عروض موجزه لمحتويات كتب متنوعه

28-07-2011, 06:55 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

«بوابات مصر» يواصل ما بدأه ابن بطوطة والمقريزي
Pictures%5C2009%5C05%5C19%5C128dccba-6058-4101-ab89-5d3e050a89c5_main.jpg


فيما يشبه العودة لكتب الرحلات التي عرفت بها مجموعة غير قليلة من المؤلفين العرب، أصدرت دار المعارف مؤخرا كتابا جديدا للصحافي محمد هيكل تحت عنوان «بوابات مصر» يتناول فيه المؤلف رحلاته في مجموعة من المدن الحدودية لمصر مثلا: بلاد النوبة وحلايب وشلاتين والأقصر وسيناء ورشيد والسويس والإسماعيلية وبورسعيد راصدا ما شاهده في هذه المدن من عادات وتقاليد في مجتمعاتهم وعن ذكرياته وما تعلمه من هذه الرحلات وأثرها عليه، كما يذكر في كتابه تاريخ هذه المحافظات ويصف حدودها. في بداية الكتاب فصل يحمل عنوان «النوبة والحجر والبشر» يتحدث فيه عن بلاد النوبة وأهلها ومدى تأثير النيل في الشخصية النوبية كيف أنتجت ثقافة بلاد النوبة عبر تاريخها الطويل عددا من خيرة مثقفي مصر.

ويشير الكاتب في هذا الفصل إلى تاريخ النوبة منذ العصر الحجري وحتى الآن، ويروي ما شاهده من تراثها الشعبي الذي يتميز بالثراء والتنوع بخصوصية تميزه عن غيره نظرا الى انه نتاج ثلاث جماعات هي: الكنوز والفديجة وعرب العليقات، كما يصف شكل الحياة في النوبة من المباني وتكوينها من حجر وطمي وأسقف من جريد النخل والأرض من الرمال، كما تناول المؤلف أيضا عادات أهل النوبة وتقاليدهم في الحياة والزواج، ومنها أن يغتسل العروسان في مياه النيل جلبا للرزق.
وينتقل الكاتب إلى فصل آخر بعنوان «حلايب - أبورماد - شلاتين أرض الأحلام» هذا المثلث الذي يبلغ عدد سكانه 15 ألف نسمة يعلمون بثلاث حرف رئيسية هي: الرعي والصيد والزراعة، ويشير إلى أصول سكان المثلث التي تعود إلى قبيلة «البجا» التي كانت تعيش منذ أكثر من 4 آلاف عام وبجا تعني «المقاتل»، ومن أهم فروع البجا الهدندوه، الامرأ، الحلانقة، بني عامر، والعبابدة، والبشارية، والفروع الأربعة الأولى في السودان وأثيوبيا، أما العبابدة والبشارية فيعيشون في السودان ومصر.
ويتحدث العبابدة اللغة العربية ببعض المفردات البجاوية أما البشارية فيتحدثون البجاوية وقليلا من العربية، وتتكون مساكنهم من الخيام المصنوعة من الحصير المجدول والقماش السميك ولا تكون منازلهم ملاصقة بعضها لبعض، وتقوم النساء بإعداد المنزل وتجهيزه، أما بالنسبة لعادات الزواج فيتم عند بلوغ العروسين سن 16 عاما ويقيم العروسان عند أهل العروسة حتى تنجب طفلها الأول ثم تذهب العروس مع زوجها إلى قبيلته.
وفي فصل «الأقصر الحياة والخلود» يصف المؤلف من خلال كتابه جمال الأقصر وما بها من آثار وطبيعة ثم تحدث عن سكان الأقصر وأصولهم التي تنتمي إلى السامية والبعض يرجع إلى سلالات مصرية قديمة وعربية من شبه الجزيرة العربية ومن أهم القبائل جهينة وبيلي والفهدية، كما سكنت القصر قبائل عديدة جاءت من مكة واليمن والعراق وتركيا والأندلس، كذلك توجد سلالات يرجع نسبها إلى الفراعنة واليونان، والناس هناك ما زالوا متمسكين بالنظام القبلي القديم يحترمون كبار السن ويأخذون برأيهم في كل الأمور.
ثم تناول الكاتب سيناء جغرافيا وانها تقع في آسيا وزادت اهميتها بعد قناة السويس وأخذ يصف منطقة سيناء ثم تحدث عن عادات وتقاليد بدو سيناء وأصولهم التي ترجع إلى السامية ومن قبائل سيناء: بنو واصل والمواطرة والبدارة، وأهم القبائل الحالية الصوالحة وهم يملكون بلاد الطور وقبائل العليقات والجبالية ويسكنون في جبل موسى وسانت كاترين ويختلفون عن سائر البدو في الملامح والسمات والطباع، ولم ينس المؤلف أن يذكر الأسماء المختلفة لشبه جزيرة سيناء «أرض الفيروز والقمي وصندوق الذهب» وأطلق عليها كذلك لأنها أول منطقة شهدت صناعة التعدين وتم استخراج الذهب والفيروز من وادي المغارة، ويذكر تاريخها منذ أن حارب بها الفرعون المصري أحمس الحيثيين كما عبر من خلالها عمرو بن العاص في رحلته لفتح مصر، وهناك في سيناء قانون البدو الذي يحكم التعاملات بين الناس، ومن ذلك عادة كشف الكذب البشعة وهي لحس النار، والتعزيم وهو القراءة على الماء كما تناول عادات الزواج وتقاليده.
وهكذا استمر المؤلف في رصد عادات مجموعة من المدن الحدودية المصرية وتقاليدها والطبيعة السكانية لقاطنيها وجذورهم، بما يضفي أهمية خاصة على هذا الكتاب من حيث كونه وصلا بجهد قديم وعميق لمجموعة الكتب التي رصدت طبيعة سكان مصر من القبائل العربية من أمثال كتاب المقريزي المعنون: «الإعراب فيمن سكن مصر من الأعراب». كما يعد الكتاب أيضا حلقة جديدة من حلقات كتب الرحلات في التراث العربي.

هشام عبدالعزيز

القبس
 
28-07-2011, 08:42 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

لمرض والسلطة (1)
قرارات تاريخية مهمة اتخذها رؤساء مرضى أي علاقة بين السياسة والطب والسياسيين والأطباء؟
كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C05%5C27%5Ccb180cc5-e377-49f7-bbd8-82b695ef0cbb_main.jpg


تأليف: د. ديفيد أوين
ترجمة واعداد: محمد حسن ومحمد امين
يقدم كتاب «المرض والسلطة» لمؤلفه وزير الخارجية البريطاني الأسبق اللورد ديفيد أوين، الذي تنشره «القبس» على حلقات، دراسة للمرض وأثره في رؤساء الدول. وينظر في كيفية تأثير المرض والعلاج البدني والنفسي، في عملية إدارة الحكم وفي اتخاذ القرارات التي قد تقود إلى التصرفات الحمقاء أو الغبية أو الطائشة.
ويهتم الكاتب بصفة خاصة بالزعماء الذين لا يعانون من المرض بالمعنى العادي، ومن تعمل وظائفهم الإدراكية بصورة جيدة، ولكنهم أصيبوا بما يطلق عليه «متلازمة الغطرسة»، التي أثرت في أدائهم وتصرفاتهم. ومثل هؤلاء الزعماء يعانون من فقدان القدرة والوثوق المفرط في النفس، وازدراء النصيحة والمشورة التي تتعارض وما يعتقدونه، بل وحتى رفض أي نصيحة مهما كانت.
ولقد ظل الدكتور ديفيد اوين ومنذ فترة طويلة يهتم بالعلاقة المتبادلة بين السياسة والطب، وهو يستخدم في الكتاب معرفته الواسعة في المجالين للنظر في المرض ضمن حالات مختلفة في حياة السياسيين، وما إذا كان من الممكن حماية المجتمعات من مرض زعمائها!
لقد فتنتني العلاقة بين السياسيين والاطباء وبين السياسة والطب، طوال حياتي. وما من شك في ان خلفيتي كطبيب وكسياسي غذّت اهتمامي، واثرت في وجهة نظري. لقد كنت مهتماً، بشكل خاص، في تأثير مرض رؤساء الدول على مسار التاريخ. فمثل هذه الامراض، اثارت الكثير من المسائل المهمة مثل تأثيرها في عملية اتخاذ القرار والخطر الناجم عن التكتم على مرض الزعيم وصعوبة ازاحة المسؤولين المرضى عن السلطة في كل من الانظمة الديموقراطية والدكتاتورية، والمسؤوليات المترتبة على الاطباء المعالجين للزعماء المرضى. فهل يكون ولاؤهم مقتصراً على المريض فحسب، كما هي الحال في المعتاد؟ أم ان عليهم الالتزام بأخذ الصحة السياسية لبلدانهم بعين الاعتبار؟
وعلى مدى أجيال، مارس افراد من عائلتي الطب، أو عملوا في مهن لها صلة به، وكثيرون منهم ايضاً، مارسوا العمل السياسي على مستوى محلي بشكل اساسي، وبعضهم انخرط في الطب والسياسة معاً.

الطب والسياسة
وربما يكون هذا هو السبب الذي جعلني ارى من الطبيعي ان يلعب الطب والسياسة دور الشريك الطبيعي في الحياة العامة. وعلى الرغم من طغيان السياسة على الطب لدي احياناً، فإن حبي للسياسة لم يفتر ابداً. وحين شغلت منصب وزير الخارجية، كنت اصف نفسي في الوثائق الرسمية بـ«الممارس الطبي» وكأني لا اجد في وظيفتي السياسية الا كونها مؤقتة، بل انني لم آخذ السياسة ابداً كمهنة، وكنت اخوض الانتخابات تلو الانتخابات. وفي كل مرة لم اكن واثقاً انني سوف اترشح في الانتخابات التالية، ولكنني في النهاية، مكثت عضوا في مجلس العموم لمدة 26 عاماً، وكانت الاطول من بين كل زملائي النواب.

البداية
وقد بدأت حياتي كمزيج من الطب والسياسة، حين ترشحت لاول مرة للانتخابات البرلمانية عام 1962 وانا طبيب مبتدئ في مستشفى سانت توماس على نهر التايمز مقابل قصر ويسمنستر في لندن. وكان الطب - بشكل أو بآخر - هو الذي ادخلني عالم السياسة. ففي عام 1959، وحين كنت طالباً في كلية الطب، انخرطت في حزب العمال بسبب الفقر ونقص المساكن في جنوب لندن، وهي المنطقة التي يخدمها مستشفى سانت توماس. وبعد تخرجي عام 1962، طلب مني الحزب خوض الانتخابات في منطقة ريفية كبرى، ومازلت اشعر بالحيرة حتى الآن، بقبول فكرة الترشح، ولكني اعتقد ان السبب هو للحيلولة دون ان اصبح منهمكاً في الطب وحده، حيث رأيت عدداً من زملائي الذين تخرجوا واصبحوا لا يعرفون شيئاً عن الحياة العامة سوى الطب. لقد توقفوا عن قراءة الصحف او الاستماع الى الاذاعة او مشاهدة التلفزيون.
وحين حان موعد المعركة الانتخابية عام 1964، اخذت اجازة خاصة من دون مرتب لمدة ثلاثة اسابيع ولكني لم احقق الفوز.
وحين عدت الى المستشفى ركزت على الطب وتراجع اهتمامي بالسياسة. ثم طلب مني الترشح في انتخابات عام 65، وكنت ادرك ان ذلك ينطوي على احتمال الاتجاه نحو العمل السياسي، مع اني لم اكن قد اتخذت قرارا نهائيا في هذا الشأن، ولكني فوجئت بالفوز في عضوية البرلمان في عام 1966.

في البرلمان.. والمستشفى
وخلال العامين التاليين، بقيت اعمل في المستشفى اضافة الى عملي البرلماني. ولم يعد الوضع كذلك بعد تعييني وزيرا للبحرية عام 1968 بسبب تقليد مضى عليه وقت طويل لا يسمح للوزراء بالعمل لدى اية جهة أخرى. وفي عام 1970، وبعد ان خسر حزب العمال الانتخابات بقيت عضوا في البرلمان وعاودت عملي الطبي، ثم عينت وزيرا للصحة عام 1974 ولم يحدث لأي عمل قمت به او منصب شغلته ان حقق لي هذا القدر من الرضا الذاتي بما في ذلك شغلي حقيبة الخارجية من 77 ـ 1979، وزعيما للحزب الديموقراطي الاجتماعي من 83 ـ 1987 ومن 88 ـ 1990 والرئاسة المشتركة للمؤتمر الدولي حول يوغو سلافيا السابقة من 92 ـ 1995.

العلاقة السرية
لقد مارست الطب لست سنوات عموما وتعلمت الكثير من هذه التجربة الجميلة، لقد عملت مع مجموعة من الاطباء في شتى الاختصاصات ممن عالجوا سياسيين بارزين وشهدت بنفسي الضغوط والاجهاد للحياة السياسية في اطار العلاقة السرية بين السياسي والطبيب.
لقد شاركت في علاج سياسي رفيع ادمن الكحول وآخر عانى من الاكتئاب الشديد، وقد رأيت بنفسي الضغوط التي عاشوا تحت تأثيرها حتى بدأوا يتساءلون عن مدى تأثير الاجهاد على الاصابة بالمرض. وعالجت مرضى آخرين كانوا يعانون من الادمان على المخدرات.
وفي تلك السنوات من عملي في الطب، بدأ يتنامى اهتمامي بمعرفة كيفية اتخاذ القرار في اعلى مستويات الحكومة. فقد تابعت تطور ازمة الصواريخ الكوبية عام 1962 ثم حرب فيتنام، ثم الفت عام 72 بعد عملي في وزارة الدفاع، كتابا حول عملية اتخاذ القرار وتعقيداتها والاخطار المترتبة عليها.
فالكل يعرف القول المأثور للورد أكتوز بأن «السلطة تفسد والسلطة المطلقة فساد كلي»، وقول المؤرخة باربارة توشمان بأن القوة تولد الحماقة.

متلازمة الغطرسة
ومدى تأثير المرض على عملية اتخاذ القرار الحكومي هي مسألة واجهتها في كثير من المناسبات حين اصبحت وزيرا للخارجية، وحظيت المسألة باهتمامي منذ لك الحين. لقد كنت مفتونا بأولئك الزعماء الذين لم يكونوا مرضى وكانت حواسهم الادراكية تعمل بشكل جيد لكنهم طوروا ما اصبحت اصفه بـ«متلازمة الغطرسة»، فالتصرفات الي تنم عن غطرسة شائعة لدى رؤساء الدول الديموقراطية وغير الديموقراطية اكثر مما يعرف الكثيرون. وقد طورت المجتمعات الديموقراطية، لاسيما تلك التي كانت تخضع لانظمة سلطوية، نظاما للرقابة في محاولة لحماية انفسهم من مثل هؤلاء القادة، ولكن آليات تحقيق ذلك ـ كالبرلمان والحكومة والاعلام ـ ليست فاعلة دائما.
أما تحت الأنظمة الدكتاتورية حيث لا رقابة ديموقراطية ولا آليات داخلية للرقابة والضبط، باستثناء الانقلاب العسكري لاطاحة مثل هذه الأنظمة، ففي الغالب يتعذر عمل الشيء الكثير، فقد ثبت أن التنديد والعقوبات الدولية ليست ذات فاعلية كبيرة، كما أن التدخل العسكري الأجنبي هناك الكثير من علامات الاستفهام على امكانية نجاحه.

فساد السلطة
لقد كنت محظوظا للعمل في حكومة رئيس الوزراء هارولد ويلسون ورئيس الوزراء جيمس كالاهان اللذين لم تفسدهما السلطة، وفشل الأول في انتخابات 1970، والثاني في انتخابات 1979. لقد كانت تجربة قاسية. لكن السياسي في النظام الديموقراطي هو خادم الشعب الذي يمنحه السلطة ويسحبها منه وقتما يشاء.
خلال فترة ولايته الأولى من 64 ــ 1970، كان ويلسون يتمتع بسلطة ممتازة على الرغم من أنه عانى بعض المتاعب الصحية في بداية السبعينات وهو في صفوف المعارضة. وبعد عودته إلى السلطة عام 74، كان يعاني مشاكل في الذاكرة وتفاقمت مشكلاته الصحية مع المشاكل السياسية والاقتصادية التي واجهته. ففاجأ الجميع بالتنحي عام 79. وبعد سنوات قليلة أصيب بمرض الزهايمر مع تدهور شديد في نشاط دماغه.
وخلفه في الحكم جيمس كالاهان على الرغم من أنه كان يكبره بعدة سنوات. وكان كالاهان قد خضع لعملية استئصال البروستاتا عام 1972 ثم شفي منها تماما واصبح وزيرا للخارجية عام 1974. وظل يتمتع بصحة جيدة أثناء توليه رئاسة الحكومة ثم خسر الانتخابات أمام مارغريت تاتشر عام 1979، لكنه خرج من «واننغ ستريت» بشرف وكرامة.
وتسنى لي كذلك، أن أتعايش عن قرب مع أربعة رؤساء وزارات بريطانيين آخرين هم!! إدوارد هيث ومارغريت تاتشر وجون ميجور وطوني بلير. لقد حاولت تفحص حالات مرض رؤساء حكومات من مختلف أنحاء العالم لمحاولة إيجاد صلة بين الحالة الصحية لهؤلاء الزعماء والحوادث السياسية التي ارتبطت بهم، حتى يتمكن القراء من الحكم بأنفسهم على الترابط بين العنصرين.

العضوي والعقلي
وتتم مناقشة مرض القادة السياسيين في العلن حين يكون عضويا، لكن الأمر يختلف حين يكون المرض عقليا. لأن أوصاف الأمراض العقلية كالجنون والهلوسة والغطرسة وجنون العظمة، كلها مرتبطة بطغاة من أمثال أدولف هتلر وعيدي أمين وماوتسي تونغ وسلوبودان ميلوسوفيتش وروبرت موغابي وصدام حسين. من جهة وزعماء ديموقراطيين مختلفين مثل ثيودور روزفلت وليندون جونسون وريتشارد نيكسون ومارغريت تاتشر وطوني بلير وجورج بوش من ناحية أخرى. فالصحافة والرأي العام يستخدمان لغة هجرها الطب أو عدلها أو حظر استخدامها.
فأمراض مثل الاكتئاب والأمراض العقلية تصيب الكثير من الزعماء ولا تنقض أهليتهم لممارسة الحكم، فمن المعروف ان حالة ابراهام لينكولن تعتبر من اشهر حالات الاكتئاب التي لم تؤثر في مقدرته على الحكم, وهناك القليل من الزعماء في العالم الذين أصيبوا بالاكتتاب لفترة طويلة مثل لينكولن، ومع ذلك رفض الأخير التنحي عن الحكم. ففي سنوات شبابه عانى طويلا من تقلبات مزاجه التي كانت تميل نحو الادنى، بل انه كتب مقالة ذات يوم اعترف فيها انه فكر في الانتحار، حتى قال انه يشعر بالسعادة بصحبة الاخرين، ولكنه حين يكون وحيداً يشعر بالاكتئاب لدرجة انه يخشى حمل سكين صغيرة.
ويعتبر لنكولن واحداً من اعظم الرؤساء الاميركيين، ويبدو ان قدرته على التغلب او التأقلم مع الاكتئاب اسهم كثيرا في تشكيل شخصية الرئيس لينكولن، فقد وجد احد مؤلفي الكتب حول لينكولن انه لم يكن مصابا بالجنون، لكنه يعتقد انه من الممكن ان يكون مصابا باحد انواع المس المعتدل. وقيل ان كلا من تيودور روزفلت ونيكيتا خروتشوف كان مصابا به.

يرفضون التشخيص
وكلما حدث ان شخّص الاطباء اصابة احد الزعماء بمرض عقلي، يرفض الجمهور تصديق هذا التشخيص لا سيما اذا كان يتعلق بزعماء اصبحوا ابطالاً قوميين. وزعم ثلاثة اطباء في وثيقة نشرت مؤخراً ان الرئيسين تيودور روزفلت وليندون جونسون كانا يعانيان من تقلب المزاج بين الحالة القصوى من الفرح والاكتئاب الشديد اثناء فترة رئاستهما، والمثير في الامر ان الرأي العام يبدو مستعدا لقبول ان يكون بطله القومي يعاني من الاكتئاب، لكنهم اقل ميلا لاعتبار ذلك مرضا عقليا. لقد قيل على سبيل المثال ان وينستون تشرتشل كان مصابا بهذه الحالة ايضا، ولا احد ينكر انه كان يصاب بنوبات عميقة من الاكتئاب كان هو نفسه يطلق عليها مزاج «الكلب الاسود» لكن هناك رفض للاقرار بكون الغطرسة حالة مرضية.
لقد فتن الكثير من كتاب المسرح بموضوع غطرسة الحكام، لانه يوفر لهم الفرصة لسبر اغوار الشخصية الانسانية من خلال الدراما المتوترة. وكان شكسبير ابرز من ابدع في هذا المجال.
وربما يتوقع الناس او يريدون من زعمائهم ان يكونوا مختلفين عن المألوف، وان يتمتعوا بطاقة غير عادية والعمل لساعات اطول، وان يتمتعوا بدرجة عالية من الثقة بالنفس، اي باختصار التصرف بطريقة يعتبرها مهنيو الطب، ضربا من الجنون. وهكذا فطالما يحاول القادة انجاز ما يريد الجمهور انجازه، فان هذا الجمهور لن يقبل ان يوصف قادته بالجنون او الاضطراب العقلي، ولكن حتى يفقد هؤلاء الزعماء تأييد الرأي العام، يصبح الامر مختلفا تماماً فيصبح الرأي العام مستعدا لاستخدام كلمات كانوا يستنكرون استخدام رجال الطب لها.

الجمهور والطب والزعيم
ولم يعد الطب يتحدث عن «جنون العظمة» كمرض، ومع ذلك يبدو لي انه لامر مشروع ان يستخدم الجمهور هذه الكلمة. لقد اتهمت انا نفسي، من احد الصحافيين بأنني مصاب بشكل من اشكال جنون العظمة لانني رفضت اندماج حزبي الديموقراطي الاجتماعي مع حزب العمال عام 1987 لانه كان يعتقد انني ارتكب بذلك حماقة ناتجة عن اضطراب عقلي اصابني في وقت ما، ولكن اذا كان الطب توقف عن استخدام مصطلحات مثل «جنون العظمة» فهذا لا يعني حظر استخدامها على الجمهور، فقد يكون جنون العظمة خطيرا بالنسبة للسياسيين، لاسيما اذا مورس على نحو متغطرس، وقد يكون موضوعا جيدا للدراسة ضمن مهنة الطب، فالغطرسة لم تعد مصطلحا طبيا.

فقدان الأهلية
وبالنسبة لي، فان ما يعنيني لدى مراقبة الزعماء السياسيين هو الغطرسة باعتبارها شكلا من اشكال فقدان الأهلية، وهذه حالة مألوفة جدا في عمل القادة السياسيين الذين يجعلهم نجاحهم يشعرون بثقة مفرطة ويزدرون نصائح الآخرين التي تتعارض مع ما يؤمنون به، بل واحيانا يقللون من شأن أي نصيحة مهما كانت، او اولئك الذين يتصرفون بطريقة تتجافى مع الحقيقة ذاتها.
لقد اردت استكشاف ما اذا كان السلوك المتغطرس من هذا النوع من القادة السياسيين يمكن ربطه بانماط معينة من الشخصية التي تجعله ميالا للتصرف على نحو متغطرس، وما اذا كان هذا النوع من الشخصية يخلق ميلا لدى هؤلاء السياسيين للتصرف بالشكل الذي يتصرفون به، والأكثر اثارة للاهتمام هو ما اذا كان بالامكان ان يبدأ بعض القادة السياسيين الذين ليس لديهم مثل هذا النوع من الشخصية، بالتصرف بشكل متغطرس - ببساطة - لانهم اصبحوا في سدة الحكم. بمعنى آخر، هل يمكن لتجربة السلطة بحد ذاتها ان تحدث تغيرات في الحالة الذهنية للحاكم تدفعه للسلوك المتعجرف؟
اعتقد انه سيكون من المفيد ان نطلق على ذلك، متلازمة الغطرسة، التي تؤثر في سلوك من هم في سدة الحكم.

متى يكون الزعيم متغطرسا؟
وعادة ما تزداد قوة الاعراض السلوكية التي قد تثير تشخيص متلازمة الغطرسة بازدياد طول فترة بقاء الحاكم في السلطة، وفي اعتقادي، اننا حتى نحكم على هذا الحاكم او ذلك انه مصاب بمتلازمة الغطرسة، فينبغي ان تظهر عليه 3 - 4 اعراض من قائمة الاعراض التالية‍:
* الميل لرؤية العالم كساحة يمكنهم ممارسة السلطة فيه والسعي نحو المجد وليس مكانا يعج بالمشكلات التي تحتاج الى حل بطريقة براغماتية وبعيدة عن الانانية.
* الميل الفطري لاتخاذ خطوات تجمّل صورته.
* الاهتمام المفرط بصورته وطريقة عرض نفسه على الجمهور.
* الطريقة التبشيرية في الحديث عما يفعله والميل نحو تمجيد الذات.
* الصاق النفس بالدولة لدرجة اعتبار الامرين متطابقين (انا الدولة والدولة انا).
* الرغبة في الحديث عن النفس بلفظ الجمع (نحن).
* الثقة المفرطة بالنفس وبالقدرة على الحكم على الاشياء وازدراء نصائح وانتقادات الآخرين.
< المبالغة في الشعور بالقدرة على الانجاز الشخصي.
< الايمان بانه ليس محاسباً امام القوانين او الرأي العام، بل امام الله والتاريخ.
< ايمان لا يتزعزع بأن حكم الله والتاريخ سينصفه.
< عزم لا يلين وتهوّر ودافع قوي.
< انقطاع صلته تماما بالواقع، الذي يكون مترافقا في العادة بالعزلة المتزايدة عن العالم.
< الميل لجعل رؤاهم العامة او قناعاتهم ولا سيما المتعلق منها بالاستقامة الاخلاقية او اساليب العمل، تلغي البحث عن الجوانب الاخرى لها كالخصوصية والكلفة وامكانية حدوث نتائج غير مرغوب فيها، والرفض المطلق لتغيير مثل هذه القناعات.
< الاتصاف بما يشبه العجز في تنفيذ السياسات، وهو ما يمكن ان يطلق عليه «العجرفة العاجزة» اي اتجاه الامور نحو الخطأ بسبب الثقة الزائدة للقائد بنفسه تحديداً، واحجامه عن مناقشة ايجابيات وسلبيات هذه السياسات.

مرض سلطة
وتبدأ معظم المتلازمات، متلازمات الشخصية، بالظهور عند الناس في العادة في الثامنة عشرة وتمكث معهم حتى نهاية العمر، وتختلف متلازمة الغطرسة بأنه ينبغي عدم النظر اليها باعتبارها متلازمة شخصية، بل قد تظهر على اي زعيم لكن شريطة اي يكون في الحكم، وتحديدا حين يعزز هذا الزعيم سلطاته لبعض الوقت، وتخبو هذه المتلازمة حين يفقد هذا الزعيم السلطة، وبهذا المعنى، فهي مرض مرتبط بالسلطة اكثر من ارتباطها بالشخص، ومن الواضح ان ظروف تسلم السلطة تؤثر كثيرا في احتمال استسلام القائد لها.
اما العوامل الخارجية المؤثرة فهي النجاح الساحق في الوصول الى السلطة والاحتفاظ بها، وتحرر القائد من القيود السياسية بما يسمح له بممارسة السلطة الشخصية كما يريد، وطول فترة البقاء في السلطة.
والمجتمع الطبي ليس على استعداد لاضفاء طابع طبي على السلوك المتغطرس الذي يتحدث عنه العامة على انه شكل من اشكال الجنون والخبل، ولكن لان هذا المجتمع (الطبي) شديد الانضباط (وهو محق في ذلك) في استخدام اللغة، فان ذلك لا يعني ان هذه التساؤلات ينبغي ان تطرح من قبل الفلاسفة والمحامين، اضافة الى الاطباء، ولا ازعم انني قد عثرت في هذا الكتاب على اجابة قاطعة لكل هذه التساؤلات.
ولكن الكتاب في الفصلين الاول والثاني يبحث مرض رؤساء الدول في القرن العشرين، ولا سيما خلال الفترة من 1901 وحتى عام 2007، ثم هناك خمسة فصول اخرى تتعرض لاحداث تاريخية بعينها، فالفصل الثالث يتحدث عن مرض رئيس الوزراء البريطاني ابان ازمة السويس عام 1956 انطوني ايدن، والفصل الرابع يبحث في تصرف الرئيس جون كنيدي عام 1961 اثناء ازمة خليج الخنازير وازمة الصواريخ الكوبية عندما عقد لقاء قمة بينه وبين الزعيم السوفيتي نيكينا خروتشوف، وارتباط ذلك بصحته والتغيرات في المعاملة التي حدثت بين الحالتين، والفصل الخامس يعنى بمرض شاه ايران اثناء السنوات الخمس الاخيرة من حكمه، والفصل السادس يبحث في مرض الرئيس الفرنسي الاسبق فرانسوا ميتران الذي كان مصابا بسرطان البروستاتا طوال فترة سنوات حكمه تقريبا، ولم يكن الرأي العام على علم بذلك طوال احد عشر عاما، وفي الفصل السابع؟ تجري مناقشة السلوك المتغطرس لكل من الرئيس جورج بوش وطوني بلير، وفي الفصل الثامن، طرحت بعض الافكار لحماية المجتمعات من الآثار التي قد تكون مدمرة لمرض بعض زعماء الدول.
(يتبع)

اللورد ديفيد اوين
- تولى منصب وزير الخارجية في حكومة رئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان في سبعينات القرن الماضي.
- شارك في تأسيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي وتولى زعامته في وقت لاحق. وهو الآن عضو في مجلس اللوردات.
- ظل لفترة طويلة يهتم بأثر الصحة في رؤساء الحكومات.
- لدى اللورد اوين العديد من المؤلفات في المجال السياسي مثل «أوديسا البلقان» و«متلازمة الغطرسة» وغيرهما.




Pictures%5C2009%5C05%5C27%5C18ec287a-60c8-4f40-84e3-a11b4e8f2155_maincategory.jpg
اللورد ديفيد اوين
Pictures%5C2009%5C05%5C27%5C6f5a6c1f-9c63-42ae-9c37-913253f32ce5_maincategory.jpg
• لنكولن واحد من اعظم الرؤساء الاميركيين من الممكن ان يكون أصيب باحد انواع المس المعتدل القبس
 
31-07-2011, 03:12 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

02/06/2009


المرض والسلطة 7 انطوني إيدن: المرض.. كابوس عبدالناصر.. معركة السويس
كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C02%5C7872f318-f656-4127-81bc-c524ee185599_main.jpg


ترجمة واعداد: محمد حسن ومحمد امين
يقدم كتاب «المرض والسلطة» لمؤلفه وزير الخارجية البريطاني الأسبق اللورد ديفيد أوين، الذي تنشره «القبس» على حلقات، دراسة للمرض وأثره في رؤساء الدول. وينظر في كيفية تأثير المرض والعلاج البدني والنفسي، في عملية إدارة الحكم وفي اتخاذ القرارات التي قد تقود إلى التصرفات الحمقاء أو الغبية أو الطائشة.
ويهتم الكاتب بصفة خاصة بالزعماء الذين لا يعانون من المرض بالمعنى العادي، ومن تعمل وظائفهم الإدراكية بصورة جيدة، ولكنهم أصيبوا بما يطلق عليه «متلازمة الغطرسة»، التي أثرت في أدائهم وتصرفاتهم. ومثل هؤلاء الزعماء يعانون من فقدان القدرة والوثوق المفرط في النفس، وازدراء النصيحة والمشورة التي تتعارض وما يعتقدونه، بل وحتى رفض أي نصيحة مهما كانت.
ولقد ظل الدكتور ديفيد اوين ومنذ فترة طويلة يهتم بالعلاقة المتبادلة بين السياسة والطب، وهو يستخدم في الكتاب معرفته الواسعة في المجالين للنظر في المرض ضمن حالات مختلفة في حياة السياسيين، وما إذا كان من الممكن حماية المجتمعات من مرض زعمائها!

حظي انطوني ايدن بحياة سياسية باهرة. فقد كان عضوا في البرلمان البريطاني في سن السادسة والعشرين، واصبح في عام 1935، اي في سن الثامنة والثلاثين، اصغر وزير للخارجية البريطانية في القرن العشرين، واستقال في 20 فبراير 1938 بسبب رفض نيفيل شيمبرلين رئيس وزرائه لمبادرة من الرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت حول اوروبا، وعاد لتولي منصب في حكومة وينستون تشرشل في عام 1940 كوزير مسؤول عن الجيش، ثم تولى منصب وزير الخارجية مرة اخرى في عام 1941 عندما تم تعيين لورد هاليفاكس، الذي لم يكن ليثق به تشرشل، سفيرا لدى واشنطن.
وفي عام 1945 عندما خسر تشرشل الانتخبات العامة اصبح ايدن نائبا لزعيم حزب المحافظين في المعارضة، وعاد لإدارة وزارة الخارجية عندما فاز المحافظون على حزب العمال في الانتخابات العامة في عام 1951. وبالتالي فقد بلغ مجموع السنوات التي قضاها كوزير للخارجية اكثر من عشر سنوات.

إعجاب نسائي

وكان ايدن انيقا ووسيما يحظى باعجاب العديد من النساء في حزب المحافظين. ويحظى بشعبية لدى جميع قطاعات الحزب، وعلينا الاقرار انه كان على تشرشل بعد معاناته من السكتة القلبية مرتين في عام 1949، التقاعد واعطاء الفرصة لانطوني ايدن لقيادة الحملة الانتخابية كزعيم للحزب، ولكنه صمد واستمر في عمله في الحزب.
وكان شعور ايدن بالاحباط جراء الانتظار الذي لا ينتهي لمغادرة الزعيم المسن للساحة يظهر بين وقت وآخر، وكان ذلك يؤرقه ويساهم في توتره ونوبات غضبه التي تظهر عليه عادة في السر وحول امور تافهة وليست تلك الجادة، وكان ذلك السلوك يؤثر على شخصيته الساحرة الودودة.

سوء حظ

ولسوء الحظ، ليس بالنسبة لانطوني ايدن فقط، بل للدبلوماسية الدولية في السنوات التي تلت ذلك، ان عملية جراحية روتينية عادية اجريت لوزير الخارجية لازالة المرارة لم تنجح، وقد اجريت تلك العملية بتوصية من السير هوراس ايفانز طبيب ايدن بسبب معاناته في مرات سابقة من بعض الآلام في البطن ومن اليرقات ووجود حصوات. واقترح ايفانز ثلاثة جراحين مختلفين على ايدن جميعهم لديهم خبرة في جراحة المسالك البولية. غير ان ايدن رفضهم جميعا واختار بدلا منهم جون هيوم الجراح العام البالغ من العمر 60 عاما. وقد قال ايدن ان هيوم «ازال لي الزائدة الدودية في شبابي وسوف اذهب اليه».

الثانية أكثر توترا

وكان هيوم مضطربا حتى ان العملية الاولى تأجلت لقرابة ساعة، لتتاح له الفرصة لكي تهدأ اعصابه، وبعد ما حدث في تلك العملية شعر هيوم انه لن يستطيع قيادة فريقه في العملية الثانية. وقاد الفريق بدلا منه غاي بلاكبيرن مساعده في العملية الاولى. وقد وصفت هذه العملية بانها «كانت اكثر توترا من الاولى وان ايدن اشرف على الموت في عدة مراحل من تلك العملية الطويلة».
ووجهة النظر التي لقيت القبول بصفة عامة ايدها مؤلف سيرته الرسمية وهي تقول ان القناة الصفراوية قطعت عن طريق الخطأ في العملية الاولى، وابلغ ايدن ان «المشرط انزلق» ووصف مصدر آخر ما حدث في احدى العمليتين بانه كان «خطأ طالب صغير» في الجراحة.

تدخل كامل إنما غير مفيد

وقد تابع وينستون تشرشل بصفته رئيس الوزراء علاج ايدن منذ البداية متابعة تامة، وان لم تكن مفيدة. فقد ظل يذكر هيوم بأهمية مريضه وبانه شخصية بارزة ومهمة، كما تدخل تشرشل مرة اخرى بعد العمليتين اللتين اجريتا في لندن وبعد اقتراح اجراء عملية ثالثة تجرى هذه المرة في الولايات المتحدة.
وطلب ايفانز من ريتشارد كاتيل الخبير المرموق دوليا في مجال الجراحة الذي كان صدفة في زيارة لندن لتقديم محاضرة، بان يفحص ايدن. وأصر كاتيل على نقل ايدن الى بوسطن لاجراء العملية الثالثة ووافق ايفانز على ذلك، غير ان لورد موران الذي كان طبيبا لايدن رأى ان العملية يمكن ان تجرى في لندن.
وفي البداية رأى تشرشل ان نقل وزيره الى الخارج قد يسيء الى سمعة بريطانيا، وقد حثه موران، دون شك، على ذلك. واصر على رأيه حتى ان ايفانز وكاتيل ذهبا اليه في مقره في 10 داوننغ ستريت. وفي قاعة اجتماعات مجلس الوزراء تحدث تشرشل عن اجراء عملية جراحية له لازالة الزائدة الدودية فوق طاولة مطبخ. ولاقناعه بوجوب سفر ايدن الى اميركا شرح الطبيبان الوضع بصبر بان عملية ازالة الزائدة الدودية عملية جراحية بسيطة نسبيا، بينما عملية اصلاح القناة الصفراوية مختلفة تماما ومعقدة وتحتاج الى مهارة خاصة.

سكتة دماغية

وفي 23 يونيو 1953 في بوسطن اجرى كاتيل عملية جراحية معقدة لايدن، وفي اليوم ذاته عانى تشرشل في لندن من سكتة دماغية خطيرة خلال حفل عشاء رسمي اقيم على شرف رئيس الوزراء الايطالي دي غاسبيري، فجأة اختل توازن تشرشل واصبح حديثه متقطعا.
وفي صبيحة اليوم التالي اصيبت ذراعه اليسرى بالشلل وبات لا يستطيع المشي من دون مساعدة. ولكنه ترأس اجتماع مجلس الوزراء في ذلك الصباح. وبعد الاجتماع استدعى موران السير راسل برين الذي شخص الحالة بأنها سكتة دماغية. ولكنها كانت خفيفة وكان تشرشل يسير «مع وجود عدم توازن بسيط في سيره».
وبعد الفحص قدم تشرشل خطابا حول السياسة الخارجية لبرين، «ناقش تشرشل مشكلة ايدن وقال انه، اي (تشرشل) اذ تخلى عن مسؤولية وزارة الخارجية ومنحها لشخص آخر فإنه لن يكون هنالك منصب يتولاه ايدن عند عودته، وكان من الواضح انه اذا اضطر تشرشل للاستقالة لاسباب صحية فان باتلر سوف يتولى رئاسة الوزارة».

الأكثر شعبية

واستعاد ايدن صحته بعد العملية وعاد الى بريطانيا لتولي مسؤولياته كوزير للخارجية وكان حينها يتمتع بصحة جيدة «وذلك حتى عام 1954 عندما عانى من الاصابة بالحمى والبرودة في عام 1955 ثلاث مرات. ولم تكن اي منها حادة، كما لم تستمر لفترة طويلة. ورأى ايدن ان صحته في مرحلة ما بعد العملية تسمح له بخلافة تشرشل في منصب رئاسة الوزارة. وترك تشرشل اخيرا في 6 ابريل 1955. ودعا ايدن لاجراء انتخابات مبكرة وفاز بأغلبية مقاعد مجلس العموم في مايو وقد جاء فوزه جزئيا نتيجة ما، وظلت تشير اليه استطلاعات الرأي العام دائما، اي ان ايدن يعد اكثر السياسيين شعبية في ذلك الوقت.
كان عام 1956 وهو عام رئاسة ايدن لمجلس الوزراء عصيبا، فقد بدأ بحملة انتقادات واسعة في الصحافة وبصفة خاصة مقالة قاسية نشرت في صحيفة «ديلي تلغراف» المؤيدة للمحافظين في 3 يناير جاء فيها ان الناس ينتظرون من الحكومة «ان تبدي قوة وحزما، وقد أثّر هذا الامر في ايدن، وقد يكون شكلّ عاملا في جعله يصر على التصرف بقوة وحزم في وقت لاحق من ذلك العام عندما نشبت ازمة قناة السويس.
وفي شهر مارس، وفي أعقاب نقاش حاد دار في البرلمان حول الوضع في الأردن، فقد ايدن، وعلى غير عادته، أعصابه، وانطلقت صيحات الاستنكار من مقاعد المعارضة تدعوه الى الاستقالة. ووفقا لمؤلف سيرته روبرت رودس جيمس فقد كتبت زوجته كلارسيا في يومياتها في 7 مارس إن «الأحداث الجارية في الاردن هزّت انطوني وهو يعاني من الارهاق الذي يستنزف قواه وقدرته على التفكير». بيد انها في كتابها الذي يعتمد على يومياتها جاء فيه فقط ما يلي «إن الأحداث التي جرت في الاردن كان لها تأثير قوي» مع عدم الاشارة الى الارهاق. وكان الجنرال جون باغوث غلوب القائد العسكري البريطاني للجيش الاردني قد ازيح من منصبه من قبل الملك حسين، وقد القى ايدن باللوم في ذلك على تأثير الرئيس جمال عبدالناصر في الملك حسين.
ويصف انطوني ناتينغ الذي كان حينها مساعدا لوزير الخارجية نوبة أخرى من نوبات غضب ايدن وهو يصيح في الهاتف «ما هذا الكلام الفارغ حول فرض عزلة على عبدالناصر او «تحييده» كما تصفه؟ انني أريد تحطيمه الا تفهم ذلك؟
اريد ازاحته واذا كنت ووزارة الخارجية لا توافقان على ذلك اذا عليك الحضور الى مجلس الوزراء لشرح هذا الامر».

جمال عبدالناصر

لقد حكمت بريطانيا مصر منذ عام 1882 وحتى عام 1992، واستمرت في التأثير على الحكم الملكي تأثيرا قويا حتى اطاحة جمال عبدالناصر بالملك فاورق في عام 1952، وكان ايدن وجيله يعتبرون حرية الملاحة عبر قناة السويس مسألة حيوية بالنسبة لبريطانيا. وبدأ ايدن يتبنى موقفا عدائيا شخصيا تجاه ناصر. وكان قد التقاه مرة واحدة في القاهرة عندما كان وزيرا للخارجية.
وفي 20 يناير 1955 وصفت كلاريسا ايدن جمال عبدالناصر في يومياتها بعد لقائه في حفل عشاء اقيم في السفارة البريطانية في القاهرة «الجنرال ناصر في الخامسة والثلاثين من عمره ولم يغادر مصر البتة وهو غامض ومهذب للغاية نوعا ما ولغته الانكليزية لا بأس بها».
كما كتبت في وقت لاحق انه اتضح ان عبدالناصر شعر باهانة بالغة في تلك الليلة، حيث شعر انه كان على ايدن ان يأتي لرؤيته كرئيس وقد جاء وهو يرتدي بدلة ولم يكن يدري ان ايدن سيرتدي بدلة رسمية وربطة سوداء. واخيرا فقد شعر بالانزعاج لان انطوني تحدث اليه بالعربية.
غير ان ايدن كان في وقت سابق قد واجه الواقع بشجاعة وتفاوض حول اتفاقية قناة السويس وانسحاب القوات البريطانية في عام 1954، وهو امر لم يستسغة تشرشل وكان يلقى انتقادا حادا من اوساط في حزب المحافظين. وبموجبها غادر آخر جندي مدينة بورسعيد في 13 يونيو 1956.

تمويل السد العالي

وبصفته رئيسا للوزراء شارك ايدن في المفاوضات الاميركية - البريطانية حول تمويل السد العالي في اسوان، المشروع المصري المهم، وكان الرئيس ايزنهاور يتعافى من الالتهاب ووزير خارجيته جون فوستر دالس كان يشغله النفوز السوفيتي المتزايد في مصر، ولا يحبذ دعم مشروع السد، وفي 17 يوليو ابلغ السفير البريطاني لدى اميركا اخطار واشنطن بان المملكة المتحدة لا تؤيد الانسحاب من ذلك المشروع، غير ان دالسي استنتج، وهو محق في ذلك، ان البريطانيين يتحدثون من اجل تسجيل موقف ويعنون ذلك تماما، واعلن دالسي الذي واجه ضغوطا من الكونغراس، انسحاب الولايات المتحدة في 19 يوليو.
وفي لندن، ذهب رئيس مجلس التجارة بيتر ثورنيكروفت للقاء ايدن لاقناعه بمشروع السد العالي، وقد واجه احدى نوبات غضب ايدن الشهيرة الذي استاء من تدخل ثورينكروفت، حيث قال انه بعد قرار الاميركيين يعتبر المشروع في حكم المنتهي، وان اقتراح عملية اعادة احيائه امر غير لائق، ويعد هذا مؤشرا على تقلب مزاج ايدن.
وبعد مضي ستة ايام من ذلك تحرّك عبدالناصر، ففي يوم 26 يوليو ذكرى تخلي الملك فاروق عن العرش، وفي خطاب حماسي ألقاه في ميدان المنشية في الاسكندرية اعلن عبدالناصر عن تأميم شركة قناة السويس.
جاءت تلك الخطوة في جزء منها كرد على القرار الخاص بمشروع السد العالي، وعندما وردت انباء خطبة عبدالناصر كان ايدن صدفة يستضيف حفل عشاء في مقره في 10 داوننغ ستريت على شرف الملك فيصل، ملك العراق، ورئيس وزرائه نوري السعيد.
وكانت نصيحة العراق هي ضرب عبدالناصر ضربة موجعة.
عاجلا، وبعد العشاء استدعى ايدن القائم بالاعمال الاميركي ساعيا، ويا للمفارقة، اذا ما وضعنا في الاعتبار الاحداث اللاحقة، لاشراك الاميركيين منذ البداية، كما استدعى ايضا السفير الفرنسي للمشاركة في النقاش حول خطوة عبدالناصر، بالاضافة الى اربعة وزراء هم صديقه المقرب وزير الخارجية سلوين لويد وماركيز سالزبوري وكونت كيلميور ورئيس القضاء والسير اليك دوغلاس هيوم، كما استدعى كذلك اثنين من رؤساء الاركان هما الفيلد مارشال سير غيرالد تيمبلر والادميرال ايرل مونتباتن. وقد استمر الاجتماع حتى الساعة الرابعة فجرا.

الحلقة الثامنة:
إيدن زاد تعاطيه للأدوية خلال أزمة السويس
________________________

تأليف: اللورد ديفيد اوين

- تولى منصب وزير الخارجية في حكومة رئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان في سبعينات القرن الماضي.
- شارك في تأسيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي وتولى زعامته في وقت لاحق. وهو الآن عضو في مجلس اللوردات.
- ظل لفترة طويلة يهتم بأثر الصحة في رؤساء الحكومات.
- لدى اللورد اوين العديد من المؤلفات في المجال السياسي مثل «أوديسا البلقان» و«متلازمة الغطرسة» وغيرهما.




Pictures%5C2009%5C06%5C02%5C5581535d-f235-4da9-adaf-d90be9da5fd4_maincategory.jpg
• عبد الناصر وإيدن في القاهرة عام 1955، قبل عام واحد من العدوان على السويس الذي انتهى باستقالة رئيس الوزراء البريطاني (ارشيف)
القبس
 
31-07-2011, 03:17 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

المرض والسلطة 8 إيدن زاد تعاطيه للأدوية خلال أزمة السويس
كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C03%5Cbf5c60a9-bac5-4a96-9dc9-92030a7eb16e_main.jpg


ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد امين
يقدم كتاب «المرض والسلطة» لمؤلفه وزير الخارجية البريطاني الأسبق اللورد ديفيد أوين، الذي تنشره «القبس» على حلقات، دراسة للمرض وأثره في رؤساء الدول. وينظر في كيفية تأثير المرض والعلاج البدني والنفسي، في عملية إدارة الحكم وفي اتخاذ القرارات التي قد تقود إلى التصرفات الحمقاء أو الغبية أو الطائشة.
ويهتم الكاتب بصفة خاصة بالزعماء الذين لا يعانون من المرض بالمعنى العادي، ومن تعمل وظائفهم الإدراكية بصورة جيدة، ولكنهم أصيبوا بما يطلق عليه «متلازمة الغطرسة»، التي أثرت في أدائهم وتصرفاتهم. ومثل هؤلاء الزعماء يعانون من فقدان القدرة والوثوق المفرط في النفس، وازدراء النصيحة والمشورة التي تتعارض وما يعتقدونه، بل وحتى رفض أي نصيحة مهما كانت.
ولقد ظل الدكتور ديفيد اوين ومنذ فترة طويلة يهتم بالعلاقة المتبادلة بين السياسة والطب، وهو يستخدم في الكتاب معرفته الواسعة في المجالين للنظر في المرض ضمن حالات مختلفة في حياة السياسيين، وما إذا كان من الممكن حماية المجتمعات من مرض زعمائها!
اعتبر رئيس الوزراء البريطاني تأميم قناة السويس تهديدا مباشرا للمصالح البريطانية، وقد بدأ يعتبر عبد الناصر عام 1956، انه موسوليني الثلاثينات (الزعيم الايطالي الفاشي)، وتعهد ايدن علنا بالا يسمح لعبد الناصر «بخنقنا» كما اوضح بجلاء انه على استعداد تام لاستخدام القوات البريطانية المسلحة لازالة التهديد الذي يمثله التدخل المصري في مرور السفن عبر قناة السويس. وفي واقع الامر، ان عبد الناصر كان حريصا على اظهار ان مصر ليست لديها اي نية للتدخل في حركة السفن التابعة لاي دولة، وهنالك دول قليلة اخرى، غير اسرائيل خشيت هذا الامر، وفضلا عن ذلك فان الطريقة التي امم بها الشركة، حاول عبد الناصر من خلالها بذكاء اثبات انه لم يتصرف بطريقة غير قانونية فقد تم شراء حصة حملة الاسهم حسب الاسعار السائدة في بورصة باريس، في الوقت الذي اعلن فيه عبد الناصر قراره، كما ان الرأي العام العالمي لم يكن يعطي اهمية كبرى للعلاقات المتنامية لمصر مع الاتحاد السوفيتي، والاهم من ذلك هو ان الرئيس ايزنهاور لم يكن على استعداد لربط الاستيلاء على القناة بالخطر الذي يشكله الاتحاد السوفيتي، وقد اتضح انه الشخصية الوحيدة الاكثر اهمية في تحديد نتيجة ازمة قناة السويس.

إيدن يستعد
والقرار الذي اتخذه ايدن فوراً بعد خطاب عبد الناصر في 26 يوليو هو الاستعداد، ولكن تأجيل تسديد ضربة عسكرية فورية هو امر مفهوم اذا ما وضعنا في الاعتبار رأي رؤساء هيئة الاركان الذين لم يبدوا حماسا تجاه العمل العسكري، الا انه يمكن القول ان قرارات ايدن جاءت حذرة للغاية هذه المرة، ويتناقض هذا الامر بصورة كبيرة مع التهور في قراراته منذ 14 اكتوبر عندما شكلت صحته عاملاً مهماً. ففي اليوم التالي لخطبة ناصر لم يتبن ايدن فوراً الرأي القانوني الذي قدمه كيلميور، بان بريطانيا تستطيع اقامة حجتها في ما يتعلق بالتدخل العسكري بسبب قناة السويس، على اساس الادعاء ان عبد الناصر تصرف بطريقة غير قانونية، كما لم يأخذ ايدن ايضا برأي احد اصدقائه القدماء المقربين الكونت سيلسينني الذي كان حينها لورد الادميرالية، والذي قال ان كان هنالك من داع لاستخدام القوة فيجب ان يتم ذلك في اقرب وقت خلال فصل الصيف، وقد ثبت ان التأجيل كانت له نتائج سلبية. ففي اواخر الخريف يكون عبد الناصر وفق رأي سيلسينين قد «اخفى الكثير من آثاره» ومع ذلك فقد اقرت اللجنة الفرعية لمجلس الوزراء لمعالجة قضية السويس في 30 يوليو ان الهدف المباشر هو «الاطاحة برئيس الحكومة المصرية» وبالتالي فإن مسألة تغيير النظام كانت حاضرة منذ البداية، وقد كان سيلسينين يرى ايضا ان ايدن الذي لم يعمل البتة في الولايات المتحدة لا يفهم تأثير الانتخابات الرئاسية الوشيكة المقرر اجراؤها في نوفمبر على استجابة الاميركيين تجاه اي خطوة بريطانية تتخذ ضد مصر.

مهاجمة المدن
ولم يكن من الواضح ان كان ايدن قد استبعد مشاركة القوات البريطانية المتمركزة في ليبيا خشية ردة الفعل العربية، وكان استخدام تلك القوات مسألة تداولها مع تشرتشل عندما اتى لزيارته بصورة سرية في 6 اغسطس وترك تشرشل مذكرة كان قد املاها في السيارة حذر فيها رئيس الوزراء ايدن من مجرد الاستيلاء فقط على القناة وترك قاعدة سلطة عبدالناصر الفعلية في القاهرة، وكان من الواضح انه يرى ان تهديد القاهرة وغيرها من المدن الكبرى يتطلب استخدام كتيبة مدرعة بريطانية متمركزة في ليبيا، فقد كان يرى ان اسقاط عبدالناصر يجب ان يتضمن الهجوم على القاهرة، غير ان مجلس الوزراء كان يرى ان وجود ثلاث كتائب بريطانية في منطقة القناة سوف يجعل عبدالناصر يتراجع.
وكانت خطتهم تقوم على قصف المواقع العسكرية فقط على طول القناة ولا يمتد القصف إلى القاهرة، فالهدف السياسي هو اسقاط عبدالناصر، بيد ان هذا الأمر قلل من شأن المشاعر الوطنية التي اطلقها عبدالناصر، فهو يستطيع السيطرة على البلاد من القاهرة، كما سيتمكن من شن هجمات على القوات الغازية وبالتالي كان هنالك ضعف اساسي في تلك الخطة.
وفي 7 اغسطس وزع هارولد ماكملان الذي كان يشغل منصب وزير المالية «مذكرة موجزة» على «لجنة مصر» تعبر عن آرائه حول الغزو عكست آراء تشرشل التي ابلغها إلى ايدن قبل يوم من ذلك وقال ايدن لماكملان انه لا يحق له توزيع مذكرات من دون استشارته بصفته رئيسا للوزراء، وكان ذلك مؤشرا على التوتر الذي تفاعل ما بين الرجلين.

موقف الأميركيين
وفي 17 أغسطس كتب ايدن رسالة إلى تشرشل جاء فيها «ان الأمر الأكثر أهمية هو ان الاميركيين يبدون مؤيدين لنا بقوة في قضية تدويل قناة السويس».
غير ان ايزنهاور لم يخف البتة عن ايدن معارضته لاستخدام القوة، وقد كان هنالك اختلاف واضح في المصالح فيما بين بريطانيا والولايات المتحدة خلال تلك الازمة، اذ ان بريطانيا لم تكن فقط مهتمة بسلامة السفن العابرة لقناة السويس، بل ان الحكومة البريطانية كانت ترغب في السيطرة على القناة كما ان اعتبارات الوضع الخاص لبريطانيا كانت امرا مهما بالنسبة لها، ولم تتمكن الحكومة من رسم خط واضح يفصل فيما بين قضية القناة ونظام جمال عبدالناصر.
وقد كتب غاي ميلارد سكرتير ايدن الخاص في عام 1957 احدى أكثر الروايات التاريخية الخاصة لفترة عمله في وزارة الخارجية، وقد توصل إلى نتيجة مفادها انه كان من الخطأ محاولة بريطانيا حلّ المشكلتين في وقت واحد، وهذا الانتقاد للسياسة البريطانية صدر عن الاميركيين خلال الازمة، إذ ان بريطانيا لم تكن مهتمة فقط في التوصل إلى ترتيب لحماية السفن التي تستخدم قناة السويس، كما تصور جون فوستر والس في مبادرة اتحاد مستخدمي قناة السويس، بل انها كانت ترغب في اختيار حكومة جديدة مختلفة في مصر، ولكن وكما حدث في غزو العراق في عام 2003، لم تكن بريطانيا مستعدة لتأييد فكرة تغيير النظام علنا، بل استخدمت تهديد الملاحة كذريعة، كما استخدم البريطانيون والولايات المتحدة قضية أسلحة الدمار الشامل كذريعة بعد مضي 46 عاماً من ذلك.

مهدئات لمواجهة الأزمة
لقد كُت.ب وقيل الكثير حول صحة ايدن وسلوكه خلال الاشهر الثلاثة التالية، البعض منه يدخل في باب النميمة والبعض الآخر تكهنات، وهنالك بعض الحقائق.
وفي ما يتعلق بصحته خلال الازمة تظهر يوميات مقابلاته انه استشار السيد هوراس ايفلتر واطباء آخرين في عشر مناسبات على الاقل فيما بين تدويل قناة السويس ونهاية اكتوبر. كما انه امضى نهاية اسبوع 5 ــ 8 اكتوبر في المستشفى، وكان من بين المقترحات امكان اجراء عملية جراحية اخرى له، وقد وصف له عقار بيثيدين، وهو عقار مستخلص من المورفين لتخفيف الآلام المبرحة، وبالرغم من تعاطي الدواء المذكور فقد ترأس ايدن اجتماعات مجلس الوزراء في ساعات النهار كما في الليل.
وفي عام 2004 قال الصحافي البارز لورد ديدس الذي شغل منصبا وزاريا في حكومة ايدن انه خلال ازمة السويس كان ايدن يتعاطى ادوية «كالتي يتعاطاها الناس» عادة لمساعدته على النوم والراحة، وفي نوفمبر عندما اصاب اطباؤه القلق جراء حالته الصحية، اقترحوا عليه اخذ عطلة يقضيها في جامايكا، فقد كان يعاني من آثار الادوية التي يتعاطاها مثل الارق، والتوتر والقلق والثقة المفرطة.
وفي خطاب في 15 يناير 1957، وصف السير هوراس ايفانز نوبات الحمى التي كان يعاني منها ايدن، واكثر تلك النوبات خطورة تلك التي اصابته في مساء الجمعة 5 اكتوبر، وكان في زيارة لزوجته في المستشفى، ونصح بأن يلزم الفراش في غرفة قريبة من غرفة زوجته، واستمر ايدن في ممارسة واجباته الرسمية، بينما كان معظم الناس بمن في ذلك زملاؤه غير مدركين ما يحدث.

التواطؤ والمؤامرة
لقد جاءت الحمى التي اصابت ايدن في 5 اكتوبر قبل وقت قصير من اقتراب المواجهة في ازمة السويس، فقبل يومين من ذلك ابلغ ايدن مجلس الوزراء ان «هناك خطر توصل الاتحاد السوفيتي الى ابرام حلف تعاون ثنائي مع مصر، وانه اذا ما حدث هذا الامر فسيكون هنالك خطر اكبر لمحاولة تسوية هذا النزاع عن طريق استخدام القوة»، وكان يدرك ان القوات البريطانية مستمرة في الحشد في قبرص وفي مواقع اخرى، وانه قد تحين لحظة لا يعود في الامكان فيها ابقاؤها في حالة الاستعداد العسكري، وفي 5 اكتوبر قدمت مصر شكوى الى مجلس الامن التابع للامم المتحدة حول تحركات القوات البريطانية والفرنسية.
وفي 8 اكتوبر، يوم خروج ايدن من المستشفى، وكان على راب بتلر ترؤس لجنة مصر في غياب رئيس الوزراء، ولكن بحلول السبت في ذلك الاسبوع كان ايدن في صحة جيدة تمكنه من القاء خطاب في مؤتمر حزب المحافظين الذي اقيم في ويلز ورحب مؤيدو الحزب بالفقرة التي قال فيها «اننا نقول دائما ان القوة آخر خيار قد نلجأ اليه ولكننا لا نستطيع استبعاده ورفضنا القول اننا لن نستخدم القوة البتة تحت جميع الظروف، اذ لا حكومة مسؤولة تستطيع اعطاء هذا التعهد». وفي ذلك اليوم الذي القي فيه ذلك الخطاب ابلغه انتوني ناتينغ ان رئيس الوزراء الفرنسي غي موليه طلب موافقة سريعة من ايدن للقاء مبعوثين من باريس وفي مساء 13 اكتوبر ابلغه ناتينغ بالهاتف زيارة السير غولدوين جيب السفير البريطاني في باريس الى لندن، وكشف جيب ان الفرنسيين سلموا 75 طائرة مقاتلة ميستير من آخر طراز الى اسرائيل من دون التشاور مع البريطانيين والاميركيين، كما تتطلب ذلك اجراءات الاتفاقية الثلاثية وسأل ايدن ناتينغ ان كان الفرنسيون يعدون الاسرائيليين لضرب الاردن وهو امر كان يقلق البريطانيين كثيرا في ذلك الوقت.
وتناول ايدن الغداء مع ناتينغ يوم الاحد 14 اكتوبر وبعث رسالة تهنئة الى سلوين لويد في نيويورك الذي بدا وكأنه قد احرز تقدما في المفاوضات مع الدكتور محمود فوزي وزير الخارجية المصري، ولكنه في المساء عقد اجتماعا ثبت خطورته مع مبعوثي غي موليه وهما الجنرال موريس شاليه نائب رئيس هيئة الاركان للسلاح الجوي الفرنسي والبير غازييه القائم باعمال وزير الخارجية الفرنسي، كما حضر الاجتماع انتوني ناتينغ.
وتقوم خطة شاليه على مؤامرة مع اسرائيل، والتي تحولت الى اداة سياسية مركزية في تعامل ايدن مع ازمة السويس.

متواطئون
والى موعد ذلك الاجتماع، لم تكن لدى ايدن ادنى فكرة بان الفرنسيين كانوا متواطئين بصورة عميقة مع الاسرائيليين ضد مصر، فقبل اسبوعين وفي يوم 30 سبتمبر اقترح وفد اسرائيلي سرا للفرنسيين فكرة خلق ذريعة وهمية، وتقوم الخطة على غزو اسرائيل لمنطقة قناة السويس، بتفاهم مع القوات البريطانية والفرنسية التي ستتدخل عندها لفصل القوات الاسرائيلية والمصرية، وتقدم نفسها الى العالم كقوات حفظ سلام بين قوتين متقاتلين. وستواجه قوة الطيران البريطاني الطائرات المصرية التي قد تهدد الاراضي الاسرائيلية.
وبالرغم من ان ايدن لم يلزم نفسه رسميا بها ولكن عدم رفضه لها، والغائها في الاجتماع سيشكل بحد ذاته قرارا بصددها، كما ان اسئلته لم تترك لدى الفرنسيين ادنى شكل حول قبوله للفكرة. فقد شعر شاليه ان ايدن كان متحمسا بينما شعر ميلار بانها فقط «اثارت فضوله» والحرب التي بدأت بالخداع انتهت بكارثة واصبح الشخص المسؤول عنها، اي أيدن، في حالة لم تمكنه من اتخاذ مثل ذلك القرار. وخلال تلك الايام القليلة، قرر ايدن ايضا ان عليه الشروع في الخطة وعدم اطلاع الاميركيين على نواياه، واعتقد ان في مقدوره ابقاء الصلة الاسرائيلية في الخطة سرا عن الاميركيين، وكان ذلك خطأ في التقدير في الاوجه كافة، واذا كان ايدن يتمتع بلياقة وصحة جيدة لادرك ان مثل ذلك العمل يحمل في طياته بذور الدمار.
ولقد كان الفرنسيون على اتصال وثيق مع الاسرائيليين حول اتفاقية قاعدة قناة السويس.
فقد شعرت اسرائيل ان انسحاب القوات البريطانية من مصر جعلها اكثر عرضة، بينما كان يخشى الفرنسيون تدخل المصريين في التحدي العسكري والسياسي الذي يواجهونه في الجزائر. وكان لدى الفرنسيين 400 ألف جندي في الجزائر، وكان عبدالناصر يؤيد الثورة الجزائرية، ولدى الفرنسيين حافز يدعوهم الى التخلص منه. وان مبيعات الأسلحة الفرنسية لاسرائيل غيرت من توازن توفير الأسلحة في الاتفاقية الثلاثية التي وقعتها فرنسا مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا.
وبالنسبة لأي رئيس وزراء، ناهيك عن ايدن الذي لديه خبرة في مجال السياسات الخارجية حيث تولى منصب وزير الخارجية، فإن اقتراح شالبيه بالتواطؤ مع اسرائيل يبدو كخطة محفوفة بالمخاطر السياسية داخليا وخارجيا. وايدن الحذر عادة والمؤيد للعرب، كان يتوقع حسب سجله السابق استبعاد اشراك اسرائيل منذ اللحظة التي سمع فيها بتلك المشاركة.
وربما كان وكيل وزارة الخارجية السير ايفون كيركباتريك الدبلوماسي الرفيع الوحيد الذي انحاز إلى التدخل العسكري يعتقد ان الاميركيين كانوا يفضلون عدم معرفة الخطط البريطانية الخاصة باستخدام القوة.
وكان ايدن يأمل أن استعداد بريطانيا في المشاركة مع الولايات المتحدة في مبادرة اتحاد مستخدمي قناة السويس الداعية الى وضع القناة تحت الاشراف الدولي قد يقود الى فرض عقوبات اقتصادية وبعدها قد يساند جون فوستر دالاس في نهاية المطاف وعلى مضض العمل العسكري. بيد ان هذا الأمر بدا أنه بعيد جداً عن التحقق بحلول اكتوبر.
وقرر ايدن ابلاغ سلوين لويد شخصيا بمقترحات شالبيه. وكلف ايدن ناتينغ بابلاغ اثنين فقط من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية، وعزل بصفة خاصة المستشار القانوني لوزارة الخارجية الذي كان يدرك أنه سيقول ان الاقتراح المقدم من ايدن لا يمكن تبريره بموجب القانون الدولي. وبات ايدن يعتمد بدلا من ذلك على نصيحة رئيس القضاء الذي اكد ان التدخل العسكري يمكن تبريره قانونيا، الا انه دستوريا فإن رئيس القضاء لا يعد المستشار القانوني لمجلس الوزراء، بل ان تلك مهمة النائب العام.
وقدم ناتينغ الذي عارض تماما الخطة استقالته حال وضعهما موضع التنفيذ.

تأليف: اللورد ديفيد اوين
- تولى منصب وزير الخارجية في حكومة رئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان في سبعينات القرن الماضي.
- شارك في تأسيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي وتولى زعامته في وقت لاحق. وهو الآن عضو في مجلس اللوردات.
- ظل لفترة طويلة يهتم بأثر الصحة في رؤساء الحكومات.
- لدى اللورد اوين العديد من المؤلفات في المجال السياسي مثل «أوديسا البلقان» و«متلازمة الغطرسة» وغيرهما.

الحلقة التاسعة:
كذب إيدن عندما قال إنه لم يكن يعلم أن إسرائيل ستهاجم مصر







Pictures%5C2009%5C06%5C03%5C90235eda-e813-4da4-ad22-f1d6e6c079fa_maincategory.jpg
• عبد الناصر يمارس هوايته في لعبة الشطرنج
Pictures%5C2009%5C06%5C03%5C07f68849-bc29-4dde-b8c4-b535e64077f5_maincategory.jpg
اللورد ديفيد اوين القبس
 
31-07-2011, 03:34 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

المرض والسلطة 9 في الدول الديموقراطية لا يبقى شيء سراً إلى الأبد كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C04%5Cbc845738-1305-4044-bdd6-c6be6d39390b_main.jpg


ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد امين
يقدم كتاب «المرض والسلطة» لمؤلفه وزير الخارجية البريطاني الأسبق اللورد ديفيد أوين، الذي تنشره «القبس» على حلقات، دراسة للمرض وأثره في رؤساء الدول. وينظر في كيفية تأثير المرض والعلاج البدني والنفسي، في عملية إدارة الحكم وفي اتخاذ القرارات التي قد تقود إلى التصرفات الحمقاء أو الغبية أو الطائشة.
ويهتم الكاتب بصفة خاصة بالزعماء الذين لا يعانون من المرض بالمعنى العادي، ومن تعمل وظائفهم الإدراكية بصورة جيدة، ولكنهم أصيبوا بما يطلق عليه «متلازمة الغطرسة»، التي أثرت في أدائهم وتصرفاتهم. ومثل هؤلاء الزعماء يعانون من فقدان القدرة والوثوق المفرط في النفس، وازدراء النصيحة والمشورة التي تتعارض وما يعتقدونه، بل وحتى رفض أي نصيحة مهما كانت.
ولقد ظل الدكتور ديفيد اوين ومنذ فترة طويلة يهتم بالعلاقة المتبادلة بين السياسة والطب، وهو يستخدم في الكتاب معرفته الواسعة في المجالين للنظر في المرض ضمن حالات مختلفة في حياة السياسيين، وما إذا كان من الممكن حماية المجتمعات من مرض زعمائها!
الغزو
في 29 أكتوبر جرى انزال قوات مظلات اسرائيلية بقيادة قائد عسكري مغمور حينها هو ارييل شارون في سيناء. وفي اليوم التالي، وحسب الاتفاق مع الاسرائيليين، اصدر البريطانيون والفرنسيون انذاراً يطالب بوقف اطلاق النار والتهديد بالتدخل اذا لم يتم الاتفاق حول ذلك. رفض جمال عبدالناصر الانذار وفي 31 اكتوبر بدأ الغزو العسكري الانغلو-فرنسي.
بدا ايدن حينها يتصرف بصورة تنم عن هدوء اكثر. فبالرغم من الضغوط والقلق في 30 اكتوبر، فإنه اظهر هدوءا عندما بعث ببرقية الى الرئيس ايزنهاور بعد شن الغزو. ففي 31 اكتوبر عندما شنت القاذفات البريطانية ضربات ضد القواعد المصرية كتبت اليزابيث زوجة لورد هيوم انها «أعجبت بالطريقة الجيدة التي بدأ بها رئيس الوزراء وكل من اعضاء الحكومة».
ولكن يبدو ان ذلك كان وضعاً مؤقتاً. فقبل ساعات من اذاعة ايدن لبيان موجه للمواطنين في مساء يوم 3 نوفمبر رأى مندوب هيئة الاذاعة البريطانية الذي استدعي الى مقر رئيس الوزراء، ايدن عندما كان مسترخياً على سريره والى جانبه عدد من زجاجات الادوية. وكان يبدو مرهقاً حتى انه اقترح ان يأخذ رئيس الوزراء قسطاً من الراحة قبل اذاعة البيان. وفي ذلك البيان ادعى ايدن انه «رجل سلام ورجل هيئة الدول ورجل الامم المتحدة ومازلت ذلك الرجل»!

رد الجميل
وكان وزير المالية هارولد ماكميلان ملتزماً التزاما تاماً بسياسات ايدن. وقد نصح ايدن بعد لقائه ايزنهاور وحده في البيت الابيض في 25 سبتمبر ان «ايزنهاور مصرّ بطريقة أو اخرى على اسقاط عبدالناصر. وقد شرحت له صعوباتنا الاقتصادية فيما يتعلق باستخدام يدنا الطويلة، وقد بدا متفهماً». كما بعث ماكميلان ايضاً تقريراً الى ايدن حول لقائه مع جون فوستر دالس وزير الخارجية الاميركية آنذاك. وابلغ ايدن ان دالس قال على الرغم من ان قضية السويس لا تؤثر كثيراً على الانتخابات في ذلك الوقت، فإنه اذا وقع اي شيء، فانه سيكون له تأثير كارثي. وذكرني كيف انه والرئيس ايزنهاور قدما لنا يد المساعدة في مايو 1955 خلال الانتخابات وطلب ان نحاول رد ذلك الجميل ومحاولة وقف كل شيء الى ما بعد 6 نوفمبر.
كان ذلك التصريح الصادر عن دالس يحمل اكثر من تلميح بتأجيل اية خطوة الى ما بعد الانتخابات الاميركية. كما ان ايدن ابلغ بأسلوب واضح بحساسية الانتخابات الأميركية في مراسلات متبادلة مع ايزنهاور، ولكن مع مرور شهر اكتوبر لم يبد ان ايدن أو ماكميلان قادران على تقدير تأثير عملية غزو مصر عشية الانتخابات الرئاسية على ايزنهاور. وكان من الحماقة الا يأخذا هذا الأمر في الاعتبار.

تقدير خاطئ

كان ماكميلان، بصفته وزيراً للمالية، وعند استلامه رسائل من واشنطن في ليلة 5 ــ 6 نوفمبر أول من ادرك خطأ تقديره في ما يتعلق بردة فعل ايزنهاور ــ فقد كان للازمة تأثير كبير على الجنيه الاسترليني، واثرت على احتياطيات بريطانيا من النقد الأجنبي، وكان ماكميلان في حاجة إلى الحصول على قرض احتياطي من صندوق النقد الدولي، ولكن ذلك سيستدعي الحصول على مساندة الولايات المتحدة غير انه ابلغ ان مساندة أميركا للاسترليني تعتمد على وقف اطلاق النار بحلول منتصف الليل.
هذا إلى جانب الانباء حول مضايقة الاسطول السادس الاميركي لسفن البحرية البريطانية مقابل شاطئ بورسعيد التي نقلت إلى ماكميلان الذي غير موقفه فيما يختص بدعم العمل العسكري فوراً.
ولم تواجه سلطة ايدن هزّة أكثر من تلك التي واجهتها في 6 نوفمبر، وكان ماكميلان الشخص الوحيد الذي يمكنه تحدي تلك السلطة علناً ويستطيع تحريك مجلس الوزراء الذي فقد تماسكه وقدرته على تنحية ايدن. غير ان ايدن تحرك أولا، حيث استدعى مجلس الوزراء لاجتماع يعقد في غرفته في مجلس العموم في الساعة العاشرة الا الربع صباحاً وهو يدرك انه لا يستطيع الحصول على الاغلبية في المجلس للاستمرار في تلك السياسات، وقال ان الاميركيين قد يدعمون فرض عقوبات اقتصادية عبر مجلس الأمن في وقت لاحق من ذلك اليوم ولا يوجد بديل سوى الإعلان عن وقف لاطلاق النار، ووفقا لعضو في مجلس الوزراء فقد كان ماكميلان «شديدا للغاية في تحذيره بما يمكن ان يقدم عليه الاميركيون»، واوضح للمجلس خطورة الوضع المالي بصفته وزيرا للمالية.

ورطة دبلوماسية
لقد كانت ورطة دبلوماسية، فقد قال ايزنهاور «لم ار البتة قوى عظمى تحدث مثل هذه الفوضى وتربك الأوضاع»، وحدث تراجع مذل لفرنسا وبريطانيا بعد ان فقدتا اصدقاءهما وكان ذلك اكثر أهمية من الضغوط الأميركية على الجنيه الاسترليني وخطاب التهديد الذي بعثه نيكولاي بولغانين بخصوص قضية السويس، وكان بولغانين حرّك في فجر يوم 4 فبراير 200 الف جندي سوفيتي و4 آلاف دبابة نحو بودابست وتلك العزلة التامة ظهرت ايضاً في مجلس الأمن.
كان من الافضل من وجهة نظر ايدن الشخصية، وبالنسبة لسمعة البريطانيين والفرنسيين في الشرق الأوسط، تأجيل الدعوة إلى اجتماع مجلس الوزراء حتى 7 نوفمبر لكسب الوقت واحتلال القناة بالكامل، وفي الوقت ذاته استخدام حق النقض مع الفرنسيين ضد أي قرار يدعو لفرض حظر صادر عن مجلس الأمن وقد كان هذا ما يفضله رئيس وزراء فرنسا غي موليه ورئيس الوزراء الاسرائيلي ديفيد بن غوريون الا ان ايدن لم يكن على استعداد للانتظار وتحدي مجلس الأمن.

التعتيم
لم يبدر اي تلميح بوجود تواطؤ مع اسرائيل امام مجلس العموم خلال شن العملية العسكرية وكان لهذا الامر ما يبرره. ولكن الامر الغريب وما يشير الى ان ايدن كان يعتقد ان التعتيم والتغطية يمكن ان يستمران لفترة اطول، هو قراره بعث اثنين من الدبلوماسيين الى باريس في محاولة لجمع جميع نسخ ما عرف في وقت لاحق باسم «بروتوكول سيفر» الذي سمي باسم الضاحية الباريسية التي عقدت فيها الاجتماعات والتخلص من جميع تلك النسخ. وكان سلويز لويد قد حضر اجتماع سيفر الاول، غير ان الاجتماع الثاني شارك فيه باتريك دين الدبلوماسي الرفيع والسكرتير الخاص للويد دونالد لوغان. ووافق غي موليه وديفيد بن غوريون، اللذان حضرا الاجتماعين، على الالتزام التام بالسرية، ولكن كان يجب على ايدن ادراك انه لا يمكن التزام السرية الى الابد في البلدان الديموقراطية. فالقادة الفرنسيون والاسرائيليون الذين اغضبهم قرار مجلس الوزراء البريطاني بوقف تقدم القوات في منطقة القناة ولم يكن لديهم شعور بالذنب جراء تلك العملية العسكرية ما كانوا سيحتفظون بالسر.
كما كانت نظرة ايدن القائلة ان التعتيم والتغطية سينجحان في ابعاد انظار الاستخبارات الاميركية لفترة اكثر من بضعة اسابيع في افضل الاحوال، والارجح بضع ساعات، نظرة غير واقعية تماماً.
بل في واقع الامر، فإن الاستخبارات الاميركية ادعت انها عرفت بالعملية خلال جميع مراحلها، غير ان هنالك ادلة تشكك في هذا الامر. ففي 24 اكتوبر عندما ادعى جون فوستر دالس ان اول مرة سمع فيها بالاعتداء الاسرائيلي ظن ان الفرنسيين وليس البريطانيين متورطون فيه. وانه فقط بعد الاعلان عن الانذار النهائي الذي اصدره الفرنسيون والبريطانيون، ادرك دالس وجود النوايا المخفية. وقد ابلغ كريستيان بينو، الاكثر واقعية من ايدن، الولايات المتحدة عن حقيقة تواطئهم، بينما كان ايدن لا يزال يتظاهر امام الاميركيين بان ذلك التواطؤ لم يحدث، مما زاد من غضب الاميركيين.

رد على الخداع

واذا ما وضعنا في الاعتبار ان ايدن كان يعرف ايزنهاور منذ فترة تزيد على عشر سنوات، فإنه كان من سوء التقدير لشخصه الاعتقاد انه لن يرد على خداعه وتضليله في مثل تلك القضية المهمة على يد شخص كان يثق به. وفي الواقع، ووفق ما ذكره السفير البريطاني لدى اميركا حينها، فإن ايزنهاور وليس وزير خارجيته دالس من كان يقوم بالخيارات الكبرى في السياسة الخارجية الاميركية.
واستمرار ايدن في محاولاته للتغطية اضر بموقفه، وعندما قال في مجلس العموم في 20 ديسمبر انه لم «يكن على علم مسبق بأن إسرائيل سوف تهاجم مصر» كانت تلك كذبة. والكذب امام مجلس العموم امر لم يلجأ اليه ايدن البتة طوال اكثر من اثنين وثلاثين عاما كان فيها عضوا في البرلمان. وكان ذلك امرا مخالفا لسلوكه وشخصيته وقد عجل بتركه منصبه. ففي الاول من يناير عام 1957 أكد هوراس ايانز ان على رئيس الوزراء الاستقالة والا فانه سوف ينتحر في نهاية المطاف.
وأشار أحد الاطباء الى اصابته بأضرار في الكبد. وفي الواقع فقد استقال ايدن لاسباب سياسية وليس صحية تماما. وابلغ ايدن وينستون تشرشل اولا بقراره. ومن بين آخر ما قام من واجباته كرئيس للوزراء املاء مذكرة حول آخر لقاء له مع الملكة في 9 يناير قبل تقديم استقالته في اليوم التالي «لقد ابلغتها ان تقرير الاطباء الذي اطلعت عليه الملكة لم يترك اي خيار سوى التخلي عن واجباتي كرئيس لوزرائها».

الختام
ما هو مدى اهمية مرض ايدن في الاخطاء التي وقعت في ما يتعلق بقضية السويس؟
يقول المؤرخ والنائب البرلماني السابق عن حزب المحافظين روبرت رودس انه من الصعب بالنسبة له «تحديد العوامل التي دفعت ايدن للالتزام بموقف شرعي تماما الى آخر يقترب من كونه غير شرعي». وهنالك من تشكك في ان يكون مرضه قد شكل عاملا مهما. وقد كتب هيو توماس ان احد الاطباء ممن اشرفوا على وضعه الصحي، ربما الدكتور تي هانت، اعتقد ان ايدن ما كان سيتصرف بطريقة مختلفة للغاية في ازمة السويس ان كان يتمتع بصحة جيدة.
غير انني لا اعتقد ان تلك الملاحظة يمكن تبريرها عند الاخذ بعين الاعتبار التحليل المفصّل الذي قدمته حول توقيت قرارات ايدن الخطيرة والحالة الصحية التي كان يمر بها. ان كعب آخيل في ازمة السويس ليس الخطوة العسكرية، بل قرار التواطؤ مع اسرائيل من دون دعم اميركي.
وإذا كان ايدن في حالة صحية جيدة حينها، فإن الادلة تشير، بالنسبة لي، انه كان سيرفض السير في مثل ذلك الطريق.
ومن دون شك فإن اعتقاد ايدن في الحاجة الى اتخاذ موقف قوي يعود لنظرته الى ازمة السويس على انها تشكل جزءا من مشكلة اوسع يمثلها في رأيه التهديد السوفيتي. وان نظرته تلك ليس لديها ادنى صلة بحالته الصحية، وايدن نظر الى الاتحاد السوفيتي ونواياه القريبة والبعيدة المدى في الشرق الاوسط بأنها تمثل تهديدا خطيرا. وكان ايدن يخشى قيام عبدالناصر المتهور المسنود بدعم سوفيتي بتحرك ضد اسرائيل في ربيع عام 1957.
وقد شكل مرض ايدن احد العوامل التي حددت سياسته تجاه تأميم قناة السويس ولكنه احتل موقعا مركزيا في ما يتعلق بالطريقة التي نفذت بها تلك السياسة. وروبرت كار الوزير البارز في حزب المحافظين في اوائل السبعينات عندما كنت عضوا في البرلمان. وهو صديق مقرب من ايدن ومن المعجبين به وعمل في منصب سكرتيره الخاص. ولذلك فانني اعتبر تقييمه للحالة الصحية والذهنية لايدن في ذلك الوقت تقييما مهما. فهو يقول: «انني اجد صعوبة في قبول ما يقال من ان صحة ايدن لم يكن لها تأثير حاسم على ادارة تلك السياسة.
وقد كان سيتبع السياسة الاساسية ذاتها اذا كان في صحته جيدة ولكنني اجد من الصعوبة بمكان الاعتقاد انه كان سيرتكب مثل تلك الاخطاء الواضحة في الحساب في تنفيذها في المجالين السياسي والعسكري». ولمصلحة البلاد كان على اطبائه اقناعه بالتوقف عن اتخاذ القرارات لفترة على الاقل في الفترة التي عانى فيها من ارتفاع الحمى.
واذا كان ايدن قرر الاستقالة بسبب حالته الصحية او انه كان قد ابلغ مؤتمر الحزب بانه مريض وانه سيسافر حسب نصيحة اطبائه الى جامايكا في تلك الليلة 13 اكتوبر، وليس كما فعل في نوفمبر لكان تاريخ ازمة السويس قد اصبح مختلفا تماما. ولكانت مفاوضات سلوين لويد في نيويورك مع وزير الخارجية المصري التي اعتبرها ايدن وانتوني ناتينغ تدعو للتفاؤل قبل اجتماعه مع شاليه، قد استمرت لبضعة اسابيع اضافية. ولما استطاع رئيس وزراء مكلف بالوكالة بانجاز المهام اي تبلر على سبيل المثال او وزير الخارجية في وضع يمكنه اتخاذ سياسة جديدة تماما مثل تلك التي اقترحها الفرنسيون والاسرائيليون وعلى الاقل حتى بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الاميركية في 6 نوفمبر.
كما ان الوضع في هنغاريا كان سينتهي الى نتيجة مختلفة في حال عدم غزو قناة السويس في اكتوبر. ففي الوقت الذي اعتدت فيه اسرائيل على مصر في 29 اكتوبر كانت الثورة الهنغارية التي بدأت في 23 اكتوبر في حالة وقف لاطلاق النار والقوات السوفيتية التي ارغمت على التراجع كانت في حالة انسحاب. الا انه في الثاني من نوفمبر سافر نيكيتا خروتشوف للقاء الزعيم اليوغسلافي المارشال جوزيف بروز تيتو، وقد وافق تيتو ان هناك سببا يدعو السوفيت لغزو هنغاريا وقال خروتشووف لتيتو ان أزمة السويس وفرت «فرصة مناسبة، فهذا الأمر سيساعدنا وسيكون هنالك ارتباك وضجيج في الغرب وفي الأمم المتحدة، وكان هذا الوضع سيكون أقل بكثير مما لولا شنت بريطانيا وفرنسا واسرائيل حربا ضد مصر، فهم متورطون هناك ونحن متورطون في هنغاريا».
وبعد وقت قصير من منتصف ليلة الاحد 4 نوفمبر اخترقت الدبابات السوفيتية الدفاعات المحيطة ببودايست وفي 5 نوفمبر بعث بوب بيرسون ديكسون برقية إلى وزير الخارجية في الامم المتحدة يقول فيها «لقد تم وضعنا دون شك في الفئة ذاتها التي تضم روسيا لقصفها بودابست ولا أرى انه سيكون في مقدورنا ان نكون مقنعين في احتجاجنا على القصف الروسي لبودابست في الوقت الذي نقصف نحن فيه القاهرة».
لقد كان لازمة السويس أثر بالغ طويل المدى على السياسة الخارجية البريطانية والفرنسية، وقد تحرك الفرنسيون في غضب باتجاه تحدي الهيمنة الاميركية. والبريطانيون، بعد مواجهة الاذلال، توجهوا نحو اعادة بناء العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة والاعتماد عليها وفي عبارة النعي الذي نشرته صحيفة التايمز في عام 1977، فان «ايدن كان آخر رئيس وزراء يعتقد ان بريطانيا قوة عظمى والأول الذي واجه ازمة اثبتت انها ليست كذلك».

تأليف: اللورد ديفيد اوين

- تولى منصب وزير الخارجية في حكومة رئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان في سبعينات القرن الماضي.
- شارك في تأسيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي وتولى زعامته في وقت لاحق. وهو الآن عضو في مجلس اللوردات.
- ظل لفترة طويلة يهتم بأثر الصحة في رؤساء الحكومات.
- لدى اللورد اوين العديد من المؤلفات في المجال السياسي مثل «أوديسا البلقان» و«متلازمة الغطرسة» وغيرهما.


الحلقة العاشرة:
كنيدي أخفى عن الأميركيين حقيقة وضعه الصحي السيىء





Pictures%5C2009%5C06%5C04%5C96734b8b-1378-44f9-a484-392e0ec0582b_maincategory.jpg
• رئيس الوزراء البريطاني السير أنتوني ايدن (يسار) وإلى جانبه رئيس الوزراء الفرنسي غاي موليه أثناء المحادثات الفرنسية - الإنكليزية التي عقدت لبحث الأوضاع في قناة السويس عام 1956
القبس
 
31-07-2011, 03:36 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

المرض والسلطة 10 كنيدي أخفى عن الأميركيين حقيقة وضعه الصحي السيىء كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C05%5C0fbf28c9-de1c-44ea-8e2d-13c8bd75e6cf_main.jpg


ترجمة واعداد:
محمد حسن ومحمد امين
تأليف: اللورد ديفيد اوين

يقدم كتاب «المرض والسلطة» لمؤلفه وزير الخارجية البريطاني الأسبق اللورد ديفيد أوين، الذي تنشره «القبس» على حلقات، دراسة للمرض وأثره في رؤساء الدول. وينظر في كيفية تأثير المرض والعلاج البدني والنفسي، في عملية إدارة الحكم وفي اتخاذ القرارات التي قد تقود إلى التصرفات الحمقاء أو الغبية أو الطائشة.
ويهتم الكاتب بصفة خاصة بالزعماء الذين لا يعانون من المرض بالمعنى العادي، ومن تعمل وظائفهم الإدراكية بصورة جيدة، ولكنهم أصيبوا بما يطلق عليه «متلازمة الغطرسة»، التي أثرت في أدائهم وتصرفاتهم. ومثل هؤلاء الزعماء يعانون من فقدان القدرة والوثوق المفرط في النفس، وازدراء النصيحة والمشورة التي تتعارض وما يعتقدونه، بل وحتى رفض أي نصيحة مهما كانت.
ولقد ظل الدكتور ديفيد اوين ومنذ فترة طويلة يهتم بالعلاقة المتبادلة بين السياسة والطب، وهو يستخدم في الكتاب معرفته الواسعة في المجالين للنظر في المرض ضمن حالات مختلفة في حياة السياسيين، وما إذا كان من الممكن حماية المجتمعات من مرض زعمائها!


الرئيس جون كنيدي ومرض أديسون

انتخب جون كنيدي رئيسا للولايات المتحدة في نوفمبر 1960 متغلبا على ريتشارد نيكسون باغلبية 303 مقابل 219 صوتا من اصوات المجمع الكلي، وكان في الثالثة والاربعين من عمره لدى انتخابه كأصغر رئيس للولايات المتحدة. واصبح اسمه يتردد على كل لسان ليس في الولايات المتحدة وحدها بل في شتى اصقاع العالم، وكان امراً مأساويا ان يكون ايضا اصغر رئيس اميركي يتوفى ورابع رئيس اميركي يقضي اغتيالا.
حين تولى السلطة كان الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف يبلغ السادسة والستين، وكذا رئيس الوزراء البريطاني هارولد ماكميلان والفرنسي شارل ديغول في السبعين من عمره، ورئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو في الحادية والسبعين، ورئيس الوزراء الاسرائيلي ديفيد بن غوريون في الرابعة والسبعين، والبابا يوحنا الثالث عشر في التاسعة والسبعين، والمستشار الالماني كونراد ادنيور في الرابعة والثمانين وكلهم جميعا كانوا في حالة صحية افضل من كنيدي ذي الثالثة والاربعين.

اخفاء المرض
لقد اخفى كنيدي عن الشعب الاميركي حقيقة وضعه الصحي الذي كان اسوأ بكثير مما يعرفه العامة، فقد كان يعاني من مرض اديسون الذي جعله يعتمد على علاج استبدال الهرمونات من اجل البقاء حيا، فاثناء حملته الانتخابية فقدت حقيبة خاصة تحتوي على ادويته، فأعلن كنيدي الاستنفار لعمله ان كشف سر هذه الحقيبة سيجعله يخسر السباق على البيت الابيض.
ومما اثار القلق اكثر ان الرئيس كنيدي لم يفكر ابدا في تغيير نمط حياته، فلم يعين طبيبا خاصا له، ولم يحاول ضبط تناول الادوية، او انه فشل في ذلك وبدلا من ذلك ركز كنيدي على استخدام قوة الرئاسة للحفاظ على سرية مرضه والترويج لصورة الشاب الحيوي والمعافى والطبيعي والسعيد ورجل العائلة، وهي صورة ابعد ما تكون عن الحقيقة.

اخطاء السنة الاولى
وفي بداية رئاسة كنيدي، كنت لا ازال طالبا في كلية الطب في لندن، وكانت لدي مثل بقية الشباب حول العالم، امال عريضة بالرئيس كنيدي لا سيما في ظل الظروف الخطيرة التي كان الجميع يستشعرها في اوج الحرب الباردة والتهديد الشيوعي والاخطار النووية وسباق التسلح، وكانت ازمة الصواريخ الكوبية من ضمن هذه المشكلات.
لقد وقع الرئيس كنيدي خلال السنة الاولى من ولايته بعدة اخطاء حيال التعامل مع كوبا، وخاصة خلال ازمة خليج الخنازير حين دعم في السابع من ابريل 1961 مجموعة كوبية مناوئة لكاسترو خططت لشن هجوم على كوبا، ثم تلا ذلك فشل اللقاء الذي عقد بين كنيدي وخروتشوف في فيينا لبحث الازمة وهو الفشل الذي يتحمل كنيدي وحده المسؤولية عنه، وفي اعتقادي ان نقص الخبرة ليس وحده ما يفسر هذه الاخفاقات، بل كان لذلك جذور تعود إلى الحالة الصحية لكنيدي، وعلى الرغم من نفي طاقم الموظفين الذين عملوا معه، إلا أنه اصبح معروفا من رواية كاتب السيرة الذاتية للرئيس الشاب، ريتشارد ريغز، ان غالبية التقارير التي كشفت عن معاناة الرئيس من المرض، كانت صحيحة.

المريض والمعافى

وأظن ان التغير في الحالة الصحية للرئيس كنيدي من عام 61 حيث كان في صحة متردية وعام 62 حين تحسنت، كان له تأثيره في قدرة الرئيس على اتخاذ القرار في حالتي أزمة خليج الخنازير وأزمة الصواريخ الكوبية.
ففي أزمة خليج الخنازير، وعلى الرغم من كل الآراء والنصائح للإدارة بعدم الإقدام على خطوة غزو كوبا لدعم معارضي كاسترو، قرر كنيدي المضي قدما في هذه العملية لاعتبارات سياسية داخلية، ولرغبته في إظهار موقف متشدد وحتى لا يظهر ضعيفا مقارنة بايزنهاور. وكان شقيقه روبرت كذلك، يحثه على اظهار التصميم والقسوة تجاه كوبا. وكان روبرت مدفوعا بعداء شخصي ضد كاسترو لدرجة التورط لاحقا في محاولة اغتياله.

غزو «لا أساس له»!
وفي الساعة الثامنة من صباح يوم السبت 15 أبريل 61 قصفت ثماني طائرات من طراز بي 52 انطلقت من نيكاراغوا، المطارات العسكرية الكوبية ودمرت خمس طائرات فقط من أصل ست وثلاثين طائرة مقاتلة، كما انطلقت طائرة أخرى تحمل العلامات الكوبية من نيكاراغوا إلى ميامي لاعطاء الانطباع بأن طيارا كوبيا يفر بطائرته إلى الولايات المتحدة وهبطت الطائرة في ميامي. وفي الأمم المتحدة، نفى المندوب الأميركي أنباء الغزو لكوبا، واصفا المزاعم بأنها لا أساس لها من الصحة، وقال ان الطائرات التي قصفت المطارات الكوبية هي طائرات كاسترو. وتبيّن أن المندوب لم يكن على علم بما حدث وكاد يقدم استقالته لولا اتصال الرئيس كنيدي به شخصيا ليهدئ من غضبه.
وفي النهاية، فشلت عملية خليج الخنازير واستسلم ألف ومائة من القوات المناوئة لكاسترو ولم تتمكن القوات الأميركية من اخلاء أكثر من 14 مقاتلا من مناهضي كاسترو.
وحاول كنيدي إلقاء اللائمة على الآخرين، لكن كان بذلك يخدع نفسه. وقد وصف أحد المحللين قرار كنيدي الدخول في هذه المغامرة بأنه «حسابات خاطئة».
لقد وصف أحد المقربين من البيت الأبيض، الرئيس كنيدي بأنه لم يكن حازما ولا قويا كما كانت الصورة المروّجة عنه دائما، وكان مزاجه يتغير بتغيّر الدواء أو مجموعة الأدوية التي كان يتعاطاها. وينطبق ذلك تحديدا على أزمة خليج الخنازير.

عظمه طري
أدت هذه الأزمة بالزعيم السوفيتي نيكيتا فروتشوف للسخرية من كنيدي كرئيس شاب غض العظام وقليل الخبرة ولا يصمد أمام التحدي، ولكن حين جاء التحدي بعد ثمانية عشر شهرا على شكل أزمة الصواريخ الكوبية، تصرف كنيدي بشكل مختلف تماما، لا سيما حين شكل لجنة استشارية لتساعده في التعاطي مع الأزمة.
ولم يكن التغيير في ادارة الأزمة فحسب، كما لم يكن نتيجة لتعلم الرئيس من ازمة خليج الخنازير، بل كان التغيير الأعمق يتصل بالحالة الصحية للرئيس والعلاج الذي كان يتعاطاه، ولا يمكن فهم التعاطي القاصر والمليء بالنقائص في حالة ازمة خليج الخنازير، والمعالجة الناضجة والكفؤة لأزمة الصواريخ الكوبية، الا اذا اخذنا بعين الاعتبار الحالة الصحية للرئيس كنيدي المختلفة في الحالتين.
ــ السجلات الطبية لآل كنيدي ليست كلها موجودة، لكنني درست تلك المتوافرة منها في مكتبة كنيدي، وخاصة الذي يعود منها الى فترة 1962/1961، وربما كانت السرية التي احاطت بصحة الرئيس الأكثر ضررا على رئاسته.
فالحقائق تشير الى ان صحة كنيدي لم تكن مستقرة منذ سنوات طفولته الاولى، فقد ادخل المستشفى عام 1920 ولم يكن قد بلغ الثالثة من عمره، مصابا بالحمى القرمزية.
وفي الثالثة عشرة فقد كثيرا من وزنه واصبح بطيء النمو، وفي عام 1934 وحين كان في السابعة عشرة ادخل الى مستشفى مايو كلينيك لمدة شهر وتبينت اصابته بالتهاب بالقولون، وظن آخرون انه مرض باطني آخر، وفي عام 1937 كان يتعاطى الكورتيزون لتخفيف آلام القولون، وربما ظهرت عليه آنذاك اعراض الاصابة بمرض ضعف النشاط الكظري HYPOADRINALISM.
وظل كنيدي يعاني من آلام الظهر التي قيل انها نشأت بعد حادث سيارة طوال معظم سنوات حياته بعد الشباب، واشار البعض الى ان المرض يعود الى دواء STEROID الذي كان يتعاطه، وربما للسببين معا.

قرحة في الأثني عشر
وفي الثالث والعشرين من نوفمبر 1943 اظهر الكشف الطبي اصابته بقرحة في الاثني عشر، ولكن ذلك ربما كان تأثيرا جانبيا لدواء الستيرويد، واستمرت آلام الظهر لديه وبعد اجراء الفحوص في عدة مستشفيات اجريت لكنيدي عملية في مستشفى نيو انغلاند في الثالث والعشرين من يونيو 1944 ولم يتضح للجراح ان كنيدي مصاب بالديسك كما كان متوقعاً، بيد ان الفحص المخبري الدقيق أظهر اصابته بضعف في الغضروف الليفي، والذي يعتقد انه اثر جانبي لدواء الستيرويد، وفي اكتوبر 1944، تم حقن كنيدي بدواء البروكاني في اعصاب فقرات الظهر اليسرى، وظل يحقن بهذا الدواء لفترة من الزمن لتخفيف آلام الظهر التي كانت يعاني منها كثيراً.
وعلى الرغم من ان أحد الاطباء في سلاح البحرية كان يعتقد ــ صائبا ــ ان الكثير من الاعراض التي ظهرت على كنيدي تعود إلى مرض اصيب به منذ زمن طويل، أعلن مجلس طبي تابع لسلاح البحرية في 27 ديسمبر 1944 ان آلام البطن ربما كانت نتيجة لبقاء كنيدي في الماء لاكثر من خمسين ساعة ولانه امضى اكثر من اسبوع دون ان يشرب الماء، ولذلك تم ادراج اسم كنيدي ضمن قائمة الذين يتقاعدون اعتباراً من الاول من مارس 1945 بسبب حالته الصحية.
وظل كنيدي يعاني من آلام المعدة والظهر خلال الفترة من 45 - 1947، وعاودته الملاريا التي اصيب بها عام 1944. وقد تم اكتشاف اصابة كنيدي بمرض اديسون لاول مرة في عام 1947 من قبل الدكتور السير دانيال ديفيس، وكان حينها عضواً في الكونغرس عن ولاية ماساتيوشيش. وربما كان يعاني من شكل معتدل من اشكال المرض لمدة عشر سنوات قبل ادخاله الى مستشفى «لندن كلينيك» وبدأ يتعاطى دواء كوريتسول منذ عام 1937. وفي عام 47 بدأت تظهر عليه كل اعراض المرض كالدوار والتقيؤ والحمى والاجهاد وعدم القدرة على استعادة الوزن واصفرار الجلد، وربما توقف - لسبب ما - عن تعاطي دواء كوريتسول.

لن يعيش عاماً!
وبعد اكتشاف المرض لديه في لندن، قدّر الاطباء انه لن يعيش لاكثر من عام واحد. وكان شديد التوعك اثناء الرحلة البحرية من لندن الى الولايات المتحدة في اكتوبر 1947، واستمرت لديه آلام الصداع والتهابات الصدر والمعدة والمسالك البولية. وفي عام 1951، واثناء زيارة كان يقوم بها لليابان تعرض لازمة صحية مرتبطة بمرض اديسون. وفي يوليو 1953، ادخل الى مستشفى جامعة واشنطن بسبب معاودة آلام الظهر له.
في الثاني عشر من سبتمبر 1953 تزوج كنيدي من جاكلين بوفير ولكن في ابريل 54، اظهرت صور الاشعة في ليهي كلينيك ان الفقرة الخامسة في اسفل الظهر متآكلة وفي الثاني والعشرين من اكتوبر 54 اجريت له عملية جراحية استغرقت ثلاث ساعات، وتم زرع قطعة معدنية في ظهره لاسناد عموده الفقري. وسار كل شيء على ما يرام في البداية، ولكن اصيب بالتهاب شديد في اليوم الثالث ولم يكن ليستجيب للعلاج بالمضادات الحيوية، فدخل في غيبوبة، واجريت له عملية جراحية اخرى في فبراير 1955، لازالة القطعة المعدنية والبرغي المزروعين في اسفل الظهر لانهما كانا يسببان له الالتهابات الدائمة. وكان الجمهور في ماساتيوشيش يعلم بالعمليات التي اجريت لكنيدي في ظهره، ولكن لم يبلّغوا ابداً بمرض اديسون.

اختبار الشجاعة
لقد كانت العمليتان في الظهر عامي 54 و55 اختباراً كبيراً لشجاعة كنيدي وقدرته على الاحتمال واستغل التجربة لتأليف كتاب حول الشخصيات التاريخية التي اظهرت شجاعة منقطعة النظير. وكلما عرف الشخص عن سجل كنيدي الطبي، زاد اعجابه به.
لم يكن معظم الاميركيين لدى انتخابهم جون كنيدي رئيساً، يعرفون عنه سوى انه ذلك الشاب الحيوي الذي يتمتع بصحة ممتازة.
ففي مناظراته التلفزيونية التي اجراها مع منافسه ريتشارد نيكسون، بدا كنيدي بكامل لياقته وصحته وطاقته، مقابل نيكسون المتعب الذي يتصبب عرقاً وذي الذقن الحليق جزئياً.
وطوال الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي وانتخابات الرئاسة عام 1960، نفى أنصار كنيدي انه مصاب بمرض اديسون، والسبب في ذلك معروف. فقد كان السيناتور كنيدي نفسه ينفي الإصابة بالمرض.
وبعد انتخابات الرئاسة في نوفمبر 1960 فقط، وافق روبرت كنيدي على اعطاء القليل من المعلومات عن صحة الرئيس المنتخب. وفي عدد شهر نوفمبر من مجلة TODAYS HEALTH نشرت مقالة لجانيت ترافيل ويوجين كوهين حول مرض اديسون، الأمر الذي سلط بعض الضوء على صحة الرئيس، ولكن كان عليهم الانتظار لأربعة عقود أخرى لتتكشف الحقائق شيئا فشيئا عن صحة كنيدي.
ولم يكن الشعب الأميركي وحده الذي حُجب عنه سر صحة الرئيس كنيدي. وقد بلغت درجة السرية حدا ان أقرب مساعديه لم يكن يعلم عن ذلك شيئا، وكانت دائرة ضيقة جدا هي التي تعلم ما كان يعلمه اطباؤه عن حالته الصحية وتشمل زوجته وشقيقه روبرت ووالده.
وقد ذكرت ترافيل التي اصبحت طبيبة الرئيس الخاصة بعد دخوله البيت الأبيض في مذكراتها، ان الرئيس قال لها ذات يوم ان تيد سورنسين المقرب منه وكاتب خطاباته هو الوحيد الذي يعرف كل شيء عن مرضه. وطلب منها ان نناقش اي شيء يتعلق بمرضه مع هذا الشخص وحده ولا أحد غيره.
وتؤكد ترافيل ان السرية حيال صحة الرئيس كنيدي ظلت مستمرة حتى بعد وفاته.
وكان البروكين PROCAINE من الأدوية التي كانت طبيبته تصفه له. ومن الآثار الجانبية لهذا الدواء انعدام التركيز وضعف الانتباه والتعب وتغير المزاج ومزيج من التردد والضعف والقلق والاجهاد.. وكلها من الاعراض التي لوحظت على الرئيس في أيام رئاسته الأولى.
وللتخفيف من آلام الظهر، كان الرئيس يستحم بالماء الساخن خمس مرات يومياً. ويسبح في بركة من الماء الساخن ويستخدم كرسياً خاصاً، وذلك فضلاً عن حقن PROCAINE ثلاث إلى ست مرات يوميا في أسفل الظهر.
وتُظهر سجلات ترافيل المكتوبة أن الرئيس كان يعاني من مشكلات في المعدة والقولون والبروستاتا والحمى الشديدة والجفاف و«الخراجات» Abscesses والارق وارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، اضافة إلى متاعب آلام الظهر.
فإذا كان تأثير كل هذه الآلام والأدوية المعطاة لعلاجها على القرارات التي كان على الرئيس كنيدي اتخاذها لدى اندلاع أزمة خليج الخنازير؟ كجزء من العلاج الضروري لمرض اديسون، كان يتعين على كنيدي ان يتعاطى دواء تستوسترون TESTOSTERONC الأمر الذي كان يدفع الرئيس الى التصرف الشديد، والعدواني أحياناً.
فمع اقتراب موعد الغزو، كان كنيدي يعاني من الاجهاد الشديد، وحين كانت درجة الاجهاد تزيد يصبح من الصعب على الأطباء الجزم بشأن الجرعة المناسبة من الستيرويد والتستوسترون الواجب اعطائها للمريض. وكان كنيدي يعالج أيضا من مجموعة من الأمراض التناسلية منذ عام 1940.
ماذا كانت ردة فعل كنيدي الصحية على غزو كوبا خلال يومي 17 و18 ابريل 61؟

تمزق كامل
الإجابة هي انه عانى باستمرار من التقيؤ الشديد وعاودته التهابات المسالك البولية، وقد تم اعطاء الرئيس الكثير من الأدوية غداة يوم الغزو.
ويصف الوزير شيستر باولز، الرئيس كنيدي في جلسة الحكومة في اليوم التالي بأنه «كان في حالة تمزق كامل»، وكان يقاطع المتحدثين بملاحظات خارج السياق، وأحيانا يحدث نفسه، لقد حرمته تلك الأزمة من النوم ويصف الأزمة بأنها الأسوأ في حياته. وكان دائم الحديث مع والده بالهاتف، ولم يكن ذلك بالسلوك اللائق بالقائد العام للقوات المسلحة.
وتظهر وثائق البنتاغون ان الرئيس كنيدي وافق أثناء اجتماع مجلس الأمن القومي على اتخاذ خطوات سرية في فيتنام. وقد غادرت القوات الخاصة بعد عدة أسابيع فيتنام الجنوبية. ويعتقد البعض ان تلك كانت لحظة حاسمة في توسيع نطاق الحرب وتصعيدها في فيتنام. وكان الرئيس قد مارس الجنس في اليوم السابق مع إحدى عشيقاته في شيكاغو، ولذلك لم يكن مؤهلا جسديا ولا عاطفيا لاتخاذ مثل هذه القرارات المهمة.

الحلقة 11 :
كنيدي عولج بالمهدئات عند طبيب سُحبت رخصته


- تولى منصب وزير الخارجية في حكومة رئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان في سبعينات القرن الماضي.
- شارك في تأسيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي وتولى زعامته في وقت لاحق. وهو الآن عضو في مجلس اللوردات.
- ظل لفترة طويلة يهتم بأثر الصحة في رؤساء الحكومات.
- لدى اللورد اوين العديد من المؤلفات في المجال السياسي مثل «أوديسا البلقان» و«متلازمة الغطرسة» وغيرهما.




Pictures%5C2009%5C06%5C05%5C9be9ad69-edbe-4c53-8baa-0e3cb880e0de_maincategory.jpg
• كنيدي .. قدرته على احتمال الآلام والامراض كبيرة
Pictures%5C2009%5C06%5C05%5Cc9ab2d77-89ce-44ea-a0aa-7d40f1bab9b3_maincategory.jpg
اللورد ديفيد اوين
 
31-07-2011, 03:57 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

لمرض والسلطة 11 كنيدي عولج بالمهدئات عند طبيب سُحبت رخصته كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C06%5C3813b6d3-7f0f-475f-9fcd-9cc3bfa97c04_main.jpg


ترجمة واعداد: محمد حسن ومحمد امين
تأليف: اللورد ديفيد اوين
يقدم كتاب «المرض والسلطة» لمؤلفه وزير الخارجية البريطاني الأسبق اللورد ديفيد أوين، الذي تنشره «القبس» على حلقات، دراسة للمرض وأثره في رؤساء الدول. وينظر في كيفية تأثير المرض والعلاج البدني والنفسي، في عملية إدارة الحكم وفي اتخاذ القرارات التي قد تقود إلى التصرفات الحمقاء أو الغبية أو الطائشة.
ويهتم الكاتب بصفة خاصة بالزعماء الذين لا يعانون من المرض بالمعنى العادي، ومن تعمل وظائفهم الإدراكية بصورة جيدة، ولكنهم أصيبوا بما يطلق عليه «متلازمة الغطرسة»، التي أثرت في أدائهم وتصرفاتهم. ومثل هؤلاء الزعماء يعانون من فقدان القدرة والوثوق المفرط في النفس، وازدراء النصيحة والمشورة التي تتعارض وما يعتقدونه، بل وحتى رفض أي نصيحة مهما كانت.
ولقد ظل الدكتور ديفيد اوين ومنذ فترة طويلة يهتم بالعلاقة المتبادلة بين السياسة والطب، وهو يستخدم في الكتاب معرفته الواسعة في المجالين للنظر في المرض ضمن حالات مختلفة في حياة السياسيين، وما إذا كان من الممكن حماية المجتمعات من مرض زعمائها!

في حدود شهر مايو 1961 استأنف كيندي علاجه مع الدكتور ماكس جاكوبسون الذي كان يراجعه خلال الحملة الانتخابية، ولم يكن جاكوبسون طبيباً عادياً، بل بنى سمعته من معالجة المشاهير والاثرياء في عيادته في مدينة نيويورك، فمن كانوا يسعون إلى تقوية قدراتهم الجنسية وتجديد شبابهم.
واشارت التقارير إلى ان رخصته لممارسة الطب سُحبت في عام 1975 بسبب ادلة عن حقن مرضاه بأدوية محظورة. وخاصة الأدوية المهدئة، ولم يكشف النقاب عن ان الرئيس كيندي كان يتداوى عند جاكوبسون سوى في عام 1972، حتى نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً بهذا الشأن.
وعلى الرغم من نفي مؤيدي كينيدي، نَسُر روبرت واليك سيرة ذاتية للرئيس عام 2003، بعد ان سمحت له لجنة أمناء مكتبة كيندي بالاطلاع على سجلات طبية كانت سرية قبل ذلك، ويؤكد داليك في كتابه ان كيندي حصل على المهدئات من الدكتور جاكوبسون.
الرئيس مرتاح لعضلاته
وورد في مذكرات جاكوبسون غير المنشورة، فصل عن حالة كيندي الصحية، فقد كان جاكوبسون رائداً في علاج الاجهاد والتوتر، وبعد أول زيارة لكيندي إلى عيادته في شهر سبتمبر 1960، نقل الطبيب عن الرئيس قوله ان ضعف عضلاته قد اختفى تماماً وانه يشعر بالارتياح والنشاط، ولم يتحدث جاكوبسون عن الدواء الذي وصفه لمريضه ولكن على الارجح انه حقنه بالمهدئات التي يستخدمها عادة مع مرضاه، ولا سيما المركب الذي يعدّه بنفسه ويدعي XAM وهو عبارة عن مزيج من المهدئات والسيترويد.. ولم يذكر جاكوبسون انه اعطى أية أدوية ليحقنها كيندي لنفسه بنفسه، مع ان هذه كانت ممارسة عادية بالنسبة له.
«اف بي اي» تعثر على أدوية
زار الرئيس كيندي كندا خلال الفترة من 16 ــ 18 مايو 61 والحق ضرراً كبيراً بظهره حتى شارك في الحفر لزراعة شجرة ولم تذكر ترافيل شيئاً عن ألم ظهره، واكتفت بملاحظة كونه «متعب»، وقد يكون الرئيس قد تلقى علاجات وأدوية لم يتم تثبيتها رسميا في المذكرات أو ربما فقدت التقارير التي تتضمن هذه العلاجات.
ويقول د. جاكوبسون انه عالج زوجة الرئيس ايضاً ثم الرئيس الذي كان يعاني من آلام مبرحة في الظهر نتيجة مشاركته في زراعة الاشجار أثناء زيارته لكندا، وقد هدف العلاج إلى تخفيف آلام الظهر واعطاء الرئيس مزيداً من القوة للتأقلم مع الاجهاد، الأمر الذي تطلب حقنه بالمهدئات والسيرويد ويشاع ان «اف. ب. اي» عثر على خمس زجاجات من الأدوية في البيت الأبيض وبعد تحليلها تبين احتواؤها على تركيبات من المهدئات والستيرويد.
وبعد العلاج في مايو 1961 امكن الرئيس المشي وزعم جاكوبسون ان الرئيس ابلغه انه يشعر بتحسن كبير وانه طلب منه ان يرافقه في جولته الاوروبية في الاسبوع التالي، وتشير التقارير ان جاكوبسون لم يعالج أو يعط أدوية لكيندي خلال ازمة خليج الخنازير، لكنه ربما فعل ذلك خلال الفترة التي سبقت لقاء القمة بين كيندي وخروتشوف أو اثناء القمة ــ أي بعد اكثر من اسبوعين على اندلاع الأزمة.
ولم ينشق جاكوبسون لدىاعطاء مثل هذه الأدوية للرئيس، مع أي من اطبائه الاخرين، بل لم يرد أي ذكر لجاكوبسون أو ادويتة، في الملاحظات الطبية لترافيل.

قلق شديد
ومع حلول صيف 1962 كان روبرت كنيدي يشعر بقلق شديد حيال علاقة جاكوبسون بشقيقه الرئيس وطلب من «اف. بي. أي» تحليل محتوى الادوية التي كان يعطيها له، وسمحوا بعد تحليلها، بمواصلة العلاج الذي استمر حتى خريف 1962 على الاقل، وكان جاكوبسون يعطيه المهدئات والستيرون بشكل منتظم، بما في ذلك اثناء مرافقته في جولته الاوروبية الى باريس وفيينا ولندن، وكان ذلك يثير حفيظة اطباء البيت الابيض، بخاصة اعطاؤه مثل هذه الادوية عشية اجتماع مهم كان مقررا مع خروتشوف في الثالث من يونيو في فيينا.
وقد تجاهل كنيدي الانتقادات للعلاج الذي كان يحقنه به جاكوبسون.

السؤال المهم
ولكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو هل نجح هذا العلاج؟
كل الادلة تشير الى ان تأثيرات حقن المهدئات والستيرون كانت مدمرة لآراء الرئيس كنيدي اثناء القمة مع خروتشوف، ولم يكن هناك طبيب واحد يشرف على صحة كنيدي، والزعم بأن الرئيس كان مغرما بالاطباء أكثر من غرامه بالنساء، وبما يكون صحيحا.
ويزعم جاكوبسون انه حين رأى جاكلين كنيدي صبيحة يوم 24 مايو، أرته زجاجة تحتوي على دواء ديميرول الذي يشبه المورفين، الذي وجدته في حمّام الرئيس، ويعتقد أن الرئيس كان يحقن نفسه بنفسه به، وأبدى جاكوبسون معارضته لتناول الرئيس هذا الدواء، ولا أحد يعرف مدى ادمان الرئيس على دواء ديميرول، أو مجموعة الادوية التي كان يتعاطاها.
وكان الرئيس قد طلب اعطاءه جرعة المهدئات لآلام الظهر قبيل اجتماعه المنتظر بالزعيم السوفيتي نيكليتا خروتشوف، بطلب من الرئيس الذي خشي ان تفاجئه الآلام أثناء الاجتماع الذي كان يقدّر له ان يستمر لأربع ساعات، وطلب كنيدي من جاكوبسون تكرار «علاج فيينا» لدى حضوره حفلا موسيقيا في البيت الابيض في نوفمبر 1961.
وبعد انتهاء اجتماع القمة مع خروتشوف، غادر كنيدي والوفد المرافق فيينا، متوجها الى لندن للاجتماع برئيس الوزراء هارولد ماكميلان، ويقول جاكوبسون انه اعطى الرئيس جرعة من العلاج عشية اللقاء، وذلك في منزل زوج شقيقة جاكي كنيدي، الامير ستانسلو رادزويل، ويزعم ايضا، انه رأى الرئيس في اليوم التالي واصطحبه بطائرة الرئاسة في طريق العودة إلى واشنطن، وانه حقنه بالعلاج على متن الطائرة.

كيف تتصرف من دون نساء؟!
وفي أول لقاء عمل في الخامس من يوينو، كان واضحا لماكميلان ان كنيدي يعاني من آلام الظهر والتوتر والاجهاد، فقطع الاجتماع واصطحبه الى غرفته الخاصة ليتبادلا احاديث غير رسمية لوحدهما من دون وجود احد، وظلا معا يتناولان الساندويشات والويسكي من الساعة 11،30 صباحا وحتى الثالثة بعد منتصف الليل، وأبلغ كنيدي مضيفه كم فوجئ بفظاظة صراحة الزعيم السوفيتي.
لقد نجح كنيدي بإقامة علاقة متنية مع ماكميلان على الرغم من اختلاف السن وخلافهما في المواقف حول العديد من القضايا التي ليس اقلها المرأة، وسأل كنيدي ماكميلان ذات يوم «لا أعرف كيف نتصرف من دون نساء، فأنا أصاب بالصداع الشديد، اذا مرت ثلاثة أيام علي بلا نساء».
واعلن خروتشوف بطريقته الوحشية العدوانية، ذات يوم، ان «برلين كانت أشبه بالخصي بالنسبة للغرب، فكلما ارادت الغرب أن يصرخ أضغط عليها»! ولكن الارشيف اثبت الآن ان خروتشوف لم يكن يرغب بالحروب، بل بالاستقرار لاوروبا واعترافاً بألمانيا الشرقية من الغرب»
وربما كانت قمة كنيدي - خروتشوف في فيينا نقطة تحول بالنسبة للرئيس الاميركي، فبعد ازمة خليج الخنازير كان كنيدي يلوم الآخرين، لكن بعد مقابلته خروتشوف، ادرك أن الخطأ خطأه هو وليس احداً غيره.
وقد وجد كنيدي سلوى في اقتباس من ابراهام لينكولن يقول: «اعرف ان هناك إلهاً وارى العاصفة مقبلة فاذا ترك لي مكاناً فاني اعتقد انني مستعد لمواجهتها».
ومع ذلك، فلم يكن كنيدي على استعداد لمواجهة اي عاصفة تأتيه في صيف 1961 لا من الناحية الذهنية ولا الجسدية. لقد اصبح معتمداً على حقن الدكتور جاكوبسون من المهدئات.

إدمان المهدئات
واعترف البيت الابيض بشدة آلام الظهر عند الرئيس، حين اعلن في الثامن من يونيو ان الرئيس سيتوجه الى بالم بيتش (فلوريدا) للراحة والاستجمام، لكنه لم يذكر شيئاً عند العلاج الذي يتعاطاه. ولم يمارس الرئيس أي نشاط رسمي حتى يوم 12 يونيو. وفي السادس عشر من يونيو حين عاد الرئيس الى البيت الابيض، لم يكن قادراً على صعود الدرج، وتم رفعه الى المكتب البيضاوي بواسطة رافعة تستخدم لإصلاح محركات الطائرة.
احتقان في الحلق
وفي العشرين من يونيو عانى الرئيس من احتقان في الحلق، وفي الثاني والعشرين من يونيو وصفت ترافيل الرئيس بأنه شهد أسوأ ايام الرئيس الصحية في البيت الابيض حيث ارتفعت درجة حرارته كثيراً، واعطي جرعات كبيرة من البنسلين واضطر الى أخذ حمّام بالماء البارد.

ألم ونعاس
وفي اغسطس 1961 تذمر كنيدي من انه يشعر بــ «الألم» و«النعاس»، وقد حقنته ترافيل بمزيد من دواء بروكين وصلت احيانا الى 5 او 6 مرات يومياً، اضافة الى المهدئات التي كان يحقنه بها جاكوبسون. ويزعم جاكوبسون انه مكث في ماساشوستس يوم 28 اغسطس حين طلب منه الالتحاق بالرئيس الذي كان في مدينة هايانيس، والذي قال انه وجده غاضباً ومنفعلاً قبل ان يقدم له العلاج. واضاف انه استدعي الى البيت الابيض ثانية يومي 18 و 19 سبتمبر ثم لمعالجة الرئيس في نيويورك في الخامس والعشرين من سبتمبر من التهاب في الحلق قبيل خطاب كان من المقرر ان يلقيه في الامم المتحدة.

حالة خطيرة
وفي خريف 1961 أصبحت حالة ظهره الصحية خطيرة لدرجة شعر فيها طبيبه من سلاح البحرية جورج بيركلي انه قد يصبح قريبا، عاجزا عن المشي وينتهي به الأمر إلى الكرسي المتحرك. وقد تم ابقاء الرئيس بمنأى عن الصحافة.
وقد أعطى بيركلي وكوهين لترافيل مهلة نهائية: إذا لم تستدع للرئيس الدكتور هانس كراوس المختص بأمراض الظهر لفحص الرئيس، فإنهما سوف يتحدثان إلى الرئيس مباشرة، وشعر كل من بيركلي وكوهين أن حالة الرئيس الصحية تتدهور بسرعة فخشيا أن يكون الرئيس متجها إلى حياة ذات نشاط محدود أو الاعتماد الكلي على الأدوية.

..إلا الصحافة!
وحاولت ترافيل عرقلة استدعاء كراوس في بادئ الأمر، وتسلحت بمعرفتها بعدم رغبة الرئيس في السماح لمزيد من الأطباء بدخول البيت الأبيض، مما قد يثير انتباه الصحافة، ولكن الأهم من ذلك، خشيت ترافيل أن يكون قدوم كراوس المختص في مجالها، مقدمة لإبعادها. لكنها فشلت في مساعي العرقلة، وتم استدعاء كراوس في السابع عشر من أكتوبر ومنذ تلك اللحظة بدأ نفوذ ترافيل بالاضمحلال، وحل بيركلي محلها فعليا كطبيب خاص للرئيس في فريق عام 1961، على الرغم من عدم الاعلان عن ذلك إلا في وقت لاحق من العام، لكن ترافيل ظلت في البيت الأبيض كأحد أفراد الطاقم الطبي للرئيس.
وما كان ينقص علاج الرئيس كنيدي في أكتوبر 1961 هو أن يصبح أكثر رشدا وأكثر انضباطا، وكان من الضروري، قبل كل شيء، تعديل وضبط علاجه المتعدد المصادر. وبالفعل، فقد بدأ الرئيس كورسا لعلاج الظهر في أكتوبر 61، أي قبل عام واحد من اندلاع أزمة الصواريخ الكوبية، وقد حقق هذا الكورس نجاحا جزئيا فحسب.

عضلات ضعيفة
وأنه لأمر مثير أن نتتبع الخطوات الفعلية التي بدأ بعض أطباء كنيدي في اتخاذها في النصف الثاني من عام 1961 من أجل السيطرة على علاج آلام ظهر الرئيس وتحسين هذا العلاج في وقت يصارع فيه أزمة الصواريخ الكوبية، وفي السابع عشر من أكتوبر، فحص هانس كلاوس الرئيس كنيدي فتبين له ان عضلات الظهر ضعيفة، إضافة إلى ضعف عضلات القدمين.

شبح الشلل
وابلغ كراوس الرئيس بأنه قد يجد نفسه مشلولا تماما إذا لم يبدأ على الفور بممارسة التمارين الرياضية ولمدة خمسة أيام أسبوعيا، وكان كنيدي يخشى أن تبدأ الصحافة بالكتابة حول صحته مع دخول طبيب جديد إلى البيت الأبيض، وتم الاتفاق على الاعلان بأن انضمام كراوس إلى البيت الأبيض من أجل الاشراف على التمارين الرياضية المنتظمة للرئيس.
ولمنع المتطفلين الذين حاولوا الوصول إلى مكتب كراوس، بدأ البيت الأبيض باتخاذ إجراءات حماية من بينها تأمين سرية المكالمات التي يجريها الطبيب، وكانت شكوك البيت الأبيض تنصب على «إف.بي.آي» الذي كان يحاول التعرف على أسرار صحة الرئيس كنيدي.
وقد زار كراوس البيت الابيض 33 مرة خلال الاربعين اسبوعاً الواقعة بين 17 اكتوبر و24 يناير 1962. وكان كراوس يحاول علاج آلام ظهر الرئيس بالمساج في البداية وليس بالحقن الذي كانت ترافيل تفضله. وحين بدأ كراوس استخدام الحقن، لم يستجب الرئيس للعلاج بشكل جيّد.
ولكن المساج بالماء الساخن والتمارين تعطي نتائج طيبة، ولكن في حفل اعياد الميلاد 1961 عانى الرئيس آلاماً مبرحة اثناء وجوده في بالم بيتش. وعاد الخلاف بين كراوس وترافيل للظهور الى العلن ثانية، حين حاولت ترافيل تجاهله في جلسة استشارية بين افراد طاقمه الطبي، فتحدث كراوس الى الرئيس مباشرة مهدداً بالتنحي اذا تدخلت ترافيل في العلاج بأي شكل. فابدى الرئيس موافقته. وحين حقنت ترافيل الرئيس بمادة بروكين المهدئة من دون اذن من كراوس، طار الاخير الى الرئيس وهدّد بتقديم استقالته اذا تكرّر مثل هذا الامر، فوعده الرئيس بألا يتكرّر.

أفضل شهر
وبدأت صحة كنيدي بالتحسن الفعلي، مع حلول يناير 1962، ومرّ على الرئيس هذا الشهر كأفضل شهر له منذ عام كامل. وفي نهاية فبراير، قال كراوس وكوهين ان ذلك الشهر في الواقع كان افضل شهر للرئيس منذ دخوله البيت الابيض. وفي ابريل، وصفا حالته الصحية بـ «الممتازة». وفي مارس 1962 فحص جراح العظام د. ويد وكراوس الرئيس وكانت النتائج ايجابية.
ومع حلول شهر مايو 1962، كان كل ما كان يجب فعله للسيطرة على علاج الرئيس، هو التخلص من ماكس جاكوبسون.
ففي نوفمبر 1961، كان كوهين هو الذي كتب للرئيس محذراً اياه بشكل خاص، من حقن المهدئات التي كان يعطيه اياها جاكوبسون. لكن كنيدي تجاهل ذلك، فقد اظهرت سجلات البيت الابيض ان جاكوبسون زار الرئيس اكثر من 34 مرة حتى يونيو 1962 حين توقفت زياراته. ومع ذلك، تواصلت علاجات جاكوبسون للرئيس خارج البيت الابيض لعدة اشهر اخرى. ويزعم جاكوبسون انه كان يرى الرئيس بشكل منتظم اثناء ازمة الصواريخ الكوبية. ونحن نعرف ايضاً ان كراوس حذر من خطورة الحقن التي كان جاكوبسون يعطيها للرئيس كنيدي.
وكل هذا يشير الى ان جاكوبسون كان ما زال يشرف على علاج الرئيس اثناء ازمة الصواريخ الكوبية، لكن بدرجة اقل مما كان يزعم، والسؤال الذي لم يجد اجابة عنه هو كم عدد الجرعات من المهدئات والسيترويد التي كان يعطيها للرئيس. ان أحدا لا يعرف الإجابة على وجه الدقة.
ويبدو أن الرئيس كنيدي استجاب، بشكل أو بآخر، لتحذيرات كراوس.

حسن حظ
ومع ذلك، استمرت لقاءات كنيدي مع جاكوبسون حتى عام 1963 وان كانت الجرعات من المهدئات التي كان يتعاطاها اقل من ذي قبل. فقد نشرت صور التقطها المصور الخاص للرئيس تظهر جاكوبسون الى جانبه في بالم بيتش بولاية فلوريدا في فبراير 1963. ويزعم جاكوبسون انه رأى الرئيس في يوليو 1963. ثم في الثالث من نوفمبر 63 لكنه لم يذكر ان كان حقن الرئيس بالمهدئات خلال هذين اللقاءين، وربما أصبح الرئيس يأخذ هذه الحقن اذا اشتد به الألم فقط.
ومن حسن حظ الرئيس كنيدي ان ألم ظهره تحسن كثيرا لدى اندلاع أزمة الصواريخ الكوبية في السادس عشر من أكتوبر 1962، وكان مستعداً لمواجهة التحدي. ولحسن الحظ ان آلام ظهر الرئيس توقفت اثناء أزمة الصواريخ الكوبية ولكن مشكلاته الصحية الأخرى لم تنته، فقد كان يتعاطى الأدوية المهدئة كالمعتاد وكذلك ادوية المسالك البولية وأدوية مرض اديسون، بل وزاد جرعات الدواء ابتداء من العاشر من نوفمبر بناء على نصيحة الأطباء واستدعى الأمر تغيير بعض الأدوية التي كانت تسبب الحساسية للرئيس. ومهما يكن الدواء الذي أخذه او لم يأخذه من الدكتور جاكوبسون،فان اداء الرئيس في ازمة الصواريخ الكوبية كان افضل بكثير منه في اجتماع القمة مع خروتشوف في فيينا. وافضل من القرارات التي اتخذها في أزمة خليج الخنازير. فقد اتسمت مواقفه وقراراته بالحذر والشدة، ولكن من دون تهور او تطرف.
وعلى الرغم من تبرئة كنيدي من التهور في الشأن السياسي فإن من الصعب أن تفعل ذلك في القضايا المتعلقة بأموره الشخصية، لا سيما تعاطي حبوب النشوة وعلاقاته النسائية، والعلاقات النسائية لا تشكل طعنا في أهلية الرئيس في الولايات المتحدة ولا ممارسة الكذب بشأنها، كما أوضحت محكمة الرئيس بيل كلينتون أمام الكونغرس في نهاية التسعينات. ولا يمكن تجاهل تهور كنيدي في علاقاته النسائية مع امرأتين على وجه التحديد وهما مارلين مونرو وجوديث كامبل، التي كان يعرف كنيدي انها صديقة زعيم المافيا الشهير سام غيانكانا، الأمر الذي اعتبره البعض خطأ سياسيا فادحا. فقد كانت إدارة كنيدي تعلن تصميمها على القضاء على الجريمة المنظمة، وحدث أن حذره مدير «أف. بي. أي» ادغار هوفر من علاقته بكامبل، لكنه لم يوقف علاقته بها حتى اغسطس 1962.
وفي يوليو 63، حاول مدير «أف. بي. اي» ثانية ثني الرئيس عن الاستمرار في علاقته مع إلين رومستيش التي نشأت في المانيا الشرقية وكانت تحوم حولها الشكوك في كونها جاسوسة، فقد زارت رومسيتش البيت الأبيض عدة مرات وحضرت حفلات عري في المسبح ومارست الجنس مع كنيدي. وكان كنيدي تعرف عليها عن طريق بوبي بيكر المعروف باحضار النساء لأعضاء الكونغرس. وقد أثارت علاقة كنيدي بكل من كامبل ورومسيتش التساؤلات ليس حول علاقات كنيدي النسائية فقط، بل حول تعريضه الأمن القومي للخطر، وقد شكا هوفر لروبرت كنيدي بشأن علاقة شقيقه مع رومسيتش ورتّبا لإبعادها عن البلاد في 21 أغسطس الى المانيا الغربية. ونفى هوفر انها كانت جاسوسة أو انها زارت البيت الأبيض، في كذب بائن من أجل ممالأة كنيدي حتى يبقى في منصبه.
والسؤال المطروح دائماً هو: إلى أي مدى كانت مغامرات كنيدي النسائية عائدة الى جنوح نحو التهور في شخصيته أو إلى الأدوية كالتستسترون والستيرون أو الأدوية المهدئة؟
الإجابة ربما تكون مزيجا من كل ذلك.

الحلقة 12: بوش وبلير مصابان بمتلازمة الغطرسة

*******
- تولى منصب وزير الخارجية في حكومة رئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان في سبعينات القرن الماضي.
- شارك في تأسيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي وتولى زعامته في وقت لاحق. وهو الآن عضو في مجلس اللوردات.
- ظل لفترة طويلة يهتم بأثر الصحة في رؤساء الحكومات.
- لدى اللورد اوين العديد من المؤلفات في المجال السياسي مثل «أوديسا البلقان» و«متلازمة الغطرسة» وغيرهما.


القبس
 
31-07-2011, 04:53 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

المرض والسلطة 13 باول سأل: هل هناك بديل معقول لصدام؟ كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C08%5Cc8b6bf76-54ca-4123-b318-6982b89904b1_main.jpg
• بوش اعلن: المهمة انجزت.. والقليلون صدقوا (أرشيف)
ترجمة واعداد: محمد حسن ومحمد امين
تأليف: اللورد ديفيد اوين
يقدم كتاب «المرض والسلطة» لمؤلفه وزير الخارجية البريطاني الأسبق اللورد ديفيد أوين، الذي تنشره «القبس» على حلقات، دراسة للمرض وأثره في رؤساء الدول. وينظر في كيفية تأثير المرض والعلاج البدني والنفسي، في عملية إدارة الحكم وفي اتخاذ القرارات التي قد تقود إلى التصرفات الحمقاء أو الغبية أو الطائشة.
ويهتم الكاتب بصفة خاصة بالزعماء الذين لا يعانون من المرض بالمعنى العادي، ومن تعمل وظائفهم الإدراكية بصورة جيدة، ولكنهم أصيبوا بما يطلق عليه «متلازمة الغطرسة»، التي أثرت في أدائهم وتصرفاتهم. ومثل هؤلاء الزعماء يعانون من فقدان القدرة والوثوق المفرط في النفس، وازدراء النصيحة والمشورة التي تتعارض وما يعتقدونه، بل وحتى رفض أي نصيحة مهما كانت.
ولقد ظل الدكتور ديفيد اوين ومنذ فترة طويلة يهتم بالعلاقة المتبادلة بين السياسة والطب، وهو يستخدم في الكتاب معرفته الواسعة في المجالين للنظر في المرض ضمن حالات مختلفة في حياة السياسيين، وما إذا كان من الممكن حماية المجتمعات من مرض زعمائها!

الفشل في التخطيط لما بعد الحدث
كانت لدى جورج بوش الابن ميزة وجود اثنين من زملائه من ذوي الخبرة هما كولن باول وديك تشيني اللذان عملا كوزيرين في ادارة والده عندما غزا صدام حسين الكويت.
وكان الهدف الرئيسي لصدام حينها التخلص من الدين الكويتي البالغ 30 مليار دولار، ولهذا السبب لم يحتل فقط حقل الرميلة النفطي بل غزا الكويت واتجه في حركة استفزازية جنوبا نحو الحلول السعودية- الكويتية مما شكل تهديدا مباشرا للملكة العربية السعودية.
ومنذ البداية وفي 3 أغسطس 1990 وفي الاجتماع الثاني لمجلس الامن الوطني مع الرئيس تم النظر في الوضع الشخصي لصدام. سأل باول الذي كان يتولى حينها منصب رئيس هيئة الاركان المشتركة «ما هو دور صدام كفرد في هذا العدوان؟ واذا ما اختفى صدام هل سيكون هنالك بديل معقول؟ ورد برنت سكوكروفت مستشار الامن القومي ان «العراق قد يتفكك» واشار مستشار السياسة الخارجية ريتشارد هاس الى «انه من المستبعد ان يحظى اي شخص بمستوى عبادة الشخصية الذي يحظى به صدام» كي يتمكن من جمع اطراف البلاد، وقد ظل ذلك الحوار يمثل اساس حملة عاصفة الصحراء في عام 1991، اي ان طرد الولايات المتحدة للقوات العراقية من الكويت دون الهجوم على بغداد.

خطوة خاطئة
وحشد جورج بوش الاب قوة متعددة الجنسية ساهمت فيها عدة دول بقوات كبيرة الحجم وقد جاءت المساهمة الاكبر من المملكة المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر.
تحقق النجاح العسكري في تلك الحملة عن طريق القصف الجوي الذي استمر لستة اسابيع، واعقب ذلك في 24 فبراير هجوم سريع بواسطة دبابات متطورة وهجوم واسع بالطائرات المروحية الضخمة. وفي 27 فبراير تم وقف اطلاق النار الذي سانده تشيني وباول، وقد شعر تشيني في وقت لاحق ان تلك كانت خطوة خاطئة وانه كان يجب استهداف صدام.
وفي ضوء هذه الخلفية، كان من المتوقع طرح مسألة كيفية التعامل بالتفصيل لفترة ما بعد حدوث غزو آخر بعد مضي 12 عاما يهدف الى الاطاحة بصدام حسين، وكان يجب ان يشغل ذلك ذهن جورج بوش الابن، بيد انه قد اعتقد ان الاطاحة بصدام سوف تؤدي الى مشكلات قليلة بما انه سوف ينظر الى الاميركيين على انهم محررون للبلاد والحقيقة المرة هي ان بوش وبلير قللا من اهمية الوضع، وكذلك فعل الجنرال تومي فرانكس الذي لم يأخذ البوادر الاولية التي تشير الى ان صدام خطط لانتفاضة وكان مأخذه مأخذا جادا.

خيارات بوش
والخيار الذي كان امام بوش في عام 2003 بعد الاستيلاء على بغداد هو عقد صفقة سياسية او تسليم مبكر للسلطة الى العراقيين مما يتيح اجراء انسحاب سريع للقوات الاميركية او اللجوء للاحتلال وبرنامج لاعادة بناء الدولة العراقية وتأخير الانسحاب حتى انجاز تلك المهمة.
وكان على بوش وبلير اختيار احد هذين الخيارين قبل العزو، وما حدث هو شعور بوجود انقسام في اوساط مستشاريه، واجل صدور اي قرار الى ما بعد العزو، وقبل بلير هذا الوضع، وكان من الواضح من موقفهما تجاه افغانستان ان تشيني ورامسفيلد قبل فترة بعيده من غزو العراق لا يحبذان الحاجة الى بناء الدولة وعدم التورط فيها.
وكان والبارزون من مجموعة المحافظين الجدد مثل نائب وزير الدفاع بول وولفوفيتش وزميله في وزارة الدفاع دوغلاس فايث «لا يرون ان هنالك حاجة لكي تقوم الولايات المتحدة بادارة العراق في مرحلة ما بعد النزاع». وكان الهدف هو ادارة البلاد بواسطة المنفيين العراقيين المفضلين لديهم ضمن المؤتمر الوطني العراقي، والاسراع في الخروج من العراق».
وفي بريطانيا عرفنا من خلال التسريبات للعديد من الاوراق الرسمية كيفية عرض قضايا التخطيط لمرحلة ما بعد الغزو على طوني بلير، كيف يبدو انه تجاهل الهواجس التي عبر عنها المسؤولون.
ولمن يهتم بتحليل القرارات الخاطئة والتنفيذ غير الكفؤ للسياسة البريطانية توفر الأوراق التي تسربت كنزا من المعلومات الاساسية.
وفي ابريل ذهب بلير للقاء بوش في كرافورد بولاية تكساس وهو يحمل تحذيرا واضحا حول طريق الحرب الذي كان قد شرع في السير فيه مسبقا في ذهنه.
وقد كتب وزير الخارجية جاك سترو له في 25 مارس يقول: علينا ايضا الرد على السؤال
ماذا ستحقق هذه الخطوة؟ يبدو ان هنالك خللا كبيرا في هذا الامر. ومعظم التحليلات الواردة من اميركا تفترض تبني تغيير النظام كوسيلة للقضاء على التهديد الذي تشكله اسلحة الدمار الشامل. ولكن لم يجب اي منها بصورة مرضية عن كيفية تأمين تغيير النظام، وامكان التأكد من ان النظام البديل سيكون افضل».

مذكرة رسمية
وفي 21 يوليو، تم توزيع مذكرة رسمية الى الوزراء حول العراق بعنوان «شروط العمل العسكرية» وحذرت من انه: لم يعط تفكير كثير لخلق الظروف السياسية للعمل العسكري او الفترة بعده وكيفية تشكيلها.
وعندما ناقش بلير الوضع في العراق مع الرئيس بوش في كرافورد في ابريل قال ان بريطانيا ستدعم العمل العسكري لاحداث تغيير في النظام، وهناك بعض الشروط التي يجب تنفيذها: لقد بذلت جهود لاقامة تحالف، وخلق رأي عام مؤيد، وتهدئة الازمة الاسرائيلية الفلسطينية، وخيارات العمل على ازالة اسلحة الدمار الشامل عن طريق مفتشي الاسلحة التابعين للامم المتحدة قد استنفدت.. واحتلال العراق بعد الحرب قد يقود الى عملية بناء للبلاد تستمر لفترة طويلة، وتكون مكلفة. وقد اتضح مسبقا ان الخطط الحربية الاميركية تكاد تكون صامته في ما يتعلق بهذه النقطة.

وقائع مختلقة
وبعد مضي يومين من ذلك تم تحذير بلير من اختلاق المعلومات الاستخبارية في واشنطن، وقدم له كذلك تحذير اكثر خطورة من ذلك الذي قدمه الوزير سترو في مارس. وجرى في نهاية المطاف تسريب مذكرة سرية للغاية موجهة الى الحكومة البريطانية بتاريخ 23 يوليو 2002 الى الصحافة بعد مرور عامين من غزو العراق. وتصف المذكرة اجتماعا حضره ثلاثة من مجلس الوزراء هم رئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الدفاع والنائب العام، ولكن لم يحضره نائب رئيس الوزراء او وزير المالية غوردن براون. وكان من الحضور رئيس مركز المعلومات المشتركة جون سكارليت وكذلك رئيس الاستخبارات الخارجية السير ريتشارد ديرلوف الذي قدم شرحا لمحادثاته في واشنطن. وقال ديرلوف ان العمل العسكري «ينظر اليه الآن على انه امر حتمي. وبوش يود التخلص من صدام عن طريق العمل العسكري الذي يتم تبريره عن طريق الربط بالارهاب واسلحة الدمار الشامل. غير ان المعلومات الاستخبارية والوقائع جرى اختلاقها بما يتناسب وهذه السياسة... ولم يكن هنالك سوى القليل من النقاش في واشنطن حول فترة ما بعد العمل العسكري».

تجاهل التحذيرات
ومن الواضح انه من خلال تلك الاوراق التي جرى تسريبها، بدا وكأن الماكينة الحكومية بحلول يوليو 2007 قد افترضت ان هناك احتمالا بان يفرض عليها قبول خيار بناء الدولة العراقية المكلف والذي سيأخذ وقتا طويلا. وذلك بالاضافة الى ان اجهزة الاستخبارات والقوات المسلحة ازعجها كثيرا شح المعلومات حول اي خطط خاصة بمرحلة ما بعد الغزو في واشنطن.
غير ان بلير بدا وكأنه يتجاهل التحذيرات الصادرة عن مساعديه، وفي حديث تبادلته معه في حفل عشاء في اليوم التالي للاجتماع الذي ورد اعلاه قلل من شأن وجود اي صعوبات، وحاول اعطائي الانطباع ان الامور تسير على ما يرام.
وانه تمت معالجة كل شيء. وهذا الامر لا يكشف فقط عن عدم كفاءة عادية بل عدم كفاءة ممزوج بالغطرسة. فقد اصبح محصنا ضد كل الحجج وفي ما يتعلق بالصعوبات.
العملية التي قد تقع والتي وضعها العديد من الناس امامه. ويتذكر احد كبار المسؤولين انه عندما كان ينصح بلير حول الصعوبات التي ستواجهه كان يقول «انت نيفيل تشامبرلين، وانا وينستون تشرشل وصدام هو هتلر». ومن الصعوبة بمكان اجراء حوار جاء مع زعيم يفكر بهذه الطريق العاطفية الساذجة.

لا يريد ان يسمع
وهي هي الحالة الذهنية لبلير عن التعامل مع المستشارين. فقد كان بلير يهتم فقط بان يتم تطمينه بانه كان يقاتل الشر ويمكن مساواة ذلك بحديث بوش البسيط حول حملته الصليبية الهادفة الى تخليص العالم من «الاشرار».
ومن يبررون السياسات البريطانية ويقدمون الاعذار لبلير شخصيا في ما يتعلق بالعراق يميلون الى وضع اللوم كله على عاتق الاميركيين.
وهذا الامر يقلل من شأن معرفة البريطانيين بالمنطقة. فبريطانيا، وعلى خلاف اميركا، ظلت مرتبطة بالعراق خلال معظم سنوات القرن العشرين ووزارتا الخارجية والدفاع البريطانيتان لديهما المعرفة
والخبرة وبعض الافكار المبينة على معلومات موثقة حول افضل السبل للتعامل مع فترة ما بعد الغزو خاصة على ضوء الاخطار التي ارتكبت في عام 1991.
غير ان هذه الخبرة لم يستفد منها بلير، وهناك بحث استراتيجي لوزارة الخارجية كانت وزارة الخارجية الاميركية تأمل في الحصول عليه، حيث ان بحثها تم تجاهله من قبل البنتاغون، ولكن ذلك البحث لم يصلها، وبما ان مقر رئيس الوزراء كان يتولى مسؤولية السياسة تجاه العراق، فان الجهود التي بذلتها وزارة الخارجية لتواصل مع الاميركيين في مرحلة ما بعد الغزو لم تؤت ثمارها.
وكانت تلك نتيجة تولي بلير مهمة ادارة معظم الجهود المبذولة في فترة الاعداد للحرب لوحده مبعدا وزارة الخارجية او متجاهلا التحديات الصادرة عن الجيش واجهزة الاستخبارات،
وبالرغم من ذلك، كان من المنطقي التوقع في اي علاقة وثيقة فعلية بين رئيس حكومتين مثل بوش وبلير ان تكون هنالك مناقشات تفصيلية حول كل القضايا الاساسية، بما في ذلك التعامل مع مرحلة ما بعد الغزو.
وكانت قد اوكلت الى رامسفيلد مهمة التخطيط لفترة ما بعد الغزو في 20 يناير غير ان ذلك التخطيط كان يجب ان ينجز من قبل واشنطن ولندن قبل اشهر من ذلك التاريخ.

الجيش يسقط بسرعة
واجتمع الزعيمان في واشنطن في 31 يناير 2003 وبعض ما تسرب من محتوى ذلك الاجتماع المهم في وقت لاحق في صحيفة «نيويورك تايمز» حيث عرض مراسلها مذكرة حول ما دار في ذلك الاجتماع صاغها كبير مستشاري رئيس الوزراء ديفيد ماننغ، وقد أبلغ بلير ان تاريخ بداية القصف تحدد في 10 مارس 2003، وكان من الواضح انه لم يكن هو او بوش يعتقدان بضرورة التخطيط للعواقب المحتملة لتوقعات الرئيس الاميركي الخاصة التي صرح بها في الاجتماع والقائلة ان الجيش العراقي سوف «يسقط بسرعة» وفي الواقع فقد نقل روبرت درابر مؤلف كتاب «الثقة التامة» قوله «ان السياسة التي تقوم على الحفاظ على الجيش دون مساس لم تنفذ». ولكنه لم يتذكر كيفية رد فعله عندما اكتشف ان تلك السياسة تم التراجع عن تنفيذها، وكانت شخصية بارزة ضمن مجموعة المحافظين الجدد قد ابلغني حينها ان القوات العراقية سوف تنضم الى التحالف باكملها وانها ستساعد في الحفاظ على القانون والنظام، وبدأ في ذلك الاجتماع ان بوش وبلير كانا يتصدران حدوث نصر سريع وتبادلا بعض الافكار حول حكومة ما بعد الحرب في العراق، حيث قال بلير «سوف يجد الناس ان الامر غريب للغاية اذا ما سلمنا السطلة إلى دكتاتور آخر».

أعراض متكررة
وبما يتماشى ومرض «الغطرسة» فان بوش وبلير لم يكن مع اي منهما مستشارون من وزارتي الدفاع والخارجية في ذلك الاجتماع الذي عقد في يناير، بل كان في صحبتهما مساعدوهما الخاصون من البيت الابيض و10 داوننغ ستريت، وهذه المجموعة الصغيرة اللصيقة بهما استخدمت في الترويج لافكار وقناعات سيديهما السياسية. وهذه ظاهرة خطيرة اطلق عليها منظرو الادارة اسم «التفكير الجمعي» وتحليل عدم الكفاءة العسكرية في السابق ابرز اربعة من الاعراض المتكررة وهي «اهدار القوى البشرية والثقة المفرطة، والتقليل من شأن العدو، وتجاهل التقارير الاستخبارية».

غطرسة بوش بعد الغزو
في الأول من مايو 2003، ظهر جورج بوش وهو يرتدي زي طيار حربي وكأنه ممثل من هوليوود اثناء هبوطه من طائرة مروحية على متن حاملة الطائرات ابراهام لينكولن قبالة شاطئ ولاية كاليفورنيا ووقف على منصة للاحتفال بالنصر في العراق، وعلقت على الحاملة لافتة ضخمة تحمل عبارة «مهمة أنجزت».
كان ذلك تصرفا ينم عن درجة عالية من الغطرسة، كما كان ذلك يشكل ازدراء، وان كان غير مقصود، للقوات التي تعمل في ميدان الحرب، وتعرف عبثية ذلك الشعار.
لقد حاول دونالد رامسفيلد اقناعه بعدم استخدام تلك العبارة في خطابه غير ان بوش قال «في الحرب في العراق انتصرت الولايات المتحدة وحلفاؤنا» ومع ان بلير لم يذهب الى ذلك المدى، غير ان لهجته الخطابية كانت تعبر كثيرا عن النصر.

الحلقة 14:
ضغوط العراق القوية أوصلت بلير إلى المستشفى مصاباً بالقلب
 
31-07-2011, 04:55 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

المرض والسلطة 14 ضغوط العراق القوية أوصلت بلير إلى المستشفى مصاباً بالقلب كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C09%5Cb25b16d3-87b5-4361-bb1a-5aa872259740_main.jpg


ترجمة واعداد: محمد حسن ومحمد امين
يقدم كتاب «المرض والسلطة» لمؤلفه وزير الخارجية البريطاني الأسبق اللورد ديفيد أوين، الذي تنشره «القبس» على حلقات، دراسة للمرض وأثره في رؤساء الدول. وينظر في كيفية تأثير المرض والعلاج البدني والنفسي، في عملية إدارة الحكم وفي اتخاذ القرارات التي قد تقود إلى التصرفات الحمقاء أو الغبية أو الطائشة.
ويهتم الكاتب بصفة خاصة بالزعماء الذين لا يعانون من المرض بالمعنى العادي، ومن تعمل وظائفهم الإدراكية بصورة جيدة، ولكنهم أصيبوا بما يطلق عليه «متلازمة الغطرسة»، التي أثرت في أدائهم وتصرفاتهم. ومثل هؤلاء الزعماء يعانون من فقدان القدرة والوثوق المفرط في النفس، وازدراء النصيحة والمشورة التي تتعارض وما يعتقدونه، بل وحتى رفض أي نصيحة مهما كانت.
ولقد ظل الدكتور ديفيد اوين ومنذ فترة طويلة يهتم بالعلاقة المتبادلة بين السياسة والطب، وهو يستخدم في الكتاب معرفته الواسعة في المجالين للنظر في المرض ضمن حالات مختلفة في حياة السياسيين، وما إذا كان من الممكن حماية المجتمعات من مرض زعمائها!

تأليف: اللورد ديفيد اوين

- تولى منصب وزير الخارجية في حكومة رئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان في سبعينات القرن الماضي.
- شارك في تأسيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي وتولى زعامته في وقت لاحق. وهو الآن عضو في مجلس اللوردات.
- ظل لفترة طويلة يهتم بأثر الصحة في رؤساء الحكومات.
- لدى اللورد اوين العديد من المؤلفات في المجال السياسي مثل «أوديسا البلقان» و«متلازمة الغطرسة» وغيرهما.


درجة عدم الكفاءة التي سادت في مرحلة ما بعد الغزو الاميركي للعراق، ستكون موضوعا يتناوله المؤرخون وسيصيبهم بالحيرة!
كيف اصيبت واشنطن، وبصفة خاصة البنتاغون، بهذه الدرجة البالغة من عدم الكفاءة على المستوى التنظيمي في المجالين السياسي والعسكري؟
احدى الاجابات عن السؤال ترى ان ذلك يعود الى الترفع وعدم الاكتراث بالتفاصيل، وهما من سمات الغطرسة، التي شهد عليها العديدون في ما يتعلق بسلوك بوش، ومن اكثر الشهادات صراحة حول هذه السمات في سلوك بوش تلك التي ادلى بها وزير الخزانة السابق بول اونيل الذي شغل المنصب فيما بين عام 2000 الى 2002، واشار الى انه منذ البداية كان بوش «يتبنى بوضوح مواقف ايديولوجية ثابتة لم تدرس بدقة، ولكن تلك هي طبيعة الايديولوجية بالطبع، فالتفكير فيها يعد آخر شيء يود الشخص المتبني لها فعله».

اجتثاث البعث

كان بوش ومجلس إدارة الحرب ناقشا مسألة «اجتثاث البعث» في 10 مارس قبل الغزو، ولكن على الرغم من ان تلك المناقشات لم تتوصل الى نتائج محددة، الا ان احد حضور الاجتماع قال «التوجه كان واضحا وهو معاملة اولئك الاشخاص معاملة متسامحة ومحاولة العمل معهم».
لكن يقال ان الوثيقة الاخيرة التي تبنت «اجتثاث البعث» واصدرها بول بريمر لم تعرض على كونداليسا رايس ولا كولن باول، الذي يرى ان السياسة التي تمت صياغتها في مكتب دوغلاس فايث لم تكن تمثل الحل الوسط الذي اتفق عليه مجلس ادارة الحرب.
وقد كان خطأ فادحاً من رايس التي كانت تتولى منصب مستشار الامن القومي، السماح لمثل هذا النوع من الوثائق بالصدور مباشرة من البنتاغون من دون مراجعتها من قبل مكتبها. وقال وزير الدفاع البريطاني جيف هون في مايو 2007 ان خطوة اجتثاث البعث كانت خاطئة.

المندوب السامي

ومن امثلة اسلوب بريمر الذي يشبه تصرفات المندوب السامي الملكي، اصداره قرار الادارة المؤقتة رقم 12 بعد 11 يوما من وصوله الى بغداد والذي حلّ بموجبه الجيش العراقي والقوات الجوية والبحرية ووزارة الدفاع والاجهزة الاستخبارية.
وكان بوش ومجلس ادارة الحرب وافقا في 12 مارس على تفكيك الحرس الجمهوري مع الاحتفاظ بقوات الجيش العادية، ويبدو ان بريمر لم يستشر وزارة الخارجية أو وكالة المخابرات الاميركية، أو رايس، حول بنود ذلك القرار، كما انه لم يشر في لقاءاته مع السياسيين العراقيين، ناهيك عن استشارتهم بشأنه، وربما كان ذلك خطأ فادحا رفض تغييره، كما انه لم تتم استشارة الخبراء الاميركيين في بغداد، فقد حذر رئيس مكتب وكالة المخابرات الاميركية في بغداد بريمر قائلا «مع حلول الظلام ستكون قد دفعت ما بين 30 الى 50 الف بعثي للعمل تحت الأرض». وكان بلير قد اشار في لقاء اجري معه الى انه كان هنالك تصوّر دائم بالعمل على بناء الجيش العراقي من نقطة الصفر.

ما بعد الحرب!

ووفقا للكولونيل لورنس ويلكرسون، رئيس موظفي مكتب كولن باول السابق، فان بوش كان في تعامله مع قضية العراق «لا يبدي اهتماما وبعيدا للغاية عن النظر في التفاصيل في ما يختص بالتخطيط لفترة ما بعد الحرب».
وقد استغل مرؤوسوه ابتعاده عن الخوض في التفاصيل، غير ان بوش لم يكن البتة مجرد قطعة شطرنج يمكن تحريكها، فقد كان يقوم باتخاذ الخطوات المهمة، ولكن في بعض الاحيان من دون معرفة جميع المواقف والاوضاع فوق رقعة الشطرنج، وكان نادراً ما يأخذ بنصيحة باول وغالبا ما يأخذ بنصيحة تشيني ورامسفيلد، ولكنه كان يختار خطواته في كل الاحوال بنفسه.

خطأ الجيش

والشخصية التي يبدو ان بوش يثق بها اكثر ويتعامل معهما مباشرة، هو الجنرال تومي فرانكس القائد الاقليمي لافغانستان والعراق، وهو ايضاً من تكساس، ويصف توماس ريكس مراسل البنتاغون السابق في صحيفة وول ستريت جورنال ومراسل البنتاغون الحالي لصحيفة واشنطن بوست بانه نتاج جيشه وتعكس أخطاءه تلك التي لدى مؤسسته، فقد ذهب الجيش الى العراق وهو يتمتع بقدر كبير من الغطرسة.
وفي 24 سبتمبر 2003، التقى بوش في عشاء خاص بول بريمر بحضور زوجتيهما في واشنطن، وعند اطلاعه على جدول اعمال بمرير الذي يظهر انه كان يتلقى تقارير من عشرين شخصاً من مساعديه، قال بوش «اعرف انك درست في كلية لادارة الاعمال وقد درست انا في كلية لادارة الاعمال كذلك، ولكنك تتلقى العديد من التقارير المباشرة»، وفي 27 اكتوبر واثناء ممارسته رياضة المشي مع بريمر في النادي الرياضي في البيت الابيض، سأله بوش ان كان رامسفيلد يهتم بتفاصيل عمل مكتبه اليومي ويشرف مباشرة على كل شيء، وبدا عليه الاستغراب عندما قال بريمر انه يهتم بذلك، ولا بد ان بوش كان من بين القلائل في واشنطن الذين يعرفون ان تلك كانت عادة مترسخة في رامسفيلد.

تغيير المسار

ومن الناحية السياسية، فان الوقت الذي قرر فيه اعادة النظر في عدم قدرته على السيطرة ع‍لى المقاومة ومراجعة توقعاته المتفائلة غير الواقعية، كان في 12 نوفمبر 2004، بعد عشرة ايام من فوزه في الانتخابات الرئاسية لولاية ثانية، وكانت المحاولة الثانية للتعامل مع الفلوجة ما زالت قيد البحث عندما التقى كولن باول كلا من بوش وبلير في البيت الابيض، وقال باول «ليست لدينا قوات كافية ولا نسيطر على الأرض»، وكانت تلك ايضاً وجهة نظر بريمر حينها.
وكان على بوش وبلير الادراك ان عليهما تغيير مسارهما، واصدار قرار بنشر المزيد من القوات، ولقد كانت لذلك الامر عواقب وخيمة، ولكن لم تكن لديهما القدرة على مواجهة الواقع. وبما انهما زعيمان يتميزان بالغطرسة، فانهما لا يغيران مواقفهما، لان ذلك سيعني اقرارهما بانهما كانا على خطأ. وكان بلير يتفاخر بانه «ليس لديه ناقل حركة الى الخلف (جير خلفي)»، وقد قال ذلك امام مؤتمر لحزب العمال ولا يمكن تصور ادعاء اكثر عبثية من ذلك.
وبوش بعناده المعهود استهان بالدعوات المطالبة بارسال التعزيزات لمنع انزلاق العراق عن الحرب الاهلية وأصر على تكرار حديثه الذي ينم عن الغطرسة حول «الانتصار».
وانه فقط بعد الهزيمة الانتخابية في الانتخابات التكميلية في عام 2006 قرر إرسال قوات اضافية قوامها 21 الف جندي الى بغداد. وفي ذلك الحين كان بلير يواجه ضغوطاً تدفعه لمغادرة 10 داونينغ ستريت، ولكنه لم يحاول البتة زيادة مستوى القوات البريطانية او الانسحاب من البصرة.

غطرسة ما بعد الغزو

بالنسبة لحالة بلير، فإن واقع مرحلة ما بعد الغزو وغياب اي تخطيط لمرحلة ما بعد النزاع التي لم يولها اي اهتمام جاد، بدا واضحاً امام ناظريه في 11 مايو 2003، اي بعد عشرة ايام فقط من تصريح جورج بوش بأن «المهمة قد انجزت»، وذلك عندما صاغ جون ساورز السفير البريطاني لدى مصر الذي عمل سابقاً في مقر رئيس الوزراء وارسل في مهمة خاصة الى العراق من قبل بلير، صاغ مذكرة بعنوان «العراق: ماهية الاخطاء التي وقعت». وقد جاء تلخيصه حول الفريق الاميركي لمرحلة ما بعد الغزو تحت قيادة الجنرال غاي غارنر موجزاً وبليغاً «لا توجد قيادة، ولا استراتيجية، ولا تنسيق ولا هيكلية ولا تواصل مع العراقيين العاديين».
وكانت وجهة نظر ساورز الواضحة ان هناك حاجة الى المزيد من القوات، واقترح «النظر في امر وجود عملياتي بريطاني في بغداد بالرغم من المشكلات السياسية البديهية.. فوجود كتيبة تفوض بالانتشار في الشوارع قد يكون لها تأثير». ووجهة نظر ساورز الداعية الى زيادة القوات ايدها الجنرال البيرت ويتلي ارفع القادة العسكريين رتبة ضمن القوات البرية الاميركية. وكان يعمل في مقر القيادة الاميركية للجنرال ديفيد ماكيرنان والقضية هي ان كانت هنالك حاجة الى توجيه فرقة الهجوم الجوي 16 في العراق والمقرر رجوعها الى الوطن، للعمل في بغداد. وكانت مذكرة ساورز جادة للغاية وموجهة الى رئيس وزراء لديه آلاف الجنود في البصرة يواجهون الخطر، اذ ان ما يؤثر على بغداد سيؤثر على البصرة. ولكن ماذا حدث لمذكرة ساورز في داوننغ ستريت؟
وفقاً لما ذكره انتوني سيلدون فانه «عندما سمع بلير بالخطة منحها تأييده التام. ولكن لم يحدث اي شيء. فقد واجهت معارضة قوية من مايكل ووكر الذي خلف الادمير سير مايكل بويس في منصب رئيس هيئة الاركان». وكان في استطاعة مجلس ادارة الحرب البت في امر اعادة انتشار تلك القوات، وان فعل ذلك لكان من المستحيل على بوش رفض الاقدام على ذلك ايضاً.
والسؤال المهم حول اسباب تخصيص عدد قليل من الجنود في العراق وافغانستان لفترة ما بعد الغزو، مقارنة بمرحلة الغزو، ما زالت تحيطه السرية العسكرية. والامر يتعلق بصورة كبيرة بالمناقشات حول الميزانية ومستوى عدد القوات مستقبلاً في البلدين، كما ان له علاقة بالتقييم العسكري المهني حول الحاجة الى مثل تلك الخطوة. ففي ديسمبر 2006 كان هنالك 141 الف جندي اميركي يعملون في العراق الى جانب حوالي 16.500 جندي ينتمون الى 27 دولة من دول التحالف، واكبر هذه القوات هي القوات البريطانية البالغ قوامها 7.200 جندي. وفي اوائل اغسطس 2007 وبعد زيادة عدد القوات، بلغ عدد الجنود الاميركيين 160 الفاً، وهو يقل عن المائتي الفاً التي اقترحها الجنرال شينسكي.
في نهاية الغزو في عام 2003، خفضت بريطانيا قواتها البالغ عددها 30 الفاً الى 18 الف جندي، وخلال عام تم تخفيض ذلك العدد الى 8.600 جندي وبحلول اغسطس عام 2007 هبط حجم القوات الى 5.500 جندي موزعين فيما بين قصر البصرة والمطار، ولم تتم زيادة للقوات البريطانية، وحتى قبيل فترة ترك بلير منصب رئاسة الوزراء كانت بريطانيا تسحب قواتها بينما كانت الولايات المتحدة تزيد من قواتها.
واصبح لدى بريطانيا قوات رمزية فقط تقف مع الاميركيين الى النهاية كما وعد بلير.


الحلقة 15:
بوش وبلير مصابان بغطرسة مدعومة بالجهل



Pictures%5C2009%5C06%5C09%5C34221231-c60b-4a50-9808-17c4c4ba6dc7_maincategory.jpg
• صورة لبلير مع جنوده في البصرة (أرشيف)
Pictures%5C2009%5C06%5C09%5C86a6ce02-f188-4d06-86f9-8ec441191e43_maincategory.jpg

القبس
 
31-07-2011, 05:06 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

بين مكة والصين : كيف شكل مسلمو الصين موقف الحكومة..لمصلحتهم؟ كتب محمد حنفي :
Pictures%5C2009%5C06%5C09%5Cdfe364c4-b55a-4a7a-b9e5-4969c795ebdb_main.jpg


كتب محمد حنفي
قومية الهُوي هي اكبر القوميات المسلمة في الصين، تعود أصولها إلى العرب المسلمين الاوائل الذين استقر بهم المقام في الصين وتزوجوا من الصينيات ووضعوا اللبنات الاولى لتكوين هذه القومية، كتاب « بين مكة وبكين: المسلمون في الصين في ضوء المتغيرات الحديثة» دراسة وافية عن تلك الأقلية المسلمة التي استطاعت بذكاء البقاء والحفاظ على عاداتها وتقاليدها الإسلامية رغم التعصب الذي عانته على مدى قرون.
كتاب «بين مكة وبكين: المسلمون في الصين في ضوء المتغيرات الحديثة» تأليف د ماريس بويد جيليت ، ترجمة د شعبان عبد العزيز عفيفي، وهو باكورة سلسلة الكتب المترجمة لدار القوافل السعودية التي تتخذ من العاصمة السعودية الرياض مقرا لها.
الكتاب الذي كان في الأصل عبارة عن رسالة دكتوراه للمؤلف، وقامت بتمويله عدة جهات علمية صينية وعالمية ، يأخذنا المؤلف عبر 350 صفحة من القطع الكبير في رحلة تمتد من بداية وصول الإسلام إلى الصين وحتى العصر الحديث من خلال التعرف على قومية الهوي المسلمة التي عانت على مدى قرون من الظلم والإضطهاد، لكنها رغم ذلك استطاعت الحفاظ على دينها وعاداتها وتقاليدها من خلال اتخاذ الأنشطة الإستهلاكية كوسيلة عصرية لتأكيد الذات وتأمين مركز أفضل لهم داخل المجتمع الصيني.
100 مليون مسلم في الصين
يصل عدد المسلمين في الصين إلى 100 مليون نسمة أي حوالي 7% من سكان الصين ، ويتوزع المسلمون على عشر قوميات إسلامية هي: الهوي،الويغور،القازاق،دونغشيانغ،القرغيز،السلار،الأ وزبك،الطاجيك،الباوان،التتار، وتعتبر قومية الهُوي أكبر هذه القوميات الإسلامية، حيث تنتشر في أرجاء الصين،
ولقرون طويلة كانت كلمة «هُوي» تعني مسلم ،حيث كانت «الهُوي» طائفة دينية بصفة أساسية، وأطلقت كلمة «هوي» على جميع المسلمين في الصين، كما أطلق مصطلح «دين الهوي» على الإسلام ، وعندما يطلق شخص على نفسه «هوي مين» فإنه يعلن إنتماءه للإسلام.
لكن كما يقول المؤلف فإن كلمة «هُوي» تنطوي على مفهوم عنصري لأسباب ثلاثة:
1-أن المسلمين الاوائل في الصين كانوا من «الغرب» وهي الاماكن التي عادة ما تعرف بشبه الجزيرة العربية وفارس، والتي اختلف قاطنوها تماما عن الصينيين من حيث الثقافة واللغة والملامح كما أطلق على التجار المسلمين عبارة» الرحالة الاجانب».
2- برغم ان شعب «الهُوي» في اواخر العهد الإمبراطوري كانوا يتحدثون مثل معظم الصينيين ويشبهونهم ويتصرفون مثلهم إلا أن ممارستهم للإسلام خلقت فروقا ثقافية بينهم وبين باقي الصينيين من غير المسلمين.
3- في الفترة ما بين القرن السابع عشر والقرن التاسع عشر شارك الهوي في صراعات دموية جعلت كثيرا من الصينيين يعتقدون ان لديهم نزعة للعنف وأنهم غير متحضرين بالفطرة.
استبعاد الهوي بسبب الإسلام
كان الإسلام إذن السبب في استبعاد الهوي كون إنهم بممارسة تعاليم الإسلام ابتعدوا عن ممارسة التقاليد الصينية، وفي حين أن الحكومات الصينية منحت وضع قومية «الهان» الذي ينتمي إليها غالبية الشعب الصيني لكل مسلم يراعي التقاليد الصينية فإنها اطلقت مصطلح «هوي» على كل مسلم يمارس تقاليد الإسلام وليس التقاليد الصينية، بل ان الحزب الشيوعي اعتبر فيما بعد عنصر الهوي متخلفا مقارنة بالهان .
ولتأكيد تصنيفها للهوي ونشره على اوسع نطاق قامت الحكومة الصينية بتكليف العلماء بكتابة تاريخ موجز ونصوص أخرى عن عنصر الهوي، وقد تناول هذا التاريخ الأصول العنصرية والسمات الرئيسية لقومية الهوي، وقد أثبتت هذه النصوص أن عنصر الهوي نشأ في عهد أسرة «مينغ» من خليط من أصول عربية وفارسية من أواسط آسيا، بالإضافة إلى عنصر الهوي اثبت وجود نزعة فطرية نحو التجارة، لكنهم كانوا متخلفين ثقافيا واميين وفقراء لدى تأسيس جمهورية الصين الشعبية، إلا أنهم احرزوا تقدما ملحوظا بمساعدة الحزب الشيوعي وتوجيهه.
الاستهلاك والتحديث
من خلال حصيلة 18 شهرا من البحوث الميدانية قام المؤلف بزيارة ودراسة احوال الهوي في الأحياء المسلمة، تعرف المؤلف خلال رحلته على الأنماط الإستهلاكية لدى المسلمين وبكل نواحي الحياة الإسلامية كالإسكان والتعليم والمساجد ومدارس تحفيظ القرآن وحركة التعريب والأطعمة التقليدية والمصنعة ونظرة المسلمين للخمور وطقوس الزفاف.
وخلال هذه الرحلة توصل المؤلف إلى استنتاج مهم تأكد لديه من اهتمام المسلمين في الصين بالإستهلاك والسلع وبالطريقة التي فسروا بها ممارستهم الإستهلاكية، فقد استخدم المسلمون الإستهلاك لتقييم وضعهم ومكانتهم، كما استخدموه أيضا لتقييم وضع الآخرين ومكانتهم ليس فقط من حيث الثروة ولكن من حيث التطور الإجتماعي.
ويؤكد المؤلف على أن تلك النظرة الإستهلاكية التي اتخذها المسلمون كوسيلة للتعايش مع العصر وكدلالة على إظهار الرغبة في تحديث انفسهم، لم تكن لتظهر جلية لولا التغييرات التي أحدثتها الإصلاحات الإقتصادية التي دخلت على الصين بمنتصف السبعينات، والتي تخلت الصين بموجبها عن الدور الذي مارسته في عهد «ماو» بوصف الدولة هي الجهة المركزية الموفرة للسلع، وتقلص دورها على التحكم في السلع التي يمتلكها المواطنون.
شرعية الإسلام والشرق الأوسط
هذه التغييرات التي اجتاحت الصين في السنوات الأخيرة ساعدت المسلمين هناك على الإقتناع بالتحديث والرغبة فيه، كما تقبلوا فكرة تطور التاريخ واعترفوا بحاجتهم إلى اكتساب الثقافة والتعليم العلماني من اجل الإندماج في التحديث.
لقد استوعب المسلمون في الصين نموذج التطور الذي تتبناه الدولة إلا أنهم طبقوا أفكار هذا التطور بطريقة تختلف عن فهم الحكومة لها، واعادوا تشكيل موقف الحكومة لما فيه مصلحتهم، ويري المؤلف أن الإسلام والشرق الأوسط كانا اهم مصدرين استمد منهما المسلمون في الصين الشرعية التي مكنتهم من الخروج على التصنيف الحكومي لقومية الهوي كشعب متخلف وغير متحضر ومتأخر من الناحية التنموية.القبس
 
31-07-2011, 05:06 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

المرض والسلطة 15 بوش وبلير مصابان بغطرسة بالغة مدعومة بالجهل
كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C10%5Cc5d3233d-6515-4e8c-a70b-f29c928fe028_main.jpg


ترجمة واعداد : محمد حسن ومحمد امين
تورط طويل
وبحلول عام 2007 اتضح بجلاء انه لم تكن هناك قوات كافية في افغانستان، والأمر سيستغرق وقتا طويلا قبل تحقيق الاستقرار في هذا البلد، كما هو الحال بالنسبة للعراق، والاستقرار حال تحقيقه تصعب المحافظة عليه، اذ بحلول اوائل عام 2006 بدأت طالبان تستعيد نشاطها في الجنوب. وأقدمت بريطانيا حينها على زيادة قواتها المشاركة ضمن قوات الناتو، ولكن الحكومة البريطانية لم تحاول تحذير المواطنين البريطانيين من العواقب المحتملة لتلك الخطوة، وفي واقع الامر فان وزير الدفاع في حكومة بلير جون ريد اشار ضمنها الى ان هذه القوات قد تعود الى الوطن بعد ثلاث سنوات من دون ان تعاني من اصابات او اطلاق اي رصاصة.
وبريطانيا لديها تاريخ طويل من التورط في افغانستان، وكانت قد تلقت هزيمة هناك في عز ايام قوتها الامبراطورية. وفي عام 2006، وبعد قتال مرير في الجنوب طوال فصل الصيف، بات من الواضح ان الناتو في حاجة الى المزيد من القوات، وعقد الناتو اجتماعا في ريغا في نهاية نوفمبر 2006 ولكنه فشل في التوصل الى اتفاق حول زيادة القوات.

فراغ.. للمخربين والمجرمين
وبالنسبة للعراق، فقد اكد السفير البريطاني السابق لدى الامم المتحدة السير جيرمي غربينستوك الذي بعث الى بغداد في عام 2003، اهمية آراء ساورز، حيث قال في الايام التي اعقبت النصر «لا يبدو لي انه تم توجيه اي احد حول وضع الحالة الامنية في العراق اولا، وتحقيق القانون والنظام في الشوارع. ولا توجد قوات شرطة ولا جيش منظم عدا الغزاة المنتصرين، ولا يوجد جنرال اميركي حتى استطيع ان احدد من يتحمل المسؤولية ويحاسب عليها، هناك فراغ منذ البداية شغله بسرعة المجرمون والمخربون وجماعات النهب والمتمردون».

نقطة تحوّل
وفي 29 اغسطس 2003 حدثت نقطة تحول تمثلت في الاعتداء الذي وقع في مسجد الامام علي في النجف على آية الله باقر الحكم وادى الى وفاته. وهو زعيم ديني شيعي معتدل ذو نفوذ، وعندما بدأ بلير يفقد تفاؤله وثقته المفرطة في ما يتعلق بالعراق بنهاية تلك السنة. وفي 19 اكتوبر ادت المشكلات الصحية في القلب التي عانى منها بلير الى نقله على عجل الى المستشفى. وعندما بدا رئيس الوزراء مرهقا ومصابا بالفتور طوال عامي 2003 و2004 ارجع المسؤولون في الدوائر الحكومية وخارجها ممن عرفوا الامر الى تلك الضغوط. غير ان ثقة بلير المفرطة بالنفس قد اهتزت.
وخلال حفل الاستقبال الدبلوماسي السنوي في قصر باكنغهام في 4 نوفمبر 2003 اتيحت لي فرصة لتبادل حديث قصير ومهم معه حول العراق. واصر على جلوسنا معا في قاعة الاحتفالات لتبادل نقاش جاد، وتجاهل لفترة الدبلوماسيين الاجانب المحيطين به. وكان ذلك طوني بلير مختلفا للغاية عن الزعيم المخلص الذي تبادلت الحديث معه على طاولة العشاء في يوليو 2002. فقد كان اقل وثوقا بنفسه، ويبدو ان الاحداث قد اثرت فيه، فعدم القدرة على العثور على اي من اسلحة الدمار الشامل في العراق قد هزه بوضوح. وشعرت بالتعاطف معه وأسفت له، وحاولت ان اخفف عنه وابهجه ولكنني كنت اخشى وقوع خطأ كما كنت غاضبا من عدم كفاءته.

القنوط.. والاستقالة
وبحلول عام 2004، بت مقتنعا ان بلير قد فقد السلطة والمصداقية تماما وانه يجب عليه اختيار اقرب لحظة للتنحي وتولي وظيفة اخرى.
وكتبت مقالا في صحيفة صنداي تايمز في 4 يناير «الحكم الذاتي يورث بلير ازمة سويس»، اذ بينما كنت ما ازال اعتقد ان الاطاحة بصدام حسين كانت تمثل سياسة مشروعة، الا انني اقترحت ان على بلير التخلي عن منصب رئيس الوزراء قبل الانتخابات العامة المقرر اجراؤها في عام 2005.
ولم يتمكن بلير من استعادة سلطته وثقة المواطنين البريطانيين والبرلمان، وهي الثقة التي يتطلبها رئيس وزراء عندما يكون جنوده يسقطون قتلى في ميدان القتال. واننا ندرك الآن ان بلير ومنذ اعياد الفصح في عام 2004، كان يعاني من ضغوط قوية ولكنها ليست ناتجة عن امور تتعلق بالعراق او واجباته كرئيس للوزراء، وقد التزمت الصحف جميعها درجة عالية من الانضباط، ولم تنشر ما كانت تعتبر، وهي على حق، مسألة اسرية خاصة.
وكان بلير قرر بالفعل التنحي عن منصبه في اواخر مايو واوائل يونيو عام 2004، ولا نعرف ان كان ذلك يعود الى ادراكه بكل بساطة بأن فشله يعني ان الوقت قد حان لتقديم استقالته ام لانه يعاني من الاكتئاب او يشعر بالارهاق، وربما عاد ذلك الى تركيبة من كل تلك العوالم. ويدعي بعض اصدقائه انه شعر بالقنوط والاكتئاب وذلك قد يفسر اخطاءه. كما انه اعلن فجأة بعد اعياد الفصح ومن دون استشارة وزرائه، انه سيجري استفتاء حول اتفاقية الاتحاد الاوروبي بعد ان حثه على ذلك جاك سترو. وقد تم اقناع بلير بعدم الاستقالة من قبل بعض اصدقائه المقربين الموالين له في مجلس الوزراء. وقد رغب وزير المالية غوردن براون ان يتنحى بلير حتى يتمكن من خلافته، ولكنه يبدو انه ساعد في نصحه بالعدول عن الاستقالة، معتقداً ان من الافضل لبلير ولحزب العمال اذا ما استقال رئيس الوزراء في فصل الخريف في الفترة التي يعقد فيها المؤتمر السنوي لحزب العمال.
قد تكون مشكلات القلب التي عاني منها بلير بداية في اكتوبر عام 2003 قد عاودته في وقت زيارته ذلك الصيف مع زوجته لجزيرة سارديينا، حيث اقاما في مسكن رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو بيرلسكوني، فقد اقرّ صديق لاسرة بلير هو اللورد ميلفين براغ علناً في وقت لاحق، ان بلير كان يعاني ضغوطاً شديدة في ذلك الصيف. وقال في ديسمبر 2004 «كانت الضغوط الفعلية ذات طبيعة اسرية وشخصية تهمه كثيراً». وقد عانى بلير مرتين من نوبات ازدياد نبضات القلب خلال فترات استجواب رئيس الوزراء في البرلمان عام 2004.
وبحلول موعد انعقاد مؤتمر حزب العمال، ابلغ بلير زملاءه في مجلس الوزراء انه غير رأيه في ما يختص بالاستقالة، وانه سيستمر في قيادتهم الى موعد الانتخابات المقبلة. واعلن عن ذلك في الثلاثين من سبتمبر عام 2004. ولكنه استطرد قائلاً ان تلك ستكون آخر انتخابات يخوضها. ولم يكن ذلك تصريحاً تم اصدار عن تدبر وتفكير، خاصة بما انه كان قد اشترى مسكناً في لندن لكي يتقاعد فيه.
ولكنه تصريح قصد منه الرد على التكهنات الدائرة حول حالته الصحية. وفي اليوم التالي ذهب إلى العيادة الخارجية لأحد المستشفيات لمعالجة نبضات قلبه غير العادية. وفي هذه المرة اقر المستشفى أنه يعاني من خفقان أذيني. وعليه فإنه في الوقت الذي كانت تحتاج فيه أزمة العراق الى سياسات جديدة وتفكير جديد، كان لدى بريطانيا مرة أخرى رئيس وزراء يخفي مرضه، وينفي الحقائق ويتظاهر بأنه في لياقة وصحة جيدتين. وكلما زادت معرفة المرء بالحالة الصحية لبلير، زاد إدراكه لأسباب تفكيره في الاستقالة. غير أن من يصابون بمتلازمة الغطرسة دائما ما يعتقدون أنه لا يوجد بديل لهم أو من يقوم مقامهم، أي أنه لا يمكن الاستغناء عنهم، ويبدأون ينظرون إلى اي بديل محتمل لهم بازدراء.
وفي 14 يوليو 2004 نشر التقرير الذي حمل اسم بتلر حول فشل المعلومات الاستخبارية في مرحلة ما قبل الغزو. وكان من الواضح ان بلير اصيب بالدهشة لانه لم يسبب ضررا كبيرا، فقد كان هو وراء أسس تحديد صياغته. فعندما يتم اختيار وزير سابق مثل اللورد بتلر لاجراء تحقيق، ويضع فيه رئيس الوزراء زميله الوزير السابق الموالي له في لجنة التحقيق، فإن رئيس الوزراء المعني يدرك أن الانتقادات ستجري صياغتها بطريقة خاصة حتى تعكس وجود اجماع، وبالتالي لا تقود إلى دعوة لتقدم رئيس الوزراء لاستقالته. وبالرغم من ذلك فإن تقرير بتلر ذهب، وعلى غير العادة، إلى أبعد من ذلك في الخوض في أوجه القصور الاستخباري قبل الحرب، وعلق على طبيعة عملية اتخاذ القرار التي يتبناها بلير، وتناول بصفة خاصة اسلوبه المتساهل في اتخاذ القرارات المهمة «لقد ازعجتنا سمة عدم الرسمية والمحدودية في الاجراءات الحكومية ومخاطر تقلل من حجم المشكلة، والتوصل إلى احكام سياسية جماعية قائمة على المعلومات». لقد كان التقرير مصاغا بدقة وأحدث أضرارا كبيرة غير ان الماكينة الاعلامية لبلير تمكنت من تخفيف آثاره.
وفي الفترة التي سبقت الانتخابات العامة، حاول بلير في البداية تنظيم الحملة الانتخابية وحده، مقللا من أهمية غوردن براون ودوره في الانتخابات. وقد واجهت هذه الاستراتيجية الفشل فيما يتعلق بالرأي العام، وبصفة خاصة لدى مؤيدي حزب العمال، وأعيد براون على عجل لكي يلعب دورا مركزيا في الحملة الانتخابية التي انتصر فيها حزب العمال وان كان بأغلبية تقلصت كثيرا، حيث حصل على نسبة 36 في المائة فقط من مجموع الاصوات. واحتفظ العمال بالسلطة بعد حصولهم على 9.6 ملايين صوت فقط، وكان الحزب قد أحرز 10.7 ملايين صوت في عام 2001 و13.5 مليون صوت في عام 1997، وأدرك بلير في السر ان تلك النتيجة كانت بمنزلة هزيمة، وقال انه يتحمل الخطأ نتيجة العراق.
ولكنه استمر في التشبث بالمنصب. وبالرغم من الانخفاض الكبير في الاصوات والمقاعد، عادت إليه ثقته بنفسه. ولم يكن يفهم البتة سبب عدم «تجاوز» البلاد لمسألة العراق. وقد انتعشت لديه حالة متلازمة الغطرسة في عام 2005، وان لم تبلغ المستوى الذي وصلته في عام 2001ــ2003. وقد أعطى الانطباع بأنه هو فقط، في مقره في 10 داوننغ ستريت، من يستطيع تنفيذ برنامج التغيير الذي وضعته حكومته والخاص بقضيتي التعليم والصحة. ولكن، وكما حدث في حالة الأمور العسكرية، فإن تدخلاته المستمرة أعاقت تلك الخدمات واضرت بالروح المعنوية للعاملين المهنيين، وكانت نتيجة ذلك تخفيض فوائد الأموال المخصصة التي تمت زيادتها زيادة كبيرة. وفي السنوات التي اعقبت عام 2001 لاحظ مسؤولو الانتخابات انه كان شائعا إقدام بلير على الإعلان عن قراراته في وقت مبكر أو في بداية الاجتماع وليس في نهايته. وقد وصف وزير سابق عمل معه المشكلة في ديسمبر 2004 بقوله: «هنالك تركيز كبير على الترويج والكثير من السيطرة المركزية والقليل جدا مما اصفه بالحوار المنطقي في الحكومة على كل المستويات. ومجلس الوزراء الآن، ولا أعتقد ان هذا الأمر يعد شرا، لا يصدر القرارات. وكل هذا يعد جزءا من سوء الحكم في هذه البلاد».
وعدم اكتراث بلير للنصائح التي يقدمها زملاؤه وازدراؤه لها يتضحان في معاملته للوزراء العاملين معه منذ وصوله الى السلطة وليس آخرهم وزيري الخارجية والدفاع، مما أدى الى تقويض قاعدة سلطته في وقت مبكر يعود الى عام 2003، وذلك عندما اتضح انه لن يستطيع تأمين صدور قرار ثان من الأمم المتحدة. وقيل ان جاك سترو ذهب للقاء بلير وهو يحمل الوقائع عند عودة رئيس الوزراء من جزر الآزور في 16 مارس 2003. ففي عشية الحرب يبدو ان سترو اقترح ان تعرض بريطانيا توفير قوات تقوم فقط بفرض السلام بعد الاستيلاء على بغداد مع تقديم دعم سياسي ومعنوي كامل للغزو. وكان دونالد رامسفيلد قد أعلن بوضوح أن الولايات المتحدة على استعداد لغزو العراق لوحدها ومن دون مساعدة البريطانيين. بيد ان نصيحة سترو جاءت معاكسة لكل ما يرغب فيه بلير وقد رفضها. وتقديم سترو لاستقالته في تلك اللحظة كان ستكون له آثار ضارة ليس فقط بالنسبة لبلير، بل ايضا في ما يتعلق بسمعة بريطانيا وصمودها في وجه الأزمات لدى الولايات المتحدة.
ومن امثلة الازدراء الذي غالبا ما يكون مصاحبا لسمة الغطرسة التي اصابت رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير تعامله مع وزير خارجيته جاك سترو، اذ ورد في رواية سُربت من مقر رئيس الوزراء لحديث جرى بين الرجلين بعد ظهور نتيجة الاستفتاء العام الفرنسي الذي رفض دستور الاتحاد الاوروبي.
وكان سترو الذي دعا للتصويت بــ«لا» في الاستفتاء العام البريطاني الذي اجري في عام 1975 بشأن البقاء في المجموعة الأوروبية، قد رحب بالنتيجة الفرنسية، وقيل انه بعد تبادلهما الحديث التفت بلير سرا الى احد مساعديه وعلق بازدراء قائلا «العاهر!» وهذه الملحوظة التي تمت ضمن الدائرة الضيقة المحيطة ببلير جرى ترويجها وبالرغم من نفيها رسميا، فان القصة ظلت تُتداول. وأما سترو فقد وصف باسلوب غير دبلوماسي أي ضربة عسكرية استباقية على المنشأت النووية الايرانية بانها «جنون» وقد بدت تلك الملاحظة بانها مقصودة وكأنه كان يخشى استخدام بوش وبلير وجود اي تهديد كجزء من الموقف التفاوضي حول برنامج التخصيب النووي الايراني لإضفاء شرعية على إقدامهما على تسديد ضربة استباقية.
وخفض بلير من مرتبة سترو في مايو 2006 واستبدله بالوزيرة مارغريت بيكيت دون ان يكون لديها خبرة في مجال الشؤون الخارجية. كما عين وزيرا جديدا في منصب وزير الدفاع، اما وزير دفاعه ابان فترة الحرب جيف هون الذي ظل مواليا لرئيس الوزراء طوال الوقت فقد تم ايضا تخفيض مرتبته بصور متتالية.

الأزمة اللبنانية
وبحلول الوقت الذي وقعت فيه ازمة لبنان في يوليو- اغسطس 2006 (العدوان الاسرائيلي على لبنان) كان لدى بلير وزيران جديدان في حقيبتي الدفاع والخارجية ليست لديهما خبرة، ولم يكن هناك احد ذو خبرة كافية لتحدي رفض بلير وبوش، الاعلان عن تأييد وقف لاطلاق النار وهو امر غريب لانه حتى في اسرائيل كانت هناك، بعد وقف اطلاق النار في نهاية المطاف، انتقادات مفصلة مستمرة لطبيعة الاعتداءات الجوية الاسرائيلية على اهداف حزب الله. فتلك الاعتداءات لم تدمر فقط جزءا كبيرا من البنية التحتية اللبنانية ولم يكن لها تأثير على قدرة حزب الله على اطلاق صواريخه الهجومية. وقد شارك بوش وبلير في التوقيع على بيان قمة الدول الثماني الكبرى في سانت بطرسبورغ الذي دعا الى نشر سريع لقوة متعددة الجنسية. ولو كانا قد شاركا فورا في نشر قوة الرد السريع في لبنان لكان ذلك ضمن التوصل الى وقف مبكر لاطلاق النار.

موقف غير أخلاقي
وفي عرض استعراضي في مؤتمر صحفي عقد في واشنطن في 28 يوليو رفض الاثنان وضع ثقلهما الدبلوماسي لوقف اطلاق النار.
وكانا وحدهما تقريبا من بين زعماء العالم بدا انهما يعتقدان ان الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة من الجو على اهداف في لبنان ومن بينها مساكن وشقق في المناطق الحضرية، سوف تقود الى تدمير حزب الله.
والانتقادات القائمة على معلومات والموجهة الى الاستراتيجية الاسرائيلية من داخل اسرائيل جعلت حديثهما المجلجل حول القيم يبدو فارغا تماما. وكان موقف بلير لايمكن الدفاع عنه اخلاقيا وهو موقف مكتوب عليه الفشل عسكريا.
وبعدها تحدث في لوس انجلوس عن «قوس التطرف الذي يمتد الآن في الشرق الاوسط». متجاهلا تماما ان فشله وبوش في احراز نجاح في العراق بعد الغزو ساهم بصورة كبيرة في اشغال المنطقة. والامر الغريب ان لبنان وليس العراق: هو الذي ادى بالنواب المعتدلين من حزب العمال البريطاني في البرلمان الى القول اخيرا «يكفي!» واجبروا بلير على القول علنا في سبتمبر عام 2006 ان ذلك سيكون آخر مؤتمر يحضره للحزب.

الأثر الكارثي
والاثر الكارثي الذي احدثه العراق على بلير اتضح عندما نشرت مجلة لانسيت الطبية في اكتوبر 2006 دراسة لجامعة جونز هوبكر قدرت ان 650 الف مدني عراقي توفوا منذ مارس 2003.
وكالعادة قلل المتحدث باسم بلير من اهمية الدراسة وانها بعيدة عن الرقة. ولكننا نعرف الآن ان كبير المستشارين العلميين في وزارة الدفاع وصفها بأنها دراسة «مضبوطة» و«متوازنة» واوصى بتوخي «الحذر في انتقاد الدراسة علنا». كما قال مسؤول في وزارة الخارجية ان على الحكومة «عدم التقليل من شأن لانسيت»، اما بوش و بعد ان فقد حزبه الجمهوري السيطرة على مجلسي النواب والشيوخ في نوفمبر 2006، فقد بدأ في تغيير بعض من سياساته، التي كان يتمسك بها بعناد، في العراق. حيث أقال دونالد رامسفيلد وعين مكانه خليفة عاقلا هو روبرت غيتس. وقل نفوذ نائب الرئيس ديك تشيني مقارنة بوزيرة الخارجية كونداليسا رايس. وهي التي اقنعت بوش بقبول حوار محدود مع سوريا وايران، ولكن فقط ضمن نطاق المؤتمرات الاقليمية التي يدعو لها رئيس الوزراء العراقي المنتخب نوري المالكي. وبحلول ابريل 2007 زاد بوش، وفي خطوة متأخرة، حجم القوات الاميركية في بغداد، بينما كانت بريطانيا تقلص من تواجدها حول البصرة.

عام النهاية
وكان عام 2007 هو عام النهاية بالنسبة الى طوني بلير. فهذه الشخصية التي وصلت الى السلطة عبر اغلبية كاسحة من 179 مقعدا في البرلمان تركها بعد ان اورث حزبه نتائج فظيعة في الانتخابات العامة في مايو 2007 في كل من اسكتلندا وويلز وفي الانتخابات المحلية في انكلترا. وبينما كانت مثل هذه النتائج في الانتخابات التكميلية غالبا ما تتغير الى الاحسن، لكن تلويح بلير بالمغادرة، بحثا عن ميراث يبقى بعده، اضر بكل ما حوله. ولم يحدث البثة من قبل ان بدأ رئيس للوزراء بداية جيدة وانتهى نهاية سيئة. وتنحى بلير في نهاية المطاف في 27 يونيو 2007. وقد تمتع خلفه غوردون براون بفترة شهر عسل جيد، مما اغراه بالدعوة الى اجراء انتخابات مبكرة في سبتمبر.
وبدت البلاد وكأنها على استعداد لتجاوز قضية العراق وهو امر لم يكن الناخبون مستعدين له تحت حكم بلير.وفي العراق تم سحب القوات من البصرة وتراجع براون عن اجراء الانتخابات عندما اوضحت استطلاعات الزي العام انحيازا كبيرا.

الحلقة 16:
بوش وبلير سياسيان يلعبان ورقة الدين



Pictures%5C2009%5C06%5C10%5C535ca0b3-ab3c-4aa8-9012-672073ab6393_maincategory.jpg
• كلاهما مصاب بغطرسة مدعومة بالجهل (ارشيف)
Pictures%5C2009%5C06%5C10%5C2e8a94ff-a213-496a-a8c5-75eb56bf7fb2_maincategory.jpg
تاليف : اللورد ديفيد اوين القبس
 
31-07-2011, 05:53 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

المرض والسلطة 16 بوش وبلير سياسيان يلعبان ورقة الدين كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C11%5C42e75e4d-8c9b-49e7-b40b-6eb2fdd5e885_main.jpg


ترجمة واعداد: محمد حسن ومحمد امين
تأليف: اللورد ديفيد اوين
- تولى منصب وزير الخارجية في حكومة رئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان في سبعينات القرن الماضي.
- شارك في تأسيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي وتولى زعامته في وقت لاحق. وهو الآن عضو في مجلس اللوردات.
- ظل لفترة طويلة يهتم بأثر الصحة في رؤساء الحكومات.
- لدى اللورد اوين العديد من المؤلفات في المجال السياسي مثل «أوديسا البلقان» و«متلازمة الغطرسة» وغيرهما.

يقدم كتاب «المرض والسلطة» لمؤلفه وزير الخارجية البريطاني الأسبق اللورد ديفيد أوين، الذي تنشره «القبس» على حلقات، دراسة للمرض وأثره في رؤساء الدول. وينظر في كيفية تأثير المرض والعلاج البدني والنفسي، في عملية إدارة الحكم وفي اتخاذ القرارات التي قد تقود إلى التصرفات الحمقاء أو الغبية أو الطائشة.
ويهتم الكاتب بصفة خاصة بالزعماء الذين لا يعانون من المرض بالمعنى العادي، ومن تعمل وظائفهم الإدراكية بصورة جيدة، ولكنهم أصيبوا بما يطلق عليه «متلازمة الغطرسة»، التي أثرت في أدائهم وتصرفاتهم. ومثل هؤلاء الزعماء يعانون من فقدان القدرة والوثوق المفرط في النفس، وازدراء النصيحة والمشورة التي تتعارض وما يعتقدونه، بل وحتى رفض أي نصيحة مهما كانت.
ولقد ظل الدكتور ديفيد اوين ومنذ فترة طويلة يهتم بالعلاقة المتبادلة بين السياسة والطب، وهو يستخدم في الكتاب معرفته الواسعة في المجالين للنظر في المرض ضمن حالات مختلفة في حياة السياسيين، وما إذا كان من الممكن حماية المجتمعات من مرض زعمائها!

في كتاب حول العراق بعنوان «الغطرسة الإمبراطورية» لمؤلفه مايكل شيور رئيس وحدة ابن لادن في وكالة الاستخبارات الأميركية قال «إن الغطرسة ليست السمة الأسوأ بالنسبة لأميركا وهي تندفع باتجاه تحقيق الديموقراطية الفورية، بل الاسوأ هو الغطرسة البالغة المدعومة بالجهل»، حتى إن أحد أكثر مؤيدي بلير الثابتين الصحافي فيليب ستيفنز كتب مقالة في صحيفة «فايننشال تايمز» في 14 يوليو 2006 بعنوان «الغطرسة هي الخيط الذي يربط العديد من مشكلات بلير».
أما تجربتي الخاصة مع بلير فتشير إلى أن الغطرسة بدأت تصيبه في عام 1999 ابان أزمة كوسوفو وزادت في أزمة سيراليون، وخلال الانتخابات العامة في عام 2001 وحتى اعتداءات 11 سبتمبر.
أما بالنسبة لجورج بوش فإن هناك ما يشير إلى ان متلازمة الغطرسة تطورت لديه بسرعة بعد 11 سبتمبر. فاثناء خوضه انتخابات الرئاسة بدا أكثر تواضعا فيما يختص بأهداف سياساته الخارجية، وأعطى الانطباع بأنه ينحو باتجاه العزلة بدلا من التدخل.

لماذا يصابون بالغطرسة
وهذا يقودنا إلى سؤالك لماذا تتطور متلازمة الغطرسة لدى بعض الرؤساء وليس البعض الآخر؟
اعتقد أن السبب يعود إلى الظروف الخارجية الخاصة والشخصية الداخلية لكل فرد. وفي حالتي بوش وبلير نجد ترابطا فيما بين العاملين.
وفي ما يتعلق بالعوامل الخارجية فقد أشار عالم الاجتماع دانيال بيل إلى ان الغطرسة حالة ترتبط بالعصر. وقال ان «الغطرسة الحديثة ترفض قبول القيود والالتزام بالتواصل المستمر. ويفترض العالم الحديث ان المصير يقع دائما في الـ «ما بعد»: ما بعد الاخلاق وما بعد المأساة وما بعد الثقافة».
وإذا كان هذا هو المزاج السائد في هذا الوقت، فإنه يكون من الصعب على زعيم أن يقاوم هذا المزاج، ولكنني أرى أن تعميم بيل قد ينطبق على الولايات المتحدة أكثر من بريطانيا.
فمن المؤكد أن مفهوم الـ «ما بعد» ظل دائما يستميل الأميركيين، ويعود ذلك إلى ايام اختراق التخوم والحدود في الولايات المتحدة باتجاه غرب القارة.
وبعد إنجاز التوسع في الأراضي أصبحت الحدود الجديدة التي يجب تجاوزها هي حدود الفضاء الخارجي. ويمكن القول ان ذهنية القدرة على فعل كل شيء وانجازه خاصية يجب الاحتفاء بها وليس انتقادها، وهي تتخذ موقعا مركزيا في الثقافة الأميركية، وبصفة خاصة الثقافة الشعبية. فالبطل فيها يقوم بتخليص العالم من الشر، ويكون مستعدا لاستخدام اي قوة نارية قد تكون لازمة لتنفيذ تلك المهمة، ونجد هذه الشخصية في افلام هوليوود والعديد من مسلسلات التلفزيون الاميركي، كما تلعب ثقافة الشباب دوراً في هذا الموضوع، وتنشأ المشكلة عندما يتحول هذا التوجه نحو الغطرسة.

مسرح وممثل
وبريطانيا بصفتها مستوردة للثقافة الاميركية تستوعب بعضاً منها، ولكن ربما تكون اقل شيوعا مقارنة بالولايات المتحدة، والثقافة البريطانية اقدم وهي اكثر اوروبية، كما طموحاتها الامبريالية باتت شيئاً من الماضي، وربما كان العامل الاكثر وضوحاً الذي يعزز التوجه نحو الغطرسة هو الاعتقاد السائد في كلا البلدين بان كلا منهما كان وما زال يعتبر قوة تعمل لمصلحة العالم، وقد يدفع هذا الامر زعيماً مصاباً بالغطرسة الى التحول الى «مجاهد» لتخليص عالم يعاني من المشاكل.
وفي ما يتعلق بوجود اي سمات شخصية قد تقود رئيس الحكومة الى الغطرسة، نجد ان هناك العديد منها تظهر بوضوح لدى طوني بلير.
اولاً، وكما تظهر جميع السير التي كتبت عنه، فان اهتمامه الاول في بداية حياته لم يكن السياسة بل الاداء الفني، ففي المدرسة، كما في جامعة اوكسفورد، كان اهتمامه ينصب على المسرح والاداء الفني كممثل او عضو في فريق لموسيقى الروك.
ويبدو ان دخوله الى مجال السياسة لم يأت نتيجة قناعة ايديولوجية، فقد كان في المدرسة في المحافظين وظل دائما لا يستطيع تحديد فلسفة سياسية تؤكد جذوره ضمن حزب العمال، غير ان السياسة وفرت له مسرحاً كبيراً لتقديم قدراته الادائية، وقد لوحظ كثيرا مدى قدرات بلير الادائية وذكائها، وتنوعها كسياسي.
والسياسيون، وبصفة خاصة عندما لا يكونون يهتمون بالتفاصيل، يبدو عليهم الميل نحو النرجسية، بيد ان الممثل السياسي يكون نرجسيا بصفة خاصة ويتحول الى مركز لرؤاه السياسية، ويسيطر على المسرح، حيث تكون جميع الاعين مصوبة عليه، ويفضل بلير الحصول على المعلومات في ورقة واحدة او ورقتين ع‍لى الاكثر وغالبا ما لا يقرأ المواد الاساسية التي تعطي خلفية للموضوع المعني، ولهذا لم يكن من المستغرب ان يكتسب اسلوب العرض والترويج الاعلامي اهمية لمثل هؤلاء السياسيين.
غير ان النرجسية في حالة الممثل -السياسي تجعل القيام بدور البطل امرا لا يقاوم.

الكذب عادة
والسمة الثانية في شخصية بلير تتعلق برؤيته لنفسه، اذ انه يعتقد انه دائما يقوم بدور جيد، وقال الصحافي والمؤلف جيفري ويتكروفت ان هذه سمة واضحة لدى بلير، وهو يشبه في ذلك طائفة ظهرت في القرن السادس عشر كانت ترى انه بالنسبة «للانقياء كل شيء نقي»، مما يعني ان كل ما يفعلونه يكون نقيا وطاهراً.
ومن يعتقد انه لا يأتي بسوء او خطأ يفتقد السيطرة على سلوكه، وهم يعتقدون بعدم قدرتهم على الكذب وبالتالي فان اخفاء الحقيقة تتحول لديهم بكل سهولة الى عادة.
ففي عام 2003 تفاخر بلير بكبرياء بانه شخصيا تمكن من «التخلص من اربعة طغاة في كوسوفو وسيراليون وافغانستان والعراق»، غير ان عملية كوسوفو كانت عملية نفذها حلف الناتو في عام 1999، ووجدت الدعم الدبلوماسي الروسي، وفي سيراليون قام بلير فعلا بدور ناجح، حيث عملت القوات البريطانية بصورة وثيقة مع قوات الامم المتحدة، اما افغانستان فقد كانت عملية نفذتها بصفة اساسية وكالة المخابرات الاميركية في عام 2001 بالتعاون مع القوات الخاصة الاميركية.
وفي العراق كانت السيطرة للولايات المتحدة، بالرغم من ان بريطانيا شكلت اكبر شريك في التحالف العسكري. ولم يواجه بلير بوش، بل بينما كان يتحدث بلهجة صارمة تجده دائماً يتراجع ويتنازل.
وبين من اطلعوا عن قرب على العلاقة بين بلير وبوش الجنرال كولن باول الذي قال لانطوني سيلدون، الذي الف سيرة متعاطفة لبلير، «وفي نهاية المطاف تجد ان بلير دائماً ما كان يساند بوش. وقد كان ذلك امراً مفاجئاً بالنسبة الي، اذ لم افهم البتة لماذا يبدو بلير في مثل ذلك التوافق مع بوش. وفي النظر في الامر وجدت ان البريطانيين لم يتعرضوا للاعتداء في 11 سبتمبر. فكيف توصل الى النتيجة التي رأى فيها ان صدام يمثل تهديداً؟ وبلير قد يعبّر عن مخاوفه ولكنه لا يفعل شيئاً تجاهها. وكنت وجاك سترو نحثه بشأن موضوع من المواضيع ويصبح هو مستعداً.. لكنه حال لقائه الرئيس يكون قد فقد قوة الدفع».

ورقة الدين
وقد يفسّر هذا الامر على انه ضعف، ولكن الارجح انه يمثل حماسة فائقة لشخصين مرتبطين معاً ببرنامج ذي اهمية بالغة وسامية بالنسبة اليهما بما لا يجعلهما يريان تعقيداته.
كما يرتبط بهذا الامر طبيعة معتقدات بلير الدينية والطريقة الخاصة التي يرى بها علاقته مع الخالق. فبلير مسيحي متدين يولي اعتباراً كبيراً لايمانه الكاثوليكي، وهو يميل الى التخفيف من ذلك في العلن بما ان السياسي الذي يلعب ورقة الدين في بريطانيا يصعب بكل تأكيد انتخابه، كما يبدو احياناً في الولايات المتحدة.
ولكنه في مقابلة تلفزيونية اجريت في 4 مارس 2006، وربما لانه كان يدرك التزامه بالتنحي عن منصبه كرئيس للوزراء قبل خوض انتخابات عامة اخرى، تخلى بلير عن تحفظاته في الحديث حول ايمانه الديني، وقال في حديث يتعلق بالعراق «اذا كان لديك ايمان بهذه الامور عندما تدرك ان الاحكام مصدرها اناس آخرون. واذا كنت تؤمن بالله فان مصدرها هو الله ايضاً».
ويعني ذلك ضمنياً ان المحاسبة ذات الاعتبار بالنسبة لبلير ليست مصدرها الناخبون بل الخالق. وهذا الاعتقاد يزيد من شعور الغطرسة ولا يقيدها.
وبالنسبة لبوش فان حالة الادمان لديه تعد مهمة وذلك الى جانب اهمية شخصيته الدينية. فقد اعاد ارتباطه بالمسيحية باجتماع عقده مع القس المبشر بيلي غراهام في عام 1986، في المسكن الصيفي لاسرته في ولاية مين، وكان والده حينها يتولى منصب نائب الرئيس.
وبوش الابن يرى ان الخالق ليس قوة تضبط خطواته بل كقوة تدفعه الى الامام. وليس لدي شك في ان اعتداء 11 سبتمبر شكل امراً كان يرى انه سيقع، وان بلاده سوف تحتاج اليه. وكان قال لوزير الخارجية الفلسطيني ذات مرة «انني مدفوع بمهمة من الخالق وقد قال لي: جورج اذهب لازالة الطغيان في العراق: وقد فعلت ذلك». وقال مؤرخ لسير العديد من الرؤساء الاميركيين جيفري بيريت ان «هذه لغة لم يستخدمها اي من الرؤساء في تاريخ اميركا».
وفي عالم بوش وبلير يعتبر الخالق القوة التي تدفع البطل لمواجهة الواقع. والغطرسة امر لا يجب الاهتمام به، والعدو ليس الا جهة قليلة الحظ لابد للبطل من مواجهتها في مرحلة من مراحل اعماله البطولية، وهم يعتقدون انهم سيجدون الثواب في الجنة.

الحالة الصحية
لقد ضلل بلير وبوش، على السواء، الرأي العام في ما يتعلق بحالتيهما الصحية. فقد بدا الاثنان في الظاهر في معظم الاحيان في صحة ولياقة جيدة ولكننا لا نستطيع التحدث بثقة حول نوعية العقاقير والادوية، اذا كانت هنالك، التي تعاطاها كلاهما ابان توليهما منصبيهما. وبالتالي لا نعرف عما اذا كان احد العقاقير او اي دواء من الادوية قد جعلهما عرضة للاصابة بمتلازمة الغطرسة. كما لا يوجد لاي منهما سجل يشير الى انهما يعانيان مرض الاكتئاب. واذا كانا مصابين بمتلازمة الغطرسة فإن هناك احتمالاً كبيراً ان تكون من النوع الصافي الذي يظهر لدى من يتولون المناصب الرفيعة. ولقد تم تناول صحتهما باقتضاب سابقاً، وهنالك حاجة الآن الىالنظر لبعض التفاصيل للبحث عن اي ادلة قد تشير الى سبب اصابتهما بمتلازمة الغطرسة.

صحة بلير
تسرب نبأ يوم الاحد 19 اكتوبر 2003 الى الصحافة يقول ان بلير ذهب الى مستشفى ستوك مانديفيل القريب مقره من تشيكرز لقضاء عطلة نهاية الاسبوع. وقد تم تأكيد هذا النبأ في وقت لاحق رسمياً من قبل الحكومة. ونقل بلير بعدها الى مستشفى همر سميث في غرب لندن لتلقي العلاج الذي قيل انه حالة عادية من حالات زيادة نبضات القلب.
وفي وقت لاحق من تلك الليلة وعند عودة بلير الى داوينغ ستريت قيل انه لم يعان من قبل البتة من مشكلات في القلب، ولكن تم الاعلان ايضا عن انه تلقى في مستشفى همرسميث علاجا لصدمة قلبية، وقد استخدمت عبارة طبية غامضة او ملتبسة، مما ادى الى اثارة الشكوك في ان بلير يعاني حالة اخطر، وقد تعززت تلك الشكوك عندما صرح بيل كلينتون قائلاً «حال سماعي بما حدث اتصلت للتأكد من انه بخير، وتبادلنا الحديث وكان في حالة جيدة.. لقد كنت على علم بذلك منذ فترة طويلة، فقد ابلغني بها قبل سنوات مضت» وفي مقابلة اخرى اجريت معه اضاف كلينتون ان بلير ابلغه ان هذه الحالة التي عانى منها من قبل هي نتيجة قلة النوم وزيادة مستوى الكافيين.
وفي 27 اكتوبر صدر تصريح من مقر رئيس الوزراء للرد ع‍لى ما ذكره كلينتون جاء فيه «ان رئيس الوزراء لم يصب بحالة في القلب، وهو لم يعان حالة في القلب من قبل البتة» كما رد بلير بوضوح على ادعاء كلينتون في مقابلة مع اذاعة «بي بي سي»، قال فيها «هذه اول مرة يحدث لي فيها هذا الامر، وقد ابلغت انها حالة شائعة وان علاجها بسيط نسبياً».
ولكننا لا نعرف الآن من مذكرات الوزير السابق ديفيد بلونكيت انه بعد يومين من تلقي بلير للعلاج «ابلغني طوني عند حديثي معه عبر الهاتف ان لديه مشكلة في القلب ظلت تراوده بين وقت وآخر لمدة 15 عاما، ولكنه اضطر هذه المرة للذهاب الى المستشفى ولهذا عرفت ذلك علناً».
وفي 4 نوفمبر تحدثت الى بلير في حفل استقبال دبلوماسي، وقد لاحظت انه كان يشعر بقلق بالغ، وانه تقدمت به السن كثيرا، وظهر ذلك على وجهه الذي بدا وكأن تضاريسه قد تغيرت. كما بدا فاقداً الكثير من الوزن، مما جعلني اتساءل عما اذاكانت حالته في القلب ذات صلة بزيادة نشاط الغدة الدرقية لديه. الامر الذي يفسر فقده الوزن وزيادة نشاطه.

طبيب على دراجة
وفي ديسمبر 2003 وردت انباء حول انتقال طبيب اختصاصي على عجل الى مقر رئيس الوزراء على ظهر دراجة نارية لتقديم العلاج لبلير لاصابته بآلام مبرحة في المعدة، وتداولت الصحف تكهنات بانه قد يكون اصيب بالتهاب الزائدة الدودية. اما بالنسبة لاختصاصي امراض القلب فان ذلك يحمل المزيد من القلق، اذ انه يكون قد اصيب بحالة غير شائعة، لحسن الحظ هي الخفقان الاذيني الذي يحدث آلاما في البطن، ولكن لحسن الحظ لم يكن الامر كذلك.
وقد زادت الشكوك بان بلير يحاول اخفاء مشكلة تنتابه في القلب منذ فترة طويلة بعد نشر صحيفة ديلي ميرور تقريرا في 20 نوفمبر 2003 بان الملكة اليزابيث كانت على علم بحالة بلير الصحية في القلب، وانها قالت «لقد اخبرني بانه عانى من امراض مماثلة في السابق»، مما اكد ما ذكره بيل كلنتون. ورد مقر رئيس الوزراء مرة اخرى مكررا بان رئيس الوزراء لا يعاني مشكلة في القلب ولم يعان ذلك من قبل.
ولكن في الاول من اكتوبر عام 2004، اعلن فجأة ان بلير نقل مرة اخرى الى مستشفى همرسميث، وقد وصف طبيب بلير حالته بانها مجرد «نبضات غير منتظمة للقلب»، بيد ان المستشفى وصفها بانها حالة خفقان اذيني.
وقد كانت هنالك تكهنات استمرت بضع سنوات تقول ان بلير يتناول عقارا لضبط نبضات القلب، وقد سألت احد العلماء ممن لديهم خبرة طويلة في التعامل مع هذه العقاقير ان كان يعرف بوجود اي تأثيرات جانبية لها قد تجعل بلير عرضه للاصابة بمتلازمة الغطرسة، وقد ادعى انه تلقى طلبا مماثلا من وزراء الخارجية حول حالة صدام حسين. وكان رده انه لم يجد في الدراسات تناولا للتأثيرات البعيدة المدى النفسية لهذا النوع من العقاقير، ولكن هنالك بعض الروايات الشخصية لمثل تلك التأثيرات الناتجة عن هذه العقاقير.
وكتب لي احد الاطباء ببعض التكهنات حول الادوية التي قد يكون بلير قد تعاطاها، وقال انه ظل يراقبه عن طريق التلفزيون لعدة سنوات، ولاحظ كيف ان مقدمة شعر رأسه المتراجعة بدأت تتقدم الى الامام وبعدها، وبعد الاعلان عن علاجه من مشكلته في القلب بدأت في التراجع مرة اخرى، وتساءل الطبيب ان كان بلير يستخدم دواء ريغين الذي يساعد على نمو الشعر والذي وردت تقارير حول اعراضه الجانبية (اسراع نبضات القلب او الخفقان). وافترض انه عندما ادرك الاطباء انه يستخدم دواء ريغين، ابلغوه بالتوقف عن استخدامه. ومهما كانت الحقيقة فان هنالك احتمالا يقول ان شخصية بلير وليست حالة القلب لديه هي التي اسهمت في اصابته بمتلازمة الغطرسة.
وقد اتضح ان بلير حاول اخفاء طبيعة مرضه وضلل الناخبين بشأن خطورة حالته الصحية. وقد وصف احد الصحافيين ذلك بالخداع. وبلير ليس اول رأس دولة، وربما ليس الاخير، الذي يقدم على ذلك، ولكن تلك كانت سمة فترة توليه منصب رئيس الوزراء، وهو امر يتطابق ومتلازمة الغطرسة وسيره في طريق الخداع.


الحلقة 17 والاخيرة:
إشاعات وغموض حول عودة بوش الى تعاطي الخمر أثناء رئاسته





Pictures%5C2009%5C06%5C11%5C09fd71a7-5267-4efa-81b5-1a59c92e0962_maincategory.jpg

05-08-2011, 02:29 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,789

icon1.gif

المرض والسلطة 13 باول سأل: هل هناك بديل معقول لصدام؟ كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C08%5Cc8b6bf76-54ca-4123-b318-6982b89904b1_main.jpg
• بوش اعلن: المهمة انجزت.. والقليلون صدقوا (أرشيف)
ترجمة واعداد: محمد حسن ومحمد امين
تأليف: اللورد ديفيد اوين
يقدم كتاب «المرض والسلطة» لمؤلفه وزير الخارجية البريطاني الأسبق اللورد ديفيد أوين، الذي تنشره «القبس» على حلقات، دراسة للمرض وأثره في رؤساء الدول. وينظر في كيفية تأثير المرض والعلاج البدني والنفسي، في عملية إدارة الحكم وفي اتخاذ القرارات التي قد تقود إلى التصرفات الحمقاء أو الغبية أو الطائشة.
ويهتم الكاتب بصفة خاصة بالزعماء الذين لا يعانون من المرض بالمعنى العادي، ومن تعمل وظائفهم الإدراكية بصورة جيدة، ولكنهم أصيبوا بما يطلق عليه «متلازمة الغطرسة»، التي أثرت في أدائهم وتصرفاتهم. ومثل هؤلاء الزعماء يعانون من فقدان القدرة والوثوق المفرط في النفس، وازدراء النصيحة والمشورة التي تتعارض وما يعتقدونه، بل وحتى رفض أي نصيحة مهما كانت.
ولقد ظل الدكتور ديفيد اوين ومنذ فترة طويلة يهتم بالعلاقة المتبادلة بين السياسة والطب، وهو يستخدم في الكتاب معرفته الواسعة في المجالين للنظر في المرض ضمن حالات مختلفة في حياة السياسيين، وما إذا كان من الممكن حماية المجتمعات من مرض زعمائها!

الفشل في التخطيط لما بعد الحدث
كانت لدى جورج بوش الابن ميزة وجود اثنين من زملائه من ذوي الخبرة هما كولن باول وديك تشيني اللذان عملا كوزيرين في ادارة والده عندما غزا صدام حسين الكويت.
وكان الهدف الرئيسي لصدام حينها التخلص من الدين الكويتي البالغ 30 مليار دولار، ولهذا السبب لم يحتل فقط حقل الرميلة النفطي بل غزا الكويت واتجه في حركة استفزازية جنوبا نحو الحلول السعودية- الكويتية مما شكل تهديدا مباشرا للملكة العربية السعودية.
ومنذ البداية وفي 3 أغسطس 1990 وفي الاجتماع الثاني لمجلس الامن الوطني مع الرئيس تم النظر في الوضع الشخصي لصدام. سأل باول الذي كان يتولى حينها منصب رئيس هيئة الاركان المشتركة «ما هو دور صدام كفرد في هذا العدوان؟ واذا ما اختفى صدام هل سيكون هنالك بديل معقول؟ ورد برنت سكوكروفت مستشار الامن القومي ان «العراق قد يتفكك» واشار مستشار السياسة الخارجية ريتشارد هاس الى «انه من المستبعد ان يحظى اي شخص بمستوى عبادة الشخصية الذي يحظى به صدام» كي يتمكن من جمع اطراف البلاد، وقد ظل ذلك الحوار يمثل اساس حملة عاصفة الصحراء في عام 1991، اي ان طرد الولايات المتحدة للقوات العراقية من الكويت دون الهجوم على بغداد.

خطوة خاطئة
وحشد جورج بوش الاب قوة متعددة الجنسية ساهمت فيها عدة دول بقوات كبيرة الحجم وقد جاءت المساهمة الاكبر من المملكة المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر.
تحقق النجاح العسكري في تلك الحملة عن طريق القصف الجوي الذي استمر لستة اسابيع، واعقب ذلك في 24 فبراير هجوم سريع بواسطة دبابات متطورة وهجوم واسع بالطائرات المروحية الضخمة. وفي 27 فبراير تم وقف اطلاق النار الذي سانده تشيني وباول، وقد شعر تشيني في وقت لاحق ان تلك كانت خطوة خاطئة وانه كان يجب استهداف صدام.
وفي ضوء هذه الخلفية، كان من المتوقع طرح مسألة كيفية التعامل بالتفصيل لفترة ما بعد حدوث غزو آخر بعد مضي 12 عاما يهدف الى الاطاحة بصدام حسين، وكان يجب ان يشغل ذلك ذهن جورج بوش الابن، بيد انه قد اعتقد ان الاطاحة بصدام سوف تؤدي الى مشكلات قليلة بما انه سوف ينظر الى الاميركيين على انهم محررون للبلاد والحقيقة المرة هي ان بوش وبلير قللا من اهمية الوضع، وكذلك فعل الجنرال تومي فرانكس الذي لم يأخذ البوادر الاولية التي تشير الى ان صدام خطط لانتفاضة وكان مأخذه مأخذا جادا.

خيارات بوش
والخيار الذي كان امام بوش في عام 2003 بعد الاستيلاء على بغداد هو عقد صفقة سياسية او تسليم مبكر للسلطة الى العراقيين مما يتيح اجراء انسحاب سريع للقوات الاميركية او اللجوء للاحتلال وبرنامج لاعادة بناء الدولة العراقية وتأخير الانسحاب حتى انجاز تلك المهمة.
وكان على بوش وبلير اختيار احد هذين الخيارين قبل العزو، وما حدث هو شعور بوجود انقسام في اوساط مستشاريه، واجل صدور اي قرار الى ما بعد العزو، وقبل بلير هذا الوضع، وكان من الواضح من موقفهما تجاه افغانستان ان تشيني ورامسفيلد قبل فترة بعيده من غزو العراق لا يحبذان الحاجة الى بناء الدولة وعدم التورط فيها.
وكان والبارزون من مجموعة المحافظين الجدد مثل نائب وزير الدفاع بول وولفوفيتش وزميله في وزارة الدفاع دوغلاس فايث «لا يرون ان هنالك حاجة لكي تقوم الولايات المتحدة بادارة العراق في مرحلة ما بعد النزاع». وكان الهدف هو ادارة البلاد بواسطة المنفيين العراقيين المفضلين لديهم ضمن المؤتمر الوطني العراقي، والاسراع في الخروج من العراق».
وفي بريطانيا عرفنا من خلال التسريبات للعديد من الاوراق الرسمية كيفية عرض قضايا التخطيط لمرحلة ما بعد الغزو على طوني بلير، كيف يبدو انه تجاهل الهواجس التي عبر عنها المسؤولون.
ولمن يهتم بتحليل القرارات الخاطئة والتنفيذ غير الكفؤ للسياسة البريطانية توفر الأوراق التي تسربت كنزا من المعلومات الاساسية.
وفي ابريل ذهب بلير للقاء بوش في كرافورد بولاية تكساس وهو يحمل تحذيرا واضحا حول طريق الحرب الذي كان قد شرع في السير فيه مسبقا في ذهنه.
وقد كتب وزير الخارجية جاك سترو له في 25 مارس يقول: علينا ايضا الرد على السؤال
ماذا ستحقق هذه الخطوة؟ يبدو ان هنالك خللا كبيرا في هذا الامر. ومعظم التحليلات الواردة من اميركا تفترض تبني تغيير النظام كوسيلة للقضاء على التهديد الذي تشكله اسلحة الدمار الشامل. ولكن لم يجب اي منها بصورة مرضية عن كيفية تأمين تغيير النظام، وامكان التأكد من ان النظام البديل سيكون افضل».

مذكرة رسمية
وفي 21 يوليو، تم توزيع مذكرة رسمية الى الوزراء حول العراق بعنوان «شروط العمل العسكرية» وحذرت من انه: لم يعط تفكير كثير لخلق الظروف السياسية للعمل العسكري او الفترة بعده وكيفية تشكيلها.
وعندما ناقش بلير الوضع في العراق مع الرئيس بوش في كرافورد في ابريل قال ان بريطانيا ستدعم العمل العسكري لاحداث تغيير في النظام، وهناك بعض الشروط التي يجب تنفيذها: لقد بذلت جهود لاقامة تحالف، وخلق رأي عام مؤيد، وتهدئة الازمة الاسرائيلية الفلسطينية، وخيارات العمل على ازالة اسلحة الدمار الشامل عن طريق مفتشي الاسلحة التابعين للامم المتحدة قد استنفدت.. واحتلال العراق بعد الحرب قد يقود الى عملية بناء للبلاد تستمر لفترة طويلة، وتكون مكلفة. وقد اتضح مسبقا ان الخطط الحربية الاميركية تكاد تكون صامته في ما يتعلق بهذه النقطة.

وقائع مختلقة
وبعد مضي يومين من ذلك تم تحذير بلير من اختلاق المعلومات الاستخبارية في واشنطن، وقدم له كذلك تحذير اكثر خطورة من ذلك الذي قدمه الوزير سترو في مارس. وجرى في نهاية المطاف تسريب مذكرة سرية للغاية موجهة الى الحكومة البريطانية بتاريخ 23 يوليو 2002 الى الصحافة بعد مرور عامين من غزو العراق. وتصف المذكرة اجتماعا حضره ثلاثة من مجلس الوزراء هم رئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الدفاع والنائب العام، ولكن لم يحضره نائب رئيس الوزراء او وزير المالية غوردن براون. وكان من الحضور رئيس مركز المعلومات المشتركة جون سكارليت وكذلك رئيس الاستخبارات الخارجية السير ريتشارد ديرلوف الذي قدم شرحا لمحادثاته في واشنطن. وقال ديرلوف ان العمل العسكري «ينظر اليه الآن على انه امر حتمي. وبوش يود التخلص من صدام عن طريق العمل العسكري الذي يتم تبريره عن طريق الربط بالارهاب واسلحة الدمار الشامل. غير ان المعلومات الاستخبارية والوقائع جرى اختلاقها بما يتناسب وهذه السياسة... ولم يكن هنالك سوى القليل من النقاش في واشنطن حول فترة ما بعد العمل العسكري».

تجاهل التحذيرات
ومن الواضح انه من خلال تلك الاوراق التي جرى تسريبها، بدا وكأن الماكينة الحكومية بحلول يوليو 2007 قد افترضت ان هناك احتمالا بان يفرض عليها قبول خيار بناء الدولة العراقية المكلف والذي سيأخذ وقتا طويلا. وذلك بالاضافة الى ان اجهزة الاستخبارات والقوات المسلحة ازعجها كثيرا شح المعلومات حول اي خطط خاصة بمرحلة ما بعد الغزو في واشنطن.
غير ان بلير بدا وكأنه يتجاهل التحذيرات الصادرة عن مساعديه، وفي حديث تبادلته معه في حفل عشاء في اليوم التالي للاجتماع الذي ورد اعلاه قلل من شأن وجود اي صعوبات، وحاول اعطائي الانطباع ان الامور تسير على ما يرام.
وانه تمت معالجة كل شيء. وهذا الامر لا يكشف فقط عن عدم كفاءة عادية بل عدم كفاءة ممزوج بالغطرسة. فقد اصبح محصنا ضد كل الحجج وفي ما يتعلق بالصعوبات.
العملية التي قد تقع والتي وضعها العديد من الناس امامه. ويتذكر احد كبار المسؤولين انه عندما كان ينصح بلير حول الصعوبات التي ستواجهه كان يقول «انت نيفيل تشامبرلين، وانا وينستون تشرشل وصدام هو هتلر». ومن الصعوبة بمكان اجراء حوار جاء مع زعيم يفكر بهذه الطريق العاطفية الساذجة.

لا يريد ان يسمع
وهي هي الحالة الذهنية لبلير عن التعامل مع المستشارين. فقد كان بلير يهتم فقط بان يتم تطمينه بانه كان يقاتل الشر ويمكن مساواة ذلك بحديث بوش البسيط حول حملته الصليبية الهادفة الى تخليص العالم من «الاشرار».
ومن يبررون السياسات البريطانية ويقدمون الاعذار لبلير شخصيا في ما يتعلق بالعراق يميلون الى وضع اللوم كله على عاتق الاميركيين.
وهذا الامر يقلل من شأن معرفة البريطانيين بالمنطقة. فبريطانيا، وعلى خلاف اميركا، ظلت مرتبطة بالعراق خلال معظم سنوات القرن العشرين ووزارتا الخارجية والدفاع البريطانيتان لديهما المعرفة
والخبرة وبعض الافكار المبينة على معلومات موثقة حول افضل السبل للتعامل مع فترة ما بعد الغزو خاصة على ضوء الاخطار التي ارتكبت في عام 1991.
غير ان هذه الخبرة لم يستفد منها بلير، وهناك بحث استراتيجي لوزارة الخارجية كانت وزارة الخارجية الاميركية تأمل في الحصول عليه، حيث ان بحثها تم تجاهله من قبل البنتاغون، ولكن ذلك البحث لم يصلها، وبما ان مقر رئيس الوزراء كان يتولى مسؤولية السياسة تجاه العراق، فان الجهود التي بذلتها وزارة الخارجية لتواصل مع الاميركيين في مرحلة ما بعد الغزو لم تؤت ثمارها.
وكانت تلك نتيجة تولي بلير مهمة ادارة معظم الجهود المبذولة في فترة الاعداد للحرب لوحده مبعدا وزارة الخارجية او متجاهلا التحديات الصادرة عن الجيش واجهزة الاستخبارات،
وبالرغم من ذلك، كان من المنطقي التوقع في اي علاقة وثيقة فعلية بين رئيس حكومتين مثل بوش وبلير ان تكون هنالك مناقشات تفصيلية حول كل القضايا الاساسية، بما في ذلك التعامل مع مرحلة ما بعد الغزو.
وكانت قد اوكلت الى رامسفيلد مهمة التخطيط لفترة ما بعد الغزو في 20 يناير غير ان ذلك التخطيط كان يجب ان ينجز من قبل واشنطن ولندن قبل اشهر من ذلك التاريخ.

الجيش يسقط بسرعة
واجتمع الزعيمان في واشنطن في 31 يناير 2003 وبعض ما تسرب من محتوى ذلك الاجتماع المهم في وقت لاحق في صحيفة «نيويورك تايمز» حيث عرض مراسلها مذكرة حول ما دار في ذلك الاجتماع صاغها كبير مستشاري رئيس الوزراء ديفيد ماننغ، وقد أبلغ بلير ان تاريخ بداية القصف تحدد في 10 مارس 2003، وكان من الواضح انه لم يكن هو او بوش يعتقدان بضرورة التخطيط للعواقب المحتملة لتوقعات الرئيس الاميركي الخاصة التي صرح بها في الاجتماع والقائلة ان الجيش العراقي سوف «يسقط بسرعة» وفي الواقع فقد نقل روبرت درابر مؤلف كتاب «الثقة التامة» قوله «ان السياسة التي تقوم على الحفاظ على الجيش دون مساس لم تنفذ». ولكنه لم يتذكر كيفية رد فعله عندما اكتشف ان تلك السياسة تم التراجع عن تنفيذها، وكانت شخصية بارزة ضمن مجموعة المحافظين الجدد قد ابلغني حينها ان القوات العراقية سوف تنضم الى التحالف باكملها وانها ستساعد في الحفاظ على القانون والنظام، وبدأ في ذلك الاجتماع ان بوش وبلير كانا يتصدران حدوث نصر سريع وتبادلا بعض الافكار حول حكومة ما بعد الحرب في العراق، حيث قال بلير «سوف يجد الناس ان الامر غريب للغاية اذا ما سلمنا السطلة إلى دكتاتور آخر».

أعراض متكررة
وبما يتماشى ومرض «الغطرسة» فان بوش وبلير لم يكن مع اي منهما مستشارون من وزارتي الدفاع والخارجية في ذلك الاجتماع الذي عقد في يناير، بل كان في صحبتهما مساعدوهما الخاصون من البيت الابيض و10 داوننغ ستريت، وهذه المجموعة الصغيرة اللصيقة بهما استخدمت في الترويج لافكار وقناعات سيديهما السياسية. وهذه ظاهرة خطيرة اطلق عليها منظرو الادارة اسم «التفكير الجمعي» وتحليل عدم الكفاءة العسكرية في السابق ابرز اربعة من الاعراض المتكررة وهي «اهدار القوى البشرية والثقة المفرطة، والتقليل من شأن العدو، وتجاهل التقارير الاستخبارية».

غطرسة بوش بعد الغزو
في الأول من مايو 2003، ظهر جورج بوش وهو يرتدي زي طيار حربي وكأنه ممثل من هوليوود اثناء هبوطه من طائرة مروحية على متن حاملة الطائرات ابراهام لينكولن قبالة شاطئ ولاية كاليفورنيا ووقف على منصة للاحتفال بالنصر في العراق، وعلقت على الحاملة لافتة ضخمة تحمل عبارة «مهمة أنجزت».
كان ذلك تصرفا ينم عن درجة عالية من الغطرسة، كما كان ذلك يشكل ازدراء، وان كان غير مقصود، للقوات التي تعمل في ميدان الحرب، وتعرف عبثية ذلك الشعار.
لقد حاول دونالد رامسفيلد اقناعه بعدم استخدام تلك العبارة في خطابه غير ان بوش قال «في الحرب في العراق انتصرت الولايات المتحدة وحلفاؤنا» ومع ان بلير لم يذهب الى ذلك المدى، غير ان لهجته الخطابية كانت تعبر كثيرا عن النصر.

الحلقة 14:
ضغوط العراق القوية أوصلت بلير إلى المستشفى مصاباً بالقلب

القبس


• بوش مع البابا بنديكت (أرشيف)
Pictures%5C2009%5C06%5C11%5C20ee0160-e204-4c5c-a50d-bf6e8349ff57_maincategory.jpg
• ديفيد اوين القبس
 
التعديل الأخير:
05-08-2011, 02:41 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

المرض والسلطة 17 إشاعات وغموض حول عودة بوش إلى تعاطي الخمر أثناء رئاسته كتب محمد أمين


القبس:
Pictures%5C2009%5C06%5C12%5C4cdeb770-c970-4fa2-ba6a-cae17bd1f9a3_main.jpg
• بوش لا يحب القراءة
ترجمة واعداد: محمد حسن ومحمد امين
تأليف: اللورد ديفيد اوين
يقدم كتاب «المرض والسلطة» لمؤلفه وزير الخارجية البريطاني الأسبق اللورد ديفيد أوين، الذي تنشره «القبس» على حلقات، دراسة للمرض وأثره في رؤساء الدول. وينظر في كيفية تأثير المرض والعلاج البدني والنفسي، في عملية إدارة الحكم وفي اتخاذ القرارات التي قد تقود إلى التصرفات الحمقاء أو الغبية أو الطائشة.
ويهتم الكاتب بصفة خاصة بالزعماء الذين لا يعانون من المرض بالمعنى العادي، ومن تعمل وظائفهم الإدراكية بصورة جيدة، ولكنهم أصيبوا بما يطلق عليه «متلازمة الغطرسة»، التي أثرت في أدائهم وتصرفاتهم. ومثل هؤلاء الزعماء يعانون من فقدان القدرة والوثوق المفرط في النفس، وازدراء النصيحة والمشورة التي تتعارض وما يعتقدونه، بل وحتى رفض أي نصيحة مهما كانت.
ولقد ظل الدكتور ديفيد اوين ومنذ فترة طويلة يهتم بالعلاقة المتبادلة بين السياسة والطب، وهو يستخدم في الكتاب معرفته الواسعة في المجالين للنظر في المرض ضمن حالات مختلفة في حياة السياسيين، وما إذا كان من الممكن حماية المجتمعات من مرض زعمائها!

خلال الاسبوع الاخير في حملة جورج بوش الانتخابية الرئاسية الاولى عام 2000، كشفت الصحف انه كان جرى اعتقاله لقياده السيارة تحت تأثير الكحول وهو في الثلاثين من عمره، وخوفا من تسرب الحادثة فقد تم الايضاح منذ عام 1999 بانه اثناء شبابه المبكر كان بوش الابن يحب تعاطي الكحوليات، وقد تم تقديم هذا الامر باسلوب وطريقة عاديتين، لكن تأكد الان ان بوش، ولفترة بعد ذلك كان يفرط في شرب الخمر وانه كان يعاني الادمان، والمعروف ان ادمان الكحول حال تتطلب رعاية مستمرة بمجرد ان يصاب المرء به، لضمان عدم استمراره في تعاطي الكحول في سرية تامة، وانكاره القيام بذلك.
ويدعي بوش انه لم يتعاط الكحول منذ عام 1987، بيد ان اشاعات راجت في الصحافة تقول عكس ذلك، ففي 13 يناير 2002 سقط مغشيا عليه، حيث كان يشاهد مباراة لكرة القدم الاميركية، وارتطم رأسه بالارض ونتج عن ذلك اصابته بجرح على عظمة وجنته اليسرى، وعزا هذا الامر الى مزيج من اعتلال صحته في الايام السابقة لذلك، وتناوله بطريقة غير سليمة لبسكوت مملح، لكن طبيباً بريطانيا، كان قد زار جامعة جونز هوبكنز، اتصل بي واخبرني انه اثناء تبادله الحديث مع مجموعة من الاطباء الشباب، قيل له انه بالرغم من نقل الرئيس الى مستشفى والتر ريد فإن عينة من دمه ارسلت الى جونز هوبكنز، وقد اتضح ان بها نسبة كحول بلغت حوالي 200مليغرام، وقد جرى نفي مثل تلك الاشاعات بشدة من قبل البيت الابيض، ولم تسجل بوادر على عودة بوش الى عادة الشرب.

لا يقرأ وغير مثقف
وكان يعتقد في السابق ان الشخصية تلعب دوراً مهماً في الاصابة بادمان الكحول، لكن يعتقد الان انها تلعب دوراً اقل كعامل من عوامل الميل الى الادمان.
غير انه من الواضح ان شخصيات بعض الناس تشكل جزءا لا يتجزأ من عادة الادمان لديهم، واذا ما كان في مقدورهم التغلب على تلك العادة، وبوش لم يخف البتة حقيقة انه لا يقرأ كثيراً كما يقر بأنه ليس مثقفا، ولكن هذا لا يعني، كما قد يفترض البعض، انه غبي. وبما انه كان طالبا عادياً ابان الدراسة فهذا يشير الى انه اعتمد ع‍لى نفوذ اسرته وارتباطاتها للتمكن من الالتحاق بجامعة ييل.
فقد تخرج من كلية القانون في جامعة ييل وكلية الاقتصاد في جامعة هارفر، وهو امر لا يمكن تحقيقه من دون التمتع بقدر معقول من الذكاء.

مستوى الذكاء
ويدعي من التقوا بوش لقاء شخصياً انهم دهشوا بمستوى ذكائه. ويبدو ان تلك التساؤلات حول بوش مصدرها شرود ذهنه وعدم انتباهه، وغياب طبيعة الفضول لديه، وعدم فصاحته في التعبير عما يريد ايصاله. وباختصار فان تلك البوادر تشير الى ان وظائف دماغه تعمل بطريقة غير عادية. وان جاذبيته لدى الناخبين وبصفة خاصة النصر الذي حققه في عام 2004 انما يرجع في جزء منه الى صورته لدى الناس بأنه «شخص عادي» مثلهم. وقد طرح عليهم سؤال ذات مرة اذا ما كان يتحدث الفرنسية، فقال «لا، لا استطيع. فأنا بالكاد اتحدث الانكليزية». وقد ساعد حس الفكاهة بوش في التخفيف من بعض زلاته وورطاته، كما ساعده في الحفاظ على تأييد المواطنين له في الانتخابات الرئاسية في عام 2004.

تأخير مرة واحدة
ومنذ تولي بوش السلطة ظلت بيانات حالته الصحية تنشر كل عام. وقد كان هنالك تأخير في اصدارها مرة واحدة. وهي لا تكشف الكثير الذي يثير الاهتمام ما عدا في الفترة التي عانى فيها من انخفاض غير عادي لنبضات القلب. ولكن ظل بوش لبضع سنوات تصدر عنه عبارات في غير مكانها، مما جعله هدفاً للعديد من النكات، ولكنها ايضا لفتت انتباه الاطباء وجعلتهم يتساءلون ما اذا كان يعاني نوعا من انواع الديسلكسيا او صعوبة القراءة. ويقال ان شقيقه نيل يعاني صعوبة القراءة.
كما كانت هنالك تكهنات حول ما اذا كان بوش يعاني من اضطراب تشتت الانتباه وفرط الحركة A.D.H.D لدى الراشدين، وهو اضطراب يستمر مدى الحياة يتميز بالحركة المفرطة وعدم الانتباه، وضعف القدرة على التركيز. كما يعتبر اضطراب تشتت الانتباه وفرط الحركة احد اربعة اضطرابات نفسية، والثلاثة الاخرى هي الاكتئاب واضطراب قلق ما بعد الصدمة، والفصام، وهي تعتبر ذات صلة بالادمان مثل ادمان الكحول.
وقد ظل بعض الاطباء النفسيين، ممن لم تتح لهم فرصة فحص حالته، يرون ان بوش يعاني حالة كلاسيكية لاضطراب الشخصية النرجسية. وهذه حالة نفسية معقدة للغاية. وقد تم قبول تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية من قبل الجمعية النفسية الاميركية اخيراً وفي تاريخ يعود الى عام 1990.
وترتبط هذه الحالة بنسق ثابت للشعور بالعظمة (في الخيال أو السلوك)، والحاجة لكسب الاعجاب وغياب التقمص العاطفي. وتبدأ هذه الحالة في اوائل سن الرشد، وغالبا ما تكون لدى من يعانون منها توقعات غير عادية بأن يعاملوا معاملة خاصة أو التزام تلقائي بتوقعاتهم وتطلعاتهم. كما يمكن ان يتحولوا الى مستغلين في علاقاتهم الشخصية بمعنى انهم يستغلون الآخرين لتحقيق أهدافهم الخاصة. ودراسات التحليل النفسي لجورج بوش تقدم نظرة أعمق لحالته.
وغالبا ما يكتب المحللون النفسيون عن الزعماء السياسيين ممن لم يتلقوا العلاج لديهم كمرضى، وقد ألّف سيغموند فرويد، على سبيل المثال، كتابا حول وودر ويلسون مستخدما أدلة قدمها له زميل لويلسون، كما كان بلير موضوعا لدراسة تحليلية أجراها نائب برلماني عمالي سابق.

جنون العظمة
واحد من الكتب التحليلية حول بوش من تأليف الدكتور جستين فرانك الذي يعتقد ان سمات شخصيته تتطابق وسمات ما يعرّفه بانه حالة الإصابة بجنون العظمة. والعلاقة في ما بين حالة جنون العظمة هذه ومتلازمة الغطرسة لا تحتاج الى توضيح.
ليس من السهل تحديد أسباب إصابة بوش وبلير بمتلازمة الغطرسة، فهناك بعض العوامل في الشخصية تعزز ذلك الميل، وربما بعض العوامل الصحية، ولكن لا يوجد أمر محدد. واعتقد انه يجب دراسة هذه الحالة لمعرفة أسباب تأثيرها على بعض رؤساء الدول والقادة في الحقول المختلفة وليس على الجميع. فهي ليست متلازمة شخصية، وهي ليست حالة عادة ما يجلبها معهم الزعماء المصابون بها الى المنصب، ولا يبدو انها تصيب الزعماء عند توليهم المنصب لفترة من الزمن.
(انتهى)
 
05-08-2011, 03:36 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

عائلة من الأسرار (1) قوى نافذة وضعت سلالة بوش في البيت الأبيض كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C13%5C3ade1caf-9ac4-4805-ba35-4862a365f77c_main.jpg
• جورج بوش الاب والابن
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.

كيف برزت عائلة بوش؟
«الحقيقة التي نعرفها انت وانا هي ان عنصراً مالياً في المراكز الكبرى سيطر على الحكومة (الاميركية) منذ ايام اندرو جونسون».
- من رسالة موجهة من فرانلكين روزفلت الى العقيد ادوارد هاوس بتاريخ 21 اكتوبر 1933.
هذه هي قصة عائلة اعتقدنا اننا نعرفها، وبلد بدأنا نفهمه للتو، فجورج بوش الاب وجورج بوش الابن يتمتعان بشخصيتين معقدتين ويقومان بأفعال مثيرة للاضطراب اكثر مما يُعتقد. وهذا الكتاب يكشف الرواية الاخرى السرية عنها ويوثق الاسرار التي حاولت عائلة بوش حجبها عن الانظار.
وتكشف هذه الاسرار - في جانب منها - عن حقيقة اكثر اثارة للقلق عن الولايات المتحدة نفسها. انها ليست مجرد حقيقة ان تتمكن عائلة واحدة من خطف منصبي الرئيس ونائب الرئيس على مدى العشرين عاماً من اصل الثمانية والعشرين عاماً الماضية، وتبقى غير معروفة فقط، بل ان الاساليب السرية والملتوية والتلاعب التي اوصلتها الى السلطة تعكس وجود خلل اعمق، الا وهو سيطرة الرأي العام الاميركي الواهية بشكل متزايد على اسس الديموقراطية في البلاد.

أسوأ رئيس
فمع قرب انتهاء ولاية جورج بوش الابن، وصلت شعبيته الى ادنى مستوى لدرجة يعتقد البعض انه اسوأ رئيس في هذا القرن وربما اسوأ رئيس اميركي على الاطلاق، حتى في نظر بعض الذين صوتوا له. فقد سجلت ادارته مجموعة كبيرة من الاخفاقات على مستوى مطاردة اسامة بن لادن ومواجهة اعصار كاترينا واحتلال العراق والازمة الاقتصادية.
وليس غريباً ان يقول 81 في المائة من الاميركيين الذين استطلعت آراؤهم في العام الاخير من ولاية جورج بوش (الابن) ان البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ. واصبح واضحاً ان ذلك لا يعود الى قصور القرارات السياسية فحسب، بل يعود بشكل اساسي الى قدرات الرئيس المحدودة، الامر الذي اثار تساؤلاً مشروعاً حول كيفية بروز هذه العائلة؟

اللغز
لقد كان الرئيس بوش (الابن) لغزاً للكثيرين، وكان اشبه بالجزيرة المعزولة عن الآخرين، وحاول اكثر من كتاب تحليل شخصيته، ونجح بعضها في القاء المزيد من الضوء عليها، لكن اياً منها لم يتمكن من الوصول الى جوهر هذا الرجل.
لقد كان لدي الكثير من الشكوك حيال هذا الرجل منذ الايام الاولى لولايته الرئاسية، فقد كانت ثمة اشارات على وجود شيء ما، غير عادي، مما رأينا في اي ادارة اخرى، كالميل نحو التكتم والسرية والنزعة نحو اتباع تكتيكات الدولة البوليسية وازدراء الثوابت الديموقراطية، والتصميم على دعم مصالح الاثرياء ومحاولة تسييس الخدمات الحكومية من الاعلى الى الاسفل، وكانت هذه كلها دلائل على عقلية يندر وجودها في السياسة الاميركية.

هكذا يختار الأميركيون قادتهم
وفوق كل ذلك، فإن الخداع الذي مارسه بوش في تبرير غزو العراق والاحتلال المأساوي الذي تلاه، اكد احساسي بأن تولي بوش السلطة يشير الى شيء اعمق من مسألة وجود رئيس متوحش يحيط به عدد من الاشرار الذين يرسمون المخططات السوداوية.
في عام 2004، بدأ بوش حملة لاعادة انتخابه، وبدأت البحث الذي توّج بهذا الكتاب، وقررت البحث عن اجابات عن اسئلة مثل، ماذا يعني وصول هذا الرجل الذي يفتقر الى الاهلية، الى الرئاسة؟ وهل يمكن تعلّم شيء من ظاهرة جورج بوش لمساعدتنا في فهم كيف نختار نحن الاميركيين قادتنا؟
وكانت هناك اشياء واضحة بالفعل، فالحرب على العراق لم تكن بسبب تهديد عراقي وشيك للولايات المتحدة وحلفائها، فقد اعترف جمهوريون من امثال رئيس الاحتياطي الفدرالي إلان غرينسبان، بأن الحرب كانت من اجل النفط. والرئيس جورج بوش الذي خاض الانتخابات كمعتدل و«موحّ.د»، فعل كل ما في وسعه لتعزيز الانقسامات داخل المجتمع الاميركي من اجل تحقيق مكاسب سياسية. فقد زادت الفوارق بدرجة كبيرة بين الاغنياء والفقراء نتيجة لسياسات ادارته.
ويعود كل ذلك الى افعال رجل واحد كان يساعده بعض الانصار. وتحدث بعض منتقدي بوش عن شبكة اوسع من المساندين الذين دعموا بوش واستفادوا من سياساته. لكن هذه الافتراضات كانت عامة وغامضة، وكانت الادلة التي تسندها قليلة. والقليل من الآراء الناقدة لبوش، هو الذي نجح في وضع ظاهرة بوش في سياق اوسع يساعد الناس على فهم القوى التي ساعدت في ايجاد مثل هذه الاوضاع في الولايات المتحدة.
لقد طفت الولايات المتحدة من اقصاها الى اقصاها بحثاً عن اجابات، وتحدثت الى اناس من مختلف المشارب والانواع بمن فيهم اناس من دوائر واشنطن وتكساس، واصدقاء بوش وخصومه ومليارديرات، وموظفون صغار. وقابلت عشرات الناس ممن لهم صلات بعائلة بوش لاسيما من لم يسبق له ان تحدث في العلن (او يمثل هذا التفصيل). وقرأت كل ما وقع في يدي من وثائق حول بوش وعائلته، سواء كانت علنية أو سرية. وقد اصبحت لدي مكتبة خاصة بآل بوش تزيد على خمسة آلاف كتاب، ودرست كل شيء عن آل بوش: تاريخهم وديناميات العائلة وتعاملاتهم المالية وعالمهم الاجتماعي وشبكة المساعدين والموظفين والممولين الذين كان لهم الفضل في بروزهم. وسألت عنهم الجيران والصديقات السابقات والموظفين السابقين والمئات من الناس الذين أسهمت شهاداتهم وتجاربهم الشخصية في تسليط ضوء جديد على هذه العائلة.
وكلما زادت معرفتي بهذه العائلة، زادت تساؤلاتي، وكلما تعمقت ابحاثي، برز المزيد من الالغاز والمسائل المحيّرة. لقد فهمت السبب وراء سعي جورج بوش (الابن) الى وقف الاصلاحات التي كانت تهدف الى السماح بالنفاذ الى الوثائق المتعلقة بتاريخ الولايات المتحدة الحديث. فقد كان عازماً - على ما يبدو - الى اغلاق ادراج الملفات، ولكن ما الذي تحويه هذه الادراج؟ وهل تتضمن الادلة على نشأة السياسات الاكثر تدميراً لجورج بوش كالاندفاع الى الحرب على العراق والتعذيب الذي اقرته ادارته رسمياً، وخطوة الــ سي.اي.ايه المتمثلة باتلاف الاقراص المدمجة التي تحتوي على الادلة التي تدين الادارة، والتجسس على المواطنين الاميركيين والمواقف من مشكلة الاحتباس الحراري والتفاصيل المتعلقة بأزمة الرهون العقارية والارتفاع الجنوني في اسعار النفط؟ لا شيء من هذه الاحداث يبدو مفاجئا على ضوء الرجوع الى القصة غير المروية لجورج بوش وعائلته. هذا الكتاب يعالج هذا التاريخ السري والناس والمؤسسات الذين خلقوه.

أكبر الأخطاء
ولعل أخطاء بوش واكبرها بالتأكيد الخداع الذي مارسه مع الشعب الاميركي، هي احدث فصول قصة تعود الى والده، بل والى جده، في العصر الذهبي الذي يعود الى القرن التاسع عشر حين فرض من وصفهم تيدي روزفلت بــ «بارونات المطاط» سيطرتهم على امبراطوريات الصناعة والنقل والمال.
وعلى الرغم من ان جورج بوش (الابن) كان متمرداً داخل العائلة، فانه اتبع الخط الذي رسمه من سبقوه من كبار العائلة، فقد درس في الاماكن نفسها وانخرط في التجمعات السرية ذاتها واستفاد من الترتيبات المالية المشبوهة ذاتها، وارتبط بالنوعية ذاتها من الاصدقاء واحاط نفسه باناس سبق ان كانوا مقربين من والده وجده او ارتبطوا بهما، وع‍لى الرغم من الحديث عن العلاقة «الاوديبية» (نسبة الى اوديب الملك) التي ربطت بوش الابن بوالده، الا انه ظل لصيقا بجذوره العائلية، ومن المفاجئ بالنسبة لي ان فهم بوش الاب كان يمثل المفتاح لفهم ابنه.
ولهذا السبب، فان نصف الكتاب يبحث بشكل اساسي، في بوش الاب، ويتعرض للوسائل التي اعتمدها ليصبح رمزا للتقاطعات بين النفط والمال والاستخبارات التي كانت تمثل قوة في الظل في الولايات المتحدة على مدى نصف القرن الماضي او يزيد، فهذه الخلفية ضرورية من اجل فهم جورج بوش الابن.
ان البناء على الماضي الخفي لجورج بوش الاب مكنني من كشف كيف ولماذا تم اعداد جورج بوش (الابن) ليخلف والده في البيت الابيض.
وحين نفهم ذلك، يصبح من الواضح ان جورج بوش الاب والابن على حد سواء، استفادا وخدما باخلاص المصالح القوية التي ظلت خفية في معظمها عن اعين الجمهور، كما ظلت تتمتع بالحصانة من البحث في العلن.
ولكن ثمة مفارقة في ذلك، ففي الوقت الذي يعمل فيه آل بوش على خدمة القوى التي تعمل في الظل، تمكنوا من تبوؤ مكان لهم في الاضواء. وللحصول على ما يريدونه وليعملوا ما يشعرون ان عليهم عمله، عليهم ان يعيشوا حياة ازدواجية. فحتى حين نال آل بوش الشهرة والسلطة تمكنوا من الافلات من الرقابة على افعالهم ومقاصدهم.
لقد اتقنوا هذه اللعبة لدرجة ان لا احد من زملائهم كتب عنهم. وعلى الرغم من ذكر ريتشارد نيكسون لنائب الرئيس جورج بوش (الاب) في مذكراته الا انه لم يذكر حقيقة انه خدم معه في منصبين رفيعين. لقد كان الوضع وكأن هذه العائلة لم يكن لها وجود الا حين تولت الرئاسة.
ويملأ هذا الكتاب الفجوة. فهو يؤرخ تسلسل تطور عائلة بوش والمصالح القوية التي تمثلها على مدى القرن الماضي، وهو يتحدى ــ في معرض ايراد التفاصيل المتعلقة ببروز جورج بوش وكيفية وصوله الى السلطة ــ الحكمة الشائعة في ما يتصل بالاحداث الاساسية في التاريخ الاميركي الحديث.. ويفعل الشيء ذاته في ما يتعلق بالاسماء والتواريخ والمصادر. فقد ذكرت المصادر كلما امكنني ذلك.

دور مختلف
وقد لاحظ بعض كتاب السير الذاتية ان دور آل بوش في التاريخ كان مختلفا عما يشاع، ويتفق مع هذا الرأي بيل مونتاغليو كاتب السيرة الذاتية لجورج بوش (الاب) قبل ان يصبح رئيسا، فيقول مونتاغليو في مكان ما ان آل بوش ظلوا يعيشون دائما في المنطقة الرمادية وفي اطار الصورة وليس في وسطها، فقد كانوا مع آل روكفلر وآل فاندربلت وآل آستور، لكن في الهامش وليس في المتن. انهم اقل وضوحا واقل ظهورا من غيرهم، لكنهم ربما يمثلون العائلة السياسية الاكثر رسوخا في تاريخ الولايات المتحدة.

حياة مزدوجة
حين عثر جوزيف ماك برايد على وثيقة تتحدث عن الحياة المزدوجة لجورج بوش (الاب) لم يكن يبحث عنها، وكان ذلك في عام 1985، وحين كان برايد اثناء عمله مراسلا لصحيفة «ديلي فارايتي» يبحث في مكتبة سان برنادرينو عن كتاب حول المخرج السينمائي فرانك كابرا، واخذ يبحث في الوثائق المسجلة عن افلام تتعلق بمكتب التحقيقات الفدرالي واغتيال جون كنيدي.
وكان برايد ناشطا في الحملة الانتخابية لكنيدي وظل يشعر بالاحباط لعدم ايجاد الاجابات للكثير من الاسئلة ذات الصلة بهذه المأساة الابرز في تاريخ البلاد.
وبينما كان يبحث لفتت انتباه ريد مذكرة صادرة عن مدير «اف.بي.آي» جي ارغار هوفر بتاريخ 29 نوفمبر 1963، تحت عنوان «اغتيال الرئيس جون كنيدي» واشار هوفر الى انه في يوم اغتيال كنيدي زوّد المكتب شخصان بالتفاصيل، وكان احدهما الكابتن وليام ادواردز رئيس وكالة الاستخبارات الدفاعية، والثاني هو جورج بوش المسؤول في وكالة المخابرات المركزية، وورد في المذكرة: «لقد علمنا ان وزارة الخارجية تشعر بوجود مجموعات غامضة مناهضة لكاسترو قد تستغل الوضع الراهن للقيام بهجوم ضد كاسترو دون تفويض، معتقدة ان اغتيال كنيدي قد يمثل بداية تغيير في السياسة الاميركية، مصادرنا لا علم لها بمثل هذه الخطط، وربما كان مصدرها كلام شفوي منقول عن جورج بوش ووليام ادواردز».
هزّ برايد رأسه متسائلا: «أليس المقصود جورج بوش ال‍سي. آي. ايه لعام 63؟ أليس المذكور اسمه في الحديث عن هجوم على كندا على اثر اغتيال كنيدي؟ هل يمكن ان يكون هو نائب رئيس الولايات المتحدة الآن؟ فحتى حين عين بوش مديرا لوكالة المخابرات المركزية عام 76 وسط عمليات التطهير داخل الوكالة، كان المؤهل الابرز لبوش، حقيقة انه لم يكن جزءا من الوكالة اثناء الانقلابات ومحاولات الانقلاب ومؤامرات الاغتيال في ايران وكوبا وتشيلي ومناطق اخرى من العالم.
وبالنسبة لبوش في ادارة «سي. آي. أيه» عانى ازمات اهتزاز الثقة المتتالية خلال الفترة من 63 - 1973 حيث اغتيال كنيدي والشكوك التي احاطت بلجنة وارن للتحقيق في الاغتيال، ثم كيفية استغلال «سي. آي. ايه» لمؤسسات خاصة من اجل تمويل منظمات داخل الولايات المتحدة مثل اتحاد الطلبة القومي.
ثم جاءت فضيحة ووترغيت وتورط اعضاء في الوكالة فيها، مما ولّد احساسا لدى الاميركيين بأن ثمة منظمة سرية تعمل خارج نطاق القانون وتحظى بحماية الوكالة وكان جيرالد فورد الذي خلق ريتشارد نيكسون بعدا ستقالته قد عزل مدير الوكالة وليام كولبي.
وعيّن فورد، جورج بوش مديرا جديدا للوكالة، لكن البعض رأى انه ليس مؤهلا لهذا المنصب، لا سيما في وقت تخضع فيه الوكالة لاقصى درجات الرقابة والمحاسبة، فقد سبق لبوش ان شغل منصب المندوب الدائم لدى الامم المتحدة ورئيس اللجنة القومية للحزب الجمهوري والسفير الاميركي في بكين، فما خبرته في مجال الاستخبارات والتجسس؟ وكيف استعاد ثقة الجمهور في وكالة تجسس؟ لا احد يعرف على ما يبدو، ام هل كان جيرالد فورد يعرف ما لا يعرفه غيره؟
خدم بوش مديراً للوكالة من 76 حتى اواخر عام 77، واستفاد من هذه الفترة القصيرة ليخوض الانتخابات الاولية للحزب الجمهوري ضد حاكم ولاية كاليفورنيا السابق رونالد ريغن، وحذر البعض من تولي رئيس سابق لـ«سي. آي.ايه» الرئاسة بالنظر الى سجل الوكالة القائم والسري من التخطيط للانقلابات والاغتيالات والابتزاز.
في عام 85 وحين كان قد تمت اعادة انتخاب بوش نائباً للرئيس، عثر برايد على المذكرة ولم يفعل بها شيئاً، لا سيما ان منصب نائب الرئيس ليس بتلك القوة ولانه كان مشغولاً بامور اخرى، فقد تزوج للمرة الثانية، وواصل تغطياته لهوليوود وكان يعكف على الانتهاء من تأليف كتاب.
ولكن مع حلول عام 88، اصبح للهوية الحقيقية لجورج بوش في «سي.آي.ايه» معنى آخر، لانه بدأ اعداد العدة لخلافة ريغان في البيت الابيض. لقد قرر برايد التحول من تغطية الاعمال الفنية الى السياسة، فقد التقط سماعة الهاتف واتصل بالبيت الابيض، وطلب التحدث الى نائب الرئيس.
وحين تحدث الناطق باسمه ستيفن هارت نفى ان يكون بوش هو المعني بالمذكرة واستشهد بكلام بوش نفسه انه كان في ذلك الوقت في تكساس يعمل في صناعة النفط والتنقيب، وانه كان يحضر لخوض انتخابات مجلس الشيوخ في عام 63، وليست لديه اية فكرة عما يتحدث عنه السائل، واختتم هارت كلامه بالقول «لا بد انه جورج بوش آخر».

اختراق
برايد وجد ان هذه الاجابة مثيرة للفضول والاستغراب، وعاد بالمزيد من الاسئلة الى جورج بوش بواسطة هارت، مثل:
• هل سبق لك ان عملت بأي شكل مع «سي.آي.ايه» قبل ان تصبح مديراً لها؟
• واذا كان الامر كذلك، ما طبيعة علاقتك بالوكالة وكم دامت هذه العلاقة؟
• وهل تلقيت معلومات من «اف.بي.آي» حول نشاطات مناهضة لكاسترو في اعقاب اغتيال الرئيس كنيدي؟
خلال نصف الساعة عاود هارت الاتصال، قائلا انه على الرغم من انه لم يتحدث مع بوش بعد، الا انه سيرد على الاسئلة بنفسه، وقال ان الاجابة على السؤال الاول هي بالنفي، وبالتالي، تصبح الاسئلة الاخرى غير ذات صلة.
ولكن برايد لم ييأس، فاتصل بـ«سي.آي.ايه»، فرد عليه الناطق باسم الوكالة بيل ديغاين قائلا «هذه هي المرة الاولى التي اسمع بها مثل هذا الخبر.. وسوف ابحث في الامر واعاود الاتصال به».
وفي اليوم التالي، اتصل ديفاني قائلا انه لا يستطيع نفي أو تأكيد هذه المعلومات، وهو الرد المعتاد من الوكالة حين يتعلق الأمر بمصادرها وأساليبها، وحين سأله: «هل يمكن للوكالة ان تكشف عن وجود شخص آخر باسم جورج بوش؟»، أجاب: «انه كان هناك جورج بوش آخر قبل سبعة وعشرين عاما»، ولكنني أشكك في ذلك. وعلى أي حال، فإن سياسة الـ«سي. اي. ايه» هي عدم تأكيد تورط أي شخص بالعمل فيها.
ولكن يبدو أنه قد حدث اختراق لهذه السياسة، فقد نشر برايد هذه المعلومات في تقرير لمجلة THE NATION الليبرالية في عدد السادس عشر من يوليو 1988 تحت عنوان «الرجل الذي لم يكن هناك، عميل ال‍‍ «سي. آي. ايه» جورج بوش» مما دفع بالناطقة باسم الوكالة شارون باسو للتصريح لوكالة اسوشيتدبرس ان الوكالة تعتقد بضرورة «نفض الغبار عن هذا السجل»، واضافت ان «من الواضح ان وثيقة «اف. بي. آي» المشار اليها والتي تتحدث عن جورج بوش الذي عمل في عام 1963 في مقر الوكالة ليلا وكان في الموقع المناسب لتلقي تقرير اف. بي. آي».
وقالت ان جورج بوش ترك الوكالة عام 1964 للالتحاق بوكالة الاستخبارات الدفاعية.
ومن المؤكد ان مقالة رايد في مجلة THE NATION لم تسبب له مشكلة كبيرة، فقد انتزع ترشيح الحزب الجمهوري له لانتخابات الرئاسة بعد شهر واحد.
وفي حين قالت الناطقة باسم «سي. آي. أيه» باسو للمراسلين ان الوكالة لم تتمكن من تحديد هوية جورج بوش «الآخر»، واجهت الوكالة عددا من التقارير الاعلامية التي تنتقد مؤسسة يعمل فيها الآلاف وتتجاوز ميزانيتها مليارات الدولارات، ولا تستطيع تحديد هوية موظف سابق فيها يعمل داخل الحدود الأميركية.
وربما كانت «سي. آي. أيه» بحاجة فعلا الى شخص مثل جوزيف ماك برايد، فعلى الرغم من عدم تخصصه في التحقيقات الصحفية، الا انه لم يواجه المتاعب في العثور على جورج وليام بوش. فلم يكن من السهل العثور عليه فقط، بل كان ايضا لايزال موظفا في الحكومة الاميركية. واوضح لاحقا لبرايد انه عمل في وكالة المخابرات المركزية لفترة قصيرة فقط، حيث كان يحلل الوثائق والصور اثناء الدوام الليلي. وبالاضافة الى ذلك، قال انه لم يكن يستقبل التقارير الاستخباراتية التي يتم تبادلها بين وكالات المخابرات الاميركية ابدا.
وبعد سبع سنوات، اي في عام 1991، تمكن رئيس التحرير السابق لصحيفة TEXAS OBSERVER ديفيد ارمسترونغ من الوصول الى هوية الشخص الثاني الذي ورد اسمه في موضوع مذكرة هوفر، وهو الكابتن وليام ادواردز، اكد ادواردز انه كان على رأس عمله في وكالة الاستخبارات الدفاعية في ذلك اليوم، وانه لا يتذكر ذلك التقرير، وان لا فكرة لديه عمن هو جورج بوش المقصود.
وبعد وقت قصير من نشر مجلة THE NATION مقالة برايد، ظهرت مقالة اخرى في المجلة قدم كاتبها دليلا على ان «سي. آي. أيه» كذبت على الشعب الاميركي، ووجهت هذه المقالة مثل سابقتها بالتجاهل من الاعلام الاميركي، وقد ضاعت فرصة ليس فقط للتعرف على التاريخ الحقيقي للرجل الذي اصبح رئيسا للبلاد، بل ايضا فك رموز سلسلة اخرى من الاكاذيب وعمليات التضليل التي احاطت ورافقت تاريخ عائلة بوش.


الحلقة الثانية:
آل بوش يروجون أن جذورهم تعود الى عائلة ويندسور

القبس
 
08-08-2011, 06:47 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

القبس






عائلة من الأسرار (2) آل بوش يروّجون أن جذورهم تعود إلى عائلة ويندسور كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C14%5Ce9da0598-a4a8-40ef-83d7-07f10bb62578_main.jpg


تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.

قبل الانتخابات بشهرين فقط، اعترف جورج بوش تحت طائلة القسم وكجزء من دعوى اقامتها احدى المنظمات غير الربحية بأنه كان احد ثلاثة ــ اربعة موظفين كانوا على رأس عملهم عند اغتيال الرئيس كنيدي، وقال في شهادته تلك: «لا أعرف محتويات المذكرة لأن المعلومات قُدمت لي شفويا أو بشكل آخر خلال عملي في سي. أي. ايه» واضاف: «في الواقع فإنني لم أتلق خلال فترة عملي في الوكالة، اي اتصالات شفوية من اي وكالة حكومية مهما كانت، ولم اتلق اي معلومات تتعلق باغتيال كنيدي من «اف. بي. اي» اثناء عملي في «سي. اي. ايه» وبناء عليه، فإنني اقول انني لست جورج بوش المشار اليه في المذكرة».
وفي الواقع، كان جورج بوش موظفا متدني المستوى لدرجة عدم السماح له بالحديث في الهاتف او القيام بأي نشاطات اساسية، وبعد فترة التجربة، غادر جورج بوش وكالة المخابرات المركزية، مما اثار تساؤلات عما اذا كان قد تم استخدامه كغطاء لجورج بوش خلال فترة بالغة الحساسية، ومع ان مثل هذا السيناريو يبدو بعيدا للوهلة الاولى، الا ان مثل هذه التقنيات مستخدمة في عالم الجاسوسية، ويمكن ان تكون ناجحة، فبعد سنوات، حين اثيرت التساؤلات حول جورج بوش المشهور، تمكن من التهرب والحديث عن شخصية اخرى تحمل الاسم ذاته.

مذكرة هوفر
لقد مر ما يقرب السنوات العشر ما بين انتخاب جورج بوش (الاب) ورفع السرية عام 1996 عن وثيقة حكومية اخرى تسلط المزيد من الضوء على هذه المسألة، هذه الوثيقة التي كشف النقاب عنها سوف تساعد في الاجابة عن بعض التساؤلات التي اثيرت حول مذكرة هوفر لعام 1963، مثل ما اذا كان لجورج بوش صلة بوكالة المخابرات المركزية في عام 63، والى اي حدّ تمتد هذه العلاقة في الماضي؟
ولكن مضى عقد آخر قبل العثور على الوثيقة الثانية وكشفها للرأي العام، ففي ديسمبر 2006، وبينما كان الباحث في اغتيال كنيدي، جيري شاينلي يفتش على جهاز الكمبيوتر، عثر على مذكرة داخلية لوكالة المخابرات المركزية ورد فيها اسم جورج بوش، وتشير المذكرة المؤرخة في 19 نوفمبر 1975، الى ان الشخص الذي كان على وشك ان يصبح مديرا للوكالة كانت له صلات سابقة معها، والصلة المشار اليها تعود ليس الى عام 63 كما هو الحال في وثيقة برايد، بل الى عام 1953، اي قبل عقد كامل، فقد ورد في المذكرة الموجهة من رئيس قسم التمويه والطاقم التجاري الى رئيس قسم التجسس في الوكالة: «لقد علمت من خلال السيد غيل الين.. ان جورج بوش كان على علم ببرنامج WUBRINy/LPDCTUm الذي تم الغاؤه والمتعلق بعمليات تجارية في اوروبا، لقد علم بهذا المشروع من خلال السيد توماس ديفاين، الموظف السابق بالوكالة والشريك النفطي لجورج بوش لاحقا. وقد توجت شراكتهما بإنشاء شركة زاباتا اويل ZAPATA OIL التي باعها فيما بعد.
وبعد بيع هذه الشركة اتجه بوش نحو السياسة، واصبح ديفاين عضوا في شركة ترين كابوت آند اسوشيتس TRAIN CABOT and Associates للاستثمار في نيويورك. وتصف المذكرة المرفقة العلاقة الوثيقة بين الرجلين ديفاين وبوش خلال عامي 67 و68 وهي العلاقة التي استمرت - وفقا لألين - خلال فترة تولي جورج بوش منصب المندوب الاميركي الدائم لدى المنظمة الدولية.
وكما هو الحال في وثائق وكالات الاستخبارات عالية السرية، لم تفصح الوثيقة عن سر علاقة بوش بديفاني او ما اذا كان ديفاني قد ترك العمل في التجسس الى العمل التجاري. فاستقالة ديفاني وهو في السابعة والعشرين بعد ان صرفت الوكالة الكثير من الجهد والمال على تدريبه، لم يكن بالأمر العادي، وقد تبين بعد ذلك ان ديفاني ارتبط بعلاقة خاصة «مع بوش» اتاحت له مغادرة «سي. آي. ايه» والعودة اليها وعمل اشياء اخرى دون الحاجة الى ترك الخدمة فيها. وفي الواقع، هناك حالات كثيرة يقدم فيها الموظف استقالته من الوكالة بينما يستمر في العمل، وذلك من اجل السرية وتمكين الموظف من انكار صلة بحدث ما.
ومن هذه الامثلة ما حدث مع هاوارد هنت الذي مكنته استقالته عام 1970 من ايجاد عمل لدى ادارة ريتشارد دنيكسون وبدأ نقل المعلومات من البيت الابيض الى رؤسائه في الوكالة.

دور غامض

وظل دور ديفاني في تأسيس شركة ZAPATA غامضا لاكثر من عقد من الزمن، اي حتى 1965. وفي تلك اللحظة، وحين كان بوش يسعى للخروج من العمل التجاري والترشيح لعضوية الكونغرس، عاد اسم تيفاني للظهور على السطح مرة ثانية كعضو في مجلس ادارة شركة ZAPATA OFF-SHORE العائدة لبوش، وكأن مهمته هي الحفاظ على استمرارية عمل هذه الشركة، واستمرت العلاقة بين الرجلين.
وكما ورد في مذكرة «سي. آي. ايه» لعام 75، فقد ارتبط بوش وديفاني «بعلاقة وثيقة» استمرت حينما كان بوش سفيرا لدى الأمم المتحدة بعد تسع سنوات، بل ان ديفاني رافق بوش الذي اصبح عضوا في الكونغرس، في رحلة استمرت لاسبوعين في فيتنام عام 1967، اي قبل عام واحد من استعادة الجمهوريين للبيت الابيض.

لعبة

ويناهز ديفاني - كما بوش الأب - الآن الثمانين من عمره، وما زال ناشطا في العمل التجاري في نيويورك، وحين قابلته في شتاء 2007 وابلغته حول المذكرات السرية ل‍‍ «سي. آي. ايه» ذات الصلة وعلاقته بالوكالة وبوش لوقت طويل، واجهني بضحكة صفراء وتحدث معي بتحفظ شديد.
وحين ابلغته انني بصدد تأليف كتاب حول عائلة بوش، سألني «قل لي لمصلحة من تعمل في العائلة؟»، وشرحت له ان الكتاب ليس سيرة ذاتية «مأذونا بها»، وبالتالي، فانني لا اعمل لمصلحة احد في العائلة، واشرت الى ان عائلة بوش معروفة بعدم الاجابة عن اسئلة الصحافيين، ورد ديفاني بالقول ان «سياسة العائلة تقضي بعدم الحديث الى وسائل الاعلام، مادام جورج بوش في السلطة - لكنه وافق على الاتصال بعائلة بوش طلباً للتوضيح، لكن الاجابة دائماً هي «سوف نبحث وسنعاود الاتصال بكم اذا توصلنا الى جواب».
ومن المفاجئ انه اتصل ثانية بعد اسبوعين، وقال ان صديقه الرئيس السابق جورج بوش نصحه بعدم التعاون. وبعد ان تحدث اليه بعد عدة اسابيع، رفض التحدث عن اي شيء، سوى بالقليل من الكلمات:
- حسناً، ان فكرة انني من أدخل جورج بوش الى صناعة النفط ليست ذات قيمة.
- هذا ما ورد في مذكرة «سي.اي.ايه» وليس اختلاقاً مني.
ــ هذه مشكلتكم في الصحافة. انكم تصدقون أي وثيقة حكومية تقرأونها.
- اذن، انت تعتقد ان احداً وضعها عمداً وانها غير صحيحة؟
ــ اعتقد انهم لم يكونوا يعرفون ماذا يفعلون. وآمل الاّ تكون مثلهم.
في الواقع، شعرت وكأن ديفاين انما أكد على انه كان جزءا من «اللعبة» ولم افهم المدى الكامل لنشاطاته بالتعاون مع بوش، كما لم افهم الابعاد الكاملة لعلاقاتهما خلال الاحداث المضطربة لعام 1963 والتي ستناقش في فصول مقبلة.

غطاء ملائم

قبل انشاء مكتب الخدمات الاستراتيجية (يوليو 42 - اكتوبر 1945) والذي تحوّل الى وكالة المخابرات المركزية عام 1947، كانت الشركات والمحامون الممثلون للشركات الكبرى تعين موظفين لها كعملاء خصوصيين لجمع المعلومات عن الشركات المنافسة والفرص التجارية في الخارج. ولذلك من الطبيعي توقع ان يكون اوائل الموظفين في مكتب الخدمات الاستراتيجية من العاملين في الشركات النفطية ومن شركات الصيرفة في وول ستريت والجامعات. فالعلاقات مثل تلك التي ربطت جورج بوش (الاب) وتوماس ديفاين كانت مثالية بالنسبة لموظفي «سي.اي.ايه» التي كانت تتلقى الاوامر بارتياح من رموز وول ستريت من امثال هنري ستيمسون وروبرت لوفيت ووليام دونوفان وجون فوستر دالاس والين دوليس، الذين اتخذوا من مقولة الرئيس كالفين كوليدج «البيزنس في اميركا هو البيزنس» شعاراً لهم.
وقد شرح روبرت كرولي الذي اشرف على علاقات الـ «سي.اي.ايه» مع عدد من الشركات العالمية مثل «فورد» وشركة «انترناشيونال تلفون اند تلغراف» ان العمل مع الشركات القائمة لم يكن دائماً الخيار الامثل حين يكون عملاء للوكالة يعملون في الخارج.
لقد وفرت الشراكة النفطية مع ديفاين، لبوش الغطاء الملائم للسفر الى الخارج وتجنيد العملاء من الجنسيات الاخرى. لقد كانت تلك مهمة يسيرة لرجل كان والده بريسكوت شريكاً في بنك «براون برذرز هاريمان» للاستثمار ذي الملكية الاميركية - البريطانية. ان فهم دور بنك براون برذرز هاريمان كان مركزيا لفهم ارث بوش، بل ونفوذ دائرة بوش المقربة، لقد أصبح بريسكوت بوش في جامعة ييل 1916، صديقا مقربا من زميله رولاند هاريمان الذي ورث مع شقيقه ايفريل امبراطورية هاريمان للسكك الحديد والملاحة والتعدين والمصارف. وقد أحب الشقيقان هاريمان، بريسكوت بوش وجمعتهما معه عضوية جمعية SKULL & BONES وبعد التخرج، عمل بوش مع الجمعية في سانت لويس وتزوج ابنة الوسيط المالي الشهير في المدينة جورج هربرت ووكر. وبعد وقت قصير استعان ووكر بالأخوين هاريمان لبناء بنك استثماري كبير للعائلة في نيويورك.

امبراطورية مصرفية لا تغيب عنها الشمس!

وقد امضى بريسكوت عدة سنوات يعمل لشركات أخرى قبل أن ينضم للعمل مع هاريمان في عام 1926 (ربما لتفادي الاتهام بأنه تعين بالمحسوبية)، وبعد عام واحد على انهيار أسواق المال في عام 1929 اندمج بنك هاريمان مع براون برذرز، ولم يكن هذا البنك معروفا خارج وول ستريت وواشنطن، إلا أنه كان له تأثير ضخم في عالمي المال والسياسة.
لقد ظلت عائلة بوش تروج أن جذورها القديمة تعود الى عائلة ويندسور. أما مجموعة براون برذرز هاريمان فقد بلغت من الاتساع قدرا لدرجة تشبيهها بالامبراطورية المصرفية التي لا تغيب عنها الشمس، وكانت لها استثمارات واسعة في المناطق الخاضعة للنفوذ الألماني من أوروبا، الأمر الذي جعل الحكومة الأميركية تصادر بعض موجودات بريسكوت بوش وبراون برذرز لمواصلتهما التعامل التجاري مع كبار الصناعيين الألمان الذين اتهموا بتمويل الحزب النازي وصعود أدولف هتلر.
ومع تأسيس جورج بوش (الأب) شركته النفطية الخاصة ZAPATA PETROLEUM لم يكن من الصعب عليه اقامة تعاون مع عدد من الانصار الذين لهم صلات بنشاطات الاستخبارات الصناعية، من أمثال Clark Estate INC.
ويبدو أن دور جورج بوش في الاستخبارات يعود إلى الحرب العالمية الثانية حين انضم إلى سلاح البحرية وهو في الثامنة عشرة من عمره، فقد تدرب بوش في قاعدة فورفولك بولاية فيرجينيا في خريف 1942 ليس على قيادة طائرة توربيدو المقاتلة فقط، بل على الاعمال التجسسية والاستطلاع الجوي.
وبعد أن أتقن تقنية تشغيل الكاميرا الجوية K-20 ومعالجة افلامها، وظف بوش ودرب طيارين وطواقم آخرين، فأصبح يرأس فريقا للطيران الحربي والتجسس في آن، وكانت المعلومات التي حصل عليها فريقه عن الاسطول الياباني والدفاعات اليابانية الارضية والتي زودها لمركز الاستخبارات البحرية في بيرل هاربر، مفيدة جدا في التخطيط العسكري.
ومنذ اشتراكه في العمليات السرية آنذاك، تعلم جورج بوش الدرس جيدا وأخذ يعمل وفقا لمبدأ «لا تترك أي أسماء أو قصاصات ورق أو بصمات». وإذا أردت أن تبحث في تاريخ جورج بوش فعليك أن تتحلى بالجلد والمثابرة.

روايات متناقضة

فقد امتد جدار السرية ليصل إلى السجل الأهم لبوش باعتباره بطل حرب. ففي الثاني من سبتمبر 1944، أصيبت الطائرة المقاتلة التي كان يقودها بنيران يابانية اثناء تحليقها فوق جزيرة شيشي جيما في المحيط الهادئ.
لقد تمكن بوش من القفز بالمظلة على سطح الماء بينما قتل رفيقاه في طاقم الطائرة.
وعُرض فيلم وثائقي حول عملية انقاذه في الثاني من سبتمبر 84 كجزء من الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري التي كان يخوضها بوش كنائب للرئيس. وامتدح وزير البحرية جون ليمان سجل بوش الحربي ليتبين بعد ذلك ان القصة اعقد من ذلك بكثير، فهناك مسألتان ــ على الأقل ــ لم يُبت فيهما: الأولى، ماذا يعرف بوش عن مصير رفاقه؟ وما مدى خطورة إصابة طائرته حين قفز منها وتركهما لمصيرهما؟ فالقواعد العسكرية تستدعي تقديم الضابط الذي يتخلى عن بقية طاقم طائرته وينجو بحياته إلى المحاكم العسكرية. وكان على متن الطائرة مع بوش كل من جون ديلاني ووليام غاردنر وايت، ويزعم بوش في مقابلة اجراها معه دوغ ويد في اوائل الثمانينات، انه رأى على الاقل مظلة واحدة تنطلق من الطائرة، وفي عام 2002 ابلغ المؤلف جيمس برادلي انه لم يعرف مصير اي من رفاقه الآخرين. وبعد انتهاء برادلي من مقابلة اجراها مع بوش من اجل كتاب كان يعده بعنوان: «الفتيان الطائرون: قصة حقيقية في الشجاعة»، مال الرئيس السابق على المؤلف وسأله عما اذا كانت لديه أي معلومات عن الرجلين.
ويقول بوش في موقع آخر «مازال ضميري يعذبني فيما اذا اعطيت الرجلين الوقت الكافي للقفز من الطائرة».
واصدر برادلي كتابة لاحقاً، وقال فيه «لا احد يعرف على وجه الدقة ما الذي حدث لتيد وجون في ذلك اليوم، سوى انهما قتلا»، ولكن بوش قدم روايات متناقضة لما حدث، ففي رسالة إلى والديه عقب انقاذه، اكد انه بعد اصابة الطائرة بالنيران امر طاقم الطائرة بالنزول بالمظلات، وانه ليس متأكداً مما حدث بعد ذلك، وزعم انه بسبب الدخان الذي ملأ كابينة القيادة «لم يستجب رفاقه لنداءاته، ونظرت من حولي فلم ار تيد، فافترضت انه نزل الى الاسفل لتثبيت مظلته».
وفي رواية اخرى، شاعت في الثمانينات، حين قرر طاقم حملته الانتخابية انه كان شديد التواضع في الماضي، وان عليه الآن الا يخجل من التفاخر ببطولته، ورتبوا لاصدار كتاب عنه يكتبه دوغ ويد بعنوان: «جورج بوش: رجل الاستقامة»، الذي لم يحظ بكثير من الاهتمام العام، يقول بوش في الكتاب عن حادثة الطائرة: «نظرت من خلفي فلم اجد القناص وايت، لقد اصابه الرصاص فقتل في مكانه».

النظر إلى الأمام

وهناك شريط لمقابلة اجراها ويد مع بوش ضمن سلسلة من المقابلات التي اجراها مع مجموعة من الشخصيات الشهيرة ومنها جيمي كارتر ورئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق مناحم بيغن، ويقول في المقابلة انه تمكن من رؤية وايت في الطائرة قبل ان يقفز بالمظلة، «اما الثاني فقد قتل في الطائرة».
وهناك رواية اخرى يمكن الجزم بعدم صحتها وهي ان الطائرة دمرت تماماً، اذ يقول في كتاب اعده مع احد مساعديه في الحملة الانتخابية عام 88 وهو فيكتور غولد بعنوان «النظر الى الامام»: «شعرت بصوت ضربة شديدة وملأ الدخان الطائرة والكابينة وتمكنت من رؤية السنة اللهب تأكل جناح الطائرة وتمتد باتجاه خزان الوقود».
ولكن قائد الطائرة التي كانت امام طائرة بوش مباشرة، وهو الطيار الحربي شيستر ميرزويسكي، نفى هذه الواقعة تماماً، وقال ان كل ما سمعه من روايات عن حادث طائرة بوش يناقض ما حدث ورآه بالفعل، اذ كان بوسع ميرزويسكي ان يرى من موقعه كابينة طائرة بوش، فقد كتب ميرزويسكي الذي كانت تربطه علاقة طيبة ببوش ولم يكن لديه أي انتماءات سياسية، كتب رسالة شخصية الى نائب الرئيس في شهر مارس 1988، مشيراً الى ان ما يتذكره من ذلك اليوم «مختلف كلياً»، مما ذكره بوش في المقابلات التلفزيونية التي اجريت معه، فلم يرد بوش، ممادفع بميرزويسكي الى نشر الموضوع في صحيفة نيويورك بوست في اغسطس 1988، ونشرت الصحيفة نقلاً عنه ان بوش فقط هو الذي قفز بالمظلة وان طائرته لم تحترق على الاطلاق، ولم يكن هناك اي دخان في الكابينة حين فتح الباب للقفز بالمظلة، وربما كان بوسع بوش انقاذ حياة افراد الطاقم الآخرين، اذ كان بامكانه الهبوط في الماء واعطائهم الفرصة للنجاة.

الحلقة الثالثة:
80% من حياة بوش (الأب) لا تزال سراً




Pictures%5C2009%5C06%5C14%5C33850326-167d-4c11-948c-c865238a8eec_maincategory.jpg
• بوش مع جماعة SKULL-BONES في جامعة ييل
Pictures%5C2009%5C06%5C14%5C45de3673-fc53-4ab0-b6fd-781c82803823_maincategory.jpg
•راس باكر
Pictures%5C2009%5C06%5C15%5Cd0c8b9fb-6efa-49ac-a0a5-ff2e7f252b24_maincategory.jpg
راس باكر
 
08-08-2011, 06:50 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

عائلة من الأسرار ( 3 ) 80% من حياة بوش (الأب) لا تزال سراً
كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C15%5Cd71a8695-41e1-4dc6-b9dd-9e2e112a4bfa_main.jpg


تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.

في مقابلات اخرى اجرتها صحف مع ميروزويسكي، قال انه كان يميل الى اعطاء بوش افضلية الشك، لكن ليس بعد ان تبين له تناقض رواياته حول الحادثة.
وربما يفسر هذا التناقض غياب اي سيرة ذاتية شاملة لبوش، فهناك الكثير من الاسرار والكثير من القصص المختلفة التي يصعب التوفيق بينها.
وبعد اكثر من نصف قرن، وحين كان في الثانية والسبعين من عمره، احتفل بوش بعيد ميلاده بالقفز بالمظلة وكتب مساعده جيم ماكغراث ان «الاسباب وراء ذلك محض شخصية»، لكن لم يعلن اي تفسير مقنع لذلك، لقد تعامل بوش دائما مع حادثة القفز بالمظلة كبطولة وحدث حافل بالاثارة، لكنه لم يوضح ابدا ما الذي حدث معه في الثاني من سبتمبر 1944.
ومع نهاية الحرب عام 1945 دخل جورج بوش جامعة ييل وكانت «سي اي ايه» نشطة انذاك في تجنيد العملاء في جميع جامعات المنطقة، وكانت جامعة ييل تقدم العدد الاكبر عادة من العملاء للوكالة، ويتذكر الضباط في «سي اي ايه» اوسبورن داي ذلك بالقول «في صفي وحده بجامعة ييل كان للوكالة 35 عميلا، لقد كان بريسكوت، والد بوش، عضوا في مجلس ادارة الجامعة».
وكان البروفيسور نورمان هولمز المختص بالدراسات الاميركية ابرز رجال الوكالة في الجامعة، وترأس وحدة مكافحة التجسس في لندن لبعض الوقت ولعب لاحقا، دوراً محورياً في وضع نظام سري لتجنيد الجواسيس.
لقد ساعدت الجمعيات السرية في الجامعة في جعلها ارضية خصبة لاصطياد العملاء، وقد وضعت الصحافية الكساندرا روبنز، التي الفت كتابا حول جمعية Skull&Bones كيف تعمل هذه المجموعات كهرم اجتماعي لان العملية تضيق باطراد كلما ارتفعت الى الاعلى لتصل الى طبقة النخبة».
وكان بوش ووالده عضوين في هذه الجمعية السرية التي انشئت عام 1932 وتعتبر اقدم الجمعيات السرية في جامعة ييل، واكثرها سرية وامتلاكا للمعلومات الحساسة، وفي الغالب ما يكون اعضاء هذه الجمعية مرتبطين بالسي اي ايه او ينخرطون في العمل التجسسي بعدتخرجهم من الجامعة.

ازدواجية

وقبل السي اي ايه عمل المحاضر بالفلسفة في الجامعة جيمس بورنهام في عمليات تجنيد الجواسيس لمصلحة مكتب الخدمات الاستراتيجية الذي تمكن من تجنيد أحد أبناء العائلات النفطية في كونكتكت ويدعى وليام باكلي عام 1950، وقدمه إلى المكتب وإلى زميله الخريج من الجامعة هاوارد هنت. وشارك باركلي في المؤامرة لاطاحة رئيس غواتيمالا المنتخب ديموقراطيا عام 1954، وفي عملية خليج الخنازير عام 1961 وفضيحة ووتر غيت عام 1972.
وقد توجه باكلي الذي كان عضوا في جمعية SKULL & BONES وتخرج من الجامعة بعد بوش بوقت قصير، للعمل في «سي. آي. ايه» في المكسيك تحت رئاسة هنت، وهو الأمر الذي لم يقره باكلي حتى عام 2005 على الرغم من اعترافه بصداقة تمتد طويلا معه.
حين دخل بوش إلى جامعة ييل، كانت الجامعة تستقبل عددا كبيرا من مخضرمي مكتب الخدمات السرية إلى صفوفها. وقد لعب شيرمان كنت العضو في قسم البحوث والتحليل في المكتب (مكتب الخدمات السرية) دوراً رئيسياً في ذلك.
وقد نظرت الجامعة الى بوش الذي سبق له ان عمل في الاستخبارات البحرية، كمرشح له الأفضلية للقبول فيها.
وبعد التخرج من جامعة ييل، توجه بوش للعمل في شركة DRESSER INDUSTRIES وهي شركة مرتبطة بالعائلة وتقدم الخدمات الأساسية للصناعات النفطية، والقارئ بين السطور لقصة بروز هذه الشركة يكتشف شكلا من أشكال الازدواجية في أدائها.
ففي نصف القرن الأول من نشأتها كانت شركة صغيرة ومع نهاية العشرينات من القرن الماضي، اراد ابناء مؤسسها ويدعى سولومون دريسر، تصفيتها من أجل تحويل نمط حياتهم الباذخ، فوجدوا من يتوق لشرائها وكان صديقي بريسكوت بوش في جامعة ييل وهما رولاند وافريل هاريمان، ابنا امبراطور سكك الحديد هاريمان الذي انشأ لتوه بنكا تجاريا لمساعدة العائلات الثرية في خوض غمار مثل هذه المشاريع. وفي ذلك الوقت كان رصيد الشركة براءتي اختراع في مجال الصناعة النفطية التي كانت تنمو بخطى متسارعة. وكانت استراتيجية شركة DRESSER تقدم على اساس السيطرة على تكنولوجيا الحفر على النفط وليس امتلاك النفط نفسه. وفي عام 28 تقدمت شركة A.W HARRIMAN هاريمان التي عينت بريسكوت بوش مسؤولا رفيعا فيها، لشراء شركة DRESSER.

علاقة خاصة

عين بريسكوت بوش وشركاؤه صديقا قديما على رأس الشركة هو نيل مالون الذي كان مؤهله الأبرز انه «واحد منا»، فهو ينحدر مثل بريسكوت بوش من اوهايو وترتبط عائلته بعلاقات قوية مع عائلة بوش وهو خريج جامعة ييل وعضو في جمعية SKULL & BONES ولذلك حظي بثقتهم بسهولة.
وقد ظل مالون عازبا حتى الستين من عمره وأصبح عضوا بالاختيار في عائلة بوش، واطلق بوش اسم نيل مالون على ابنه الثالث. وقد ظهرت الأدلة على العلاقة الخاصة التي تربطهما، للمرة الأولى في 23 نوفمبر 1944 في رسالة بعث بها بوش من حاملة الطائرات SAN JACINTO إلى والديه.
وشهدت شركة DRESSR نموا كبيرا تحت رئاسة مالون مع اندلاع الحرب العالمية الثانية ونشطت في مجال التصنيع العسكري، إضافة الى نشاطها في التنقيب عن النفط ونشاطات أخرى متنوعة.
وقد ظل بريسكوت بوش في عضوية مجلس إدارة الشركة لعقدين من الزمن، وكان فعليا كبير مستشاري مالون الذي يسدي له النصح في كل خطوة وفي كل قرار يتخذه.
وبعد التخرج في جامعة بيل 1948 توجه بوش لزيارة «العم نيل» في مقر شركة DRESSR في كليفلاند، فأرسل مالون بوش الخريج الجديد الذي لا يمتلك الخبرة مع زوجته باربرا وابنه الوحيد جورج دبليو الى اوديسا، البلدة الصغيرة الواقعة في تكساس الغربية التي أصبحت مع بلدة ميرلاند مركزا لاستخراج النفط.
لقد كان النفط صناعة استراتيجية بالغة الاهمية لانه كان مطلوبا لتزويد الاسطول الحديث والجيش والقوات الجوية وآلة الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة ما تزال تمتلك فائضا من النفط، الا ان الحرب استنفدت الكثير من حقولها النفطية.
وقد حذر السكرتير الخاص للرئيس روزفلت الذي أصبح لاحقا مسؤولا عن إدارة النفط أثناء الحرب هارولد آيكس، حذر عام 1943 من انه «اذا اندلعت حرب عالمية ثالثة فسوف يتعين علينا خوضها اعتمادا على نفط الآخرين، لأن الولايات المتحدة لن يكون لديها مثل هذا النفط». واضاف ان «الولايات المتحدة تفوقت على العالم كامبراطورية نفطية وهي الآن آخذة بالاضمحلال، يجب ان تكون لدينا مصادر نفط متاحة في مناطق أخرى من العالم منذ الآن». وكانت عيني آيكس تتركز آنذاك على المملكة العربية السعودية، باعتبارها المنطقة الوحيدة في العالم التي تطفو على سطح بحيرات هائلة من النفط تحت سيطرة شركة النفط الأميركية ستاندارد اويل أوف كاليفورنيا STANDARD OIL CALIFORNIA.

لعبة كبرى

واذا كان جورج بوش الشاب قد فهم شيئاً عن اللعبة الكبرى ودوره المحتمل فيها، فإنه لم يفصح هو أو زوجته بشيء لجيرانهما في تكساس الغربية، لقد كان في البداية يعمل في تنظيف المخازن وصبغ المعدات المستخدمة في عمليات الحفر للتنقيب عن النفط، ثم بدأت توكل اليه مهمات أكبر. وفي عام 48 وحين كانت واشنطن تشجع الرئيس اليوغسلافي تيتو للانفصال عن الكتلة السوفيتية، كان من ضمن مهام بوش كموظف في شركة ديريك آند اكويبمنت كومباني DERRICK AND EQUIPMENT COMPANY التابعة لشركة DRESSER INTERNATI0NAL DERICK تتبع رجل وصفه كعميل محتمل لمخابرات هذه الدولة الواقعة في منطقة البلقان.
ولا يفصح بوش في مذكراته عن طبيعة هذه المهمة. ويقول ان هذا الضيف وصله وهو يحمل قاموساً (يوغوسلافيا - انكليزيا) واصطحبه في زيارة تعريفية الى منشآت الشركة، ثم اخذه مع زوجته باربرا الى مباراة لكرة القدم الاميركية التي فوجئ انها تختلف عن كرة القدم التي اعتاد مشاهدتها في بلغراد.
ولم يكن من المفاجأ بالنسبة للدوائر اليمينية حقيقة ان شركة DRESSER كانت توفر الغطاء لعملاء الــ «سي.آي.ايه»، فقد اكد ثلاثة مسؤولين سابقين في الوكالة هذا الامر للمؤلف جوزيف ترينتو. وقد وفرت عمليات البيع والشراء التي تقوم بها شركة DRESSER على نطاق عالمي، الحجج للسفر والقيام بالنشاط في كل مكان تقريباً.
وقد نقلت الشركة بوش الى كاليفورنيا حين بدأت الشركة في شراء شركات صغيرة عام 1940. ومنها شركة PACIFIC PUMP التي تولى بوش رئاستها. ولم يسبق لبوش ان كتب او تحدث علانية عن فترة عمله في كاليفورنيا.
وفي سنوات لاحقة، حين قوبل بوش بالانتقادات لمواقفه المناهضة للنقابات المهنية، سحب من جيبه بطاقة عضوية في اتحاد عمال الحديد والصلب، ولكن يبقى السبب وراء انضمام بوش الى هذا الاتحاد لغزاً، خصوصا انه لم يكن لهذا الاتحاد فرع في شركة PACIFIC PUMP.
لقد توسعت نشاطات شركة PACIFIC PUMP اثناء الحرب العالمية الثانية الى ما هو اكثر من استخراج الماء من باطن الارض، فقد تحولت - مثل شركة DRESSER - الى جزء اساسي من آلة الحرب من خلال تزويد الجيش بالكثير من قطع الغيار والمعدات، بل وحتى اجزاء من عمليات تصنيع القنبلة النووية التي القيت على هيروشيما وناغازاكي.
واثناء تلقيه التدريب في كاليفورنيا لمصلحة شركة DRESSER انتقل بوش وزوجته الحامل وابنه الصغير جورج دبليو للعيش في خمسة اماكن مختلفة على الاقل خلال تسعة اشهر، وتقول زوجته باربرا انه كثير التنقل والغياب. فهل كان ذلك من اجل شركة التنقيب أم كانت لديه مهمات أخرى؟
لقد حرص بوش على التكتم على أمور حياتية لدرجة ان افضل اصدقائه لا يعرفون عنه سوى القليل، فقد نُقل عن صديقه لفترة طويلة رودريك هيلز قوله في مقابلة اجريت معه عام 1991 ان «بوش كان في اسعد لحظاته حين كان يعمل في الاستخبارات»، وقال عنه صديق آخر طلب عدم ذكر اسمه ان «المكشوف من حياة بوش لا يتعدى 20-30 في المائة فقط، والبقية يحتفظ بها سراً».

حرب باردة - ساخنة

وفي الوقت الذي رافق فيه جورج بوش الشيوعي اليوغوسلافي الى آبار النفط التابعة للشركة عام 1950، كانت الحرب الباردة تشهد تسخيناً غير متوقع اثر قيام كوريا الشمالية بغزو الشطر الجنوبي. وبسبب فشل وكالة المخابرات المركزية في توقع الهجوم، اجريت عليها بعض الاصلاحات التي وضعت الين دالاس في منصب نائب المدير لشؤون العمليات السرية، وكان ذلك تطورا سعيدا بالنسبة لعائلة بوش التي ترتبط بعائلة دالاس بعلاقات شخصية وتجارية منذ وقت طويل.
وقد ارتبطت العائلتان منذ وقت طويل في مجالات التجارة والسياسة والصداقة والاستخبارات، ففي ايام الحرب العالمية الاولى حين كان عم دالاس يشغل حقيبة الخارجية، كان والد بريسكوت، صموئيل بوش، يشرف على التصنيع العسكري للحرب ولعب الين دوراً حاسماً في عمليات التجسس في اوروبا.
وظل التعاون والتفاعل بين العائلتين قائما بعد ان اتجهت عائلة بوش الى التجارة والاستثمار وعائلة دالاس الى المحاماة والقانون.
وفي عام 1950 انتقلت شركة Dresser تماما الى دالاس التي بالاضافة الى كونها عاصمة للصناعة النفطية، اصبحت ايضا مركزاً للصناعات الدفاعية، وفي عام 1951 تمخض اجتماع تنظيمي في منزل مالون ضم مجموعة كبيرة من كبار الموظفين والمديرين والرؤساء في مؤسسات مختلفة، وضم كلا من فريد فلورانس مؤسس البنك الوطني الجمهوري الذي كان فرعه في دالاس واجهة لنشاط الـ«سي اي ايه»، وتي. اي برانيف رائد صناعة الطيران وفريد ووتين المسؤول في بنك دالاس الوطني الاول، وهو البنك الذي سيعمل فيه بوش خلال السنوات الفاصلة بين ترأسه لوكالة المخابرات المركزية وتوليه منصب نائب الرئيس، اضافة الى الكونونيل روبرت ستوري الذي سيعين لاحقا ضابط ارتباط بين جهات تطبيق القانون في تكساس ولجنة وارن للتحقيق في اغتيال كنيدي.

مقعد في قطار ايزنهاور

ومن الشخصيات الاخرى التي حضرت الاجتماع المشار اليه، الجنرال روبرت سميث الذي لعب بصفته عقيدا في الحرب العالمية الثانية، دورا في عمليات الحرب الباردة الاولى، بما في ذلك ترحيل عملاء للاستخبارات النازية عام 1944. وفي الوقت الذي عقد فيه الاجتماع في منزل مالون، كان سميث الذي ينحدر من تكساس نائبا لرئيس مجلس موارد الامن القومي، وهي مؤسسة كانت صغيرة ولا يعرف عنها الكثير في واشنطن وكانت مهمتها الاساسية توفير الموارد الاستراتيجية وخاصة النفط.
وقد اقتربت هذه المجموعة بعد وقت قصير من مركز السلطة فقد اخذ الحزبان الرئيسيان (الديموقراطي والجمهوري) يتوددان للجنرال داويت ايزنهاور لكنه فضل الانضمام الى الجمهوريين الذين كانوا يضمون في صفوفهم عائلة روكيفلر وبريسكوت بوش والين وجون فوستر دالاس، وقد ارتبط ابناء دالاس بعلاقات تجارية مع بريسكوت بوش وابناء براون هاريمان لسنوات طويلة، ومع ترشيح ايزنهاور لانتخابات الرئاسة عن الحزب الجمهوري كان كل هؤلاء يأملون بمقعد في قطاره.
وكان ابناء دالاس ابرز مستشاريه وكان بريسكوت بوش يدعم ايزنهاور ويخوض السباق الى مقعد في مجلس الشيوخ عن ولاية كنكتيكت وحقق الفوز، اما جورج ابن بريسكوت فقد اصبح رئيس حملة ايزنهاور ـ نيكسون في مقاطعة ميرلاند لانتخابات 52 و1956. ومع نمو اهمية تكساس كمركز للطفرة النفطية، لعب جورج الشباب كصله وصل حاسمة بين «المؤسسة الشرقية» والادارة الجمهورية الثالثة والاثرياء الجدد في ميرلاند جراء الطفرة النفطية.
وبعد النصر الكاسح الذي احرزه ايزنهاور، فرض الشقيقان دالاس سيطرة قوية على السياسة الخارجية، فقد تولى جون فوستر دالاس وزارة الخارجية، وتولى الين منصب مدير الـ«سي اي ايه» وتولى المناصب الرئيسية في الادارة حلفا‍ء لبوش بمن فيهم مستشار الامن القومي غوردن غراي ووزير الخزانة روبرت اندرسون الذي كان زميلا لبوش في شركة Dresser ذات يوم.

الحلقة الرابعة: «سي اي ايه» تحاول الاطاحة بانظمة معادية




Pictures%5C2009%5C06%5C15%5Ce557933c-c70d-4f67-8081-873b1a593881_maincategory.jpg
بوش طالبا في جامعة ييل
Pictures%5C2009%5C06%5C15%5Cd0c8b9fb-6efa-49ac-a0a5-ff2e7f252b24_maincategory.jpg
راس باكر
 
09-08-2011, 07:42 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

ائلة من الأسرار 4 «سي.آي.أيه» متورطة في مؤامرات لإسقاط أنظمة معادية كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C16%5C8d8cc50f-fbdb-4f7e-90d8-f28387b5eef8_main.jpg
مبنى وكالة المخابرات المركزية (سي. اي . ايه ) في فيرجينيا
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة ، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.

كان ايزنهاور الذي يفتقر الى الخبرة في المجال السياسي والحكم المدني سعيدا لتفويض هذه الامور لمن حوله، وهذا ما أكده بريسكوت لاحقا، في مقابلة اجريت معه.
لقد عزّز بريسكوت بوش ونيل مالون موقعيهما في الادارة لدرجة ان يطلبا تعيين صديق لهما في منصب رفيع.. وكان ذلك الصديق هو رجل الصناعة النفطية توم سليك الذي كان عضوا في مجلس ادارة شركة Dresser، والذي كشفت البروفيسورة لورين كولمان في كتابين صدرا لها ان سليك كان عميلا لـ«سي.آي.ايه» لسنوات طويلة وانه استخدم عمله في الشركة للسفر كغطاء لنشاطاته التجسسية.
في هذا الوقت بدأت «سي.آي.ايه» القيام (وانكار) بسلسلة من المحاولات لاطاحة انظمة «معادية» في مختلف انحاء العالم، بما في ذلك غواتيمالا وايران، وبما ان القانون الاميركي يحظر ذلك، فقد وجدت الوكالة وسائل اخرى للاستعانة بوسطاء لدعم المتمردين في هذه الدول بهدف تغيير انظمة الحكم فيها.
وخلال الايام الاولى لانتقال شركة Dresser الى دالاس، وكذلك انتقال شركة Zapata Petroleum كان دالاس قد بدأ لتوه تجربته مع العمليات التجسسية.
ومع حلول السبعينات والثمانيات حين تولى بوش رئاسة الوكالة ثم نائب الرئيس، تم انشاء المئات وربما الآلاف من المؤسسات التجسسية.
لقد كان الكابتن وليام كورسون على قناعة من ان دالاس استخدم جورج بوش «كمجرد غطاء» ضمن لعبة شطرنج محكمة مع صديقه القديم بريسكوت بوش الذي كان مسؤولا عن الـ«سي.آي.ايه» في مجلس الشيوخ وكان يعتقد ان دالاس جند بوش من دون علم والده بريسكوت.
وكان كورسون عضوا في فريق العمليات العسكرية السرية ويتصل به الرئيس ايزنهاور مباشرة، ويتذكر حين زاره السيناتور بريسكوت بوش عام 1955 في هونغ كونغ ضمن مهمة تحقيق في محاولة اميركية فاشلة لقتل رئيس الوزراء الصيني الاسبق شو ان لاي اثناء مؤتمر دولي كان يحضره، من خلال تسميم صحن الرز الذي سيتناوله بنوع من السموم ذات المفعول البطيء.

فضيحة ووترغيت
وفي عام 1953، بينما كان دالاس يبني الماكينة العالمية الخاصة به، اطلق بوش مؤسسته بمساعدة من دالاس ومالون وخاله هيربرت ووكر، ولعل اهمية مثل هذا التحالف والتحالفات الاخرى المشابهة هي في وضع بوش على طريق المهنة، ووضع هالة من الغموض على حياته، فالسيرة الذاتية «الرسمية» لبوش التي ظل يروج لها بعض الصحافيين، تصور بوش على انه ذلك الشاب الذي رفض الطريق السهل، الى وول ستريت وشق طريقه الصعب بنفسه في عالم الصناعة النفطية، ولكن هذه الرواية تغفل حقيقة ان عائلة بوش منخرطة في هذه الصناعة منذ وقت طويل من خلال صلاتها بعائلة روكيفلر وشركة «ستاندارد اويل اوف نيوجيرسي» وشركة هامبل Humble التابعة لها في تكساس، ولكن امتهانه العمل السياسي لاحقا كان يستدعي بداية اقوى حتى لو تطلب ذلك الحصول على مساعدة كبيرة من الآخرين. وهذا ما فهمه بوش وسار عليه بعد ذلك. فقد انطوى مشروعه الاول على اقناع احد ملاك الاراضي المحليين ويدعى جون اوفربي على مشاركته. لقد كان المشروع يقوم على استقصاء آفاق وجود نفط في الارض ثم اقناع المالكين ببيع حقوق التنقيب، وقد حققت هذه الشراكة ارباحاً كبيرة. وحصل بوش على المال من خاله جورج هيربرت ووكر الذي كان مستثمراً مصرفياً معروفاً.

مخاطر وحوافز
ولعب ووكر دوراً بارزاً في اقناع آخرين بمشاركة بوش عمله ومنهم يوجين ماير فريج ييل ومالك صحيفة واشنطن بوست. وكان ماير احد اشهر اباطرة الاعلام مثل صديق بريسكوت وزميله في جمعية BONES ،SKULLS هنري لوس مؤسس مجلة تايم ومؤسس CBS وليام بالي، وفي عام 1977، كتب كارل بيرنشتاين الذي اشتهر بكشفه في صحيفة واشنطن بوست، فضيحة ووترغيت، مقالة في مجلة رولينغ ستونز ROLLING STONES ان كلا من لوس وبالي تعاونا بشكل منتظم مع ال «سي.آي.ايه»، ويضيف ان «المعلومات مؤكدة حول التعاملات بين الوكالة وصحيفة واشنطن بوست». ولم يكن من الصعب على بوش اقناع مستثمرين من امثال ماير بالدخول في العمل معه. فعلى الرغم من المخاطر، فإن الحوافز كانت كبيرة. فالعمل مع بوش يعني كسب ودّ بريسكوت بوش ذي النفوذ الكبير. لقد كانت عائلة بوش تمثل شكلاً من اشكال العمل التجاري الذي يمزج بين القطاع الخاص والعام. فمثلاً، حين تولى بريسكوت رئاسة اللجنة المشتركة في الكونغرس للطاقة النووية، انشأ خاله هيربرت شراكة للاستثمار في الطاقة النووية. وثمة الكثير من العناصر المشتركة بين الاعلام والسياسة والاستخبارات، فكلها تعتمد على الكم الذي تعرفه من المعلومات وطبيعة ما تعرفه. وفي الواقع، كانت الصناعة النفطية كذلك ايضاً. لقد كانت مهارة آل بوش في استغلال العلاقات واضحة عام 53 حين تحالف جورج بوش مع شقيقين من توسلا هما هيو وبيل ليدتيك في تأسيس شركة ZAPATA PEROLEUM وكانت لدى الشقيقين ليدتيك اتصالات مثيرة كتلك التي تتمتع بها عائلة بوش، ومنها على سبيل المثال المليونير الذي كوّن ثروته من تهريب الخمور (أيام حظر الخمور في اميركا)، جوزيف كيندي وزي كرافيس والد ملك الاستحواذ على الشركات المشهور هنري كرافيس. وقد نجحت الشركة في حفر 127 بئراً عُثر فيها على نفط، الأمر الذي رفع سعر سهم الشركة من سبع سنتات الى 23 دولاراً خلال فترة وجيزة.

جواهر تاج دالاس
وربما كانت شركة ZAPATA OFFSHORE التي وفرت الغطاء المناسب في مجموعة من النقاط الساخنة حول العالم، هي اغلى الجواهر في تاج الين دالاس. ففي شهر ابريل 53 وبعد اسبوعين فقط من تأسيس شركة زاباتا بتروليوم zapata petroleum الشركة الشقيقة لشركة zapata Offshore كتب نيل مالون رسالة الى مدير «سي. أي. ايه» دالاس عن اللقاء المرتقب في فندق كارلتون تاور في واشنطن، قال فيها انه «اضافة الى بوب جونسون، فقد دعوت صديقا شخصيا لي هو بريسكوت بوش. ونرغب في التحدث معهم حول مشروعنا التجريبي في جزر الكاريبي لكي تستمع للحوار بنفسك».
وكان بريسكوت بوش معروفا تماما لدالاس، وكذا علاقته الوثيقة بمالون وحقيقة انه كان عضوا في مجلس الشيوخ. لقد جمع مالون ودالاس معا، واصبح الرجلان مرتبطين بعلاقة صداقة حميمة ويتزاوران ويتبادلان الهدايا ويقضيان العطلات العائلية معا.
ويلعب مالون دورا حاسما في خدمة دالاس بتعريفه على النخب النفطية الثرية في دالاس، والتي سيصبح افرادها اضافة الى مجموعة اخرى في هيوستن - الممولين الرئيسيين للعمليات السرية في اميركا اللاتينية، والتي بدأت بمحاولة اطاحة عدد من زعماء اميركا اللاتينية والكاريبي في الخمسينات. وتستمر هذه العمليات في عهد بوش بعملية ايران كونترا في الثمانينات.
فما هو المشروع التجريبي الذي اشار اليه مالون؟ الارجح انه Zapata offshoreالتي اطلقها بوش عام 1954 وحين كانت دوائر دالاس - بوش تهيمن على الادارة الاميركية، والتي بدأت بشراء حقوق التنقيب عن المعادن في الخارج، وقد تدبر بوش التمويل من خاله هيربرت مرة اخرى.
وفي عام 1958، انتقلت معدات التنقيب التابعة لشركة zapata offshore من خليج المكسيك الى جزر كاي سال بانك cay sal bank وهي مجموعة الجزر الابعد في البهاما والتي لا تبعد سوى 54 ميلا عن السواحل الكوبية شمال جزيرة ايزابيلا.
وكان قد تم تأجير هذه الجزيرة اخيرا الى امبراطور الصناعة النفطية هاوارد هيوز الذي يرتبط بعلاقات منذ زمن طويل مع «سي. آي. ايه»، اضافة الى «السي. آي. ايه» الخاصة به! فهو يقوم باعارة سفينته الخاصة الى الوكالة لاستخدامها في تتبع خطى غواصة سوفيتية.

انقلاب مصدق
لقد كانت الكثير من المؤسسات المرتبطة بـ «سي. اي. ايه» متورطة في عملية ZAPATA وقد اجرت ZAPATA منشآتها للتنقيب عن النفط لشركة ستاندارد اويل اوف كاليفورنيا ولشركة غولف اويل Gulf oil. وكان قد سبق لمدير وكالة دالاس ان عمل مستشارا للشركة الاخيرة لشؤون اميركا اللاتينية، وفي العام ذاته الذي استأجرت فيه شركة Gulf منشآت بوش، انضم المسؤول المخضرم في الوكالة كيرميت روزفلت الى مجلس ادارة Gulf. وهذا الشخص، الذي اشرف على الانقلاب الذي اطاح رئيس وزراء ايران محمد مصدق عام 1953، وبدا وكأن مجموعة بوش ــ سي. اي. ايه، كانت تعد لعمليات اخرى في منطقة الكاريبي.
وكان هناك دور محدد للمنشآت النفطية في الخارج، حيث كان يعطى جورج بوش قائمة بأسماء عمال النفط الكوبيين الذين كانت سي. اي ترغب في استخدامهم في عملية اسقاط نظام كاسترو، ويقول مسؤول في هذه العملية ان «المنشآت النفطية استخدمت لتدريب الكوبيين على شن غارات على بلدهم».
ويجب عدم اغفال اهمية علاقة بوش المبكرة مع كوبا في تقييم صلته بالاحداث المعاصرة، فعلى سبيل المثال، انها تلقي مزيدا من الضوء على المذكرة التي تعود الى عام 1963 والمرسلة من ادغار هوفر الى جوزيف ماك برايد، فهذه المذكرة التي تتحدث عن النشاط الكوبي غداة اغتيال كنيدي، سُلمت الى جورج بوش المسؤول في سي. اي ايه، وبعد سنوات، برزت الى السطح اسماء الكثير من الشخصيات التي شاركت في عملية خليج الخنازير، وتبوأت مراكز مهمة في الادارات التي تقلد فيها جورج بوش (الاب) مناصب رفيعة، واثناء رئاسته، وظهر اخرون في عمليات سرية نفذها اصدقاء ومساعدون لبوش.
ولم يقصر بوش نشاطه على الكاريبي، فقد اتسمت هذه الحقبة من حياته بكثرة السفر الى انحاء متفرقة من العالم تحت غطاء شركة ZAPATA ويستمر نمط سلوكه هذا طوال فترة حياته السياسية، فقد قام بعمليات ZAPATA OFFSHORE في خليج المكسيك وفي الخليج العربي وترينداد وبورينو وكولومبيا، ويشمل وكلاء هذه الشركة، شركة كويت شل بتروليوم ديفلوبمنت كومباني Kuwait shell petroleum development company التي بنت له علاقات وثيقة بشخصيات بارزة في الكويت.
ان الكلام الذي يدور حول الامن القومي في الولايات المتحدة ما هو الا حديث عن المال، وكيفية اكتسابه وحمايته، وطوال قصة آل بوش والدوائر المحيطة بها، اعتبروا ان لهم حقا في موارد الاخرين، ولم يقبلوا من يتحداهم في ذلك او يحاول الحيلولة بينهم وبين هذه الموارد.

زاباتا الثائر!
وبعد وصول كاسترو الى السلطة عام 59 بدأ بمصادرة ممتلكات الشركات الاجنبية التي كانت في معظمها اميركية، وطال الضرر الاكبر الشركات الاميركية التي كان لها مصالح في الزراعة والتعدين في الجزيرة الخصبة، بما فيها شركة براون براذرز هاريمان التي كانت تمتلك مزرعة ومعملا للسكر على مساحة تزيد على مائتي الف فدان.
وكانت ادارة ايزنهاور قد بدأت بمقاطعة السكر الكوبي بعد تولي كاسترو السلطة. ونظرا لاعتماد الاقتصاد الكوبي على السكر بشكل كبير، تحولت الجزيرة للاعتماد على الاتحاد السوفيتي (السابق) في تأمين احتياجاتها والحماية.
وفي العام نفسه الذي بدأ فيه كاسترو تأميم ممتلكات الشركات الاجنبية، كان بوش قد قطع علاقاته مع الاخوين ليدنيك من خلال شراء اسهمها في شركة ZAPATA OFFSHORE ونقل عملياتها الى هيوستن التي - على العكس من منطقة ميرلاند اوديسا البعيدة - كان لها موطئ قدم على الكاريبي من خلال قناة هيوستن للسفن، وفي واشنطن بدأ مشروع خليج الخنازير - بعد تخطيط مطول - وبموافقة من ايزنهاور، في 17 مارس 1960.
وكان لدى بوش قصة جميلة لكل من كان يسأل عن اصول اسم الشركة ZAPATA PETROLEUM، فهو يقول انه اخذ الاسم من فيلم مارلون براندو بعنوان «VIVA ZAPATA» الذي يتحدث عن الثائر المكسيكي امليانو زاباتا. ويزعم بوش ان الشركاء وجدوا الاسم مناسبا لان زاباتا جسد صورة الاستقلال الذي كانت الشركة تسعى اليه، ولكن المفارقة ان الجنرال زاباتا قاتل من اجل اعادة توزيع الاراضي على الفلاحين، وألحق الخسائر بمصالح الناس الذين ارتبطوا بشركات بوش تحديداً!
وبالاضافة الى ذلك، لم يكن بوش واصدقاؤه من انصار «الاستقلال»، بل على العكس من ذلك، كانوا مرتبطين باكثر الناس ثراء وسلطة في البلاد، واولئك الذين كانوا يمتلكون اكبر الاقطاعيات في اميركا اللاتينية واماكن اخرى، اي بالضبط، الناس الذين كانوا يمقتهم زاباتا، وربما كان الشيء الاساسي (وهو ما قصده بوش من التسمية) ان زاباتا كسب شهرة عالمية لشيء واحد فقط هو القوة الكاسحة!
وبالاضافة الى توفير مكان للمتمردين الكوبيين، يبدو ان شركة ZAPATA OFFSHORE قد عملت كممول، حيث يقول جون شيروود، رئيس فرع العمليات المناهضة لكاسترو في مطلع الستينات: «لقد كان يتعين علينا ان ندفع رواتب سياسيين في المكسيك وغواتيمالا وكوستاريكا واماكن اخرى من العالم، وقد استخدمنا شركة بوش كقناة لمرور هذا التحويل تحت غطاء العقود النفطية، وكان الاختراق الرئيسي حين تمكنا من زرع عملاء لنا - من خلال بوش - على رأس شركة بيميكس PEMEX شركة النفط الوطنية المكسيكية».

الحلقة الخامسة: اتلاف ملفات شركة زاباتا
القبس
 
09-08-2011, 09:51 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

عائلة من الأسرار 5 مهمة مزدوجة لشركة زاباتا للتجسس وغسل الأموال كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C17%5C69702e4e-2cfa-4143-b815-8227e258d45d_main.jpg
• احدى منصات الحفر للتنقيب عن النفط التابعة لشركة ZAPATA
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.

بدأت الصلة المعقدة لبوش مع شركة PEMEX في عام 1960 حين عرضت شركة ZAPATA OFFSHORE شراكة سرية مربحة مع شركة مكسيكية منافسة لمعدات الحفر تدعى بيرفوراشيونز ماريناس ديل غولف PERFORACIONES MARINAS DEL GOLFE او الاسم المختصر بيرمارغو PERMARGO.
جورج بوش (الاب) لم يرغب لأمر هذه العلاقة أن ينكشف، حتى بعد عقود على قيامها. وحين حاول كاتب التحقيقات الصحفية جوناثان كويتني توثيق الصلة الدقيقة التي ربطت بوش بشركة PERMARGO في مقالة كتبها عام 1988 أُبلغ ان ملفات شركة ZAPATA خلال الفترة من 60-1966 «أتلفت تماماً» بعد ان اصبح بوش نائباً للرئيس ببضعة أشهر.
أما شريك بوش في هذه العلاقة جورج دياز سيرانو فقد حُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات لممارسة الخداع على الشعب المكسيكي، والاستيلاء بطرق غير مشروعة على ثمان وخمسين مليون دولار. وقد اعترف سيرانو لاحقاً بأنه يظل صديقاً شخصياً لبوش، وكان قد زار بوش في واشنطن اثناء توليه منصب نائب الرئيس قبل وقت قصير من ادانته. لقد ابلغ كويتني ان اهتمام بوش بالنفط كان يبدو محدوداً، وكان تركيزه منصباً على السياسة اكثر من صناعة النفط ومسائل التنقيب. وينطبق الشيء ذاته على بوش (الابن).
وقد ظهرت ادلة على ان شركة بوش ZAPATA OFSHORE كانت اكثر من مجرد شركة نفطية، في سنوات لاحقة. لقد بدأ بوش يقضي معظم وقته في السياسة واستعان بخبراء لتمويل الشركة وتحويلها الى مؤسسة اكبر وقادرة على القيام بعمليات على نطاق عالمي. فمثلاً يقول المدير التنفيذي السابق للشركة بوب غاو بعد ان فقد جورج بوش محاولته الاولى للترشح لمنصب حكومي، ان حوارات كثيرة دارت مع رجل يدعى بيل كليمنتس الذي كان رئيساً لشركة تدعى SEDCO وقد فوجئت حين علمت اثناء احد هذه النقاشات ان جورج بوش لم يكن يعبأ ان يصبح كليمنتس رئيساً للشركة الموحدة الناتجة عن اندماج شركتي ZAPATA و SEDCO. واعتقد انه كان سعيداً بذلك.. لقد كان اهتمام بوش منصباً بشكل اساسي على السياسة.

ثقة عمياء
ولم تندمج الشركتان لكنهما دخلتا في شراكة بشركة جديدة تعمل في الخليج العربي، واصبح كليمنتس نائباً لوزير الدفاع في عهد نيكسون ثم حاكماً لولاية تكساس، وعين رجلاً يدعى كارل روف (الذي اصبح كبيراً لموظفي البيت الابيض في عهد بوش الابن) في منصب رفيع معه.
وربما جاءت مكافأة بوش على كل المتاعب التي المت به في عام 1965 حين فقدت منصة حفر للشركة في اعصار بيتسي، ولاول مرة في تاريخها، دفعت شركة لويد للتأمين للشركة ثمن منصة الحفر الذي تجاوز ثمانية ملايين دولار في حين ان المنصة كلفت الشركة ثلاثة ملايين فقط.
وما زال مصير تلك المنصة لغزا حتى الآن، الا ان فينسنت باوندس، اخر العمال الذين تم اخلاؤهم عن المنصة، يقول: «اتذكر انه تم اخذنا عنها قبل حلول الظلام، وفوجئت بالانباء عن اختفائها، لقد كانت منصة ضخمة. ويتذكر شقيق بوش، باكي المخاوف من الا توافق شركة التأمين على دفع التعويضات لغياب اي بقايا من المنصة، لكن بوش كان واضحاً وطمأن الجميع بأن «كل شيء سيكون على ما يرام».
وفي فبراير 1966، ترك بوش ZAPATA لخوض انتخابات الكونغرس، ولكنه احل محله عدداً من انصاره، وكان احدهم وليام ستامبس فاريش الذي بدأ ادارة ممتلكات بوش ويحظى بثقة عمياء منه، فهو يتحدر من عائلة نفطية ترتبط بعلاقات قديمة مع عائلة بوش، حتى ان بوش عينه عام 2001 سفيراً للولايات المتحدة لدى بريطانيا.
وكان من المتعذر فهم القضايا المالية لشركة ZAPATA كما كان عليه الوضع بالنسبة لشركة انرون اخيراً، وربما يكون بوب غاو الاميركي الوحيد في تاريخ البلاد، الذين يعينه الرئيس المقبل (في شركة زاباتا) ثم ابنه الرئيس (المقبل ايضاً) في شركة زاباتا الزراعية في تكساس.
وفي عام 2006 سافرت الى المكسيك والتقيت غاو وحصلت على حق نشر مذكراته في خمسمائة صفحة التي يتحدث فيها عن شركة ZAPATA واشياء كثيرة اخرى، لكنه لم يقل الكثير عن عائلة بوش ومشاريعهم وارتباطاتهم، بيد انه اعترف انه انخرط في العمل التجسسي لمصلحة «سي. آي. ايه» ذات يوم.
وكان غاو عضواً في نخب البلاد الاكثر سرية ولعب جده دوراً في بناء نفق بوسطن، واستدعي والده الى واشنطن في الحرب العالمية الثانية وصعد نجمه بسرعة هناك. وكان دوره مشابهاً للدور الذي لعبه صموئيل بوش في الحرب العالمية الاولى، وبعد الحرب عادت عائلة غاو الى ماساشوستس ودخل يوب جامعة غروتون. وكان رفيقه في السكن اثناء الدراسة هو راي ووكر ابن خال جورج بوش (الاب).
ويسكن بوب غاو وراي ووكر معاً في غرفة واحدة في جامعة ييل مرة اخرى، ويلتحقان معاً في صف 1955 من جمعية SKULL & BONES(مع ديفيد ماكلوخ كاتب السيرة الذاتية لهاري ترومان وجون ادامز). واصبح ووكر استاذاً في جامعة فيرمونت ومن منتقدي سياسات ادارة بوش وقيمها، ولكن بهدوء، اما غاو، فكان من المعجبين ببوش وخدم كجندي مخلص للعائلة.

الشخص المناسب
وتوضح عملية تشغيل آل بوش لغاو نوعية الفرص التي كانوا يقتنصونها. فقد كان غاو يعمل في شركة صغيرة يملكها والده، وفجأة تلقى مكالمة من والد راي ووكر، جورج هيربرت ووكر الذي كان الشخصية الرئيسية وراء شركة ZAPATA الذي اعتقد ان غاو هو الشخص المناسب لمشروع الشراكة الجديد CHAMPLAIN - ZAPATA لتصنيع المعدات.
ولم يكن يمتلك مؤهلات مميزة لتولي هذا المنصب، لكن هيربرت أصر على انه الشخص المناسب. ويستذكر غاو في مذكراته محاولات الشركة لانتاج اربعة اصناف مختلفة من المنتجات، وفشلت فيها جميعاً. وفي الواقع، لا يمكن قول الكثير من غاو وامكاناته في مجال التجارة سوى كونه صديقاً ورجلاً طيباً تربطه صلات عائلية قديمة مع آل بوش وزميلاً لبوش في جامعة ييل وفي جمعية SKULL , BONES وذا جذور اسكتلندية، وذلك بالاضافة الى طواعيته في تنفيذ كل ما يُطلب منه ويلوذ بالصمت ازاء كل ما يراه.
وفي عام 1961 وحين كان غاو لايزال على رأس شركة CHAMPLAIN - ZAPATA، تلقى مكالمة أخرى من هيربرت ووكر وعرض عليه الترقية. وبالفعل انتقل غاو الى تكساس لتولي منصب المدير التنفيذي لشركة ZAPATA OFFSHORE بعد أن استقال مديرها السابق. ويقول غاو «حين وصلت الى ZAPATA OFFSHORE للمرة الاولى، كان الرجل الذي يتولى ادارتها قد استقال.. فاقترح علي جورج ان اتولى ادارة المحاسبة والادارة والعمليات المالية بمساعدة امرأتين في قسم المحاسبة، ولم تكن لدي دراية بالمحاسبة الا من خلال كورس واحد في المحاسبة اخذته في جامعة ييل، ولم اكن في الواقع اعرف ما المتوقع من نائب الرئيس للشؤون المالية ان يفعله».
وحتى حين كان جورج بوش يدير الشركة، كانت هناك امور غير مفهومة. يقول غاو «حين كان جورج بوش مديراً للشركة، اقترحت عليه ان من المفيد ان يتم تنويع نشاطاتها الى مناطق اكثر ربحية في المحيط، ومن بين هذه العمليات استزراع الاسماك فوافق واوكل الي مهمة جديدة هي مدير بحوث الاحياء البحرية».
ويذكر غاو في مذكراته عن الشركة ZAPATA OFFSHORE ان جورج بوش «جاءني الى مكتبي ذات يوم وطلب مني اجراء مقابلة من اجل الحصول على قرض بنكي للشركة بقيمة خمسة ملايين دولار، وهو مبلغ يفوق قيمة الشركة باكملها في ذلك الحين..ذهبت الى البنك وقدمت الطلب فأبلغت بالموافقة على منح القرض.
وعدت لابلاغ جورج بموافقة البنك فكان شديد الدهشة، لانه كان يقصد ان اقدم الطلب ثم يذهب معي في موعد اخر الى البنك، وعلى اي حال، فقد استخدمت الشركة هذا القرض لشراء منصة التنقيب عن النفط المسماة The Maverlck التي فقدت في العاصفة بعد عدة سنوات».

نمط انتهازي
وحين سئلت من الكثيرين عن انطباعي عن العمل مع جورج بوش قلت «انه لامر جيد ان تعمل معه فهو يريد للمديرين الذين يعملون لديه ان يحاولوا اقامة صلات مع الشخصيات المهمة».
ويقول غاو ان بوش كثير الترحال حين كان رئيسا لشركة ZAPATA وان لديه نمطا انتهازيا في الادارة ويبقي على خياراته مفتوحة لفترة اطول مما يفعل المديرون الاخرون الذين عملت معهم.
وعلى الرغم من ان غاو لم يقل الكثير في كتابه عن العمليات السرية للشركة او دور بوش فيها، لكنه يستذكر باعتزاز شبكة ‍ZAPATA المعقدة من المشروعات، وفي كل الاحتمالات كان للعمليات الخارجية مهام مزدوجة، كما كان الوضع عليه في شركة DRESSERوببصمات نيل مالون، ويقول ان من الخطوات الجريئة للشركة تبني استراتيجية خلاقة للتعامل مع الضرائب من خلال اقامة شركة منفصلة في اوروبا.
وكانت الفائدة الاكبر من هذه الشركة حقيقة ان عوائد العمليات الخارجية لا تفرض عليها ضرائب عند تحويلها الى داخل الولايات المتحدة.. هذا اذا عادت هذه الاموال اصلا الى البلاد، كما ان هذه الاموال كانت بعيدة عن اعين السلطات الفدرالية فلم تكن ثمة آلية للتأكد من مصدر او مآل هذه الاموال ولاي اغراض تستخدم.
ووفقا لغاو فان ZAPATA هي نفسها DRESSER، لقد كانت ZAPATA تتألف آنذاك من عدد من المؤسسات الاجنبية في كل بلد كان لنا فيها منصات للتنقيب عن النفط.
والنظر الى الطريقة التي عملت بها ZAPATA كان يبدو انها لا تدفع الضرائب في الولايات المتحدة ابدا، ومع مرور الوقت وتوسع نشاطات ZAPATA في الكثير من البلدان، اصبح لديها كميات كبيرة من الاموال النقدية في الخارج في حسابات شركات في الكثير من الدول حول العالم.

اكثر من غطاء
وقد لا jعرف ابدا اجابة عن السؤال: ما اذا كانت Zapata قد انشئت اصلا من اجل غسل الاموال او القيام بعمليات سرية، ولكن هناك شيئا واحدا مؤكدا هو ان العمل التجسسي يعتمد بدرجة كبيرة على توافر الموارد المالية النقدية، انها عملية باهظة التكاليف، وتتطلب اكثر من غطاء لتدفق الملايين بعيدا عن الرقابة.
اذاً ما الذي كان تعمل فيه شركة ZAPATA؟ هل كانت جزءاً من وكالة المخابرات المركزية؟ لا يجيب غاو على مثل هذه الاسئلة، مع انه يعترف في مذكراته انه خدم لاحقاً لمصالح «سي.آي.أيه» الا انه يتفادى بقوة الدخول في نقاش حول عائلة بوش. وقبل وقت قصير من انتهاء زيارتي له سألته عما ذكره في مذكراته من انه عمل لصالح «سي.آي.أيه» في غواتيمالا في مطلع السبعينات، وهو الوقت الذي عمل فيه جورج بوش مع غاو كمتدرب، وسافر في رحلة عمل الى غواتيمالا، ودار بيننا الحوار التالي:
• كتبت في مذكراتك عن قصة سفرك الى غواتيمالا.
ــــ نعم.
• وانك قمت بمهام لمصلحة وكالة المخابرات المركزية؟
ـــــ حسناً، لقد قمت بكل ما ذكرت انني قمت به.
• اذاً، كنت تعمل لصالح الوكالة؟
ــــ لقد نفذت بعض المهام هناك.
• لمصلحتهم؟
ـــــ نعم.
• هل وجدت شيئاً مثيراً؟
ــــ لا.
ثم سألت غاو عن المزاعم بأن شركة ZAPATA OFFSHORE أدت دوراً في غزو خليج الخنازير بكوبا، وقلت له هل لديك تعقيب على هذا الامر؟ تردد قليلا ثم ابتسم وقال: لا.

الحلقة السادسة: كنيدي خاض حرب كسر عظم مع «سي.آي.إيه» انتهت بمصرعه
القبس
 
09-08-2011, 11:42 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

ائلة من الأسرار (6) كنيدي خاض حرب كسر عظم مع سي.آي.إيه انتهت بمصرعه
كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C18%5C5143fc67-50cc-415c-9bc6-fee6318a7325_main.jpg


تأليف: راس باكر
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.

قد يكون جورج بوش (الأب) أحد الأميركيين القلائل في جيله ممن لا يستطيعون تذكر مكان تواجدهم بالضبط عندما اغتيل الرئيس جون كنيدي في دالاس في 22 نوفمبر 1963.
فقد قال في بعض الأحيان إنه كان في «مكان ما في تكساس»، وفي الواقع كان بوش في «مكان ما» في تكساس. وكان في ذلك الوقت في التاسعة والثلاثين من عمره يتولى منصب رئيس الحزب الجمهوري في مقاطعة هاريس (هيوستون) وكان من أشد منتقدي الرئيس. كما كان مشغولا في حملة نشطة لانتخابه عضوا في مجلس الشيوخ، في الوقت الذي اغتيل فيه كنيدي في احدى مدن ولاية بوش (دالاس).
وحكاية بوش، على ما يبدو من تفادي تأكيد هذه النقطة، تعد أمرا معقدا، ولكنه مهمة ليس فقط في فهم أسرة بوش بل في التعرف إلى فصل مأساوي في تاريخ الأمة الأميركية.

سؤال منطقي

لقد كان العامان السابقان ونصف العام السابق لتاريخ 22 نوفمبر 1963 من أكثر الحقب اضطرابا بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، فعملية غزوة خليج الخنازير في عام 1961 التي خطط فيها للاطاحة بفيدل كاسترو والثورة الكوبية من مقر يبعد تسعين ميلا قبالة شواطئ فلوريدا، تحولت الى خطأ محرج في السياسة الخارجية. وفيما يتعلق بالأرواح التي فقدت والأسرى من الجنود مثلت كارثة انسانية، إلا انه ضمن صفوف النخبة الأميركية الحاكمة كان ينظر إليها على أنها ضربة مذلة لوكالة المخابرات الاميركية التي لا تهزم. وأما بالنسبة لجون كنيدي فقد شكلت فرصة. إذ كان معجبا في البداية بالوكالة، واعتمد على قدراتها في مكافحة حركات المقاومة الشيوعية والوطنية في العالم الثالث. غير أن عملية خليج الخنازير جعلته يتريث قليلا. ومهما قيل عن دور كنيدي في فضيحة الغزو إلا أن الاعداد له تم في ولاية سلفه داويت ايزنهاور وطلب من كنيدي اعطاءها الضوء الأخضر بعد وقت قصير من توليه منصب الرئاسة. وقد رأى فيما بعد أن الوكالة خدعته فيما يختص بعدة نقاط أساسية. وقد كان لديه أيضا شعور عميق بالاحباط جراء ضعف تقاريرها الاستخبارية وساورته شكوك حول سعي الوكالة لإرغامه على تنفيذ الغزو منذ البداية.
وقال كنيدي لمستشاريه انه يرغب في «تفكيك وكالة المخابرات الاميركية إلى ألف جزء ونثرها في الهواء».
ولكن في النهاية، فإن جون كنيدي هو الذي تدمر وليس الوكالة.

نظرية المؤامرة

لقد اثار اغتيال كنيدي صدور آلاف النظريات حوله وعدد مماثل تقريبا من الكتب والدراسات، إلا أنه لم يكن بين اي منها توافق أو اجماع. ومعظم الأكاديميين والصحافيين والمنظمات الصحفية «المحترمة» لا تود الاقتراب من هذا الامر وذلك حتى لا يوصفوا بانهم من اتباع نظرية المؤامرة.
وعندما يرد ذكر اغتيال كنيدي يميل التحقيق إلى التركيز على المهمة المستحيلة المتمثلة في تحديد من اطلق النار وكم طلقة اطلق ومن اي موقع، وهذا التعلّق الغريب بالسلاح أو الاسلحة يتجاهل الاسئلة الاساسية وبالتالي الاكثر خطورة مثل: من كان يريد التخلص من كنيدي؟ ولماذا؟ وماذا كان يسعى لتحقيقه؟ في ربيع عام 1962 وبعد مضي ستة اشهر من ترك دالاس لمنصبه في إدارة كنيدي، أقدم بريسكوت بوش وابنه جورج بوش على اجراء تغييرات عميقة وفجائية في حياتهما، وبريسكوت بوش الذي كان قد بدأ مسبقاً العمل في حملة اعادة انتخابه، فاجأ الجميع بتراجعه واعلانه انه لن يسعى للترشح لولاية اخرى. والسبب الذي قدمه هو انه تعب ولا يستطيع جسمه تحمل ست سنوات اخرى. واثار هذا الامر استغراب الناس، لان بريسكوت كان يحب حياة واشنطن، ولانه كان في صحة جيدة لعدة سنوات فيما بعد، بل انه عبر بعد ذلك عن اسفه لاختياره عدم الترشح لمجلس الشيوخ.
وحال مغادرة بريسكوت للساحة السياسية بدأ ابنه يلجها في سرعة بالغة. وجورج الذي كان الى ذلك الوقت بالكاد يشارك في الساحة السياسية المحلية في هيوستن فجأة اصبح غارقاً فيها. وتقول الروايات ان اهتمام بوش الجديد بالسياسة يعتبر الخطوة التالية في حياة شخص طموح. غير ان أسرته تحركت بسرعة لا يمكن تفسيرها. ففي تجمع حزبي في واشنطن، اخذ بريسكوت جانباً جيمس بريتون رئيس الحزب الجمهوري في مقاطعة هاريس (هيوستن) وطلب منه ايجاد مكان لابنه جورج في منظمته.

نصر غير حاسم

وقد نجحت تلك الضغوط سريعاً. ففي خريف عام 1962 عين جورج رئيساً مشاركاً للشؤون المالية في الحزب الجمهوري في مقاطعة هاريس. وهي وظيفة تتطلب زيارة رجال النفط الاثرياء وطلب تقديمهم للمال للحزب. وبعد مضي بضعة اشهر من ذلك، وفي اوائل 1963 اعلن جيمس بيرتون فجأة عن نيته التقاعد والانتقال للاقامة في فلوريدا، واعلن جورج بوش عن نيته خلافته في المنصب. كما ان احد نشطاء الحزب الذي عبّر عن رغبته بالحصول على ذلك المنصب تخلى فجأة عن الترشح وفاز بوش بالمنصب بالتزكية. والآن بات لديه سبب لا يدعوه فقط لزيارة رجال النفط الاثرياء بل بناء فريق عمل لاغراض سياسية.
وعمل بوش السياسي مثل عمله في مجال النفط، قد يكون غطاء لنشاط استخباري، ولكن كانت هنالك اهداف سياسية ايضاً وهي تتعارض وتلك التي لدى جون كنيدي. وعندما قرر خوض انتخابات مجلس الشيوخ لعب جورج بوش دوراً اساسياً ضمن جهود الحزب الجمهوري الرامية الى ابعاد الجنوب المحافظ عن قبضة الديموقراطيين الذين احرزوا النصر في عام 1960. وكان جون وروبرت كنيدي مشغولين بالتخطيط في الوقت ذاته لمنع حدوث ذلك الامر. وستتحول هذه المسألة الى معركة مهمة اذا ما وضعنا في الاعتبار النصر غير الحاسم الذي حققه في الانتخابات السابقة.
وهنالك ولايتان ستشكلان ساحتي معركة هما فلوريدا وتكساس. ومن الناحية النظرية فان مرشحا مثل جورج بوش واسرته ذات الارتباطات بوول ستريت سيكون جامع تبرعات جيدا، وربما يساهم في تحقيق مشاركة جمهورية كبرى في عام 1964 حتى اذا لم يتم انتخاب بوش نفسه. ولتفادي هذا التهديد، اتضح لمستشاري كنيدي السياسيين ان على جون القيام بحملة في تكساس وفلوريدا، وكان كنيدي ينوي الغاء مشروع مخصصات نضوب النفط وهو قرار سيعني تحمل رجال النفط في تكساس لخسائر كبيرة، كما انه استمر في التعبير عن دعمه للحقوق المدنية وهي قضية خلافية في الجنوب.
ولان بوش ترشح لمنصب عن الولاية، فقد وجد نفسه في حالة تنقل في فريق عام 1963 في ارجاء تكساس ويمضي وقته في دالاس حيث افتتح مقراً له هناك.

خلل في الذاكرة

يعتبر اغتيال جون كنيدي في دالاس في 22 نوفمبر 1963 احد اكثر اللحظات مأساوية التي يتذكرها الناس ممن عاشوا تلك اللحظة. وبالتالي فان عدم قدرة جورج بوش اوعدم رغبته في الحديث حول مكان تواجده في ذلك اليوم يعد امراً فائق الغرابة.
وقد تحولت هذه الضبابية الى قضية بعد ربع قرن من عملية الاغتيال، وذلك عندما برز سبب وجيه آخر مكّن بوش من تذكر ذلك اليوم بوضوح. ففي يوم الخميس 25 اغسطس 1988، وبعد ستة اسابيع من نشر مجلة نيشن موضوعاً بقلم جوزيف ماك برايد، بعنوان «جورج بوش ووكالة المخابرات الاميركية»، وبعد اسبوع فقط من قبول جورج بوش (الاب) ترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة، نشرت مقالة قصيرة في صحيفة سان فرانسيسكو ايكسامينار ذات عنوان غريب «وثائق: بوش الذي ابلغ عن عملية اغتيال منافسه جون كنيدي».
وقد بدأت المقالة على النحو التالي:
«اتصل شخص عرف نفسه بأنه جورج - ه‍‍ - دبليو بوش عن طريق الهاتف بمكتب التحقيقات الفدرالية في هيوستون بعد ساعات قليلة من اغتيال الرئيس جون كنيدي في دالاس للابلاغ بأن شاباً جمهورياً يمينياً تحدث عن اغتيال الرئيس» هذا ما اوضحته وثائق مكتب التحقيقات الفدرالية.
ويستطرد المقال أن مكتب التحقيقات الفدرالية تابع مباشرة بلاغ بوش، وحقق مع الشاب الجمهوري وهو شخص يحمل اسم جيمس ميلتون باروت. وادعى باروت انه لم يهدد كنيدي البتة، وصرحت والدته انه كان في البيت معها في هيوستون طوال اليوم.
وكاتب ذلك التقرير الذي نشرته الصحيفة ميغيل اكوكا لم يتمكن من الاتصال بجورج بوش، غير انه لاحظ ان تقرير مكتب التحقيقات الفدرالية حول مكالمة بوش سجل عنوان مقدم البلاغ بأنه: 5525 براير، هيوستون، تكساس، وهو عنوان الشخص الذي يتولى الآن (عام 1988) منصب نائب رئيس الولايات المتحدة.
واكوكا، وهو من مواليد بنما، من خريجي جامعة بيل مثل جورج بوش. وكان قد امضى اوائل الستينات في ميامي يعمل في مجلة لايف، حيث كان يرتاد حفلات العشاء، في شقته في منطقة كوكونت غروف، المهاجرون الكوبيون وضباط وكالة المخابرات الاميركية ممن كانوا يخططون للحرب ضد كاسترو، واثناء اقامته في ميامي، اصبح اكوكا يهتم بالمجموعة التي تدير العمليات الكوبية في المنطقة في الوكالة، وبات لديه اهتمام بالغ بعمليات الاغتيال بصفة عامة واغتيال جون كنيدي بصفة خاصة.

سؤالان محيران

واتصل اكوكا بمكتب بوش عندما اكشتف ان مقدم البلاغ في 22 نوفمبر 1963 هو نائب رئيس الجمهورية، وقد تلقى اتصاله الرّد المعتاد:
«قال مكتب بوش الصحفي في البداية ان نائب الرئيس لم يقم باجراء تلك المكالمة، وشكك في صحة تقارير مكتب التحقيقات الفدرالية وبعدها، وبعد مضي عدة ايام، قال احد المساعدين او بوش لا يتذكر اجراءه تلك المكالمة».
ولم تحظ مقالة اكوكا حول بوش بكثير اهتمام، فقد نشرت في الصفحة الحادية عشرة من الصحيفة، وكانت ردة فعل وسائل الاعلام مشابهة لتلك التي ثارت تجاه ما كشف عنه الصحافي جوزيف برايد، اي لم تكن هنالك ردة فعل تذكر. ونقلت بضع صحف مقالة صحيفة سان فرانسيسكو ايكسامينار».
ولكن لم تهتم اي منها بتكليف صحافييها بمتابعة تلك القضية. وعليه، فإن اي من السؤالين المحيرين حول ما اذا كان جورج بوش عميلاً لوكالة المخابرات الاميركية في عام 1963 واذا ما كان قد اتصل بمكتب التحقيقات الفدرالية في 22 نوفمبر لنقل معلومات تتعلق باغتيال جون كنيدي تحوّل الى قضية بالنسبة لبوش في عام 1988 اثناء رحلته نحو البيت الابيض. وبحلول عام 1992 بدأت الامور تتعقد بالنسبة للرئيس بوش. فقد بدأت حملة حاكم ولاية اركنساس بيل كلينتون تكتسب زخماً، وبات الاقتصاد يعاني بعض المتاعب، وهنالك مبادرة صادرة عن الكونغرس والرأي العام اصبحت تشكل ازمة جديدة امام بوش. وتم عرض فيلم المخرج اوليفر سنتون حول الرئيس جون كنيدي في ديسمبر 1991، الذي اثار اهتماماً عاماً مما حث الكونغرس على اصدار مشروع قانون جمع سجلات اغتيال الرئيس جون كنيدي لعام 2009 الذي صدر بالاجماع. ويتطلب هذا القرار قيام كل وكالة فدرالية بجمع السجلات الخاصة باغتيال الرئيس جون كنيدي وتسليمها الى الارشيف الوطني الذي سيوفرها لاطلاع المواطنين الاميركيين عليها.
وفي عام 1988 كان تحقيق اكوكا الذي اثار القليل من الاهتمام يقوم على تلخيص موجز لمكتب التحقيقات الفدرالية حول بلاغ بوش عن باروت. ولكن هنالك مذكرة اطول واكثر تفصيلاً في الارشيف كانت تنتظر من يزيل الغبار عنها وينشرها.

وضع حرج

فقد وجد الرئيس بوش نفسه الآن في وضع حرج قد يكشف عن حقيقته. فهل يتوجب عليه استخدام حق النقض بشأن مشروع قانون سجلات اغتيال كنيدي الذي يحظى بشعبية قبل ذهاب المواطنين الى مراكز الاقتراع للاختيار فيما بينه وبين متحديه بيل كلينتون؟ وصادق بوش على مشروع القانون على مضض ولكنه اصدر «بيان توقيع» وضع من خلاله في واقع الامر شروطاً تؤكد سلطة الهيئة التنفيذية في منع الوصول الى السجلات على اساس مخاوف عدة من بينها الامن القومي.
وان كان بوش يدري او لا، فإنه بتوقيعه قد اتاح لــ«مذكرة باروت» المفصلة بان ترى النور.
وفي واقع الامر فان السجلات الحكومية التي تحتوي على مذكرة مكتب التحقيقات الفدرالية الكاملة العائدة لتاريخ 22 ديسمبر 1963 وتشمل تفاصيل اتصال بوش بالمكتب، نزع عنها حجاب السرية اخيرا في عام 1993 الى جانب الآلاف من الوثائق الاخرى على يد ادارة الرئيس كلينتون.
وتلك المذكرة التي تسجل الاتصال الهاتفي الذي تم في يوم الاغتيال والموجه الى العميل الخاص غراهام كيتشيل في مكتب التحقيقات الفدرالية هيوستون، اقتصرت على بعض المعلومات الجديدة ومنها:
«في الساعة الثانية الا ربعا بعد الظهر اتصل جورج بوش رئيس شركة زاباتا للحفريات في هيوستون بولاية تكساس وعنوانه 5525 براير - هيوستون، وقدم المعلومات التالية الى كاتب البلاغ عن طريق مهاتفة صادرة عن تايلر في ولاية تكساس
ذكر بوش انه يرغب في ان يحافظ على سريته، ولكنه اراد ان يقدم شهادة سماعية تقول انه يتذكر سماعها في الاسابيع الاخيرة، ولكنه لم يعرّف اليوم او المصدر. وذكر ان المدعو جيمس باروت كان يتحدث عن اغتيال الرئيس عند قدومه الى هيوستون.
وقال بوش ان باروت من المحتمل ان يكون طالبا في جامعة هيوستون وهو نشط في المجال السياسي في هذه المنطقة. وذكر انه شعر ان مسز فولي وهاتفها رقم 25239 او ارلين سميث وهاتفها رقم 99194 من المقر الرئيس للحزب الجمهوري في مقاطعة هاريس لديهما معلومات اضافية تخص التعرف على باروت.
وذكر بوش انه ذاهب الى دالاس في تكساس وسيقيم في فندق شيراتون ـ دالاس، ويعود الى بيته في 23-11-1963. وان هاتف مكتبه هو 0020395».
وتضمنت المذكرة عدة تفاصيل مثيرة، ولكن لم تهتم بها اي هيئة اخبارية او صحفية. وفي الواقع لم يهتم اي احد بمكان تواجد جورج بوش في وقت حدوث عملية اغتيال الرئيس كنيدي، ما عدا باربرة بوش.
ففي عام 1994، اي بعد مضى ثلاثة عقود من بداية عدم تذكر جورج بوش لمكان تواجده في 22 نوفمبر 1963، فجأة تذكرت باربره بوش ذلك.

يوم باربره العصيب

في فن الدعاية السياسية او البروباغندا وفي مجال العلاقات العامة نجد ان المبدأ الاساسي يقول انه اذا ما برزت مشكلة يجب معالجتها فورا. وتكمن الحيلة هنا في الاقرار بها بسرعة ومحاولة السيطرة على المواد الجديدة، مما يقلل من الضرر، وتوجيهها وتعديلها بطريقة تجلب الفائدة.
وبالتالي فان اول فرد في اسرة بوش والوحيد الذي اعترف بمكان تواجد بوش في ذلك اليوم كانت زوجته. وكانت المناسبة صدور كتابها «مذكرات باربره بوش» في عام 1994، الذي نشر بعد عشرة اشهر من نزع السرية عن الوثائق، وفي وسط ذلك الكتاب وضمن مجموعة من الذكريات المختلفة، اوردت ليس فقط ما تتذكره عن عملية الاغتيال، بل اعادة نشر الخطاب الذي كتبته باربره في ذلك اليوم تحديدا وفي تلك اللحظة ذاتها التي اغتيل فيها جون كنيدي. ويحتوي الكتاب على العديد من التفاصيل، ولكنه يغفل موضوعا شخصيا مهما من ذلك اليوم، الا وهو اتصال جورج بوش الهاتفي بمكتب التحقيقات الفدرالية. ولكن ربما لم يذكر لها جورج تلك الحادثة.
وتبدأ باربره في وصف ذلك اليوم المشؤوم في الصفحة 59 من مذكراتها:
«في 22 نوفمبر 1963 كنت وجورج نقوم بجولات في المدينة. وكنت اصفف شعري في تايلر في تكساس واكتب خطابا لابعثه الى البيت، وفيما يلي المقتطفات التي تظهر في الكتاب بما في ذلك الفجوات وغيرها.

«اسرتي العزيزة»
خرجت ودوريس اولمر الاربعاء لتناول وجبة الغداء وهم قدموا الى هنا من انكلترا، وقد كانوا طيبين مع جورج في اليونان. وذهبنا في تلك الليلة الى..
انني اكتب هذا الخطاب في صالون التجميل ويقول المذياع ان الرئيس اصيب باطلاق النار عليه في تكساس، يا الهي دعونا نأمل ان لا يكون ذلك القول صحيحا، انني اشعر بالم بالغ كما نحن جميعا، نعم، ان القصة حقيقية وكذلك الحاكم. كم تملأ الكراهية قلوب هؤلاء الناس.

معلومات باهتة

بعد خروجنا من صالون التجميل توفي الرئيس وعدنا مرة اخرى الى الطائرة. وهذه المرة طائرة تجارية. وقد اخذني جورج من الصالون وذهبنا مباشرة الى المطار واخذتنا الطائرة الى فورت وورث وانزلنا مستر زيبو. (وقد كنا على متن طائرته) وعدنا مرة اخرى الى دالاس. وكان علينا التحليق حول المطار اثناء اقلاع طائرة الرئاسة الثانية، وفورا حصل جورج على تذاكر العودة الى هيوستون وها نحن عائدون الى البيت. ونحن نشعر بألم بالغ. والروايات التي يوردها مراسلو الراديو تقول ان جاكي كيندي اتصفت بالشجاعة. ويجرى تداول الإشاعات حول ذلك الاغتيال الشنيع، ونحن نأمل الا يكون وراءه شخص يمينى معتوه بل «شيوعي» مجنون. وانتم تعرفون اننا نعتبرهم جميعا مجانين، ولكننا نأمل الا يكون تكساسيا ولا اميركيا البتة.
لقد أذهلني التفكير والتخطيط السريع الذي تم. وقد اصبح جونسون الرئيس منذ ساعتين الآن».

الحلقة السابعة: اغلاق ملفات والده كان الهم الاكبر لبوش (الابن) حين دخل البيت الابيض


ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين

Pictures%5C2009%5C06%5C18%5C988d02de-be82-4b59-8b47-1736c9a7d9fd_maincategory.jpg
• كنيدي مع زوجته جاكلين في دالاس قبل ساعات من اغتياله
Pictures%5C2009%5C06%5C18%5C67fd0a1b-1ad3-4569-aadb-8487e6add38f_maincategory.jpg
راس باكر
 
09-08-2011, 11:48 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

icon1.gif

عئلة من الأسرار إغلاق ملفات والده إلى الأبد كان الأولوية القصوى لجورج بوش الابن حين دخل البيت الأبيض كتب محمد أمين :
Pictures%5C2009%5C06%5C19%5Cadc01141-ace8-4a23-ae37-564aa8d17086_main.jpg
• باربرة بوش مع العائلة في كروفورد(تكساس)
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد:محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.
يتطلب هذا الخطاب فحصاً دقيقاً، خاصة انه يحمل بعض التفاصيل المحيرة. فهو يبدأ بحديث باهت حول تناول وجبة غداء مع دوريس اولمر، ولا يظهر اي شخص يحمل اسم اولمر في اي من كتب بوش الاخرى التي تضم مئات الاسماء من الاسر الصديقة، المعروفة منها والمغمورة. وبالتالي فانه ربما يستطيع فقط اقرب اقرباء باربرة بوش، مثل ابنائها معرفة دوريسي اولمر ويرغب في معرفة تناولها الغداء مع الأم، كما لا يعرف احد ان بوش زار اليونان في المناسبة التي ذكرتها باربرة، حيث كانت اسرة اولمر طيبة معه او لماذا عاملوه بتلك الطريقة.
اما الاسلوب وتعليقها على عملية الاغتيال في جزء من الخطاب وقولها «نأمل الا يكون وراءه شخص يميني معتوه بل «شيوعي» مجنون». وهو امر غريب ان يكتب عنه لاطفال. وليس من الواضح في الخطاب من هو متلقيه. فهي تقول «اسرتي العزيزة» وهو خطاب موجه الى البيت ومن كانوا بالبيت كلهم في سن العاشرة او اصغر، وكيف حصلت باربرة على هذا الخطاب الذي يقال انها كتبته قبل ثلاثين عاما؟ هل احتفظت بنسخة منه وعثرت عليها اخيرا؟ هل عثر عليه ابناؤها؟

إثبات وجود
واتصال بوش بمكتب التحقيقات الفدرالي حول احتمال ان يكون باروت وراء عملية الاغتيال لم يقدم الكثير لذلك المكتب. ربما كان الامر كذلك، ولكن من الواضح انه كان يلعب دوراً آخر، الا وهو: الاثبات في ملفات التحقيقات الحكومية انه في وقت وقوع عملية الاغتيال في دالاس كان بوش وباربرة في مدينة تايلر في تكساس، وهذا امر كان لدى بوش سببا وجيها يدعوه لاثباته كما سنرى في وقت لاحق.
وبالرغم من وجود عدة سيدات يحملن اسم دوريس اولمرت في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، فان هنالك واحدة ينطبق عليها وصف صديق قديم ساعد بوش عند زيارته الى اليونان، وكانت في عام 1963 تقيم في لندن وهي مسز الفريد اولمر الصغير.
والفريد اولمر وصف بانه شغل وظيفة «ملحق» و«سكرتير اول» في سفارة الولايات المتحدة في اثينا منذ اواخر الاربعينات وطوال الخمسينات، بيد ان بيان تأبين صدر عنه في مطبوعة لجامعة برينستون التي تخرج فيها، واشار الى مزيد عنه، حيث ورد فيه وصف لحياته في فترة الحرب في مكتب الخدمات الاستخباراتية ووكالة المخابرات المركزية (سي. آي. ايه) وكان اولمر صديقا مقربا من مدير الوكالة ألان دالاس وكاتم اسراره. وكان يجسد مقولة الا احد يستطيع الاملاء على الوكالة ما يمكن ان تقوم به - لا احد. ونقل عنه قوله: «لقد ذهبنا الى جميع ارجاء العالم وقمنا بما نرغب فيه»، كما انه ادار عمليات الانقلاب.

مخططات فاشلة
وعندما ارغم الرئيس جون كنيدي رئيس الوكالة ألان دالاس على التنحي عن منصبة في اعقاب فضيحة خليج الخنازير، ترك اولمر منصبه ايضا، وذهب للعمل لدى ستافروس نياكروس اليوناني احد اكبر ملاك السفن في العالم، وعدم تخلي اولمر عن مجال الاستخبارات، يتضح من ان نياكروس لديه تاريخ طويل مع وكالة المخابرات الاميركية، حيث ساعدها في عديد من العمليات السرية، وفي واقع الامر، فان الشركة التي كان يديرها اولمر اي شركة نياكروس لندن نفسها تابعة للوكالة.
وبحلول عام 1963 كان بوش يعرف اولمر منذ فترة تمتد إلى عقد من الزمن تقريبا، والاشارة التي وردت في خطاب باربره عن مساعدته لبوش في اليونان، قد تكون تشير الى اوائل الخمسينات عندما كان رئيسا لمكتب «سي. آي. ايه» في اثينا. ويبدو ان العلاقة بينهما استمرت، حيث توجد سجلات تشير الى زيارة بوش إلى اولمرت في لندن في صيف 1963، كما زاره مرة اخرى في عام 1965.
ولدى اولمر ارتباطات اخرى ببوش عبر روبرت ماهيو، وماهيو عميل سابق في مكتب التحقيقات الفدرالية، وكانت شركته الامنية تعمل كواجهة لعمليات وكالة المخابرات الاميركية غير الرسمية، او غير المصادق عليها، وماهيو صديق قديم لاولمر، فقد عمل الاثنان معا في التخطيط للانقلاب العسكري ضد الرئيس الاندونيسي سوكارنو في عام 1958، بل انه حاول استخدام ممثل للقيام بدور سوكارنو في فيلم جنسي مصور في احد البيوت، يمارس فيه الجنس مع عميلة مخابرات سوفيتية، كما كان ماهيو متورطا في سلسلة من المخططات الفاشلة بدأت في عام 1960. تتعلق بتكليف المافيا باغتيال فيديل كاسترو.

وقائع أغفلتها باربرة
الى جانب دوريس اولمر، فإن الشخص الاخر الذي ذكرته باربرة بوش في خطابها هو مستر زيبو، الشخص الذي اعارها طائرته في 22 نوفمبر. ومثل العديد من الاشارات في الوثائق المتعلقة ببوش، فإن هذه تبدو ايضا غامضة، وذلك الى ان يدرك المرء ان ذلك الاسم جرى تحريفه قليلا، ففي الواقع لا يوجد مستر زيبو، ولكن هناك شخصا، وهو قد توفي واسمه جو زيبا الذي اسس شركة دلتا للحفريات ومقرها تايلر، وهي شركة ضخمة لديها عقود في التنقيب عن النفط في انحاء متفرقة من العالم.
وجو زيبا مهاجر ايطالي قدم الى اميركا في شبابه المبكر، وعمل في مجال النفط. وقبل قدومه الى تكساس، فإن جوزيبي (جو) زيبا القادم من شمال ايطاليا وهو في الثانية عشرة من عمره، حلّ اولاً في نيويورك حيث يوجد شقيقه الاكبر كارلو (شارلي)، وعاش هناك وعمل نادلاً في احد مطاعم المدينة.
وكانت زوجة شقيقه شارلي تعمل خادمة لدى سيدة ثرية، هي مسز جورج تشرش التي يعمل زوجها في شركة المحاماة شيرمان وستيرلينغ في وول ستريت، حيث كان يتولى ادارة القسم المسؤول عن املاك وليام روكفلير ومالك شركة ستاندر اويل هنري روجرز.
ولم يكن لدى اسرة تشرش ابناء، فاحتضنت الاسرة الصبي الصغير جو زيبا، ووجدت له عملا كصبي متدرب في شركة شيرمان وستيرلينغ، وقد ترقى سريعا في الشركة حتى اصبح في نهاية المطاف محاسبا فيها.
وربما كان زيبا الايطالي الوحيد في وول ستريت في ذلك الوقت، وانضم الى الحزب الجمهوري والكنيسة المعمدانية المفضلة لآل روكفلير.
وبحلول الوقت الذي قدم فيه بوش الى تايلر للحديث امام اعضاء نادي كبيوانس الدولي كان لا بد له من التعرف على جو زيبا، وكان جو يملك فندق بلاكستون ويقيم فيه، وهو الفندق الذي قدم فيه بوش حديثه امام اعضاء النادي.
وتشير باربرة في خطابها الى استخدام طائرة زيبا عند مغادرة تايلر بعد ظهر يوم 22 نوفمبر.
ولكن ما لم تذكره باريره هو ان هنالك احتمالا كبيرا ان يكونا قد قدما على متن طائرة زيبا، وحقيقة اعارة زيبا طائرته الى بوش امر يثير الدهشة، اذ قال كيتينغ ابن جوزيبا، ان والده «لا يحبذ ان يكون له دور نشط في الحملات السياسية، ناهيك عن اعارته لطائرته» اما اذا كان جوزيبا ذاهبا الى مكان ما وكان السياسي ذاهبا اليه فلا مانع لديه من اصطحابه.
وبالرغم من ان تحركات طائرة زيبا في ما بعد ظهيرة 22 نوفمبر ومنذ مغادرتها تايلر تثير الحيرة فان الامر الاكثر اهمية هو: من اين اتت في صباح 22 نوفمبر؟ الاجابة هي من دالاس.
والوقائع التالية لم ترد من جورج بوش كما لم تظهر في اي مقالة أو كتاب، بل ان باريره نفسها لا تذكر اي شيء عنها، ففي صباح يوم 21 نوفمبر 1963 تحدث جورج بوش امام تجمع الاتحاد الاميركي لمقاولي الحفريات النفطية في فندق شيراتون في دالاس، وبما ان زيبا كان رئيسا سابقا لذلك الاتحاد فمن المحتمل ان يكون قد حضر ذلك التجمع، ومن المحتمل ايضا ان يكون زيبا وبوش قد امضيا الليلة في دالاس، وانهما كانا في دالاس صبيحة اليوم التالي الذي اغتيل فيه جون كنيدي.

بلاغ بوش
ويعيدنا هذا الامر الى السؤال المحير حول هدف بوش من الاتصال بمكتب التحقيقات الفدرالية في الساعة الثانية الا ربعا بعد الظهر في يوم 22 نوفمبر للابلاغ ان جيمس باروت مشتبه محتمل في قضية اغتيال الرئيس.
وذكر انه، اي جورج بوش، كان في تايلر في تكساس وابلغ مكتب التحقيقات الفدرالية انه يتوقع ان يمضي ليلة 22 نوفمبر في فندق شيراتون دالاس، ولكنه بدلا من ذلك وبعد الانتقال بطائرة زيبا الى دالاس غادر مرة اخرى فورا على متن طائرة تجارية الى هيوستون، فلماذا القول انه يتوقع قضاء الليل في فندق شيراتون في دالاس، اذا كان لا ينوي البقاء هناك؟ ربما كان ذلك لانه يود خلق نوع من الارتباك وتغطية حقيقة انه كان قد اقام مسبقا في ذلك الفندق الليلة السابقة، وكل من يتحرى الوضع سوف يدرك ان بوش كان في تايلر في وقت حدوث الاغتيال ونوى الاقامة في دالاس بعد ذلك، ولكنه الغى خططه في اعقاب وقوع الاغتيال.
إبان تولي بوش زعامة الحزب الجمهوري في مقاطعة هاريس، لم يكن لديه سوى عدد قليل للغاية من الموظفين من بينهم السيدتان اللتان ذكر اسميهما كمصدرين محتملين لتأكيد تهديد باروت المزعوم باغتيال كنيدي، (وهما مسز فولي وارلين سميت) ورجل وحيد يدعى كيرني رينولدز. وعلى الرغم من ان بوش لم يذكر رينولدز إلا إنه كان الشخص الأكثر قربا من باروت.
فبعد وقت قصير من تلقي مكالمة بوش، بعث مكتب التحقيقات الفدرالية عملاء منه إلى بيت باروت، ولم يكن باروت حينها هناك، ولكن وفقا لتقرير المكتب، فقد اثبتت ان مكان تواجده كان بعيداً عن موقع الجريمة، ربما في محاولة من أم لحماية ابنها. وهي رواية دحضها باروت في روايته لما قام به خلال ذلك اليوم.
فقد قالت الأم ان باروت كان في البيت طوال اليوم يساعدها في رعاية ابنها غاري وين باروت الذي احضراه من المستشفى في اليوم السابق، كما ذكرت ايضا شخصا آخر يمكن ان يساعد في تحديد مكان ابنها في ذلك اليوم، إذ قالت ان شخصا يدعى رينولدز جاء إلى البيت، وأبلغهما بمقتل الرئيس كنيدي وتحدث مع ولدها جيمس باروت حول كتابة بعض اللافتات في المقر الرئيسي للحزب الجمهوري.
وفي وقت ما لاحقا استجوب عملاء للمكتب باروت الذي قال انه لم تصدر عنه أي تهديدات ضد كنيدي، وانه لا علم له بعملية الاغتيال سوى ما عرفه من الروايات الاخبارية واشار الى ان معارضته لم تخرج عن نطاق التظاهر ضد اعضاء من إدارة كنيدي عند حضورهم إلى المدينة. وفي العام 1993 قال باروت في مقابلة ان رينولدز جاء إلى مسكنهم، وطلب منه كتابة لافتات لمقر الحزب الجمهوري، وابلغه بموت الرئيس كنيدي. واعطى باروت عملاء مكتب التحقيقات الفدرالية الاسم الأول لرينولدز وقال ان الاثنين عضوان في منظمة شباب الجمهوريين.

تمويه
والأمر اللافت للانتباه، هو أنه في اللحظة ذاتها عندما كان جورج بوش يتصل بمكتب التحقيقات الفدرالي لايصال «بلاغه» حول المتهم المحتمل، كان مساعد بوش في مسكن المشتبه يجري معاملة تجارية معه نيابة عن جورج بوش، ومن الواضح ان باروت معروف لدى بوش ولكنه لا يفصح عن ذلك، لماذا كان من المفترض ذهاب رينولدز الى مسكن باروت في ذلك الوقت؟ ما يمكن التوصل اليه هو ان رينولدز انقذ باروت بتوفير شهادة تثبت مكان وجوده اثناء حادثة اغتيال الرئيس، وبالتالي اصبح باروت دليل اثبات مكان وجود بوش ومساعد بوش دليلا لاثبات مكان وجود باروت، وتم ترتيب امور الجميع، والصورة الكاملة التي برزت تبدو وكأنها خدعة لصياغة سجلات تبعد الشبهات عن بوش اذ لزم الامر، وباروت ما هو الا مجرد تمويه وضحية ثانوية لا تلفت الانتباه. وفي عام 2007 اجريت مقابلة مع كيرني رينولدز، وسألته ان كان قد قرأ او سمع بمكالمة بوش الى مكتب التحقيقات الفدرالية المتعلقة بالتهديد الموجه الى الرئيس كيندي، وقال رينولدز انه لا علم له بهذا الامر، ولكنه وبعد تفكير تذكر الطلب إليه مصاحبة باروت الى مكاتب الاستخبارات وليس زيارة باورت. وفي تلك اللحظة من الحديث اطلعت رينولدز على تفاصيل تقرير مكتب التحقيقات الفدرالية الذي اوضح بجلاء ان رينولدز زار باروت فعلاً في بيته في تمام الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر في 22 نوفمبر، او بالضبط في الوقت الذي اتصل فيه بوش بمكتب التحقيقات الفدرالي، وقال انه لم يذهب البتة الى مسكن باروت بل التقاه في مقر الحزب، وذهب معه الى مكتب الاستخبارات.

أخطاء مقصودة
وعن سؤاله عن سبب اصطحابه للرجل الذي قال انه لا يعرفه جيداً والذي يعتقد رئيسه انه هدد حياة الرئيس كيندي، الى مكتب الاستخبارات، اجاب رينولدز انه لا يعرف ولكن ربما لان بوش كان خارج المدينة، وعن تلك النقطة قال رينولدز انه تذكر امراً وقال «كنت اعرفه بالاسم والشكل واعرفه معرفة عارضة في سياق العمل في مقر الحزب»، وقال «بعد قراءتي له جزءاً من مذكرة مكتب التحقيقات الفدرالية، يبدو انني أتذكر بعض ما حدث قبل اغتيال كيندي، فقد جاء كيندي الى هيوستون فيما اعتقد ليلة الخميس، وقد اغتيل صباح يوم الجمعة».
وقال رينولدز انه طلب إليه حضور مناسبة ليلة الخميس في بيت عضوة في الحزب تدعى مارغوري ارشت «وكان هنالك نوع من النشاط الاجتماعي السياسي في بيتها، وقد طلب إلي مراقبة باروت واعتقد انني فعلت ذلك وذاكرتي ليست دقيقة تماماً، ولكني اتذكر تماماً اليوم التالي بعد الاغتيال، ان شخصا ما اتصل بي وسألني ان كنت مع باروت في تلك الليلة وقلت نعم، اعتقد أنني أتذكر ذلك.
وسألته عن سبب رغبتهم في مراقبته لباروت. ورد مباشرة «لا أعرف، لقد كان شخصا غير عادي، يبدو منعزلا ومنطويا وهادئا ومهذبا وحديثه خافتا ولكنه لا يتحدث كثيرا ويبدو منطويا».
وفي الواقع وكما كشف عن ذلك تقرير مكتب التحقيقات الفدرالية، فقد كان شخصا غير مؤذ وبالكاد يستطيع الدفاع عن نفسه. ولم ينل قسطا كافيا من التعليم وانهيت خدمته في القوات الجوية لاسباب نفسية وتحول إلى العمل في مجال كتابة اللافتات، وكان يعيش مع والدته ويتطوع للعمل في مقر الحزب الجمهوري بهدوء ومن دون أن يبدر عنه أي حادثة. وذلك حتى مجيء اتصال جورج بوش.
والأمر الغريب الآخر هو أن عميل مكتب التحقيقات الفدرالية الذي تلقى مكالمة بوش، أو ربما بوش نفسه، اخطأ في تهجئة الاسم الأخير للشاهدتين اللتين قال بوش انهما تعرفان المزيد من التفاصيل حول باروت. وإذا كانت أرقام الهواتف التي قدمت في المذكرة صحيحة كان المكتب سيتمكن من الاتصال بهما. ولكن بعد سنوات لاحقة وجد الباحثون صعوبة في التوصل إلى هاتين الشخصيتين.
وقد تكون تلك أخطاء مقصودة أو غير مقصودة، وعلى أي حال فإنها تذكر بالطريقة التي اخطأت فيها باربرة بوش في اسم صديقهم زيبا في خطابها، وجورج بوش يعرف السيدتين المذكورتين معرفة جيدة وقد ظلتا تعملان معه لفترة طويلة وصحبتاه إلى واشنطن.

سر كبير
وباختصار فإن بوش أجرى مكالمة ببلاغ لا معنى له حول شخص بريء زميل لعميل في مكتب التحقيقات الفدرالية يعرفه بوش، ويدرك أنه يمكن الاعتماد عليه في تسجيل ذلك البلاغ الذي قد يرد ضمن مئات البلاغات التي قد لا تستحق التسجيل. وبينما كان لدى باروت شهود عيان يؤكدون وجوده في هيوستون قبل وقت اطلاق النار على الرئيس وبعده، وكانت عملية الاغتيال قد ارتكبت على بعد 240 ميلا من مكان وجوده، فقد كان لدى بوش شهود عيان من جمعية كيوانيس الدولية يؤكدون وجوده في حوالى الساعة الثانية عشرة والنصف وقت اطلاق النار، وهو الوقت المحدد لالقاء خطابه في حفل الغداء.
والسر الكبير بالطبع انما يكمن في الاتصال بمكتب التحقيقات الفيدرالية. ومن المؤكد ان بوش اجرى المكالمة، وان باروت بكل تأكيد لم يكن يشكل اي تهديد وعليه، فان جورج بوش يبدو كان مستعداً لالهاء مصادر التحقيق في اكثر الايام زحمة بالعمل في تاريخ المكتب، وهنالك امور محيرة اخرى بالاضافة الى ذلك، مثل ما اسباب ارسال بوش احد اعوانه لزيارة بيت باروت، في الوقت الذي وجه فيه اصبع الاتهام نحوه كمشتبه محتمل؟ ولماذا كان بوش مصراً على تأكيد وجوده في تايلر في ذلك اليوم، وتسجيل ذلك رسمياً؟ ولماذا لم يبد باروت انزعاجاً من اتهامه من دون وجه حق من قبل جورج بوش؟
الاجابة على ذلك ربما تكمن في اشارة بوش الى مكتب التحقيقات الفدرالية، بأنه سيسافر من تايلر الى دالاس وانه سوف يقيم في فندق شيراتون. وهذا الامر يشبه اللعبة التي بها الساحر اي اشغال انتباه المشاهدين المتابعين لخدعته من اكتشاف سرّها. ففي الواقع كان بوش مسبقاً في فندق شيراتون في دالاس في الليلة السابقة، حيث حضر احد المؤتمرات. وبابلاغه المكتب بأنه ينوي الذهاب الى دالاس يكون قد سجل رسمياً ان بقاءه في دالاس كان بعد مضي عدة ساعات من حادثة اغتيال كنيدي وليس قبلها ببضع ساعات.

إغلاق الملفات
وفي الواقع فانه على الرغم من عدم سفره من تايلر الى دالاس، الا انه امضى وقتاً قصيراً، ولم يذهب الى فندق شيراتون هذه المرة، بل عاد مباشرة الى هيوستون، ولم يكن الهدف من المكالمة الخاصة بباروت سوى اختلاق سبب لتسجيل وجوده في تايلر رسمياً. وحال اداء باروت للغرض المقصود كانت زيارة رينولدز له في وقت وقوع عملية الاغتيال، وتوفير اثبات لمكان تواجد باروت بعيداً عن موقع الجريمة. وباختصار لم يقع اي ضرر على اي احد.
وفيما يتعلق بخطاب باربرة بوش يمكن ان يطرح التساؤل حول تعرضها لشخص مثير للجدل بالاشارة الى استخدام بوش لطائرة زيبا. فقد ساعد ذلك في تأكيد ان بوش قد امضى بعض الوقت مع اسرة اولمر وكتابة اسم زوجة اولمر والخطأ في تهجئة اسم زيبا، قد يكون لاشغال المحققين في متابعة سير الوقائع وترتيبها. ويمكن لبوش ايضاً الادعاء انه ليس لديه ما يخفيه. فكل شيء واضح في خطاب باربرة.
والاسرار والحاجة الى اخفائها ستتحوّل الى مبدأ في حياة الاسرة السياسية. وسنرى كيف ان ذلك يفسر محاولة اخفاء المعلومات غير المسبوقة، التي تصل الى درجة الشك المرضي في ادارة جورج بوش الابن الذي من بين اولى الخطوات التي اقدم عليها محاولة اغلاق ملفات والده الى الابد.

الحلقة الثامنة: قصة المهاجر الروسي الذي لا يدخل بلداً الاّ وتقع فيه اضطرابات

القبس
 
عودة
أعلى