عئلة من الأسرار إغلاق ملفات والده إلى الأبد كان الأولوية القصوى لجورج بوش الابن حين دخل البيت الأبيض كتب محمد أمين :
• باربرة بوش مع العائلة في كروفورد(تكساس)
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد:محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.
يتطلب هذا الخطاب فحصاً دقيقاً، خاصة انه يحمل بعض التفاصيل المحيرة. فهو يبدأ بحديث باهت حول تناول وجبة غداء مع دوريس اولمر، ولا يظهر اي شخص يحمل اسم اولمر في اي من كتب بوش الاخرى التي تضم مئات الاسماء من الاسر الصديقة، المعروفة منها والمغمورة. وبالتالي فانه ربما يستطيع فقط اقرب اقرباء باربرة بوش، مثل ابنائها معرفة دوريسي اولمر ويرغب في معرفة تناولها الغداء مع الأم، كما لا يعرف احد ان بوش زار اليونان في المناسبة التي ذكرتها باربرة، حيث كانت اسرة اولمر طيبة معه او لماذا عاملوه بتلك الطريقة.
اما الاسلوب وتعليقها على عملية الاغتيال في جزء من الخطاب وقولها «نأمل الا يكون وراءه شخص يميني معتوه بل «شيوعي» مجنون». وهو امر غريب ان يكتب عنه لاطفال. وليس من الواضح في الخطاب من هو متلقيه. فهي تقول «اسرتي العزيزة» وهو خطاب موجه الى البيت ومن كانوا بالبيت كلهم في سن العاشرة او اصغر، وكيف حصلت باربرة على هذا الخطاب الذي يقال انها كتبته قبل ثلاثين عاما؟ هل احتفظت بنسخة منه وعثرت عليها اخيرا؟ هل عثر عليه ابناؤها؟
إثبات وجود
واتصال بوش بمكتب التحقيقات الفدرالي حول احتمال ان يكون باروت وراء عملية الاغتيال لم يقدم الكثير لذلك المكتب. ربما كان الامر كذلك، ولكن من الواضح انه كان يلعب دوراً آخر، الا وهو: الاثبات في ملفات التحقيقات الحكومية انه في وقت وقوع عملية الاغتيال في دالاس كان بوش وباربرة في مدينة تايلر في تكساس، وهذا امر كان لدى بوش سببا وجيها يدعوه لاثباته كما سنرى في وقت لاحق.
وبالرغم من وجود عدة سيدات يحملن اسم دوريس اولمرت في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، فان هنالك واحدة ينطبق عليها وصف صديق قديم ساعد بوش عند زيارته الى اليونان، وكانت في عام 1963 تقيم في لندن وهي مسز الفريد اولمر الصغير.
والفريد اولمر وصف بانه شغل وظيفة «ملحق» و«سكرتير اول» في سفارة الولايات المتحدة في اثينا منذ اواخر الاربعينات وطوال الخمسينات، بيد ان بيان تأبين صدر عنه في مطبوعة لجامعة برينستون التي تخرج فيها، واشار الى مزيد عنه، حيث ورد فيه وصف لحياته في فترة الحرب في مكتب الخدمات الاستخباراتية ووكالة المخابرات المركزية (سي. آي. ايه) وكان اولمر صديقا مقربا من مدير الوكالة ألان دالاس وكاتم اسراره. وكان يجسد مقولة الا احد يستطيع الاملاء على الوكالة ما يمكن ان تقوم به - لا احد. ونقل عنه قوله: «لقد ذهبنا الى جميع ارجاء العالم وقمنا بما نرغب فيه»، كما انه ادار عمليات الانقلاب.
مخططات فاشلة
وعندما ارغم الرئيس جون كنيدي رئيس الوكالة ألان دالاس على التنحي عن منصبة في اعقاب فضيحة خليج الخنازير، ترك اولمر منصبه ايضا، وذهب للعمل لدى ستافروس نياكروس اليوناني احد اكبر ملاك السفن في العالم، وعدم تخلي اولمر عن مجال الاستخبارات، يتضح من ان نياكروس لديه تاريخ طويل مع وكالة المخابرات الاميركية، حيث ساعدها في عديد من العمليات السرية، وفي واقع الامر، فان الشركة التي كان يديرها اولمر اي شركة نياكروس لندن نفسها تابعة للوكالة.
وبحلول عام 1963 كان بوش يعرف اولمر منذ فترة تمتد إلى عقد من الزمن تقريبا، والاشارة التي وردت في خطاب باربره عن مساعدته لبوش في اليونان، قد تكون تشير الى اوائل الخمسينات عندما كان رئيسا لمكتب «سي. آي. ايه» في اثينا. ويبدو ان العلاقة بينهما استمرت، حيث توجد سجلات تشير الى زيارة بوش إلى اولمرت في لندن في صيف 1963، كما زاره مرة اخرى في عام 1965.
ولدى اولمر ارتباطات اخرى ببوش عبر روبرت ماهيو، وماهيو عميل سابق في مكتب التحقيقات الفدرالية، وكانت شركته الامنية تعمل كواجهة لعمليات وكالة المخابرات الاميركية غير الرسمية، او غير المصادق عليها، وماهيو صديق قديم لاولمر، فقد عمل الاثنان معا في التخطيط للانقلاب العسكري ضد الرئيس الاندونيسي سوكارنو في عام 1958، بل انه حاول استخدام ممثل للقيام بدور سوكارنو في فيلم جنسي مصور في احد البيوت، يمارس فيه الجنس مع عميلة مخابرات سوفيتية، كما كان ماهيو متورطا في سلسلة من المخططات الفاشلة بدأت في عام 1960. تتعلق بتكليف المافيا باغتيال فيديل كاسترو.
وقائع أغفلتها باربرة
الى جانب دوريس اولمر، فإن الشخص الاخر الذي ذكرته باربرة بوش في خطابها هو مستر زيبو، الشخص الذي اعارها طائرته في 22 نوفمبر. ومثل العديد من الاشارات في الوثائق المتعلقة ببوش، فإن هذه تبدو ايضا غامضة، وذلك الى ان يدرك المرء ان ذلك الاسم جرى تحريفه قليلا، ففي الواقع لا يوجد مستر زيبو، ولكن هناك شخصا، وهو قد توفي واسمه جو زيبا الذي اسس شركة دلتا للحفريات ومقرها تايلر، وهي شركة ضخمة لديها عقود في التنقيب عن النفط في انحاء متفرقة من العالم.
وجو زيبا مهاجر ايطالي قدم الى اميركا في شبابه المبكر، وعمل في مجال النفط. وقبل قدومه الى تكساس، فإن جوزيبي (جو) زيبا القادم من شمال ايطاليا وهو في الثانية عشرة من عمره، حلّ اولاً في نيويورك حيث يوجد شقيقه الاكبر كارلو (شارلي)، وعاش هناك وعمل نادلاً في احد مطاعم المدينة.
وكانت زوجة شقيقه شارلي تعمل خادمة لدى سيدة ثرية، هي مسز جورج تشرش التي يعمل زوجها في شركة المحاماة شيرمان وستيرلينغ في وول ستريت، حيث كان يتولى ادارة القسم المسؤول عن املاك وليام روكفلير ومالك شركة ستاندر اويل هنري روجرز.
ولم يكن لدى اسرة تشرش ابناء، فاحتضنت الاسرة الصبي الصغير جو زيبا، ووجدت له عملا كصبي متدرب في شركة شيرمان وستيرلينغ، وقد ترقى سريعا في الشركة حتى اصبح في نهاية المطاف محاسبا فيها.
وربما كان زيبا الايطالي الوحيد في وول ستريت في ذلك الوقت، وانضم الى الحزب الجمهوري والكنيسة المعمدانية المفضلة لآل روكفلير.
وبحلول الوقت الذي قدم فيه بوش الى تايلر للحديث امام اعضاء نادي كبيوانس الدولي كان لا بد له من التعرف على جو زيبا، وكان جو يملك فندق بلاكستون ويقيم فيه، وهو الفندق الذي قدم فيه بوش حديثه امام اعضاء النادي.
وتشير باربرة في خطابها الى استخدام طائرة زيبا عند مغادرة تايلر بعد ظهر يوم 22 نوفمبر.
ولكن ما لم تذكره باريره هو ان هنالك احتمالا كبيرا ان يكونا قد قدما على متن طائرة زيبا، وحقيقة اعارة زيبا طائرته الى بوش امر يثير الدهشة، اذ قال كيتينغ ابن جوزيبا، ان والده «لا يحبذ ان يكون له دور نشط في الحملات السياسية، ناهيك عن اعارته لطائرته» اما اذا كان جوزيبا ذاهبا الى مكان ما وكان السياسي ذاهبا اليه فلا مانع لديه من اصطحابه.
وبالرغم من ان تحركات طائرة زيبا في ما بعد ظهيرة 22 نوفمبر ومنذ مغادرتها تايلر تثير الحيرة فان الامر الاكثر اهمية هو: من اين اتت في صباح 22 نوفمبر؟ الاجابة هي من دالاس.
والوقائع التالية لم ترد من جورج بوش كما لم تظهر في اي مقالة أو كتاب، بل ان باريره نفسها لا تذكر اي شيء عنها، ففي صباح يوم 21 نوفمبر 1963 تحدث جورج بوش امام تجمع الاتحاد الاميركي لمقاولي الحفريات النفطية في فندق شيراتون في دالاس، وبما ان زيبا كان رئيسا سابقا لذلك الاتحاد فمن المحتمل ان يكون قد حضر ذلك التجمع، ومن المحتمل ايضا ان يكون زيبا وبوش قد امضيا الليلة في دالاس، وانهما كانا في دالاس صبيحة اليوم التالي الذي اغتيل فيه جون كنيدي.
بلاغ بوش
ويعيدنا هذا الامر الى السؤال المحير حول هدف بوش من الاتصال بمكتب التحقيقات الفدرالية في الساعة الثانية الا ربعا بعد الظهر في يوم 22 نوفمبر للابلاغ ان جيمس باروت مشتبه محتمل في قضية اغتيال الرئيس.
وذكر انه، اي جورج بوش، كان في تايلر في تكساس وابلغ مكتب التحقيقات الفدرالية انه يتوقع ان يمضي ليلة 22 نوفمبر في فندق شيراتون دالاس، ولكنه بدلا من ذلك وبعد الانتقال بطائرة زيبا الى دالاس غادر مرة اخرى فورا على متن طائرة تجارية الى هيوستون، فلماذا القول انه يتوقع قضاء الليل في فندق شيراتون في دالاس، اذا كان لا ينوي البقاء هناك؟ ربما كان ذلك لانه يود خلق نوع من الارتباك وتغطية حقيقة انه كان قد اقام مسبقا في ذلك الفندق الليلة السابقة، وكل من يتحرى الوضع سوف يدرك ان بوش كان في تايلر في وقت حدوث الاغتيال ونوى الاقامة في دالاس بعد ذلك، ولكنه الغى خططه في اعقاب وقوع الاغتيال.
إبان تولي بوش زعامة الحزب الجمهوري في مقاطعة هاريس، لم يكن لديه سوى عدد قليل للغاية من الموظفين من بينهم السيدتان اللتان ذكر اسميهما كمصدرين محتملين لتأكيد تهديد باروت المزعوم باغتيال كنيدي، (وهما مسز فولي وارلين سميت) ورجل وحيد يدعى كيرني رينولدز. وعلى الرغم من ان بوش لم يذكر رينولدز إلا إنه كان الشخص الأكثر قربا من باروت.
فبعد وقت قصير من تلقي مكالمة بوش، بعث مكتب التحقيقات الفدرالية عملاء منه إلى بيت باروت، ولم يكن باروت حينها هناك، ولكن وفقا لتقرير المكتب، فقد اثبتت ان مكان تواجده كان بعيداً عن موقع الجريمة، ربما في محاولة من أم لحماية ابنها. وهي رواية دحضها باروت في روايته لما قام به خلال ذلك اليوم.
فقد قالت الأم ان باروت كان في البيت طوال اليوم يساعدها في رعاية ابنها غاري وين باروت الذي احضراه من المستشفى في اليوم السابق، كما ذكرت ايضا شخصا آخر يمكن ان يساعد في تحديد مكان ابنها في ذلك اليوم، إذ قالت ان شخصا يدعى رينولدز جاء إلى البيت، وأبلغهما بمقتل الرئيس كنيدي وتحدث مع ولدها جيمس باروت حول كتابة بعض اللافتات في المقر الرئيسي للحزب الجمهوري.
وفي وقت ما لاحقا استجوب عملاء للمكتب باروت الذي قال انه لم تصدر عنه أي تهديدات ضد كنيدي، وانه لا علم له بعملية الاغتيال سوى ما عرفه من الروايات الاخبارية واشار الى ان معارضته لم تخرج عن نطاق التظاهر ضد اعضاء من إدارة كنيدي عند حضورهم إلى المدينة. وفي العام 1993 قال باروت في مقابلة ان رينولدز جاء إلى مسكنهم، وطلب منه كتابة لافتات لمقر الحزب الجمهوري، وابلغه بموت الرئيس كنيدي. واعطى باروت عملاء مكتب التحقيقات الفدرالية الاسم الأول لرينولدز وقال ان الاثنين عضوان في منظمة شباب الجمهوريين.
تمويه
والأمر اللافت للانتباه، هو أنه في اللحظة ذاتها عندما كان جورج بوش يتصل بمكتب التحقيقات الفدرالي لايصال «بلاغه» حول المتهم المحتمل، كان مساعد بوش في مسكن المشتبه يجري معاملة تجارية معه نيابة عن جورج بوش، ومن الواضح ان باروت معروف لدى بوش ولكنه لا يفصح عن ذلك، لماذا كان من المفترض ذهاب رينولدز الى مسكن باروت في ذلك الوقت؟ ما يمكن التوصل اليه هو ان رينولدز انقذ باروت بتوفير شهادة تثبت مكان وجوده اثناء حادثة اغتيال الرئيس، وبالتالي اصبح باروت دليل اثبات مكان وجود بوش ومساعد بوش دليلا لاثبات مكان وجود باروت، وتم ترتيب امور الجميع، والصورة الكاملة التي برزت تبدو وكأنها خدعة لصياغة سجلات تبعد الشبهات عن بوش اذ لزم الامر، وباروت ما هو الا مجرد تمويه وضحية ثانوية لا تلفت الانتباه. وفي عام 2007 اجريت مقابلة مع كيرني رينولدز، وسألته ان كان قد قرأ او سمع بمكالمة بوش الى مكتب التحقيقات الفدرالية المتعلقة بالتهديد الموجه الى الرئيس كيندي، وقال رينولدز انه لا علم له بهذا الامر، ولكنه وبعد تفكير تذكر الطلب إليه مصاحبة باروت الى مكاتب الاستخبارات وليس زيارة باورت. وفي تلك اللحظة من الحديث اطلعت رينولدز على تفاصيل تقرير مكتب التحقيقات الفدرالية الذي اوضح بجلاء ان رينولدز زار باروت فعلاً في بيته في تمام الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر في 22 نوفمبر، او بالضبط في الوقت الذي اتصل فيه بوش بمكتب التحقيقات الفدرالي، وقال انه لم يذهب البتة الى مسكن باروت بل التقاه في مقر الحزب، وذهب معه الى مكتب الاستخبارات.
أخطاء مقصودة
وعن سؤاله عن سبب اصطحابه للرجل الذي قال انه لا يعرفه جيداً والذي يعتقد رئيسه انه هدد حياة الرئيس كيندي، الى مكتب الاستخبارات، اجاب رينولدز انه لا يعرف ولكن ربما لان بوش كان خارج المدينة، وعن تلك النقطة قال رينولدز انه تذكر امراً وقال «كنت اعرفه بالاسم والشكل واعرفه معرفة عارضة في سياق العمل في مقر الحزب»، وقال «بعد قراءتي له جزءاً من مذكرة مكتب التحقيقات الفدرالية، يبدو انني أتذكر بعض ما حدث قبل اغتيال كيندي، فقد جاء كيندي الى هيوستون فيما اعتقد ليلة الخميس، وقد اغتيل صباح يوم الجمعة».
وقال رينولدز انه طلب إليه حضور مناسبة ليلة الخميس في بيت عضوة في الحزب تدعى مارغوري ارشت «وكان هنالك نوع من النشاط الاجتماعي السياسي في بيتها، وقد طلب إلي مراقبة باروت واعتقد انني فعلت ذلك وذاكرتي ليست دقيقة تماماً، ولكني اتذكر تماماً اليوم التالي بعد الاغتيال، ان شخصا ما اتصل بي وسألني ان كنت مع باروت في تلك الليلة وقلت نعم، اعتقد أنني أتذكر ذلك.
وسألته عن سبب رغبتهم في مراقبته لباروت. ورد مباشرة «لا أعرف، لقد كان شخصا غير عادي، يبدو منعزلا ومنطويا وهادئا ومهذبا وحديثه خافتا ولكنه لا يتحدث كثيرا ويبدو منطويا».
وفي الواقع وكما كشف عن ذلك تقرير مكتب التحقيقات الفدرالية، فقد كان شخصا غير مؤذ وبالكاد يستطيع الدفاع عن نفسه. ولم ينل قسطا كافيا من التعليم وانهيت خدمته في القوات الجوية لاسباب نفسية وتحول إلى العمل في مجال كتابة اللافتات، وكان يعيش مع والدته ويتطوع للعمل في مقر الحزب الجمهوري بهدوء ومن دون أن يبدر عنه أي حادثة. وذلك حتى مجيء اتصال جورج بوش.
والأمر الغريب الآخر هو أن عميل مكتب التحقيقات الفدرالية الذي تلقى مكالمة بوش، أو ربما بوش نفسه، اخطأ في تهجئة الاسم الأخير للشاهدتين اللتين قال بوش انهما تعرفان المزيد من التفاصيل حول باروت. وإذا كانت أرقام الهواتف التي قدمت في المذكرة صحيحة كان المكتب سيتمكن من الاتصال بهما. ولكن بعد سنوات لاحقة وجد الباحثون صعوبة في التوصل إلى هاتين الشخصيتين.
وقد تكون تلك أخطاء مقصودة أو غير مقصودة، وعلى أي حال فإنها تذكر بالطريقة التي اخطأت فيها باربرة بوش في اسم صديقهم زيبا في خطابها، وجورج بوش يعرف السيدتين المذكورتين معرفة جيدة وقد ظلتا تعملان معه لفترة طويلة وصحبتاه إلى واشنطن.
سر كبير
وباختصار فإن بوش أجرى مكالمة ببلاغ لا معنى له حول شخص بريء زميل لعميل في مكتب التحقيقات الفدرالية يعرفه بوش، ويدرك أنه يمكن الاعتماد عليه في تسجيل ذلك البلاغ الذي قد يرد ضمن مئات البلاغات التي قد لا تستحق التسجيل. وبينما كان لدى باروت شهود عيان يؤكدون وجوده في هيوستون قبل وقت اطلاق النار على الرئيس وبعده، وكانت عملية الاغتيال قد ارتكبت على بعد 240 ميلا من مكان وجوده، فقد كان لدى بوش شهود عيان من جمعية كيوانيس الدولية يؤكدون وجوده في حوالى الساعة الثانية عشرة والنصف وقت اطلاق النار، وهو الوقت المحدد لالقاء خطابه في حفل الغداء.
والسر الكبير بالطبع انما يكمن في الاتصال بمكتب التحقيقات الفيدرالية. ومن المؤكد ان بوش اجرى المكالمة، وان باروت بكل تأكيد لم يكن يشكل اي تهديد وعليه، فان جورج بوش يبدو كان مستعداً لالهاء مصادر التحقيق في اكثر الايام زحمة بالعمل في تاريخ المكتب، وهنالك امور محيرة اخرى بالاضافة الى ذلك، مثل ما اسباب ارسال بوش احد اعوانه لزيارة بيت باروت، في الوقت الذي وجه فيه اصبع الاتهام نحوه كمشتبه محتمل؟ ولماذا كان بوش مصراً على تأكيد وجوده في تايلر في ذلك اليوم، وتسجيل ذلك رسمياً؟ ولماذا لم يبد باروت انزعاجاً من اتهامه من دون وجه حق من قبل جورج بوش؟
الاجابة على ذلك ربما تكمن في اشارة بوش الى مكتب التحقيقات الفدرالية، بأنه سيسافر من تايلر الى دالاس وانه سوف يقيم في فندق شيراتون. وهذا الامر يشبه اللعبة التي بها الساحر اي اشغال انتباه المشاهدين المتابعين لخدعته من اكتشاف سرّها. ففي الواقع كان بوش مسبقاً في فندق شيراتون في دالاس في الليلة السابقة، حيث حضر احد المؤتمرات. وبابلاغه المكتب بأنه ينوي الذهاب الى دالاس يكون قد سجل رسمياً ان بقاءه في دالاس كان بعد مضي عدة ساعات من حادثة اغتيال كنيدي وليس قبلها ببضع ساعات.
إغلاق الملفات
وفي الواقع فانه على الرغم من عدم سفره من تايلر الى دالاس، الا انه امضى وقتاً قصيراً، ولم يذهب الى فندق شيراتون هذه المرة، بل عاد مباشرة الى هيوستون، ولم يكن الهدف من المكالمة الخاصة بباروت سوى اختلاق سبب لتسجيل وجوده في تايلر رسمياً. وحال اداء باروت للغرض المقصود كانت زيارة رينولدز له في وقت وقوع عملية الاغتيال، وتوفير اثبات لمكان تواجد باروت بعيداً عن موقع الجريمة. وباختصار لم يقع اي ضرر على اي احد.
وفيما يتعلق بخطاب باربرة بوش يمكن ان يطرح التساؤل حول تعرضها لشخص مثير للجدل بالاشارة الى استخدام بوش لطائرة زيبا. فقد ساعد ذلك في تأكيد ان بوش قد امضى بعض الوقت مع اسرة اولمر وكتابة اسم زوجة اولمر والخطأ في تهجئة اسم زيبا، قد يكون لاشغال المحققين في متابعة سير الوقائع وترتيبها. ويمكن لبوش ايضاً الادعاء انه ليس لديه ما يخفيه. فكل شيء واضح في خطاب باربرة.
والاسرار والحاجة الى اخفائها ستتحوّل الى مبدأ في حياة الاسرة السياسية. وسنرى كيف ان ذلك يفسر محاولة اخفاء المعلومات غير المسبوقة، التي تصل الى درجة الشك المرضي في ادارة جورج بوش الابن الذي من بين اولى الخطوات التي اقدم عليها محاولة اغلاق ملفات والده الى الابد.
الحلقة الثامنة: قصة المهاجر الروسي الذي لا يدخل بلداً الاّ وتقع فيه اضطرابات
ائلة من الأسرار (9) بوش لعب دوراً أساسياً `في فضيحة إيران - كونترا كتب محمد أمين :
• النصب التذكاري للثورة الكوبية على باتيستا وسط العاصمة هافانا
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.
كان الرجل الذي يعتبر «العراب» في جالية المهاجرين هو بول ريغورديسكي الضابط السابق في سلاح الخيالة القيصري الروسي، وقد قاتل ضد الجيش الأحمر. وبعد انتصار البلاشفة جاء ريغورديسكي الى الولايات المتحدة بمساعدة الصليب الاحمر وجمعية الشباب المسيحي. ومثله مثل المهاجرين الآخرين تزوج سيدة من سيدات المجتمع الأميركي الراقي. وكان والد زوجته هو من أسس البنك المركزي في دالاس. وبعد وقت قصير دخل حقل المجال النفطي والعسكري، حيث اوكلت اليه مهام في مجال الحرب والسلام. وهناك روايات تقول انه عمل في مكتب الخدمات الاستراتيجية الذي تحول في وقت لاحق الى وكالة الاستخبارات الاميركية (سي.آي.ايه)، كما كان صديقا لمدير مكتب التحقيقات الفدرالية ادغار هوفر. وتولى ريغورديسكي منصب مدير مؤسسة تولستوي، وهي منظمة تمولها الحكومة الاميركية تقدم المساعدة للمنفيين الروس.
ويأتي جورج بوهي على رأس قائمة اكثر الشخصيات نفوذا ضمن جالية المهاجرين الروس، وهو محاسب يعمل في المجال النفطي، وكان في العشرينات من القرن الماضي طالبا في احدى المدارس الثانوية في بتروغراد عندما عمل في ادارة الاغاثة الاميركية، وهي جمعية خيرية لتوفير الغذاء للمواطنين الروس عبر مكاتب اقيمت من قبل الاميركيين في عدد من المدن الروسية، وكانت هذه الجمعية الخيرية واجهة لنشاط استخباري.
وقد اعجب عمل بوهي المشرفين عليه، وحثوه على القدوم الى اميركا. وجاء الى نيويورك حيث عمل في بنك تشيس مانهاتن المملوك لآل روكفلر، وانتقل بعدها الى دالاس حيت تولى ادارة حسابات شركة للاستشارات البترولية والجيولوجية.
دعاية مضادة
وارتبط بوهي وريغورديسكي في وقت لاحق بصداقة مع دي موهر ينشيلدت، وظلا على علاقة وثيقة به ابان عامي 1962 و1963. والجالية الروسية بصفة عامة لديها صلة برجال النفط اليمينيين والمصرفيين في المدينة. وقد تجمع جميعهم تحت زعامة نيل ميلون «عم» جورج بوش. وفي عام 1951 اسس ميلون مجلس دالاس للشؤون الدولية، وجمع تحت مظلة هذا المجلس العديد من الشخصيات ذات النفوذ في دالاس من رجال النفط وفعاليات المجتمع الصناعي العسكري وعلماء المان ممن فروا من المانيا الهتلرية المحطمة للمساعدة في وضع سلاح لمواجهة التهديد الشيوعي.
ومن بين اولى الفعاليات التي موّلها المجلس خطاب بالراديو موجه لجميع المواطنين في اميركا يلقيه الجنرال دوايت ايزنهاور ويحث فيه الاميركيين على مساعدته.
وذهبت الاموال التي جمعت الى هيئات مرتبطة باذاعة اوروبا الحرة واذاعة راديو ليبرتي اللتين تشكلان مركز الدعاية المضادة للشيوعية، وبالتالي كانت مقرا للعديد من النازيين السابقين والمتعاونين مع النازية. وبتوجيه من واشنطن كانت تلك الهيئات تقوم بغسل اموال الحكومة الاميركية (ومن بينها اموال مصدرها وكالة الاستخبارات الاميركية)، وذلك لاستخدامها من قبل المعارضين في اوروبا الشرقية.
البذرة الأولى
وتمثل عمليات غسل الاموال هذه البذرة الاولى لعمليات مشابهة نفذتها لاحقا وكالة الاستخبارات الاميركية، ومن بينها عملية ايران - كونترا التي لعب فيها جورج بوش دورا سريا هاما. ومن بين المهاجرين الأوروبيين المتورطين كثيرا في هذه العمليات ديمتري فون وجورج دي موهر ينشيلدت. وفي تلك الاثناء التقى جورج دي موهر ينشيلدت ندّه في عام 1957، وذلك عند زواجه جين لي غون زوجته الرابعة. فهي روسية مثل جورج وجاءت الى اميركا واستقرت في نيويورك في العام ذاته الذي استقر فيه في تلك المدينة. ومن بين المصادفات الغريبة ادعاؤهما انهما عاشا في بيتين متجاورين، ولكنهما لم يلتقيا الا بعد سنوات لاحقة. وجين ولدت باسم يوجينيا فومينكو في عام 1914 في مدينة هاربين بالصين قرب الحدود الروسية وهي روسية الاب والأم. وكان والدها يدير خط سكك حديد الشرق الاقصى لمصلحة الحكومة الصينية، وذلك حتى بيعها لتلك الخطوط للحكومة الشيوعية في روسيا عام 1925. وكان والدها ميخائيل فومينكو في حاجة الى من يقومون بأدوار استطلاعية والى مخبرين لابلاغه بخطوات منافسيه وبالمؤامرات الاقليمية. وعمل جين السري لاحقا في اميركا، وكذلك عمل شقيقها سيرغي، قد يكون نتيجة تلك البيئة. وهي ستبلغ في وقت لاحق لجنة وارين انها وزوجها الاول روبرت لي غون هربا من منشوريا عندما كانت تحت السيطرة اليابانية، وقد خشيا ان يقتل بسبب معرفته لمطار ياباني سري عمل فيه، وانتهى بهما المطاف في نيويورك، حيث كان يعمل شقيقها سيرغي في برنامج سري للغاية في مانهاتن مع روبرت اوبينهايمر.
شخصية غامضة
وفي عام 1953 انضم روبرت وجين للنخب الروسية التي انتقلت الى دالاس، وكانت اول وظيفة لها هي العمل كمصممة في شركة نارديس للملابس الرياضية التي يملكها برنارد غولد، وهو يهودي من مواليد روسيا. وبحلول عام 1950 كانت تجارة الموضة مزدهرة في دالاس وتباع منتجاتها في متاجر في جميع ارجاء الولايات المتحدة. وكانت نارديس من اكبر الشركات، وكانت تشحن بضائعها على متن طائرات سليك للطيران المملوكة لرجل النفط والمستكشف المشهور عالميا توم سليك العضو في مجلس ادارة شركة دريسر للصناعات، والصديق المقرب من بريسكون بوش. وكان برنارد غولد يعرف الجميع، فهو رئيس مركز الموضة في دالاس، ويقيم حفلات راقية. وعندما جاءت جين للمرة الاولى الى المدينة استضافها غولد في مسكنه.
ويتمتع غولد بشخصية غامضة، فقد انضم لكافة الجماعات المعادية للشيوعية، بالاضافة الى التحاقه بمجلس دالاس للشؤون الدولية الذي اسسه نيل ميلون. وكان يوظف اشخاصا ممن ثبت ان لديهم علاقات جيدة. وبينما كانت جين تقوم بتصميم الملابس كان زميلها في العمل ابراهام زابرودر يقص نماذج التفاصيل والاقمشة. وبعد مضي عقد من الزمن اصبح زابرودر، الذي كان يمتلك حينها شركته الخاصة، مشهورا لتصويره فيلما يحتوي على لقطات لاغتيال الرئيس كينيدي.
الدكتاتور باتيستا
إبان الخمسينات، وفي الوقت الذي بدأت فيه الاحتياطيات النفطية في الجنوب الغربي بالانخفاض، شرع رجال النفط في النظر الى النصف الجنوبي من الكرة الارضية بحثا عن فرص جديدة. وجورج دي موهر ينشيلدت، الذي يبدو انه يتحرك دائما بإيعاز من كبار القوم، توجه الى كوبا. وقد ابلغ لجنة وارين في وقت لاحق انه ترك شركة بانتيبيك للنفط في عام 1946 بعد خلاف مع احد نواب رئيس الشركة، ولكنه في عام 1950 كان يعمل مع رئيسه السابق رئيس شركة بانتيبيك وارين سميث في شركته الجديدة التي اطلق عليها اسم شركة كوبا - فنزويلا للنفط. وابلغ موهر ينشيلدت اللجنة عرضا ان هذه الشركة تمكنت من الحصول على عقود ايجار تغطي نصف كوبا تقريبا، وبدا وكأنه يقول الحقيقة، بيد ان مستشار لجنة وارين ألبرت جيز لم يجد هذه الواقعة نقطة مثيرة للاهتمام.
وقد اثبت ذلك ان موهر ينشيلدت لم يكن يعمل لوحده، وانه شخص مغامر، كما سعى جيز لتصويره مرارا، بل يمثل الشخصية المركزية لعمليات شركات كبرى ذات صلة بالعديد من اكبر المؤسسات الاميركية. ومن خلال العلاقات في عهد باتيستا تمكنت شركة كوبا - فنزويلا للنفط من الحصول على حقوق حصرية للتنقيب شملت ملايين الافدنة في الجزيرة. ومثل كل الشركات الاجنبية العاملة في كوبا كان عليها العمل من خلال الوسطاء الاميركيين التابعين للديكتاتور. وأشهرهم رجل عصابات المافيا مايير لبينسكي ممثل «المصالح» الاميركية في الجزيرة.
صفقة كبرى
ولم تحقق الشركة أكثر من التوصل الى تقارير واعدة وانتاج متواضع، وعلى الرغم من ذلك اكتسبت اعجاب وول ستريت. وهي الآن اصبحت منسية تماما بينما كانت في منتصف الخمسينات تعد واحدة من بين اكبر اربع او خمس شركات يتم تبادل اسهمها بنشاط كبير في سوق الاسهم الاميركية. وفي 30 نوفمبر 1956 نشرت صحيفة نيويورك تايمز خبر توقيع شركة كوباستان اويل التابعة لشركة ستاندرد اويل (انديانا) اتفاقية مع شركة كوبا ــــ فينزويلا للنفط لتطوير 3 ملايين فدان اضافية في كوبا. بالاضافة الى الاتفاقية الاصلية التي تغطي 12 مليون فدان.
وتبدو هذه صفقة كبرى بالنسبة لشركة مثل ستانواويل التي ليس لديها انتاج خارجي البتة، وذلك حتى انتقالها الى كوبا. كما يبدو ان شركة امباير ترست ومقرها نيويورك وهي شركة تتمتع بثروة ونفوذ كبيرين، قد لعبت دورا في تمويل هذا المشروع في كوبا.
وجوب ليوب مالك شركة امباير ترست لديه شبكة من المعارف ترقى الى ان تكون «وكالة مخابرات اميركية خاصة». وقد عملت الشركة بجد لحماية استثماراتها الخارجية وبصفة خاصة مصالحها في شركة جنرال دينامكس التي لديها عقود مع وزارة الدفاع. واوكلت شركة امباير رعاية نشاطها في تكساس الى شركة بيكربوتس وهي شركة محاماة تملكها اسرة بيكر. والى جانب رايس هنالك مدير آخر في شركة امبايرترست هو لويس ماكنوتون عضو مجلس ادارة درسر للصناعات من عام 1959 الى 1967، وكان ماكنوتون موظفا لدى جورج بوهي المهاجر الروسي الذي عرّف في وقت لاحق جورج دي موهر ينشيلدت على لي هارفي اوزولد. وربما كان من اغرب الشخصيات في امباير ترست جاك كريشتون الذي تولى منصب نائب الرئيس فيها لفترة طويلة.
مهمة استخبارية
وكريشتون الذي تم توظيفه بعد فترة قصيرة من ادائه الخدمة العسكرية في عام 1946 في صناعة النفط تحول بسرعة الى شخص تعتمد عليه عدد من الشركات الكبرى التي تبحث لها عن موقع قدم في ساحة انتاج الطاقة. وقد اسس وادار عددا كبيرا من الشركات التي ظلت تغير اسمها بوتيرة سريعة. وكانت تلك تعمل بصفة عامة بعيدا عن الاضواء، وكانت واجهة لبعض اكبر الشركات في اميركا الشمالية ومن بينها شركة برومغماتر التي تملك شركة سيغرام لانتاج المشروبات الكحولية، وشركة دو بونتس وغيرهما. ووفقا لمحاميه السابق، فقد تنقل كريشتون في الشرق الاوسط في مهمة استخبارية ذات صلة بالنفط، كما شارك نيابة عن شركات كبرى جورج دي موهرينشيلدت في استكشافاته النفطية في كوبا.
وبحلول عام 1956، وبالاضافة الى واجباته الاخرى، اسس كريشتون وحدة استخبارات عسكرية احتياطية، وفي يوم اغتيال جون كنيدي وكما سيرد بالتفصيل لاحقا، فقد رتب لعدد من افراد الجالية الروسية في دالاس للاسراع في تقديم يد العون الى مارينا اوزولد وترجمه افادتها امام المحققين. وهي ترجمة لم تكن دقيقة لكلماتها الروسية وكان لها تأثير في اتهام زوجها في قضية اغتيال الرئيس كنيدي. وبعد وقت قصير من الاغتيال اصبح كريشتون مرشح الحزب الجمهوري لمنصب حاكم ولاية تكساس، منافسا لحاكم الولاية جون كونالي الذي كان يتعافى من الاصابات التي تلقاها في 22 يوليو في عملية الاغتيال. وكان رفيقه في الترشيح المرشح الجمهوري لمجلس الشيوخ عن الولاية جورج بوش. ولسوء حظ الجهات الثرية ذات النفوذ التي كانت تقف وراء مشروع النفط في كوبا ابان الخمسينات، انه في الوقت الذي ظهرت فيه امكانية الحصول على ثروات طائلة من تلك الجزيرة الصغيرة، ولفت هذا الامر اهتمام وول ستريت، كانت الثورة التي اطلقها فيدل كاسترو تكتسب قوة يوما بعد يوم، وفي الوقت ذاته فإن ما بدا وكأنه عمليات استخبارية تحت غطاء العمل في مجال صناعة النفط يترسخ، بدأ جورج بوش في نقل الاموال الى بنك كاي سال المملوك لها وود هيوز في جزر الباهاما.
وفي الاول من يناير 1959 فرّ الجنرال باتيستا من كوبا، وفي اليوم التالي دخلت قوات كاسترو هافانا، وفي 22 نوفمبر 1959 ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» ان الحكومة الكوبية الجديدة صادقت على قانون يخفض حجم طلبات التنقيب عن النفط ووقف عمليات الاستكشاف الواسعة التي تقوم بها شركات خاصة، وقد خفضت الطلبات الى عشرين الف فدان، وكانت تلك بمنزلة نكسة بالنسبة للشركات مثل شركة كوبا ـ فنزويلا للنفط التي كان لديها 15 مليون فدان.
وردّ مدير وكالة المخابرات الاميركية آلان دالاس بسرعة عل تلك التطورات في الجزيرة، حيث شكل قوة عمل كوبية تضم فرقا تتولى مهام العمليات السرية والحرب النفسية والضغوط الاقتصادية والدبلوماسية.
ومن ضمن تلك «مجموعة العملية 40» وهي مجموعة خاصة من المنفيين الكوبيين التي تسربت بعد خضوعها لتدريبات خاصة الى كوبا لإلحاق ضربات مميتة بالثورة بما في ذلك اغتيال كبار قادتها.
صورة مزورة
وكان رئيس فرقة العمل هذه، تريسي بارنز، خريج جامعة ييل، وزميل دالاس في مكتب الخدمات الاستراتيجية ابان الحرب، وهو له صلة قرابة بآل روكفلر عن طريق الزواج، وقبل ذلك باكثر من عقد من الزمن كانت اول وظيفة يتولاها بارنز في وكالة المخابرات الاميركية منصب نائب المدير لشؤون الاستراتيجية النفسية، وهي هيئة لا يعرف عنها الكثير كانت تقوم ببحوث في كل شيء من استخدام العقاقير التي تؤثر على الدماغ، مثل عقاقير قول الصدق، الى القدرة على اعداد منفذي عمليات اغتيال من دون علم المشاركين في هذه التجربة، وعمل في وقت لاحق في العملية الناجحة في عام 1954 للاطاحة برئيس جمهورية غواتيمالا المنتخب جاكوبو آربينز، وقد حصل بارنز على دعم دعائي من ديفيد اتلي فيلبس وهاورد هنت، من ضمنه توزيع صور مزورة تدعي انها صور الجثث المقطعة الاطراف لمعارضي آربينز.
وظل فيلبس وهنت يواجهات اتهامات تقول انهما كانا متواجدين في دالاس في 22 نوفمبر 1963، وقد نفى الرجلان بشدة هذا الامر، ولكن ووفقا لابنة سانت جون هنت، فقد بدأ هنت يقر بمعرفته لخطة لاغتيال كنيدي في اواخر ايام حياته واورد اسم فيلبس على انه احد المشاركين فيها.
مجموعة العمل الكوبية
وكان هنت وفيلبس قد حضرا الاجتماع الاول لمجموعة العمل الكوبية الذي عقد في 18 يناير 1960، في مكتب بارنز، وتحدث بارنز باستفاضة حول اهدافها، وقال ان جنرال القوات الجوية شارلز كابيل، وهو تكساسي وشقيق محافظ مدينة دالاس، سوف يتولى مهمة الغطاء الجوي للغزو، وان نائب الرئيس ريتشارد نيكسون سيكون مسؤول ملف كوبا في الادارة.
وفي مذكراته اكد ضابط المخابرات الكوبي السابق فابيان ايسكلانتي ان نيكسون اجتمع مع مجموعة مهمة من رجال الاعمال في تكساس كان يترأسها جورج بوش وجاك كريشتون. وتأكيد ايسكلانتي لا يمكن دحضه بسهولة. فدور كريشتون في العمليات السرية لم يكن معروفاً كثيراً في وقت نشر مذكرات ايسكلانتي.
وفي مارس 1960 وقعت ادارة الرئيس ايزنهاور على خطة تدعو إلى تسليح وتدريب المنفيين الكوبيين. وبدأت التدريبات بسرعة في فلوريدا وغواتيمالا. وعيّن احد مساعدي دالسر الثلاثة الكبار، ريتشارد بيسيل رئيس العمليات السرية (وهو خريج جامعة ييل) مديراً لها. وخلال هذا الوقت كان جورج دي موهر ينشيلدت بالمصادفة في زيارة عمل إلى مكسيكوسيتي، حيث كانت محطة وكالة المخابرات الاميركية تشارك بفعالية في العمليات المقبلة.
غطاء تجاري
وبحلول خريف عام 1962 وعندما كان دي موهر ينشيلدت يكرّس معظم وقته في اعداد لي هاري اوزوالد. وتمكن من خلق صلات مع شخصيات رفيعة في عالم النفط. واحد اصدقائه واصدقاء جورج بوش القدامى الخبير في الحفريات البحرية جورج كيتشيل، ابلغ مكتب التحقيقات الفيدرالية في عام 1964 ان موهرينشيلدت يعد من بين افضل اصدقاء بارون النفط كلينت ميرشيسون وهاري هنت، وجون ميكوم، وسيد ريتشاردسون. وكشفت شهادات اخرى قدمت الى اللجنة، انه قبل سنتين من اغتيال الرئيس كنيدي كان دي موهرينشيلدت يسافر بكثرة من دالاس الى هيوستون، حيث كان يزور بعض الشخصيات مثل جورج براون من شركة بارون آند روت شركة مقاولات البناء والعقود العسكرية العملاقة، التي ساعدت في بروز ليندون جونسون وجان دي مينيل من شركة شلومبيرغر لخدمات النفط العملاقة.
وعديد من هذه الشخصيات كانت قد بعثت دي موهرينشيلدت الى الخارج في مهام تجارية، ويدفعنا هذا الامر الى ان نتساءل ان كانت تلك الرحلات من النوع الذي تطلق عليها وكالة المخابرات الاميركية اسم «الغطاء التجاري». فقد ارسله جورج براون الى المكسيك، حيث كانت مهمته فيما يبدو إيقاف صفقة الحكومة المكسيكية مع نائب رئيس الوزراء السوفيتي انستاس ميكويان الذي وصل الى المكسيك في الوقت ذاته. كما ارسله ميرشيسون الى هاييتي في عدة مناسبات. وفي عام 1958 ذهب الى يوغسلافيا فيما قيل انها زيارة عمل لمصلحة ميكوم التي كانت مؤسستها صندوق سان فوانيتو، ثبت في وقت لاحق بأنها واجهة لوكالة المخابرات المركزية لايصال عمليات التمويل.
وقد توصلت لجنة وارين الى اجزاء على الاقل من جميع هذه الامور. الا انه في عام 1964 وبعد يومين ونصف يوم من الشهادة التي قدمها جورج دي موهرينشيلدت وزوجته جين، توصلت اللجنة الى ان جورج شخص غريب الاطوار، وان كانت له علاقات مع شخصيات مهمة، وان حياته لذلك شهدت سلسلة من المصادفات الغريبة.
الحلقة العاشرة:
الرجل الذي أنقذ العالم من حرب نووية مدمرة
• مكان مناسب للمغامرين
د.ب.أ ـ تبحث العيون بشوق عن الصدع التالي في وجه المنحدر الصخري الشاهق المطل على الشاطئ، وعندما تتجه العيون لأسفل سترى هبوطا عموديا حادا مثيرا للخوف باتجاه الأرض، وعلى الرغم من أنه قد تراودك الرغبة في النظر إلى أسفل فلا ينبغي عليك حتى مجرد التفكير في ذلك، حيث تقبع الأمواج وهي تهدر في مواجهة قدم المنحدر الشاهق.
هذا هو المكان الذي اختاره مايكل كراولي ليصطحب إليه مجموعته المبتدئة في تعلم تسلق المرتفعات، ويعد المكان أحد مواقع التدريب الرائعة في هذا الجزء من غربي أيرلندا والذي يتيح الكثير للراغبين في قضاء عطلات تتسم بالمغامرة.
وتعد المنطقة حول مدينة ليمريك مثالية لممارسة الأنشطة في الهواء الطلق، لا تتعرض للزحام من جانب الزوار.
ويقع المركز على حافة المناظر الطبيعية الخلابة في المنطقة المعروفة باسم بارن، وهي مجاورة لمجموعة منحدرات موهير الصخرية وتعرض مجموعة مكثفة من الأنشطة الرياضية المختلفة.
وثمة نوع آخر من أشكال تسلق المرتفعات وهو الهبوط من قمة المنحدر الشاهق إلى أسفل، ويجب وضع خوذة على الرأس وارتداء ملابس واقية ثم تقوم بالهبوط ببطء وحرص إلى أن تصل إلى سفح المنحدر.
ويحتاج مجرد الانحناء على حافة المنحدر إلى الشجاعة كما أنه يبعث بطلقة من الإدرينالين إلى أنحاء الجسم، ومن أسفل المنحدر يعطي مايكل إرشاداته بهدوء، وبعد مرور قليل من الوقت يتم استكمال اختبار الشجاعة هذا، ثم يأتي وقت الاستمتاع بالمنظر الخلاب.
وينجذب هواة الألعاب المائية إلى الشاطئ في فانوري على خليج جالواى حيث تعد رياضة التزلج على الماء باستخدام الألواح الخشبية من الأنشطة الرائجة، ويتم ركوب الأمواج على أقصى ارتفاع لها، وتساعد الملابس المصنوعة من المطاط الصناعي على تحمل البقاء في مياه الأطلسي الباردة.
ومن المياه المالحة إلى المياه العذبة يتسع نهر شانون بالقرب من كيلالو التي تقع على مسافة ثلاثين كيلومترا شمالي مدينة ليمريك، ويشكل النهر ثالث أكبر بحيرة في أيرلندا.
وتمثل منطقة لاوف ديرج ظروفا مثالية للألعاب المائية، وخلال الأعوام الاثني عشر الماضية كانت شواطئها مقرا لمركز الأنشطة التابع لجامعة ليمريك، وترتبط معظم أنشطة المركز بالمياه.
ويعد ركوب زورق طويل خفيف والتجديف فيه أحد أفضل الطرق لرؤية المناظر الطبيعية التي تحيط بمنطقة لاوف ديرج، أما ركوب الكاياك الخفيف المصنوع من الجلد فهو أكثر مشقة ويتطلب بذل قدر من الجهد من المشاركين الذين ينزلقون بقواربهم على صفحة مياه البحيرة.
وفي النقطة التي يتدفق فيها نهر شانون خارجا من لاوف ديرج تلاطم المياه الأمواج، وتعد مثالية للمبتدئين الذين يريدون أن يخوضوا تجربة ركوب زورق الكاياك وسط الأمواج المتلاطمة لاكتساب الخبرة.
عائلة من الأسرار كنيدي يتوعد مجمع المخابرات بعد المؤامرة ضد كوبا: سوف تتدحرج رؤوس كبيرة
كتب محمد أمين :
• كنيدي وألان دالاس .. قبل ان يفرقهما غزو كوبا
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.
لقد أصبحت الدلائل تتزايد على ان جورج بوش (الاب) ليس بذلك الرجل اللطيف كما يعرفه الرأي العام، الذي يرتدي الياقة المدورة، ويقود عربة الغولف في منتجع كنيبونكبوت ويتردد في اتخاذ القرارات.
من الواضح ان في حياته اسراراً كثيرة، آثر الاحتفاظ بها لنفسه، ويبدو انه تورط في العمل المخابراتي لردح طويل من حياته، وكان قريبا من كثير من العمليات التي نفذت في البقاع الساخنة من العالم، ففي خريف 1963 كان لديه مبرر للقلق من ان يكتشف احد انه كان في دالاس عشية الحادي والعشرين من نوفمبر وصبيحة الثاني والعشرين منه.
ووفق معلوماتي، فإن بوش حضر المؤتمر النفطي، ثم غادر الى تايلور، فلماذا يخفي الحقيقة؟ احد الاسباب الواضحة ان احداً لديه طموحات سياسية، لا يرغب في ارتباط اسمه في اذهان الرأي العام بحادثة الثاني والعشرين من نوفمبر 1963، ولكن ما معنى ان يكون هم بوش الاول هو الترويج لقصة ملفقة كغطاء لغيابه؟
خبير انقلابات
من الناحية النظرية ربما يكون هناك شيء ما ليس بعيدا عن حادث اغتيال كنيدي، يريد بوش ابعاد الانظار عنه، ولكن بالنظر الى صلاته الموثقة مع المخابرات، والى حقيقة ان شخصيات مقربة منها ارتبطت بالحادث، فإن احتمالات محاولته النأي بنفسه عن دالاس يوم 22 نوفمبر لاسباب لا علاقة لها بالمأساة تظل ضئيلة.
وفي ظل غياب اي تفسير منطقي، فإن احتمال ان تكون لجورج بوش نفسه صلة ما بأحداث دالاس في ذلك اليوم، تستحق البحث والمتابعة من الناحية الفرضية على الاقل، فحتى بين المواد التي تعين عليّ دراستها، تلك المذكرة من ادغار هوفر، التي تتحدث عن المعلومات التي زُوّ.رت «لجورج بوش رجل الـ سي. اي. ايه» في اليوم التالي للاغتيال، وتعين عليّ ايضا ان آخذ بعين الاعتبار الزيارة التي قام بها في الاسبوع ذاته الى لندن، آل اولمر، خبير الانقلابات في «سي. اي. ايه» وحقيقة انه امضى بعض الوقت مع بوش. وكانت هناك حقائق اخرى اكثر اثارة للقلق تمكنت من جمعها وسوف يتم التعرض اليها لاحقا، مع ضرورة الإشارة الى وجود احتمال - مهما كان ضعيفا - بأن تكون هذه الاحداث وقعت مصادفة.
ومع ذلك، لم اكن اعرف كيف التقدم على هذا الصعيد، لقد كنت على دراية تامة بالمخاطر المحدقة بمجرد التطرق الى موضوع الاغتيال، وكصحافي يحرص على ما يحظى به من احترام ومصداقية، فإن من الطبيعي ان تكون لدي تحفظات، ولم اكن لأقبل اتهامي بالبحث عن الشهرة من خلال التسرع في اطلاق احكام في موضوع حيّر المؤرخين انفسهم - كما فعل غيري - ولكن ليس بوسعي تجاهل ما لدي من معلومات ووثائق.
ولذلك عدت الى الماضي، وبدأت بالبحث والتعرف على الدائرة المحيطة ببوش، ووجدت انها تحفل بأناس لديهم تظلمات - شخصية او سياسية او اقتصادية - ضد كنيدي، وسواء كان لهم يد في اخفائه عن مسرح الحياة ام لا، الا انهم استفادوا من ذلك من دون شك.
رؤوس تدحرجت
فبعد كارثة خليج الخنازير، كان كنيدي واضحا في انتقاده للنخبة الاستخباراتية التي اعدت للعملية، ونقل عن كنيدي قوله: «سوف اعرف كيف اتعامل مع هؤلاء الاوغاد في سي.آي.ايه» وبالفعل، فقد تدحرجت رؤوس كبيرة منها صديق بوش المقرب ألان دالاس وتشارلز كابل شقيق رئيس بلدية دالاس ايرل كابل، ونائب مدير الوكالة لشؤون العمليات اثناء فترة عملية خليج الخنازير، وكان بريسكوت بوش شديد الاستياء من جون وروبرت كنيدي بسبب عزل صديقه دالاس، وكذلك كان هناك كثيرون ممن يشعرون بالاستياء من كنيدي.
ويظل السؤال مطروحاً، ما الذي حاول بوش (الاب) جاهدا اخفاءه؟ ففي كتابه الذي اعتمد على جمع الوثائق والقصاصات، حاول بوش بعنوان: «كل شيء على ما يرام: جورج بوش»، لا توجد أي رسائل عادية تشير الى اغتيال كنيدي، وليس بالامر العادي لسياسي من تكساس يطمح الى خوض غمار العمل السياسي مثل بوش، الا يكتب شيئاً عن حادثة الاغتيال في حينه، وينطق الشيء ذاته على مذكراته بعنوان: «النظر الى الامام» الذي يذكر فيه زيارة كنيدي الى مدينة دالاس، ولم يتطرق الى ما حدث في تلك الزيارة.
وحين بدأت في تجميع الادلة المتفرقة لما يمكن ان يكون الرواية الصحيحة لما حدث، ادركت ان بوش لجأ الى التملص والتهرب بطرق ماكرة، واستخدام القصص التي توفر غطاء لغيابه في ذلك اليوم، وهي الاساليب التي تناسب شخصية ونمط حياته تماماً، ولكن في كل مرة يحاول احد التعرض لماضي بوش وافعاله، يواجه وضعا ضبابياً، وما يبدو لك للوهلة الاولى على انه تفاصيل مهمة، يتحول الى فوضى، ومجموعة من محاولات النفي والانكار، وفي النهاية تجد نفسك امام قليل جدا من المعلومات مقارنة بما بدت عليه في البداية.
شبكة عنكبوت
ان الحصول على فكرة افضل عما حدث يوم الثاني والعشرين من نوفمبر، يتطلب القيام بجولة قريبة من بوش، واقتحام شبكة العنكبوت من الاتصالات المحيطة به، وقد بدأت هذه الجولة ولدي كثير من الحوافز.
ومع حلول خريف عام 1963 كان الاخوان كنيدي قد كسبا ما يكفي من الاعداء لملء فندق كبير كامل بالمشتبه بهم في احدى روايات اغاثا كريستي.
فقد كان هناك عدد كبير من الشخصيات التي تخضع للتحقيق لدى وزارة العدل التي كان وزيرها روبرت كنيدي، وعدد كبير آخر من الشخصيات التي شعرت بالاهانة من مناورات كنيدي الاخرى، فاصرار جون كنيدي على استقالة الان دالاس في اعقاب غزو خليج الخنازير كان في الواقع اعلان قطع الصلة مع استخبارات وول ستريت.
لقد اعتبر البعض - كما حدث لفرانكلين روزفلت- جون كنيدي خائنا لطبقته، ومثل روزفلت ايضا، كان يتمتع بالسحر والكاريزما والحنكة السياسية التي مكنته من التغلب على هذا الاتهام، ومع وجود والد ثري الى جانبه، لم يكن بالامكان شراء كنيدي أو السيطرة عليه.
العالم السُفلي
وبالطبع، كانت هناك المافيا التي كانت تحاول جاهدة لاستعادة خسائرها الضخمة بعد ان اغلق كاسترو كازينوهاتها، وبعد ان ابعد أو سجن عددا من رموزها، وبعد ان اعلن كاسترو في ديسمبر 59 انه شيوعي، عثرت ال«سي آي ايه» على مصلحة مشتركة مع العالم السفلي، والتمست تقديم الخدمة لعدد من زعماء المافيا في ما اصبح يُعرف بالمؤامرة الدنيئةلل «سي. آي . إيه» والمافيا لاغتيال كاسترو، ووفقا لعدد من التحقيقات الخاصة والعامة، فإن هذه المؤامرات خرجت عن نطاق السيطرة، واسفرت عن مؤامرة لاغتيال كنيدي، وكانت لدى الجهات المخططة لذلك كثير من الدوافع، فقد طارد روبرت كنيدي زعيم المافيا جيمس هوفا وقائمة طويلة من رموز العالم السفلي من دون هوادة.
وفي تلك الاثناء ايضا، كانت لدى كثير من الشخصيات البارزة مظالم خاصة، ولاسيما تلك المرتبطة بعلاقات جون كنيدي النسائية، وما اشيع عن علاقته بصديقة زعيم المافيا ادغار هوفر، اضافة الى كثير من العلاقات الاخرى التي رصدها مكتب التحقيقات الفدرالي لجون كنيدي، مع صديقات وزوجات لشخصيات مهمة خلال الفترة القصيرة التي امضاها في البيت الابيض.
وكان هناك المنفيون الكوبيون الذين انحوا باللائمة لفشل غزو خليج الخنازير على الرئيس كنيدي، وليس على الجهة التي خططت ونفذت الغزو «سي. آي. ايه» ورئيسها آنذاك الان دالاس.
ضربة استباقية
لقد تعهد كنيدي اثناء حملته الانتخابية بزيادة ميزانية الاسلحة التقليدية للجيش الاميركي ليصبح قادراً على خوض حرب العصابات، لكنه اصبح قلقاً بشكل متزايد من آلة الحرب في بلاده، لا سيما بعد ازمة الصواريخ الكوبية.
واثناء تلك الايام المتوترة، وفي وقت كان يبدو ان الولايات المتحدة ستنزلق نحو مواجهة نووية، ودفع مستشاروه العسكريون لتوجيه الضربة الاستباقية الاولى ضد الصواريخ الكوبية، ولكن كنيدي استمع الى مستشاره آرثر شليزنغر الذي قال له ان «العسكريين حمقى».
ونصحه بحل تفاوضي للازمة، وقد توصل الى هذا الحل بالفعل مع الزعيم السوفيتي خروتشوف. واثنى العالم كله على الزعيمين لانهما حكما لغة العقل وجنبا العالم حرباً لم يكن احد يعلم عواقبها، ولكن الرجلين واجها مشكلات داخلية من المتطرفين في كلا المعسكرين.
كان الرئيس كنيدي يدرك ان البنتاغون يشعر بالقلق الشديد حيال هذه السياسة. وبعد ان قرأ رواية بعنوان «سبعة ايام في مايو» التي تتحدث عن انقلاب ضد رئيس اميركي ينظر اليه على انه ممالئ للاعداء، اقنع المخرج جون فرانكنهيمر ان يجعل منها فيلماً، واقترح عليه تصوير بعض المشاهد في باحة البيت الابيض بالرغم من الاعتراضات من البنتاغون، ويقول فرانكنهيمر ان كنيدي اراد الفيلم ليكون بمنزلة تحذير للجنرالات.
واثار كنيدي كذلك استياء المعارضين لسياسته بشأن الهند الصينية لانه كان يخشى ان يقع في مستنقع طويل المدى هناك. وهنا درس آخر من خليج الخنازير وهو ان الولايات المتحدة لا يمكنها تحقيق الانتصار من دون دعم السكان المحليين. لقد كان الصقور المناهضون للشيوعية يشككون في دوافع كنيدي، بل ان بعضهم اصدر تحذيرات مسبقة «اذا تهاون كنيدي مع الشيوعية، فإن الوقت سيقطع عنقه»، كما قال هنري لوس ناشر مجلة تايم وصديق بريسكوت بوش وزميله في جمعية Skull & Bones.
وكانت سياسة كنيدي الاقتصادية تجلب المزيد من اللهيب، ففي اميركا اللاتينية على سبيل المثال، استعدى عليه رجال الاعمال الاميركيين بمن فيهم نيلسون روكيفلر حين تدخل في خططهم لتطوير النفط والمعادن في حوض الامازون (البرازيل).
وقال كنيدي في حوار له مع وولتر هيلر رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين حين ذكر له الاخير صناعة النفط والغاز «هؤلاء اللصوص الاوغاد سأسحقهم».
المجمع العسكري - الصناعي
وفي العاشر من يونيو 1963، وفي خطاب له في الجامعة الاميركية في واشنطن دي. سي، وجه الرئيس سهامه المباشرة الى المجمع العسكري - الصناعي باعلانه الدعم لمعاهدة الحدّ من التجارب النووية. وكان كنيدي قد ذهل حين علم الكلفة البشرية لانتشار الاشعاع.
ولكن سباق التسلح النووي كان منجماً آخر للثراء، خاصة عمليات صنع اليورانيوم. وقد ظل الحظر قائما على التجارب النووية حتى مجيء جورج بوش وديك تشيني الى البيت الأبيض، فألغوا المعاهدة التي جلبت الكراهية لكنيدي من معسكر اليمين المتطرف.
وكانت تكساس مركزا لصناع وتعدين اليورانيوم منذ العشرينات. وبعد الحرب العالمية الثانية، توسعت نشاطات مقاولي الصناعات الدفاعية بسرعة، لا سيما في مدينة دالاس. وكان المكان يعج بأناس لديهم مشكلات جدية مع إدارة كنيدي، سواء على المستوى الايديولوجي أو المصالح التجارية. لقد كان مزيجا قابلا للاشتعال.
ولم تكن مدينة دالاس في مطلع الستينات النموذج المشع للفعالية الإدارية التي حاول البعض إشاعته عنها، لقد كانت مثل مدينة نيو اورليانز ،بؤرة للفساد وفيها عناصر قوية تتصارع على السلطة من أعلى درجات السلم الاجتماعي الى أدناه، وشملت قوات الشرطة اعضاء في مجموعة KKK العنصرية من الأميركيين البيض الذين يعتدون على المواطنين السود، إضافة الى رجال العصابات من أمثال جاك روبي (الذي سيقتل لاحقا قاتل الرئيس كنيدي، لي هارفي اوزوالد). وكذلك أصبحت دالاس حوضا متناميا للثروة الجديدة ونفوذ الشركات ومركزا لصناعة النفط المحلية، اضافة الى كونها قاعدة للصناعات الدفاعية.
لقد تحولت تكساس، على نحو ما، الى دولة منفصلة متمردة وأشبه بمستوطنة من المهاجرين من مناطق الساحل الشرقي من الولايات المتحدة. لقد أدى تحالف أثرياء النفط مع «المؤسسة الشرقية» مع مزيج من أعضاء الاستخبارات والصناعات الدفاعية الى خلق مناخ من الغموض والإثارة. لقد اعتمد عمالقة الطاقة، «المعتّقين» منذ زمن طويل، على العمليات الوهمية التي اتخذت من الشركات غطاء لها، من أجل الحفاظ على امبراطورياتهم النفطية المترامية الأطراف.
حكومة خفية
وقد بدأ منتجون وأصحاب مصافٍ مستقلون يدخلون اللعبة أيضا، وأصبحت العقلية السائدة تنحو تجاه السياسة، وأوردت صحيفة نيويورك تايمز عام 1964 تقريرا عن ان مجموعة من رجال الأعمال الذين شكلوا «حكومة خفية» لتحكم مدينة دالاس من دون تفويض انتخابي. وكانت هذه المجموعة قوية ولديها من الثقة ما يجعلها تعلن عن حقيقة أنه اذا أراد أحد الحصول على موافقة لإقامة مشروع ما في المدينة فعليه ان يأتي اليها، وليس الى الوكالات الحكومية الرسمية. ومن الناحية السياسية، فإن أي عضو في هذه المجموعة أو المؤسسة الجديدة يبدأ من المحافظين ثم يتجه نحو اليمين، وفقا للصحيفة.
لقد أدرك آل كنيدي الأهمية السياسية لمدينة دالاس وتكساس بشكل عام. فقد اختاروا ليندون جونسون المنافس الشرس للفوز بترشيح الحزب الديموقراطي عام 1960، لمنصب نائب الرئيس لأنهم كانوا بحاجة إلى أصوات الولايات الجنوبية وخاصة تكساس. وبعد الانتخابات عينوا شخصيات من تكساس في مناصب مهمة مثل جون كونالي الذي عين وزيراً للبحرية، وجورج ماك غي الذي عين نائباً لوزير الخارجية، ولكن هذه المصالحة السياسية لم تنجح تماماً، وظلت مدينة دالاس مكاناً غير ودي بالنسبة لكنيدي.
ومن أبرز الشخصيات في «المؤسسة الشرقية» التي جاءت الى المدينة، جورج بوش (الأب)، باعتباره ابن سيناتور قوي من كونكتيكت، وكانت له صلات قوية في المدينة. وبينما ظل بريسكوت بوش والين دالاس من أبرز زعماء «الشرق»، فقد لمع نجم بوش (الأب) في هيوستن ونيل مالون في دالاس، ولم يتمكن آل كنيدي من استقطاب الكثيرين من هذه «المؤسسة» لأسباب كثيرة ليس أقلها الايديولوجيا.
لقد كان ثمة شعور بالنقمة من الأخوين كنيدي. وكان روبرت مثيرا للاعجاب بينما كان جون فظاً. وبينما كان روبرت متحفظا، كان شقيقه عدوانيا. وقد صنع جون تحديدا، لنفسه الكثير من الأعداء حين شن حملة ضد الفساد والتحقيقات في عمليات الاحتيال التي شملت عددا كبيرا من شركات الأسلحة والسياسيين والمقاولين، بمن فيهم، ملك الملاحة البحرية اليوناني اريستوتل اوناسيس.
فتصميم كنيدي على محاربة الجريمة المنظمة، اغضبت مدير مكتب التحقيقات الفدرالي ادغار هوفر الذي كان يرتبط بعلاقة صداقة طويلة مع زعماء المافيا واستمتع بقضاء أسعد الأوقات في منتجعات ومضمارات السباق بصحبتهم.
وكثيرا ما كان هوفر يتجاوز الأخوين كنيدي ويتعامل مباشرة مع نائب الرئيس. وفي الواقع كان الأخوان كنيدي يأملان بعد انتخابات 64 بإحالة هوفر إلى التقاعد بعد أن ظل على رأسها لأكثر من أربعين عاماً.
الحلقة الحادية عشرة:
جونسون تحالف مع شركات النفط ضد رئيسه جون كيندي
عائلة من الأسرار (11) 5 سنوات شهدت اختفاء آل كنيدي وظهور عائلة بوش كتب محمد أمين :
• ليندون جونسون وروبرت كنيدي في المؤتمر القومي للحزب الديموقراطي عقب اغتيال جون كنيدي
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.
عبّر الرئيس كنيدي عن نيته استهداف كبار الاثرياء اثناء «ازمة الفولاذ» في ابريل 1962 من خلال اجبار الشركات على تخفيض اسعار الفولاذ بارسال عملاء الـ«اف.بي.آي» الى مكاتب الشركات، ولكن اخطر مبادرات كنيدي كانت حملة ادارته ضد «علاوة نضوب النفط» التي تمنح شركات النفط حسومات ضخمة وتلقائية بصرف النظر عن التكاليف الفعلية للانتاج، وذلك كتعويض عن الموجودات الآخذة بالنضوب في الأرض. وقد اصدر روبرت كنيدي تعليماته لمكتب التحقيقات الفدرالي لاصدار استبيان يطلب فيه من شركات النفط الكشف عن المعلومات المتعلقة بالانتاج والمبيعات بدقة.
ولم ترحب شركات النفط، ولاسيما الكبرى منها في تكساس، بهذه التعليمات وانتقدتها بشدة مجلة أويل آند غاز جورنال التي تمثل مصالح الشركات الكبرى. وعبّر مدير الـ«اف.بي.آي» هوفر عن تحفظاته بهذا الشأن، ولاسيما استخدام عملائه لجمع المعلومات. وكانت علاقة هوفر الوثيقة بصناعة النفط جزءا من صلة الاستخبارات النفطية التي ربطته بألين دالاس والـ«سي.آي.ايه»، فالرصيد الأكبر لهذه الصناعة لم يكن المصادر النفطية فقط، بل ايضا الوكلاء والاصدقاء، وكان من المعروف ان الـ«اف.بي.آي» كانت ترد الحسنة بمثلها لهذه الصناعة!
وكان احد اعز اصدقاء هوفر، وهو الثري ومالك الصناعات النفطية كلينت مورشيسون، من بين اشد المؤيدين لعلاوة نضوب النفط، وكان من اقوى المدافعين عن هذه العلاوة ايضا السيناتور الديموقراطي روبرت كير (من اوكلاهوما)، وهو الملياردير الذي كان يملك الشركة النفطية كير ماك غي KERR-MCGEE، وكانت تربطه علاقة صداقة وثيقة بزميله في مجلس الشيوخ بريسكوت بوش لدرجة أنه عرض، حين أنشأ جورج بوش (الأب) شركة ZAPATA OFFSHORE، المساعدة من خلال ندب عدد من كبار مساعديه في شركة KERR-MCGEE حتى ان بعض هؤلاء تركوا الشركة الأولى وانضموا إلى شركة بوش.
معركة شرسة
وأصبح كير اليوم في طي النسيان تماما إلا ربما في ولايته أوكلاهوما، لكنه كان ــ ولعقود طويلة ــ واحدا من أقوى الشخصيات السياسية في الولايات المتحدة، ولعب دورا مهما في عهد هاري ترومان الذي يرتبط به بعلاقات تعود إلى حقبة طويلة ماضية. وكثيرا ما كان هاري ترومان يأخذ رأي كير وأصدقائه الآخرين في الكثير من القرارات المهمة، وإن كان يبدو للجمهور أنه مستقل في آرائه.
وكانت شركة KERR-MCGEE من أبرز شركات انتاج اليورانيوم في الولايات المتحدة واستفادت كثيرا من سباق التسلح. ولم يكن كير يكنّ الكثير من الود لآل كنيدي. وكصديق قديم لليندون جونسون، شعر بغضب شديد حين علم أن جونسون قبل بالانضمام إلى حملة كنيدي لمنصب نائب الرئيس، وكان على استعداد لبدء الهجوم ضده، وانفجر غاضباً في احد اللقاءات، على جونسون وزوجته ليدي بيرد ومساعد جونسون بوبي بيكر، قائلاً: «اخرجوا من هنا.. لا أصدق ان أعز أصدقائي يخونونني».
لقد أسهم جونسون في إثارة مشاعر الكراهية في أوساط الصناعة النفطية، لآل كنيدي، وفي الواقع كان الرجل الوحيد في البيت الأبيض الذي كان يحظى بثقة رجال النفط. ومن جانبهم، فإن آل كنيدي لم يحبوا جونسون في يوم من الأيام، فقد سبق له أن خاض معركة شرسة في الانتخابات الأولية للحزب عام 1960، وطلبوا منه الترشح إلى جانب جون لأسباب سياسية فقط، وبعد عام على تسلم كنيدي الحكم، بدأت ترشح تقارير عن خطط لعزل جونسون. وكان روبرت كنيدي يمقت جونسون على نحو خاص، وكان هذا شعوراً متبادلاً بين الرجلين على أي حال. وكانت التحقيقات التي أجراها روبرت كنيدي في المقاولات العسكرية في تكساس تشير إلى شبكة من الفساد قد تصل في نهاية المطاف إلى جونسون نفسه. ووفقاً للمؤرخ الرئاسي روبرت داليك، فإن «روبرت تابع بنفسه تحقيقات وزارة العدل، بما في ذلك دور محتمل لجونسون في تعاملات مشبوهة لبيكر. وعلى الرغم من ثبوت مخالفات لبيكر أوصلته إلى السجن، كان جونسون يعتقد ان روبرت كان يدقق ويتابع التحقيقات على أمل أن يجد ما يدينه و - وبالتالي - ابعاده عن الترشح لمنصب نائب الرئيس في انتخابات 1964.
لقد كانت لجونسون ارتباطات متعددة مع آل بوش، وكان احدها من خلال شريكي بوش (الأب) التجاريين هيو ووليام ليدتيك اللذين كانا على معرفة بجونسون ربما قبل التعرف إلى بوش، وتعود معرفتهما به إلى أيام الدراسة بكلية الحقوق في أوستن. أما الصلة الأخرى فكانت من خلال السيناتور بريسكوت بوش حين كان جونسون يتولى منصب زعيم الأغلبية الديموقراطية في الكونغرس. وحين تولى جونسون الرئاسية، أصبح بوش عضواً (جديداً) في الكونغرس وتحالفا في العديد من القضايا مثل علاوة نضوب النفط والحرب في فيتنام.
على خط المواجهة
وقد سبق لجورج ماك غي أن تولى إدارة شركة بانتبيك أويل PANTEEPEC OIL التي تملكها عائلة وليام باكلي التي عمل فيها جورج دي موهر ينشيلدت الذي كان ماك غي يعرفه شخصياً. وكان كلا الرجلين نشيطين في مجلس نيل مالون للشؤون الدولية، وبعد الحرب عمل ماك غي مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى.
ويقول ماك غي إن «الشرق الأوسط يمتلك أكبر الاحتياطيات في العالم ويحظى بأهمية كبرى»، وأضاف «حين كنت مساعداً لوزير الخارجية تعاملت مع هذه المسألة». وفي عام 1951، قضيت ثماني ساعات الى جانب رئيس وزراء ايران محمد مصدق الذي كان يرقد على السرير لمحاولة التوسط في مسألة ملكيته لشركة النفط الانكلو - ايرانية، وبعد عامين على المفاوضات المستمرة بينهما، تآمرت «سي.آي.أيه» على اسقاط حكومة مصدق، وفي كل مرة كان ماك غي «على خط المواجهة في الازمات المبكرة التي صبغت حقبة الحرب الباردة»، وفقا لدانيال بيرغن مؤلف كتاب: «الجائزة: قصة البحث عن النفط والمال والسلطة».
لقد أصبح ماك غي يعمل لمصلحة السيناتور ليندون جونسون، وحين اصبح الاخير نائباً للرئيس، عينه مساعداً لوزير الخارجية للشؤون السياسية، الامر الذي اثار انزعاج روبرت كنيدي الذي كان اجبره على الاستقالة كسفير للولايات المتحدة لدى المانيا الغربية، وقال عنه انه «عديم الفائدة وفي كل حوار تجريه معه لا تعرف ما الذي يريد قوله». وغني عن القول ان ماك غي لم ينجح في دخول نادي المعجبين بروبرت كنيدي.
وبعد ان اصبح من المرجح فوز كنيدي بولاية ثانية، برز شبح ان تحتفظ سلالة كنيدي بالرئاسة لفترة طويلة، الامر الذي لم يرق لآل بوش والدوائر المحيطة بهم.
اختفاء آل كنيدي وصعود آل بوش
لقد ضربت ادارة كنيدي قلب المؤسسة الجنوبية الاخذة ثروتها وسلطتها بالتنامي، فلم تكتف بمهاجمة علاوة نضوب النفط، بل ان دعمها لحركة الحقوق المدنية شكل تهديداً للعمالة الرخيصة التي تقوم عليها صناعات الجنوب، وهكذا فخلال خمس سنوات، قتل كل من جون وروبرت كنيدي، واختفى شبح عائلة كنيدي التي ستسيطر على السلطة لعقود، وبدلاً من ذلك، فخلال عشر سنوات من اغتيال كنيدي، بدأت تظهر على المسرح عائلة جديدة محافظة اسمها عائلة بوش.
ولم يقتنع او يتقبل الجمهور الاميركي فكرة اغتيال الرئيس او حتى عضو مجلس الشيوخ او المرشح الرئاسي من قبل اعداء محليين. ونحن بحاجة الى الايمان بمؤسساتنا والنظام الذي تعمل فيه، وليس من المقبول ان يفكر احد نفسه فوق القانون.
كما ان اعضاء هذه المؤسسات لا يرون غضاضة في اغتيال رؤساء الدول الاخرى، حتى لو كانوا منتخبين بصورة ديموقراطية. لقد تواطأت الـ«سي.آي.أيه» او تسترت او شاركت بأدوار فاعلة في مؤامرات للاغتيال او الانقلاب في غواتيمالا والدومنيكان والكونغو وتشيلي وكوبا واندونيسيا وايران وفيتنام، اليس من السهل ان يؤمن مثل هؤلاء الناس الذين يستخدمون الاغتيال كأداة سياسية ان يفعلوا ذلك في الداخل حين تتعرض مصالحهم للخطر؟
لقد كان من بين المتحمسين لسياسة الاغتيال ضد الزعماء الاجانب على الاقل - هو جورج ماك غي الذي عمل في موقعين بوزارة الخارجية لرجلين اصبحا هدفين للاغتيال. وكما كتبت صحيفة واشنطن بوست في رثاء ماك غي انه «في اوائل الستينات ارسل ماك غي الى الكونغو وجمهورية الدومينيكان حين كان البلدان يشهدان اضطرابات وحروبا اهلية وحين هدّدت حكومات غير مسؤولة بزعزعة الاستقرار».
وقبل وفاة ماك غي بسنوات قليلة، سأله المحققون في اغتيال كنيدي الكتابة في ما اذا كان قد لعب دوراً في مقتل رئيس الدومينيكان تروجيلو، فكتب للمحققين انه في حين لم يكن له مثل هذا الدور، الا ان اغتياله «لم يمثل مشكلة لي».
وبالنسبة لأمة كانت تحت تأثير صدمة اغتيال رئيسها جون كنيدي، فإن فكرة ان يقوم شخص مختل وبلا جذور باغتيال الرئيس، كانت مثيرة للقلق الشديد، ولكن ما يثير قلقاً اكبر ان يكون الاغتيال جزءاً من مخطط اكبر. فاعتقال ثم اغتيال لي هارفي اوزوالد زادا من مخاوف الجمهور الاميركي، وهو ما اكدته لجنة وارين للتحقيق في الجريمة. والتحقيق في شبكة المصالح التي استفادت من تغييب كنيدي وارتباطها بأحداث الثاني والعشرين من نوفمبر، لم يكن بالمهمة اليسيرة. لقد كانت الشكوك كبيرة حول ما اذا كان الحادث فردياً، لكن التأكيد على هذه الحقيقة كان حاجة نفسية للأمة.
مؤامرة كبرى
فالرواية التقليدية لما حدث تذهب الى ان اوزوالد الرجل المختل الذي يكره الولايات المتحدة، بدأ يبدي اهتمامه بالشيوعية وسعى الى ملجأ في الاتحاد السوفيتي حيث عمل في احد المصانع وتزوج بامرأة روسية اسمها مارينا. وبعد تحرره من الوهم جراء تجربته في «فردوس العمال»، عاد مع زوجته الى دالاس وانزلق الى حالة من الاستياء واللاعقلانية، فاشترى بندقية وسافر الى نيو اورليانز، وهناك ابدى تعاطفه مع كاسترو، ثم عاد الى دالاس وخطط لمهاجمة موكب الرئيس كنيدي. وبعد اعتقاله اغتيل على يد جاك روبي المعروف بصلاته بالمافيا والذي تورط في مؤامرات الـ«سي.آي.ايه» مع المافيا لاغتيال فيدل كاسترو.
وحتى مع مصادقة لجنة وارين على هذا السيناريو كانت الشكوك تتنامى، ووجد هذا السيناريو تحدياً من الكثير من المحامين والسياسيين والمؤرخين واستبعدوا جميعاً نظرية القاتل الفرد، واقرت لجنة مختصة بالكونغرس بعد ثلاث سنوات من الاغتيال باحتمال وجود مؤامرة.
واخيراً، خالف المخرج الشهير اوليفر ستون، في فيلم اخرجه قبل عدة سنوات، نظرية ان اوزوالد
أقدم على اغتيال الرئيس من تلقاء نفسه ومن دون الإنخراط في مؤامرة كبرى.
ويقول البروفيسور بيتر ديل سكوت ان اوزولد كان يعتقد انه يعمل ــــ بصورة غير مباشرة على الاقل ــــ لمصلحة وكالة حكومية لها صلة بتهريب السلاح. ويظهر سكوت في كتابه بعنوان: «اغوار السياسة واغتيال كنيدي» كيف ان نشاطات اوزولد بعد عودته الى الولايات المتحدة من روسيا عام 1962، كانت ترمي الى تحقيق اهداف محددة لمكتب التحقيقات الفدرالي و«مكتب الكحول والتبغ والالعاب النارية».
فإذا كان لاوزولد ارتباط بأي شكل مع اي وكالة حكومية، فلن يكون ذا مستوى عال، وبالتالي لن يكون على دراية لمن كان يعمل؟ او لماذا؟ وربما كان يظن انه يقوم بمهمة ما، لكن في الواقع كان يتم استخدامه لمهمة اخرى. فإذا كان الامر كذلك، فربما لم يعلم ذلك الا بعد الاغتيال والاعتقال. وفي مثل هذه الحالة، فإن كلماته عند الاعتقال، ربما تكون البيان الاكثر غموضا في كل هذه المسألة.
تحرر من الوهم
ويبدو كل ذلك اشبه بتمرين في التخرص، لكن هناك حقائق واضحة: كان اوزولد شابا يافعا يعيش بلا هدف او رشد، فقد توفي والده قبل ان يولد وعاش في دار للايتام بعد ان تزوجت والدته ثانية ولفترة قصيرة، واعادته الى البيت وهو في الثالثة من عمره. وليس من المفاجئ ان يفتقد وجود الاب ويحاول ايجاد من يعوضه عنه فانتقل للعيش في 19 مكانا مختلفا قبل ان يكمل السابعة عشرة من عمره.
وقد عمل في دوريات لويزيانا الجوية وهو في الثالثة عشرة، ثم ترأس ارشيف مكتبة لويزيانا، وعمل لمصلحة زعيم المافيا في نيواورليانز، كارلوس مارسيلو، اضافة الى شخص يدعى ديفيد فيري الذي يظهر معه في اكثر من صورة في معسكر التدريب التابع لدوريات لويزيانا الجوية.
وكانت هذه المجموعة التي تأسست اثناء الحرب العالمية الثانية، منظمة مدنية، ولعبت دورا في حماية السواحل الاميركية من الزوارق الحربية الالمانية، ثم حولت نشاطها الى المهام المدنية كأعمال الاغاثة اوقات الكوارث، ومن بين مؤسسيها آل روكفلر، وهارولد بيرد، رجل الاعمال اليميني من تكساس والصديق المقرب من ليندون جونسون لفترة طويلة.
وفي خريف 59 توجه اوزولد الى اوروبا. وبعد توقف في فرنسا وانكلترا والسويد، سافر الى هلسنكي عاصمة فنلندا، ومنها حصل على فيزا لزيارة الاتحاد السوفيتي، وفي السادس عشر من اكتوبر، وصل الى موسكو وزار السفارة الاميركية هناك من اجل التخلي عن جنسيته الاميركية، وقدم اسرارا عسكرية الى الروس. ثم توجه الى مدينة مينسك. وفي عام 1961، التقى الصيدلانية مارينا بروساكوفا في احد المسارح فتزوجا بعد ستة اسابيع فقط. وكانت مارينا تعيش مع خالها الذي كان عقيدا في وزارة الامن الداخلي الروسية. وكان زواجه قد اضفى مزيدا من الغموض على ملف اوزولدوخلق الانطباع انه كان يعمل لمصلحة الروس. وعلى اية حال، فإن الروس ايضا لم يثقوا به على ما يبدو، فقد خضع للمراقبة في مينسك. وبعد ان تحرر من وهم الدعاية السوفيتية ورأى مدى سوء الاحوال في الاتحاد السوفيتي توسل الاميركيين للسماح له بالعودة.
وفي الواقع، قرر اوزولد في وقت مبكر عدم البقاء في الاتحاد السوفيتي كما قال جورج بوهي، عضو جمعية دالاس للروس البيض للجنة وارين، فإن «الرجل جاء الى السفارة الاميركية في موسكو وطلب الاذن بالعودة الى بلاده، بعد حوالي عامين من وصوله».
في الثامن والعشرين من يوليو 1960، وصل الان دالاس بلباسه الرسمي الكامل الى مزرعة ليندون جونسون المرشح لمنصب نائب الرئيس في تكساس، ليقدم تقريرا بالغ السرية حول الامن القومي. وربما كان ذلك امرا اعتياديا في ذلك الوقت، ولكن نائب الرئيس العتيد كان له منطقة نفوذ ايضا، وعلاقات قوية مع مدينة دالاس.
عائلة من الأسرار جونسون تحالف مع هيئة الأركان المشتركة ضد رئيسه كنيدي كتب محمد أمين :
• موكب كنيدي قبل لحظات من الاغتيال
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.
يبدو ان اهتمام دالاس بتكساس تزايد بعد خروجه من ادارة كنيدي. ففي ديسمبر 1961 اتصل باحد زملائه الذي كان ما يزال يعمل مع «سي. اي. ايه» ليطلب معلومات اتصال مع عدد من ضباط الوكالة في هيوستن. وبعد اغتيال كنيدي، يتخذ جونسون قرارا باعادة دالاس الى ادارته، كعضو في لجنة وارين التي تحقق في الاغتيال اولا، ثم كعضو في لجنة «غلباتريك» Gilpatric وهي مجموعة من المستشارين في مجال انتشار الاسلحة النووية.
ومنذ عام 1961، تحالف جونسون مع رئاسة هيئة الاركان المشتركة في سياسة كان يعارضها جون كنيدي، وهي الرغبة في ارسال قوات الى اسيا.
ونتيجة لذلك، تلقى نائب الرئيس ومساعده العسكري هاوارد بوريس التقارير بشكل منتظم عن فيتنام ولا يتم تقديم هذه التقارير الى الرئيس.
ستار حديدي
وفي الوقت ذاته، الذي كان دالاس يتصل بزملائه القدامى في تكساس. دعي جورج دي موهرينشيلدت الى مائدة على شرف والتون مور، رجل «سي. اي. ايه» في دالاس. وكان جهاز الاتصالات الداخلي الذي كان يعمل له مور، هو فرع الــ«سي. اي. ايه» الذي يتولى استجواب الاميركيين العائدين من الخارج، ولا سيما من دول «الستار الحديدي».
ووفقا لادوارد ابستين، مؤلف اكثر من كتاب حول اغتيال كنيدي، فان موهرينشيلدت وصف لابستين قبل وفاته، اللقاء الذي جمعه مع مور الذي قال انه تم في نهاية عام 1961، وتناول البحث فيه فترة ما قبل عودة اوزوالد الى الولايات المتحدة، بانه كان مثمرا.
وفي صيف عام 61 عرف موهرينشيلدت المزيد عن اوزوالد، فقد سلمه احد مساعدي مور عنوانه وابلغه ان موهرينشيلدت قد يكون معنيا بلقائه. والتقى ومور عدة مرات قبل ذلك، وكان اللقاء الاول في عام 57 وبعد اقامة طويلة لموهرينشيلدت في يوغسلافيا، وثانية بعد رحلة اخرى له الى الخارج. وهذا يثير التساؤل حول وجود علاقة رسمية بينهما حين طلب من موهرينشيلدت مراقبة اوزوالد.
ولا يعرف ان كان حدث لقاء بين موهرينشيلدت وازوالد قبل عدة اشهر من عودة الاخير الى الولايات المتحدة، ولكن حين تقابل الرجلان في اكتوبر 62، كانا على طرفي نقيض. فهذا ينحدر من الطبقة الوسطى ويناهض الشيوعية، وذاك يساري ينحدر من طبقة مسحوقة. وعلى الرغم من الاختلاف بينهما، الا انهما ظلا في تحالف مستمر، وهو تحالف يعتقد كثيرون انه يعود الى علاقة عمل بينهما وليست علاقة حب!
وقد اثار اهتمام موهرينشيلدت المفرط في اوزوالد حيرة الكثيرين، فلم يسبق له ان ابدى مثل هذا الاهتمام بأدق التفاصيل في حياة الآخرين قبل اوزوالد.
أسطورة
وقد ساعد جورج موهرينشيلدت، لي هارفي اوزوالد في العثور على عمل. ويبدو انه اخضعه - وبتعاون من اوزوالد - لعملية غسل دماغ عكسية. وقد جعله التنقل من وظيفة الى اخرى ومن مكان الى آخر، في حالة عدم استقرار، وهي حالة لا تختلف عن الاوضاع المماثلة التي يحاول فيها مثل هؤلاء الاشخاص اغتيال زعماء وقادة كبار، ولان اوزوالد كان متورطاً في مجموعة كبيرة من النشاطات في وقت قصير، سيجد المحققون لاحقاً ان من الصعب تتبع كل خطواته.
وهناك ايضاً رحلة اوزوالد الغامضة الى مكسيكو سيتي عام 1963، حيث يُعتقد انه زار السفارتين الكوبية والسوفيتية هناك، في محاولة للحصول على تأشيرات للدخول الى البلدين. ويعتقد معظم الباحثين الان، انه شخص اخر يزعم انه اوزوالد، وهذا يؤسس لنظرية ان المؤامرة كانت كبيرة بالفعل.
لقد اصبحت الصورة اكثر غموضاً حين صدرت اوامر - من شخصية عليا غير معروفة- لمكتب التحقيقات الفدرالي بمراقبة اوزوالد. ولدى القيام بالتحقيق مع الجهات التي عمل فيها اوزوالد تبين انه عمل لفترة قصيرة في كل عمل دخله.
وفي العاشر من ابريل 63 اي قبل ستة اشهر فقط على اغتيال الرئيس كنيدي، اطلق احدهم النار على نافذة الزعيم اليميني المتشدد الجنرال ادوين ووكر، ليتبنى من شهادة مارينا اوزوالد امام لجنة وارين، ان مطلق النار في هذه الحادثة كان زوجها. وتصف كيف جاء موهرينشيلدت بعد عدة ايام الى منزلهما ليعاقب اوزوالد كيف اخطأ الهدف، بيد ان موهرينشيلدت نفى علمه بهذا الامر، واصفاً شهادة زوجة اوزوالد بأنها «نكتة».
وبالنظر الى علاقة موهرينشيلدت بشخصيات بارزة وخصوصا جورج بوش (الاب)، فانه اذا كان متورطاً في مؤامرة، فانه سيكون مهما على نحو خاص، اختلاق تفسير مقنع لعلاقاته مع اوزوالد. والاهم من ذلك فان من الضروري اظهار ان الاعتناء باوزوالد لم يكن الشغل الشاغل لموهرينشيلدت في ذلك الوقت، بمعنى اخر، فإن موهرينشيلدت كان بحاجة إلى خلق «الاسطورة» الخاصة به كغطاء، كما هو معروف في عالم الجاسوسية، ولا نستدل من الحقائق، كما عرضت حتى الان، ما اذا كان موهرينشيلدت نفسه كان مجرد مخلب، ام انه كان من يوجه اوزوالد، لكن لا يعرف احد الصورة الاكبر، أو ما آل اليه مصير اوزوالد. بيد ان مزيدا من المواد التي سيكشف عنها لاحقا، تشير الى ان موهرينشيلدت كان يعرف الكثير.
وتوحي سلسلة الاحداث التي بدأت فور اول لقاء جمع موهرينشيلدت واوزوالد في شهر اكتوبر 1962 ان ثمة غطاء أشبه بمظلة كبيرة تضم جميع الشخصيات القوية التي يعرفها قد اقيم حوله.
محاولة إسقاط دوفيليه
وفي التاسع عشر من اكتوبر كتب موهرينشيلدت لجورج ماك غي في وزارة الخارجية يعرض عليه نتائج جولته في اميركا اللاتينية بالقرب من احد معسكرات التدريب التابعة لــ «سي. اي. ايه» في غواتيمالا، قبيل غزو خليج الخنازير، على افتراض ان ذلك كان مجرد مصادفة!
واشار موهرينشيلدت في رسالته إلى انه اذا كانت الحكومة غير معنية بتجاربه في غواتيمالا، فانه قد يمرر بعض المواد الى بعض اصدقائه الاوروبيين الذين كانوا يعتقدون ان الاتحاد السوفيتي مكان «يتوق الى قصص المغامرات».
لقد امضى موهرينشيلدت اكثر من عام في اتصال دائم مع اوزوالد العائد لتوه من سنوات امضاها في الاتحاد السوفيتي السابق، وقد فعل ذلك بناء على طلب «سي. اي. ايه» او هكذا يزعم، وهناك سبب قوي وموثق بأن توماس ديفاين (وبالتالي صديقه منذ زمن طويل جورج بوش) يعرف رجلا سيخضع للرقابة الدقيقة على القاتل المفترض لرئيس الولايات المتحدة.
وسافر موهرينشيلدت وصديقه تشارلز الى واشنطن والتقيا عددا من الشخصيات الحكومية، واقترح موهرينشيلدت ان تدعم الحكومة الاميركية الانقلاب العسكري في هاييتي ضد الدكتاتور دوفيليه، ويبدو ان الرجلين لم يتمكنا من مقابلة مسؤول رفيع، فاكتفيا بلقاء هاوارد بوريس المستشار العسكري لنائب الرئيس، على امل مقابلة النائب نفسه لاحقا. وربما كان انقلاب هاييتي مجرد غطاء ومبرر استخدمه موهرينشيلدت لتفسير سعي معلم اوزوالد للاتصال بشخصيات رفيعة في الحكومة الاميركية قبيل اغتيال كنيدي.
وقد اكدت دوروث مانلاك مساعدة مدير مكتب استخبارات الجيش الحادثة بالقول انها التقت موهرينشيلدت الذي اثار مسألة ان تلعب الولايات المتحدة دوراً في انقلاب هاييتي.
وتكتسب هذه القصة اهمية لعلاقة موهرينشيلدت باستمرار في الانقلابات، وبالاضافة الى تأكيد مانلاك لمقابلة موهرينشيلدت لمستشار جونسون العسكري وبعميل ل «سي. آي. إيه» ذي صلة بجورج بوش، فهي تبرر - كذلك - أي صلات قد تبرز بين موهرينشيلدت والاستخبارات العسكرية.
وهذه النقطة تحديدا تتسم بأهمية حاسمة لأن رموز المخابرات العسكرية اضطلعوا بأدوات رئيسية اثناء وغداة اغتيال كنيدي. ويبدو ان قصة ماتلاك آتت ثمارها، فقد اقنع موهرينشيلدت - على ما يبدو - تشارلز الهاييتي انه سيضمن قبولا اميركيا بالانقلاب الذي سيطيح دوفيلييه ويحل محله تشارلز. وقد حصل موهرينشيلدت على تعليمات بالسفر مبكرا الى هاييتي لاقناع تشارلز بالمشاركة في اجتماعات نيويورك وواشنطن.
ولم تنجح محاولة الانقلاب وربما لم يرد لها ان تنجح، فلم يعان. موهرينشيلدت ودائرته اي مشكلة مع دوفيلييه، حتى لو كان لآل كنيدي مثل هذه المشكلة، بل كان كثيرون في اوساط المؤسسة العسكرية والاستخبارات الاميركية يعتبرونه صديقا، وقبع تشارلز في السجن عشر سنين تقريبا، وربما تكون محاولة الانقلاب هذه من القصص الغامضة التي لم تسبر اغوارها بعد.
غطاء مناسب
سواء قصد لها ان تكون ام لم يقصد، فقد شكلت قصة هاييتي غطاء مناسبا بمعرفة موهرينشيلدت لكل هؤلاء الناس الاقوياء في سياق مؤامرة مفترضة لاطاحة زعيم اجنبي مكروه لدى الاميركيين.
ودعونا نستذكر الاحداث ثانية، فموهرينشيلدت يسافر الى الساحل الشرقي في ربيع عام 1963 في قصة تبعد الانظار عن علاقته ببوش وجاك كريشتون وآخرين في شبكة مخابرات تكساس، ومهمته تتجه الى خارج وليس الى داخل الولايات المتحدة في قصة لا صلة لها ابدا بأوزولد او السوفيت او ما كان يحدث في دالاس. وحتى اذا كشف النقاب عن تفاصيل هذه القصة الجديدة، فانها لن تثير غضب الشعب الاميركي، فالانقلاب على دكتاتور في هاييتي من اجل تعزيز الديموقراطية في المنطقة، كان من بين الاهداف التي يؤيدها كنيدي.
قد يبدو من المتعذر الربط بين المسألتين، ولكن في عالم الظل والعمليات التي تقوم تحت غطاء وهمي، فان الامر يبدو طبيعيا.
بل ان الامر كان يبدو منطقيا في سياق التمويه على عملية يحظرها القانون الاميركي، وحماية ل «سي. آي. إيه» التي تمنع من المشاركة في اي عمليات تنصت داخلية او عمليات بوليسية تستهدف الجمهور الاميركي، لكن ذلك كان يحدث سرا ومن مبنى قريب من البيت الابيض، ومن بين العمليات التي شاركت فيها «سي. آي. ايه» من خلال عميلها هاوارد هنت الانقلاب في غواتيمالا وغزو خليج الخنازير، واخيراً فضيحة ووترغيت، كما ورد في شهادة دالاس امام الكونغرس.
لقد فحصت لجنة وارين عددا من المراسلات التي اظهرت حدوث لقاءات بين موهر ينشيلدت واباطرة النفط، وفي كل حالة، كان التحقيق ينتهي الى لا شيء، بل ان شبكة عمليات التمويه والتغطية كانت تبعد التحقيق في اغتيال كنيدي عن مجراه.
قنبلة موقوتة
وهناك شيء واحد لا جدال حوله، ففي الوقت الذي غادر فيه موهر ينشيلدت الولايات المتحدة قاصداً هاييتي في مايو 1963، تحول لي هارفي اوزوالد الى رجل متعدد الشخصيات، كل منها قادر على اغتيال كنيدي، لقد كان اوزوالد يمقت كنيدي دائما لانه كان معجب بكاسترو او لانه مناهض لكاسترو.
وربما كان غاضبا بسبب علمية خليج الخنازير، او لانه يهوى اصيطاد اناس بارزين، لقد كان مغرما بالبنادق ويميل الى العنف، حتى انه كان احيانا يضرب زوجته، لقد كان قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في اي لحظة.
ولكن حتى لو كان في نيته اغتيال كنيدي، فكيف تسنى له معرفة مسار موكبه وتوقيت مروره من ذلك الشارع في دالاس، لا بد ان يكون احد من داخل البيت الابيض او اجهزة الامن ضالع في المؤامرة.
والملفت انه حين سألت لجنة وارين زوجة اوزوالد عن سبب قطع اتصالاتها مع روث بني بعد الاغيتال، قالت ان اجهزة الامن نصحتها بعدم الاتصال بها.
حسبما نعلم فإن جورج موهر ينشيلدت كان بعيدا عن دالاس يوم الثاني والعشرين من نوفمبر 1963 للقيام باعمال تجارية في هاييتي، اضافة الى سفر هارولد بيرد لاول مرة في رحلة سفاري الى افريقيا، ووفقا للاحداث المسجلة لم يجر اتصال مباشر بين موهر ينشيلدت واوزوالد خلال الاشهر الستة التي سبقت الاغتيال. ولهذا السبب، اغفلت لجنة وارين العلاقة القوية بين الرجلين وكذلك علاقاته القوية مع متجمع رجال النفط في تكساس الذي كان مناهضا لكنيدي، فضلا عن صلاته القوية بأجهزة الامن القومية.
مصادفات
ومن المسائل المثيرة للفضول والقلق هي مجموعات الاتصالات التي جرت حول موهر ينشيلدت في يونيو 1963 بين البنك القومي الجمهوري في دالاس وشركة براون برذرز هاريمان في نيويورك حيث استأنف السيناتور جورج بوش لتوه العمل كشريك كبير، والتاريخ مهم هنا لانه جاء بعد مغادرة موهر ينشيلدت الى هاييتي مباشرة، ويكشف تقرير لــ «اف.بي.اي» في عام 1964 ان الاتصالات تبدو غريبة، ويتبين ان موهر ينشيلدت كان قد طلب قرضا من البنك الذي يبعث الى الشركة في نيويورك ليسأل عن ملفه، فترد الشركة انها لا تعرف عنه شيئا، والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تسأل بنكاً في نيويورك عن رجل يقيم في تكساس.
لقد زار آل اولمر خبير الانقلابات في «سي، اي، ايه»، تكساس قبل أسابيع قليلة من الاغتيال ومعه جورج بوش، زارا هاوارد هنت احد كبار مساعدي ألين دالاس لشؤون التموية والعمليات الخاصة، الذي كان في مدينة دالاس بشهادة أحد أبنائه. وقد غادر بوش المدينة ليلة الاغتيال أو في يوم الاغتيال ذاته، ثم ترك مكالمة التمويه على وجود مكانه في تكساس. وكذلك كان صديق اوزوالد المعروف مو هرينشيلدت في رحلة تجارية إلى هايتي وهارولدبيرو في افريقيا. ومرة اخرى، فإن هذا السيناريو قد لا يعني شيئا وقد يكون ذلك مجرد مصادفات، وقد لا تكون ايضا، كذلك، فربما كان ابتعاد هذه الشخصيات المرتبطة ـ بشكل أو بآخر ـ باوزوالد للامعان في انكار صلتهم بالاغتيال. والحقيقة البارزة الأخرى هي انه في يوم الاغتيال، كان نائب رئيس الشرطة جورج لمبكين يقود موكب الرئيس كيندي على بعد ربع ميل من سيارة الرئيس، وكان لمبكين صديقاً لجاك كرينشتون زميل جورج بوش. وكان ـ قبل بوش ـ عضوا في وحدة الاحتياط في استخبارات الجيش (ويبلغ لبميكن لاحقا لجنة الكونغرس التي كانت تحقق في الاغتيال ان اجهزة الأمن استشارته في موضوع أمن الموكب). وكان في السيارة الى جانب لمبكين ضابط آخر في الجيش هو اللفتنانت كولونيل جورج وايتماير، قائد جميع وحدات الاحتياط في الجيش لمنطقة تكساس، والذي صادف ان كان رئيس جاك كريشتون في الاحتياط. وعلى الرغم من أن وايتماير لم يكن في قائمة الشرطة للمسموح لهم بقيادة سيارة الموكب، أصر على قيادتها وظل هناك حتى لحظة الاغتيال. وكانت لحظة التوقف الوحيدة للموكب عند المبنى الذي اطلق منه اوزوالد النار على الرئيس. فقد توقف لمبكين لهنيهة وتحدث مع أحد ضباط الشرطة الذي كان ينظم المرور هناك.
رجل المظلة
وإلى يمين الموكب، وقف ابراهام زابرودر يحمل كاميرته المعدة لالتقاط هذا المشهد التاريخي، الذي يجعله من المشاهير، وقد استشهد مؤيدو ومعارضو النتائج التي توصلت إليها لجنة وارني للتحقيق في الاغتيال، بشريط زابرودر. ولم يجب أحد حتى الآن عن السؤال، ما إذا كان هذا المصور تواجد والتقط الصورة الشهيرة مصادفة، أم أنه كان ينتظر الحدث ويعد العدة لتسجيله، لكن التحقيق اظهر انه لم يكن شخصية معروفة لدى دوائر المخابرات في دالاس.
لكن يتبين في ما بعد ان زابرودر كان زميلا لزوجة موهرينشيلدت في شركة نارديس بدالاس، وكان ايضا عضوا في مجلس ادارة مجلس دالاس للشؤون الخارجية برئاسة نيل مالون. وبعد ذلك يشتري فيلم الاغتيال الذي صوره زابرودر عضو جمعية Skull & Bones هنري لوس الذي يرتبط بعلاقات ايضا مع جورج بوش، والذي ساهمت زوجته شخصيا في تمويل المحاولات لاسقاط كاسترو.
وكان لوس قد حذر من ان جون كنيدي سوف يعاقب اذا استمر في انتهاج سياسة مهادنة مع الشيوعية.
وبعد ان اشترى لوس الفيلم، احتفظ به في مجلته الشهيرة «لايف» وظل الفيلم حبيس ادراج المجلة الى ان نجح جيم غاريسون في اصدار امر من المحكمة يلزم لوس بالافراج عن الفيلم عام 1969.
وفي لحظة مرور سيارة الرئيس «شارع الم» السريع، فتح رجل كان يقف امام هضبة عشبية مظلته واخذ يسحبها ويحركها بشكل متكرر فوق رأسه، حتى ان لجنة التحقيق وجدت ان ذلك كان سلوكا غريبا لان ذلك اليوم كان مشمسا ولا مطر فيه. والى جانبه كان رجل ذو بشرة داكنة يتحدث بواسطة جهاز لاسلكي بعد لحظات من اطلاق النار على الرئيس كنيدي.
وفي عام 78 تقدم رجل ليعرف نفسه بانه الشخص الذي كان يحمل المظلة، ويدعى لويس ستيفن ويت، وزعم انه فعل ذلك لان احد زملائه ابلغه بان هذه الاشارة سوف تثير انزعاج الرئيس، ولم يفسر ما قاله. وقال امام لجنة التحقيق انه كان في الوقت الخطأ والمكان الخطأ وتصرف بشكل خاطئ، ونفى اي صلة له بالرجل الآخر ذي البشرة السوداء، على الرغم من ان الصور اظهرت انهما كانا يتبادلان الاحاديث. وفي النهاية، يظل سلوك هذا الرجل صاحب المظلة واحدا من الالغاز الكثيرة في مأساة اغتيال كنيدي.
الحلقة الثالثة عشرة:
قتلة كنيدي أرادوا اتهام كوبا لإشعال الحرب معها
عائلة من الأسرار قتلة كنيدي أرادوا اتهام كوبا لإشعال حرب معها
كتب محمد أمين :
• اعضاء لجنة وارين للتحقيق في اغتيال كنيدي
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.
في الواقع، يمكن التأسيس على ان اوزوالد كان يقاد الى حتفه، وحينئذ، فان من كان يقوده او من كان وراء من يقوده، كان جزءاً اساسياً من المؤامرة، لقد أصبحت لدينا الآن معلومات كافية بأن من كان يقود اوزوالد هو موهرينشيلدت، الصديق القديم لجورج بوش (الأب)، كما ان لدينا مقربين جداً من بوش ارتبطت اسماؤهم بشكل أو بآخر بأحداث الثاني والعشرين من نوفمبر، ولدينا كذلك، حقيقة ان بوش نفسه حاول اثبات انه كان موجوداً في مكان آخر بعيد عن مسرح الجريمة في ذلك اليوم.
اما التفاصيل حول من اطلق النار ولمن البندقية التي استخدمها وعدد الطلقات التي اطلقت، فتظل ذات صلة ولكنها تأتي في المقام الثاني من حيث الاهمية، فالمسألة المركزية هي القصة الكامنة وراء مثل هذه التفاصيل.
معلومات جديدة
وهذه بعض المعلومات الجديدة ذات الصلة:
• كان جورج بوش الاب على ارتباط وثيق باعضاء رئيسيين في مجتمع الاستخبارات بمن فيهم مدير «سي.آي.أيه» الذي اقاله كنيدي، ألين دالاس، وكان على صلة كذلك بمجموعة اثرياء تكساس التي كان افرادها يكنون الكراهية لكنيدي، لا سيما اولئك الذين شكلت سياساته تهديداً مباشراً لثرواتهم، وهذه المشكلة كانت جزءا من النخبة العسكرية - الاستخباراتية التي لها تاريخ باستخدام الاغتيال كأداة سياسية.
• كان جورج بوش في دالاس يوم 21 نوفمبر، وعلى الارجح ايضاً، صبيحة الثاني والعشرين من نوفمبر، لكنه اخفى هذه الحقيقة وكذب بشأن مكان وجوده في ذلك اليوم، ثم اصطنع رواية يعرف انها زائفة، ولم يعترف في اي يوم بمدى قرب صلته بجورج موهرينشيلدت، المفترض انه كان يقود اوزوالد.
• شريك جورج بوش التجاري توماس ديفاني التقى موهرينشيلدت اثناء تلك الفترة نيابة عن الـ«سي.آي.أيه».
• جاك كريشتون الذي ترشح الى جانب جورج بوش في تكساس عام 1964 كان على صلة بشخصيات عسكرية واستخباراتية كانت تقود موكب كنيدي لحظة الاغتيال.
• كان كل من كريشتون وهارولد بيرو صاحب المبنى الذي اطلقت منه النيران على كنيدي، مرتبطين بموهرينشيلدت وكانا مرتبطين مع بعضهما مباشرة من خلال التعاملات النفطية.
• بيرو هو الذي جلب المستأجر الذي شغل اوزوالد قبل وقت قصير من الاغتيال.
• حصل اوزوالد على العمل في هذه البناية من خلال صديق لعائلة موهرينشيلدت من خلال صلات الاخير بالمخابرات، بما في ذلك صلات عائلية مع الين دالاس.
حتى ان مقتل اوزوالد على يد جاك روبي ينسجم مع سلسلة الاحداث هذه التي يلعب فيها اوزوالد دور «الابله» أو المخلب في لعبة مميتة، ولم يُسمح له ان يتحدث عما جرى فيها.
وبعد محاكمته، ادلى جاك روبي ببيان للصحافيين تحدث فيه عن دوافعه لاطلاق النار على اوزوالد، وهو بذلك اعترف حقيقة بوجود المؤامرة.
يقول روبي ان كل ما يتصل بما كان يحدث لم يكشف النقاب عنه بعد. والعالم لن يعرف الحقيقة ابدا بشأن ما حدث أو بشأن دوافعي، فهناك من له مصلحة في ان يراني بالوضع الذي انا فيه كي لا تنكشف الحقيقة للعالم ابدا.
فسأله احد المراسلين: هل هؤلاء الناس يحتلون مواقع أو مناصب رفيعة؟ فرد جاك: «نعم».
وكما هو حال الكثير من الاحداث التي وقعت في حياته، يتوخى جورج بوش الحذر حين يتحدث عن ذلك اليوم المأساوي في نوفمبر 1963، اذ بوسعه ان يزعم انه كان خارج هذه اللعبة، مع ان اشخاصا يعرفهم بوش جيدا هم داخلها.
التهديد الأحمر
فإذا كان جورج بوش مشغولا يوم الثاني والعشرين من نوفمبر، فان صديقه جاك كريشتون كان كذلك ايضا. لقد كان كريشتون زميل بوش في الترشح لانتخابات الكونغرس عن الحزب الجمهوري في تكساس، شخصية رئيسية في شبكة من عناصر الاستخبارات العسكرية ذوي الصلات الوثيقة بادارة شرطة دالاس وبالسيارة التي كانت تقود موكب كنيدي.
لقد ظهر كريشتون في الصورة مرة اخرى خلال ساعات من مقتل كنيدي واعتقال اوزوالد. فقد وقف الناشط الجمهوري ايليا مامانتوف المناهض للشيوعية بشدة والذي حاضر في دالاس كثيرا حول «التهديد الاحمر»، الى جانب مارينا زوجة اوزوالد. وحين وصل المحققون تولى الترجمة واخذ يحرّف اقوال مارينا بشكل يوحي ان الناشط اليساري اوزوالد هو المسلح الذي اطلق النار على الرئيس وانه - لوحده - قاتل الرئيس كنيدي.
ومن الغريب فعلا ان تستعين شرطة دالاس بشخص من خارج دوائر الشرطة ليقوم بهذه المهمة الحساسة. وحين سئل مامانتوف من قبل لجنة وارين كيف حدث ذلك، قال انه تلقى مكالمة هاتفية من نائب مدير شرطة دالاس جورج لمبكين يطلب منه الاضطلاع بهذه المهمة. وبعد لحظة تفكير تذكر مامانتوف انه تلقى مكالمة اخرى قبل مكالمة لمبكين وكان المتصل هو جاك كريشتون. لقد كان كريشتون هو الذي جمع بين نائب مدير شرطة دالاس ومامانتوف وضمن وجوده الى جانب مارينا في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة.
وعلى الرغم من كل هذه المعلومات، لم يخضع كريشتون للتحقيق، ولم تستجوبه لجنة وارين ابدا. لقد جسّد كريشتون اكثر من اي شخص آخر، التقاء المصالح داخل المجمع النفطي - الاستخباري - العسكري. وكان وثيق الصلة بجورج بوش في جهودهما المشتركة لدعم الحزب الجمهوري الذي كان ضعيفاً آنذاك، في تكساس التي توجت باختيارهما لتمثيل الحزب في انتخابات الكونغرس عام 1964.
خلال الحرب العالمية الثانية، خدم كريشتون في مكتب الخدمات الاستراتيجية الذي أصبح «سي. آي. ايه». وبعد الحرب، بدأ يعمل في الشركة النفطية CZAR EVERTTE DEGOLYER وارتبط، خلال وقت قصير، بأركان الدائرة النفطية الاستخباراتية على أعلى المستويات. وان مراجعة مئات الوثائق الخاصة بشركات النفط والمقاولات تُظهر انه حين ترك كريشتون العمل مع هذه الشركة في أوائل الخمسينات، انخرط في شبكة من الشركات ذات الصلات ومجالس الإدارات المرتبطة بها، وكان كثير من هذه الشركات مدعوماً من العائلات الأكثر قوة وثراء في أميركا الشمالية مثل دوبونتس DU PONTS في ولاية ديلاوير، وBONFMANS أصحاب شركة SEAGRAM العملاقة لإنتاج الخمور.
لقد كان كريشتون ملتصقاً بهياكل السلطة في مدينة دالاس لدرجة ان أحد مديري شركته كان كلينت مورشيسون ملك، «علاوة نضوب النفط» والثاني كان هارولد بيرد، مالك المجمع السكني في مدينة دالاس الذي أطلق منه أوزوالد الرصاصات القاتلة على الرئيس كنيدي.
وبالإضافة إلى عمله في النفط والجاسوسية، فقد ارتدى كريشتون قبعة ثالثة. فقد كان شخصية مركزية في مؤسسة دالاسية آلت إلى النسيان هذه الأيام هي منظمة الدفاع المدني CIVIL DEFENCE ORGANIZATION، التي أنشئت في مطلع الخمسينات في أوج الحرب الباردة ومن أجل أهداف وأجندات أخرى.
وفي أوائل عام 1961 كان كريشتون بمنزلة القوة المحركة وراء برنامج استعدادي للحرب الباردة كان يُعرف بـ «اعرف عدوك» الذي ركز على نية الشيوعيين تدير نمط الحياة الأميركي. وفي الأول من أبريل 1962 فتح الدفاع المدني لمدينة دالاس، الذي كان كريشتون يرأس ذراعه الاستخبارية، مقر قيادة متقدما تحت الأرض بهدف استمرارية عمل الحكومة في حال تعرض البلاد لأي هجوم، وزوده بأحدث معدات الاتصال.
وقد بدأ العمل في هذا المقر في الثاني والعشرين من نوفمبر 1963، ولم يلفت هذا الإجراء انتباه لجنة وارين للتحقيق في الاغتيال أو أي من الباحثين الذين حاولوا فك عدد من الألغاز المحيطة به.
شخصية محورية
وفي الثاني والعشرين من نوفمبر 63، اقترح كريشتون أن يتولى مامانتوف الترجمة بين إدارة الشركة ومارينا زوجة أوزوالد، فقد كان يعرف هؤلاء الناس من خلال عمله في الاستخبارات العسكرية والقيام بعمليات التنصت على المهاجرين الروس في دالاس، وعمل من أجل ذلك بشكل وثيق مع إدارة الشرطة.
وقد لعبت شهادة مارينا من خلال مامانتوف دورا حاسما في بدء سلسلة من الأحداث التي ربما كانت ستقود إلى هجوم صاروخي أميركي ضد كوبا. ففي الساعات التي أعقبت اغتيال كنيدي، سربت إدارة الشرطة معلومات استخلصتها من شهادة مارينا وتشير إلى صلات محتملة بين زوجها وحكومة كوبا. وعلى الرغم من تبيُّن عدم صحة هذه المعلومات، لكن تم تمريرها بسرعة إلى استخبارات الجيش التي أوصلتها بدورها إلى مقر قيادة القوات الجوية في فلوريدا. باختصار، فإن جهة ما لا تقف وراء الاغتيال فحسب، بل كانت ترغب في إشعال حرب مدمرة في القارة، وربما حرب نووية مع الاتحاد السوفيتي.
والعنصر الأساسي في هذه القصة المتشابكة هو التداخل الذي لم يلحظه كثيرون بين إدارة شرطة دالاس واستخبارات الجيش. فقد كشف كريشتون في شهادة شفوية له عام 2001، أنه كان هناك حوالي مائة رجل في وحدته الاستخباراتية، منهم أربعون أو خمسون هم من إدارة شرطة دالاس. وهكذا، كان كريشتون شخصية محورية تجمع بين عدد من الشخصيات والعناصر التي لا يبدو أن ثمة شيئا يجمعها مثل: الاستخبارات العسكرية والشرطة المحلية والحزب الجمهوري والروس البيض ومجتمع النفط وجورج دي موهر ينشيلدت وجورج بوش (الأب).
وفي خريف 1963، أي قبل حوالي شهرين من اغتيال كنيدي، قرر جاك كريشتون وجورج بوش خوض الانتخابات المحلية عن الحزب الجمهوري في تكساس معا. وفي العام التالي يخوضان الانتخابات لتمثيل تكساس (عن الحزب الجمهوري)، الأول كحاكم للولاية والثاني ممثلا عنها في مجلس الشيوخ. واستعان بالمحامي ذاته، بات هالوي الذي كان محاميا أيضا للبنك الوطني الجمهوري. وقد اعترف بيتر أودونيل، رئيس الجزب الجمهوري في تكساس الذي كان وراء حشد الدعم لترشيحهما، بعد سنوات، أن المؤسسة العائلية التي كان يديرها كانت واجهة لتمرير تمويل الـ«سي.آي.إيه».
وهكذا، ففي نوفمبر 1963، كان كريشتون وبوش يعملان فعلا بشكل مترادف. وفي ظل هذا التحالف، كان بوش بحاجة إلى تفسير ليس مكان وجوده في ذلك اليوم ولماذا عمل جاهدا لإخفاء الحقيقة فحسب، بل أيضا ما الذي كان يعرفه عن نشاطات كريشتون في ذلك اليوم وعن زملاء وحدة كريشتون في استخبارات الجيش التي قادت موكب كنيدي.
لقد تحدث كريشتون في شهادته الشفوية عن عمق علاقة الصداقة التي ربطته بجورج بوش منذ ترشحهما عام 64 على قائمة الحزب الجمهوري في تكساس. وقال ان هذه العلاقة استمرت عبر السنين.
خيوط اللعبة
لقد كان التفويض الممنوح للجنة وارين للتحقيق في اغتيال كنيدي شاملاً ومستقلاً، ومع ذلك، لم تتمكن من ربط خيوط اللعبة معاً. لقد كان كل اعضاء اللجنة تقريباً من اصدقاء جونسون أو نيكسون او كليهما. وكانت هناك صفة مشتركة اخرى بين الاعضاء وهي انهم جميعاً بلا استثناء، كانوا من المؤسسة المحافظة ومن غير محبي كنيدي والا لبذلوا جهوداً اكبر للوصول الى الحقيقة. فبالاضافة الى الين دالاس، ضمّت اللجنة في عضويتها جيرالدفورد وجون ماكولي الذي كان يعمل لصالح عائلة روكيفلر.
لقد أظهرت فعاليات لجنة التحقيق ان اعضاء اللجنة ومحققيها كانوا إما سذجاً بدرجة غير معقولة وإما انهم يسيرون على بيض يخشون ان ينكسر!
فقد طرح الكثيرون التساؤلات حول مدى معرفة سي.آي.ايه بالحقيقة المتعلقة بحادث الاغتيال ومدى مساعدة المعلومات التي بحوزة الوكالة لجهات التحقيق. ففي احدى الجلسات عبّر راسيل لدالاس عن شكوكه ازاء عناصر الوكالة.
واثناء التحقيق في حادثة الاغتيال، كان دالاس وبعض زملائه يسافرون الى مدينة دالاس، خصوصا لسماع افادات الشهود الذين لم يتمكنوا من الحضور الى واشنطن. وكانوا يعقدون الجلسات مع الشهود في قاعة اجتماعات مؤقتة في مبنى البنك الوطني الجمهوري وهو امر له دلالته بأنهم لم يكترثوا كثيراً بالاستماع للشهادات. فأعضاء مجلس ادارة البنك - اضافة الى ذلك - كانوا من اشد المناهضين لكنيدي.
اعضاء اللجنة كانوا يغيبون في الغالب عند أخذ شهادات الشهود، لكن ظهور موهرينشيلدت امام اللجنة سبب بعض الاثارة. وكان من بين الحاضرين عند شهادته، كل من دالاس وفورد، ومحاميان آخران للجنة. وكما قال موهوينشيلدت في مذكرات غير منشورة ان «الين دالاس رئيس سي.آي.ايه. السابق كان حاضراً، وهو بالمناسبة كان صديقاً للسيدة هيو او شنكلوز (والدة جاكي كنيدي) وجاء للتحدث معنا بشكل ودي.. وما اثار دهشتي في تلك الشهادة انه مهما قلت من اشياء ايجابية عن اوزوالد لم يغير شيئاً وكأن قرار اتهامه كان جاهزاً». وكان مساعد مستشار اللجنة البرت جينر هو الذي قاد عمليات الاستجواب مع جورج وجين موهرنيشيلدت، والتي دامت ليومين ونصف اليوم. وكما فعل مع العديد من الشهود الرئيسيين الآخرين، ادار جينر حوارات خاصة معهما داخل وخارج غرفة الاستماع، الا انه لم يعلن عن صيغة تلك الحوارات الخاصة معهما.
وتقع وقائع استجواب موهرينشيلدت في 165 صفحة، وتظهر ان هذا الشخص كان ديناميكيا واجتماعيا وذا نزعة للمغامرة، لكن شهادته استدعت المزيد من التحقيق والتدقيق، لا سيما ما يتعلق بخلفيته وصلاته.
لقد قرأ جينر الكثير من تقارير «اف. بي. اي» حول موهرينشيلدت وكان يمكنه الحصول على الاجابات عن الكثير من الاسئلة لو كان جادا في ذلك، ولكن معظم اسئلته كانت بعيدة عن صلب الموضوع. ويبدو انه اراد للجنة ان تنتهي الى استنتاج ان موهرينشيلدت كان مستقلا ويفتخر بفرديته وله اهتمامات متنوعة، ولا شيء اكثر من ذلك.
وحين طرح السؤال على رئيس اللجنة وارين، لماذا كان جينر اصلا، عضوا فيها قدم تبريرا ملتبسا.
فقد قال ان جينر كان محاميا محنكا ومثالا للمحامي الكفء ومحاميا لاحد رجال الاعمال، بينما طالب اعضاء اخرون في اللجنة بالاستعانة بمحامين لهم خبرة في القضايا الجنائية.
وجهان
وخلال فترة الاغتيال، كان وزير البحرية فريد كورث يخضع للتحقيق بتهمة الفساد في ترسيته عقدا قيمته سبعة مليارات دولار على شركة جنرال دانياميكس، وكان كورث من ابناء تكساس عينه كنيدي بناء على تزكية من جونسون وجون كونالي حين استقال الاخير ليترشح لمنصب حاكم الولاية. وقبل عدة اشهر على تعيينه، فوض كورث البنك الذي كان يترأس مجلس ادارته بتقديم قرض لشركة جنرال دانياميكس، ثم بعد ان اصبح وزيرا خالف توصية البنتاغون بترسية العقد على شركة بوينغ. وفي نوفمبر 63، استقال كورث حين تبين انه كان يسعى لتقديم خدمات للبنك من خلال عمله كوزير.
كورث والعائلة كانوا من اصدقاء عائلة بوش، فقد عين بوش زوجة ابن كورث، عندما تولى الرئاسة، سفيرة لدى موراشيوس.
المهم ان لجنة وارين لم تجر تحقيقا جنائيا في خبايا علاقة موهرينشيلدت مع اوزوالد ودائرة علاقاته الاوسع. وبدلا من ذلك اوكلت اللجنة المهمة لرجل كانت ارتباطاته وولاؤه تتجه نحو الدوائر المناهضة لآل كنيدي.
لقد واجهت لجنة وارين ضغوطا من اجل الانتهاء من تحقيقاتها بسرعة، لكن موهرينشيلدت الذي وصفته بالرجل الذي لا يعرف كيف يغلق فمه، لم يكن دائما بالشاهد المتسقة اقواله، ولكن كلما يكشف موهرينشيلدت عن شيء مهم، يسارع جينر الى النأي به بعيدا، بل كان يخلط التواريخ والاحداث معاً، للوصول الى نتيجة غير واضحة.
ومن بين الاشياء التي تجاهلتها اللجنة، شهادة لجورج بوهي، زعيم الجالية الروسية الذي كان اول من تعامل مع اوزوالد قبل ان يحوله الى موهرينشيلدت. لقد ابلغ بوهي، جينر انه كان يشعر بالتوجس من اوزوالد في البداية، حتى انه امتنع عن حضور اول حفل عشاء اقامه رئيس الجالية الروسية بول غريغوري، على شرف اوزوالد لدى عودة الاخير من الاتحاد السوفيتي، وكان ذلك اول اتصال لاوزوالد مع الروس البيض بعد الزيارة. ولذلك اتصل بوهي بمحام صديق هو ماكس كلارك الذي كان متزوجاً من اميرة روسية لطلب استشارته، فقال له انه لا يوجد شيء خاطئ طالما ان الامور تتم عبر «القنوات السليمة»، لكنه نصحه بتوخي الحذر، فقرر في النهاية، ان يقبل الدعوة على العشاء.
ولم تبذل لجنة وارين جهداً لمعرفة ماذا قصد بـ «القنوات السليمة» ولم تطرح مزيدا من الاسئلة عن ماكس كلارك، فقد سبق لهذا الرجل ان ترأس الدائرة الامنية في شركة جنرال دايناميكس، وكان على علم بالتحقيقات التي يجريها الاخوان كنيدي في تعاملات الشركة.
وحين نشرت لجنة وارين نتائج التحقيق مع موهرينشيلدت استغربت وكالة اسوشيتد برس من «مصادفة» ارتباط الشخص بالصداقة مع اوزوالد، ومع احد افراد عائلة الرئيس كنيدي. لكن في الواقع، ان الشخص الاخير كان من عائلة زوجة الرئيس.
وعلى الرغم من فشل لجنة التحقيق في ازاحة الغموض عن حادثة الاغتيال، بدأ العالم يتحرك ومنه جورج بوش. فمع انه خسر انتخابات الكونغرس 1964 وكذلك خسر صديقه كريستون السباق على منصب حاكم الولاية، نجح بوش في تحريك الاحداث التي اوصلته الى واشنطن خلال عامين. لقد كسب بوش والحزب الجمهوري قضية بتغيير الخريطة الانتخابية لتكساس جعلها تتحول من الحزب الديموقراطي الى الحزب الجمهوري، وتغيّر وجه السياسات الاميركية لعقود مقبلة، ولتساعد جورج بوش في الوصول الى عضوية مجلس النواب ثم ارتقاء الرجل وابنه الى اعلى درجات السلم السياسي في البلاد.
وباغتيال كنيدي اصبح جونسون الذي ارتبط بعلاقات منذ زمن طويل - ولكنها غير معروفة - مع ال بوش، في البيت الابيض. ويعود تاريخ بدء هذه العلاقة الى عام 1953 حين انضم بريسكوت بوش الى جونسون في الكونغرس. وكان جونسون زعيم الاغلبية، وكان لبريسكوت قنواته الخاصة مع اعلى مستويات ادارة ايزنهاور. وتوثقت العلاقة اكثر عام 64 حين كان جونسون في البيت الابيض وبوش (الاب) في مجلس الشيوخ عن تكساس بالرغم من هجمات بوش المتواصلة ضد الديموقراطيين.
ومنذ ذلك الحين وقبل ذلك في تكساس، تمكن جورج بوش الاب طوال فترة ظهوره، في الحياة العامة ان يتقمص شخصيتين احداهما ظاهرة والاخرى مخفية في الاعماق.
عائلة من الأسرار (14) بوش رتّب في الخفاء كل شيء لابنه من الدراسة في ييل إلى الخدمة في الحرس الوطني إلى الزواج من لورا
كتب محمد أمين :
جورج ولورا بوش في البيت الابيض
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.
لقد كان تولي نائب الرئيس ليندون جونسون السلطة، خلفا للراحل جون كنيدي، امرا جيدا بكل تأكيد بالنسبة للتكساسيين القريبين من جونسون وجورج بوش، فشركة براون وروت التي مقرها هيوستون، على سبيل المثال، انضمت الى مجموعة من الشركات التي فازت بعقد قيمته 380 مليون دولار (ما يعادل2.5 مليار دولار بقيمة الدولار الحالية) من دون طرحه في مناقصة، وذلك لبناء منشآت ومرافق للقوات البحرية في فيتنام الجنوبية.
والمشكلة تكمن في ان هذا الاعداد العسكري سيتطلب شن حرب جديدة، ولكن جورج بوش لم يكن يرغب في ان يشارك ابنه الاكبر جورج في الحرب، وجورج بوش الابن لا يحمل فقط اسم والده، بل انه كما يقال شبل من ذاك الاسد، ولكنه اكثر خشونة، وفي الواقع فان فترة مراهقته وشبابه المبكرة عكست تجربة والده جورج بوش، بطريقة لافتة للانتباه، فقد التحق بالمدرسة الثانوية ذاتها وكذلك الجامعة والجمعية الطلابية نفسها والجمعية السرية كذلك، كما خاض التجارب نفسها، وان كان ضمن الحدود المقبولة لشخص من خلفيته الاجتماعية، غير ان جده بريسكوت فاقه في هذا المجال، فقد ادعى لوالديه انه عندما كان ضابط مدفعية في الحرب العالمية الاولى انقذ كبار القادة العسكريين الاميركيين والبريطانيين والفرنسيين، وفي خطاب ارسله الى ذويه ادعى بريسكوت انه خلال احدى المعارك حوّل اتجاه قذيفة متجهة اليهم بسكين كانت لديه، وقال انه قد كوفئ على ذلك بارفع وسام للدول الثلاث، وأعد والداه نشر هذه الحادثة في الصفحة الاولى للصحيفة المحلية في مدينتهما كلوميس في ولاية اوهايو، ولكنهما شعرا بالحرج لان الحكاية كلها كانت مجرد دعابة.
ابن مطيع
وفي الواقع، فان جورج بوش الابن كان ابنا طائعا وفيا لاسرته، وقد عمل بجد لتحقيق المعايير التي يطلبها والده، بل ان الاعمال التي كان يقوم بها بوش الابن في العطلات الصيفية كانت في مجال التدريب في الاعمال التجارية لاسرة بوش بصفة عامة، ففي عام 1962 عمل كمراسل في شركة بيكر بوتس للمحاماة وفي عام 1963 قضى الصيف يعمل لدى جون غرينواي صديق والده في مزرعته في شمال اريزونا، وفي صيف العام التالي كان مستعدا للعمل في حملة والده الانتخابية لعضوية مجلس الشيوخ، وقد تم اشراكه منذ صغره في تجارة الاسرة، فقد كان والده يأخذه معه وهو لم يزل صبيا صغيرا في رحلاته الخاصة بأعماله التجارية التي من بينها زيارة فرع شركة «زاباتا افشور» في مدينة ماديين في كولومبيا، وفي احدى هذه الرحلات التقى بوش الابن اسرة غاميل وهي اسرة اسكتلاندية من مالكي المصارف كانت قد ساعدت بوش الاب في تحويل بعض مشاريعه المبكرة، وعلاقات بوش الاب باسرة غاميل ظلت مستمرة لفترة طويلة، اذ انه بعد مضي نصف قرن فان احد افراد اسرة غاميل ساعد جورج بوش الابن على تعزيز علاقته مع رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير مما مهد الطريق للاتفاق بينهما على غزو العراق.
أسرار وغرائب
وبوش الابن عاش مثل والده، ومنذ سن مبكرة، حياة تحيطها الاسرار والامور الغريبة، وهي في الواقع حياة ذات وجهين ضمت عددا كبيرا من الزملاء ذوي الولاء، وشهدت المشكلات الغريبة والحاجة المستمرة لاستخدام الذكريات المنقوصة والتضليل الاعلامي، وفوق كل ذلك فان المبدأ الذي يشارك فيه الاب والابن فيما يتعلق بالولاء يشبه ذلك الذي نجده لدى عصابة المافيا الصقلية إذ يقول احد اصدقاء الاسرة ان «آل بوش يتميزون بالولاء تجاه بعضهم حتى النهاية. وانك اذا أغضبت احدهم تكون قد أغضبت الجميع». ولقد ظل بوش الابن والاب قريبين من بعضهما خلال السنين وبطريقة غير مفهومة، وحقيقة هذا القرب تعد عاملا مهما في فهم الكيفية التي صعد بها الابن وبسرعة الى القمة، وايضا فهم الامور التي شكلت وجهات نظره وقادته لفعل ما قام به كرئيس للبلاد.
وإحدى اولى بوادر الغرابة نجدها في اعلانه المفاجئ في الاول من يناير 1967 عن خطوبته كاثرين ولغمان الشقراء الجميلة من هيوستن التي التقاها بوش في حفل عندما كان طالبا في جامعة ييل وكانت هي طالبة في كلية سميث (التي تخرجت فيها باربره والدته). فبعد حادثة تزلج عادت ولغمان الى هيوستن للنقاهة وانتقلت الى جامعة رايس، واعلان الخطوبة الذي نشر في صحيفة محلية بعد عودة ولغمان الى هيوستن لم تتبعه اي خطوات ملموسة، كما يتحدد تاريخ الزفاف وبدا وكأن الامر كله قد تلاشى، وقال بوش الابن لصحيفة «هيوستن كرونيكل»: «لقد افترقنا». ومثل العديد من الاحداث في حياة بوش الابن، فان هذه المسألة البسيطة العادية غطاها العديد من الروايات والالتباسات. ويبدو ان والديه لم يرضيا بالزيجة لاسباب شخصية، اذ لم تقبل باربره بوش حقيقة ان والد كاثرين الذي تبناها كان يهوديا، وفي احدى المرات قال كودي شيرر صديق الاسرة للكاتبة كيتي كيلي ان باربره قالت «لن يكون هنالك يهودي في اسرتنا». وفي وقت لاحق قال جورج بوش الابن انه بعد نقله لتلقي التدريب العسكري الاساسي لم يمضيا اي وقت معاً.
ليس صدفة
وما هو غير معروف بصفة عامة انه خلال عامين من خطوبتها لبوش الابن عرضت على ولغمان وظيفة مع وكالة المخابرات الأميركية كمحللة اقتصادية في قسم فيتنام الشمالية وقد قبلت الوظيفة. وبعد تخرجها انتقلت الى واشنطن.
وفي عام 2006 وفي مقابلة اجريتها معها في مسكنها في بالو ألتو في كاليفورنيا، قالت لي ولغمان بما انه قد عرض عليها العمل في الوكالة وكانت ما زالت طالبة في جامعة رايس، افترضت ان توظيفها في الوكالة التي سيتولى بوش الاب وفي وقت لاحق منصب مديرها لم يكن مجرد صدفة، ولم يكن لدى ولغمان سبب يدعوها لمعرفة تاريخ بوش الاب في نشاطات الوكالة او علاقاته الواسعة الشخصية ضمنها، ولذا ربما كان الامر مصادفة، بيد ان عددا من الاشخاص ممن اجريت معهم مقابلات ابلغوني ان بوش الاب يحب ترتيب الامور، لكي تصل الى نتائج لمصلحته بالنسبة لمن يود ابعادهم من اسرة بوش.
وبغض النظر عن صحة ما يقال من ان بوش الاب قد ساعد في اخراج كاثرين ولغمان من حياة ابنه وعدم صحته، الا انه في واقع الامر ساعده في الحصول على سيدة افضل، فحال ذهاب ولغمان شرع بوش الابن يرافق تينا كاسيني ابنة أوليغ كاسيني صديق جورج دي موهر ينشيدت المقرّب ومصمم أزيـــاء جاكي كنيدي وهو من الروس البيض، أي من مؤيدي حكم القياصرة. ويقول دوغ هانا صديق بوش الابن عن الاب «كان بوش يعرف بالضبط ما كان يقوم به، فهو يرتب لقاء الشباب والشابات ممن يعتقد انهم مناسبون لبعضهم، بل انه رتب لقاء شقيقه جونثان مع ابنة سمسار اسهم، واجتهد في انجاح تلك العلاقة. وهو معجب بقدراته في ترتيب هذه الامور».
وبحلول منتصف الستينات، استقر بوش الاب في عمله في مجال العمليات، الذي سيبسم حياته كلها. كما كان يحب معرفة ما يقوم به الآخرون ويراقب شبكة صلاته الشخصية المتنامية من خلال نظام بطاقات مرتبة ترتيبا ابجديا، وابقاء استمرارية تلك الشبكة وتناميها من خلال بعض الخدمات البسيطة، والتواصل عبر بطاقات التهنئة بأعياد الميلاد التي يبعثها كل عام.
وعميل الاستخبارات المخضرم لديه علم بكل شيء بصفة عامة، ومن بين ذلك بالطبع التحديات الكبرى التي يواجهها ابناؤه. ولا يوجد تحد اكبر واجهه بوش الابن من امكانية الالتحاق بالخدمة العسكرية. فقد كانت الاسرة تدرك انه بعد تخرجه من ييل في ربيع عام 1968 سيخسر طلب الاعفاء من ادء الخدمة، اذ بصفته شاب اعزب كان سيواجه بكل تأكيد ارساله الى فيتنام.
عائلة صقور
غير ان بوش الاب وزملاؤه السياسيون يعرفون جيدا ان فيتنام مشرحة لحفظ الجثث، بل ان من يساندون الحرب عادة ما يكونون غير حريصين على ارسال ابنائهم اليها، خاصة الابن الاكبر الذي يحمل اسماءهم. ومن جانب آخر، فان التهرب من الخدمة العسكرية امر يصعب تقبله بالنسبة لشخص مثل بوش الاب، لان رجال الاسرة جميعهم من الصقور. فقد كان الجد بريسكوت بوش الذي شارك في الحرب العالمية الاولى مساندا لاستخدام القوة العسكرية في فيتنام. وبوش الاب الذي قاتل في الحرب العالمية الثانية ناصر قضية فيتنام في حملته الفاشلة 1964 للوصول الى مجلس الشيوخ، بل انه صادق على ا ستخدام الاسلحة النووية. وبعد مضي عامين من ذلك وبعد فوزه بمقعد في مجلس الشيوخ عن منطقة ثرية في هيوستون. كما ايد تصعيد الرئيس ليندون جونسون للنزاع، وخلال آخر عطلة لأعياد الميلاد لبوش الابن في الجامعة، وفي الوقت الذي كان سيواجه فيه الالتحاق بالخدمة العسكرية، كان والده في فيتنام ظاهريا في مهمة لجمع الحقائق للكونغرس ولتقديم الدعم للجنود.
وما جعل وضع بوش الابن اكثر صعوبة انه كان شخصيا قد ايد الحرب اثناء دراسته في جامعة ييل، في الوقت الذي كانت فيه الحركة المضادة للحرب تسيطر على الجامعات. والآن وجد نفسه محاصرا. وهو لن يتهرب من الخدمة العسكرية بكل تأكيد. واذا كان يأمل في السير على خطى والده والترشح لمنصب عام فإنه بحاجة الى اظهار تمتعه بصفات الشجاعة والوطنية، وعلى الأقل تفادي ان يوصف بانه جبان او منافق، كما انه لا يستطيع الهروب من تأثير تجربة والده الذي التحق بالخدمة العسكرية في سن الثامنة عشرة وآراء قاعدة الجمهوريين التي تكتظ بالمحاربين القدامى والناخبين المؤيدين للقوات المسلحة.
وكان المخرج الوحيد بالنسبة له هو الحرس الوطني الذي كان يوفر في تلك الايام اداء خدمة عسكرية آمنة والعديد من الشباب الصغير السن كانوا يتطوعون للاستدعاء في الحرس الوطني، ولكن كان يتم اختيار القلة من المحظوظين، وكان الحل بالتالي واضحا، اي الحصول على عمل في الحرس الوطني، ويعني ذلك التقدم في صف المرشحين الطويل لمن ينتظرون الاستدعاء للعمل فيه. كما ان هناك ايضا مخاطر قد تتعرض لها الاسرة السياسية البارزة اذا ما تم اكتشاف استخدام نفوذها لابعاد ابنها من اداء الخدمة العسكرية في فيتنام.
معاملة خاصة
لقد وضعت الاسرة في الاعتبار حسابات استخدام النفوذ واستغلال اتصالاتها وعلاقاتها للحصول على معاملة خاصة، وبذلها لجهود جبارة لاضفاء ما اقدمت عليه شكل جزءا كبيرا من حكاية تفادي جورج بوش الابن اداء الخدمة العسكرية في فيتنام. فقد تم التعتيم على القصة الحقيقية عن طريق عملية منسقة استمرت لأكثر من ثلاثة عقود، والنجاح الباهر لحملة التضليل هذه تثبت تأثير الدعاية واساليب ادارتها بالطريقة التي كانت شائعة ابان الحرب الباردة.
وكان نتيجة ذلك بقاء تفاصيل الخدمة العسكرية لجورج بوش الابن غامضة وغير مفهومة بالنسبة الى الناس، ولم يتم تقديم اي تفسير رسمي لكيفية التحاق بوش الابن بالحرس الوطني، ناهيك عما قام به اثناء تواجده هناك او ان كان قد اكمل الفترة الالزامية المقررة او انه تراخى في التزامه، وبات لدى عامة الناس احساس بوجود تصرف خطأ، فالضباب المحيط بخدمة بوش الابن في الحرس الوطني يعد امراً غريباً اذا ما وضعنا في الاعتبار ان العمل العسكري كان السمة الاساسية لرئاسة جورج بوش الابن، والحقيقة وراء هذا الغموض لا يكشف فقط الكثير من امر بوش الابن نفسه، بل انه يكشف عن الطبقية والامتيازات في اميركا، وعن العلاقة فيما بين الاعلام والنخبة الحاكمة، ولو كانت القصة الحقيقية قد رويت منذ وقت مبكر لكان تاريخ الثماني سنوات من فترة ولاية بوش الابن الرئاسية قد اختلفت اختلافاً كبيراً، بل ربما لم نكن لنشهد مثل تلك الرئاسة وان الآلاف من الرجال والنساء ممن فقدوا في القتال كانوا الآن احياء اضافة الى عدد لا يحصى من الضحايا العراقيين.
وحدة الشمبانيا
لقد ظل جورج بوش الابن يدعي دائما انه التحق بالحرس الوطني مثل اي شخص آخر، اي انه تقدم بطلب وتأهل وتم قبوله، ويدعي بوش تحديداً انه خلال عطلة اعياد الميلاد في عام 1967 سمع انه توجد وظائف في السلاح الجوي للحرس الوطني في مقره في هيوستون، ووفقا لبوش الابن فانه تحدث مع رئيس الوحدة الكولونيل والتر ستاودت الذي اكد ان هنالك وظائف شاغرة لطيارين.
وفي الواقع لم يكن هنالك نقص في الطيارين، فقد طلب من توم هيل مؤرخ الحرس الوطني في تكساس في اواخر التسعينات اعداد عرض خاص حول خدمة حاكم الولاية حينها جورج بوش الابن في الحرس الوطني، وتوصل الى سجلات تؤكد انه بينما كانت هنالك وظيفتان شاغرتان في ذلك الوقت كان هنالك ايضاً اثنان من الطيارين على استعداد لشغلهما، وبصفة عامة كان هناك الآلاف من المتقدمين الراغبين بشدة للالتحاق بالحرس تضمهم قوائم الانتظار التي تغطي البلاد كلها، وان العديد من المتقدمين كانوا مؤهلين اكثر من بوش الابن.
ولكن هنالك مؤهلات علمية ومؤهلات اخرى غير موضوعية وفرقة الحرس الوطني معروفة محلياً باسم «وحدة الشمبانيا» بسبب ضمها لافراد من الطبقة العليا، ومن بين اعضائها ممثلون لاسر واسعة الثراء والامتيازات، ومنهم حفيد ملياردير النفط هـ - ل هانت وابن سيناتور تكساس لويد بينتسين، والحاكم جون كونالي، ووريث شركة سكوفيتس، وقد تمكن كلينت مورشيسون مالك نادي دالاس كاوبويز لكرة القدم الاميركية من اخراج سبعة من لاعبيه من الخدمة في فيتنام والعمل في هذه الوحدة، ومعظم اعضائها ليست لديهم علاقة بالطيران بل يعملون في خدمات الاسناد.
طيار فاشل
وبعد سنوات اقر بين بارنز رئيس مجلس نواب ولاية تكساس في عام 1968 بانه ساعد بوش الابن في الالتحاق بالحرس الوطني الجوي في تكساس، وقد روى بارنز هذه الحكاية للمذيع التلفزيوني وان رازر في برنامج «60 دقيقة» عام 2004، وما لم يذكره بارنز ان احدى صديقات بوش من ايام الصغر كانت تعمل سكرتيرة له في الفترة التي ساعد فيها بوش، كما لم يشر الى ان صديق تلك السيدة تحول الى اهم شخصية في حياة بوش الابن، فهو الشخص الذي قاد حملات جمع التبرعات من اجل حملة بوش (الابن) الانتخابية.
ومن الواضح ان المحاباة في القبول كانت العرف السائد في فرقة الطيران في الحرس الوطني في تكساس، بيد ان المعاملة الخاصة التي تلقاها بوش (الابن) لم تنته عند هذا الحد، فقد اتخذ الحرس الوطني خطوة غير عادية لترتيب دورة تدريب خاصة له في مجال الطيران، وكان الحرس الوطني يسعى لتعيين طيارين مدربين ممن قادوا طائرات نفاثة في المعارك او في عمليات الاسناد في الخارج ولديهم الآن استعداد للانضمام الى الحرس للحصول على مال اضافي. غير ان دافع الضرائب سدّد اكثر من مليون دولار لتدريب بوش الابن على الطيران، وكأنه كان سيبعث الى الخارج في وقت كان المسؤولون يدركون انه لن يغادر البلاد. وكان بوش الابن اثناء تدريبه في مجال الطيران في قاعدة مودي الجوية في جورجيا الشخص الوحيد من بين مائتي طيار من القوات الجوية. وفوق ذلك، فقد احرز نسبة متدنية للغاية بلغت 25 في المائة في اختبار قدرات الطيارين. وقد علق على هذا الامر لاحقا وهو يمزح: «لقد ادركوا انني لن اكون من بين الطيارين العظماء».
إعفاء من الخدمة
وقد بلغ الاهتمام به درجة تخطي المعايير المطلوبة بالنسبة للرتب، فقد اصبح فورا ضابطا، في خطوة تنم عن محاباة غير عادية. اذ منح مباشرة رتبه ملازم ثان ويقول مؤرخ الحرس توم هيل: «لم أسمع البتة بمثل هذا الامر، فعادة ما تمنح هذه الرتب للاطباء، لاننا كنا في حاجة الى عدد اضافي منهم!». والحصول على رتبة ملازم ثان يتطلب الالتحاق بكلية لتدريب الضباط وقضاء 18 شهرا من الخدمة العسكرية. ولم يكن بوش الابن يتمتع بهذه المؤهلات. والروايات حول حياة جورج بوش الابن بالكاد تقدم تفسيرا للدور الذي لعبه والده في حياته كشاب. ووالده -كالعادة- كان حريصا على الا يترك اي بصمات. ففي واقع الامر، فان المسؤولين في الحرس كانوا يعرفون تماما من هو والد المجنّد الجديد. وبعد مُضيّ عدة اشهر من منحة رتبة ملازم ثان اعاد رئيسه وقائده العسكري الكولونيل ستاودت إجراءات حفل منحة الرتبة حتى يتمكن من التقاط صور له مع بوش الابن ووالده عضو الكونغرس. وبعد عام من ذلك وعندما كانت القاعدة التي بها قوات الحرس مهددة بالاغلاق ساعد عضو الكونغرس جورج بوش الاب في عدم اغلاقها.
وبعد وقت قصير من حصوله على تلك المتطلبات غير العادية حصل ايضا على إذن بالاعفاء من الخدمة، وان كان على الأقل مؤقتا. فقد منح عطلة لشهرين للعمل في حملة ادوارد غورين المرشح لمقعد الكونغرس عن ولاية فلوريدا. وهي الحملة التي كان يقودها جيمي اليسون احد اعوان جورج بوش (الاب)، فإلى جانب تكساس، شكلت فلوريدا جزءا مهما من استراتيجية نيكسون الجنوبية.
وفقط، بعد انتخاب غورين، انتقل بوش (الابن) الى قاعدة مودي الجوية في جورجيا، حيث تلقى تدريبا في الطيران ولقرابة عام على طائرة سيسنا التجارية، كما يفعل المبتدئون في عالم الطيران، اما الطائرة الحربية النفاثة، فقد تدرب على قيادتها نظريا فقط، وعلى جهاز المحاكاة الالكتروني.
الحلقة الخامسة عشرة: بوش الابن ارتدى بدلة الطيارين البيضاء من أجل الإيقاع بالجميلات
عائلة من الأسرار بوش ارتدى زي الطيارين الأبيض من أجل الإيقاع بالجميلات! كتب محمد أمين :
• جورج بوش بالزي الكامل لسلاح البحرية
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.
بعد وقت قصير من عودته من جورجيا في نوفمبر 1969، واثناء جلوسه في الحانة في نادي الضباط، رأى بوش الابن اينغا هونيس، وهي مهاجرة دنمركية فائقة الجمال. وكما روت لي هونيس في عام 2006 في مقابلة اجريتها معها، فهي قدمت الى الولايات المتحدة للعمل في وكالة الفضاء الاميركية ناسا في فلوريدا وتزوجت بأميركي، ولكن زواجهما لم يستمر طويلاً. وكانت قد انتقلت اخيراً الى منطقة هيوستون حيث عملت في شركة تنفذ مقاولات لمصلحة مركز جونسون للفضاء التابع لوكالة الفضاء الاميركية الذي مقره قريب من قاعدة الينغتون الجوية. ورواية هونيس لتجربتها مع بوش الابن هي رواية امرأة واحدة بالطبع، ولكنها لم تنشر من قبل.
وتختلف رواية هونيس كثيراً عن الروايات الباهتة في المقابلات التي اجريت مع نساء من مجتمع هيوستون ممن وصفت تجربتهن مع بوش الابن في تلك الايام. ومعظمهن يصورنه شخصا مهذبا حسن الخلق ليس من النوع الذي يفرض نفسه على اية امرأة.
وتقول رواية هونيس انه في الليلة التي التقاها فيها في نادي الضباط بدا بوش الابن انيقاً في زي الضباط الابيض اللون، وقد حاول ان يبدو اكثر جاذبية بالتظاهر أنه من القوات الجوية، وقالت «بدأ بإبلاغي أنه طيّار وان والده عضو في مجلس الشيوخ و ... و ... ولم يعجبني ذلك، بل اعتقدت انه يرى ان في مقدوره فعل اي شيء وقول كل شيء، لأن والده عضو في مجلس الشيوخ.. وبعدها بدأ يطاردني لثلاثة او اربعة اشهر. ولكنني لم اهتم به وكثرت دعواته لي للعشاء وتحولنا الى صديقين. وفي وقت لاحق عرفت انه كذب علي بقوله انه ضابط طيار في القوات الجوية».
صداقة غير حميمة
وبالرغم من ملاحقة بوش الابن لها فإنها استمرت بصدّه. فقد كانت تواجه قضية طلاق، ولديها ابنة في الرابعة من عمرها، ولم تكن مهتمة بالدخول في علاقة رومانسية. غير ان بوش استمر بالتقرب منها بإصرار، وجذبها ودخلا في علاقة وصفتها بأنها صداقة غير حميمة، وقالت انه كان يبدو غير راغب في تعريفها بذويه، بما انها لا تنتمي لاسرة معروفة وثرية. غير ان الامور تغيّرت فجأة فيما بين الاثنين، ففي الساعة الحادية عشرة ليلاً في احدى الليالي سمعت هونيس شخصاً يقرع باب شقتها، وعندما فتحت الباب وجدت امامها بوش الابن وهو يرتدي زي ضابط الطيران، وقال لإينغا انه لا يستطيع العيش من دونها. وسمحت له بالدخول واستأذنته لكي ترتدي ملابس مناسبة لانها كانت ترتدي ثوب النوم. وعند عودتها بعد دقائق قليلة اصابتها الصدمة. فقد وجدته مستلقياً على الاريكة وقد خلع كل ملابسه. ولا تعرف أكان استمالها ام كانت منهكة. فقد سمحت لبوش بقضاء الليل عندها. وغادر في السادسة صباحاً ووعد بالاتصال بها في اليوم التالي. وبعد مضي ثلاثة او اربعة ايام من دون اتصال منه سألت هونيس صديقاتها عما إذا كانت اي منهن قد رأته. واقترحت عليها احداهن الذهاب الى نادي الضباط لتسأل اصدقاءه عنه.
«وذهبت الى نادي الضباط ووجدته واقفاً مع بعض اصدقائه وهو يضحك ويمزح ويشرب، فتقدمت اليه من الخلف، وكنت شابة ومندفعة، وربّت على كتفه، وقلت له «جورج، أين كنت؟»، فالتفت ونظر الي وقال «من انت؟!»، وضحك الجميع. من انت؟ قالها في وجهي. ولم اعرف كيف أردّ. وقررت الخروج من تكساس وعدم العودة اليها البتة. وقد غادرتها بعد 24 ساعة للابد وانتقلت الى كاليفورنيا». وهي تعمل حالياً مهندسة برامج تلفزيون.
مقاتل نهاية الأسبوع
في يونيو 1970 وبعد انتهاء بوش الابن من تدريباته على الطيران في هيوستون اصبح التزامه تجاه الحرس الوطني يجعله يعمل نصف دوام، اي انه تحول الى ما يطلق عليه عادة صفة «مقاتل نهاية الاسبوع».
ويعني هذا الامر بالنسبة للعديدين العودة الى وظائفهم واعمالهم. ولكن فيما يختص بجورج بوش الابن فإن ذلك يعني لعب الكرة الطائرة وشرب الكحول. ومرة اخرى تخطى قائمة الانتظار، إذ استأجر شقة في مجمع راق كان يضم ابناء الطبقة العليا في هيوستون ويقيم فيه مجموعة من خريجي القاعدة واصدقاء بوش. وفي مجمع شاتو ديجون هذا التقى بوش بالعديد من الشخصيات التي ستلعب دوراً مهماً في حياته. وكانت زوجة المستقبل لورا ويلش تقيم قريباً من المجمع غير ان جورج ولورا ظلا يؤكدان باستمرار انهما لم يلتقيا البتة خلال تلك الفترة.
وفي سنوات لاحقة عندما كان المراسلون يثيرون اسئلة حول تصرفات بوش في تلك الفترة، كان مديرو حملته الانتخابية يحرصون على اعطاء انطباع بأن تصرفاته غير المقبولة تركزت على الافراط في الشرب، وكان بوش الابن يتفادى الاسئلة عن تعاطيه المخدرات.
وعن طرح سؤال عليه حولها خلال حملته الانتخابية الاولى نفى تعاطيه بشكل ملتبس، مما اشار الى امكانية تعاطيه للمخدرات قبل عام 1974.
وبعض المصادر التي اصبحت الآن من اعمدة مجتمع هيوستون ادعت انها تتذكر ان بوش الابن كان يتعاطى الكوكايين، ولكنها رفضت نقل حديثها رسمياً، فلم نستطع - بالتالي - الاعتماد على شهادتها.
ومن المشاركة في حملة والده الانتخابية كمرشح جمهوري لمجلس الشيوخ في عام 1970 لم يكن لدى بوش الابن ما يشغله سوى الشابات الجميلات في مجمع شاتو ديجون. وكانت له علاقة امتدت لستة اشهر مع روبن لومان احدى اجمل الشابات في المجمع. وكانت علاقتهما موضوع عدة تحقيقات صحفية اعدها صحافيون يعملون لمطبوعات تراوحت فيما بين «نيويورك تايمز» الى «فانيتي فير» و«ناشيونال انكويرر»، ومثل العديد من الحكايات حول آل بوش التي سيكون لها آثار سلبية لم يرَ اي منها النور البتة.
وكانت احدى المجلات على استعداد لنشر موضوع في عام 2004، ولكنها سحبته بعد الضجة العامة التي اثارها سجل بوش الابن في الحرس الوطني في برنامج «60 دقيقة» التلفزيوني. والاسباب التي قدمها الاخرون لعدم نشر الموضوع جاءت متباينة.
غير ان اربعة مراسلين ممن عملوا في صياغة تلك المقالات اقتنعوا بصحة تلك الحكاية، وقد شاركوني تجاربهم الخاصة وتفاصيل ما نقلوه عن مصادرهم الخاصة. ومجموع ما رووه يحمل اصداء ما ابلغتني به اينغا هونيس. وهو كما يلي:
مجمع المتعة
ادعت ميشيل بيري، التي كانت صديقة روبرت شاندلر صديق بوش الابن، انهما كانا في شقته ذات يوم عندما تلقى مكالمة هاتفية من جورج بوش الابن تنم عن الانزعاج. وسمعت بيري شاندلر يقول: «اهدأ، سنهتم بهذا الامر». وعلمت بعد ذلك ان ما ازعج بوش هو ان لومان كانت حاملا. وعندها اتصل شاندلر فوراً بطبيب صديقته لترتيب عملية الاجهاض.
ونقلت لومان الى مستشفى في هيوستون حيث تولى علاجها الطبيب الجراح صديق شاندلر. وبما ان الاجهاض غير قانوني في تكساس فقد اجريت لها عملية على ان التشخيص هو اسقاط الجنين.
وقد عادت هذه الحكاية الى الواجهة ابان حملة بوش الابن الانتخابية لانه كان يعارض حق المرأة في الاجهاض. وبالرغم من ان اسم بوش الاب لم يرد في تلك الحادثة أو طريقة حلها، لكنه كان يعرف المتورطين فيها ومن بينهم شاندلر معرفة جيدة. ولم يكن من المدهش ان يتدخل لأداء الدور الذي ظل يقوم به أي تخليص ابنه من الورطات التي يقع فيها. وبعد حادثة لومان تلك أخرج بوش الابن من مجمع المتعة الذي كان يقيم فيه ونقل إلى شقة خلف مسكن صديق للأسرة في منطقة سكنية هادئة في هيوستون. كما كان معه زميل سكن لكي يهتم به وهو دون ايسنات. وكان ايسنات بعد تخرجه في جامعة ييل عمل في الحملة الانتخابية لبوش الأب في عام 1970. وقد تمت مكافأته في وقت لاحق بتعيينه سفيرا لدى بروناي، كما عينه الرئيس بوش الابن رئيسا للبروتوكول.
ولم يكن بوش الابن في حاجة إلى رقابة بل إلى أمر يشغله أيضا. والتحق على مضض للعمل في شركة سترافورد في تكساس وهي شركة زراعية دولية عملاقة يديرها بوب غاو احد أعوان جورج بوش الأب السابقين. وقال لي ديفيد كلاوسماير في عام 2006 في مقابلة في مسكنه في هيوستون «كنت أعرف لماذا كان هناك، لقد رتب له والده تلك الوظيفة، كانت تلك هي المرة الأولى التي التقي فيها بوش الابن الذي كان متدربا لا اكثر ولا اقل، ليقضي وقته». وفي الواقع كانت تلك أطول فترات عمل بوش الابن في وظيفة. وإذا كانت مهامه فيها يحيطها الغموض فإنه أحاط أيضا تركه المفاجئ للعمل.
وشركة ستراتفورد مثل زاباتا لديها هيكل مالي معقد وعمليات خارجية لا تحقق الربح. واثناء عمل بوش الابن هناك شارك في عدد من المهام الدولية في مواقع مثل جامايكا وغواتيمالا، ولكنه لم يتحدث عن هذا الأمر البتة. وفي سنوات لاحقة وعندما كان مرشحا رئاسيا اتهم بأنه يفتقر إلى الخبرة في السياسة الخارجية وكان في مقدوره الرد على تلك الاتهامات بلفت الانتباه إلى رحلاته اثناء عمله في ستراتفورد. ربما كان ذلك تجاهلا غريبا ما لم يكن يرغب في قيام اي احد في التحقق من تلك الرحلات.
مشكلة الطيران
مهما كانت الأسباب وراء ترك وظيفته في ستراتفورد والعودة إلى حياة البطالة لكنه في الوقت ذاته بدأ يواجه مشاكل في عمله نصف دوام طيار عسكري.
فقد اوضحت السجلات في أوائل عام 1972 ان بوش الابن اصبح يواجه مشاكل في عمله في الحرس الوطني. والجداول الزمنية لفترات طيرانه في ذلك العام تظهر امره بالعودة الى التدريب في طائرة بطيارين. وهو التدريب الذي اكمله قبل عامين من ذلك. وقد كان ذلك بعد ان سجل اكثر من مائتي ساعة طيران في الطائرة ذات المقعد الواحد النفاثة المقاتلة.
ووفقا لجداول الطيران المسجلة فإن صديق بوش جيم بات الطيار السابق في السلاح الجوي صحبه في بعض تلك الطلعات التدريبية ربما لتعزيز ثقته. ويبدو ان هذه اللفتة من صديقه لم تؤثر في الوضع. فبعد عودته إلى طائرته أف - 102 احتاج الى ثلاثة طلبات هبوط قبل ان يتمكن من الهبوط بها. بل انه حتىالتدريب على جهاز المحاكاة اخذ منه عدة محاولات قبل النجاح في الهبوط بطائرته الافتراضية.
وبما ان الطائرات المقاتلة تطير في شكل تشكيلات مترابطة فإن مشكلات بوش لا تعد مشكلة فردية تخصه. وهذا ما قد يفسر انه حلق بالطائرة آخر مرة في 16 ابريل 1972، وبعدها بقليل ترك الوحدة بل والولاية. وتم تفسير مغادرته في السجلات العسكرية بأنه لحصوله على فرصة وظيفة. فقد حصل بوش على وظيفة إدارية في حملة وينتون بلونت لمجلس الشيوخ وهو صديق لبوش الأب. وذلك في مدينة مونتغمري بولاية الباما.
وفي الوقت الذي وصل فيه جورج بوش الابن الى مونتغمري كانت حملة بلونت للحصول على مقعد في مجلس الشيوخ قطعت شوطا. وقد منح بوش وظيفة مهمة، كما ألمحت الى ذلك صحيفة واشنطن بوس في عام 2004 «بالرغم من حداثة تجربته في مجال الحملات الانتخابية الا أن بوش منح منصب مساعد مدير الحملة وما تحمله من مسؤوليات. وأوكلت اليه مهمة تطوير منظمات المقاطعة وبصفة خاصة في المناطق الشمالية المرتفعة من الولاية، وقد أثار اعجاب المواطنين بنشاطه وطاقته».
سجل ضبابي
وفي واقع الأمر، فإن الحملة ضمت ثلاثة أشخاص، من مسؤولياتهم تنسيق أعمال منظمات المقاطعة وكل واحد منهم مسؤول عن ثلث الولاية. ومن الصعب معرفة ما كان يقوم بوش بـ«تنسيقه»، وقد كانت مهمته هي القيام بدور ضابط اتصال في ما بين اليسون وموظفي الحملة الآخرين، غير ان مسؤولياته ظلت غير واضحة، بل ان بوش الابن لم يختر حتى الذهاب الى الباما، انما أمره والده بذلك.
وكان بوش قد طلب من رؤسائه في الحرس الوطني السماح له بأداء «واجبات مماثلة» في الباما. وتقدم بطلب للانضمام الى وحدة الحرس في الباما وكان اختياره لتلك الوحدة أمرا غريبا. فقد كانت في الواقع وحدة برية تجتمع ليلة واحدة في كل شهر. وكانت القاعدة هناك على وشك الاغلاق. وقال رئيس الوحدة الكولونيل ريبس بريكين في وقت لاحق «لم تكن لدينا طائرات ولا طيارون، لم يكن لدينا أي شيء». ولسوء حظ بوش، فإن مركز احتياطي الطيران اخطأ في طلب النقل. وحصل بوش في نهاية المطاف على مهمة مناسبة. فالوحدة 187 للاستطلاع التكتيكي مقرها القاعدة الجوية للحرس الوطني في مونتغمري وقبوله في هذه الوحدة موثق. وخلال ذلك فإن خدمة بوش الابن العسكرية تختفي بكل بساطة خلف الضباب. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها الصحافيون والباحثون طوال فترة رئاسته، لكن المؤسسة العسكرية فشلت في الوصول الى السجلات التي توثق فترة خدمته العسكرية بالكامل.
العودة إلى تكساس
بعد هزيمة بلونت في اوائل نوفمبر 1972 أخذ بوش الابن حوائجه وعاد إلى تكساس، ولكنه لم يذهب للعمل في وحدة الحرس في الينغتون كما هو مطلوب منه. وفي ديسمبر من ذلك العام عقد تجمع أسرة بوش السنوي في العطلات في العاصمة واشنطن، حيث كان بوش الأب يتولى قيادة الحزب الجمهوري الذي كان يعاني مشكلات. وكان الحزب حينها في خضم فضيحة ووترغيت، حيث كان يتم الكشف كل يوم عن أمر جديد. ووفقا لقصة تداولتها اجهزة الإعلام، فقد وقع خلاف في ما بين بوش الابن ووالده في تلك الفترة، ويقال ان بوش الابن أخذ شقيقه الاصغر مارثين لزيارة اليسون الذي لديه مسكن في العاصمة منذ ان كان يعمل في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري. وبعد مغادرة مسكن اليسون قاد بوش الابن السيارة وهو تحت تأثير الكحول، حيث اصطدم بعدد من حاويات النفايات اثناء قيادته السيارة وعندما حاول الأب توبيخه تحداه الابن بأن يواجهه كرجل ضد رجل.
شاب متمرد
وتكشف هذه الحادثة عن طبيعة جورج بوش الابن الشاب المتمرّ.د الذي لا تستطيع الاسرة السيطرة عليه. وفي الواقع، فإن بوش الابن قد تكون تصعب السيطرة عليه وانه مدمن على الكحول، غير انه يظل ملتصقا من أسرته وقريبا من والده. وخلال الأشهر الستة التالية ظل بوش على اتصال منتظم بأسرته رغم ما بدا من فشله في متابعة اداء واجبه العسكري في الحرس الوطني. فقد حضر مع والده مؤتمر الحزب الجمهوري الذي عقد في اغسطس عام 1972 في ميامي، كما حضر جنازة جده بريسكوت بوش في كونيكتيكت والتقيا ايضا في شقة والديه في برجي والدروف في مدينة نيويورك، وهنالك ايضا زياراته المطولة في العطلات في عامي 1972 ــ1973، كما ذهب آل بوش معا لقضاء بداية العام الجديد 1973 في فلوريدا.
ومن فلوريدا لم يذهب بوش الابن مباشرة الى تكساس، بل توقف في الباما وهي ولاية لم يعد يقيم فيها وقام هناك بامرين، الاول زيارة طبيب الاسنان في قاعدة دانيلي الجوية لاجراء فحص روتيني لاسنانه وبالتالي ترك وثيقة سوف يقدمها عن ثلاثة عقود كدليل على خدمته العسكرية في الباما.
وفي تلك الزيارة القصيرة لمدينة مونتغمري في الباما اتصل بوش بشابة عملت معه في الحملة الانتخابية لمصلحة بلونت ودعاها لتناول العشاء معهم، وجاء للعشاء وهو يرتدي بزته العسكرية وقال لها انه اتى للمدينة بغرض حضور تدريب عسكري في الحرس الوطني، وبعد مضي عقود من ذلك وخلال الحملة الانتخابية في عام 2004 لاعادة انتخابه وكان لمنافسه جون كيري سجلا عسكريا مشرفا في فيتنام، كان على العاملين في حملة بوش تبرير الفجوة الظاهرة في سجله العسكري، وعليه نشر البيت الابيض سجل الفحص الذي اجراه طبيب الاسنان وتمت الاشارة الى الاتصالات الهاتفية التي اجراها مع زميلته في الحملة الانتخابية، وقبلت اجهزة الاعلام الاميركية بصفة عامة هذين الدليلين بانهما يثبتان ان بوش اكمل التزامه بالخدمة العسكرية.
خدمة عامة خاصة للغاية
بعد «ترتيب» مشكلة الخدمة العسكرية في الباما عاد بوش الابن الى تكساس، حيث حاول الحصول على اثبات لسد الفجوة في خدمته العسكرية غير ان مرؤوسيه لم يرغبوا في عودته، وكانت تلك نكسة خطيرة، وكانت امامه فترة تسعة اشهر قبل الالتحاق بكلية الاقتصاد في جامعة هارفارد، وكانت هنالك خشية ان تصدر منه بعض المشاكل في هيوستون خلال هذه الفترة، وبالتالي تم توفير حل ثان وهو إلحاق بوش الابن للعمل في منصب «مستشار» في برنامج لرعاية شباب المناطق الفقيرة في المدينة. وكانت رابطة القيادة المهنية المتحدة مكانا مناسبا لتمضية بوش فترة قصيرة فيها، فهي تركز على الرياضة وتهتم بأطفال احياء المدينة الفقيرة، ولم تكن هذه الرابطة مقبولة تماما بالنسبة لآل بوش، بل هي مؤسسة أنشأها جورج بوش الاب تقريبا، فقبل عدة سنوات راودت بوش فكرة تقديم المساعدة الى الاميركيين السود في المنطقة اثناء سعيه للحصول على مقعد في مجلس الشيوخ، وقد تبرع بقدر كبير من المال المخصص لتأسيس الرابطة في عام 1970، كما تولى حينها الرئاسة الشرفية لهذه المنظمة. وقالت مجلة «يو اس نيوز آند وورلد ريبورت» في عام 1999 ان بوش الاب رتب عملية توظيف ابنه في الرابطة لانه كان «يأمل في تعريف ابنه الطائش بالحياة الواقعية»، وفي شريط فيديو عرض في مؤتمر الحزب الجمهوري في عام ألفين صورت الفترة القصيرة التي قضاها بوش الابن في الرابطة بانها تعبر عن اتجاهه «المحافظ المتعاطف»، ويقول بوش في الفيلم «شخص رائع اسمه جون وايت طلب مني القدوم للعمل معه في مشروع في منطقة ثيرو وورد في هيوستن، واذا لم نساعد الاخرين ونقودهم فمن الذين سيقوم بذلك؟». غير ان الادلة تشير الى امر اخر مختلف، فقبل عشرة ايام من اعادة انتخاب بوش الابن في 2004 نشرت صحيفة «نايت رايدر» تقريرا لم يحظ باهتمام، صاغته المراسلة ميغ لوخلين اعتمد على محادثات اجرتها مع عاملين سابقين في رابطة القيادة المهنية المتحدة ممن وافقوا على التحدث معها على مضض، وقالت الثيا تيرز «لم نكن ندرك مدى المشكلة التي كان يعاني منها، بل كنا نعرف فقط انه فعل امراً يتطلب منه تعويضا باداء خدمة لفترة زمنية وكان على جورج التوقيع في القدوم والانصراف، واتذكر ان توقيعه كان سريعا وفي عجلة، ولكنه لم يكن موظفا ولا حتى متطوعا. وقال جون ان عليه مراقبة الوقت الذي يقضيه بوش لان عليه قضاء عدد كبير من الساعات لانه يواجه مشكلة». وقد ردد البعض هذه الملاحظات ايضا، فقد قال لاعب فريق هيوستون اويلرز لكرة القدم الاميركية ويلي فريزر الذي تطوع في صيف عام 1973 «قال جون انه يقدم خدمة لوالد جورج لانه تم ترتيب بأن يكون الابن هنا». والانطباع الذي ساد هو ان جورج بوش الاب رتب امر عمل جورج الابن في الرابطة كنوع من «التعويض».
رواية تبدأ من نهايتها أموات بغداد: ما هو أصعب من الخيال في أسلوب أدبي علمي
عرض: د. نورة ناصر المليفي
أموات بغداد رواية جديدة للروائي والصحافي د. جمال حسين علي، وهي صادرة عن دار الفارابي ـ بيروت، تقع في خمسمائة صفحة من الحجم المتوسط.
سبقت هذه الرواية ثلاث روايات: صيف في الجنوب – الفنارات– التوأم، وثلاث مجموعات قصصية : ظل متبخر- الضريح الحي – والتويجات.
أموات بغداد رواية تحكي واقع الشعب العراقي بكل دقة وبكل صدق، هذا الصدق أعطى الرواية قوة في التأثير، وتفاعلا مع الأحداث فكل ما في الرواية هو واقع لامحالة، حتى وإن أنكره العقل، ورفضته الكرامة الإنسانية، لتصبح هذه الرواية أصعب من الخيال.
بدأ الكاتب روايته من النهاية، حيث يدخل بطل الرواية العراق عن طريق التهريب من موسكو، بعد غياب أكثر من خمسة وعشرين عاما، ويجد نفسه محاطا بأوضاع غريبة لايصدقها العقل، فبغداد التي تركها خمسة وعشرين عاما لم تعد سوى مدينة أشباح وقتل وأموات.
يبدأ بعد ذلك بسرد التفاصيل وكيف خرج من بغداد ثم استقراره بموسكو، وتفرغه للأبحاث والإنجازات العلمية التي أشهرته، وصار عالما من علماء الفيزياء والكيمياء، ولم يغفل المؤلف الجانب العاطفي للبطل، ومن ثم هروبه من موسكو ودخوله المحطة الأخيرة ألا وهي بغداد، التي عمل فيها مراسلا ومشرحا للأموات.
إنها رحلة من العذاب، والمغامرات الإنسانية والبحوث العلمية والنزعة الفطرية لرفض الظلم والقهر، والمناداة لعالم السلم والسلام والحب والأمان.
الرسالة التي تبكي الحجر
احتوت الرواية على رسالة كتبها والد البطل، إنها رسالة تحكي الواقعَين الاجتماعي والسياسي في العراق.. رسالة تبكي الحجر، لأن كل ما كتب فيها يحكي قصة ملايين البيوت في العراق، عندما تلد الأمهات وهن يدركن أنهن يهبن أولادهن للموت، وأن الكلاب تنعم وتعيش ويموت الشرفاء المكافحون الزاهدون، إنها مأساة نظام فاسد راحت ضحيته عقول مضيئة، وأيادٍ بيضاء ناصعة، إنه عالم لايعيش فيه سوى الجبابرة والطغاة، الغازين الناهبين لكل الثروات.
يتسلم البطل رسالته في العراق، فبعد دخوله وطنه بعد هذا الغياب اتجه أولا لمنزل ذويه ظنا منه بأنه سوف يلقى الأحبة، لكن الصدمة كانت كبيرة عليه، لم يبق من الأحبة واحد منهم، ولم تبق. الحرب سوى الأشباح، لقد أخبره ساكن المنزل الغريب أن والده قد باع المنزل، وأرسل إلى ابنه المهاجر رسالة لكنها لم تصله، فعادت الرسالة واحتفظوا بها، وجاء الوقت ليتسلمها بنفسه، فتح البطل الرسالة الكئيبة وأخذ يقرأها: «قد تغفر لي فالأبناء يسامحون الآباء أيضا، عدم استطاعتي الخروج بعائلتنا إلى السلام. لأنك في هذه اللحظات التي ستقرأ الرسالة ستكون أنت آخر شخص بقي فيها، ويتعذر علي وأجد صعوبة فائقة في تدبر عبارات تبين لك أن أخوتك الثلاثة راحوا منا، كل في ظرف معقد وغريب وغير معلوم، كانوا يخرجون من البيت ولا يعودون، هذا ما عرفناه، وبعد كل حادثة اختفاء، كان الأمن يأتي إلى بيتنا يقلبون حاجياتنا على رؤوسنا، وحين لا يعثرون على شيء يغادروننا بالسباب والوعيد..».
وتابع قراءة الرسالة الطويلة، وتابع وتابع وتابع !!
من هنا يبدأ المشوار
فما كان من البطل إلا أن يبدأ رحلة البحث عن أشقائه المفقودين لقد عمل مراسلا مع الجيش الأميركي، وكما عمل دفّانا للموتى ومشرحا للجثث، وباحثا عن المفقودين يشرّح جثثهم لمعرفة أسباب موتهم، والكشف عن هويتهم، لقد عاش مع الموتى وقد صقلته هذه التجربة إبداعا وعطاء حقيقيا، وإذا كان البطل شاعرا وإنسانا وعالما فإن العيش مع الأموات هذّب من مشاعره، ليخرج إلى الدنيا زاهدا قانعا بحياته وبقدره، ضاحكا على هؤلاء البشر الذين يتكالبون على الدنيا وفي النهاية مصيرهم حفرة حقيرة، لايغفر لهم سوى عملهم إن كان لديهم عمل يتباهون به.. إنها زركشات خارجية وصور لامعة والحقيقة أصعب ما يكون عندما يكتشف الآخرون أن من يحملون هذه المظاهر الخادعة لايحملون معهم سوى الصفر المدفون بداخلهم.
عندما اقترب الموعد الذي حدده له والده في المقبرة لزيارة أمه استعد للقاء، وياليته لم يفعل، لأن الصدمة كانت أشد وطأة هذه المرّة عندما يعقد الإنسان الأمل على لقاء الأحبة، وينتظر هذه اللحظة أمدا وتحين اللحظة ليكتشف أن الأحبة لن يعودوا أبدا، وأن الفراق هو المصير لا محالة. هناك عند قبر والدته لم يجد والده، وهذا يعني أنه قد مات، وأنه لم يبق له أحد في العراق بعد عودته من موسكو سوى الذكريات، لكن الحرب كانت عنيفة، لم ترحم حتى ذكرياته، العراق لم يعد كما كان، إنه الخراب والدمار في كل شارع وكل بيت، ارتدى دجلة والفرات وشاح السواد، وعم الحزن المدينة، ولا حياة في الطرقات، إنها قوانين صارمة، منع التجول، ملاحقة المشبوهين، مصادرة الأسلحة، كل شيء ممنوع حتى الهواء النقي بات محرما في هذي البلاد، صراع وتحدٍّ وانشقاق، ولا شيء يساعد على تذكر الأيام الجميلة التي عاشها قبل الهجرة، ما أصعب أن يعيش المرء من دون ذكريات، عندما تسلب منه عنوة، حتما ستصير الأيام كلها عنده سيّان.
وبعد البحث والتحري عن أشقائه اكتشف البطل أنه يجري خلف سراب، وأن الواقع يقول إن هناك الآلاف من المفقودين كحال أشقائه ولا حياة لمن تنادي، لقد ماتوا وماتت الأسرار معهم ، مات كل واحد منهم بطريقة وبجريمة وبتهمة، حتى وإن لم يكن مجرما، المهم أن الموت هو لغة الحوار في أرض العراق.
الأدبي والعلمي معا
استخدم الكاتب الأسلوب الأدبي بصوره الخيالية وتعبيراته الفنية لتشعر أنك تقرأ رواية لأديب عشق الأدب، وامتهن منه صنعة جيدة لايجيدها الآخرون، ولم تتخيل أبدا أن هذا الكاتب والروائي عالم من علماء الفيزياء والعلوم، إلا أنه في حين آخر تشعر بأنك تقرأ معلومات علمية في علم الأحياء والفيزياء والكيمياء، تدرك عندها أن هذا الكاتب جمع ما بين علم العلوم وعلم الأدب واللغة، فما كان منه إلا أن يستخدم الأسلوب العلمي حينا آخر عندما تأتي الضرورة.
حوار الليلة العابسة
والممتع أن الكاتب تميّز بخيال واسع، خصوصا في الجزء الذي أطلق عليه «حوار الليلة العابسة»، فالواقعة تقول إن هناك زوجين عاشا العمر كله معا وماتا في اللحظة نفسها وبالسبب نفسه في مكانين مختلفين من بغداد التي لم ترحمهما، وقد تخيّل الكاتب حوارا يدور بينهما عندما وجدهما قد وضعا متلاصقين، وقد بيّنت الوثائق أنهما زوجان، لانريد أن نسرد الحوار كله ولكن نختار منه هذا الجزء:
الزوج: ألم تعرضي لهم هويتك؟
الزوجة: بل عرضتها ولكنني أخطأت
الزوج: كيف؟
الزوجة: إن خطتك لم تنفع، ألم تقل لي احملي معك هويتين واحدة باسم سني والأخرى باسم شيعي ؟
الزوج: نعم .. أخشى أن الذي حصل لك يشبه ماجرى لي.
الزوجة: تصورتهم شيعة فأبرزت لهم الهوية الشيعية، ولكنهم كانوا سنة وحين قلت لهم إنني سنية بالفعل لم يصدقوا.. أطلقوا النار علينا جميعا.
الزوج: أنا شيعي وقتلني الشيعة تصوروني سنيا بعد أن رأوا هويتي السنية وأنت سنية قتلك السنة بالخطأ أيضا.
الزوجة: ماكان علينا حمل هويتين , من أين جئت بهذه الفكرة؟
الزوج: لو لم يظهر لك السنة لظهر لك الشيعة.. كل شيء مقدر ومقسوم لنا أن نقتل بسبب هفوة الطوائف.
الزوجة: ما يعز علي أنني تركت الأكل على النار، ذهبت لغاية حتى الشارع لكي أحضر الخبز.
الزوج: لا أعرف كيف ستصل ابنتنا إلى البيت اليوم ستنتظرني عند بوابة الدائرة كثيرا.
الزوجة: لاتقلق عليها سوف تأخذ تكسي ولكن لا أعلم هل لديها مفتاح البيت؟
الزوج: لا.. لم تتعود حمله معها فأنت طوال اليوم في البيت.
الزوجة : وكيف ستدخل، أتذكر أنني أغلقته، بسببك أيضا كنت تقول لي إن منطقتنا صارت كلها حرامية.
ائلة من الأسرار نيكسون وجونسون وبوش ثلاثة رؤساء لاحقين تواجدوا في دالاس يوم اغتيال كنيدي كتب محمد أمين :
نيكسون ونائبه جونسون (نوفمبر 1968)
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.
هنالك امر ظل يؤرق نيكسون منذ 22 نوفمبر 1963 وهو انه كان في دالاس في اليوم ذاته الذي اغتيل فيه الشخص الذي كان يعتقد انه سرق منه الرئاسة. وكان قد طلب من نيكسون الذهاب الى تلك المدينة قبل اسابيع قليلة من ذلك ولسبب غير مهم، وهو حضور اجتماع لشركة بيبسي كولا يتزامن مع مؤتمرها الوطني العام، وعواقب هذه الرحلة لم تفت نيكسون الداهية المتشكك.
فقد دعا نيكسون لمؤتمر صحفي في الفندق الذي يقيم فيه في 21 نوفمبر عشية اغتيال كنيدي انتقد فيه سياسات كنيدي في ما يتعلق بالحقوق المدنية والعلاقات السياسية، لكنه حث مواطني تكساس على ابداء الاحترام والترحيب بالرئيس كنيدي اثناء زيارته.
والأمر الأكثر اهمية هو تعبيره عن اعتقاده ان كنيدي في طريقه الى استبدال نائب الرئيس جونسون بشخص آخر يشاركه خوض الانتخابات الرئاسية في عام 1964، وكانت هذه نقطة استفزازية ومثيرة في حديثه، بما ان السبب الرئيسي لزيارة كنيدي كانت تهدف الى تعزيز الروابط فيما بين الديموقراطيين في تكساس والمساعدة في تجسير الهوة التي تفصل فيما بين الجناحين الشعبوي والمحافظ في فرع الحزب في الولاية، والتأكيد على شراكته مع جونسون، وكان تعليق نيكسون مثيرا وتناقلته النسخات المبكرة من الصحف في صبيحة 22 نوفمبر، ومن بينها صحيفة دالاس مورنينغ نيوز التي جاء عنوانها الرئيسي «نيكسون يتنبأ بأن كنيدي سيتخلى عن جونسون».
صدمة وقلق
ومن المحتمل ان يلفت هذا التصريح انتباه جونسون الذي كان في موكب الرئيس ذلك الصباح، وكذلك انتباه المحافظين بصفة عامة.
وانهى نيكسون مهمته وغادر المدينة في الساعة التاسعة صباحا في 22 نوفمبر قبل عدة ساعات من اغتيال كنيدي، وقد علم بالحدث عند وصوله الى نيويورك. ومثل غيره من الناس اصابه ذلك الحدث من دون شك بالصدمة وربما ببعض القلق، فالعديد من الناس ومن بينهم نيكسون كانوا يرون ان كنيدي سرق الانتخابات الرئاسية في عام 1960 عن طريق التلاعب في الاصوات في ولايتي تكساس والينوي.
وعلى الأقل فان نشر التصريحات التي أدلى بها نيكسون في مؤتمره الصحفي في 22 نوفمبر قبل ساعات من اغتيال كنيدي كان بمزلة تذكير بالمجموعة الكبيرة المختلفة ضمن الساحة السياسية وخارجها من الاعداء الذين اغضبهم كنيدي، وابدى نيكسون حساسية خاصة تجاه مسألة ظهوره في دالاس وتفسير امكان مساهمتها نوعا ما في ما وقع لكنيدي، ووفقا لاحدى الروايات فان نيكسون علم بحادثة الاغتيال بينما كان في سيارة اجرة عائدا من المطار، وادعى في مذكراته انه استقبل الخبر في هدوء، غير ان مستشاره ستيفنين هيس تذكر الامر بطريقة مختلفة فقد كان اول شخص في الدائرة الصغيرة المحيطة وقال ان «ردة فعله بدت لي كأنه كان مهزوزاً للغاية».
لقد شكل وجود نيكسون في دالاس في 22 نوفمبر 63 وكذلك وجود ليندون جونسون وجورج بوش الأب في المدينة وضعا غريبا، حيث اجتمع ثلاثة رجال سيتولون منصب الرئاسة في البلاد مستقبلا في تلك المدينة التي اغتيل فيها سلفهم، وخلال أيام من ذلك انضم اليهم رابع عندما طلب ليندون جونسون من جيرالد فورد الانضمام الى لجنة وارين التي حققت في تلك الحادثة.
سوء حظ
والتوقيت السيئ الحظ لنيكسون كان جزءا من سلسلة احداث استفاد منها لاحقا، ففي منتصف عام 1963 اقنعه اصدقاؤه ان مستقبله يتطلب منه الانتقال من ولاية كاليفورنيا التي فقد فيها في عام 1962 سباق الفوز بمقعد حاكم الولاية، وقالوا له ان فشله مرتين يدعوه الى البحث عن وضع في نيويورك يدر عليه دخلا مجزيا ويجعله يمارس السياسة تحت نظر الرأي العام، وعرض عليه صديقه رونالد كيندال رئيس العمليات الدولية في شركة بيبسي، منصب رئيس مجلس إدارة القسم الدولي، غير انه كان هنالك اجماع بان من الافضل له العمل في شركة محاماة وبالتالي التحق بشركة ميدج وستيرن وبولدوين وتود.
وعزز كيندال الصفقة بان منح الشركة تولي الجوانب القانونية لشركة بيبسي التي ستدر عليها دخلا كبيرا. وفي سبتمبر تمت ترقية كيندال حيث اصبح رئيسا لشركة بيبسي كلها.
وفي الأول من نوفمبر تمت الاطاحة بالرئيس نغو دين دييم رئيس فيتنام الجنوبية الفاسد المعادي للشيوعية واغتياله، وفي 7 نوفمبر بعث نيكسون برسالة الى المخطط الاستراتيجي للحزب الجمهوري روبرت همفريز عبر فيها عن غضبه بسبب اغتيال دييم والقى باللوم في ذلك على عاتق ادارة كنيدي.
وهناك خلاف في اوساط المؤرخين حول ما كان يعرفه كنيدي بالضبط في ما يتعلق باغتيار دييم ولكنه عبر عن شعوره بالصدمة عند سماعه للنبأ، كما فعل عند اغتيال باتريس لوممبا رغيم حركة الاستقلال في الكونغو في عام 1961.
وكان كنيدي يدرك ان اللوم قد يلقى على عاتقه. وفي وقت لاحق ثبت عن طريق لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ان وكالة المخابرات الاميركية ظلت تحاول اغتيال لوممبا.
وهنالك نقطة مهمة لم تحظ بانتباه كاف وهي تعليق صدر عن الرئيس ليندون جونسون في عام 1966 سجلته اجهزة التسجيل الخاصة به قال فيه عن دييم «لقد قتلناه. لقد اجتمعنا كلنا وشكلنا مجموعة من المجرمين واغتلناه». ولكن من غير الواضح من يقصد في حديثه الذي جاء بصيغة الجمع.
وطلب كيندال من نيكسون اصطحابه الى والاس لحضور تجمع شركة بيبسي الذي تزامن مع مؤتمر شركات التعبئة في اواخر نوفمبر. ويعتبر هذا المؤتمر حدثا مهما تقيمه سنويا «بيبسي». وكان المتحدث هو الرئيس ليندون جونسون، ونيكسون الذي خسر الانتخابات مرتين لم يظهر في ذلك المؤتمر.
ويبدو ان نيكسون قد وافق على الذهاب لكي يكون تحت الاضواء التي احاطت بزيارة كنيدي.
وقد شارك دونالد كيندال ـ مثل نيكسون. وجورج بوش (الاب)في الحرب العالمية الثانية في سلاح البحرية في منطقة المحيط الهادي. ولكنه بدلا من عالم السياسة دخل عالم الاعمال والمال، حيث التحق بشركة بيبسي ـ كولا وترقى بسرعة يفي سلمها الوظيفي وهو كذلك طموح مثل نيكسون وجورج بوش (الاب).
ويشاركهما كذلك القلق البالغ جراء التوسع الشيوعي الذي يراه في كل مكان.
وعلى اي حال، فان مستشار نيكسون ستيفني هيس ذكر ان نائب الرئيس السابق بدا مصابا بالصدمة ومهزوزا بسبب حادثه والاس. فقد ذكره ذلك انه اذا قيض له الجلوس في المكتب البيضاوي فانه قد يكون عرضة وهدفا لحادث مشابه على يد اللاعبين ذاتهم. فهل هذه مخاوف اثارها هوس الرئيس نيكسون بوكالة المخابرات الاميركية ونشاطاتها السرية في فترة ولاية كنيدي؟ هذه المسألة ستصبح موضوعا يشغل نيكسون طوال فترة ولايته.
إثبات الولاء
في احد الاوقات ظل بوش (الاب) يعمل جاهدا لتعزيز موقعه كأكثر العاملين مع نيكسون ولاء وقد ظهر مثال على ذلك في لمحة نشرت في عام 1971 عن دور جورج بوش الاب كسفير لنيكسون في الامم المتحدة. فتحت عنوان «بوش يعمل ساعات اضافية»، قدمت صحيفة دالاس مورنينغ نيوز في 19 سبتمبر 1971 لمحة عن بوش بوصفه السفير الذي يحتل موقعا مركزيا في العلاقات الدولية.ونشرت له صورة وهو ينحني على طاولته والى جانبه مجسم كبير للكرة الارضية، وقد ركز وجهه النحيف نظرة هادئه وفاحصة عليه. وقد بدا بوش وكأنه رئيس البلاد. وقد اشار مراسل الصحيفة الى هذه النقطة ولكنه ركز على ولاء بوش للرئيس الفعلي للبلاد. وقال ان السفير بوش «مخلص الولاء لدرجة كبيرة للرئيس نيكسون وكثيرا ما يستشهد به في حديثه».
وهذه هي الصورة التي يود بوش نقلها وصورة بوش كشخص يعد مثالا للاخلاص والولاء استمر في في تأكيدها لفترة امتدت لاكثر من ثلاث سنوات والى آخر ايام ولاية نيكسون. بل ان نيكسون المعروف بالتشكك لم يطرح تساؤلات حول ذلك الولاء. فبعد انتصاره في انتخابات عام 1972 وفي خضم فضيحة ووترغيت قرر نيكسون القيام بترتيب بيت الرئاسة.
وكان ينوي التخلص من الجميع ماعدا مساعديه الذين يثق بهم اكثر. ووجه نيكسون مساعده ايرليشمان للقيام بـ«التخلص من الجميع ماعدا جورج بوش. اذ ان بوش سيفعل كل مافي وسعه من اجل قضيتنا». وقد صمدت هذه الثقة الى نهاية رئاسة نيكسون.
واذا كان بوش مواليا فعلا لنيكسون فهذا امر لا يمكن اثباته، لكنه من المؤكد ان هذا الامر قد تغير في اللحظة التي تغير فيها اتجاه الرياح، وقد برز الموقف الجديد مع نشر تفريغ شريط لحوار بين نيكسون الخطير في عام 1974 مع هالديمان. والحديث المسجل يقدم دليلا لا يمكن دحضه بان «نيكسون كذب في ما يتعلق بمعرفته للتعتيم على فضيحة ووترغيت.. لقد شعرت بالخذلان لكذبه.. واود ان اوضح بجلاء اننا لا نتسامح مع الكذب». وقد اورد هذا التسجيل بوش في مذكراته حول آخر اجتماع لمجلس وزراء نيكسون.
وهذا الجزء في المذكرات من المحتمل ان يكون جزءا من اهتمام بوش (الاب) بوضع ادلة للتبرئة. وقد اعاد بوش صياغة جزء صغير من تلك الجلسة بطريقة انتقائية، مما يجعله يوحي بان نيكسون امر هالديمان (وفق صياغة بوش) بان «يوقف تحقيقات مكتب التحقيقات الفدرالي حول اقتحام مبنى ووترغيت» وأكد بوش ان هذا يعد دليلا على ان الرئيس متورط في مسألة التعتيم على الاقل».
ولكن بوش لم يورد امرين مهمين هما: ان ذلك كان في واقع الامر اقتراح جون دين، وليس نيكسون، بايقاف التحقيقات وان وكالة المخابرات الاميركية كانت في قلب تلك الحادثة.
إمبراطورية توشك على الانهيار
ان سلسلة الفضائح التي اودت برئاسة ريتشارد نيكسون عرفت اساسا عن طريق عملية اقتحام مكاتب الحزب الديموقراطي الواقعة في مبنى ووترغيت في عام 1972، ولكن يمكننا القول ان ووترغيت وسقوط نيكسون بدأ في واقع الامر في اواخر 1969 اي خلال فترة ولايته الاولى باتصال هاتفي من شخص لم يسمع به اي احد تقريبا حتى الآن.
فقد اتصل احد رجال النفط المستقلين يدعى جون كينغ لتقديم افكار حول تحسين اسلوب سيطرة نيكسون على الكونغرس.
ويتذكر جاك غليسون، احد العاملين السابقين في البيت الابيض، هذه الحادثة وقال «اتصل كينغ في احد الايام في عام 1969 وقال تعلمون ان علينا الشروع في التخطيط لعام 1970».
ويشير اتصال كينغ الى انه مهتم اساسا بمساعدة نيكسون ولكن يتضح الآن انه قد تكون هنالك امور اخرى اهم، أولا فان كينغ عضو في مجموعة من رجال النفط المستقلين ممن بدأ يتزايد استياؤهم من نيكسون. وكما أشرنا سابقا فان بارونات النفط ثاروا في وجه التهديدات الخاصة بدعم مشروع نضوب النفط وهم مقتنعون بان نيكسون لا يساندهم بقدر كافٍ، كما ان لهم شكاوى اخرى. فقد اشار هالديمان في مذكراته عن فترة ديسمبر 1969 الى ان «هنالك مشكلة مستمرة في ما يتعلق بحصص استيراد النفط، وكان علينا اتخاذ قرار ما ولكننا لن نستطيع الفوز، فاذا قمنا بما يجب علينا القيام به وما توصي به لجنة العمل سوف ينتهي بنا الامر الى فقدان مقعدين في مجلس الشيوخ من بينهما مقعد جورج بوش في تكساس. وحاولنا ايجاد سبيل للخروج من هذه المسألة وتحويل امرها الى الكونغرس.
وكان كينغ من الناحية الشخصية غارقا في المشاكل فقد كان يمتلك امبراطورية من عمليات حفريات النفط والتعدين تشمل مائة بلد ومعروف بحياة الرفاهية والبذخ. وقد تبرع كينغ في عام 1968 بمبلغ 750 ألف دولار لمصلحة نيكسون، وبصفته من كبار المتبرعين، فإن اتصالاته لابد أن تجد آذانا صاغية. وبحلول نهاية 1969كانت امبراطوريته على وشك الانهيار. وفي النهاية واجهة الانهيار والسجن.
غسل أموال
وربما كان يسعى للحصول على تدخل لمصلحته من البيت الابيض، وربما ايضا انه كان يتحدث باسم زملائه من رجال النفط المستقلين. وعلى أي حال فإن دعوة كينغ بدت كفكرة جيدة. فقد اقترح علي أن يقوم البيت الأبيض بضخ الأموال التي يحصل عليها من كبار المتبرعين للحزب الجمهوري مباشرة لتمويل مرشحين من اختياره لمجلس النواب والشيوخ، وذلك بدلا من اتباع الاسلوب المعهود، أي ترك الامر للحزب الجمهوري ليحدد من يتلقون الدعم. وللقيام بذلك دون اثارة غضب مؤسسة الحزب، اقترح كينغ ان يبقى هذا الأمر طي الكتمان.
ووجدت هذه الفكرة ترحيبا لدى المسؤولين في البيت الابيض وبعدها بوقت قصير تم الشروع في عملية خاصة.
وأوكلت للوحدة السياسية في البيت الأبيض مهمة تنظيم وادارة الصندوق الجديد الى غليسون الذي لديه خبرة واسعة في مجال جمع التبرعات في الحزب الجمهوري، وتم توجيه غليسون عن طريق رئيسه هاري دينيت بأن يجد مكتبا لإدارة العملية منه.
وعندما اقترح استئجار احد المكاتب المفروشة التي تكون مزودة بخدمة السكرتارية وغيرها أبلغ ان ذلك سيكون مكلفا.
ووجه دينيت الى مسكن في الشارع التاسع في منطقة سكنية، والمكان لم يكن في المسكن بل في سرداب بالمسكن وليس ذلك فقط بل الجزء الخلفي من السرداب، وهو ترتيب يدعو للتساؤل اذا ما تم اكتشافه.
كما ان الطريقة التي كان يتعامل بها مع الأموال بدت معقدة وغير لازمة بالنسبة لغليسون، اذ بينما كان في مقدور المتبرعين بكل بساطة وبطريقة قانونية اصدار شيك للجنة حملة اي مرشح، فانه تم توجيههم بدلا من ذلك الى تجزيء شيكاتهم الى عدد من المبالغ الصغيرة كان يضعها غليسون في حساب «الوكيل جاك غليسون» في أحد البنوك، وكان غليسون يقوم بتحويل الشيكات الى لجان الحملات الانتخابية، كما كان يجزئ التبرعات مرة أخرى الى مبالغ اصغر ويوزعها على أكثر من لجنة من لجان الحملات الانتخابية لكل مرشح.
ويبدو أن السبب وراء هذه الترتيبات المعقدة هو تمكين البيت الابيض من السيطرة على الأموال. والاثر الفعلي لذلك هو خلق انطباع بوجود أمر سري مثل عمليات غسيل الاموال التي تهدف الى اخفاء هوية المتبرعين.
واثناء سير العملية بدأ غليسون في اكتشاف أمر غريب يختلف عن عمليات تمويل الحملات الانتخابية العادية. وما أثار الشك ليس استعداد نيكسون على مساعدة المرشحين الجمهوريين، ولكن ما أقلقه هو تفاصيل العملية والبعض منهما من النوع الذي يجب ألا يربط الرئيس نفسه بهما.القبس
عائلة من الأسرار (18) بوب وودورد بطل فضيحة ووترغيت دخل الصحافة من باب استخبارات البنتاغون
كتب محمد أمين :
بوب وودورد (الى اليمين) وكارل بيرنشتاين
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.
بعد الشروع في العملية في ذلك المسكن، تم استحداث وظيفة جديدة له كمستشار للرئيس، تحت ترقية جون ايرليكمان لترؤس الشؤون المحلية وكان ايرليكمان يبحث عن شخص يأخذ مكانه وهو محام ذكي يجيد دراسة الامور بالتفصيل، وان يكون موالياً للرئيس، وقد تولى هذا الشخص واسمه جون دين الثالث، المنصب في 27 يوليو 1970.
ووصل دين البيت الابيض في الوقت الذي كان فيه الرئيس نيكسون يحاول دراسة كيفية التعامل مع التظاهرات الضخمة التي ملأت الشوارع ضد حرب فيتنام. وذلك قبل شهر من تكليف موظف في البيت الابيض يدعى توم هيوستون بوضع خطة للتجسس على المتظاهرين عن طريق المراقبة الالكترونية، وتجنيد مخبرين في الجامعات والتسلل الى المكاتب ومواقع الاجتماعات.
وعند النظر في الوقت الحالي الى هذه الامور تبدو أنها غير لائقة، وهي كانت كذلك، بيد انه في ذلك الوقت ومن وجهة نظر الادارة ومؤيديها في «الاغلبية الصامتة»، فإن اميركا كانت تعاني من حالة حصار. والجو العام في البلاد والعنف الداخلي والحوار الحاد حول حرب فيتنام اعطى الشعور بأن البلاد بدأت تغرق في الفوضى. وبالرغم من ذلك فقد رفض النائب العام جون ميتشيل «خطة هيوستون» السيئة الصيت. ولكن جون دين ابدى اهتماماً فورياً ببعض مقترحاتها.
وبالرغم من ان واجباته الرسمية تتركز في تقديم المشورة القانونية للرئيس في بعض المسائل الفنية العادية، فان جون كان يعتبر مسؤولاً صغيراً ولم يكن له اتصال مباشر تقريباً مع نيكسون. ومع ذلك بدأ هذا الوافد الجديد للبيت الابيض يمنح نفسه دور خبير العمليات التجسسية السياسية.
مسكن واشنطن
ومن بين البيانات الاستخبارية التي جمعها دين كانت تفاصيل عمليات «مسكن واشنطن».
ففي نوفمبر 1970 وفي اعقاب الانتخابات التكميلية سلم جاك غليسون كل ملفاته الى البيت الابيض حيث سلمها هالديمان الى دين. وسيكتشف محققو فضيحة ووترغيت لاحقاً ان «هالديمان اعطى دين ايضاً مفكرات صغيرة الحجم تجعل دين يعرف من هم المتبرعون وحجم تبرعاتهم، وهوية من تلقوها».
وبعد وقت قصير من وصول تلك الملفات الى يد دين بدأت وسائل الاعلام تحصل على تسريبات حول عمليات «مسكن واشنطن». وربما كان ذلك عن طريق الصدفة. واول هذه التقارير كان مقالا من وكالة اسوشيتد برس نشر في صحيفة نيويورك تايمز في 27 ديسمبر 1970. جاء فيه ان سبعة سفراء حصلوا على مناصبهم كمكافأة لهم لمساهمتهم في عملية «مسكن واشنطن».
وفي فبراير 1972 اثار شخص آخر قضية «مسكن واشنطن» مرة اخرى. فقد حصل جيم بولك مراسل صحيفة واشنطن بوست، الذي له سجل مشهور في متابعة قضايا تمويل الحملات الانتخابية، على المزيد من المعلومات حول التمويل من «مصادر عليمة». ونشر بولك موضوعاً بعنوان «محامٍ مغمور يجمع الملايين لمصلحة نكيسون»، وبدا هذا الموضوع اكثر خطورة عن سابقه. وبعد مضي اربعة اشهر من ذلك برزت قضية اخرى ستستمر لفترة طويلة.
توريط
إذا كانت عملية «مسكن واشنطن» قد تم استغلالها للاساءة الى نيكسون، فانه كانت فيها نقطة ضعف محتملة واحدة. فالمخالفة التي ارتكبت كانت حول مسائل مالية فنية، قد يجد الصحافيون صعوبة في متابعة تفاصيلها. اما ووترغيت، من جانب آخر، فقد كانت قضية مثيرة للغاية ومغرية. وهي تتضمن كل عناصر الحكاية الاجرامية المثيرة. فعملية الاقتحام كانت جريئة ويسهل فهمها، كما انها نفذت بطريقة تضمن تقريبا فشلها واكتشافها. وقد ضمت كذلك مجموعة من الشخصيات تفتح شهية المراسلين وكاميرات التلفزيون (كما ستثبت ذلك لاحقا تحقيقات ووترغيت)، وكانت العملية وكأنها حلقات خصصت من اجل التلفزيون، فهناك لصوص يرتدون البدلات ويقيمون في جناح فاخر قرب موقع الجريمة ومهاجرون كوبيون ووثائق في الجيوب تقود الى البيت الابيض.
غير ان المتسللين يبدو انهم لم يأخذوا اي شيء فما الهدف من هذه الجريمة؟ وما الغرض من ورائها؟
وكما حدث في واقعة اغتيال الرئيس جون كنيدي بدأت النظريات تتضارب حول الامر. فقد تم ضبط المتسللين ومعهم اجهزة تنصت. ولم يكن ذلك امرا مفهوما، اذ ان نيكسون من المفترض الا يساوره قلق تجاه منافسه الديموقراطي جورج ماكغفرن.
والمخاطر التي تحف بعملية التنصت تفوق كثيرا المكاسب التي قد تجنى. واذا كان نيكسون يرغب فعلا في معرفة اسرار حملة ماكغفرن، وهو امر بالكاد يحتاجه، فقد كان في مقدوره ارسال فرق الى مقر ماكغفرن الرئيسي في تلة الكابيتول او في ميامي حيث يعقد الديموقراطيون مؤتمرهم.
ومع وضع كل هذه الامور في الاعتبار فإن ملاحظة نيكسون في مذكراته التي قال فيها «ان الامر كله لا يعقل وعرَّضه للفشل ويبدو وكأنه نوع من التوريط» الذي اصابت الهدف.
والامر الاكثر اثارة للاهتمام هو ان المواد التي ادت الى التعرف الىالمقتحمين وليس ارتباطهم فقط بالبيت الابيض بل وبوكالة المخابرات الاميركية كذلك. وليس فقط بالوكالة بل بمجموعة ضمنها ظلت ناشطة طوال تلك الفترة المثيرة للجدل التي تشمل غزو خليج الخنازير واغتيال الرئيس كنيدي.
وعليه فإن نيكسون، الذي ظل يحاول الاطلاع على ملف خليج الخنازير بدأ الآن يرى عملية سرقة واقتحام تمت، كما يقال باسمه، على يد مجموعة شاركت في عملية خليج الخنازير ذاتها، ولهما ارتباطات وثيقة بوكالة المخابرات الاميركية. وكانت تلك العملية بمنزلة انذار فقد ارتبط فيها عملاء المخابرات الاميركية والمنفيون الكوبيون بأحداث عام 1961 وبعدها 1963، وظهروا فجأة تحت الاضواء رابطين انفسهم ونشاطاتهم الاجرامية بالرئيس.
واذا كان معظمنا يعرف ذلك فإنه ربما نكون قد نسينا منذ زمن بعيد انه قبل يونيو 1972، وهي فترة وقوع «فضيحة ووترغيت» كانت هنالك عملية ووترغيت اخرى نفذها الفريق ذاته. ولكن في العملية الاولى تحروا الحرص لتفادي ضبطهم او التعرف عليهم، ولم يتم ضبطهم، وفي تلك المرة قاموا بتركيب اجهزة تنصت. وفي عملية الاقتحام الثانية، والتي يبدو انها خططت لتواجه الضبط والاكتشاف. وربطها بادارة الرئيس نيكسون. وتمت ظاهريا لازالة اجهزة تنصت كان قد تم تركيبها في السابق، وبالتالي لفت الانتباه الى تلك الاجهزة وعملية المراقبة.
ابتزاز جنسي
والنتيجة التي يحتمل التوصل اليها من خلال ضبط المجموعة اثناء ارتكاب الجريمة، هي ان نيكسون عاد يمارس مرة اخرى بعضا من ميوله المشبوهة غير القانونية.
وما موضوع التنصت؟ يقال ان موظفي اللجنة القومية للحزب الديموقراطي كانوا يرتبون «مواعيد» لبعض الزوار البارزين مع مجموعة من المومسات. وتعمل تلك المجموعة في الشارع ذاته غير بعيد من مكان وضع اجهزة التنصت والمراقبة. ونتيجة ذلك تشير الى ان نيكسون ربما كان يحاول استخدام الابتزاز الجنسي ضد الديموقراطيين.
غير انه في واقع الامر لا يوجد دليل يشير الى ان نيكسون يرغب في استخدام الابتزاز الجنسي ضد الديموقراطيين. ولا رغبة في وضع اجهزة تنصت في مكاتب اللجنة القومية للحزب الديموقراطي، ولا الامر باقتحام المكاتب لازالة الاجهزة. غير ان هنالك شخصا آخر يتمتع بخيال واسع وموهبة في تنفيذ سيناريو يستهدف الاطاحة بحاكم البيت الابيض.
وفكرة وجود مجموعة تحيط بالرئيس قد تكون تعمل على الاطاحة، تبدو غير معقولة بالنسبة لمعظم الناس. ولكن ليس بالنسبة لمخضرمي العمليات السرية الاميركية. وقد كان نيكسون يمثل هدفا مناسبا. فهو يميل الى العزلة وهادئ، وليس لديه اصدقاء كثيرون، ولا العديد من الناس ممن يثق بهم.
ولهذا السبب فقد كان عليه توظيف اناس غرباء تقريبا بالنسبة اليه في البيت الابيض، وكانت نتيجة ذلك اكتظاظ الموقع بالعديد من المتآمرين. وكان نيكسون كثير الشكوك، ولكنه لم يكن منضبطا في منح الثقة. وهي مفارقة كبرى. فقد كان نيكسون هدفا للسخرية لكراهيته غير العقلانية وشكه المرضي تجاه المؤسسة الشرقية، ولكنه في نهاية المطاف قد يكون قد تم القضاء عليه على يد القوى التي تسيطر عليها تلك المؤسسة ذاتها.
ومن بين المخططات العديدة تلك التي يطلق عليها اسم «فضيحة مورير ــ رادفورد» التي اقدمت فيها المؤسسة العسكرية على التجسس فعلا على نيكسون وعلى سرقة وثائق سرية في محاولة للحصول على معلومات من داخل الادارة والتأثير على سياساتها، وربما ايضا محاولة الاطاحة بالرئيس.
مجرم أم ضحية؟
واحتمال كون نيكسون في الواقع ضحية فضيحة ووترغيت، وليس مرتكبها، امر لا يجد القبول لدى الكثيرين، خاصة من المستفيدين من خطأ نيكسون. غير ان ثلاثة كتب التي تعد الاكثر دقة في رصد قضية ووترغيت، خلال العقود الثلاثة الماضية، توصلت الى النتيجة ذاتها، وهي: ان نيكسون و/او كبار معاونيه تعرضوا لمؤامرة لتوريطهم. وهناك ثلاثة كتب تتناول الموضوع بطريقة مختلفة وتركز على جوانب مختلفة، كما تعتمد على مصادر ووثائق تختلف عن بعضها، وهذه الكتب هي «الاجندة السرية» الصادر في عام 1984 من تأليف جيم هوغان، و«الانقلاب الصامت» الذي نشر في عام 1991 ومؤلفه لين كولدون وروبرت غيتلين، وكتاب «الرجل القوي» من تأليف جيمس روزين ونشر في عام 2008.
وكتاب روزين «الرجل القوي، جورج ميتشل واسرار ووترغيت» يعد سرة ذاتية لصديق نيكسون المقرب والنائب العام ورئيس حملته الانتخابية، وارفع مسؤول يصدر بحقه حكم بالسجن، وهذا الكتاب الذي اعتمد فيه روزين على مصادر لم يتم اجراء مقابلات معها من قبل، وعلى وثائق لم يتم الاطلاع عليها قبله تعود الى لجنة مجلس الشيوخ حول «ووترغيت» والمحققين الخاصين بالقضية، ويؤكد روزين ان عملية ووترغيت تم التصديق عليها من وراء ظهر ميتشل من قبل مرؤوسيه جيب ماغيردر وجون دين وانها أفشلت عمداً في تنفيذها على يد مسؤول وكالة المخابرات الاميركية السابق جيمس ماكورد وجاء في كتاب روزين ان: «الاشرطة المسجلة (لقضية ووترغيت) لا تظهر نيكسون على انه الرئيس المسيطر لمؤامرة اجرامية بل على انه سياسي مرتبك يعاني من الشيخوخة، تحيره التفاصيل ولا يستطيع التفريق فيما بين ماغيردر وستراخان، وغير متأكد من يعرف ماذا ومتى وما افاد به كل شخص امام لجنة المحكمين، ومن قدم افادة مباشرة ومن ادلى بافادة سماعية».
شهادة بوب وودورد
الرواية التي تصور نيكسون على انه الشرير الذي خطط لووترغيت وتجد القبول هي تلك التي تقوم اساساً على الكتاب الذي الفه بوب وود ورد وكارل بيرنستين، وكان الاثنان مراسلين صغيري السن في صحيفة «واشنطن بوست» عندما وضعت القصة بين ايديهما، وقد اكتسبا شهرة واسعة بعد انتهائها، لكن هذا العمل، وبصفة خاصة دور وود ورد، بدأت تطرح حوله تساؤلات في اوساط من فحصوا القضية مرة ثانية وثالثة ومن بينهم شتيف واينبورغ من مجلة «كلومبيا جورناليزم ريفيو»، في مقال نشر في عدد نوفمبر - ديسمبر 1991.
ويختلف تكوين وود وورد عن اي صحافي عادي يعمل في الصحافة المطبوعة، فهو شاب جمهوري من منطقة الغرب الاوسط درس في جامعة ييل بمنحة من الجيش، وبعدها قضى خمس سنوات في البحرية حيث تخصص في الاتصالات بما في ذلك الاتصالات بالبيت الابيض.
وكان رئيسه وقائده الادميرال روبرت ويلاندر الذي ادين ضمن حلقة تجسس عسكري في البيت الابيض ابان ولاية نيكسون، ووفقا لكتاب «الانقلاب الصامت» الذي يحتوي على دراسة شاملة لفضيحة التجسس العسكري، فقد وصل وود ورد الى واشنطن، حيث عمل ضمن موظفي الادميرانل توماس مورير رئيس العمليات البحرية ايضاً كضابط اتصالات، وكانت مهمته هذه المرة تقديم تقارير ووثائق الى كبار موظفي البيت الابيض حول قضايا الامن القومي، ووفقا لهذه الرواية كان وود ورد يشاهد بين عامي 1969 و1970 كثيراً وهو يتجول في مكاتب السرداب بالجناح الغربي في البيت الابيض وهو يحمل وثائق من الادميرال مورير الى الجنرال الكسندر هيغ الذي عمل مع هنري كيسنجر.
وفي عام 2008 نفى وود ورد في مقابلة اجريت معه نفياً باتاً وجود اي صلة له بالمخابرات، كما نفى انه عمل في البيت الابيض او تقديم تقارير هناك.
غير ان الصحافي لين كلودني قدم شرائط تسجيل صوتية لمقابلات اجراها زميله الذي شاركه تأليف كتاب «الانقلاب الصامت» روبرت غيتلين مع الادميرال مورير، ووزير الدفاع الأسبق ميلفين ليرد، والمتحدث باسم البنتاغون جيري فريدهايم، بل ومع آل والد وود ورد نفسه يتحدثون عن عمل بوب في البيت الأبيض.
صلات وثيقة بالاستخبارات
وعلى الأقل فإن دخول وود ورد لمجال الصحافة تم بمساعدة خارجية ذات قيمة، وفق رواية قدمها هاري روزينفيلد رئيس تحرير «واشنطن بوست» الأسبق أدلى بها في عام 2004.
«لقد جاءنا بوب بتوصية رفيعة من جهة ما في البيت الأبيض. وقد كان ضابط استخبارات في السلاح البحري كما عمل في البنتاغون. ولم تكن لديه أي خبرة في أي صحيفة. ومنحناه فرصة تجربة لأنه جاء بتوصية رفيعة. ونحن عادة لا نفعل ذلك ورغبنا في رؤية بعض القصاصات ولكن لم يكن لديه ذلك. واعطيناه فرصة تجربة وبعد أسبوع او اثنين سألت نائبي: «ما اخبار هذا الشاب؟» وقال انه شاب ذكي للغاية ولكنه لا يعرف كيفية ادخال الورقة في آلة الطباعة. ولكنه كان ذكيا وكان لديه ذلك الحماس والرغبة وكان يتصرف تصرف الشخص الراشد ولهذا قررنا بما انه جاء بتوصية رفيعة ان نمنحه وظيفة في صحيفة مونتغمري كاونتي سنتينيال.
وفي عام 2008 وبعد فترة من حديثي مع وود ورد التقيت روزينفيلد الذي قال انه لا يتذكر انني قلت ان وود ورد تم توظيفه بتوصية شخص ما في البيت الأبيض. ولكنه ذكر لي انه يتذكر ان وود ورد جاء بتوصية من بول اغناطيوس رئيس صحيفة واشنطن بوست. وقبل توليه رئاسة الصحيفة كان اغناطيوس يتولى منصب وزير البحرية في إدارة الرئيس جونسون.
وفي عام 2008 أبلغني اغناطيوس إنه من المحتمل ان يكون له دور على الأقل في التوصية لمصلحة وود ورد. وسألت اغناطيوس كيف وهو مسؤول رفيع في البنتاغون يعرف بملازم صغير مثل وود ورد في تلك الأيام وقال اغناطيوس انه لا يتذكر.
وفي سبتمبر 1971 وبعد عام من التدريب في صحيفة سينتينيال في ولاية ميريلاند تم توظيف وود ورد في «واشنطن بوست»، والصحيفة لها صلات وثيقة بالاستخبارات. وملاك الصحيفة أسرة غراهام لديها صداقات مع كبار المسؤولين في الاستخبارات واصدقاء ايضا لبريسكوت بوش، بل انهم ساعدوا في تمويل أول مشروع تجاري لجورج بوش الأب. كما ان بن برادلي من خريجي جامعة ييل وهو مثل وود ورد قضى فترة طويلة في الاستخبارات البحرية ابان الحرب العالمية الثانية. وكما ورد سابقا فإن جورج بوش الأب كانت له صلة بالاستخبارات البحرية إبان الحرب العالمية الثانية وقبل بداية عمله مع وكالة المخابرات المركزية. وقد شارك في التصوير الفوتوغرافي في عمليات الاستطلاع الجوي السرية.
وقد اثبت وود ورد ميله ونزعته نحو الحصول على مصادر سرية قبل شهر من حادثة اقتحام مبنى ووترغيت وذلك في تغطيته لعملية اطلاق النار على المرشح الرئاسي جورج دالاس واصابته اصابات بالغة في مركز للتسوق في إحدى ضواحي واشنطن، وتمت ادانة مسلح يدعى ارثر بريمر بارتكاب تلك الجريمة لوحده.
وقد نال وود ورد اعجاب مسؤولي التحرير بحماسه في العمل في تلك القضية وبمصادره.
ائلة من الأسرار صندوق سرّي موَّل ووترغيت وعمليات تجسس أخرى لمصلحة الحزب الجمهوري كتب محمد أمين :
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.
بالنسبة الى تقديم وودورد أول مرة للصحيفة يبدو أن أحدا لا يتساءل ما إذا كانت التوصية به جاءت من شخص في البيت الأبيض، مما يشكل سببا مناسبا للصحيفة لتوظيفه. كما أن لا أحد في الصحيفة فحص الأمر الواضح واستطاع ملاحظة الطريقة السريعة التي عمل بها وودورد في الاطاحة بالرئيس نيكسون، أو تساءل عمن من شخصيات البيت الأبيض أوصى بتوظيف وودورد، وما هو الدافع وراء ذلك.
ولكن هنالك البعض ممن أثار فضولهم هذا الأمر. فبعد لقاء شارلز كولسون مع عضو مجلس الشيوخ هاورد بيكر وموظفيه ومن بينهم عضو مجلس الشيوخ لاحقا فريد طومسون روى وقائع ذلك اللقاء في مذكرة غير منشورة:
«لم تستطع وكالة المخابرات الأميركية تحديد إذا ما كان بوب وودورد موظفا في الوكالة. وادعت الوكالة أنها تواجه صعوبة في فحص الملفات الشخصية. وقال طومسون إنه يعتقد أن التسويف يعني أنهم لا يرغبون في الاعتراف بأن وودورد ينتمي الى الوكالة. وكتب طومسون مذكرة مسهبة موجهة إلى بيكر شاكيا من عدم تعاون الوكالة. وحقيقة أنها تقدم مواد مجتزأة وقليلة ولم تبد أي تعاون. وتناولت المذكرة علاقة الوكالة مع الصحافة. وبصفة خاصة قضية وودورد. وبعث بيكر المذكرة مباشرة إلى مدير الوكالة كولبي مع ملاحظات مرفقة وخلال ساعات قليلة اتصل وودورد بالسيناتور بيكر وقد أغضبته تلك المذكرة التي تم تسريبها اليه فورا».
القناع
صلات وودورد الجيدة سوف تساعده في الحصول على سلسلة من المقابلات الخاصة التي قادته بسرعة إلى إصدار عدد من الكتب التي لقيت رواجا واسعا. وأحدها كتاب «القناع: الحروب السرية لوكالة المخابرات المركزية 1981 ــ 1987» وهو كتاب مثير للجدل اعتمد في جزء منه، وفق ادعاء وودورد على مقابلة، غير مسجلة، مع مدير وكالة المخابرات الأميريكية الأسبق وليام كاسي وهو على فراش الموت.
وصدر هذا الكتاب في الوقت الذي كان يسعى فيه جورج بوش (الأب) الى الوصول إلى منصب الرئاسة ولم يتضمن الكتاب أي اشارات مهمة لأي دور قام به بوش في «الحروب السرية» تلك. وذلك بالرغم من ان بوش (الأب) كان نائبا للرئيس ويحمل حقيبة العمليات السرية كما أنه مدير سابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية.
وطرح عليه سؤال حول أسباب تجاهله لبوش في ذلك العمل الذي يحتوي على تفاصيل العمليات السرية خلال توليه منصب نائب الرئيس. وأجاب وودورد:ان بوش ذكر في وقت سابق أنه كان بعيدا عن التفاصيل. وقد تشرف وودورد بلقاء فريد مع جورج بوش (الابن) أثناء توليه الرئاسة والذي لم يقبل إجراء أي حوار أو لقاء مع صحيفة نيويورك تايمز أكبر صحف الولايات المتحدة طوال فترة ولايته تقريبا.
وقد ضمن ذلك اللقاء له رواج كتابه. كما خص وودورد نفسه بمعرفته بدور الإدارة في تسريب خص وودورد نفسه بمعرفته بدور الإدارة في تسريب هوية مسؤولة وكالة المخابرات الأميركية السرية فاليري بالمه. ولكنه لم يكتب أو يصرح بأي قول حول الأمر بالرغم من التحقيقات الجارية والضجة الإعلامية. وعندما تم الكشف عن الموضوع قدم ووردورد اعتذارا لصحيفة واشنطن بوست.
وعن الكشف عن حادثة اقتحام مبنى ووترغيت حصل بوب وود وورد على مهمة تغطيتها، ويتذكر رئيسه في الصحيفة باري سوسمان ان ذلك يعود في جزء منه إلى انه لم يكن يغادر المبنى البتة، وقد قال وود وورد في مقابلة مع المؤلفين توم روزنتال وايمي ميتشيل «كنت اعمل طوال الليل. واذهب بعدها إلى البيت، فقد كانت لدي شقة قريبة من موقع الصحيفة وانام لساعات قليلة، وكنت احضر إلى قاعة التحرير في حوالي الساعة العاشرة أو الحادية عشرة صباحاً واعمل طوال اليوم، وقد اشتكى الناس بانني أعمل بجد»، وبالتالي عندما جاء النبأ كان وود وورد هناك وكانت النتيجة نشر تقرير في الصحفة الاولى يكشف ان اسم هاورد هنت ظهر في مفكرة عناوين لاحد مقتحمي المبنى، كما ان شيكاً موقعاً من هنت عُثر عليه في جيب مقتحم آخر وكان كوبياً وَوَرد في التقرير ان هاورد هنت عمل كمستشار لدى محامي البيت الأبيض شالز غولسون.
كل رجال الرئيس
وعليه.. فقد لعب وود وورد دوراً اساسياً في ربط المقتحمين بالرئيس نيكسون واوضح وود وورد لاحقاً في كتاب «كل رجال الرئيس» الذي شاركه في تأليفه بيرنسستين، انه اكتشف المزيد عن هنت فقد «اتصل بصديق قديم وفي بعض الاحيان مصدر يعمل في الحكومة الفيدرالية»، وصديقه لم يرغب في ان يتم الاتصال به في مكتبه و«قال ان قضية الاقتحام سوف «تشتعل» ولم يستطع التوضيح وانهى المكالمة».
وبالتالي بدأت علاقة وورد مع «الصوت العميق»، المصدر الغريب الذي قال وورد في وقت لاحق انه يعمل في السلطة التنفيذية، ويستطيع الوصول إلى المعلومات في البيت الأبيض ولجنة اعادة انتخاب الرئيس.
وبدأ وورد وبرنسستين، وعلى اساس المعلومات التي حصلا عليها من «الصوت العميق»، في «متابعة الأموال»، وكتابة تقارير صحيفة في سبتمبر واكتوبر (1972) حول «صندوق تمويل سري» سياسي مرتبط بلجنة اعادة انتخاب الرئيس، وقد ورد في احد هذه التقارير ان ذلك الصندوق موّل عملية التنصت على مقر الحزب الديموقراطي في مبنى ووتر غيت وغيرها من نشاطات جمع المعلومات الاستخبارية.
اذا كان هناك شخص ما يرغب في تقويض وضع الرئيس من خارج البيت الأبيض، فانه لن يجد أفضل من رئاسة الحزب الجمهوري للقيام بذلك.
فبعد الانتخابات مباشرة استغل جورج بوش (الأب) تأثيره على نيكسون، حيث اقنع الرئيس باعادته من وظيفته في الأمم المتحدة وتعيينه في اللجنة القومية للحزب الجمهوري، الأمر الذي وضعه في مركز نخبة الجمهوريين على مستوى البلاد وربما اثر ذلك في قرار نيكسون البقاء والاستمرار أو ترك منصبه.
معاملة تفضيلية
وبصفته رئيسا للجنة القومية للحزب الجمهوري، كان من المتوقع ان يصبح جورج بوش كبير مستشاري الرئيس، وسيسافر كثيرا ويتواصل مع كبار المتبرعين ونشطاء الحزب، واذا كان هنالك شخص لديه ادراك بالمشاعر الحقيقية لقواعد الحزب الموالية، فان ذلك الشخص هو جورج بوش، فقد كان لديه احساس جيد بالامور التي تجعل المؤيدين مستمرين في موالاتهم. وكذلك امكانية اقناعهم بالتخلي عن الحزب.
وكان جورج بوش (الاب) فريداً من بين كل من تولوا رئاسة اللجنة القومية للحزب الجمهوري طوال السنين الماضية، ويبدو ذلك في اقناعه نيكسون ان يكون له (اي لبوش) مكتب في البيت الابيض. كما ان نيكسون كان قد سمح له بالمشاركة في اجتماعات مجلس الوزراء بصفته سفير البلاد في الامم المتحدة. وقد مدد تلك المعاملة التفضيلية لبوش اثناء توليه رئاسة اللجنة القومية للحزب. وهذه خطوة غير مسبوقة.
ونجد هنا شخصا ذا ارتباط وثيق بوكالة المخابرات الاميركية كما رأينا، اصبح الان يدير الحزب الجمهوري ويحضر مداولات واجتماعات مجلس الوزراء. وبصفته مسؤول استخبارات، فان ذلك يعد بالنسبة إليه افضل ما يمكن الحصول عليه. كما ان ذلك جعله في وضع فريد في الوقت الذي بدأت فيه فضيحة ووترغيت تزداد اثارة.
غير ان جورج بوش (الاب) كان لديه اتصال وثيق بعالم نيكسون. فعندما تولى منصب رئاسة اللجنة القومية للحزب قرّب اليه كلا من هاري دينت وتوم لياس، وهما من كبار المسؤولين في مكتب نيكسون للشؤون السياسية الذين رتّبوا عملية «مسكن واشنطن». وكان دينت مهندس استراتيجية نيكسون الخاصة بالجنوب، التي لجورج بوش ومؤيديه ارتباط وثيق بها. كما ان لياس كان لديه ارتباط بجورج بوش قبل عمله في البيت الابيض. فقد كان من كبار المنظمين في لجنة الحملات الانتخابية للكونغرس في الحزب الجمهوري، وممن يصوغون استراتيجية انتخاب شخصيات مثل جورج بوش (الاب) في مقاعد كانت في السابق حكراً على الديموقراطيين.
نصير القضايا العادلة
وبعد وصول جورج بوش الى واشنطن، كانت بين الاثنين لقاءات اجتماعية. ووفق رواية بيير اوسلوس صديقة اسرة لياس انه «في عطلات نهاية الاسبوع كان بوش دائما ما يدعو لياس إلى حفلات باربيكيو في مسكنه في واشنطن».
وعليه فانه في الوقت الذي تم فيه تعيين دينت ولياس في مكتب العلاقات السياسية في البيت الابيض، كانا على صلة وثيقة بجورج بوش (الاب). وفي الواقع، فانه بعد انتخابات عام 1970مباشرة وانهاء عملية «مسكن واشنطن»، اخذ بوش (الاب) لياس معه الى نيويورك، حيث عمل لياس هناك في منصب كبير مساعدي بوش في الامم المتحدة. واختيار لياس للعمل في الامم المتحدة اصاب من يعرفونه بالحيرة. اذ لم تكن لدى لياس مؤهلات او معرفة، تجعله صالحاً للعمل في وظيفة في الامم المتحدة، وينطبق ذات الامر على جورج بوش.
واتخذ بوش حال انتقاله الى اللجنة القومية للحزب الجمهوري قرار تعيين لياس ودينت، وهما الشخصان اللذان اشرفا على عملية مسكن واشنطن. وفي هذه الاثناء كان لبوش وفريقه اتصالات سابقة مع جون ديت.
وعندما شكل مجلس الشيوخ لجنة للتحقيق في ووترغيت، لم يكن هنالك ما يؤكد توصلها الى اي شيء. فمن نفذ تلك العملية اي مقتحمي المبنى والمشرفين عليهم هنت وليدي، كانا يحاكمان ولم يكن من المؤكد ان تتوصل جلسات الاستماع الى معلومات وادلة جديدة. وبالاضافة الى ذلك فقد ضمت اللجنة اربعة اعضاء ديموقراطيين مصابين بداء النعاس وثلاثة جمهوريين، اثنان منهم من اشد الموالين للرئيس نيكسون. ويبقى في هذه المجموعة شخص واحد مختلف هو لويل ويكر وهو جمهوري ليبرالي من ولاية كونيكتكت. وهو مستقل وينظر الى نفسه على انه نصير القضايا العادلة. وقد بدأ حياته السياسية في مدينة غرينيتش في كونيكتكت مسقط رأس جورج بوش. ومثل آل بوش فقد ورث ثروة عن اسلافه.
غير ان التشابه بينهما ينتهي عند هذه النقطة فقد وصل ويكر الى واشنطن في عام 1968 بعد انتخابه عضواً في مجلس النواب. وعند النظر الى سجله الماضي فان ذلك لن يجعله يجد القبول كزميل لجورج بوش (الاب). كما لم يتحمس له بوش لانه بعد قضاء ويكر عامين في مجلس النواب ثم انتخابه في مقعد بريسكوت بوش في مجلس الشيوخ، وفي ذلك العام كان بوش قد خسر محاولته الثانية للوصول الى مجلس الشيوخ. فقد كان نجم ويكر في صعود اسرع من بوش وفي الولاية التي تعد موطن بوش، مما جعل الامر اسوأ. ولا بد ان يكون ذلك قد ازعج بوش.
وسيط نزيه
وفي مذكراته قال ويكر انه منح مهمة المشاركة في لجنة ووترغيت لانه الوحيد بين اثنين من الجمهوريين تطوعا للقيام بذلك، وان اهتمامه بقضية «تمويل الحملات الانتخابية» وتراجع الايمان بالعملية الديموقراطية شكل حافزاً له. والامر المثير للاهتمام هو ان الجمهوري المتطوع الآخر هو العضو المحافظ ادوارد غيرن من ولاية فلوريدا الذي فاز بمقعد في مجلس الشيوخ بمساعدة جيمي اليسون احد كبار مساعدي بوش (الاب) السياسيين، وابنه جورج بوش الذي اتخذ خطوة غير عادية بالحصول على عطلة من وحدة الحرس الوطني في عام 1968 وكان بالكاد قد شرع في اداء تدريباته العسكرية. والجمهوري الآخر في لجنة ووترغيت كان هاورد بيكر زعيم الاغلبية وهو من المعتدلين. وكان ويكر الجمهوري الوحيد في اللجنة الذي كان لديه استعداد لاثبات استقلاليته عن الحزب وتحدي الرئيس علناً.
وفي ربيع عام 1973 تمت ادانة ستة متهمين في واقعة اقتحام مكاتب اللجنة القومية للحزب الديموقراطي، وبدأ الاستعداد لجلسات الاستماع للافادات حول ووترغيت. وكانت هنالك فرصة امام نيكسون لانهاء موضوع الفضيحة من دون الحاق الضرر برئاسته. غير ان ويكر كان يرى دوره كوسيط نزيه وقد انتقد محاولات نيكسون للتغطية على المسألة وقال «اعتقد ان المصلحة الوطنية يمكن تحقيقها عن طريق فتح ابواب البيت الابيض وليس اغلاقها ويبدو ان بوش (الاب) كان موافقاً على ذلك، ففي 20 مارس اليوم الذي صدر فيه تصريح ويكر ذهب بوش الى المكتب البيضاوي للقاء نيكسون، حيث حث نيكسون على ارسال جون دين للادلاء بافادته.
وكانت تلك لحظة مهمة اثبت فيها بوش وجود احتمال ارتباط واهتمام بجون دين. وتلك نصيحة محددة تستحق الاهتمام، وذلك لانها تشير الى ان بوش الاب وهو خارج ادارة نيكسون لديه معلومات غير عادية حول من يعرف ما يجري داخل البيت الابيض، ويحث نيكسون للسماح لجون دين بالاقرار بما يعرف، وعندما سألت دين في عام 2008 عن سبب اعتقاده ان جورج بوش (الاب) نصحه بتقديم افادته قال ان ليس لديه ادنى فكرة ورفض نيكسون نصيحة بوش بتقديم دين لافادته لانه اكد انه لا توجد صلة لموظفي البيت الابيض بحادثة ووترغيت، وبالتالي فإن افادة دين قد تقود فقط الى رفع الحصانة عن الجهاز التنفيذي الى الابد.
ادوار ثانوية
واذا بدا وكأن بوش لديه معلومات استخبارية جيدة بطريقة غير عادية حول ما يحدث في المكتب البيضاوي، فإن ذلك قد تكون له صلة بصديق جيد في ذلك المكتب مع نيكسون ودين ابان اكثر الايام اهمية في قضية ووترغيت. فهناك ريتشارد مور المحامي الذي يقوم بدور المستشار، وكان نيكسون وميتشيل يطلبان مشورته وافكاره وهو مثل بوش (الاب) خريج كلية اندوفر وجامعة ييل وعضو جماعة Skull & Bones، وقد عمل مور مساعدا خاصا لرئيس الاستخبارات العسكرية ابان الحرب العالمية الثانية. ويقال انه انتقل للعمل في الاستخبارات المدنية بعد الحرب، وهو يعتبر تقريبا جزءا من عائلة بوش الممتدة، حيث كان يتبادل المذكرات مع بوش، ويتناول العشاء مع الاسرة. ويظهر مور في ادوار ثانوية في عدد من اشرطة نيكسون، وسجل مكالماته الهاتفية يظهر العديد من الاتصالات فيما بين مور ودين خاصة خلال الاسابيع الاخيرة قبل ان ينقلب دين على نيكسون.
وفي وقت لاحق، ومع استعداد نيكسون لمغادرة البيت الابيض وتولي فورد منصب الرئاسة بدلا منه، حث مور الرئيس المقبل على تعيين جورج بوش نائبا له. واورد مور بصفة خاصة صلات بوش بوول ستريت عبر والده وجده (وكلاهما من رجال الاستثمارات والمصارف في نيويورك) كما عمل مور لاحقا في حملات جورج بوش (الاب) الانتخابية بما في ذلك تلك التي لم يحقق فيها النجاح. وقد عينه بوش في عام 1989 سفيرا في ايرلندا.
وفوراً بعد محاولة جورج بوش اقناع نيكسون بارسال دين للادلاء بافادته، اتصل دين نفسه بالرئيس، وطلب موعداً سريعاً للقائه صباح اليوم التالي، وشرح لنيكسون بدقة أن هنالك تفاصيل مهمة لا يعرفها الرئيس وانه سيخبره بهذه الامور التي لم يبلغه بها.
وبعبارة اخرى فإن دين كان يعترف بعد مضي تعسة اشهر منذ بداية الفضيحة انه يعرف بعض الامور حول ووترغيت لم يكشف عنها البتة للرئيس، والآن قرر دين ان يطلعه عليها.
وبعدها سأل نيكسون عن تطور البيان العام الذي كان يعده جون دين وقد ابلغ انه سيحاول تفادي التفاصيل، وشرع نيكسون في الضغط على دين لاصدار بيان للوزراء يشرح بأسلوب عام استعداد البيت الابيض للتعاون مع اي تحقيقات.
وكان نيكسون، ومن دون الدخول في التفاصيل، يريد الدفاع علنا عن براءة المسؤولين في البيت الابيض ممن كان يعتقد ببراءتهم، وطلب نيكسون من دين أن يكون البيان عاما، وسأله ان كان يستطيع القيام بذلك ورد دين بأن في الامكان فعل ذلك.
شكوك مرضية
ولكن يبدو ان دين لم يكن ينوي «القيام بذلك»، وبدا وكأنه كان ينتظر اللحظة المناسبة لخلق الانطباع المناسب ولم تسنح تلك اللحظة حتى انتقاله للجانب الآخر وتحوّل الى شاهد اساسي للادعاء.
وورد في مذكرات هالديمان حول ذلك اليوم انه لاحظ ان نيكسون كان يرغب في الاعتراف بكل شيء ويبرئ نفسه، غير ان دين حذره من مغبة القيام بذلك. وثبت في المذكرات ان نيكسون كان يرغب في مواجهة المشكلة، ويبدو انه كان سيقول كل ما يعرفه، ولكن جون دين كان يحثه على الا يقدم على ذلك، ولتحقيق هذا الامر كان دين يعزز من شكوك نيكسون المرضية.
وفي صبيحة 21 مارس دخل مستشار البيت الابيض المكتب البيضاوي وشرع في القاء خطبة سوف تجعل دين مشهورا لبقية حياته. فقد حذر الرئيس بطريقة مسرحية من «سرطان يصيب الرئاسة» قد لا يمكن التخلص منه جراحيا. وهذه الخطبة ستصبح بعد وقت قصير الدليل الاساسي لدين ضد نيكسون. وقد يكون قد اعدها باتقان على اساس ادراك دين ان الحديث يجري تسجيله (وكان دين قد ذكر لاحقا انه كان يشتبه في أن حديثه يتم تسجيله، ولكن كما سنرى فإنه قد يكون متأكدا من ذلك). وفي الواقع فإن تلك اللحظة الدرامية بدأ دين بالاعداد لها ولأدائها قبل ثمانية ايام من ذلك. وهي مسجلة في اشرطة سابقة لأحاديثه. ففي تلك الاشرطة السابقة تسمع فيها بداية ابلاغ دين لنيكسون عن معرفة البيت الابيض بما يتعلق بووترغيت.
وفي خطبته المشهورة التي نشرت بتوسع حول «سرطان البيت الابيض» في 21 مارس، كرر دين في واقع الامر ما ذكره لنيكسون من قبل، وان كان بتفاصيل اضافية. وقد اضاف عنصرا مهما سوف يتسبب في مشاكل خطيرة لنيكسون عند تشغيل شريط خطبة «السرطان» في العلن، وهو طلب مليون دولار في شكل رشوة «لإسكات الاصوات» تُقدّم لمقتحمي المبنى. وابلغه دين عن «عملية ابتزاز مستمرة يقوم بها هنت وليدي والكوبيون». وسأل نيكسون عن كمية المال التي يحتاجونها، فأجاب دين «ان هؤلاء الناس سيطلبون مليون دولار خلال العامين المقبلين».
ويدور جدل في ما اذا كان نيكسون قد وافق فعلا على اقتراح دين بدفع هذا المبلغ او كان فقط يكرر الكلام. ولكنه لم يدفع هذا المبلغ البتة.
ولم يكن ما فعله دين سلوكَ محام يسعى لحماية موكله (الرئيس)، ناهيك عن تقديم المشورة والنصح له.القبس
عائلة من الأسرار جورج بوش وجون دين أقنعا نيكسون بتحمّل المسؤولية عن فضيحة ووترغيت من أجل إطاحته
كتب محمد أمين :
نيكسون يغادر البيت الأبيض للمرة الأخيرة
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.
اذا كانت ووترغيت فخاً اعد للجمهوريين، فانه أُعدّ بعناية وإتقان من ثلاثة اجزاء. الاول خلق الجريمة، والثاني ادانة نيكسون من خلال جعله يبدو عارفاً ومتواطئاً، والثالث ضمان القيام باجراء عملي لاستخدام «الحقائق» في القضية لادانة الرئيس نيكسون واجباره على التنحي. وكان بطل المرحلة الثالثة هو لويل ويكر.
فبعد يوم واحد من ذهاب جون دين لمقابلة نيكسون، استقبل ويكر احد الزائرين، بينما كان يعد لجلسات الاستماع. ووفقا لمذكرات ويكر، فان ذلك الزائر هو إيد دي بولت عضو اللجنة القومية للحزب الجمهوري في كاليفورنيا. يقول ويكر ان «دي بولت فتح عينيّ على أشياء لم أكن قد رأيتها، حيث ابلغني ان الكثيرين في الدوائر السياسية لولاية كاليفورنيا يعتبرون نيكسون مقاتلا شرسا ولا يتورع عن استخدام اساليب منحطة في محاربة خصومه».
ويتبين من مذكرات ويكر ان تلك الزيارة لعبت دوراً رئيسياً في اقناع ويكر ان ووترغيت ربما تكون اخطر مما كان يعتقد، وانه ربما كان ما حدث منسجما مع شخصية نيكسون الذي كان على الارجح الشخص الذي أذن بارتكاب هذا العمل المخالف للقانون.
ويتضح ان قصة دي بولت ــــــ ويكر اكثر تعقيداً مما ذكره السيناتور ويكر في مذكراته. ففي مقابلة اجريتها معه عام 2008، ابلغني دي بولت ان ويكر هو الذي اتصل به ليستدعيه، وان ويكر كان يعلم ان دي بولت لم يكن مجرد ناشط حزبي من كاليفورنيا، بل كان من اعضاء الدائرة الداخلية في واشنطن. فأثناء الحملة الانتخابية لعام 1972، كان دي بولت من ابرز الناشطين في حملة نيكسون، فقد كان يحتل موقعاً رفيعاً في الحزب الجمهوري، وكان احد موظفي اللجنة القومية للحزب الجمهوري التي كان يرأسها جورج بوش.
ويتذكر دي بولت الذي عمل نائباً لرئيس المؤتمر القومي للحزب الجمهوري لشؤون البحوث والحملات انه «اتصل بي ذات يوم وكان يعرف مكان وجودي لان لديه رقم هاتفي في المؤتمر القومي للحزب، وطلب مني ان آتي لمقابلته لبضع دقائق». وعُقد اللقاء في كافتيريا الكونغرس.
ويقول دي بولت انه وصف نيكسون لويكر كشخص معقد ومزيج من الخير والشر، «لقد احببت نيكسون، لقد كان شديد الذكاء وكان يعتني بي وبطاقم موظفيه، لكنه لم يكن يظهر ذلك.. لقد كان يعرف الكثير، بيد انه لم يكن يشعر بالامان، لقد كنت اشعر بالشفقة تجاهه».
منجم ذهب
ويضيف دي بولت انه حين حضر لمقابلة ويكر وجده أعدّ قائمة مفصلة من الاسئلة المبنية على معلومات لم يكن ليعرفها سوى شخص رفيع المستوى في اللجنة القومية للحزب الجمهوري او البيت الابيض، عن دي بولت.
ويقول ويكر في مذكراته ان سمعة «المقاتل الذي لا يتورع عن استخدام اسلحة غير شريفة»، التي اكتسبها نيكسون، جعلته يتخذ بعض الخطوات التي من بينها - وفقا لدي بولت - ان يدخل طرفا في شهادة دي بولت لسجلات اللجنة.
وبعد زيارة دي بولت استدعى السيناتور ويكر طاقم موظفيه وعقد معهم لقاء في نهاية الاسبوع. لقد بدأ سكرتيره الصحافي ديك ماك غوان بتخصيص «جزء كبير من وقته» للفضيحة، وسوف يحوّل ماك غوان، الذي سيعمل لاحقا مساعدا لجورج بوش الاب، مكتب ويكر الى ما وصفه بـ «منجم ذهب» للمعلومات. وفي بعض الاحيان، كان المراسلون يتكالبون على المكتب انتظارا للملخص اليومي الذي كان يصدره. وكان مصدر بعض الانباء «الحصرية» التي ظهرت في وسائل الاعلام هو فريق التحقيق الخاص بويكر.
وفي التاسع والعشرين من مارس، وبعد تسعة ايام فقط من لقائه نيكسون وتوصيته ان يدلي دين بشهادته، اتصل جورج بوش الاب بالبيت الابيض في محاولة لاقناع الرئيس بالتحدث علانية عن ووترغيت.
لقد كان بوش يتوق للحديث الى نيكسون، وكان يزعم، مرة اخرى، انه يمتلك معلومات مهمة من جمهوريين نافذين، وكانت رسالته دائما ان من الضروري ان يعترف البيت الابيض بارتكاب خطأ.
ويقول دي بولت انه وجد ان من الغريب تواجد شخص مثل جورج بوش في اعلى درجات السلم الجمهوري، ويضيف ان بوش «أخفق في كل مهمة انيطت به، ولم يكن احد يرغب بوجوده في اللجنة القومية للحزب، وان الاوامر بترقية بوش الى المناصب العليا للحزب جاءت مباشرة من نيكسون، وكنا دائما نشعر بالدهشة ازاء ذلك».
واستقبل ويكر في مبنى الكونغرس يوم 10 ابريل 1973 زائرا آخر هو جاك غليسون الذي كان عضوا في «عملية تاونهاوس» أو «مسكن واشنطن»، لكن لم تعد تربطه صلات بالبيت الابيض. وابلغ غلين ويكر ان شخصا ما (لم يستطع تذكر اسمه) ابلغه ان السيناتور سوف يدان لقبوله تبرعات اثناء الحملة الانتخابية لم يصرّح بها.
وبناء على هذه المعلومة من غليسون الذي كان يعتقد ان «عملية تاونهاوس» تم الايذان بها من مرجع رفيع، قال ويكي انه خلص الى ان نيكسون كان يحاول الايقاع به. وفي وقت لاحق اتصل بمكتب المحقق الخاص وحثه على التحقيق في العملية.
طموح أعمى
وفي هذه الاثناء اتخذ جون دين خطوة ستضمن له مكانا مهما في كتب التاريخ. فقد اعلن خلافه مع نيكسون على الملأ، لأنه كان يخشى احتمال الادانة القضائية، وكان يأمل ان يؤمن ترتيب اوضاعه. فهذا الخلاف مع نيكسون اتاح لدين ان يصبح المرشد الفعلي للمحققين ولأعضاء لجنة الكونغرس. فحين اصبح شاهدا للمحققين، احضر دين معه الصنارة التي سيصطاد بها نيكسون. فاليوم، سيقول كل شيء عما فعله نيكسون، الامر الذي اسس للاتهامات التي ستطيح الرئيس في نهاية الامر.
فقد ابلغ دين المحققين الخاصين ان نيكسون كان متورطاً في عملية التمويه. وابلغهم كذلك عن اقتحام مكتب الطبيب النفسي ايلسبيرغ. ولم تتوقف شهادته عند ذلك الحدّ.
ولا يزال جون دين بفضل كتابه «الطموح الاعمى» يعيش في الذاكرة كرجل طموح وكمحام ناجح انخرط في العمل مع معسكر نيكسون، ثم نتيجة مزيج من الشعور بالخوف على نفسه والشعور بالذنب، يطلق الصافرة، الأمر الذي جعله اشبه بالبطل ذي الاتجاه اليساري ومن ثم معارضاً صريحاً لادارة جورج بوش الابن، بل انه كتب احد اهم مؤلفاته في ذلك بعنوان «اسوأ من ووترغيت».
ولكن الوصف الذي يتم تداوله على نطاق واسع لدين باعتباره عديم الاتجاه وقاده طموحه الى المشاركة في مخططات نيكسون الدنيئة احياناً، لا ينسجم مع حقائق الحياة المعروفة عنه.
لقد كان دين ابن عائلة ثرية في اوهايو، وصاغت القيم العسكرية سنوات حياته الاولى - بما فيها اطاعة الاوامر - وليس التصرف وفقاً للهوى. وتخرج من اكاديمية ستونتون العسكرية في فيرجينيا، وكان رفيقه في السكن بالاكاديمية باري غولدووتر، وقد اصبحا صديقين حميمين. وكانت عائلة غولدووتر تتمتع بصلات وثيقة بعائلة بوش. ولعب باري دوراً حاسماً في عزل نيكسون من خلال دعوته علانية الى الاستقالة.
مخالفات قانونية
درس دين في كليتين في الغرب الاوسط، قبل ان يأتي الى واشنطن ويتزوج بكارلا هينغز ابنة سيناتور سابق عن ولاية ميسوري. والتقى روبرت ماكاندليس الذي تزوج شقيقة كارلا. وينحدر ماكاندليس من ولاية اوكلاهوما الغنية بالنفط، وكان قد تعلّم اساليب الكونغرس على يد السيناتور روبرت كير، امبراطور الصناعة النفطية الصديق لآل بوش، الذي اعتُبر - اضافة الى رئيس مجلس النواب في تكساس سام ريبورن - القوة التي كانت تقف وراء صعود جونسون.
وبعد التخرج في كلية الحقوق بجامعة جورجتاون، عمل دين لفترة قصيرة في احدى الشركات ثم انهيت خدماته لمخالفات قانونية اتهم بارتكابها، فلجأ الى زوج شقيقة زوجته لطلب النصح، فأشار عليه ان يجد عملاً بسرعة قبل ان يعرف احد بوضعه كعاطل عن العمل، واشار عليه بعمل لا صلة له بمجال العمل السابق حتى لا ينكشف امر طرده من عمله السابق.
واستخدم دين صلاته بعضو جمهوري في مجلس النواب ليجد له عملاً كمستشار للجنة القانونية للأقلية التي كان يرأسها وليام ماكلوخ الرئيس السابق لدين في اللجنة. وفي عام 1968 تطوع دين للعمل في حملة نيكسون. وبعد نجاح الأخير في الانتخابات، حصل على عمل مع نائب النائب العام ريتشارد كلينديست. وتعاملت حكومة نيكسون - إضافة إلى أمور أخرى - مع التظاهرات المناهضة لحرب فيتنام وقوانين التنصت بطرق مخالفة للقانون.
وبعد عام تقريباً، أي في يوليو 1970 حين أصبح جون ايرليشمان المستشار الرئيسي للشؤون المحلية للرئيس، خلا المكان لدين ليصبح المحامي الأول للرئيس. وهكذا تحول من محام مفصول في إحدى الشركات المغمورة، إلى مساعد لرئيس الولايات المتحدة خلال أربع سنوات فقط.
فكيف دخل جون دين إلى البيت الأبيض؟ أتى به ايغيل كروخ الذي ارتبط بصداقة طويلة مع جون ايرليشمان الذي عمل كروخ في شركته القانونية في سياتل لبعض الوقت. ولم يكن دين وحده من جلبه كروخ الى البيت الأبيض، بل أيضاً غوردون ليدي، وهو من أعطى الموافقة على اقتحام عيادة الطبيب النفسي ايلسبيرغ، وهو الأمر الذي ألحق ضرراً بالغاً بالرئيس نيكسون.
وعلى الرغم من أن دين انضم إلى طاقم موظفي البيت الأبيض في يوليو 1970، فإن السجلات تظهر محاولات كروخ إدخاله إلى البيت الأبيض، ولو لفترة تجريبية، قبل عدة أشهر من ذلك. ففي الثاني من مارس، رتب كروخ له زيارات يومية إلى البيت الأبيض، وورد في مذكرة بتوقيع كروخ تعود إلى الثاني من مارس ان «دين سيقوم بزيارات يومية إلى البيت الأبيض حتى شهر نوفمبر 1970، وسأكون شاكرا لو منحتموه إذناً بالدخول»، وفي النهاية نجح في توظيفه في البيت الأبيض من دون أي بحث في خلفيته أو ماضيه.
المثلث الذهبي
لقد بدأ كروخ العمل مع نيكسون من خلال المساعدة في ترتيب حفل التنصيب، ثم عين مستشاراً لشؤون واشنطن، ثم أخذ يصعد في السلم الوظيفي والأهمية، وأصبح ضابط ارتباط مع مكتب التحقيقات الفدرالي ومكتب المخدرات والأدوية الخطيرة. ويقول ايرليشمان عن كروخ: «لقد أرسلناه للعمل مع مكتب المخدرات والأدوية الخطيرة ووكالة المخابرات المركزية لمحاولة شراء بعض مختبرات الهيرويين في المثلث الذهبي، وأكد ذلك شارلز كولسون».
وكان كروخ طالباً في كلية الحقوق في جامعة واشنطن، وتتلمذ على يد البروفيسور روي بروسترمان، الخبير الذي صمم «برنامج سلام فيتنام» المرتبط باغتيال الآلاف. سافر كروخ إلى فيتنام قبل انتخاب نيكسون. وكانت المهمة في الظاهر تتعلق بتقييم برامج الإصلاح الزراعي هناك بالتعاون مع بروسترمان. وعلى الرغم من أن مهامه في عهد نيكسون كانت تتعلق بالشؤون الداخلية فإنه سافر ثانية إلى فيتنام في مهمة قيل آنذاك انها لمعالجة تنامي ظاهرة إدمان المخدرات لدى الجنود الأميركيين. وأرسل مكتب المخدرات والأدوية الخطيرة دين إلى الفلبين، وكان هناك عند اندلاع فضيحة ووترغيت. وحصلت مورين زوجة دين على وظيفة لدى المكتب المذكور عام 1971 لتنظيم اللجنة القومية للماريجوانا والتعاطي على الرغم من اعتراف مورين انها كانت تفتقر إلى الخبرة في هذا المجال.
وحُكم على كروخ بالسجن لاربع سنوات ونصف السنة لدوره في اقتحام عيادة الطبيب النفسي، وعاد لممارسة المحاماة، ويعكف الآن على إلقاء المحاضرات في اخلاق المهنة!
وبفضل التقارير الصحفية وما كتب عن ووترغيت على الرغم من محدوديتها، وتعرض كتابها للهجوم من دين وآخرين بهدف احتواء القصة، فإننا نعرف الآن الحقائق التالية:
حقائق
ــــ في عام 1971 كان دين هو الذي جنّد جاسوسين لاستطلاع مبنى ووترغيت، هما جاك كولفيلد الشرطي السابق في نيويورك الذي نقل الاوامر الى الشخص الثاني طوني اولاسويغز الذي سبق له العمل مع نيكسون «يريد منك دين ان تستكشف وتدقق في مكاتب المؤتمر القومي للحزب الديموقراطي». وقد استجاب اولاسويغز للامر ودخل المكاتب كزائر، ورصد اماكن المقاعد وهوية الجالسين عليها، اضافة الى اي معلومات اخرى قد تكون لها فائدة.
ــــ في يناير 1972، كان دين هو الذي شجع ليدي على حبك «اول عملية استخبارية» وهي التي قادت الى «عملية غيمستون» وهي خطة محكمة تتألف من عدة عمليات سرية، اطلق على كل منها اسم احد الاحجار الكريمة. وتشمل هذه العمليات تنصتا على، واختراقا لحملات الديموقراطيين.
ــــ في شهر ابريل 1972، كان دين ــــ وليس ميشيل او هالديمان ــــ هو الذي كان محرضا على اقتحام مبنى مقر الحزب الديموقراطي. فدين هو الذي امر جيب ماغرودر ان يسأل ليدي: «هل تعتقد ان بإمكانك اقتحام مبنى ووترغيت؟». وقد اعترف ماغرودر بذلك بوضوح للصحافيين لين كولوندي وروبرت غيثلين.
- في يونيو 1972، وفقا لشهادة ادلى بها روبرت بينيث رئيس هاوارد هنت في «شركة مولين» الغطاء لنشاط «سي.اي.ايه» والذي اصبح عضوا في مجلس الشيوخ لاحقا. كان دين هو الذي عرض على هنت رشوة اثناء عملية التمويه لوترغيت. ولا يوجد في ادبيات ووترغيت ما يشير الى ان الرئيس نيكسون كان على علم بأي شيء عن عرض من دين لهنت في وقت مبكر من اللعبة.
دور مركزي
وفي الثالث والعشرين من يونيو 1972، قدّم ما اصبح دليلا رئيسيا في عملية التمويه التي رتبها نيكسون، اي ما كان يعرف بــ «شريط الإدانة». فقد ابلغ دين، هالديمان ان المال الذي عثر عليه مع احد مقتحمي المبنى يعود الى شخص مكسيكي في تكساس وان «المشكلة الآن هي في الحيلولة دون فتح «اف.بي.آي» التحقيق في الموضوع»، بمعني آخر اقنع دين هالديمان بمناقشة وقف التحقيقات، وهي المناقشة التي اصبحت جزءا من الادلة التي قادت الى اتهام الرئيس بتعطيل سير العدالة والتمويه.
والمفارقة هي انه اذا كان ثمة شخص يعطل او يموه التحقيق، فانه جون دين، فحين رفض مدير «اف. بي. آي» بات غراي ان يحصر التحقيق في مصدر المال، أصر دين على الوقوف على كل تفاصيل التحقيق والمقابلات مع الشهود من طاقم موظفي البيت الابيض. وأورد غراي في مذكراته ان دين لعب دورا مركزيا في «حبك المؤامرة التي قادت في النهاية الى الاطاحة بالرئيس نيكسون».
ان تجميع الحقائق بعناية يُظهر ان جورج بوش (الاب) وجون دين لم يكونا يخدمان مصالح نيكسون على الاطلاق، وبدلا من ان ينصحاه ويعملا للدفاع عن مصالحه، يبدو انهما كانا يعدان سلسلة من الاحداث المهمة بدقة من اجل تدمير نيكسون، ولذلك حثاه على الاعلان عن تحمل المسؤولية عن هذه الفضيحة.
ففي مراجعة اجراها انطوني لوكاس لكتاب دين بعنوان «الطموح الأعمى» في صحيفة نيويورك تايمز، كتب يقول ان «دين كان واحدا من اسوأ من عملوا في البيت الابيض، ولا يتورع عن تنفيذ الرغبات الشريرة لرؤسائه والمشاركة في عمليات التمويه على مخالفاتهم ونشاطاتهم المشبوهة، وكان يحاول تطويع مثل هذه الاحداث لخدمة مصالحه الخاصة. فعلى سبيل المثال قضى اربعة اشهر في السجن وحين خرج وقع عقدا لكتابة تجربته مع احدى دور النشر.
ائلة من الأسرار (21) بوش قاد عملية التمويه في ووترغيت ليس لحماية الرئيس نيكسون بل للإيقاع به كتب محمد أمين :
مبنى ووتغريت
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.
في ربيع عام 1973، بدأ دين يتعاون مع المحققين، وقرر ويكر انه يريد مقابلة دين. ويصف السيناتور ويكر في مذكراته اصول تحالفهما الاستراتيجي بالآتي: «لقد بدأت احاول ترتيب لقاء مع دين من خلال احد المعارف. وكان لدي كثير من الاسئلة الموجهة الى دين شأني شأن الجميع في واشنطن».
ويكشف احد السجلات ان دين ولويل ويكر اصبحا جارين في مدينة الاسكندرية بولاية فيرجينيا، وكان شارع صغير يفصل بين منزليهما. وفي عام 1974، اراد دين الانتقال للعيش في كاليفورنيا، فواجه مشكلة في بيع منزله، فاشتراه ويكر.
وعلى اي حال، فقبل اسبوعين من الموعد المقرر لبدء لجنة ووترغيت جلسات الاستماع في اوائل شهر مايو، رتب المحامون لقاء بين دين وويكر في منزل محامي دين شارلز شافر في ميريلاند.
وفي اللحظة التي اجتمعا بها، لم يكتف دين بإبلاغ ويكر بكل ما يعرف، بل اخذه الى غرفة مجاورة، ليتحدث اليه على انفراد، وسأله «هل انت واثق من قدرتك على ازالة الاوساخ التي يُخطط البيت الابيض لالقائها عليك؟» واصغى ويكر السمع بعناية. ثم سأله ثانية: «هل انت قلق من قدرة البيت الابيض على اتهامك بسوء التصرف بالتبرعات الخاصة بالحملة الانتخابية؟، فلديهم النية لاستخدام اي حوار من اجل الابتزاز»، وكان دين يشير بذلك الى اموال «مسكن واشنطن». وقد كشف للسيناتور انه كان على علم بأن ويكر كان من متلقي التبرعات. وان كان دين يهدف الى مزيد من اثارة غضب ويكر، فقد نجح في ذلك، فقد اصبح شديد الغضب من نيكسون.
لقد عمل شافر مع لجنة وارين للتحقيق في اغتيال كنيدي، ومع لجنة التحقيق في ووترغيت، الامر الذي جعله محامياً معروفاً. وكان روبرت ماكاندليس احد مستشارين عملا مع دين، وكان زوج شقيقة زوجته ايضاً. وكان ماكاندليس هو الذي ساعد دين حتى واجه الاخير مشكلات مع شركته القانونية، وامّن له عملاً في الكونغرس.
انكشاف المؤامرة
وبعد ووترغيت، يعمل ماكاندليس مع بيرنارد فينستروالد الذي سبق له ان مثّل الضابط السابق في سي. آي. إيه واحد المتهمين في فضيحة ووترغيت جيمس ماكورد، الذي ادى التنصت عليه الى ضمان انكشاف المؤامرة. لقد فشل فينستروالد في محاولته ان يصبح رئيس مستشاري لجنة مجلس النواب للتحقيق في الاغتيالات، فقد عارض ذلك بشدة نائب رئيس اللجنة هنري غونزاليس الذي هو ايضاً صاحب الاقتراح بالتحقيق في الاغتيال، وفي الوقت الذي اصبح فيه مستشاراً لدين، استقال ماكاندليس من شركة «بورويل وهانسن وماكاندليس».
BURWELL, HANSEN & MCCANDLESS
التي تدير عمليات العديد من الشركات المملوكة لوكالة المخابرات المركزية التي يبدو في الظاهر انها شركات مستقلة.
وبعد بضع سنين تولى فيها تمثيل دين، اصبح ماكاندليس ممثلا للنظام العسكري الحاكم في هايتي، لكنه ينفي وجود اي صلات له مع «سي.اي.ايه».
وفجأة اصبح دين وويكر صديقين يمارسان رياضة المشي معا ويذهبان الى طعام العشاء معا. وحين تعرض دين للاستجواب من الكونغرس في يونيو 1973، كان ويكر سعيدا لتقديم المساعدة له.
وحين سئل دين من السيناتور هيرمان نالماج لماذا لم يبلغ الرئيس بكل ما كان لديه من معلومات وهو المستشار الاول له؟ شعر بغضب شديد واجاب بأنه لم يكن قادرا على الوصول الى الرئيس. وحين ادرك ان ذلك الجواب كان ضعيفا، استدرك قائلا انه لم يكن يرغب في ان يبدو «فضوليا بالسعي الى القرع على باب الرئيس». واخذ يلقي باللائمة على الرئيس المنعزل تارة وعلى مساعديه تارة اخرى، وزعم انهم ابلغوه ان قناة معلوماته هما هالديان وايرليشمان. وحين لم ينجح ذلك، حاول ايجاد حجة اخرى، لكنه في الواقع، انحى باللائمة على نفسه حين قال: «لقد كنت اشارك في عملية تمويه في ذلك الوقت».
وأخيرا، حان الوقت لظهور الرجل الذي ظل يقف خلف الستار. انه جورج بوش (الأب). ففي الحادي عشر من يوليو ابلغ احدهم صحيفة واشنطن بوست ان السيناتور لويلي ويكر كان احد متلقي التبرعات من «مسكن واشنطن»، واعترف ويكر لصحيفة واشنطن بوست انه تلقى تبرعات لكنه نفى اي تصرف مخالف للقانون بهذه الأموال.
كلنا متواطئون!
وفي مساء يوم 12 يوليو، تلقى ويكر مكالمة من رئيس اللجنة القومية للحزب الجمهوري جورج بوش، الذي كان يعتقد ان ويكر يرغب في ان يسمع ان لديه (اي بوش) بعض الايصالات من «مسكن واشنطن»، ومن بينها ايصالات تخص ويكر.
وفي الواقع، فإن ذلك يرقى الى درجة القول انه ايضا مدرج على القائمة الطويلة، او الاعتراف «بأننا مشتركون جميعا في ذلك».
ثم طرح بوش سؤالا غريبا «ماذا عساي ان افعل بالايصالات؟ هل احرقها؟». فأدرك ويكر الآن، اللعبة وهي ان البيت الابيض يريد الايقاع به، اذ ان «تدمير الادلة المحتملة في اي قضية يمثل جرما جنائيا». ويكتب ويكر في مذكراته لاحقا انه عند هذه النقطة تأكد ان رئيس الحزب الجمهوري يتصل نيابة عن الرئيس نيكسون في محاولة لإسقاط الرجل الذي كان يمثل التهديد الاكبر على الرئيس.
فأبلغ ويكر بوش باستياء شديد وبأن عليه ألا يفكر تحت اي ظرف، بحرق أي وثائق، ثم اتصل (ويكر) بالمحقق العام الفدرالي.
وينفي بوش هذه القصة جملة وتفصيلا، لكن ويكر ما زال يصر عليها حتى اليوم، فبصفته رئيسا للحزب الجمهوري، كان يتعين على بوش ان يأخذ الايصالات الى محامي الحزب قبل عدة اشهر عندما سلمها غليسون كي يطلب استشارته.
ولو فكر ويكر في الامر مليا لاكتشف ان سلوك بوش لم يخدم مصلحة نيكسون ابدا، لقد كان واضحا تماما ان ذلك سيثير الاستياء، فإذا كان بوش يريد مصلحة نيكسون، فقد فعل ذلك بطريقة متهورة، حيث اثار حنق ويكر ليس عليه فحسب، بل على الرئيس ايضا.
وقد اتخذ الموضوع الآن صبغة شخصية، فمستقبل ويكر السياسي اصبح في خطر، فإما ان ينجو هو أو نيكسون.
وبما ان اعين الشعب الاميركي كانت مسلطة على جلسات الاستماع التي بثت على محطات التلفزة مباشرة، ظهر ويكر كخصم شرس لنيكسون، وخلال شهرين فقط، وبمساعدة من جون دين، كشف ان نيكسون يحتفظ لديه بقائمة الاعداء، وان الحزب الجمهوري حاول احراج السيناتور بمزاعم زائفة حول «مسكن واشنطن» والتمويل الخاص به، وان نيكسون كان على صلة باقتحام كل من مبنى ووترغيت وعيادة ايلسبيرغ، وان نيكسون كان مشاركا في عمليات التمويه على كل هذه المخالفات.
وقد القى ويكر خطابا عاطفيا اثناء احدى جلسات الاستماع حول كل ما فعلته ادارة نيكسون «لتخريب جلسات الاستماع حول ووترغيت» واشار الى ان الجمهوريين غارقون في «ممارسات غير قانونية وغير دستورية خطيرة».
انتحار سياسي
لقد كانت لحظة فارقة في حياته، وفي الواقع، حين اتصلت به عام 2008، وحاولت ان اسأله عما اكتشفته حول الخلفية الحقيقية لفضيحة ووترغيت، تبين انه لم يسمع بها، وقال انه امضى معظم سنوات حياته في التحقيق بهذه الفضيحة «ولا اقبل أن يأتي احد ليعلمني ما الذي حدث».
وفي الواقع، فإن الشخص الذي جاء يحمل السكين الذي سيستخدمه نيكسون في انتحاره السياسي لم يكن بوش او دين او ويكر او هنت، بل كان شخصا مغمورا يدعى الكساندر باترفيلد، مساعد نيكسون الذي اشرف على الامن الداخلي للبيت الابيض، والذي كان يشمل العمل بشكل وثيق مع أجهزة الأمن وينسق في تركيب جهاز التنصت الخاص بالرئيس نيكسون.
في البداية، كان باترفيلد يبدو مترددا حين جلس مع أعضاء لجنة ووترغيت في الثالث عشر من يوليو. وحين سئل عن احتمال وجود مثل هذا النظام للتجسس لمصلحة البيت الأبيض قال «كنت آمل أيها الزملاء ألا تسألوني عن هذا الأمر»، ثم أخذ يتحدث عن هذا الجهاز باسهاب.
لقد كان نيكسون يهدف الى تسجيل المناقشات كسجل تاريخي وكلّف باترفيلد بإحضار الفنيين من أجل تركيب المايكروفونات الدقيقة، وأبلغ أعضاء اللجنة المندهشين ان «كل شيء كان يتم تسجيله في كل لقاء كان يحضره الرئيس».
وبعد أيام على شهادة باترفيلد، التي كشف فيها هذه الحقائق، أصبح هذا الموظف المغمور في البيت الأبيض واحدا من أبطال ووترغيت، انه رجل اختار أن يتبع ضميره في قول الحق.
وكتب روبرت سميث في «نيويورك تايمز» بعد عامين ان باترفيلد «هو الذي وضع التحقيق في مساره الصحيح والذي أفضى الى تنحية نيكسون».
فلماذا فعل باترفيلد ما فعله؟ كتب سميث ان «شهادة باترفيلد كانت مميزة لرجل تعلم خلال عشرين عاما من خدمته العسكرية ان يتبع الأوامر، لا أن يلتزم بالمثل العليا».
ومع ذلك، فإن هناك من يشكك في موقف باترفيلد بالقول انه ربما كان يتبع الأوامر، ولكن ليست تلك التي كانت تصدر من الرئيس، بل من جهة أخرى.
وألمح سميث في مقالته الى وجود مزاعم بأن باترفيلد كان عميلاً لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، وهو ما نفاه باترفيلد، قائلا ان اتصاله الوحيد بالوكالة كان عندما كان في القوات الجوية. وخلال الفترة من 64 - 1967 عمل مساعدا عسكريا لوزير الدفاع روبرت ماكنمارا، وكان مسؤولا عن «إعادة تأهيل» الناجين من غزو خليج الخنازير، وهي المهمة التي قالت مصادر مختلفة ان هنت وماكورد قاما بها. وما لم يتم ذكره في هذا الصدد هو دور هؤلاء «الناجين» في فضيحة ووترغيت وفي سقوط نيكسون.
«كيكة سي. آي. ايه»
وبعد سنوات، اعترف باترفيلد انه وقبل التحاقه بالعمل في البيت الأبيض مباشرة، عمل كضابط ارتباط عسكري لـ«سي، آي. ايه» في استراليا. ففي حين زعم باترفيلد ان هولدمان عرض عليه العمل في البيت الأبيض، أكد الأخير ان باترفيلد كتب اليه يطلب منه ان يجد له عملاً في البيت الأبيض، فإذا صدقت رواية هالدمان، فانها تضيف المزيد من الاسماء ذات الصلة بالوكالة مثل هنت ودين وماكورد وجورج بوش (الاب)، الذين بذلوا جهودا استثنائية للدخول الى دائرة نيكسون الداخلية.
ومن اثار انتباه اللجنة الى باترفيلد والاشرطة هما شخصان: الصحافي في واشنطن بوست بوب وودو ورد الذي اشار الى باترفيلد، وجون دين الذي ذكر في بيانه الافتتاحي انه يعتقد ان حواراته كان يتم تسجيلها، والشخص الذي اول من لفت انتباه الكونغرس الى المحادثة الدليل في الرابع عشر من مارس 1973 كان الجنرال فيرتون وولترز، نائب مدير «سي.آي.ايه».
ويبدو انها كانت كيكة الـ«سي.آي.ايه» التي لعب فيها باترفيلد دور غلاف الكريمة العلوي.
فالخطط الافضل تحتاج الى خيارات طوارئ، فاذا كانت ثمة مجموعة تحاول توجيه ووترغيت باتجاه معني، فانه ينصح بالتأكد من ان شيئاً لا ينمو نحو الاتجاه الخاطئ.
وربما كان هناك شيء واحد قد يسير في الاتجاه الخطأ وهو ان تصل لجنة ووترغيت الى نتيجة مفادها ان مجموعة من الاشخاص ذوي الصلات بـ«سي.آي.ايه» وخليج الخنازير واغتيال كنيدي، هي التي تعمل على الايقاع بالرئيس نيكسون.
والشخص الاكثر اثارة للمتاعب في كل هذا كان كارمني بيلينو رئيس لجنة الكونغرس للتحقيق في الحادثة، الذي كان متواجدا دائما في قلب الحدث بحكم علاقاته القديمة بآل كنيدي، ولذلك فانه لمن المثير ملاحظة ان واحدا من الاجراءات السرية القليلة التي اتخذها بوش اثناء توليه رئاسة الحزب الجمهوري اثناء فضيحة ووترغيت، هو مهاجمة كارمني بيلينو، واعتمد في ذلك على اقاويل سمعها من آخرين.
مرارة
وخلال شهر يوليو 1973، اصدر جورج بوش بياناً مطولاً يدعو فيه التحقيق الى التأكد مما اذا كان بيلينو قد امر بالتنصت الالكتروني على الجمهوريين في عام 1960 ام لا، وفي مؤتمر صحفي عقده في الرابع والعشرين من يوليو 1973، اعلن بوش ان هذه المسألة خطيرة للغاية لدرجة تثير قلق لجنة ووترغيت في الكونغرس، لا سيما ان رئيس التحقيق هو موضوع الاتهامات.
وبعد ثلاثة ايام على المؤتمر الصحفي لبوش، وقع 22 عضواً في مجلس الشيوخ على رسالة موجهة الى السيناتور سام ايرفين رئيس لجنة التحقيق في ووترغيت، يحثونه فيها على التحقيق في اتهامات جورج بوش وباحتجاز بيلينو. لقد اختار الجمهوريون بعضهم بعناية ولم يكن امام ايرفين من خيار سوى الانصياع. لقد شغلت قصة بيلينو لجنة ووترغيت لوقت طويل، كما انها حيدت بيلينو الذي لم تتح امامه الفرصة الكاملة للدفاع عن نفسه.
ويشير رئيس لجنة التحقيق سام ايرفين بمرارة الى ان «المرء لا يمكنه الا ان يعجب بالموقف الصارم للحزب الجمهوري وحلفائه من الصحافيين الذين بذلوا جهودا مضنية في الوصول الى حقيقة ووترغيت».
وفي الواقع، فان ايرفين هو الذي اختلق الرواية غير الصحيحة، بشأن ووترغيت، لقد كان يعتقد - مخطئاً - ان مهمة جورج بوش هي الدفاع عن نيكسون، ولكن ما فات عليه وعلى الجميع، هو ان ووترغيت لم تكن عملية نيكسون على الاطلاق، بل عملية تمويه عميقة جداً جداً ضده، اي محاولة حماية امتيازات والاسرار الخاصة بمجموعة لا تخضع لاي مسؤول او لاي جهة.القبس
عائلة من الأسرار (22) شخصيات مهمة ارتبطت بـ «سي.أي.ايه» واغتيال كنيدي .. كانت على علاقة بجورج بوش كتب محمد أمين :
اليكساندر هنغ (الثاني من اليمين متوسطا كيسنجر وكريستوفر واولبرايت) هل كان صاحب {الصوت العميق}؟
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.
كان شريك جورج بوش في هذه اللعبة هو المحقق الخاص في فضيحة ووترغيت ليون جاورسكي الذي بدأ ملاحقة نيكسون منذ اكتوبر 1973.
بعد ان ساعد الكساندر هيغ في اقناع نيكسون باقصاء المحقق المستقل ارشيبالد كوكس، وهي النصيحة غير الموفقة التي قلبت الرأي العام ضد نيكسون.
فقد اظهر بحث في عدد من الكتب التي تناولت «فضيحة ووترغيت» انه قد تم تجاهل خلفية جاورسكي، او كيفية وصوله الى منصبه كمحقق خاص.
لقد كان جاورسكي ديمووقراطيا محافظا من تكساس وايد انتخاب نيكسون عام 1968 وعمل في ايام الشباب كخبير قانوني لعدد من شخصيات هيوستن النافذة ومنهم كبار تجار النفط والقطن الذين كانت لهم كلمة عند الرئيس فرانكلين روزفلت وربما ساعدته هذه الصلات في الحصول على منصب مهم اثناء الحرب العالمية الثانية كمحقق في المحكمة الجنائية لجرائم الحرب في نورمبرغ وهذا النشاط اكسبه ميزة الاطلاع على الوثائق بالغة السرية، وهي ميزة لم يفقدها لسبب او لآخر بعد انتهاء الحرب.
وكما سيناقش لاحقا فإن محاكمات جرائم الحرب في اسيا واوروبا لم تكن مجرد ممارسة نبيلة من اجل تحقيق العدالة بل كانت تجارب استخباراتية كذلك تقوم خلالها شخصيات قوية من الدول المهزومة بكشف معلومات قيمة تتراوح بين تحديد مكان مليارات الدولارات المنهوبة اثناء الحرب الى اسرار التقدم العسكري والعلمي لهذه الدول.
نظرية جديدة
عاد جاورسكي بعد الحرب لممارسة مهنة المحاماة في هيوستن واصبح صديقاً مقرباً ومحامياً للنيدون جونسون، ويتبين لاحقا ان العلاقة الشخصية والمهنية بين الرجلين كان لها فائدة على الطرفين، اذ يقول جاورسكي في مذكراته ان صديقه العزيز جونسون كان يمتلك قدرة لا حدود لها للعمل.. لقد كان رجلا ذا ابعاد استثنائية حيث كان ذا فكر نير وضحكة مجلجلة وسريع الغضب، ولديه القدرة على جعل الناس يتحركون ويقفزون ويغيرون آراءهم».
وحين اغتيل جون كنيدي، فتح جاورسكي بصحبته احد اصدقائه وهو روبرت ستوري الذي كان ايضا من المحققين في محكمة نورمبيرغ تحقيقا فورياً في تكساس لحادثة الاغتيال تحت مظلة النائب العام في تكساس ووغنر كار، وحين طلب من ايرل وارين اجراء تحقيق قومي ابلغ اهالي تكساس بعدم السماح بأي تحقيق مستقل في الولاية لانه قد ينظر الى هذه المحاولة بعين من الشك.
كما قال انه لا يمكن لابناء تكساس العمل مع لجنة واين، وفي النهاية وافق على حل وسط وهو ان تقدم تكساس نتائج التحقيق في الاغتيال الى لجنة واين، وان يمثلها شخص في كل جلسة من جلسات الاستماع.
وبذلك تمكن جاورسكي ورفاقه من متابعة كل الحيثيات بما في ذلك شهادة صديق جورج بوش وراعي اوزوالد جورج دي موهر ينشليدت.
ويعتبر كتاب مذكرات جاورسكي الذي يحمل عنوانا غريبا «الاعتراف والتحاشي» تجربة محكمة في تبرئة الذات.
ويحاول في هذا الكتاب الذي نشر عام 1979، في وقت تجدد فيه اهتمام الرأي العام باغتيال كيندي، يحاول التقليل من شأن شهادة والدة اوزوالد التي قالت فيها انها تعتقد ان ابنها تم الايقاع به من قبل جهة ما، ويهاجم فيه كل من لا يقبل بتوصيات لجنة واين.
لقد طغت الكتب الاربعين او يزيد التي هاجمت تقرير لجنة واين على حادثة الاغتيال نفسها. ومنها ما طرح نظرية جديدة حول الاغتيال. وبسبب ارتباط جاورسكي بمحاولات اثبات عدم وجود نظرية مؤامرة في اغتيال كنيدي، فان ظهوره كأحد افراد المجموعة التي اقصت نيكسون عن السلطة، يمثل حدثا يصعب تصديق انه لا صلة له بالاغتيال، وكذا صلة خليفته بحقيقة ان يصبح محققا خاصا في فضيحة ووترغيت.
صلة سابقة
وتبين لاحقا ان الكسندر هيغ مساعد رئيس مجلس الامن القومي هو الذي اوصى بتعيين جاورسكي. لقد كان الجنرال هيغ رجلا عسكريا محترفا وكان متورطا بعمق في الخدع المعقدة وكل ما يتعلق بصراع السلطة الذي احاط بالرئيسين نيكسون وفورد. لقد كان هيغ في البداية من كبار مساعدي هنري كيسنجر ثم اصبح كبيرا لموظفي البيت الابيض بعد استقالة هالديمان، ثم اقنع نيكسون بالاستقالة واحتفظ بمركزه بعد سقوط نيكسون. وانترع لنفسه مكانة البت في اي من اشرطة الرئيس السابق يتم نشرها الى الرأي العام واي منها لا يتم نشره.
وكما تعرف، فان هذه المهمة كانت بالغة الاهمية، لان بعض الاشرطة تبرز الرئيس مذنبا، بينما تظهره اشرطة اخرى غير ذلك.
لقط سطع نجم هيغ بسرعة في سلسلة من الادارات الجمهورية والديموقراطية بدءا من جون كنيدي، واستفاد جزئيا من رعاية جوزيف كاليفانو، المحامي القوي في واشنطن الذي خدم في ادارتي كل من كنيدي وجونسون واعتبر من اوثق حلفاء جونسون.
وربما كانت لهيغ صلة سابقة مع بوب وودورد، حين كان الاخير في الاستخبارات البحرية وقبل ان يصبح المراسل الذي كشف فضيحة ووترغيت، وهذا يثير التساؤل حول ما اذا كان المسؤول رفيع المستوى في البيت الابيض الذي زكى وودورد الى ضابط الاستخبارات البحرية السابق بين برادلي و/أو وزير البحرية السابق اغناتيوس في واشنطن بوست، هو الكسندر هيغ نفسه. ويلعب
هيغ الذي كان يعمل في مكتب عمليات البنتاغون عام 63، دوراً ما أيضاً، في تسمية جاورسكي محققاً خاصاً في فضيحة ووترغيت، الأمر الذي يثير مزيداً من التساؤلات، كما هي الحال بالنسبة لكل ما يحيط بهذه الدائرة المميزة من الاصدقاء.
لقد كان جاورسكي «صديقاً حميماً» لآل بوش بمعايير بوش نفسه، ومن المؤكد انه كان مقرباً من بوش (الأب)، فقد امتدح في كتابه «كل شيء على ما يرام» جاورسكي ووصفه بــ«الحازم في أداء واتقان أي عمل يقوم به بالكامل» ويصفه بــ«المحامي المرموق في هيوستن وصديق العائلة منذ زمن طويل».
وسائل للتغطية
اما «العمل الكامل» فهو اصدار الأمر بتسليم التحقيق 64 شريطا. منتقاة من تسجيلات الرئيس نيكسون بما فيها ذلك الذي يتضمن دليلا دامغاً على ادانة الرئيس في مسألة ووترغيت، وبعد عامين، وأثناء جلسة الاستماع للمصادقة على تعيين جورج بوش رئيساً لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، تقدم جاورسكي للادلاء بشهادة يبرئ فيها بوش من أي سلوك غير قانوني يتعلق بــ«مسكن واشنطن» واستغل بوش هذه الشهادة لدى خوضه الانتخابات لمنصب نائب الرئيس مع رونالد ريغن عام 1980.
لقد كان جاورسكي واحداً من بين اولئك الذين ذكروا عرضا في «واشنطن بوست» لدى نشرها عام 76 سلسلة مطولة من التقارير حول المؤسسات ذات الصلة بــ«سي. أي. ايه» وكمحام وأحد أمناء لاحدى هذه المؤسسات، فشل في الاجابة عن اسئلة الصحيفة. ويبدو ان أحدا لم يلاحظ هذا العامل حين تولى منصب المحقق في ووترغيت، ولم يظهر ذلك في أي من الشهادات.
وهناك شيء آخر كان واضحاً بشأن تحقيقات جاورسكي في فضيحة ووترغيت، وهو انه لم يهتم بمتابعة الخيوط التي تؤدي إلى جورج بوش، ويستذكر جاك غليسون «لقد جلسنا مع طاقم موظفي جاورسكي وبدأنا استعراض الاسماء اسماً اسماً، وبعضهم من اصدقاء نيكسون،خاصة بيب بيبوزو ومرّ علينا اسم جورج بوش، فلاحظت ان أحداً لا يريد ان يذكر هذا الاسم.
وبعث مساعد المحقق الخاص تشارلز راق بمذكرة إلى جاورسكي بخصوص جورج بوش قال فيها ان الأخير «تلقى ما مجموعه 112 الف دولار من عمليات مسكن واشنطن وتلقى كذلك من خلال مدير حملته 6 آلاف دولار نقدا»، وخلص في نهاية المذكرة إلى ان بوش «ليس هدفا لتحقيقاتنا وليس شاهدا».
لقد كانت لدى بوش وسائل التغطية المناسبة، فاذا كان واحدا من متلقي الاموال، سواء كان مستفيدا أو ضحية لفخ نصب له، فكيف يمكن ان يكون واحدا من معدي الخطة ذاتها؟
واذا فشل ذلك، فهناك جاورسكي صديق بوش، ففي النهاية، كان ما اسقط الرئيس نيكسون هو نشر اشرطة التسجيل على وجه الخصوص.
الدليل على تورط الرئيس
وقد كانت مسؤولية جاورسكي صديق بوش الحميم تجميع اشرطة نيكسون، ويورد بوش في مذكراته «كل شيء على ما يرام» بعض التفاصيل حول تعيين ودور جاورسكي: «نيكسون عيّن ليون جاورسكي ليحل محل ارشيبالد كوكس كمحقق خاص، فطلب احضار 65 شريطا كشفت الكثير مما يثير الدهشة، وكان الشريط الذي حمل الدليل القاطع على تورط نيكسون هو ذلك الذي يتضمن حوارا جرى في الثالث والعشرين من يونيو 1972، يبلغ فيه الرئيس هالديمان بتعطيل تحقيقات «أف. بي. آي» لعملية ووترغيت التي وقعت قبل ستة ايام فقط، وكان ذلك هو الدليل على تورط الرئيس».
وكما ذكر سابقا، فإن بوش الذي تمكن من الوصول الى رئاسة «سي. أي. إيه» خلال ثمانية عشر شهرا من هذه الحادثة، لم يذكر ابدا تورط الوكالة في ووترغيت. وبارتكاب اثم التجاهل هذا، يكون بوش قد اغفل او تعمد اخفاء بعض الاسرار والادلة التي ربما كانت ستقود اليه لو تم الكشف عنها.
وكما لاحظنا في مناسبات عديدة سابقة، يبدو ان بوش قد تصرف بصورة خلاقة لايجاد تفسيرات قوية للتساؤلات حول قربه من عمليات مثيرة للجدل، وكان التفسير الاسهل له في حالة ووترغيت هو التأسيس لدور مساعد له أو لحلفائه المقربين في المؤامرة الاصلية الموجهة ضد نيكسون.
ان اي تحقيق في ووترغيت سيخلص الى ان نيكسون كان متورطا بارتكاب مخالفات خطيرة، كما انه سيخلص الى ان بوش مرتبط ارتباطا بعيدا بهذه المخالفات، ولكن بطريقة لا تلحق به ضررا في المدى البعيد، وبذلك يستحوذ على الكعكة ويأكلها ايضا.
وهذا ما حدث مع بوش في مسألة «مسكن واشنطن» الذي كان يديره حلفاء له، وتأكد انه تلقى بعض الاموال منه، ومع ذلك ليس مذنبا، بارتكاب مخالفة واضحة، ولا بد ان الشيء نفسه ينطبق على ووترغيت.
ولاء شديد!
وفي هذا السياق، ندرس الآن حقيقة ان بعض الاموال ذات الصلة بووترغيت يمكن تتبع اثرها وصولا الى احد اعضاء فريق بوش في تكساس، ولم تظهر من مذكرات بوش اي اشارة على انه وجد من المثير ان ترتبط اموال ووترغيت بأحد اصدقائه المقربين، ولكن ذلك لفت انظار كل من نيكسون وهالديمان والقائم بأعمال مدير مكتب «اف. بي. اي» باتريك غراي.
باختصار، تتبع مكتب التحقيقات الفدرالي خيوط هذه الاموال التي اوصلته مباشرة الى عدد من مساعدي بوش، فمثلا كانت شركة PENNZOIL ملكا لويليام ليدتيك وشقيقه هيو، الشريك السابق لجورج بوش في شركة ZAPATA.
وقد طار وينشستر بطائرة خاصة تابعة لشركة PENNZOIL الى واشنطن لتسليم اموال خاصة بالحملة الانتخابية قبل ان يبدأ سريان قانون جديد كان يستدعي كشف اسماء متبرعي الحملات الانتخابية ومتلقي هذه التبرعات، خلاصة هذه المعلومات جعلت بعض الناس يستنتجون ان بوش كان شديد الولاء لنيكسون. وعلى الرغم من بعض المخالفات لاسيما اموال تبرعات خارجية، لم يجد جاروسكي اية مخالفة ارتكبها بوش.
ولم تسفر تحقيقات «اف.بي.آي» في اموال تكساس من اي نتيجة بسبب تدخلات «سي.اي.ايه». وحدث الشيء ذاته للتحقيقات التي قادها عضو الكونغرس عن تكساس راثي باتمان الذي كان يتولى لجنة المصارف في مجلس النواب.
لقد تمكن باتمان - مثل مدير «اف.بي.اي» غراي، من متابعة مسار المال الذي عُثر عليه في جيوب المحتال بيرنارد باركر، وعودة الى وليام ليديتك رئيس لجنة تكساس لاعادة انتخاب الرئيس. ولكن قبل ان يتسنى لباتمان اصدار ثلاثة وعشرين مذكرة جلب واحضار لمسؤولي لجنة اعادة انتخاب الرئيس، صوت اعضاء لجنته بأغلبية 20 الى 15 في الثالث من اكتوبر 73، لمصلحة قرار وقف التحقيقات.
والمثير في «صلة تكساس» هو انها جمعتهم في مركب واحد تماماً كما جمعت ووترغيت و«سي.اي.ايه» في مركب واحد. وعلى الرغم من ان نيكسون كان يناصب الوكالة العداء سراً، يبدو في النهاية، لكل من كان يقوم بالتحقيق ان الجميع كانوا ضمن فريق واحد. ولكن الفارق انه في حالة تكساس لم يصل التحقيق الى اي متهم ارتكب مخالفة للقانون.
الصوت العميق
وفي الواقع، فان احداً لم يتابع التحقيق بجدية. لا لجنة ووترغيت في مجلس الشيوخ ولا مكتب المحقق الخاص ولا مراسلي واشنطن بوست وودورد وبيرنشتاين اللذين نصحهما المصدر السري في البيت الابيض والذي اطلقا عليه لقب «الصوت العميق» بمتابعة الاموال. فالجميع يزعم انه كان مهتما بمتابعة الدولارات اكثر من التحقيق في فضيحة ووترغيت ذاتها. ولكن حين وصلوا الى مسافة قريبة من مصدر التمويل، توقفوا جميعاً عن مواصلة التحقيق.
واذا كانت لذلك ثمة دلالة بالنسبة لجورج بوش، فانه دليل او اثبات لنيكسون على ولاء بوش له. فمجموعته جمعت المال للجنة اعادة انتخاب الرئيس، ولمقتحمي ووترغيت، وكأن لسان حاله يقول انه كان على الطرف الصحيح من المعادلة في كل مرة، فكيف يكون متواطئاً؟
وربما كان الاسهام الاكبر الذي قدمه الصحافي في واشنطن بوست ريتشارد هاروود هو اثبات ان عشرات الشخصيات ذات الصلة بــ «سي.آي.ايه» كانت من تكساس، وليس ذلك فقط، بل لها صلات مهمة، إما بجورج بوش او بحادثة اغتيال كنيدي او بكليهما معاً، ومنها جورج موهرينشيلدت وجون ميكوم وبيتر اودونيل الذي كان حاكماً لتكساس وقت اغتيال كنيدي. ولم تكن اهمية وجود اودونيل في هذه القائمة ذات الصلة بــ «سي.آي.ايه» او غيرها، واضحة بالضرورة في ذلك الوقت ولم يثرها احد في واشنطن بوست او غيرها.القبس
عائلة من الأسرار (23) كنيدي ونيكسون تصادما مع شركات النفط فكان مصيرهما الإقصاء! كتب محمد أمين :
بوش(في الوسط) ووالده جورج واخوه
تأليف: راس باكر
ترجمة وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.
وهناك شيء محير في «صلة تكساس»، إذ يتبين أنه في مارس 1974، ومع استمرار المحاولات لعزل نيكسون، كان الكونغرس وإدارة نيكسون يجعلان الأمور صعبة على جماعة بوش.
وكانت ثمة تقارير إخبارية تفيد أن مسؤولين فدراليين وأعضاء في الكونغرس كانوا يحققون في مخالفات ذات صلة بالاحتكار أقدم عليها أناس أثناء توليهم عضوية مجلس إدارات عدد من الشركات النفطية. ففي ديسمبر 73، أكد مساعد النائب العام في رسالة جوابية لأعضاء الكونغرس، أن وزارة العدل في إدارة نيكسون كانت تبحث عما عُرف بـ «الإدارات المتشابكة».
ولوحظ أن الغالبية العظمى في قائمة مخالفي القانون كانت من أصدقاء أو جامعي التبرعات أو المتبرعين الرئيسيين لجورج بوش. وكان كثير منهم أيضا رؤساء أو أصحاب عمل لجورج دي موهرينشيلدت. وشملت القائمة ابن ملك «قانون نضوب النفط» كلينت مورشيسون والأدميرال آركينج بورك الذي تحالف مع الين دالاس في التحقيقات التي أعقبت غزو خليج الخنازير وانتقد طريقة تعاطي كنيدي مع الغزو، وجورج براون من مؤسسة Brown & Root الذي وقف إلى جانب جونسون وبوش والذي عمل لديه موهرينشيلدت ودين ماك جي والسيناتور روبرت كير وتودي لي واين الذي وفرت عائلته لزوجة أوزولد المسكن بعد اغتيال كنيدي ورجل الاستخبارات العسكرية جاك كريستون ونيل مالون ذي العلاقة الوطيدة مع بوش.
دور حاسم
ومن الذي كان يحقق مع كل هؤلاء؟ إنها وزارة العدل في إدارة نيكسون، وكان ذلك يشبه إلى حد كبير ما كان يحدث في السنة الأخيرة من تولي كنيدي السلطة، سواء في الإدارة أو في الحياة. لقد كان كنيدي يخوض حربا ضد المجموعة ذاتها من أباطرة النفط بشأن «علاوة نضوب النفط»، وأرسلت وزارة العدل في ظل روبرت كنيدي عملاء «إف.بي.آي» إلى مكاتب شركات النفط للتدقيق في سجلاتها. لقد اثار كل من نيكسون وكنيدي، استياء المجموعة ذاتها، وانتهى الحال بكل منهما إلى الاقصاء من الرئاسة.
لقد كان نيكسون يشك الى درجة المرض بـ«سي. آي. إيه» وكان يتخيل ان عملاءها موجودون في كل مكان وانهم يعملون على اضعافه، فهل كان غبيا أم على حق؟
حتى الآن، رأينا العديد من الناس الذين أضعفت أفعالهم الرئيس نيكسون ووجدنا في كل حالة «صلة ما» ل «سي.آي. ايه»، مثل دين، ومحاموه وهنت وباترفيلد (الذي كشف عن نظام التنصت في البيت الأبيض) وجاورسكي وماكورد وباركر ومارتينيز وغيرهم.
ومن ثم هناك جيب ماغرودر الذي لعب دوراً حاسماً في اتهام رئيسه جون ميتشيل، مدير حملة نيكسون وفي اتهام نيكسون نفسه بأنه كان وراء نشاطات ووترغيت.
لقد كان ماغرودر شخصية محورية في اسقاط نيكسون لأنه كان الرجل الثاني بعد جون ميتشيل الذي أصبح الرجل رقم واحد في فريق نيكسون، وربما في الإدارات الاميركية كافة، الذي يقاد إلى السجن. لقد كانت إدانة ميتشيل حاسمة من أجل إدانة نيكسون. ويقدم ماغرودر شهادة مفصلة ولكنها زائفة لإدانة ميتشيل، مؤكدا انه لم يكن يعلم بالحادثة (ووترغيت) فحسب، بل انه كان مسؤولا عن التغطية عليها.
وكان وليام سلوان كوفين هو الاستاذ المشرف على ماغرودر في الجامعة، وكان متخصصا في علم اللاهوت، لكنه ليبرالي وكان من أبرز معارضي حرب فيتنام، ومع ذلك يظهر من سجلاته انه كان عضوا في مجموعة SKULL & BONES وانه خدم في «سي. آي. ايه»، وهو ما اعترف به بنفسه، كما كان صديقا لفترة طويلة لجورج بوش. وفي الواقع، فإن الأخير هو الذي ادخل كوفين في عضوية هذه المجموعة.
وربما يتساءل القارئ: لماذا لا يعرف الناس بكل ما يرد في هذا الفصل لاسيما ما يبدو أنه اقصاء سلمي لنيكسون عن السلطة؟
ولفهم ذلك، فإن من الضروري تخيل النظام الذي من خلاله يتم نشر المعلومات الى الجمهور والعقلية التي يتم بها استقبال هذه المعلومات. فالرواية الشائعة حول الأحداث الاكثر اثارة للاضطراب يصوغها في العادة اقطاب الدائرة الداخلية واشخاص مقبولون لدى المؤسسة ومن جهات تتوسم فيها المؤسسة عرض الصورة التي ترغب فيها، وبالنسبة لعامة الناس، فإنهم يميلون لقبول التفسير الاكثر قوة للأحداث. واذا كانت الرواية محبوكة بعناية، فلا يتعين علينا ان نفعل شيئا، فمفتاح هذه الاحداث يكون في يد «حراس البناية».
انقلاب صامت
لقد تسنت لي معرفة بعض دواخل هذه الاحداث حين اتصلت بستانلي كوثلر الاكاديمي الذي ألف عدة كتب حول نيكسون ووترغيت. لقد علمت لاحقا ان كوثلر شهد الى جانب جون دين ضد مؤلفي كتاب «الانقلاب الصامت» وضد غوردون ليدي الذي زعم ان دين هو الذي كان يقف وراء ووترغيت.
ولم يعان جون دين الكثير جراء اتهامه بالوقوف وراء ووترغيت، بل على العكس من ذلك، جلب له هذا الاتهام الملايين من خلال صفقات نشر كتبه والتي جعلته من اثرياء بيفرلي هيلز. واصبح مستثمرا مصرفيا، وحين سئل عن نجاحه في العمل التجاري امتنع عن الادلاء باية تفاصيل ولم يذكر اسماء عملائه او وكلائه او شركائه.
وخلال السنوات التي تلت ووترغيت، ظل دين يقدم نفسه على انه القادر على مساعدة الآخرين في فهم هذه القضية المعقدة، وبالتالي، التأسيس لروايته الخاصة في هذا الموضوع.
وقد استضافت مجلة تايم، جيم هوغمان، مؤلف كتاب «الاجندة الخفية» الذي يؤسس لدور «سي. أي. ايه» في فضيحة ووترغيت، لمراجعة كتاب «الانقلاب الصامت» لدى صدوره عام 1991. يقول هوغمان انه بعد تلقيه عرض الاستضافة من مجلة تايم، تلقى مكالمة هاتفية من هايس غوريه المراسل السابق للمجلة، والذي جعل من دين بطلا عام 1973 ثم شارك في تأليف مذكرات مورين دين. لقد اراد غوريه الذي اصبح رئيسا لتحرير المجلة عام 1991، واراد طمأنته بان الاخير سينتقد الكتاب بشدة، وحين علم بانه لن يفعل، سحب الدعوة الموجهة اليه.
وفي هذه الاثناء، تم تجاهل كل الاسئلة الاساسية حول وودورد، واصل الجميع لعبة التكهن بشخصية «الصوت العميق»، وقد فات على معظم المتابعين الانتباه الى بيان ديفيد اوبست الى نيويورك تايمز، والذي قال فيه ان هذه الشخصية وهمية، وتم اختلاقها بهدف التمويه، وانه لم يكن لهذه الشخصية وجود على الاطلاق.
ويعترف روبرت ماكاندليس، زوج اخت زوجة دين، لمراسل احدى صحف اوكلاهوما في عام 1992 انه كان احد مصادر وودورد، لكنه نفى في المقابلة التي اجريت معه لمناسبة الذكرى العشرين لفضيحة ووترغيت، انه كان «الصوت العميق».
اذاً، لدينا رجل ذو صلات استخبارية على ما يبدو، يعترف بكشف تفاصيل من داخل البيت الابيض لرجل له صلات استخبارية ايضا، من دون علم احد. وفي الواقع، فان الغالبية العظمى من الاميركيين لم تعرف الحقائق الرئيسية المتعلقة بوودورد او البيانات المزورة الخاصة بالشخصية الوهمية التي تدعى «الصوت العميق». وفي ظل غياب مثل هذه الشخصية، يطرح السؤال نفسه: ما الدوافع وراء اختلاق هذه الشخصية؟
مهمة عسيرة
والقصة الخلفية هي ان وودورد اتصل بفيلت عام 1999 وزاره في منزله في كاليفورنيا، واخذه الى موقف قريب للسيارات، حيث كانت سيارة ليموزين فيها سائق بالانتظار. وبعد سنوات، كتب احد المحامين مقالة في مجلة «فانيتي فير»، ويذكر ذلك المحامي ــ بالمناسبة ــ ان والده كان ضابطا في المخابرات.
وقد استخدم مدير «اف. بي. اي» باتريك غراي في كتاب مذكراته بعنوان «في شبكة نيكسون» الارشيف الخاص بوودورد لاثبات ان الأخير استخدم مصطلح «الصوت العميق» للإشارة إلى أكثر من ثلاثة من مصادر السرية، وهذا يعني ان صاحب الصوت العميق لم يكن فيلت وحده.
لقد كانت المهمة عسيرة بالفعل، فالمطلوب لم يكن إقصاء نيكسون عن السلطة فحسب، بل الحفاظ على صورته كوحش. ففي مقابلة مع مؤلفي كتاب «نيكسون: تاريخ شفوي لرئاسته» جيرالد ستروبر وديبورا هارث ستروبر، يقول دين إن أحدهم قال لي يوماً ما «ماذا في رئاسة نيكسون غير ووترغيت؟». ويضيف ان «رئاسة نيكوسن بدون ووترغيت أشبه برايخ هتلر دون الهولوكوست. فكيف يمكنك الفصل بينهما؟».
وأما وودورد فقد قال لهما انه يعارض بشدة مقولة إن نيكسون أصبح مشهوراً بسبب ووترغيت، وقال إن الناس اهتموا بنكيسون لميزات معينة في شخصه مثل اهتمامهم بمادونا والكثير من المشاهير الآخرين، فهو يتمتع بشخصية جبارة وقدرة غير عادية على التحمل.
ويزعم هالديمان وايرليشمان ان نيكسون لم يفسر أبداً سر هوسه باغتيال كنيدي وعملية خليج الخنازير. وكان نيكسون يرفض الحديث عن المسألتين وأخذ أي أسرار يعرفها عنهما، معه إلى القبر.
وبالطبع، لم يكن نيكسون بريئاً، لقد كان شديداً مع منتقديه وكان يحب الخ.دَاع، لكن الأدلة تشير إلى أنه لم يكن وراء ووترغيت والأفعال غير القانونية ذات الصلة بها والتي أطاحت برئاسته في نهاية المطاف، على الرغم من ميله الموثق للقيام بأفعال دنيئة.
وأبلغني المسؤول السابق للحزب الجمهوري إيد ديبولت» انني أعتقد ان ويكر كان يرغب في سماع أن نيكسون كان شريراً... وانه كان من الصعب السيطرة عليه، وانه كان يتمتع بشخصية قوية لا أعتقد ان أي جهاز مخابرات يحب أن يعمل معه».
كلمة الفصل
وفي النهاية، تصرف نيكسون تجاه بوش كما فعل دائماً، إذ لم يسبق له أن نطق بكلمة سلبية واحدة عنه. وتفادى إسناد أي مناصب قوية لبوش، ولكن في عام 1974، وبعد ان وافق نيكسون على التنحي، كان ذلك بعد ان قال بوش كلمته. ويقر بوش انه في اليوم السابق لإعلان نيكسون استقالته، كتب إليه مقترحا عليه ان الوقت قد حان لذلك. وهو الموقف الذي قال بوش إن «معظم قادة الحزب الجمهوري في البلاد كانوا يعتقدون به».
وحين حاول بوش ترتيب زيارة لنيكسون بعد الاجتماع العاصف للحكومة وتمكن بوش - شخصياً - من إقناعه بالاستقالة، رفض نيكسون لقاءه، وقد برر هيغ ذلك لبوش الذي كان يشعره بالدهشة وبشكل ما من أشكال الإهانة»، بأن «الرئيس لا يرغب في التحدث لأناس من خارج دائرة ضيقة جداً».
ويشير بوش الى ان جيرالد فورد الذي تولى السلطة عقب نيكسون كان يدرس تعيينه نائباً له، وحين لم يحدث ذلك، شعر بالهزيمة مرة اخرى.
وبعد اقل من اسبوعين على مغادرة نيكسون المذلة لواشنطن، واداء فورد القسم رئيساً، اوردت مجلة نيوزويك ان حظوظ بوش لتولي منصب نائب الرئيس تراجعت كثيراً، ونقلت المجلة عن مصدر لم تسمه في البيت الابيض، تساؤلات حول خمسة واربعين الف دولار من اموال الحملة الانتخابية، حصل عليها بوش من احدى العمليات السرية لـ«مسكن واشنطن».
ومع ذلك، عرض عليه فورد وظيفة لا بأس بها، السفير الاميركي لدى الصين، وبذلك يكون قد ابعده عن السياسات المحلية وعن تحقيقات الكونغرس، وكانت تلك خطوة ضرورية من اجل اتخاذ قراره الاهم بالعفو عن ريتشارد نيكسون.
لقد كان قرار العفو عن نيكسون غريباً، كما ارسال جورج بوش الى بكين، فلم يتهم نيكسون بارتكاب جريمة، ولذلك فقد حصل على عفو «سابق لأوانه»، وعلى الرغم من ان ذلك مثّل حماية لنيكسون من احتمال الادانة مستقبلاً، الا انه وصمه بفضيحة ووترغيت الى الابد، وبالنسبة إلى فورد، ففي الوقت الذي عرض فيه نفسه كزعيم لا ينشد سوى اعادة الهدوء الى بلد مزقته الخلافات، الا ان العفو اثار استياء الذين كانوا يطالبون بمعالجة شفافة لهذا الملف، امام المحاكم، وفي النهاية، ألحق ذلك ضرراً كبيراً بمستقبل فورد السياسي، وبالنظر الى ادراكه للضرر الذي قد يلحق به جراء هذا القرار، فان اقدامه عليه يسلط الضوء على الضغوط التي تعرض لها (فورد) لوقف التحقيق في جذور ووترغيت، والكشف عن الجهة الحقيقية التي وقفت وراء ووترغيت ودوافعها.
جائزة ترضية
وفي محاولة لتفسير تعيين بوش سفيراً في الصين، اوردت وسائل الاعلام ان ذلك كان بمنزلة جائزة ترضية لعدم تعيينه نائباً للرئيس، واختيار حاكم ولاية نيويورك نيلسون روكفلر بدلا منه، ويقال ان فورد عرض عليه منصب السفير في لندن او باريس، ففاجأه بوش باختيار بكين.
ومن المؤكد ان بوش كان بحاجة ماسة للابتعاد عن مسرح الجريمة، فهذا الرجل ظل طوال حياته يتقن الابتعاد عن مركز الاحداث، ومراقبتها عن بعد مثل اي انسان عادي لا شأن له بما يحدث، قبل ان يبتعد كلياً لينفي تماماً انه كان هناك اصلاً، ففي حالة فضيحة ووترغيت كان مسار خروجه واضحاً، فالمنفى الصيني لفترة قصيرة يبعده عن سخونة الاحداث و«يطهر» اسمه من أي ملوثات ويساعد في تلميع صورته أيضا.
منصب شكلي
والأهم من ذلك، أن تعيينه سفيرا في لندن أو باريس كان يتطلب جلسات استماع للمصادقة عليه من الكونغرس، الأمر الذي كان ربما سيفتح الباب لمواجهة الأسئلة التي يحاول التهرب منها. ولكن لم تكن الولايات المتحدة ترتبط بعلاقات دبلوماسية كاملة مع بكين آنذاك، وبالتالي، لم يتطلب تعيينه في بكين عملية مصادقة من الكونغرس (كما اشار بوش نفسه في مكان ما من مذكراته).
وبالنسبة لافتقاره للخبرة والمعرفة، فإن ذلك لم تكن له أهمية كبيرة، كما يتبين لاحقا. لقد كان هذا المنصب شكليا الى حد كبير، لأن هنري كيسنجر كان عازما على الإمساك بخيوط العلاقة الحساسة مع بكين في ممارسة رياضة ركوب الدراجات وحضور الحفلات والمناسبات الرسمية وغير الرسمية. لقد كانت فترة توليه السفارة في بكين، مرحلة لالتقاط الأنفاس، قبل أن يعود بقوة الى واشنطن للمنافسة على أعلى المناصب في الولايات المتحدةالقبس
قراءة جديدة لنصوصه الصوفية الكاملة هكذا تكلم الحلاج
القبس
عرض: جهاد فاضل
يرى الباحث قاسم محمد عباس في الدراسة التي قدم بها النصوص الصوفية الكاملة للمتصوف الإسلامي الحسين بن منصور الحلاج، ان الحلاج كان الأكثر تأهلا كداعية مثقف للدفاع عن الجوهر الاسلامي في تعبيد الطريق الجديد للوصول إلى الحق. «قد يكون الحلاج فارسي الأصل، غير انه نسي لغته الفارسية منذ السادسة من عمره، وتعرب وكان أكثر عربية من غيره يستوحي مواقفه من مصدر الوحي لتعلو نبرته الشخصية وتتجاوز كل التعاليم الهندوسية في زيارته إلى الهند، وغمر نفوس الهندوس بطموح تحطيم ما كان قد تحجر في البلدان الاسلامية. وفي تركيا كان عمل الحلاج أكثر وضوحا بعد عشرة قرون. فطبقا لما قاله فريد الدين العطار، فان الحلاج قد أصبح الولي الذي يقود النفوس إلى الاتحاد الصوفي عبر استشهاده. الا ان الحلاج في البلدان الناطقة بالعربية ظل هذا المتصوف الذي يتكلم العربية شخصية مشبوهة»!
يقول الباحث ان العقيدة الحلاجية اوجدت في الاسلام فرصة واملا للارتقاء إلى ما فوق الشكل الخارجي للعبادة بفضل فلاسفة عظام وصوفية بارعين امثال ابن عربي وابن سبعين وجلال الدين الرومي وعبدالكريم الجيلي. لقد رأى هؤلاء ان الثقة بالأولياء ستشارك في بناء وحدة روحية انسانية أكثر سموا من أي جمال عقائدي، هذه الوحدة الروحية التي ابتدأ بها النبي (ص) بعد هجرته إلى المدينة، بوصفه الحل الأمثل للمدينة الروحية التي وضع الحلاج اساسها باستشهاده.
لذا يمكننا القول بعد ان حاولنا تقديم قراءة شخصية لحياة وموت الحلاج بانه أول الصوفية العظام من السنة الذين اسسوا فكرة تقول ان نهاية التاريخ الانساني ليست مجرد دورة كوكبية سيارة، كما يعتقد بعض الشيعة، أو دعوة للأصول، كما يرى الجنيد، لكنه الحكم الذي يتحقق من الميثاق الالهي من جهة، والثواب الحقيقي على ايمان صادر من الفعل الخلاق الذي لا يتحدد بعبادة مقيدة، بل بعبادة هي في جذورها الرحمة الالهية التي تعني في ابسط صورها تعظيم المخلوق بحكم علاقته بالخالق، بفهم ان بداية الوجود انطلقت من هذه الرحمة. فكيف يمكن ان تنفصل النهاية عن البداية؟ ولذا فعندما سئل الحلاج: ايهما اطيب البداية ام النهاية، اجاب: كيف يقع بينهما الخير، ليس للنهاية ذوق استطابة، انما هو تحقيق!
تصوف الحلاج في رأي الباحث لا يمكن ان يكون بمعزل عن عرض العلاقة بينه وبين غيره من الروحانيات.
«واقصى ما يمكن ان نسجله على تصوفه هو تناوب فاعلية المصادرة، من المسيحي إلى الهندي إلى المصدر اليوناني الهليني، وذلك لسبب واضح هو ان تعددية هذه المصادر تشمل الفكر الاسلامي قاطبة، لا تصوف الحلاج وحده».
ثم ان اي محاولة لتوثيق حياة الحلاج، تعني القيام بتوثيق فكري لتاريخ الولاية الصوفية، وتلمس الجذر الأول للفكر الصوفي الاسلامي بسبب ان المراجعة التاريخية لحياة الحلاج، انما تعني استحضار ما هو عقائدي وتاريخي وسياسي متعلق بمحاكمة الولاية الصوفية، أو مقاضاة الشخصية المتألهة في الاسلام بفهم انها تدل على الشاهد الفاعل على الحقيقة في الالهيات الاسلامية التي ظهرت في شخصية صوفية توفر لها ان تزج الفكر الاسلامي في معركة فكرية/روحية ادت نتائجها إلى زعزعة العالم الاسلامي.
«والاهم من ذلك ان منعطفات هذه الحياة ما زالت مطروحة بحدة إلى الآن امام ما يمكن تسميته بموقع التناقض في الفكر الاسلامي. والا كيف يحدث الا تندثر سيرة هذا الصوفي، كما حدث مع الكثير من نظرائه، لنصطدم بظاهرة تاريخية غير متوقعة ابدا، ظاهرة البقاء الثابت والملح في الذاكرة الاسلامية لشخصية اخلاقية حادة لم يكن من المجدي الالتفاف عليها، ومن ثم تشويه صورتها من قبل الساسة وبعض رجال الدين والقضاة. ونتلمس هذا البقاء الملح عبر الظهور العفوي للواقعة الحلاجية في ضمائر متعددة وفي أوقات متفاوتة كانت تعيد قضية الحلاج من جديد أمام مراكز العدل الاسلامي، سواء كانت دينية أو سياسية.
وكان من الصعب في كل مرة اثبات ان الادانة كانت صحيحة، ولم تكن باي حال من الأحوال تلك الاتهامات المبتكرة والمحتملة التي جمعت ضده بقسوة ذات أهمية عقائدية أو قانونية فضلا عن ضعف سبب الاتهام الذي انتج الفاجعة التي بدت في شكلها النهائي تدميرا حقيقيا لجوهر الشرع الاسلامي، ومقاضاة دموية للولاية تضمنت مساحة كبيرة من الدراما».
يبدو الموت بالنسبة الى الحلاج وكأنه يمنح الحياة معناها. لقد جرى مثل هذا النقاش عند بعض الفلاسفة حول ما اذا كان يتعين عد الحياة تأملا للحياة، أو تأملا للموت.
أبدى سبينوزا هذه الملاحظة أكثر من مرة، الا ان مثل هذا البديل الرؤيوي لم يكن موجودا في العقيدة الحلاجية، لان الحلاج لا يفرق بين الحياة والموت وفق الفهم المتداول الا في الاطار الذي يسمح بتسمية الموت بالحرية في مقابل السجن الذي هو نموذج الحياة. ولما كان الله هو خالق الحياة والموت، وان الأمر يتعلق هنا بخلقين يتداخلان باسمين الهيين اساسهما الوحدة الالهية التي تأملها الحلاج، اذن لا بد من ملامسة الوحدة الجوهرية للحياة والموت:
اقتلوني يا ثقاتي
ان في قتلي حياتي
ومماتي في حياتي
وحياتي في مماتي
انا عندي محو ذاتي
من أجلّ المكرمات.
وبقائي في صفاتي
من قبيح السيئات.
أما الآراء التي حاولت ان تروج لفكرة ان الذي قُطع جسده ليس الحلاج بل جسد آخر استبدل به، فانها تمثل موقفا حاول ان يسلب المغامرة الحلاجية من كل دلالاتها، بل اننا نستطيع ان نؤشر الى ان فرح الحلاج وتبختره وهو يتقدم نحو موته بصورة تتماهى مع الشهداء الاوائل للاسلام المبكر، تلخص لنا اندفاعة رقص متحدية محاربة.
هذا التبختر الذي علمه النبي (ص) لمحاربيه وهم يقفزون إلى قلب المعركة المقدسة في سبيل الله. لقد ردد الحلاج وهو يتقدم نحو موته مقطعا من أربعة ابيات تكشف لنا السيكولوجية الحلاجية، وتؤطر لنا التصور الحلاجي عن التضحية وتحطيم المعبد الإبراهيمي في جسده:
نديمي غير منسوب
إلى شيء من الحيف.
سقاني مثل ما يشرب
فعل الضيف بالضيف.
فلما دارت الكأس
دعا بالنطع والسيف
كذا من يشرب الراح
مع التنين في الصيف.!
هذا ويضم الكتاب ديوان الحلاج والطواسين والشذرات والمرويات والاقوال المنسوبة إلى الحلاج.
مهورية الخوف.. أو عصر صدام حسين ستينات العراق أعطت الشرعية لحكم العنف
يصف كنعان مكية في كتاب صدر حديثا عن «منشورات الجمل» عراق صدام حسين ب «جمهورية الخوف» و«غرفة الرعب»، ويقدم في 424 صفحة من القطع الكبير، صورة واقعية للنظام البعثي السابق وجذوره التكريتية.
يعرض لعشيرة صدام، التي اشتهرت ابان حكم العثمانين بالطريقة التي من خلالها «يكسرون عين» اي حاكم لا يستلطفونه: اذ يصار الى استضافة هذا الحاكم مع زوجته واطفاله على وليمة ترحيب في بيت شخصية محلية معروفة من شخصيات العشيرة، ثم تكمن مجموعة مسلحة من الرجال المقنعين لزمرة الحاكم اثناء عودتهم من الوليمة. وعندئذ يهان الحاكم من خلال اغتصاب حريمه، وبعدها ينزع الرجال اقنعتهم لاظهار وجوههم قبل ان ينسلّوا تحت جنح الظلام من دون ان يقتلوا احدا.
كنعان مكية يقول في كتابه انه في السبعينات من القرن الماضي جرت «عصرنة» هذه الممارسات العشائرية لتتحول الى ادوات بيد الحكم البعثي، عائلات ارستقراطية بغدادية لها علاقة بالنظام الملكي البائد تمت عملية «كسر عينها» على يد ابن صدام حسين وبطانته، على الرغم من انه كان قد مضى وقت طويل منذ كان لهذه العائلات تأثير سياسي او اقتصادي. فبنات هذه العائلات كن يختطفن من الشوارع وهن في طريقهن من والى بعض منتديات بغداد، ثم يختفين لعدة اسابيع قبل ان يظهرن من جديد. ومع ان الجميع يعتقدون انهن قد اغتصبن، لكن احدا لا ينبس ببنت شفة بخصوص ذلك الامر، حتى الفتيات الضحايا انفسهن،والعار الذي يلحق بعائلات هؤلاء النسوة، فضلا ان منهن بالذات، كان مرتبطا بافتراض ان الشعب يعرف ما الذي جرى بالفعل، وفهمت هذه المعرفة على انها اعظم اهانة من الانتهاكات نفسها التي ارتكبت بحق النسوة. كما وسع البتر والكي بوصمة العار المنطق نفسه ليشمل الذكور، مع اختلاف هو ان آثام ما بعد حرب الخليج مثل الهروب من الخدمة العسكرية والسرقة قد مثلت تحديا فعليا وجديا لاستقرار النظام، وهو ما لا ينطبق ابدا على النساء المختطفات في شوارع بغداد لتلبية النوازع المنحلة لأولاد صدام حسين.
ويروي الكتاب وقائع كثيرة تعيد الى الذاكرة تآمر اسرة بورجيا الشهيرة، منها حكاية عدي نجل صدام الاكبر الذي قام امام نظر الجميع بركل كامل حنا جوجو وضربه بالهراوات حتى توفي، كان كامل حنا هو المتذوق الرسمي الخاص لطعام صدام حسين. غضب «الرئيس» غضبا شديدا مما فعله نجله، اذ رأى وراء ما فعله يد زوجته، لأنه في فترات راحة جوجو من مهام تذوقه للطعام كان عليه ان يدقق في اختيار النساء العديدات اللاتي كن يكتبن طالبات رؤية الرئيس كجزء من برنامجه «لقاء الشعب». واشيع انه تزوج واحدة منهن سرا، ووصلت هذه القصة الى الذروة حين قتل حسين خيرالله طلفاح في «حادث» هليكوبتر.. وخيرالله كان احد اعمدة النظام.
كان عالم صدام حسين، كما يقول الكتاب، عالما ليس بامكان ابشع مخيلة ان تتخيله، يصف الكتاب كيف ظهر الى الوجود عالم كافكاوي جديد حكم وشدد قبضته من خلال الخوف. في هذا العالم اصبح المواطن النموذجي مخبرا. وشغلت الاكاذيب و«التقصي» الخطاب الشعبي الى حد الاستغناء عن اي شيء آخر، ان الخوف لم يكن امرا ثانويا او عرضيا مثلما في اغلب الدول، بل اصبح جزءا تكوينيا من مكونات العراق، وقد طور البعثيون سياسة الخوف الى ما يشبه الصيغة المخادعة بحيث تخدم في النهاية الغاية المنشودة لشرعنة حكمهم من خلال جعل اعداد كبيرة من الناس مشاركين في عنف النظام.
وتبدأ المشكلة الرئيسية للعنف البعثي من ادارك ان مئات الآلاف من الناس العاديين تماما كانوا متورطين فيه باستمرار، وفي اغلب الحالات لم يكن لهؤلاء خيار مع هذا الامر.. ومع ذلك ينبغي ان يكون ما يقومون به مبررا، وينتهي الى شرعنة نظام ليس بالامكان ان نضع اللوم في ظهوره علي اي من الغرباء على البلد.
ولكن ليس هناك ما هو غير مفهوم بشأن هذه الغرائبية، اذ تتغذى القسوة على نفسها وتنمو باطراد. فلها شكل وحياه، وتحتذي النماذج، وتطيع قوانينها الخاصة، ولها تاريخها الخاص بها.
اما كيف تتطور القسوة في الدولة، او لماذا تكون ردة فعل اولئك الخاضعين للقسوة المقننة رسميا على نحو مختلف في مراحل مختلفة من حياتهم، فهما السؤالان الاكثر ارتباطا بالقضايا الاكثر جوهرية في عالم السياسة، اذ ان انتهاج سياسة التشويه الجسدي، على سبيل المثال، قد نجم عن التراث البعثي الذي ترسخ منذ فترة طويلة قبل ان يعلن صدام حسين عن قوانينه العقابية عام 1994، ويسرد كتاب «جمهورية الخوف» كيف تطور هذا التقليد من المحاكمات الوحشية علنا الى التعذيب في ظل ظروف تامة السرية.
عشية اندلاع الحرب العراقية ـ الايرانية في ايلول 1980، هيمن صدام حسين على نظام غيّر كل المعايير المؤثرة على العنف المنظم من قبل المجتمع والدولة، خضع التوسع في وسائل العنف، من جيش وشرطة واجهزة امنية، وشبكات من المخبرين، والميليشيا الحزبية، وبيروقراطيات الدولة والحزب، الى انقلاب نموذجي: فتحولت الوسائل الى غايات، واصبح استئصال المعارضين وممارسة القوة الغاشمة غايات مريعة في حد ذاتها، متخطية بغباء الحدود التي كانت تقف عندها فيما مضى.
كان العراق بلدا غنيا على الدوام، ولكنه زمن صدام كان بلدا لا يحيا فيه سوى مليون نسمة لا اكثر، حياة طبيعية، انهم اولئك الذين دعموا حكم صدام واولئك الذين حموه، لقد توفر لهم الطعام والمال. اما البقية فقد انجرفت الى نوع سوريالي من الفقر المدقع حيث باع اساتذة الجامعات ممتلكاتهم العائلية لتوفير لقمة العيش. لقد تمزق نسيج المجتمع، واحيانا عندما كنت اسمع تأكيدات الاذاعات الاجنبية ان الطريق الوحيد للخلاص انما هو بالتخلص من صدام، كنت اقول لنفسي «هل يحسبون اننا في لعبة من العاب الفيديو ام ماذا؟». اذا امعنا النظر رأينا اناسا نضبت طاقتهم الحيوية في السعي حتى لتأمين وجبة الغداء المقبلة!
ويرى الباحث انه لا يمكن لأي بيروقراطية حكومية ان تقتلع عيون اطفال شعبها من دون ان توفر لنفسها الاسباب، ولكن كما تقضم الحية ذيلها، يصنع التبرير من خلال الخوف من العنف، وليس عن طريق الموافقة او حتى الخداع، كان النظام يعمل مثل معسكر اعتقال: فالسجناء يضربون بعضهم ببعض، حيث يخترع الاعداء ويعذب الاطفال في سبيل هدف سام، ويدور كل شيء بهوجاء وبلا سيطرة في عالم مغلق من صنع النظام نفسه. تلك كانت خصوصية العنف في العراق وسبب كافكاويته البادية.. والنظام الذي انجز كل هذا ظاهرة، متوطنة تماما لم تفرض من اي قوة خارجية، وهي كلها نتاج للثقافة التي تغذيها، لأن ايام الملكية التي فرضها الغرب ولى امرها منذ زمن بعيد.
يفحص كتاب «جمهورية الخوف» جيل صدام حسين والستينات في العراق. يناقش الجذور التاريخية لتلك الافكار، ويجادل بانها هي التي اعطت الشرعية لحكم العنف.
كتاب يرصد الملابسات ويحاور من بقي من الشهود {اللحظات الأخيرة في حياة الزعيم}.. هكذا مات جمال عبد الناصر!
القاهرة ـ صبحي موسى :
كيف مات الزعيم جمال عبد الناصر ؟ اتخذ الكاتب الصحفي عمرو الليثي من هذا السؤال محوراً لكتابه عن " اللحظات الأخيرة في حياة جمال عبد الناصر"، الصادر مؤخراً عن سلسلة كتاب اليوم، والذي رصد فيه ملابسات رحيل عبد الناصر، وما تردد عن اغتياله بالسم، محاولاً الوصول إلى حقيقة هذه النهاية المباغتة، وذلك من خلال محاورته لمن بقي من الشهود الذين رأوا ناصر في لحظاته الأخيرة، ومن بينهم أبناؤه هدى ومنى وعبد الحكيم، فضلاً عن طبيبه المعالج محمود الصاوي حبيب، وسكرتير مكتبه سامي شرف.
وقبل أن يدلف الليثي لمحاورة الشهود رصد كل ما تردد عن الوفاة، فذكر هدية التفاح اللبناني المسمم الذي قيل أن وفداً لبنانياً قدمه لناصر، وتحدث عن وثيقة بريطانية ظهرت بعد مرور 30 عاماً على كتابتها عام 74، تحدث فيها القنصل البريطاني بالمغرب عن تورط أشخاص في إعطاء ناصر علاجاً يتضمن الأكسجين أثناء رحلته إلى موسكو عام 1970، وما قيل عن عدم تناول ناصر للطعام بعد أن حقنه بالأنسولين ـ لانشغاله في اجتماعات القمة العربية قبيل وفاته ـ مما أدى لدخوله في غيبوبة سكر لم يدركها طبيبه حبيب صاوي ، الذي تعامل مع الأزمة على أنها ذبحة صدرية ثانية، وفي النهاية ألقى بثقل السؤال الإعلامي الفج الذي تفجر عقب وفاة أشرف مروان في وجه زوجته هدى عبد الناصر : هل قتل اشرف مروان عبد الناصر ؟ فاتهمته بالغباء لو كان يقصد السؤال بهذه الطريقة.
على مدار صفحات الكتاب (134 قطع متوسط ) نشعر بأننا أمام عمل صحفي لا يرغب إلا في الإثارة والبحث عن التوزيع ، بل لا يشعر القارئ بأن مجهوداً ما بذل للبحث عن الحقيقة، بل إن بعض الأسئلة والإجابات تبدو بلا محل من الإعراب، فهي لا تضيف معلومة لا من قبل السائل ولا المجيب، وبدا أن بعض من شاركوا في الحوارات / الشهادات كانوا غير راغبين في الحديث، خصوصا ابناء عبد الناصر، مما يجعلنا أمام عمل ليس فيه غير مقدمة تتمتع بالإثارة كقول الرئيس الأميركي إيزنهاور " أليس هناك من يسكت هذا الرجل " ومن ثم قامت المخابرات بوضع خطة لاغتيال ناصر، وطلبوا من ايزنهاور التوقيع عليها فقال " ليته كان معنا، والمشكلة أنه ضدنا، ولكن ليس إلى درجة القتل".
ذكر الليثي في مقدمته أن هدى عبد الناصر صرحت في وسائل الإعلام بأن السادات متورط في قتل والدها، لأنه كان الأقرب اليه في الأيام الخمسة الأخيرة من حياته، لكن رقية السادات رفعت قضية عليها بسبب هذه التصريحات التي لاتستندالىدليل، وأيدتها المحكمة في دعواها على تصريحات هدى عبد الناصر، لكن ذلك لم ينه القضية إذ راحت الإشاعات تتحدث مدوية أن المخابرات الأميركية جندت السادات عام 1966، ومن ثم فهو الذي أدى المهمة التي تمناها الغرب بأكمله. ورغم ذلك ترك الليثي هذه التصريحات وما أثارته من جدل وراح يسأل هدى عبد الناصر عن تصريحات لبرلنتي عبد الحميد بأن ناصر متورط في قتل المشير عبد الحكيم عامر، فرفضت أن يكون من أدوات والدها التخلص من رجاله بالقتل، فما بالك بأعز الأصدقاء، وقالت ان عبد الحكيم قدم استقالته عام 59، ثم عام 62، وفي كل مرة كان عبد الناصر يرفضها لأنه لا يريد أن يحدث انشقاقات في الصف، وأضافت أن النكسة كانت خطأ نظام ككل وليس شخصاً بعينه.
أما منى عبد الناصر فقد ذهبت إلى أن كل رجال ناصر كانوا مقربين منه، خصوصا السادات والشافعي ، وقالت انه من المنطقي أن يعين ناصر السادات نائباً له في ذلك الوقت، إذ أن كل رجال الثورة ربما كانوا اعتزلوا العمل السياسي كزكريا محيي الدين، أو رحلوا عن الحياة كعبد الحكيم وغيره، ومن ثم لم يبق غير السادات وحسين الشافعي، وكان لا بد من تعيين نائب حتى يستمر الاستقرار في مصر، خصوصا أن البلاد في حالة حرب، ومن الممكن لأي من مضادات الطائرات أن تتعرض لطائرة ناصر وهو في طريقة للعلاج في روسيا، لكن الليثي انتقل في محاورتها عن حدث أكثر سخونه وهو أشرف مروان الذي قتل في شقته بلندن، وخرج الرئيس المصري ليؤكد أنه أدى مهام جليلة لوطنه، وخرج الإعلام المصري ليتحدث عنه كبطل قومي، فحين قال الموساد انه كان عميلاً له، ولا نعرف أين تكمن الحقيقة، ولا يمكن لزوجته أن تقولها، لكن الليثي ألح في توريطها للحديث عن هذه المهام وحقيقة علاقته بالموساد ومسؤوليته عن قتل عبد الناصر، فكادت تتهمه بالغباء ثم أكدت على أنها لا تتحدث فيما يخص السياسة.
أما طبيب عبد الناصر ـ محمود الصاوي حبيب ـ فقد أكد على أنه تابع حالة ناصر قبل وفاته بأربع سنوات، وأن ناصر كان مصاباً بالسكر منذ عام 1958، واصيب بجلطة في الشريان التاجي عام 1969، ثم بجلطة أخرى عام 1970 كانت مصحوبة بصدمة قلبية، وهي التي أدت إلى الوفاة، وأنه كان يعاني التهاب الأعصاب، واضطر بعد جلطة الشريان التاجي إلى عمل أسانسير في منزل ناصر ، وأنه ـ الصاوي ـ طبيب وجراح باطن وليس طبيب أطفال كما أشيع، وأنه كان يستعين باختصاصيين متى احتاجت الحالةالى ذلك، وأن غرفة نوم ناصر كانت مجهزة بأنبوب أكسجين، وجهاز رسم قلب، وجهاز لقياس السكر، وأنه كان يصحبه لكل مكان، كما كانت تصحب موكبه سيارة اسعاف خاصة، وأنه لم تكن في مصر غرفة عناية خاصة "رعاية مركزية" في ذلك الوقت، ورفض القول إن السكر الذي كان يعاني منه ناصر هو السكر البورنزي الذي يسبب ترسب الحديد في الشرايين، كما رفض القول إن اختصاصي العلاج الطبيعي علي العطفي الذي سجن بتهمة التجسس لمصلحة الموساد قام بدهن مفاصل ناصر بزيت مسموم ، لأن ناصر لم يذهب إلى مركز علاج العطفي، ولم يدخل العطفي بيت ناصر، كما رفض القول إن المياه الطبيعية التي عولج بها ناصر في اسخالطوبو في روسيا كانت مسممة، واوضح ذلك بقوله "أنا استخدمت المياه نفسها التي استخدمها ناصر من باب الفضول، ولم يحدث لي شيء".
أما سامي شرف الذي كان يشغل منصب مدير مكتب ناصر فقد أكد على أن ناصر مات ميتة طبيعية، ولو أن هناك شيئاً غير معلوم فسوف يظهر مثلما ظهر بعد مائتي عام من موت نابليون بونابرت أن الانكليز هم الذين اغتالوه بالسم، ولم يكن في حواره القصير مع عبد الحكيم عبد الناصر ما يفيد القضية من بعيد أو قريب، واختتم الليثي كتابه بقصيدة نزار قباني "قتلناك" التي رثى فيها ناصر، بالإضافة إلى ملف بصور ناصر مع رفاقه وأبنائه وفي مراحل تعليمه.
«أبجدية الياسمين» لنزار قباني وثيقة نفسية وشعرية حول أيامه الأخيرة
نزار قباني
كتب جهاد فاضل :
لعل أفضل ما يوصف به الديوان الأخير للشاعر الكبير الراحل نزار قباني (أبجدية الياسمين)، الذي صدر في بيروت، هو أنه وثيقة عن أحوال الشاعر في أيامه الأخيرة، وهو طريح الفراش في بيته بلندن أو في أحد مستشفياتها.
هو وثيقة نفسية وشعرية تتضمن آخر ما كتبه نزار في النثر وفي الشعر. كان الجسد قد تعب وكان الشعر بدوره قد تعب أيضاً. ولكن نزار كان يقاوم أيامه الصعبة تلك بما يتوارد الى ذهنه من أبيات كتبها حيناً، وبخاصة اذا اعوزه الورق قرب سريره، على كيس ادويته المصنوع من الورق. يُفرغ الكيس من الأدوية ويكتب عليه أبياته أو قصيدته.
لعل القصيدة الأخيرة التي تركها تؤلف نموذجاً لهذه الوثيقة النفسية والشعرية التي أشرنا اليها، وهي تبدأ بهذه الأبيات:
ما تراني أقول ليلة عرسي
حفّ ورد الهوى ونام السامر
ما تراني أقول يا اصدقائي
في زمانٍ تموت فيه المشاعر
لم يعد في فمي قصيدة حب
سقط القلب تحت وقع الحوافر
ألف شكر لكم فأنتم شراعي
وبحاري والغاليات الجواهر
والقصيدة في عدد كبير من أبياتها تتضمن من النثر أكثر ما تتضمن من الشعر:
أنزف الشعر منذ خمسين عاماً
ليس سهلاً أن يصبح المرء شاعر
أنزف العشق والنساء بصمت
هل لهذا الحزن الدمشقي اخر
لم يكن دائما فراشي حريرا
فلكم متّ فوق حدّ الخناجر
فخذوا شهرتي التي ارهقتني
والاذاعات كلها والمنابر..
ويبلغ النثر، او النظم، اقصاه في ابيات اخرى:
ما بنا حاجة لمليون ديكٍ
نحن في حاجة لمليون ثائر
تُطلع الأرض شاعراً كل قرنٍ
لا تباع الأشعار مثل السجائر
وفي خاتمة القصيدة يشكر الشاعر المليحات اللواتي طالما ألهمنه، ودائماً بتعابير عامية مصاغة بما أمكن من اللغة الفصيحة:
للمليحات كل حبي وشكري
فلقد كن في حياتي الازاهر
ان فضل النساء فضل «عظيم»
فأنا دونهن طفل قاصر
انني دائخ أمام الجميلات
فثغر يأتي وخصر يسافر
رُبّ نهدٍ غسلتهُ بدموعي
فتشظّى كعلبةٍ للجواهر
انها القصيدة الاخيرة التي كتبها الشاعر الكبير الراحل، كما يقول معدو الديوان للنشر، وهم أولاد الشاعر: هدباء وزينب وعمر.
وصية الشاعر
القصيدة بمنزلة وثيقة، او لنقل انها وصية الشاعر، وفيها اراء مختلفة له تدور حول احواله النفسية، واحوال امته العربية، وحول اهتمام دائم له بالمرأة وكنوزها المعروفة وغير المعروفة. فيها كما رأينا اهتمام بالنهد، وهو اهتمام يفصح عن نفسه لا في قصائد الشاعر على امتداد زمانه الشعري، بل في قصائد «ابجدية الياسمين» ايضا، فالنهد في هذه القصائد لا يخفى، تماما كشعر عمر بن ابي ربيعة. ويمكن التماسه في صفحات شتى من الديوان. ففي الصفحة 34:
للنهد
تاريخ حضاري معي
فهو المكرم / والمبجل / والأمير!
وفي الصفحة 127:
اذا كنت تعرفين رجلا يغسلك بامطار الانوثة كما فعلت، ويجعل من نهديك قصيدتين من الذهب كما فعلت، ومن خصرك قيثارة اسبانية، فدليني على عنوانه قبل ان تخطفه امرأة أخرى.
وفي الصفحة 147:
انا في مربع اسمه انت
فلا استطيع الهروب الى امرأة ثانية
انا بين نهديك في مأزق
ولا استطيع الخلاص من الهاوية..
وعلى الرغم من ان هذا الايقاع «العاطفي» معروف في السيرة الشعرية النزارية، وما يرد في «ابجدية الياسمين» بصدده ليس سوى تنويع عليه، الا ان هناك جديدا يتصل بوتيرة هذا الايقاع، او بعلوه وانخفاضه. في بعض قصائد «ابجدية الياسمين» يعترف الشاعر بان زمان الوصل قد انتهى، وبان حياة المغامرة قد لفظت انفاسها وانتهى الامر، بان الشعر نفسه قد غادر:
الشعر غادرني
فلا بحر بسيط او خفيف أو طويل
والحب غادرني
فلا تمر/ ولا وتر / ولا ظل ظليل
ويعلن بلا مواربة، وآه من النبأ الهائل، كما يقول المعري:
لم يبق عندي ما اقول
لم يبق في الميدان فرسان
ولا بقيت خيول
فالجنس صعب
والوصول الى كنوزك مستحيل
والنهد يقتلني
ويزعم انه الطرف القتيل
والموج يرفعني ويرميني كثور هائج
فلأي ناحية، أميل؟
ماذا سيبقى من حصان الحب
لو مات الصهيل؟
رياحين شعرية
على ان الشعر لا يغادر القصيدة النزارية الاخيرة كل المغادرة، فهناك رياحين شعرية ندية تعلن عن نفسها في هذه الصفحة او في تلك:
لم يبق عندي ما أقول
طار الحمام من النوافذ هاربا
والريش سافر، والهديل
ضاعت رسائلنا القديمة كلها
وتناثرت أوراقها
وتناثرت أشواقها
وتناثرت كلماتها الخضراء في كل الزوايا
فبكى الغمام على رسائلنا
كما بكت السنابل
والجداول والسهول..
ويختم الشاعر قصيدته هذه بالبوح التالي:
أرجو السماح
إذا جلست على الأريكة محبطا
ومشتتا/ ومبعثراً
أرجو سماحك/ إن نسيت بلاغتي
لم يبق من لغة الهوى الا القليل!
ويمكن للدكتور خريستو نجم استاذ الادب العربي في الجامعة اللبنانية الذي كتب ذات يوم كتابا بعنوان «النرجسية في ادب نزار قباني» (وهو كتاب كان نزار معجبا به اعجابا لا حد له) ان يستل من «ابجدية الياسمين» مادة جديدة حول نرجسية نزار فتحت عنوان «رسالة جديدة من صديقة قديمة» يقدم نزار لنفسه سلة مدائح لا يمكن ان تخطر ببال اي نرجسي اخر:
«شكرا على حبك يا حبيبي، أنوثتي لولاك ما اكتشفتها، وفتنتي لولاك ما عرفتها. أنت أحاسيسي التي تفتحت، وأنت أعضائي التي تشكلت، وأنت أنهاري التي تفجرت، وأنت غاباتي التي قد أورقت».
ومنها:
«يا رجلي الوحيد
يا تجربتي الاولى التي جربتها، شكرا من القلب على لمساتك الاخيرة، شكرا من النهد الذي رسمته تفاحة من ذهب، وقبة من خزف، وقطة شامية صغيرة».
وفي هذه القصيدة تصف هذه «الصديقة القديمة» الشاعر «برجل الرجال» و«بالرجل المميز» وبالعنيف والرقيق والعاقل والمجنون، والهادئ والعاصف، والسادي والرحيم» وبأنه مضرم النيران في مشاعري، وواضع الكبريت في خزانتي، وساكب الزيت علي شراشفي».
هجاء العرب
وبالاضافة الى مدائح الشاعر لذاته، سواء بصورة مباشرة او على ألسنة النساء، وبالاضافة ايضا الى مدائحه للنساء، يتابع نزار في «ابجدية الياسمين» هجاءه «للعالم العربي» اصلا وفصلا:
ــ العالم العربي ضيع شعره وشعوره (ص54)
ــ لا تسأليني عن مخازي أمتي (ص62)
ــ التاريخ إشاعة عربية وقصاصة صحفية ورواية عبثية (ص64)
أنا من بلاد نكست راياتها، فكتابها التوراة والتلمود (ص66).
ويصب جام غضبه على اميركا:
أنياب أمريكا تغوص بلحمنا
والحسُّ في أعماقنا مفقود
والآن جاؤوا من وراء البحر
حتى يشربوا بترولنا
ويبددوا أموالنا
ويموتوا أفكارنا
ويصدروا عهرا إلى أولادنا
وكأننا عربٌ هنودُ!
انه نفس الايقاع الذي كتب الشاعر انطلاقا منه كثيرا من القصائد التي هجا بها العرب والتاريخ العربي والامة العربية، سواء في مجموعة «قصائد مغضوب عليها» او في مجموعات وقصائد اخرى كثيرة، الايقاع ذاته، فلا اضافات تذكر فيها، ولا تجاوز، ولا معاني جديدة تختلف عن المعاني السابقة، بل لا شعر احيانا على الاطلاق، فما يقوله ليس سوى صياغة بالعربية لمعان، او لألفاظ يتداولها رواد المقاهي الشعبية:
نيران اسرائيل تحرق أهلنا
وبلادنا، وتراثنا الباقي
ونحن جليدُ!
القصيدة الأخيرة بدون عنوان
ما تُراني أقولُ ليلةَ عرْسي؟
جَفَّ وردُ الهوى، ونامَ السامْر
ما تُراني أقول يا أصدقائي
في زمانٍ تموتُ فيه المشاعرْ؟
لم يعُدْ في فمي قصيدةُ حُبٍ
سقَطَ القلبُ تحت وقْع الحواف.رْ
ألف شكر لكمْ.. فأنتمْ شراعي
وبحاري والغاليات الجواهرْ
فأنا منكُمُ سَرقتُ الأحاسيس
وعنكُمْ أخذتُ لونَ المَحَاج.رْ
أنتمُ المبدعُونَ أجملُ ش.عْري
وبخير الشعوب.، ما طارَ طائرْ
فعلى صوت.كُمْ أُدوز.نُ ش..عْري
وبأعراس.كمْ أزفُ البشائرْ
••••
أنْز.فُ الشعر، منذُ خمسينَ عاماً
ليس سهلاً أن يصيرَ المرءُ شاعرْ
هذه. مهنة المجانين في الأرض.
وطَعْمُ الجُنُون طعمٌ باه.رْ..
أنْز.فُ العشقَ والنساءَ بصمتٍ
هل لهذا الحزن. الدَمشْقيّ. آخ.رْ؟
لستُ أشكر قصيدةً ذبَحتني
قَدَري أن أموتَ فوقَ الدفاترْ
بيَ شيءٌ من ع.زَّة المتنبي
وبقايا من نار مَجْنُون. عامرْ..
لم يكن دائما فراشي حريراً
فلكْم نمت فوق حدّ الخناجرْ
فخُذُوا شهرتي التي أرهَقَتني
والإذاعات. كلّها.. والمنابرْ
وامنحوني صدراً أنام عليه.
واصلبوني على سواد الضفائرْ
آذار 1998