بداية لأكبر فقاعة سوق أسهم شهدتها البلاد. لقد فُت.نَ كبار المستثمرين حينئذٍ بشبكة الإنترنت والشبكات المالية الجديدة مثل «سي إن بي سي»، وكانوا يثقون بأنهم يملكون المعرفة في كيفية الاستثمار لمصلحتهم، وأن لديهم الحق في أن يكونوا أثرياء.
إضافةً إلى هذا، صب غرينسبان الزيت على النار عندما خفض من معدلات الفائدة بشكل مستمر.
وسجل شهر يوليو من عام 1995، بداية أكبر فقاعة يشهدها سوق الأسهم في الولايات المتحدة. وقد يسأل أي عاقل في الدنيا عن سبب تحول غرينسبان من موقع المكافح للفقاعة إلى النافخ فيها في فترة وجيزة من الزمن. والإجابة الوحيدة على ذلك هي «خياله».
إذ خفض «المايسترو» من معدل الفائدة من دون وجود دوافع كبيرة لذلك، كما لم يقدم غرينسبان دليلاً واحداً ضرورياً في نسخة أعدها آنذاك لتخفيض معدل الفائدة من 6 في المائة إلى 5.75 في المائة.
واعترف غرينسبان في أحد نصوص النسخة التي قدمها خلال لقاء عقد في يوليو من عام 1995 يقول فيها: «وصلت الى نتيجة مفادها انه مع تقلص المخاطر، فانه لا ضرورة للتعجل، وان كنت اعتقد بوجوب التحرك حتى يتسنى لنا الدفاع عن فكرة البقاء على الوضع الحالي، الا اذا كانت ضغوط التضخم ما زالت تتفاقم».
لكن ماذا عن الفقاعة التي لم يكافحها غرينسبان إلا من خلال الكلام، وادعى في وقت لاحق أنه ناضل ضد الأمر هذا بجدية. إنه لم يذكر الفقاعة أبداً في كلامه هذا. مما يجعلنا نعتقد أن غرينسبان لم يكن جاداً في مكافحتها.
وبعد مناقشة تلت مطالبته بتخفيض معدلات الفائدة، يبدو أنه لا يوجد أحد في مجلس الاحتياط الفدرالي قد سمع بكلمة فقاعة أو كان مهتماً بها.
وبعد التصويت على موضوع تخفيض معدل الفائدة في المجلس، سأل أحدهم إذا كان هناك بيان صحفي. إلا أن غرينسبان أجاب: أنا آسف، المسودة ستكون كما يلي: «أعلن رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي آلان غرينسبان أن اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح قد قررت تخفيض درجة الضغوط على مراكز الاحتياط بعض الشيء، نتيجة لتقييد الضغوط التضخمية بما يكفي لمواءمة التعديل البسيط في الظروف النقدية».
لقد كان واضحاً أن غرينسبان حضّر النص مسبقاً، واعترف بهذا لاحقاً في اللقاء.
وقرر تخفيض المعدلات، وبدا واضحاً أنه لا يوجد هناك من سيوقفه. بل إن أحدهم لم يحاول إيقافه حتى.
في هذه الفترة من ذلك العام، ارتفع سوق الأسهم تقريباً بنسبة 20 في المائة مقارنة مع بداية العام السابق.
ويبدو أنه وبشكل غير قابل للتوضيح عند نهاية عام 1995، لم يكن هناك حديث جديد من قبل غرينسبان عن الفقاعة، حتى ان السوق ارتفع تقريباً بنسبة 35 في المائة مقارنة بأول مرة، تم الحديث فيها عن الفقاعة.

عصر الاضطراب

في السادس من سبتمبر 2007، وقبل فترة قصيرة من إطلاق غرينسبان سيرته الذاتية بعنوان «عصر الاضطراب»، ألقى خطاباً في «واشنطن دي سي»، ذكرت على هامشه صحيفة وول ستريت جورنال أن رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي ادعى أنه لم يكن بالإمكان إيقاف الفقاعات عن طريق القيود المتزايدة ما بين عامي 1994 و1995، لكنه عندما أوقف القيود، بدأت الأسعار في التصاعد.
وذكر غرينسبان أيضاً قائلاً: «لقد حاولنا القيام بذلك مرة أخرى في عام 1997 وحدثت الظاهرة ذاتها».
ويبدو من خلال الأحداث أنه بالكاد حاول إيقاف القيود، وكانت النتائج أوسع من محاولاته في عام 1995، لكن الظاهر أنه حقاً لم يهتم لذلك.
فقد كان يؤمن بعصر جديد. وما بين عصره الجديد ومهارته لم يكن هناك ما يخفيه، إذ إنه وفي لقاء اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح في الخامس والعشرين من مارس 1997، لم يكن خطابه سوى عظة يتحدث فيها عن روعة الاقتصاد بعيداً عن أي نقاش جدي يتناول حل الفقاعة التي حدثت.
وعقب ذلك الاجتماع، ارتفعت معدلات الفائدة إلى 5.5 في المائة للمرة الأولى منذ عامين، وكانت المرة الأخيرة لمدة 15 شهراً تبعها ثلاث عمليات لخفض الفائدة.

هبوط الروبل

تسبب هبوط العملة الروسية (الروبل) وحدة انهيار إدارة رأس المال على المدى الطويل في عام 1998، في انخفاض مؤشر استاندرد آند بورز 500. وخفض غرينسبان من معدلات الفائدة في سبتمبر من ذلك العام إلى 5.25 في المائة. وبرأ الأخير نفسه في كتابه» عصر الاضطراب» من التهمة التي يستحقها بسبب إجراءاته غير المسؤولة – والمتهورة بالفعل- في الأعوام الأخيرة، التي تسببت في فقاعة أصابت سوق الأسهم.
ويفسر في كتابه قائلاً: «لقن المستثمرون مجلس الاحتياطي الفدرالي درساً. في الوقت الذي كان وزير الخزانة بوب روبن على حق. إذ لا يمكنك إخطار المستثمرين في حال تعرضت قيمة السوق للمبالغة، كما أنه لا تمكنك السيطرة على قوى السوق. واتضح في ما بعد أن هذا الازدهار هو نتيجة ثروة الأوراق المالية، في الوقت الذي كانت تشغلنا قضية الإنتاجية واستقرار الأسعار والأوجه الأخرى لما بات يسميه الناس الاقتصاد الحديث. لقد أخذنا نبحث عن طرق أخرى للتعامل مع مخاطر الفقاعة. لكننا لم نرفع من معدلات الفائدة، ولا حاولنا حتى كبح اسعار الأسهم مجددا».

النقاط المتنوعة التي جاءت على لسان غرينسبان.

1ــ من المضحك جداً القول ان المستثمرين لقنوا الفدرالي درساً. إذ إن ما قاموا به لم يكن سوى ردة فعل على السياسات التي كان الفدرالي يواصلها والمتمثلة بالسعي الحثيث لخفض معدلات الفائدة.
2ــ إن اقحام اسم بوب روبن كسبب في حدوث الفقاعة، ومحاولة إلقاء جزء من اللوم عليه أمر غير مبرر، إذ لم يكن روبن يملك شيئاً للتدخل في السياسة النقدية.
3ــ لم تشهد أواخر فترة التسعينات مبالغة بسيطة في تقييم السوق، إذ لم تعش الولايات المتحدة فقاعة كبيرة بحجم تلك التي حدثت إبان عهد غرينسبان.
4ــ ذكر غرينسبان أنه لا يستطيع محاربة قوى السوق، لكن كما سنرى فإن الأخير فعل ذلك على نحو متواصل.
على سبيل المثال، سمح رئيس مجلس الفدرالي السابق بول فولكر برفع معدلات الفائدة إلى 20 في المائة، في محاولة منه لإعاقة عودة معدلات التضخم المتضاعفة في بداية الثمانينات. غير أن غرينسبان قام بخفض معدل الفائدة.
وحتى لو لم يكن الأخير يعرف ان الإجراءات التي اتخذها ستؤدي في نهاية المطاف إلى أزمة، فإنه ساهم من دون أدنى شك في حدوث فقاعة، كلما سنحت الفرصة.
5ــ ذكر غرينسبان أنه اتخذ طرقاً أخرى للتعامل مع مخاطر الفقاعة، إلا أنه لا توجد بيانات تدعم صحة مزاعمه.إذ إنه لم يقم باتخاذ أي خطوات فاعلة في هذا الصدد، وحتى عندما تضخمت الفقاعة، لم يرها.
فلو كان هذا صحيحاً وأنه قام بكبح الفقاعة، لكان رفع معدلات الفائدة بشكل حاد، ومتطلبات هوامش الربحية أو أحد منهما.
إضافةً إلى ذلك، كان بإمكان غرينسبان تقييد المخاطر التي أفرزتها الفقاعة أو استخدام بعض الأدوات الأخرى التي يمكلها الفدرالي.
6ــ لعل الجملة الأخيرة التي ختم بها تصريحه هي أكثر ما يغيظ، فعندما قال:» لم نحاول أبداً إطلاق العنان لأسعار الأسهم مرة أخرى»، بدا غرينسبان وكأنه يروي قصة قصيرة، مفادها أن الثراء عم على الجميع وأننا من دون استثناء عشنا في سعادة بعد إجراءاته المتخذة.
في الحقيقة، ان جميع ما ذكره غرينسبان عار عن الصحة. فكما نعرف أن فقاعة الأسهم انهارت وأن الأخير دفع معدلات الفائدة للانخفاض عند واحد في المائة على ضوء الانهيار، الأمر الذي صعّد من فقاعة العقار التي لا تزال منتشرة في الولايات المتحدة حتى تاريخ كتابة هذا الكتاب.

عمليات الاكتتاب العام

يبدو أن هناك من لاحظ أزمة عمليات الاكتتاب العام من مجلس الاحتياطي الفدرالي أخيراً. ففي الحادي والعشرين من ديسمبر، وفي لقاء لللجنة الفدرالية للسوق المفتوح، لاحظ عضو الفدرالي مايك بريل أن الفقاعة الخطيرة في الطريق. ووصف الوضع بدقة خلال اللقاء.
الا أن تقييمه الدقيق لبيئة عمليات الاكتتاب العام لقي آذاناً صماء.
ولم يزعج أي عضو من أعضاء اللجنة بمن فيهم رئيس المجلس بالسؤال عما وصفه بريل، وكأنه كان يقرأ لائحة مشتريات.
وأعتقد أن سياسة غرينسبان غير المسؤولة، أثارت عمليات المضاربة الهائلة التي أدت الى صعود أسعار أسهم شركات الانترنت الى مستويات مرتفعة، وكانت مبهمة بالكامل.
واستطاعت أسعار الأسهم المرتفعة والثروة التي تراكمت بين ايدي أصحاب تلك الأسهم وما نتج عن تلك الثروة ايهام الناس أنهم يرون المستقبل جيداً.
في الحقيقة، لم يكن أحدهم يعرف ما سيؤول اليه جنون الانترنت.
وفي عام 2000، ذكرت دراسة أعدتها الأكاديمية الوطنية للمهندسين أنه تم تصنيف الانترنت في المركز الثالث عشر من أصل عشرين مرتبة من حيث أعظم الأعمال الهندسية الفذة خلال القرن العشرين، وجاء بعد الكهرباء والسيارات والطائرات والحاسوب والتلفونات.
ومع الصخب الذي رافق الفقاعة، بدا غرينسبان وكأنه أصبح مفتوناً بشكل أكبر بالتكنولوجيا، وتأثيرها على الانتاجية، وامكانية دخول عصر جديد.
وتطوعت «وول ستريت جورنال» باطلاق مسمى «الاقتصاد الجديد» على هذه المرحلة.
وفي الثالث عشر من يناير من عام 2000، قال غرينسبان في خطاب له بعنوان: «التكنولوجيا والاقتصاد»: «ان تكنولوجيا المعلومات هي التي تحدد هذه الفترة المميزة. والسبب في ذلك أن الابتكار المعلوماتي ينطوي في جذور الانتاجية والنمو الاقتصادي. وان مساهمة التكنولوجيا الرئيسية تكمن في تخفيض عدد ساعات العمال المطلوبة لخلق الناتج الوطني».
وذهب غرينسبان بعيداً ليشرح سبب وصفه التكنولوجيا بالصلصة السرية في هذه العملية بقوله: «قبل توافر ثورة المعلومات هذه، كانت معظم القرارات التجارية في القرن العشرين مكبلة بعدم استقرار شامل، لكن التطورات الأخيرة أكدت على أهمية تكنولوجيا المعلومات»، ومن ثم قال رئيس الاحتياطي أن اسعار الأسهم المرتفعة كانت مجرد مكافآت لأولئك الذين خاضوا مخاطر استثمار رأس المال.

انفجار الفقاعة

عزز الحماس المنتشر للتكنولوجيا وخاصة أسهم شركات الإنترنت من فقاعة سوق الأسهم التي انفجرت فيما بعد على نحو كبير.
وبعد طباعة الفدرالي المزيد من الأموال، والمحافظة على معدلات الفائدة عند مستويات منخفضة، بدا أنه لا توجد حدود لارتفاع أسعار الأسهم، غير أن الرخاء الذي عاشته أميركا لم يكن سوى وهم.
ففي نوفمبر من العام 1999، وصل معدل الفائدة إلى 5.50 في المائة، ولم يكن لهذا الارتفاع أي تأثير على المضاربين الذي سرعان ما اكتشفوا أن الفدرالي لا يشكل أي تهديد لهم.
ومع توجس الجميع من مشكلة الألفية وهي المخاوف التي أثيرت من عدم قدرة أجهزة الحاسوب في نهاية عام 1999 على التحول تلقائياً من ألفية إلى ألفية جديدة، كان الوضع العام مضطرباً للغاية.
وفي مقالة لي نشرت في تاريخ العاشر من نوفمبر من العام 1999 على موقع «سي إن بي سي ماركت ووتش»، ذكرت نماذج بسيطة تصف كيف سيكون عليه شكل الاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة، ووصفت ارتفاع اسهم شركات الإنترنت، التي انخفضت فيما بعد بنسبة 90 في المائة عندما انكمشت الفقاعة.
وفي الفترة ما بين 10 سبتمبر ولغاية 20 سبتمبر من عام 1999، طبع الفدرالي أموالاً كانت تكفي لانفجار الإجمالي الواسع للعرض النقدي بنحو 147 مليار دولار والذي كان معدل نموه السنوي يبلغ 14.3 في المائة.
في الحقيقة، جاءت هذه الأموال المطبوعة لتفسر على نحو واضح سبب تشكل الفقاعة.
فمنذ فبراير عام 1996 ولغاية أكتوبر من عام 1999، توسع العرض النقدي حسب معيار واحد بحوالي 6.1 تريليونات دولار أو 20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وعند ذلك المعدل، قد يتضاعف العرض النقدي كل ثماني سنوات.
ومن السهل جداً معرفة سبب سخرية المساهمين في الفقاعة من رفع معدل الفائدة في السادس عشر من نوفمبر.
إذ أفرزت سياسات غرينسبان التي تتمثل في ضخ الأموال لتبديد مخاوف مشكلة الألفية وما يتعلق بمعدلات الفائدة ذعراً خارجاً عن السيطرة.
كذلك قفزت عمليات الاكتتاب العام بمقدار كبير في اليوم الأول إن يكن في الساعات الأولى من التداول.
وقفز سهم شركة كوبالت نيتورك إلى 482 في المائة، كذلك قفز سهم شركة «فاوندري نيتورك» إلى 525 في المائة، وحلق سعر سهم «أكاماي تكنولوجيز» إلى 458 في المائة.




Pictures%5C2009%5C01%5C05%5Cd6833a16-92e1-4413-9ae5-b313fcdd9fa4_maincategory.jpg


القبس
 
17-06-2011, 07:42 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

م يعترف بأخطائه أو يصلحها بل كررها مرات عدة خلال 19 عاما (3-3) غرينسبان سيد انزلاق الولايات المتحدة والعالم.. نحو الأزمة المالية

Pictures%5C2009%5C01%5C06%5C6e6e8def-ddb9-4d2f-b3df-bed52b772665_main.jpg


ترجمة: رزان عدنان
خلّف خروج آلان غرينسبان من مجلس الاحتياطي الفدرالي بعد 19 عاما من رئاسته، جدلا واسعا، بسبب سياساته خلال تلك المدة وما نتج عنها أخيرا من فقاعات وأزمات اقتصادية.
في حين يرى البعض أن الفترة التي تولى فيها غرينسبان رئاسة مجلس الاحتياطي، الفدرالي كانت محاطة بالرفاهية، يعارض البعض الآخر بالقول ان قراراته أدت نوعا ما إلى القضاء على النظام المالي الأكبر في العالم.
يتناول كتاب «فقاعات غرينسبان.. عصر الجهل في الاحتياطي الفدرالي» للمؤلف ويليام فليكنشتاين ومساعده فريدريك شيهان ابرز الأخطاء التي ارتكبها غرينسبان خلال عهده وما نتج عنها من فقاعات لا يزال أثرها حاضرا وبقوة إلى الآن في الأسواق الأميركية والعالم.
فمنذ نهاية الثمانينات وحتى اليوم، يبدو أن «المايسترو» كما يفضل أحد الصحافيين تسميته، لم يرتكب أي خطأ. فقد وضع معدلات الفائدة عند مستوياتها الصحيحة، كما يصر مناصروه على قول هذا، كما اشرف على اقتصاد نادرا ما يتعرض للانزلاق نحو الركود أو الأزمات، وعندما يجنح الاقتصاد عن الطريق الصواب، فإن مجلس الاحتياطي الفدرالي برئاسة غرينسبان سرعان ما يتصدى للأزمة عبر طبع الدولارات أو تخفيض معدلات الفائدة.
لقد بدا المستقبل براقاً في عهده، واستطاعت الدولارات المطبوعة الجيدة ومعدلات الفائدة المنخفضة تحفيز الاصول الاستثمارية والعقار.
لكن الحقيقة تقول ان معظم قرارات غرينسبان كرئيس مجلس ادارة للفدرالي منذ الحادي عشر من اغسطس من عام 1987 وحتى الحادي والثلاثين من يناير من عام 2006 لم تكن جميعها في مصلحة المستثمر، وحتى الولايات المتحدة. وسيعيش معظم الاميركيين اياماً اسوأ لاحقاً بسبب ادارة غرينسبان.
ويتساءل البعض قائلا: «كيف يمكن لرئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي ان يكون مخطئاً لهذه الدرجة؟» والاجابة هي ان غرينسبان اخطأ باستمرار عندما كان يصر على ابقاء معدلات الفائدة عند مستويات منخفضة جداً، وعندما تقع مشكلة يقوم بحلها من خلال تخفيض معدلات الفائدة مرة اخرى. والنتيجة انه خلال فترة رئاسته، شهدت الولايات المتحدة فقاعة في الاسهم تبعتها فقاعة اخرى في القطاع العقاري. ومنذ تسلمه منصبه لم تشهد البلاد فقاعات كهذه منذ خمسين عاماً.

رغم أوامره المماثلة السابقة، فإن مجلس الاحتياط الفدرالي رفع معدلات الفائدة بمعدل ربع نقطة مئوية الى 5.75 في المائة في الثاني من فبراير من عام 2000، بذلك عادت معدلات الفائدة الى مستوياتها ذاتها قبل نحو خمسة أعوام أي في بداية يوليو 1995.
ومع أن اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح رفعت من معدلات الفائدة، فإنها قامت بذلك بسبب مخاوف التضخم.
ولم يؤثر هذا الاجراء على سوق الأسهم، اذ وصل الى أعلى مستوى مرتفع له منذ 25 عاماً، وبلغ معدل الارتفاع 9 في المائة.
وبعد أسبوع واحد من ارتفاع معدل الفائدة، ذكرت شركة «سيسكو» في تقريرها الفصلي أنها سجلت أداءً جيداً خلال ربع واحد وتوقعت أن يتجه سعر سهمها نحو الصعود. الذي بلغ 10 دولارات. وفي تلك اللحظة كان يمكن تقييم السهم باكثر من 150 ضعفا من حيث الارباح واكثر من 40 ضعفا من حيث العائدات.
لكن السؤال الذي يطرح نقاطاً عدة هو هل يمكن لسهم أن يصل الى ذلك المستوى المرتفع من السعر؟
لقد قالت محطة «سي ان بي سي» تلفزيون الفقاعة كما أسميها بأن «سيسكو» قد تكون أول شركة تصل قيمتها السوقية الى تريليون دولار.
على أي حال، كل شيء ممكن في ظل هذا الصخب. لكن دعونا نمحص قليلاً في الأرقام الموجودة، ان القيمة السوقية لشركة سيسكو في ذلك الوقت بلغت 500 مليار دولار، لكن اجمالي الناتج المحلي للعالم ككل يبلغ أكثر من 30 تريليون دولار.
اذاً، هل يمكن أن تبلغ القيمة السوقية لشركة تريليون دولار، وعوائدها تصل الى 12 مليار دولار أو لنقل 15 مليارا أو 20 مليار دولار، أي حوالي 3 في المائة من اجمالي الناتج المحلي العالمي؟
ان اجمالي الناتج المحلي الأميركي هو 9 تريليونات فقط ، فهل يمكن لشركة واحدة بتلك العوائد أن تبلغ عُشْر اقتصاد أميركا؟ وكيف يمكن لأي أحد تخيل ما جرى؟
ان أحد العوامل التي دفعت الأسعار نحو الارتفاع الكبير هو الزيادة المفرطة في الديون الناتجة عن هوامش الربحية وساهم الفدرالي بتعزيزه بشكل خاص حتى يصل تأثيره الى ذلك المدى.
وكان بند لجنة الأوراق المالية و الصرف الصادر في عام 1934 قد خَّول الفدرالي تشريع قروض الوسطاء أو المعروفة باسم»ديون هوامش الربحية» والمستخدمة لشراء الأسهم.
وسمحت تلك القوانين لمدة 25 عاماً للمضاربين باقتراض أكثر من 50 في المائة من قيمة الأسهم التي اشتروها.
ووصل اجمالي ديون هوامش الربحية في فبراير من العام 2000 الى 265 مليار دولار.
وتبعاً لاجمالي الناتج المحلي، فان ديون هوامش الربحية كانت الأعلى في ذلك العام وذلك منذ عام 1929، وأعلى بمعدل ثلاثة أضعاف عما كانت عليه في أكتوبر من عام 1987.
الى هذا، طفا موضوع ديون هوامش الربحية على السطح في السابع عشر من فبراير عام 2000 عندما قدم غرينسبان شهادته أمام لجنة الاسكان التابعة لمجلس الشيوخ، كما فعل قبل ثلاثة أسابيع أمام اللجنة ذاتها في مجلس الشيوخ.
وعلى الرغم من أنه تم استجوابه على خلفية ذلك الموضوع من قبل السيناتور تشارلز شومر في السادس والعشرين من يناير، لكن غرينسبان ظل يكرر الرؤية التي سبق وتحدث عنها في شهادته السابقة والتي تقول ان متطلبات هوامش الربحية المرتفعة قد لا يكون لها أي تأثير على أسعار الأسهم.
وذكر غرينسبان في شهادته ان هذه المتطلبات قد تراعي المستثمرين الصغار ، علاوة على أن الدراسات قالت ان مستوى أسعار الأسهم لا يمكن أن يؤثر على متطلبات هوامش الربحية.
في الحقيقة، ليست لدي أي فكرة عن الدراسات التي أشار اليها في جملته السابقة. اذ لم تتم مناقشة أي دراسة خلال اجتماع اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح.
الا أنه قد يعني تلك الورقة الوحيدة الموجودة على موقع الفدرالي الالكتروني والمكتوبة بتاريخ 22 ابريل عام 1997 بوساطة بول كيوبيك بعنوان»
متطلبات هوامش الربحية، التذبذب،وسلامة السوق: ماذا تعلمناه منذ الأزمة؟».
على أي حال، لم تتم مناقشة تلك الورقة في أي من اجتماعات اللجنة.
علاوة على هذا، هناك أمثلة كثيرة تشير الى أن آراء رئيس المجلس الفدرالي عن فعالية متطلبات هوامش الربحية لم تتم مناقشتها من قبل مجلس التدقيق التشريعي.

21 مارس 2000
كان لقاء اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح في الحادي والعشرين من مارس من عام 2000، مشابهاً لغيره من الاجتماعات التي عقدت مسبقاً. وتم ذكر كلمة» سوق الأسهم» 20 مرة على الأقل. لكن من دون اشارة لتحذير ما.
ولاحظ أعضاء عدة في اللجنة الترابط غير العادي أو عدم وجوده أحياناً بين مؤشري ناسداك وداو جونز.
ولم يحفز التذبذب بين المؤشرين أحداً على مناقشته بجدية. كما أن غرينسبان لم ينبث ببنت شفة عن أسعار الأسهم أو علق حتى على قضية الترابط غير الطبيعي بين المؤشرين.
وبدا واضحاً أنه لا يملك أدنى فكرة أنه أحد الأسباب الرئيسية وراء ما يحصل.
وخلال تلك الجلسة لم ترد كلمة فقاعة ولا حتى كلمة متطلبات هوامش الربحية.
وكما لاحظت سابقاً لقد أعمت التكنولوجيا غرينسبان عن الفقاعة التي كانت واضحة أمام أعين الكل.
ومن جهة أخرى، وخلال اجتماع اللجنة الفدرالية في السادس عشر من مايو عام 2000، رفع الفدرالي معدل الفائدة نصف نقطة مئوية ليصل الى 6.5 في المائة ، وها هو الاجتماع ينتهي كسابقه، لكن مايك بريل قرع جرس الانذار وحذر من الفقاعة المضاربية. وكما كان حال تحذيراته السابقة، لم تلق سوى آذان صماء.
وأثناء الاجتماع، استخدم غرينسبان كلمة «سوق الأسهم» مرة واحدة لكنه مررها مرور الكرام. ورفع معدل الفائدة عند نصف نقطة مئوية لانه، وبحسب قوله: «تشير الدلائل الى أن الانتاجية لا تزال في تصاعد»، وقال رئيس الفدرالي بثقة: «أعتقد أن الزخم الحقيقي في الاقتصاد لا يزال قويا».

الأزمة السكنية
بعد أكذوبة «الاقتصاد الجديد»، وانفجار فقاعة التكنولوجيا، ها هو غرينسبان يتبنى مسألة السكن كمعجزة اقتصادية جديدة.
اذ انه بفضل معدلات الفائدة المنخفضة التي هي أقل من واحد في المائة، وبسبب الشروط السكنية المتساهلة، ازدهر العقار في السوق الأميركي. وعند هذه النقطة ولدت الفقاعة الجديدة.
من جانب آخر، لم تكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر في عام 2001 السبب الرئيسي في انخفاض سوق الأسهم أو ضعف الاقتصاد في أواخر عام 2001 و2002، رغم أنهما تأثرا بشكل سلبي وواضح من الهجمات الارهابية على الولايات المتحدة والنتائج التي تلت عنها.
وصحيح أنه بعد ذلك اليوم، وضعت جميع المشاكل المالية والاقتصادية اللوم على ما جرى، وان 11 سبتمبر فاقم من المشاكل الموجودة أصلاً، لكنه ليس أصل البلاء.
وعندما عاد التداول في سوق الأسهم في السابع عشر من سبتمبر من ذلك العام، ركزت في مقالتي على طبيعة المشاكل المالية التي تعاني منها البلاد والموجودة مسبقاً.
وشعرت بانه من الضروري أن يفهم الناس السبب الحقيقي وراء هذه المشاكل خصوصا أنهم يحاولون معرفة نتائج الهجمة الأخيرة.
ومما ورد في مقالتي آنذاك: «ان حقيقة الضغط الذي يمر به الاقتصاد وسوق الأسهم ما هو الا نتيجة الفقاعة التي امتدت طويلاً منذ نهاية التسعينات. وعلى عكس ما ذكرته وسائل الاعلام، فان الهجمات لم تقم سوى بمفاقمة اتجاهات كانت موجودة أصلاً. حتى ان الناس الذين بدأوا الاستفاقة من وهم امتلاك الأسهم بدأوا - لكن ببطء - استخلاص نتيجة مفادها أن سوق الأسهم قد يكون أخطر مما يعتقدونه».
فسوق الأسهم يتعرض للضغط منذ أعلى مستوى وصل اليه في مارس من عام 2000، كما ان آلان غرينسبان انزلق في أكثر من مناسبة وبدا واضحاً أنه لا يسيطر على الاقتصاد. ان الأحداث الأخيرة التي شهدناها سوف تفاقم من تلك العملية وستفرز انقسامات اجتماعية اقتصادية ستتضح ابعادها مع مرور الوقت.
في غضون ذلك، لم يجتمع أعضاء اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح سوى مرات قليلة في الأشهر الأخيرة من عام 2001، وناقش خلالها لبعض الوقت غرينسبان التكنولوجيا أو الانتاجية. وفي الاجتماع الذي عقد في السادس من نوفمبر من عام 2001، عّبر رئيس الفدرالي عن قلقه ازاء الاستقرار الاقتصادي في البلاد وقال: «ما زلنا نتوقع الاستقرار، لكن لا يوجد دليل عليه، واليوم نشهد وجهاً للتصاعد غير العادي الذي حدث في اقتصادات العالم في أواخر التسعينات نتيجة لانتشار العولمة، وأصبح التطور سيفا ذا حدين».
ان ما قاله غرينسبان أعلاه يشير الى أن العولمة هي السبب في خلق سنوات المجد التي عاشها العالم أواخر فترة التسعينات وليست التكنولوجيا أو الانتاجية كما كان يزعم سابقاً، وأننا في الولايات المتحدة نشهد حالياً انحدار هذا الاتجاه.

فقاعة العقار
مع بداية عام 2002 كانت لا تزال فقاعة العقار بعيدة. وفي السابع والعشرين من فبراير من العام ذاته، ظهر غرينسبان أمام لجنة الخدمات المالية السكنية. وبدأ شهادته بالحديث عن جهوده الجادة الأولى تجاه مراجعة التاريخ الذي اتضح في الأعوام الثلاثة السابقة. وعند مناقشته للمشاكل الاقتصادية، ركز على هبوط الطلب الذي حدث نتيجة زيادة الطاقة الاستيعابية التي تطورت اخيراً. وفشل غرينسبان في لفظ كلمة واحدة عن الفقاعة التي تسببت في زيادة العرض. وساعد على خلق الزيادة في العرض سوء توزيع رأس المال الذي جاء نتيجة مطاردة شركات الاتصالات والأنشطة التجارية المتعلقة بالانترنت.
وفي اللقاء ذاته، تطرق غرينسبان الى السبب المهم في الضعف الاقتصادي في ذلك الوقت بحسب رايه وقال: «ان انخفاض انفاق راس المال خلال العام والنصف المنصرم كان سبباً في التباطؤ الحاد الذي شهدناه في النشاط بشكل عام، كما ان الزيادة المفرطة في الانفاق على التكنولوجيا المتطورة التي حدثت في الأشهر ما بعد الألفية الجديدة لم تكن مستمرة. ومع أن الطلب على الكثير من شرائح التكنولوجيا الأحدث سريع النمو، لكن الطاقة الاستيعابية ازدادت بوتيرة أسرع».
في الحقيقة، ان الانفاق قبل وبعد الألفية الجديدة كان غير مستمر. ومع ذلك، يشير كلام غرينسبان الى أنه لا يرى أو لا يفهم.
والجدير بالذكر هنا أنه وخلال اللقاء قال غرينسبان: «ان جميع المنتجات المالية الجديدة والتي تشمل المشتقات والأوراق المالية المدعومة بأصول، والتزامات القروض المرهونة، والتزامات الرهون العقارية الاضافية،وما الى ذلك من تنوع الفرص أمام المقرضين،واعتماد المقترضين بشكل أقل على مؤسسات محددة من أجل التمويل بات يساهم في تطوير نظام مالي أكثر كفاءة ومرونة».
أنا لا أريد اقحام أنفي في هذا، لكن ألا تبدو هذه المصطلحات مألوفة؟ ان الأوراق المالية المدعومة بأصول والتزامات الرهون العقارية الاضافية والقروض المرهونة هي الأدوات ذاتها التي قادت الى أزمة السوق المالية في أواخر عام 2007، حيث تعرضت الكثير من المؤسسات المالية الضخمة لخسائر.
انه غرينسبان حقاً الذي يمجد فضائل أفكاره التي لا يفهمها كلها، ويمنحنا شعوراً بأنه سيأخذنا الى الأرض الموعودة، لكن بدلاً من ذلك، يتسبب لنا بذرف الدموع.
وفي الرابع والعشرين من نوفمبر من عام 2007، ادعى غرينسبان في أوسلو في النرويج بأنه لم يكن له دور في الفقاعة السكنية، وقال: «أصبحت الأسواق أكثر وعياً تجاه حقيقة انخفاض أسعار السكن من دون توقف، وليس لدي أي اعتذارات خاصة أقدمها. ففقاعة السكن ليست انعكاساً لما قمنا به، بل هي ظاهرة عالمية».
وكان غرينسبان قد زعم في وقت سابق أن الولايات المتحدة لن تتعرض لفقاعة سكنية لان العقار عبارة عن سوق محلي. وكأنه من خلال كلامه هذا يريدنا تصديق البعد العالمي لفقاعة السكن كبرهان على براءته. ان ماقاله غرينسبان كالعادة لا يعبر عن المنطقية ولا الدقة.
والنظر عبر انجازاته الخاصة من خلال نظارات وردية يعتم على الواقع الأليم الذي أجبرنا على معايشته حالياً.
لكن، مع ذلك، ان عيب غرينسبان الرئيسي الذي ارتكبه ليس أخطاءه، بل رفضه الاعتراف بها. اذ انه لم يتعلم من أخطائه طوال 19 عاماً، بل حاول تكرارها أكثر من مرة.
ان العالم المالي الذي خلفه غرينسبان وراءه من الخطورة بمكان لا يستطيع أحد الابحار فيه، اذ ان خوضه سيترك الكثير من الجرحى.
ومن دون أدنى شك لم يكن غرينسبان مايسترو، بل كان سيد انزلاق الولايات المتحدة نحو أزمة مالية. والدليل يتحدث عن نفسه.

انهيار معجزة التكنولوجيا

كان المشهد تراجيدياً في عام 2000 بالنسبة للمستثمرين الذين استثمروا مدخراتهم في أسهم الشركات المتخصصة بالتكنولوجيا.
ورغم انفجار ازدهار ثورة التكنولوجيا، لكن غرينسبان لم يره. وبقي مصراً على وعده بنمو الانتاجية واستمر بالتعبير عن شغفه بالتكنولوجيا في عام 2000.
وهاهو الوجه الآخر لما وعد به غرينسبان من خلال هذه الرسالة التي تقول: «أنا أكتب بقلب مثقل والدموع في عيني، لقد عملت بجد طوال حياتي، وحاولت دائماً تقديم كل ما هو جيد لعائلتي ولأصدقائي.ولم أصعد على ظهر أي أحد . وادخرت لسنوات ولم أكن أملك راتباً تقاعدياً أو خطة تقاعد حتى. لكني بدأت استثمر الأموال في شركة «سايبر» بعد أن اقتنعت بأدائها من خلال اعداد بحوث عنها، وصرت اشتري اسهمها. لكن بعد فترة، فقدت كل شي كنت أعمل على ادخاره طوال حياتي».
لقد اتصلت بي امرأة هذا الصباح تخبرني هذه القصة عن زوجها الذي بحسب قولها سيقتل نفسه.
أضافت هذه السيدة على لسان زوجها أنه ارتكب حماقة كبيرة بشراء الأسهم على هامش الربحية، اذ كان عليه تسييل الأسهم مرات عدة وظن أن الكابوس قد انتهى.لكنه حصل هذا الأسبوع. ان قصة هذا الرجل ليست الوحيدة من نوعها، فقد تكون هناك الكثير من القصص المالية المخيفة التي لا تعد ولا تحصى ستظهر في الأعوام الثلاثة المقبلة على خلفية انهيار سوق الأسهم.
المضاربة في رامبوس
لدي صديق يعمل مستشاراً في احدى الشركات المتخصصة بقطع الكمبيوتر قرر عدم دفع الضرائب الفصلية للفدرالي، بل استثمارها في سوق الأسهم. لقد قال لي ان قيمة مخالفة ذلك الأمر هي 9 في المائة فقط، وأن باستطاعته المراهنة بسهولة في البورصة، وبالفعل راهن الأخير بأمواله كلها على سهم شركة «رامبوس».
انها قصة مثيرة، لكن السؤال ما هو عدد الذين فعلوا الشيء ذاته؟ وبعد أن راهن صديقنا بماله لم تكن نهاية قصته سعيدة، اذ انخفض سعر سهم الشركة 50 في المائة، ولعل الكثيرين سيتعلمون أن المضاربة ممتعة عندما تجدي نفعاً، لكنها مدمرة عندما لا تكون في محلها.
ومع ذلك، لم يكن كثير من الناس يعلمون أن مايقومون به ليس سوى مضاربة.
لقد كانوا كالحملان التي تساق الى المذبح.
وحتى ذلك الوقت، لم يبد. سوى القليل قلقه ازاء تبعات المضاربة وسوء توزيع رأس المال في السوق. ورغم أن أقلام بعض النقاد أشارت الى هذا الأمر، الا أن اياً من أصحاب مراكز القوى لم يحاول تأكيد هذه المخاطر وبالتأكيد كان غرينسبان منهم.




Pictures%5C2009%5C01%5C06%5Cc7ea2c19-610b-47ee-b22c-d9a176ff33f6_maincategory.jpg
القبس
 
17-06-2011, 07:47 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

حزب أممي عابر للقوميات حزب الله.. صناعة إيرانية!
Pictures%5C2009%5C01%5C06%5C3522276d-4244-4af2-8bff-4c03c6278f16_main.jpg


التأريخ واحد من حاجات المجتمع، تفرضه الظروف المتصلة بكل مفردات الحياة في مجتمع بعينه، وتؤثر فيه مجموعة من العوامل، لعل من أبرزها ما يتصل بالعقيدة التي يتبناها هذا المجتمع. هذا، إضافة إلى ان عوامل الجغرافيا من مناخ وتضاريس تفرض سلوكا بعينه تجاه هذه الظواهر، وتجاه البشر الذين يحيطون بذلك المجتمع، ولا يشذ المجتمع العربي في ذلك ــ على الرغم من تأخره في تعاطي هذا الصنف من الانشطة البشرية ــ وكانت ثقافته التي أفرزتها العقلية العربية فيما قبل ظهور الإسلام في المنطقة تضعه في منطقة القدرة على قول الشعر أكثر مما تضعه في طريق معالجة كتابة التأريخ، فقد كانت عقلية شديدة التعصب للقبيلة تنزع إلى الأسطورة والخرافة، وهي في هذا تكون متشبعة بروح عصرها وتقاليده، فهي قليلة الصبر على المراجعة والتحقيق، محتقرة للثقافة المغايرة، وهي حالة لا تعوق نظم الشعر، بل قد تكون من بواعث نظمه، لأن الاسطورة والخرافة فيهما ما يثير الخيال، ويحرك العاطفة، لكنهما قطعاً تقفان عقبة في طريق النضج الذي تحتاجه كتابة التاريخ.

لو لم يضع فايز قزي لكتابه الجديد الصادر حديثا عن دار رياض نجيب الريس في بيروت العنوان التالي: «قراءة سياسية لحزب الله»، لكان بامكانه ان يضع عنوانا آخر هو: «حزب الله صناعة ايرانية»، ذلك ان هذا هو فحوى الكتاب، لدرجة القول ان كل صفحة من صفحاته تضيف «حيثية» جديدة الى ما سبقها من «حيثيات»، فلا ينتهي القارئ من الكتاب، الا ويجد امامه حكماً معللا غير قابل للاستئناف والتمييز. وحتى لو استؤنف، فالشك كل الشك في نقض الحكم السابق، نظرا لكثرة الادلة التي يقدمها الباحث، او المحامي على الاصح على ايرانية الاساس والتوجه. ويبدو ان حزب الله لم يعد يهتم اصلا بمثل هذه الاحكام. فاذا ما واجهه احد بانه حزب تابع لولاية الفقيه الايراني، اجاب بانه يفخر بهذه التبعية.
ولم يخطئ الباحث عندما وصف حزب الله بانه «حزب اممي عابر للمذاهب والمناطق والقوميات»، وبانه عندما يتحدث عن «الامة» لا يقصد بها الامة اللبنانية طبعا، ولا حتى الامة العربية. فهو لا ينتسب الى هاتين الامتين، وان انتسابه هو الى «امة اسلامية» تتزعمها ايران، هي غير الامة الاسلامية التي يتحدث عنها الاسلاميون عادة.
يطرح الباحث في البداية سؤالا عن البدايات. كيف بدأ حزب الله مسيرته في لبنان؟ ويجيب: في سنة 1979 ظهرت في لبنان «اللجان المساندة للثورة الاسلامية في ايران» التي راحت تتواصل مع ايران وعلى رأسها الولي الفقيه الامام الخميني. وخلال هذا التواصل حصل الاجتياح الاسرائيلي للبنان، فكان هناك سعي لتشكيل اسلامي موحد يتمحور حول نهج الاسلام ومقاومة الاحتلال، مع قيادة شرعية للولي الفقيه كخليفة للنبي (صلى الله عليه وسلم) والائمة. تمت صياغة ورقة نهائية حملها تسعة اشخاص من لبنان الى ايران، وهناك رفعوها الى الامام الخميني، فوافق عليها. عندها اكتسبت شرعية تبني الولي الفقيه لها، ومنها تأسس حزب الله. بعدها وافقت سوريا حافظ الاسد على مرور الحرس الثوري الى لبنان، وبدأت التدريبات في منطقة البقاع.
ولاية الفقيه من ركائز الحزب. والفقيه الاعلى ايراني، وولايته حسب الشيخ نعيم قاسم (ص31) تمثل الاستمرارية لولاية النبي صلى الله عليه وسلم. وينقل الشيخ نعيم عن الامام الخميني قوله: «اما توهّم ان صلاحيات النبي في الحكم كانت اكثر من صلاحيات امير المؤمنين، وصلاحيات امير المؤمنين اكثر من صلاحيات الفقيه، فهو توهم خاطئ وباطل».
والفقيه هو الآمر الزمني والروحي. اما الرأي والمشورة والقرار والإمرة والطاعة والولاء، فلايران وحدها، صحيح ان للشورى التي يرأسها الامين العام للحزب، التي تحصل على شرعيتها من الفقيه، صلاحيات واسعة وتفويضاً يساعدانها على القيام بمهامها، لكن اذا واجهت قيادة الحزب قضايا كبرى تشكل منعطفا في الاداء، او تؤثر في قاعدة العمل، او تعتبره فعلا رئيسيا، او تتطلب معرفة الحكم الشرعي فيها، فعندها تبادر الى طرح السؤال، او الى أخذ الإذن، لاضفاء الشرعية على الفعل او عدمه (ص32).
وجه من وجوه «حزب الله» هو المقاومة. وهذه المقاومة يبدو على ضوء ما يقدمه الكتاب مأمور بها من ايران. امر الولي الفقيه الامام الخميني بها، فكانت بدأ التدريب على السلاح في البقاع بإشراف الحرس الثوري الايراني. ولكن يبدو بنظر الباحث ان المقاومة محصورة بمقاومة الاحتلال الاسرائيلي من دون سواه. فلا تمكن ممارستها مثلاً في وجه دولة مسلمة، كايران التي تحتل جزر الامارات العربية المتحدة في الخليج، كما تحتل منطقة الاهواز، ولا في وجه تركيا التي تحتل لواء الاسكندرون.
ويقول الباحث في كتابه ان «حزب الله» اللبناني قاتل مع الايرانيين ضد العراقيين في حرب الخليج الاولى. ينقل عن السفير الايراني السابق في سوريا علي اكبر محتشمي، وهو الاب الروحي لـ«حزب الله»، ان الحزب شارك جنباً الى جنب مع الحرس الثوري الايراني في الحرب الايرانية العراقية، وقد اكتسب خبرة قتالية عالية فيها. وبعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 تراجع الخميني عن فكرة إيفاد قوات ضخمة الى لبنان وسوريا، ونصح بتدريب الشبان الشيعة. وهكذا ولد «حزب الله». (ص 52 و 53). بل ان مشاركة «حزب الله» لاول مرة في انتخابات لبنانية أُجيزت من الفقيه الاعلى علي خامنئي. شارك الحزب في الانتخابات بعد ان وافق خامنئي على المشاركة فيها.
قد يثار سؤال حول الخدمات التي يقدمها الحزب لجمهوره ومناصريه، والجواب واضح في الكتاب. فالتدريب والتسليح والخدمات والاموال ايرانية بالدرجة الأولى وللحزب مؤسسات كثيرة ترعى نشاطاته الاجتماعية والصحية والاقتصادية، منها مؤسسة جهاد البناء التي انشئت عام 1985 وكلها مرتبطة بايران.
لا يعتبر الباحث ان «حزب الله» يمثل الشيعة، فما هو في الواقع سوى حركة جهاد تعتمد مدرسة شيعية محددة لتحقيق اهداف سياسية، وهناك جماهير ونخب شيعية كثيرة تعارض نهج حزب الله شكلا واساسا، فمن المفكرين الشيعة الكبار من دعا الى تجذر الشيعة في بيئاتهم المحلية والانغماس في قضايا مجتماعتهم الخاصة كالشيخ محمد مهدي شمس الدين، والسيد هاني فحص الذي كتب مرة في كتابه: «الشيعة والدولة في لبنان»: «هناك شيعية وطنية تحمل من الخصوصيات ما لا يؤدي تعارضها مع العام والمشترك او الثابت، جماعة شيعية باكستانية وخليجية وافغانية وهندية ولبنانية وعراقية تسهم في بناء اوطانها، وتوالي هذه الاوطان، وهذه الشيعية لم يكن تهمها استلام الفقية السلطة» (ص 123).
ويتحدث الباحث في كتابه عن عدة استحالات تحول بينه وبين القبول بحزب الله، منها قناعاته العلمانية واللبنانية والعروبية والانسانية ذات المنحنى التقدمي وهذه كلها تدخل في صراع مرير مع حزب الله او ان حزب الله يدخل في صراع مرير معها، «هذه المستحيلات تجعل من حزب الله في صورته الحاضرة حركة جهاد عسكرية مغلقة في الفصول والاصول المذهبية غير اللبنانية والعربية والانسانية، وبعيدة عن الحداثة المدنية وتفاعل الحضارات الايجابي، وبالتالي فان حزب الله هو حزب ملتبس منغلق في المنهج والمستقبل على كل علاقة او «تفاهم او تحالف».
جهاد فاضل

القبس
 
19-06-2011, 01:12 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

كتاب الشبه والاختلاف بين الكبيرين هكذا سكت نيتشه.. هكذا تكلم زوربا
Pictures%5C2009%5C01%5C13%5C12816e7c-54ac-4fe4-be4c-628db0958f25_main.jpg


"هكذا سكت نيتشه، هكذا تكلم زوربا"، كتاب للكاتب أنس زاهد، صادر عن دار الانتشار العربي – بيروت، وهو دراسة وافية تستحق القراءة والغوص في تفاصيلها لما لها من دلالات ومعلومات فكرية ومعرفية، جهد المؤلف في تحقيقها عبر توسع وشرح مدروسين باتقان.

لقد سعى زاهد في كتابه إلى عقد مقارنة أو مقابلة بين الفكر الزوربي الذي يمثل الفطرة الإنسانية الخالية من الشوائب الاجتماعية والثقافية، وبين الفكر النتشوي.. وبالتحديد فكر فريدريك نيتشه الذي تجلى على أكمل وجه من خلال كتابه "هكذا تكلم زاردشت".
ويقول المؤلف إن دراسته هذه "ليست نقدية بالمعنى الفني أو الاحترافي للكلمة (...) هذا الكتاب لا يضع ضمن اهتماماته دراسة العناصر الفنية لرواية "زوربا"للكاتب اليوناني نيكوس كازينتزاكس كبناء الشخصيات والبنية الروائية وما إلى ذلك من أمور فنية، الكتاب هو محاولة للغوص في الفكر الزوربي الذي يمثل الفطرة الإنسانية النقية في أشد حالات تألقها".
وأمام هذا التعريف من المؤلف، ثمة سؤال يطرح نفسه وبقوة: لماذا نيتشه مقابل زوربا؟ والجواب يأتي سريعاً من صفحات الكتاب المليئة بالنقاشات والأفكار والقناعات التي يهندسها الكاتب، فكتابات نيتشه – حسب اعتقاد المؤلف – هي التجسيد الأعظم لقدرة العقل البشري على الإبداع، العقل البشري الخلاق الذي لا يتوقف عند حدود ولا يرتهن لمحظور، ولا يلزم نفسه باتباع أي عرف أو بالتسليم بأي من البديهيات، وكل قيوده يمكن أن تكبل العقل البشري.
يتوغل الكاتب داخل وجه الشبه بين الكبيرين زوربا ونيتشه رغم الاختلافات الكبيرة بينهما، والشبه الذي يؤسس له الكاتب هنا هو ان الاثنين قد بلغا من التفوق ما يجعل الحياة بكل جمالها وجلالها، تتوارى أمامهما خجلاً لأنها أضيق من أن تستوعب مطالب وطموحات هذا الثنائي الفريد.
يركز الكاتب هنا على تفرد نيتشه في بناء الفكر والفكرة، من دون ان يتأثر بسالفه او بمن سبقه الى العلم، "كتب نيتشه نصاً" لم اعثر فيه على تأثير احد من سابقيه سوى المسيح، بالاضافة الى الاثر المحدود الذي تركه الفيلسوف الالماني شوبنهاور. لم يتأثر فكر نيتشه وخصوصاً هذا الكتاب، بأي ممن سبقه من الفلاسفة والادباء، لانه في انفلاته كان قد تجاوز، الجميع يكفي ان نذكر ما قاله نيتشه حتى نكتفي بالقناعة حول هذا الكبير، فماذا يقول: "لقد اصبح كل شيء صغيراً، فاني حيثما اوجه انظاري لا ارى غير ابواب خفضت ارتاجها، فاذا شاء امثالي ان يجتازوها تحتم عليهم ان ينحنوا.
ايطول بي الزمان حتى اعود الى وطني، حيث لا ارغم على الانحناء امام كل صغير؟"
اما زوربا في هذا الكتاب، فهو يحمل القدر نفسه من عدم الرضا الذي يفضي الى التمرد. لكن زوربا اعتمد مشروعاً بعيداً عن مثالية نيتشه، حيث سعى الاخير الى تحقيق الكمال على الارض عبر مشروعه العقلي، بينما اندفع الاول في حب الحياة كما هي دون ان يطمح الى تغييرها.
وتبلغ المقاربة والمقاربة بين الكبيرين في كتاب زاهو الذروة، حين تمتد على صفحات الكتاب كلمات شديدة الحساسية والمعرفة: "زوربا كان يدرك ان الحياة مملوءة بأوجه القصور، والاهم انه كان يدرك اين تكمن مظاهر القصور ، وقد كان يثور في وجهها احياناً، لكنه لم يعتقد ابداً ان الحل المثالي هو هدم المعبد على من فيه تمهيداً لاعادة البناء على وجه اكمل من دون وجود اي ضمانة تكفل تحقيق الغاية الاخيرة(..) كان زوربا يتبع فطرته الانسانية النقية التي لم تفسدها نظريات الفلاسفة واوهام الايديولوجيا، ولذلك ظلت تلك الفترة نقية الى حد الشفافية ومنفلتة الى حد الحراشة.
لقد كان زوربا يلبي نداء الحياة الذي يزمجر بداخله، وقد كان هذا كافياً ليتعايش الرجل مع كل مظاهر النقص التي تكتنف الحياة.
وعلى العكس من ذلك كان نيتشه يكبح نداء الحياة بداخله تمهيداً لتحقيق غواية الكمال.. وهو ما لم يستطع نيتشه ان يحققه الا على الورق".
وبهذا التوقف الهادئ والعميق عند تقاطع المقارنة والمقاربة بين الرجلين، تنكشف اكثر صورة البناء الفكري المتواجهين بقوة الفعل والمعرفة والفكر، فالحياة لم تلب مطالب نيتشه، خذلته بمحدوديتها ازاء عقله الذي عرف بالتحديد مكامن الخلل واوجه القصور، فتمرد على الحياة، ومن ثم تمرد على نفسه وغرق في الجنون.
اما زوربا فكان ايضا يعاني ضعفا لا يمكن مغالبته تجاه كل مظاهر الضعف والرقة التي يمثلها الجزء الانثوي في الانسان، خير تمثيل، زوربا يحب الحياة وينظر اليها، رغم كل شيء بوصفها هبة، ولذلك فهو يشعر بالشفقة تجاه كل مظاهر الضعف التي تكشف كما لا يستطيع غيرها، توق الانسان الى البقاء وفزعه الشديد من فكرة الفناء.
يغوص الكتاب عميقا في فكر الكبيرين: نيتشه وزوربا، ولا يتأخر عن تقديم الاجوبة الوافية لاصول الفلسفة التي حركت وانتجت حيوية العقل عند الرجلين، وكلها تعمق في البحث والشرح، زاد من المعرفة بالاصول الفكرية التي تمتد على خطين نقيضين، لكنهما يلتقيان في تقاطعات كثيرة، وربما هذا التناقض بين الفكرين يؤجج حركة الوعي في العقل المتلقي ويجسّد له معرفة جديدة يمكن البناء عليها لقول المزيد من الفكر والفلسفة، والاهتداء الى المعرفة الاوسع.
عناوين كثيرة في الكتاب تتفرع منها الفصول والعناوين التالية، وكلها تصب في خانة التفسير الذي يفي بغرض الشرح الوافي، وفي هكذا امر تتحول الكلمات الى قاموس يمكن التوسع في شرحه وفهمه.
انه كتاب ــ محاولة لتقصي الحكمة الزوربية المندفعة كمياه شلال هادر مقابل ما جادت به قريحة الفيلسوف الالماني المثالي المسكون بحلم تحقيق الكمال على الارض، فريدريك نيتشه.
انها محاولة لقراءة فكر زوربا من خلال نيتشه وفكر نيتشه من خلال زوربا.
هذا ما يتمناه المؤلف.
غنى حليق

القبس
 
22-06-2011, 03:04 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

ابنة القدر التي عشقت السلطة بي نظير بوتو..الحياة تحت الضغط
Pictures%5C2009%5C01%5C27%5C877a5c7b-062b-4740-8227-e2d50e20987c_main.jpg


هل كانت بي نظير بوتو ضحية للتشدد الديني أم الفساد السياسي؟ هذا السؤال الذي لم تنطلق منه الكاتبة نوال مصطفى في كتابها "بي نظير بوتو ابنة القدر" الصادر اخيراً عن مشروع مكتبة الأسرة، فقد انطلقت من كونها كانت منذورة لهذا القدر المأسوي، حتى أنها استعانت بعرافة في دبي التي كانت تقيم فيها قبل عودتها إلى باكستان، قالت لها انها تتخذ الطريق الخطأ، وقالت هي في جريدة لوس أنجلوس تايمز: أعلم أن أياماً صعبة تنتظرني، لكنني أضع ثقتي في الشعب، وأضع مصيري في يد الله . وفي حين نصحها بيرويز مشرف بعدم العودة إلى باكستان، وحاول منعها دستورياً من خوض الانتخابات باستصدار قانون يمنع الترشيح لرئاسة الوزراء للمرة الثالثة، لكن عناد وكبرياء بوتو وقدرها المخبأ في باكستان كان أقوى من كل النصائح والتخويفات، ومن ثم ذهبت كي تلقى مصيرها بين أنصارها وفي البلدة نفسها التي شهدت إعدام والدها عام 1979 وهي روالبندي .

لا يمكن القول بأن بي نظيرـ التي عني اسمها في اللغة الأردية أنها بلا نظير ـ كانت تمثل طفرة أو ظاهرة في الواقع السياسي الباكستاني على مستوى شجرة العائلة، فكل المؤشرات تقول انها ورثت إرثاً سياسياً استطاعت استثماره بقدر ما تستطيع للبقاء في السلطة، حتى وإن كان ذلك على حساب أمها الإيرانية نصرت بوتو أو شقيقها مرتضى الذي حاول أن يكون خليفة للأب رئيس الوزراء السابق ذي الفقار علي بوتو، حتى أن مؤشرات حياة مرتضى تبرز أنه كان المؤهل بدرجة كبيرة للعب هذا الدور، فما أن قام ضياء الحق بالانقلاب العسكري على ذي الفقار حتى هرب مرتضى إلى أفغانستان الواقعة تحت السيطرة الروسية آنئذ وقام بتكوين تشكيل مسلح "جناح ذو الفقار" لمناهضة الحكومة غير الديموقراطية التي رأسها ضياء الحق، وتوزعت عناصر التشكيل بين أفغانستان وباكستان وإيران وعدة دول أخرى، وقاد حملة عالمية لمنع ضياء الحق من إعدام ذي الفقار، واستبدال الحكم بالسجن أو تحديد الإقامة الجبرية، ورغم أن مرتضى نجح في ذلك بشكل كبير غير أن ضياء الحق لم يلتفت لأي من التوسلات العالمية وقام بإعدام رئيسه السابق في ابريل 1979.
السجن و الرأي العام
كانت بوتو في ذلك الوقت ما بين السجن وإثارة الرأي العام لوقف إعدام ذي الفقار، ورغم أنها هي التي أرسلت إلى وكالات الأنباء بأن والدها سيعدم في صباح الغد، غير أن دورها السياسي لم يكن بارزاً بالقدر الكافي، فقد تولت الأم نصرت بوتو قيادة الحزب عقب إعدام ذي الفقار، وما لبثت أن اعتقلت هي وبي نظيربعدما أجل ضياء الحق إجراء انتخابات رئاسة الوزراء، لكنها – الام - مرضت بالسرطان، وطلب أطباؤها من ضياء الحق إخراجها للعلاج، فخرجت إلى لندن.
وبعد أن أنهت بي نظيرفترة الاعتقال تولت رئاسة الحزب، لكنها ما لبثت أن أجبرت على الخروج، فلحقت بوالدتها، ثم عادت عام 1986 لتقود حزب الشعب، وتزوجت من رجل الأعمال عاصف زرداري الذي يصغرها بثلاثة أعوام عام 1987، واغتيل ضياء الحق وعدد من مسؤوليه العسكريين بتفجير طائرتهم العسكرية عام 1988، وتهيأت البلاد لدخول انتخابات فاز بها حزب الشعب بأغلبية ضئيلة، وشكلت بي نظير حكومة ائتلافية في ديسمبر من العام نفسه، لتكون أول رئيسة وزراء في بلد إسلامي، فاستمرت في السلطة لمدة عامين من القلاقل والاتهامات بالفساد والتهديد بسحب الثقة، حتى أقالها الرئيس الباكستاني اسحاق خان في أغسطس 1990 بموجب سلطاته الدستورية في إقالة الحكومة والدعوة لانتخابات جديدة، فاز بها نواز شريف.
وظلت بوتو من عام 90 حتى عام 93 تناضل ضد اتهامات الفساد التي لاحقتها وزوجها، هذا الذي اكتسب مسمى زرداري عشرة بالمائة، نظراً لحصوله على هذه النسبة من الصفقات التي كان يقوم بها، كما دب الخلاف بينها وبين أمها نصرت بوتو التي عادت من الخارج، وأصبحت عضوة في المجلس التشريعي، كما أصبحت نائباً لرئيس الوزراء إسحاق غلام خان، كان الخلاف بسبب عودة شقيقها مرتضى الذي سعى إلى أن يكون زعيم الحزب، أو ساعدها الأيمن فيه، على أن تترك زوجها عاصف زرداري، لكن بي نظير التي فازت للمرة الثانية برئاسة الوزراء من عام 1993 حتى 1996 تمسكت بعنادها، بل وزادت من دور زوجها في السلطة، فعينته وزيراً للاستثمارات الخارجية، ووسعت في نفوذه وصلاحياته، حتى قيل ان عائلة بي نظير اختلست ثلاثة مليارات دولار وهي في السلطة، وقال مسؤول باكستاني ان هذه الأموال من تجارة المخدرات.
وظل الخلاف قائماً بين بي نظير وأخيها مرتضى الذي سعى للتحاور مباشرة مع عاصف زرداري، لكن اجتماعهما معاً أتي بتعميق أكبر للخلاف، وانتهى الأمر بمقتل مرتضى في سبتمبر 1996، ورغم أنه لم توجه إدانة قانونية لبي نظير أو زوجها في ذلك، غير أن كل أصابع الاتهام الشعبية اتجهت نحوها، ومن ثم حين أقالها رئيس البلاد بتهمة الفساد، ووقفت وزوجها في المحكمة الباكستانية لتواجه تهمتي الفساد واستغلال النفوذ، ومثلما قضت ثلاث سنوات في السجن عقب فترتها الأولى في رئاسة الوزراء قضت ثماني سنوات عقب الفترة الثانية، وجمدت الحكومة الباكستانية أرصدة عائلة بوتو في البنوك السويسرية، بينما رفضت بريطانيا أن تفعل هذا فيما يخص أموالهم في بنوكها بحجة أنه لا يوجد قانون بين البلدين يسمح بهذا، وقد نال حزب بوتو هزيمة ساحقة أمام نواز شريف عام 1997.
مصير زوجها
وبعد ثلاث سنوات من خروج بوتو من السلطة خرجت بمحض إرادتها من باكستان بأمها وأولادها إلى لندن ثم دبي كي لا تواجه مصير زوجها، ففي يونيو 1998 وجهت مجموعة من المحامين السويسريين اتهاماً لبوتو وزوجها بغسل الأموال في البنوك السويسرية، وفي إبريل 1999 أدانتها محكمة في مدينة روالبندي الباكستانية بتهمة الفساد، وحكمت عليها بالسجن لمدة خمسة أعوام ومنعها من ممارسة العمل العام، وفي ابريل 2001 نقضت المحكمة الدستورية العليا حكم محكمة روالبندي وأمرت بإعادة المحاكمة، لكن بوتو التي دفعت بأوراقها من لندن لم تحضر، وحكمت المحكمة عليها بالسجن ثلاث سنوات، وفي عام 2002 صدر قرار بمنعها من دخول البلاد لعدم حضورها المحكمة، كما أقر برويز مشرف تشريعاً يقضي بعدم السماح بالترشيح للمرة الثالثة لرئاسة الوزراء .
لكنها بحكم علاقاتها مع واشنطن ولندن استطاعت أن تقنع كلا البلدين بأن تتقاسم السلطة مع برويز مشرف لمنع باكستان ذات القوى النووية من السقوط في براثن الإسلاميين، وستكون بمنزلة توازن قوي أمام نفوذهم المتزايد في الجيش وغيره من المؤسسات الإسلامية، هذه التي تربطها بدرجات متفاوته علاقات مع جماعة طالبان المتمركزة على الحدود في أفغانستان، كما أنها ستجعل باكستان جناحاً قوياً في مواجهة محور الشر المتمثل في طالبان وكوريا وإيران حسب التصور الاميركى.
ويبدو أن برويز لم يكن راغباً في هذا الاتفاق، لكنه أصدر قراراً بالعفو عن بعض السياسيين ومنهم بي نظير التي نشطت في التصريح بأنها ستكون رئيسة الوزراء الباكستانية المقبلة، ومن ثم يمكنها إقامة علاقات مع إسرائيل، بل وزيارة الدولة الصهيونية في عقر دارها حال فوزها برئاسة الوزراء، لكن هذه الرئاسة لم يكن برويز مشرف ولا الإسلاميون يرغبونها في الوقت نفسه.
صدام بين الأسلمة والتغريب
لا يمكن القول ان مجهودات زرداري وحدها هي التي جلبت اللعنة على كليوباترا الجديدة حسبما حاولت أن تظهرها نوال مصطفى في كتابها المتعاطف بوضوح مع أول رئيسة وزراء في دولة إسلامية، فهذه اللعنة قديمة قدم شجرة عائلة آل بوتو السياسية في باكستان، وبالتحديد منذ جدها شاه نواز الذي تلقى تعليمه العالي في انكلترا، وعاد ليعمل في السياسة على نقيض والده خودا بوكس الذي كان موظفاً في السكك الحديدية بالهند، ومن ثم أصبح نواز واحداً من كبار السياسيين بمدينة جوناجاد، وجمع ثروة جعلته أكبر مالكي الأراضي في المدينة وعلى رأس قائمة أغنى أغنياء إقليم السند، وتزوج من خورشيد بيجم التي اسلمت وانجبت له ولدا وثلاث بنات، ولم تقل لنا نوال مصطفى عن ديانة لاخي باي قبل أن تصبح خورشيد بيجيم، لكنها قالت أن نواز أنشأ حزب شعب السند عام 1940، وكان على علاقة طيبة بممثل الحكومة البريطانية والحاكم العام لباكستان اسكندر علي ميرزا، الذي تحول فيما بعد إلى رئيس جمهورية باكستان بعد استقلالها عام 1956، وقد جعلت هذه العلاقة من نواز سياسياً شهيراً رغم أن دوره انصب فقط على إقليم السند .
كان الولد الوحيد الذي انجبه نواز هو ذو الفقار علي، ومن ثم أهله من صغره لأن يكون وريثه السياسي، فتلقى تعليمه الأولي في المدرسة العليا لكاتدرائية بومباي، ثم استكمل دراساته العليا في جامعة كاليفورنيا بأميركا ، ثم جامعة بركلي، ثم جامعة اكسفورد في بريطانيا التي حصل منها على شهادة الحقوق، وتزوج مرتين الأولى من ابنة عمه لكنه لم ينجب منها، والثانية من الإيرانية نصرت أصفهاني فانجب منها أربعة أبناء، بي نظيرعام 53 ومرتضى عام 54، وسانام المولودة عام 57، وشاه نواز عام 1958، وتأثر بشخصية مؤسس باكستان محمد علي جناح، واشتغل بالمحاماة عقب عودته من الدراسة في الخارج، ولمع اسمه عام 54 بسبب رفضه للانفصال بين باكستان الشرقية والغربية، وزادت شهرته - حسبما تقول مصطفى- حين سافر عام 57 مع الوفد الباكستاني لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، وألقى فيها الخطاب الرسمي لبلاده وهو في عمر 29 عاماً، ورأس وفد بلاده في العام التالي في أول مؤتمر دولي في جنيف لمناقشة قانون البحار، وفي العام نفسه صار وزيراً للتجارة في عهد اسكندر ميرزا، ليكون أصغر وزير في باكستان، ثم شغل منصب وزارة الخارجية من 63 حتى 66، وأحدث عدة انجازات كاتفاقية الحدود بين الصين وباكستان عام 63، ولكنه مع تفاقم الخلافات بينه وبين الرئيس محمد أيوب خان الذي خلف ميرزا خرج ذو الفقار من الوزارة، وأسس في العام التالي 1967 حزب الشعب الباكستاني، وفي عام 71 هزمت باكستان هزيمة ساحقة من الهند، كان من نتائجها أن استقلت باكستان الشرقية تحت مسمى بنغلادش عن باكستان الغربية، فاستقال أيوب خان وفاز حزب الشعب في الانتخابات البرلمانية وأصبح ذو الفقار رئيساً للوزراء، وخلال رئاسته اتخذ منحى اشتراكياً فأمم البنوك واهتم بالصناعات الثقيلة واستطاع الحصول على مفاعل ذري من فرنسا، وانسحب من الكومنولث عقب اعتراف بريطانيا ببنغلادش، وتوصل عام 1972 إلى اتفاقية مع الهند استعاد بمقتضاها الأراضي الباكستانية المحتلة.
لكن كل هذه الانجازات لم تستطع أن تشفع له أمام التيار الإسلامي المتزايد، فقد رأوه يتخذ موقفاً علمانياً في البلاد، ويحدث تقارباً مع الشيوعية في روسيا والصين، سواء من خلال العلاقات أو الزي الصيني الذي يرتديه، ومن ثم نهضت المعارضة الإسلامية، وقام ذو الفقار عام 1976 بترقية وتعيين ضياء الحق الذي لم تكن له أي مطامع أو ميول سياسية إلى قيادة الجيش كي يكون مؤتمن الجانب.
لكن المعارضة زادت، ودخلت البلاد في حالة من الفوضى عقب مقتل الزعيم الديني مفتي محمود، واستدعى الجيش للسيطرة على الأوضاع، لكن الجنود القادمين من إقليم البنجاب رفضوا مواجهة المتظاهرين، فاستغل ضياء الحق ضعف ذو الفقار والأحزاب السياسية عن مواجهة الفوضى وقام بانقلاب أبيض اعتقل فيه الحكومة وفرض الأحكام العرفية، وبعدها أفرج عن ذو الفقار وحدد موعداً للانتخابات البرلمانية لكنه شعر أن حزب الشعب قوي وقادر على كسبها، فاعتقل بوتو من جديد بتهمة قتل مفتي محمود وسوء استغلال السلطة، وانتهى الأمر بإعدامه في 4 يوليو 1997.
جمع العلاقات
ومثلما أورث شاه نواز ابنه ذو الفقار السياسة، وساعده على أن يكون أصغر وزير في السلطة الباكستانية، ووضعه على الطريق الغربي لتعلم السياسة والعلم وجمع العلاقات، فقد فعل ذو الفقار بأبنائه خاصة بي نظير التي أوصى أن تكون رئيسة الحزب من بعده رغم أنها لم تبلغ الثلاثين من عمرها، فقد تعلمت في هارفرد الأميركية، ثم نقلها الى اكسفورد البريطانية قليلة الخدمات بالنسبة للجامعة الأولى، والأكثر جدية في تعليمها منها، وحين اشتكت له ما تعانيه قال لها ان عليها أن تتقبل وضعها الراهن كي تتعلم كيفية العمل تحت ضغط، لكنها حين عادت عقب الدراسة لم تشهد من حكم والدها غير عام واحد حدثت بعده المأساة، وكان عليها أن تعمل حسب منهج اكسفورد، ومن ثم فقد جلبت لنفسها الضغوط سواء باستمرارها في زواجها من زرداري أو تحديها للرغبات الشعبية المناهضة لبقائه في السلطة وعلاقاتها البريطانية والأميركية وفي النهاية الإسرائيلية، وهذا ما حاولت أن تنفيه عنها نوال مصطفى.
صبحي موسى

القبس
 
22-06-2011, 03:07 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

وفاء الخاطر لبشارة مرهج: ابن خلدون فتح باب الاجتهاد.. وجنبلاط غرّد خارج السرب
Pictures%5C2009%5C01%5C27%5C2f5384e4-fd9c-430c-a447-a98f6d0f00c2_main.jpg


إذا كان لكل امرئ من اسمه نصيب، فإن للكتب ايضا من اسمها نصيبًا احيانا كثيرة. فالكتاب الصادر عن دار رياض نجيب الريّس لبشارة مرهج، واسمه {صفاء الخاطر}، تحمل مقالاته الموزعة بين السياسة والفكر صفاءً في الخاطر والرؤية معاً، مضافة إليهما النظرة الرحبة في المعالجة التي تنطلق في الايجابي، ولكن من دون أن تهمل السلبي. ومقالات الكتاب تعرض بالتقييم شخصيات من التراث مثل الفيلسوف الاندلسي ابن رشد، وشخصيات من زماننا الراهن مثل جمال عبدالناصر وياسر عرفات وميشال عفلق وانطون سعادة وحميد فرنجية وشارل حلو وكمال جنبلاط وجورج حبشي وادوار سعيد ومنح الصلح ومنصور الاطرش ومحمد مهدي شمس الدين ورشيد سليم الخوري (الشاعر القروي) ومصطفى الغلاييني وخليل حاوي وسواهم من المفكرين والسياسيين والمثقفين، وهو ما يجعل من الكتاب وثيقة فكرية تتصف أكثر ما تتصف به بالنزاهة والتجرد والموضوعية، وهي صفات عرفها في مؤلفه كل من عرفه واتصل به.

ابن رشد في الكتاب فيلسوف ومفكر اسلامي كبير، رأى باب الاجتهاد موصدا ففتحه بنفسه عن طريق القراءة والبحث والتفكير، معتمدا رؤية علمية واقعية ومنهجية تحليلية ثاقبة ليتجاوز حالة السكون التي كانت سائدة، ويبني حالة جديدة تتصل بما كان جوهريا في الماضي وتقطع مع من كان عرضيا في ايامه. {وتقديرنا لابن رشد اليوم يكون في توظيف أفكاره في مسيرتنا الحضارية، فنتخطى بواسطتها، كما بواسطة غيرها، حالي التخلف والتداعي اللتين نعيشهما لنعود فنمارس دورنا في هذه المسيرة، مشاركة وتأثيرا، من دون ان نخسر حقيقتنا ورسالتنا}.
وعند بحثه في أسباب انحدار ثورة يوليو عام 1952 التي تزعّمها جمال عبدالناصر، لا يفوته وهو يتحدث عن ايجابياتها ان يشير الى سلبياتها فيلاحظ، على سبيل المثال، ان السبب الرئيسي في تراجع هذه الثورة يعود الى انخفاض منسوب الديموقراطية وانحسار قيم الحوار والتواصل داخل صفوف الثورة والنظام. وفي ظل هذا النقص الفادح في الحياة الديموقراطية وسواها من الظواهر السلبية دبّ الوهن في دولة الوحدة وفشلت في استكمال اندفاعاتها.
أما كمال جنبلاط فكان طائرا يغرد خارج سربه من الساسة اللبنانيين الذين عاصرهم. بل كان بأفكاره ومواقفه وسلوكه اليومي نموذجا فذا في الحياة اللبنانية، الأمر الذي جعله يحتلّ على الدوام مكانة تتجاوز الخانة المحددة لكل سياسي في نظام الطوائف والمناطق والعائلات والقبائل السياسية لقد جمع جنبلاط بين السياسة والثقافة على نحو فريد، فكان بين السياسيين مثقفا يُدخل الى الحوارات السياسية نكهة، ويعطيها بعدا، ويمنحها افقا وكان بين المثقفين سياسيا بارعا، يحول الثقافة الى حركة فعل يومية ويحررها من البرج عاجية التي كثيرا ما تكون مصدر ارباك واغتيال لها.
وفي الكتاب مداخلة تعرض لمنح الصلح وتأثيره في الحياة الفكرية والسياسية والثقافية اللبنانية، فمنح الصلح فقيه في السياسة استاذ في الادب، ضليع في التاريخ، مبدع في الصحافة وهي ملعبه المحبب، حتى لا نتحدث عن الاجتماع والتربية والانسانيات والفلسفة باعتبارها فن تحويل المجهول الى معلوم، منح الصلح نجم المنتديات الفكرية والسياسية بلا منازع، هذا ما يُجمع عليه الكتاب اللبنانيون والعرب الذين اسسوا له العمادة، علما بان الكتاب ليس من السهل عليهم الاتفاق على امر او على شخص وهم الذين يتقنون الصنعة من باب المغايرة.
وفي الكتاب نص محاضرة لبشارة مرهج عن العلامة الكبير الراحل الشيخ مصطفى الغلاييني تحيط بشخصيته وتعيدها من جديد الى دائرة الضوء، والغلاييني وان اعجب بتقدم الغرب وتطوره، فان اعجابه لم يبلغ درجة الانبهار والتقليد، وهو وان وعى واقع التخلف العميق الذي تعيشه امته، لم يُصب بالاحباط او المكابرة، والاسلام في نظره ليس ايمانا وفرائض فحسب، وانما هو دين العقل والايمان، لذلك تراه في كتاباته، يستخدم المأثور الثابت في التراث.
وعن تحليله لشخصية الدكتور خليل سعادة، وهو من مفكري عصر النهضة يعرض لقوله: {ان ديانات الشرق كانت من اعظم البواعث على استبداد حكامه به}، ليرى في هذا القول موقفا لابد ان يخضع للمناقشة، {فالمشكلة كما ارى ليست في الدين وانما في استخدام الدين اداة في وجه التقدم والتحرر، وكم من مرة كان التمسك بحبل الايمان حافزا للصمود في وجه القهر وطريقا للتحرير والاستقلال}.
وفضيلة الرئيس شارل حلو هي في انه ارتقى في مسارح العمل السياسي من السفح الى القمة، من دون ان يسمح للسياسة ان تسلبه ملكة الابداع وصفاء السريرة والقدرة على احترام ما في داخله من افكار وقناعات ومواقف.
ويظفر الشاعر القروي بمقال جميل في الكتاب يتحدث عن جوانب شتى في شخصيته، فإذا كان لشعراء الملاحم ابطال اسطوريون فلشعرائنا العرب ابطال حقيقيون يلامسون آفاق الابطال الاسطوريين، كذا كان سيف الدولة الحمداني مع ابي الطيب، والمعتصم مع ابي تمام، اما القروي فابطال قصائده هم ابطال الامة الذين سطروا الصفحات الناصعة، علما ان الرحلة مع القروي في شعره الوطني والقومي اذا كانت تتوهج وتتجدد، فان جوانب اخرى في شعره ليست اقل اغراء وانحرافا، ففي غزله على سبيل المثال صور في العفة والعنفوان تقرّ به الى غايات من الطهارة تقارب المثالية.
وعن خليل حاوي: {وقبل أن يزول السحر عنا ونحن في ميعة الصبا تشدّنا احلام تسافر بنا الى اودية وجبال، هبط علينا من عالم آخر شاعر أليف رقيق، قوي معقّد، كان اسمه خليل حاوي فوقف بيننا ومعنا، وراح يحدّثنا عن الفن والنقد والادب حتى شعرنا بالظمأ يشتدّ كلما اوغل في البحث والتحليل، الى ان امتطى صهوة الشعر من داخله، فدانت له العبارة وانصهرت المعاني شلالا متدفقا يجرفنا الى عالم الحقيقة ونهم الرماد، ويتبحر بنا من الكينونة الى العدم، وينطلق بنا من الموت الى الانبعاث، فنعيش مع الشاعر رؤياه، ونكتشف فيه ذلك الجرح الغامض الذي كان ينزف في صدره قبل الزمان، فنعبر معه جسرا بعد جسر، من مستنقع الشرق الى الشرق الجديد. ان القصيدة بين يدي خليل حاوي كائن رائع ينبض بالحياة، يشدّنا الى اليقظة الكونية}.
وتحت عنوان {عاصي الرحباني: ضمير الناس في زمن الذئاب}، يقول بشارة مرهج ان عاصي الرحباني هو من تلك الومضات النادرة التي لم يصرعها الموت. فهو مهما ابتعد متلفتاً، يبقى في ضمير الناس سترا دافقا يؤنس وحشتهم في زمن الذئاب، وينبوعاً حالماً يروي عطشهم في عالم الصحارى. مع فنه يغادرنا الخوف ويفارقنا الانتباه، ويحلّ محلهما فيض عاطفي رقيق وانخفاض روحي مؤثر، كما يقول الشعر والموسيقى الى كائن حي يضفي على محيطه مناخاً مبهما يمتزج فيه السحر بالجمال.
بمثل هذه الروح يعالج الاديب والسياسي بشارة مرهج الشخصيات التي يتحدث عنها في كتابه. صفاء في الخاطر وفي الرؤية، واحاطة وموضوعية ونزاهة..
جهاد فاضل


القبس
 
عودة
أعلى