صفحات من الذاكرة دخــــــل الكــــــويت عــــــام 1960
مصطفى دنيا الكبير: 67 سنة مع المطرقة والمنشار والمسمار
مصطفى علي قاسم دنيا الكبير
مصطفى علي قاسم دنيا الكبير
أجرى الحوار: جاسم عباس
في سلسلة حلقات «من قديم الكويت» نقلب صفحات الذكريات مع الرعيل الأول من رجالات الكويت الذين تخضرموا في مرحلتي ما قبل النفط وما بعده، وطالما ان الحنين للأيام الخوالي، إلى الكويت القديمة، كويت الخير والبركة والحياة الاجتماعية المتألقة، هو القاسم المشترك الذي يجمعهم، فمن الانصاف أن نشمل معهم عدداً من الوافدين من مختلف الجنسيات التي قدمت إلى الكويت قبل 40 أو 50 سنة فجاهدوا وعملوا، كل في مجالهومازالوا مساهمين في ورشة البناء والتنمية، وما كان ليستمر هذا التواصل والعطاء لولا محبتهم لهذا البلد الخير ومحبة الكويت وأهلها لهم..
في مستهل لقائنا مع مصطفى علي قاسم دنيا الكبير قال: انا من عائلة كبيرة «أوي جدا»، من ابو غالب الغربية على خط دمياط، والدي رحمه الله كان يملك 90 فدانا، وبعد وفاته طمعوا اولاد عمي بالارض، لان من عادة العوائل القديمة ان المرأة (الزوجة) اذا لم تكن من عائلة لا ترث، فهاجرنا الى اخوالنا في بورسعيد.
اضاف ابو درويش: انا من مواليد 1923م، لم ادخل المدارس ولم اتعلم، وكل ما عندي جاء بالفطرة والخبرة، وكل عمل له منشأ من بدايات وجود الارض، وبدايته كخامة نافعة تعود الى ما قبل التاريخ.
موبيليا بالتقسيط
وقال: أول عمل بدأته «النجارة» عام 1941 ومازلت حتى الآن (67 سنة) مع المنشار والمطرقة والمسمار وانواع الخشب، وانا اول نجار في مصر اعمل واصنع وابيع بالتقسيط عن طريق الكمبيالات، واذا توفي مزقناها، ونطلب الاجر من الله تعالى.
دخلت الكويت 4 يناير 1960 بطائرة «فالكون» 3 محركات، وكان على الرحلة سمو الأمير الوالد حفظه الله، وطلبت منه قلمه لأكتب البيانات، وعند وصولنا قال لي احد الاخوان ان الذي كان معك بالطائرة هو ابن الأمير والمطار كان في النزهة شرقي الشامية، وهو الوحيد، واقيم خلال الفترة من 1947 حتى 1961، ثم اصبح عسكريا حتى 1967، والمنطقة الآن من اجمل مناطق الكويت السكنية، اطلق عليها اسم «الحديقة» ثم النزهة الحالية.
وقال دنيا الكبير: دخلت ومعي خبرتي وفني من النجارة، وعملت في منجرة محمد حسين في الشرق بالقرب من المطعم الشرقي الكبير بجانب المعهد الديني مقابل مقبرة «مدوه»، ثم استأجرت محلا في المنطقة نفسها، بدأت بعمل خزائن ورفوف للرفاعي لبيع الاقمشة، والبغلي للبشوت، واهم عمل عندما حولت حفارة القائم، التي كانت تقوم بحفر ميناء الشويخ، بعد انتهاء عملها الى يخت ضخم من الداخل، تحول الخن (مخزن السفينة) الى غرف وقاعات من الخشب والديكور، اخذت المقاولة بعشرين الف روبية من الغانم، و2000 روبية «بخشيش» من المهندس الاميركاني، وعرفت ان «البخشيش» كلمة فارسية تركية تعني المنحة والاكرامية، وللاسف لا اعرف اين ذهبت الحفارة الجميلة التي تحولت الى فيلا في وسط البحر.
ومن اعمال دنيا الكبير انشاء مختبرات جامعة الكويت والعديلية، واغلب مدارس الكويت من اعماله.
وقال: من افضل اعمالي ديوان عبداللطيف الثويني ومكاتب عقيل يعقوب بهبهاني، وعمل تصميم لمنع الحريق في بوم محمدي وهذا من عمل ابني المهندس، وانا من عام 1964 في الشويخ الصناعية، 44 سنة بين المطارق والمكائن والسيارات والآلات الثقيلة والخفيفة.
الأخشاب وأنواعها
يقول دنيا الكبير: الخشب ما غلظ من العيدان وكل قصير غليظ هو المخشاب، والخشب القوي الذي نصنع منه الاثاث والابواب هو الخشب الذي نعرفه ونعرف قيمته وعمره، والنجار المتقن لعمله ويخاف مقام ربه هو الذي ما زال يعيش في عصر الصلب، رغم ان الناس يقولون اننا انتقلنا الى عصر البلاستيك، وان الخشب اصبح موضة قديمة، وعلى اي حال اللي يقول.. يقول.
اضاف: ان استعمال الخشب يكون في اي وقت، والغابات تقدم ملايين الاشجار الى المصانع، وهو انواع، وفيه كل الخير وانواعه:
خشب الورد ــ الصنوبر ــ الحور ــ الدلب ــ الزان ــ البق ــ الماهوجني ــ الجميز الابيض ــ واما المشهور منه في الكويت: الساج ــ المنطيج ــ الجنقلي ــ الفيني ــ الفن ــ باكة ــ الميط ــ القرط ــ الجندل ــ المربع ــ سنديان ــ الابيض ــ السويد.
وذكر دنيا الكبير مقارنة أسعار الخشب السابقة والحالية فقال:
الزان المتر 45 ديناراً، 350 ديناراً.
السويد 18 ديناراً، 100 دينار.
الأبيض 16 ديناراً، 87 ديناراً.
الصاج فوت 1،750، 20 ديناراً الفوت. الواحد.
السنديان 70 ديناراً، 500 دينار.
وخشب الساج يعتبر بمثابة الذهب بين باقي الأخشاب لوجود مادة دهنية فيه تسمى محلياً بالدسم.
وانتقل من الخشب إلى السمك القديم فتذكره وقال:
السمك الكويتي الذي لا مثيل له في البحار قسمه إلى أقسام واصفة إلى درجات، كان صيادو السمك وبائعوه يعرفون أسماء الأسماك وأنواعها لأنها كانت معروفة، واختلف الوضع ولم يعد هناك كويتي يمتهن الصيد، ولا يوجد باعة كويتيون، وأعتقد ان التسميات الكويتية للأسماك ستضيع، كما ضاع غيرها من اللهجة الكويتية، ومن أسماء والأسماك الجيدة التي تعتبر من الدرجة الأولى: زبيدي – سبيطي، شيم – ميد – صبور – بياح – هامور – شعم – نقرور. وأما أسماك الدرجة الثانية بالنسبة للكويتيين، فهي شعري – خباط – نويبي – وحر – عندق – صافي والدرجة الثالثة: قطو – شماهي – يميامه – الحمام – حاسوم، كنا نشتري أسماكا مقطعة مثل: السكن – وشماهي – الهامور الكبير – الكنعد – كانت رخيصة الثمن.
معجزة الشفاء
وتذكر نبات الرعد الذي نأكله عقب شتاء ممطر هو الفقع أو الكمأة لا جذور له، ومن فضل الله تعالى أن الحصول عليه سهلة لأنه يتكون على شكل مستعمرات من عشرة إلى ثلاثين حبة، وأرض الكويت كانت غنية، وكذلك المملكة العربية السعودية مازالت أراضيها تعطي الفقع، والجزائر والمغرب والعراق وتونس تصدر، ولكن لا يساوي الفقع الكويتي إلا المصري من مرسى مطروح، وأنا أكلته مرات انه طعام كويتي شهي، كما جاء في الحديث الشريف: «الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين».
وتوجد أنواع في بر الكويت ولكن المخيمات والبقيات والسيارات واستخراج الجائر قلل وأتلف هذا النبات حتى وصل إلى درجة الإعدام، أين الكمأة الزبيدي الذي يميل لونه إلى البياض؟ وحجم الفقع الكويتي كحجم البرتقالة، والخلاسي الذو أغلى أين هو؟ والجبي الأسود المحمر ضاع تحت أقدام الناس وسياراتهم، والهوبر أسود، ولكن داخله أبيض.
وقال أبو درويش: الفرنسيون يستهلكونه، وقد انتشر الققع في أوروبا منذ القرن الرابع عشر للميلاد، فهو علاج للتراخوما وهشاشة الأظافر وغني بالبروتين ويحضر منه الحساء، ويستعمل الفقع في الطب الشعبي، وفيه قليل من الدهون.
وقال ابو درويش كم انا متألم لفقدان بطاطا الارض ترتاس، جمال من ارض الكويت خاصة من 24 نوفمبر حتى نهاية الربيع، كنا نطبخ هذا النبات ونقليه ونقطعه مع شرائح اللحم، وبعض الاهالي كانوا يحفظونه للايام الخالية، وكنت اسمع من الكويتيين يا ابو درويش: «اذا طلع الفقع صر دواءك، واذا ظهر الجراد انثر دواك» واخيراً علينا ان نسمع او لا نسمع كلام ابن سينا صاحب القانون في الطب قال قبل تسعمائة سنة:
«لا يصلح اكل الكمأ للمصابين بالفالج».
آخر روبية
وتحدث ابو درويش عن آخر روبية شاهدها في الكويت التي انتهت واختفت من الاسواق في نهاية شهر مارس وبداية ابريل من عام 1961 فقال: اوراق من فئة خمس روبيات ذات لون برتقالي، واما فئة عشر روبيات فهي ذات لون احمر قان، ومائة روبية ورفة لونها اخضر زاه.
واضاف: بعد هذه العملات الورقية والمعدنية بدأت حكومة الكويت تعادل الروبية وكسورها بالدينار فكل: 1000 روبية= 75 ديناراً.
100 روبية= 7،5 دنانير.
10 روبيات= 750 فلسا.
0.5 روبية= 37/1/2 فلسا.
4 آنات= 18،75 فلسا.
2 آنة= 91/5 فلوس.
1 آنة= 4،8 فلوس.
البيزة= 1،2 فلس.
الآردي: 1/2 فلس تقريبا.
وهذه المعلومات وغيرها عن تاريخ العملة في الكويت موجودة في الكتب، والكويتيون اهتموا بتاريخهم فدونوا لعملاتهم من قبل 300 سنة عندما دخل الاغريق جزيرة فيلكا واطلقوا عليها باليونانية اسم (ايكاروس).
زيارة الديوانية واجب
وتحدث عن الديوانية فقال انها وحدة متماسكة، غرفة يؤمها الجميع ولها دور في المساهمة في اعمال اجتماعية وسياسية، وفكرية وثقافية، اضاف دنيا الكبير: من اراد ان يتثقف ويسمع الاخبار، فعليه بالمرتع الاول، ومن اراد التاريخ واخبار المجلس قبل انعقاده فعليه بالديوانية، اصبحت هذه الغرفة الآن لها ملاحق للتجهيز وللطعام وغرفة خاصة للاحاديث الخاصة.
اقول واكرر ان هذه العادة الحسنة الطيبة جمعت الشباب وابعدتهم عن المنكرات وجمعت الجيرة والقرابة والصداقة، وتطرح المرشح كل حسب توجهه واصبحت الديوانية لها التأثير في الرأي العام، وتسمع فيها النقاش، وهي متنفس للتعبير، وتؤخذ آراء روادها، وايضا للديوانية الكويتية تأثيرها الاجتماعي داخل الاسرة، حيث ينقل روادها ما يدور بداخلها من نقاشات وحوارات الى بيوتهم، فيها الندوات، والمنتديات والاجتماعات، والمهم انها جمعت الشباب وابعدتهم عن التسكع في الشوارع، والاسرة الكويتية لها دور كبير في غرس حب ارتياد الدواوين في نفوس افرادها، مما ساعد على ديمومة الدواوين واستمرارها واصبحت زياراتها واجبا اجتماعيا، وتؤكد على تأصيل مفهوم الديوانية.
أوصاف وتعابير
وذكر دنيا الكبير بعض الاصناف والاوصاف التي مازالت باقية، وكان يسمعها منذ دخول الكويت عام 1960 ومحافظة على وجودها واستعمالاتها، قال: عندما ادخل محل الحلويات اشاهد اصنافا باقية مثل: برميت حار ــ سمسمية ــ حلاوة ناريل ــ شعر البنات ــ جبدة الفرس ــ خنفروش ــ زلابية ــ لقيمات ــ جاكليت ــ بيض الصعو ــ كبيط ــ كشاط، واما المكسرات، هي: حب شمسي ــ نكل ــ نبك ـ عنجكك ــ بوز ــ بيذان ــ سبال ــ حب بطيخ.
وبحكم مهنتي وعملي يأتي ويطلب بعض الاخوة ان اصنع له كرسي ماي، وكرسي كدو، وكرسي جلوس، كرسي مصحف وتحته (مقعد طويل يوضع في المقاهي والدواوين وخارج البيوت، كرسي بدمة، وكرسي حب، وكرسي غرشه.
وقال: اوصاف وتعابير واسماء باقية في اللهجة الكويتية ومازالت تحت نظر هذا الكويتي، الذي دائما يريد المحافظة على تراثه، اسمع من يقول يريد: المزلاي (خشبة لفتح واغلاق الباب)، والكفل (قفل)، الصكاطه، والكصه والركزة وهناك من يذكر ويوصف مفتاح حطب، وبونكره، وكيلول، وعلى الرغم من التنوع في الاجناس في المجتمع الكويتي، ولكن اللهجة الكويتية الجميلة مازالت باقية رغم انها كانت مأخوذة ومتأثرة بلغات محيطة كالفارسية والهندية والانكليزية والتركية القديمة لأنه مجتمع متطور، ويستوعب اللهجات، ولكنها باقية رغم ان الكويت أصبحت منطقة جذب لكل الجنسيات، وهو مجتمع منفتح فما زالت كلمة «خبصة» تذكر في ألعاب البنات، خصوصاً في المدارس، وكلمة «خدر» استوى على نار هادئة، والمراعي والمرتهش والحيول، خزامة، فركيته، البغمة، الكبكب، مكمش، كلمات في الحلي من ذهب.
وختم قائلاً: كل ما لمسته خلال 48 سنة إن اللهجة الكويتية باقية رغم التطور والنمو الحضاري، ولا تغزوها أي لهجة رغم وجود التطور والنمو الحضاري، ولا تغزوها أي لهجة رغم وجود الصراع اللغوي المرير، وكل ما أريده أن يحافظ الشباب الكويتي على طراز منزله القديم، ويدخل الأخشاب القديمة، ومواد البناء في بناء الغرف والديوانية.
بدري متري:جئنا الكويت عام 56 كان الدينار مبروكاً.. واليوم تغيّر كل شيء
• بدري عيد يوسف متري
• بدري عيد يوسف متري
أجرى الحوار: جاسم عباس
في سلسلة حلقات «من قديم الكويت» نقلب صفحات الذكريات مع الرعيل الاول من رجالات الكويت الذين تخضرموا في مرحلتي ما قبل النفط وما بعده، وطالما ان الحنين للايام الخوالي، الى الكويت القديمة، كويت الخير والبركة والحياة الاجتماعية المتآلفة، هو القاسم المشترك الذي يجمعهم، فمن الانصاف ان يشمل معهم عددا من الوافدين من مختلف الجنسيات التي قدمت الى الكويت قبل 40 او 50 سنة فجاهدوا وعملوا، كل في مجاله وما زالوا مساهمين في ورشة البناء والتنمية، ولن يستمر هذا التواصل والعطاء، لولا محبتهم لهذا البلد الخير ومحبة الكويت واهلها لهم
في مستهل لقائنا مع بدري عيد يوسف متري قال: دخلنا الكويت عام 1956، فنحن اللبنانيين تعودنا على الاغتراب وطموح الهجرة، ومنا 15% فقط في لبنان، والمغتربون 13 مليونا، وشعارنا «الهجرة بدنا» و«بدنا الهجرة».
وذكر المناطق التي سكنها ومعانيها قال: ام صده كانت سكنية داخل سور الكويت في منطقة المرقاب، ويقال سميت بذلك لانها صادة اي قاصية عن المناطق السكنية، ويقال كانت تسكنها امرأة مفجوعة بولدها في الحرب، ويقال ايضا ان اناسا قد استولوا على حلالها من الماشية واصيبت بصدمة على قواها العقلية فأقامت عشة وبدأت ترمي المارة بالحجارة، وقيل عنها «صديا ترمي بالحجارة» وكما سمعت ان اسمها صديا، وكانت تكرر «القوم وحلالي» وهذه المعلومات موجودة في الكتب الكويتية.
وقال: سكنا بعد ذلك فريج العاقول وتعني الكلمة شجيرة العاقول التي كانت بكثرة فيه وترى الابل من العاقول ومن اجود ما ترعاه، وقديما كانت تجفف وتتخذ وقودا، واوراقها علاج للاسهال، والآن انا بالقرب من دوار العاكول في منطقة الشرق، بالقرب من مقر عملي في شركة يوسف احمد الغانم معرض كاديلاك.
واضاف: فريج المرقاب من اكبر احياء الكويت فرجانا وسكانا، وكما سمعت من اخي الكبير ان عدد سكان المرقاب حسب احصاء 69ــ1970 اكثر من 18000 نسمة، شاهدت بناء ثانوية للبنات في 1959، واغلاق ناد رياضي عام 1959، كنت شابا لا يتجاوز عمري 17 سنة وانا الآن على ابواب السبعين.
وأشار عيد يوسف الى شجرة قديمة بالقرب من برج الداو فقال: انا زرعتها والعمارة الصغيرة سكنتها، واخيرا انتقلنا الى منطقة الدمنة والآن اصبحت من السالمية، وكما سمعت ان الكلمة تعني «الموضع» او آثار الناس والسكن، ويقال ان اناسا ادمنوا على سكن هذه المنطقة، ولزموها وواظبوا على البقاء فيها فسميت «الدمنة».
بداية الأعمال صيدلي
وتحدث ابو يوسف عن امكنة عمله فقال انه بدأ في صيدلية لأخيه الاكبر، ثم عمل في صيدلية محمد ناصر الهاجري في شارع الدهلة خلف جوهرة الخليج، وبالقرب من صيدلية «الزلزلة» وصيدلية عبدالرزاق الدويش، وعمل عيد في صيدلية الشرف بالمرقاب وصيدلية الوطن في شارع الجهراء. تعلم ابو يوسف واكتسب خبرة في العمل الصيدلي، واخيرا حصل على ترخيص من الدكتور سليمان الذربان الذي كان مفتشا للصيدليات بعد اختباره نجح في هذا المجال ولا يصرف الدواء الا بوصفة طبية، واكثرها من الدكتور ناجي العبدالرزاق في عمارة الجوهرة في الدهلة، وله اخ دكتور في سوق «واجف» واخ ثالث كان مخرجا سينمائيا.
وقال: «انتقلت الى الرياح التي لا تشتهيها السفن بسبب الطمع والتوسع غير المدروس، كان اخي يعمل كما قال المثل: «رجل بالشام ورجل بعمان» توسعنا ووصلنا الى مسقط خسرنا 70 الف دينار في تلك الفترة، ادويتنا بقيت في ميناء مسقط حتى انتهت صلاحيتها خسارة وخسارة، وانا الآن اعمل مع شركة يوسف احمد الغانم واولاده منذ 36 سنة في الموقع الحالي نفسه اي بداية معرض الغانم للكاديلاك، وسأبقى مع الغانم لآخر العمر، من معرض الغانم الى مقبرة الصليبخات.
الأسواق القديمة
وتحدث عن الاسواق المميزة الرائجة وحركة اقتصادية عبر السنين التي كنت اشاهدها او قبل 1956، اسواق تطورت وانتقلت اماكنها عبر مراحل التقدم، وبعضها استمر في موقعه القديم، ومن الاسواق التي عرفتها اذكر: سوق الجت متفرعاً من سوق الشعير، وكان يباع فيه البرسيم والچولان، وكنت اشاهد بعض كبار السن يخرجون و«مدوار» الجت على رؤوسهم، وهو عبارة عن هزمة كبيرة، وهذا سوق الصناديق جنوب الغربللي تباع فيه الصناديق الحديدية والشينكو، وسوق بالقرب من المعهد الديني اول معهد بدولة الكويت، وكان يباع فيه الفرش والدواشق والمطارح والمخدات والمساند، وكذلك بطانيات وتكيات، ولحف وكوشيات، وسيادة ويودري، وذكر سوق الدهن الذي ما زال متبقياً بعض الاثر منه في مدخل المباركية مقابل ساحة الصرافين، وكنا من عشاق الدهن العداني الذي يلازم مائدتنا مع زيت الزيتون، وسوق التمر الذي كنا نسميه سوق البرحي والاخلاص والسعمران الذي يأتي من العراق وايران كان في فلة مصنوعة من سعف النخيل، واللبنانيون من محبي البريم والخلاص والحلاوي، كنا نتناوله يومياً مع وجبات الطعام، ندخل الاسواق بخمسة دنيانير نعبئ (دبة) السيارة (الصندوق الخلفي) بالخير الكثير، كان الدينار مبروك، والآن كل شيء تغير.
عصر الرياضة انتهى
وقال متري: دوري المدارس كان قمة الحماس والتنافس، المدارس تخرج اللاعبين وتغذي الاندية، ولا ننسى مستوى مدرسة الصديق والمتنبي وحولي وصلاح الدين، اللاعبون الذي خرجتهم تلك المدارس مثل: عبدالرحمن الدولة ومحمد الخطيب، ابراهيم الخشرم، رضا حيدر، سالم فرج، جاسم المحري، ومحمد المسعود، وبطولات نظمتها شركة نفط الكويت، وبطولة الجيش الكويتي في فترة وزارة المغفور له الشيخ محمد الاحمد الجابر الصباح كان وزيراً للدفاع، وللاسف الآن لا اشاهد الرياضة والحماس الجماهيري الذي كان، وحتى مستوى اللاعبين، الرياضة كانت متعة، راح العصر الذهبي، وراحت الاسماء اللامعة مثل: جاسم يعقوب ــ مرزوق سعيد ــ فتحي كميل ــ عبدالعزيز العنجري، هؤلاء كانوا يثلجون قلوبنا، ودعوانا ان شاء الله نرجع ونصير مثل اول.
الفراغ بين الرأس والمسيلة
قال متري: كنا نعرف كيف نروض انفسنا اي التهذيب بالتربية والجدية، كان اللعب وقتل ساعات الفراغ ما بين الرأس والمسيلة منطقة (البدع)، وهي منتجع لطيف، نقضي فيه اوقاتنا على تلك الرمال، والهواء ليلاً، لا تلوث ولا ازعاج، ونقضي تلك الليالي بالقرب من منارة لهداية السفن، والان تحيط بـ«رأس الارض» عمارات سكنية، اما الفنطاس فكانت قرية السدر والاثل، وقرية ساحلية، كنا نقضي ساعات بين مزروعاتها وآبارها وتحت اشجارها، ومنيفة بالقرب من الفنطاس الغنية بالآبار، والمهبولة الخضراء.
اضاف: كنا نعرف ان الوقت هو الحياة، وعرفنا قدر وقتنا فلا يضيع منه لحظة، وللعلم «الزمن لا يقف محايدا، فهو اما صديق ودود او عدو لدود، هكذا الحياة الطيبة، والان الذين يستغلون اوقاتهم قلة، ولا يحسن استغلال الوقت، ففي الجهراء لا يضيع الوقت كان هواؤها جافا ومناخها صحيا، ولا انسى آبارها وبساتينها التي كانت تصدر للكويت التمر والخضروات وعلف الحيوان، لم تجد اي كويتي خاصة الوجهاء يتخذون من الجهراء منتجعا في فصل الصيف، نقضي ساعات بالقرب من القصر الاحمر وبداخله، نعم احمر لان جدرانه تبدو حمراء اللون وهذا ما قاله الفرزدق:
«نحن بزوراء المدينة ناقتي
حنين عجول تبتغي البو رائم
وياليت زوراء المدينة اصبحت
بأعفار فلج او بسيف الكواظم»
ولا ننسى الاحمدي ابدا بأشجارها الجميلة التي لطفت شوارعها، ودوار المحافظة الذي كان الشباب يلتفون حوله، وحتى الفرصة نقضي ساعات الفراغ بين السفن الشراعية وسواحلها القبلية.
ذكركما يبقى
وتحدث عن فقدان الاحبة الذين عاش معهم وذكر من الشعر:
«بدت لي الديار على حاله
من الحزن بعدك يرثى لها
فسالت دموعي رقداقة
شجي اذ تذكرت نزالها»
وذكر عيد بعض الابيات عند ذكر الاخوة على ارض الكويت:
«صبرا على الدهر ان الدهر خوان
محض الوثوق به ذل وخذلان»
وقال: لقد بكيت في حياتي مرتين البكاء الاول على الشيخ عبدالله الثالث ابن سالم المبارك الصباح، الذي حقق الاستقلال عام 1961 وتوفي 24 نوفمبر 1965 الشيخ عبدالله السالم (رجل عاش ولم يمت)، وبكيت للمرة الثانية على «يوسف العليان» هذان خيالهما في بالي وشخصاهما أراهما أمام ناظري، وكل ما اقول عنهما:
«احط على قبركم زهرة
يفوح شذى نداها العاطر».
ويوسف العليان احتضنني كما يحتضن الاب ابنه.
عكس الاتجاه
الغزو الصدامي حدث مؤسف، امور سارت مع شديد الاسف عكس الاتجاه، وعكس تطلعات شعوب الامة العربية والاسلامية، فجر الخميس 11 من محرم 1411 هـ المقابل 2 من اغسطس 1990، ابشع عدوان عرفته الامة العربية، جيش دخل ليحتل واحتل وسرق وهتك ونهب، جراد اراد ان يقضي على الاخضر واليابس. هذا ما قيل عنه من الأحاديث والروايات، «إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» هذا هو المقبور صدام، فترة كانت صعبة كل من كان داخل الكويت وخارجها تجند لتحرير الأرض الطيبة من الدنس الفاسد. قال بدري عيد يوسف: لم أغادرها أبداً بدأت بتوزيع الماء والخبز على الأهالي، ولكن الخير كان يأتي من أهل الخير خارج البلاد، ولا أنسى العقيديوسف مندني الذي كان مسؤولا عن الرميثية بالطرق السرية، قدم خدمات لنا ولأهاليالمنطقة من الوقود والخبز وزيوت السيارات.
أرقام.. أقوال
وذكر بعض الأسعار وقارنها بالوقت الحاضر:
سمك الزبيدي كيلو غرام 250 فلسا – 5 دنانير
شعم بلدي 200 فلس – 2,00 دينار
ايجار الشقة 27 دينارا – 350 دينارا
أملأ صندوق السيارة بـ 3 دنانير – 20 دينارا
سيارة شيفر أمبالا 3000 – 8000 دينار
كاديلاك 6500 دينار – 14000 دينار
وقال: أين سيارات فوكسهول – بونتياك – اوبل – أولدزموبيل، وكان المثل يقول: إذا تريد السفر عليك بالشيفر، قطع غيارها عند كل بقالة.
وقال: هناك أقوال وأمثال كانت دارجة بين الناس كلما دخل علينا مشتر لشراء اي سيارة تجد لسانه معطرا بهذه الكلمات تجده صاحب عقل وتجربة، وانا عندما كنت اسمع هذه الحروف اشعر في النفس بالقبول والاستحسان، وخصوصا الامثال التي تجدها تعكس عقلية هؤلاء وتاريخهم العريق اريد ان اذكر بعض هذه المقولات: «بين حانا ومانا ضيعنا الحانا» يضرب المثل لمن عرض عليه الشيء فيفرط به.
وعندما يرجع أحدهم بعد ايام ليشتري السيارة التي كانت على باله يجد انها بيعت فيقول بصوت عالٍ «بالصيف ضيعت اللبن»، عمي يقود امفتح» ومثل آخر «مكسوره وتبرد» «اللي ما يعدك فايدة لا تعده رأس مال».
«انت شق وانا أخيط»، «راح يحطب وصار حطب» وهناك من يمانع في حاجة فيؤمر بالموافقة وهذا له مثل خاص يدل على عقل هذا المجتمع واصراره على الحق «العود اللي ما يلين ينكسر»، واما العاجز أيضا فله مثل «من يستحي من بنت عمه لم يلد له ولد»، «الحماد نفسه ذمام نفسه»، «حجي الليل يمحوه النهار» «حرامي البيت ما ينكض» و«عسى يمناي ما تحتاج عسماي»، «لو صار بالدين أكل بديك الثنتين» و«لو ما الامل خاب العمل»، «غير عدس بالمعدس» و «أبوطبع مايوز من طبعه» «اللي ما عنده عتيج ما عنده يديد» و«الميت ما يفيده الطعن» وأخيرا قال: هذه الأمثال والأقوال جذبتني الى حب التراث. الغني بمضمونه الفكري وجماله التصويري.
نشر الدكتور الفاضل يعقوب يوسف الغنيم مقالا يوم الأربعاء تاريخ 2010/4/28 في صحيفة الوطن في زاويته الشهيرة «الأزمنة والأمكنة»، وهي زاوية مهمة جدا حيث يتحفنا فيها الدكتور الغنيم بكثير من المعلومات، وأنا واحد من المعجبين جدا بكتاباته، التي تضيف إلى القارئ الكثير من المعلومات المفيدة والقيمة، ونسأل الله تعالى أن يعينه على تقديم كل جديد في زاويته هذه، وأن ينفعنا بعلمه.
يوم الأربعاء المشار إليه نشر مقالا بعنوان «العثماني مدحت باشا والكويت» في صفحتين (32-33) أشار في بداية حديثه إلى سيرة مدحت باشا، وهو أحد رجالات الدولة العثمانية الذين لعبوا دورا بارزا في الحياة السياسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، وتقلد مدحت باشا عدة مناصب حتى وصل إلى منصب صدر أعظم أو رئيس الوزراء في عرفنا اليوم، وكان عام 1876 هو عام الدستور، وهو صاحب الفضل الأكبر في صدور الدستور العثماني، لذا يطلق عليه البعض دستور مدحت باشا، ويطلق عليه أحيانا أخرى أنه هو أبو الدستور، حيث ظهرت الحياة النيابية للمرة الأولى في تاريخ الدولة العثمانية التي استمرت من عام 1299-1923، فهو بذلك يكون قد قدم خدمة كبيرة للدولة.
وتحدث بعد ذلك عن الكتاب الذي صدر عام 2002 بعنوان «مدحت باشا حياته، مذكراته، محاكمته» واستعرض ما ورد في الكتاب عن علاقته بالكويت، ونقل ما قاله مدحت باشا عن الكويت، وفند أقوال مدحت باشا عن الكويت واحدا تلو الآخر. وإن كنا نتفق مع دكتورنا العزيز في شكوكه في كثير مما ورد في الكتاب المنسوب، ولا ندري من أين أتى بها مدحت باشا، فقد أورد في تقريره الكثير من المعلومات المغلوطة عن الكويت
ومثال ذلك عندما قال عن الكويت ان نسل السكان من الحجاز، وأنهم جاءوا قبل 500 عام، وإن كنا نشارك الدكتور يعقوب الغنيم تساؤلاته حول المصدر الذي استقى منه مدحت باشا تلك المعلومات، هذا إن صح نسبة تلك المعلومات، وهل فعلا قال هذا الكلام أم أنه أضيف إلى ما قاله لاحقا.
في هذا المجال قال الدكتور يعقوب الغنيم في البند رقم 10: «... ولهذا السبب دعاهم مدحت باشا وأعفاهم من الرسوم الجمركية وغيرها من التكاليف الأميرية. ولا ندري كيف دعاهم، وإلى من وجه القول وأين كان ذلك؟... بل أضاف: فوافقوا على قبول حماية الدولة العليا، ولذا فقد جعلهم تابعين لولاية البصرة، ودعا عبدالله بن صباح بقائمقام الكويت، وأبقاه كما كان، وأبقى غيره من الموظفين أيضا، ولم يغير شكل حكومتهم، بل أحضر لهم من الأستانة البراءات الرسمية وما يثبت اتباعهم للدولة العثمانية».
وحتى نتمكن من تبيان وجهة نظرنا في هذا الكلام علينا معرفة الظروف التي دفعت مدحت باشا للاهتمام بالكويت خلال هذه الفترة المهمة من تاريخ الدولة العثمانية عموما وتاريخ دولتنا الحبيبة الكويت.
أولا: الظروف السياسية للمنطقة
كما هو معروف فإن مدحت باشا تولى باشوية بغداد خلال الأعوام 1872ـ1869 خلفا للوالي نامق باشا التي تولاها للمرة الثانية خلال الفترة ما بين 1869ـ1866 حاول خلالها نامق باشا أن ينتهج سياسة جديدة لإعادة هيبة الدولة العثمانية في تلك المناطق، ولم يوفق إلى حد كبير في مساعيه، فلما جاء خلفه مدحت باشا حاول تطبيق السياسة التي طرحها نامق باشا، فجاءت الظروف لمصلحة مدحت باشا حيث ساهم فتح قناة السويس عام 1869 للملاحة في تقريب المسافة بين آسيا وأوروبا إلى أقل من النصف، كما وفر الكثير من المصاريف والزمن. كما خدمت أوضاع شبه الجزيرة العربية السياسية مدحت باشا كثيرا عندما نشب الصراع بين الأخوين عبدالله وسعود أبناء الإمام فيصل بن تركي بن سعود، فقام سعود على سلطة أخيه عبدالله وطرده من الرياض، فاستنجد عبدالله الفيصل بالدولة العثمانية حيث أرسل مندوبه عبدالعزيز ابوبطين لمقابلة مدحت باشا.
فكانت هذه هي فرصته الذهبية لتطبيق سياسته الجديدة لإعادة هيمنة الباب العالي على منطقة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية، ففكر بإرسال جيش لمحاربة سعود الفيصل، ولإعادة سلطة العثمانيين في المنطقة، من خلال إرسال جيش كبير للمنطقة، ولم يردها مدحت باشا أن تكون المعركة بين العرب والعثمانيين الأتراك، ففكر باستمالة عدد من الزعماء العرب ورؤساء العشائر ليقفوا بجانب القوات العثمانية، ونجح في استمالة عدد منهم من أمثال منصور باشا السعدون أمير المنتفك، وسليمان بن عبدالرزاق الزهير أمير مدينة الزبير، والشيخ عبدالله الصباح أمير الكويت، بالإضافة إلى فرسان من قبيلة عنزة وغيرهم.
ثانيا: دور الكويت في حملة الأحساء 1871
وهنا شاركت الكويت بالحملة العثمانية على الأحساء عام 1871، التي كانت بقيادة نافذ باشا مشاركة فعلية وحيوية، فقد شاركت بأكثر من ثمانين سفينة لنقل الجنود والمعدات إلى رأس تنورة، فيقول مدحت باشا في برقية بعثها من بغداد إلى الإدارة العثمانية ان الفرقة العسكرية وصلت إلى الكويت، وكان الشيخ عبدالله والأعيان والأهالي باستقبالها على الساحل بالفرح والبهجة وذبح القرابين، فقامت القوات العثمانية بنصب خيام لها في منطقة شرق، ومكثوا هناك يوما واحدا، ثم استقلوا السفن وتوجهوا بحرا إلى القطيف (الأرشيف العثماني، إراده داخليه 44002، وثيقة 4).
وخرج شيخ الكويت بنفسه لقيادة الاسطول الكويتي، كما قاد الشيخ مبارك القوات البرية التي بلغ قوامها 10 آلاف فارس، كما كانت الكويت نقطة تجمع القوات البرية في الكويت لتنطلق إلى الأحساء، كما كان الشيخ محمد الصباح وسيطا لنقل الأخبار والمعلومات من ساحة المعركة إلى البصرة وبغداد والعكس.
وفي ساحة المعركة كان الشيخ عبدالله الصباح يذهب الى رجال سعود الفيصل وكثيرا ما كان ينجح في إقناعهم بالاستسلام للقوات العثمانية، كما نجح في إقناع قاسم آل ثاني بقبول السيادة العثمانية على قطر، وفي النهاية حققت الحملة هدفها بنجاح حيث استسلمت معظم القلاع والمدن التي كان يسيطر عليها سعود الفيصل، ولم تتكبد الدولة العثمانية خسائر تذكر.
ونرى هنا أن التخطيط الجيد من قبل مدحت باشا، ومساهمة حاكم الكويت كانا من أهم وأقوى الأسباب التي ساهمت في نجاح المهمة التي خرجت من أجلها الحملة العثمانية، ولولا مشاركة الكويت لكانت الحملة في وضع حرج، حيث لم يكن لدى الدولة العثمانية السفن الكافية لنقل الجنود والمعدات الحربية إلى ساحة المعركة. كما كان على القوات البرية أن تقطع آلاف الكيلومترات حتى تصل إلى أرض المعركة، وكانت ستصل منهكة القوى وفي حالة يرثى لها، وعندها ستصبح لقمة سهلة لقوات سعود الفيصل. كما كان يتعذر على قائد الحملة تلقي التعليمات من بغداد، ولم يكن باستطاعته نقل أخبار الحملة الى والي العراق. كما أن شخصية الشيخ عبدالله الصباح لعبت دورا كبيرا في اقناع رجال سعود الفيصل بالاستسلام، وقبول حاكم قطر برفع الراية العثمانية فهذا دل على قدرته على الاقناع، فقد كان يملك الحجة والمكانة بين أمراء المنطقة.
ثالثاً: علاقة الكويت بالعثمانيين بعد الحملة
خلال كل ذلك نرى أن مدحت باشا تفهم موقف الكويت ودورها في انجاح الحملة، لذا أراد أن يقدم لشيخ الكويت ما كان جديرا بالدور الذي لعبه في مساعدة العثمانيين في اعادة هيمنتهم على المنطقة، فكتب تقارير ورسائل عديدة للسلطات العثمانية يخبرهم بدور الكويت واسهاماتها في الحملة، وكافأ شيخ الكويت بالتالي:
1 ـــ الاستمرار في منح شيخ الكويت لقب قائمقام، وكان هذا لقبا تشريفيا ولم تقترن بهذا اللقب أي التزامات من طرف شيخ الكويت، ولا يعني هذا اللقب أي شكل من أشكال التبعية الفعلية أو الاسمية، حيث تشير الوثائق العثمانية الى أن شيخ الكويت حمل اللقب قبل الحملة، ومع ذلك لم تصدر أوامر سلطانية لشيخ الكويت تطلب منه مساعدة الحملة، ومن هنا فان مشاركة شيخ الكويت كانت بسبب دوافع وقناعات شخصية بأن الدولة العثمانية مهما ضعفت فانها تمثل دولة الاسلام، وعلى كل مسلم أن يضع كل امكاناته تحت تصرفها من دون مقابل (الأرشيف العثماني، اراده داخليه 44002، وثيقة 4).
2 ـــ طالب مدحت باشا بتوجيه رتبة الاسطبل العامرة الى حاكم الكويت الشيخ عبدالله الصباح، ومنح نيشانين مجيدين من الرتبة الخامسة لأخويه مبارك ومحمد لدورهما في مساندة القوات العثمانية أثناء حملة الاحساء (الأرشيف العثماني، اراده داخليه 44320، وثيقة 4).
3 ــ منح شيخ الكويت أراضي ومساحات زراعية معفاة من الرسوم قرب البحر في منطقة الفاو، وقدرت ايراداتها بقيمة أحد عشر ألفا وخمسمائة قرش. وكانت هذه احدى السياسات التي اتبعها مدحت باشا، حيث كان يمنح أراضي زراعية لشيوخ ورؤساء العشائر لكسب ودهم وولائهم للدولة، بحيث يقوم أولئك باستصلاحها وزراعتها، ومن ثم دفع ما عليها من ضرائب.
4 ـــ اعادة صرف 150 كارة من تمور البصرة لشيخ الكويت نظير خدماته المجانية ومشاركته بنفسه في الحملة، ووافق السلطان العثماني على هذا الطلب في رجب عام 1289هـ/ سبتمبر 1872م (الأرشيف العثماني، دفتر العينيات 851، ص 7، وص 163).
5 ـــ تشير الوثائق العثمانية الى أن مكانة شيوخ الكويت كانت تختلف عن غيرهم، ووجب تكريمهم بشيء خاص على قدر منزلتهم عند الدولة، لذا رفعت من قيمة تلك الخلع (أو البشت) التي تصرف لشيوخ الكويت لتبلغ سبعة وعشرين ألفا وثمانمائة وكسور قرش من ميزانية ولاية البصرة. (الأرشيف العثماني، دفتر العينيات 851، ص 243).
6 ـــ ان الناظر في الوثائق العثمانية يستنتج أن الكويت كانت تعامل معاملة خاصة بسبب مساندتها للدولة ودورها الحيوي في الحملة، لذا ظلت الكويت قضاء مستقلا، يتوارث الحكم بها آل الصباح، على أن تكون مستقلة في شؤونها الداخلية والخارجية، ولا يلتزم أهالي الكويت بدفع أي رسوم أو ضرائب للباب العالي. كما لم تحاول الدولة العثمانية ارسال أي قوات عثمانية الى الكويت، وأصرت على عدم المساس بوضعها، بخلاف قطر مثلا فعندما قبل حاكمها السيادة العثمانية سارعت الدولة الى ارسال مائة جندي وعدد من المدافع الى قطر لتأكيد تبعيتها للدولة العثمانية.
7 ـــ أما ما تقرر من رفع السفن الكويتية للعلم العثماني مع اعفائها من الرسوم، فإن العلم هو الهوية، وكانت السفن الكويتية تصل الهند وشرق أفريقيا وغيرها من الموانئ، ورفع العلم هنا يعني الاستفادة من الاتفاقيات التجارية التي ابرمتها الدولة العثمانية مع الدول الأجنبية كبريطانيا وغيرها لتخفيض نسبة الرسوم مثلا عند التردد على تلك الموانئ. ونلاحظ هنا أن هناك علاقة حميمة وخاصة نشأت بين الشيخ عبدالله الصباح حاكم الكويت والدولة العثمانية، وهذا ما جعل السلطات العثمانية تعامل الكويت وحكامها معاملة خاصة خلال هذه الفترة من الزمن. Falkander@yahoo.com
الحركة الكشفية في الكويت تاريخ مشرق ودور يتضاءل
فرقة كشافة صلاح الدين
جاسم عباس
الحركة الكشفية تعتبر اكبر حركة شبابية طوعية في العالم، ولم تلق اي حركة او منظمة للشباب ما لقيته هذه الحركة من اقبال الصبية والفتيان عليها والشغف بها والتمسك بها، ولم تستقبل واحدة من هذه الحركات بما استقبلت به حركة الكشف (الكشافة) من قادة الفكر في تربية النشء. الكشافة حركة غير سياسية، هدفها مساعدة الشباب على النمو بدنيا وعقليا واجتماعيا ودينيا، والآن بلغت اكثر من 16 مليون كشاف في العالم.
التقينا محمد حمد الحميدي رئيس مجلس ادارة جمعية الكشافة الكويتية سابقا ليحدثنا عنها، فكانت بدايته بوعد الكشاف: «اعد بشرفي ان ابذل جهدي واقوم بما يجب علي نحو الله ثم الوطن ثم الامير، وان اساعد الناس في جميع الظروف، وان اعمل بقانون الكشافة».
واضاف: تعد الحركة الكشفية من اهم الحركات الشبابية في هذا القرن، واوسعها انتشارا في العالم، ان مؤسس هذه الحركة روبرت باول (1857 - 1941) كان قائدا بالقوات البريطانية في آسيا وافريقيا، وعنى بتربية الشباب والحث على تدريبهم على الفروسية والرماية والسباحة، واهتم بممارستهم التمريض في الغزوات والاستعانة بهم للتمرين والاعداد وجمع المعلومات عن الاعداء، وقد اطلق الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ على هؤلاء جيش الصبيان.
قال الحميدي: كان لذلك الاثر في بلورة فلسفة بادن باول عن الحركة الكشفية حيث اسس في 19 اغسطس 1907 في تكوين
أول فرقة كشفية فجمع عشرين فتى من أبناء بعض اصحابه في المزارع والمدارس والمصانع، واخضع لدورات اختبارات اولية، ثم بدأ في تطبيق برنامجه داعيا لتأسيس حركة كشفية مستقلة، فأنشأ في 10 يناير 1909 اول هيئة تنفيذية عرفت باسم «جمعية الكشافة البريطانية». حيث جمع فيها مجموعة من المتطوعين اصحاب الكفاءة والمقدرة تحت قيادته، فكان ان اصبح وأمسى فأضحت الحركة تضرب بجذورها ومبادئها في المجتمع، وفكرة تناقلتها الدول حتى عمت وانتشرت واصبحت حركة عالمية للفتية والشباب.
اضاف: اما عربيا ففي عام 1913 كان الفضل والبداية من لبنان عندما سافر أ. محمد عبدالجبار خيري (رئيس دائرة العلوم) في بيروت الى اوروبا للتخصص والاطلاع على احدث ما وصل اليه الغرب في التربية، واسترعى انتباهه نشأة الحركة الكشفية فاستهوته واعجب بتعاليمها ومبادئها، فحمل بذورها الى بيروت، واسس اول فرقة في تلك السنة باسم «الكشافة العثماني»، حيث كانت البلاد آنذاك تحت الحكم العثماني، وجاء تكوين الفرقة الاولى من خمس طلائع.
اضاف الحميدي: اول مؤتمر ومخيم كشفي عربي كان في سوريا في الزبداني عام 1954، وقد كانت دولة الكويت من المشاركين والمؤسسين لقيام هذا الاقليم الكشفي، وكانت القاهرة مقرا لهذا الاقليم، وفي البحرين بدأت الحركة الكشفية في عام 1927، ثم الكويت 1936، والمملكة العربية السعودية 1942، وسلطنة عمان عام 1948، وقطر 1955، والامارات 1972.
وعن كشافة الكويت قال الحميدي: بعد ان عرفت الكويت ان الحركة الكشفية تعد الفتيان اعدادا كاملا ليكونوا مواطنين صالحين، يقومون بواجبهم الوطني، ويسهمون في الحياة العامة، ومراعين الشرف والامانة والانصاف، وذلك بتربية عقولهم، وتهذيب نفوسهم، وتقوية اجسامهم، وبث روح التضحية والفداء للوطن والولاء والطاعة لاولي الامر، وغرس عادة الاعتماد على النفس وقوة الملاحظة فيهم، «فالتربية والتعليم» ابرزت اهتمامها بالحركة فتأسست في عام 1936 في مدرسة المباركية تلاها مباشرة مدرسة الاحمدية فتكون اول فريق كشفي كويتي من اثنى عشر (12) كشافا، ومازالت ممتدة الى الآن اكثر من سبعين سنة على مراحل متواصلة ومتطورة من الكشافة البرية التي اخترقت وسط المدينة.
من مدرسة المباركية الى اقامة أول مخيم كشفي في الكويت خارج بوابة الشامية، ومن ثم تميزت الحركة الكشفية الكويتية بمشاركتها في المناسبات والاحتفالات الاجتماعية، ومنها الاستعراضات الكشفية في الشوارع وأسواق الكويت، فكان الناس يصطفون على جوانب الطريق يصفقون لأبنائهم الكشافة خلال مشاركتهم في الأعياد الوطنية، وخدمة البيئة، الى جانب المشاركة في المواسم الرياضية.
معلومات كشفية
وأورد الحميدي بعض المعلومات فقال:
ــ المخيم الكشفي الأول في بر الشامية 1950-1946.
ــ في البدع بعد الشامية عام 1955-1951.
ّــ من البدع إلى سواحل الفنيطيس من 1963 - 1956.
ــ الى بر الفنيطيس عام 1985-1964.
ــ منطقة كبد من 1988-1986.
ــ بعد حريق كبد نقل المخيم الى المناطق التعليمية 1990-1989.
ــ توقف المخيم عام 1991 بسبب الغزو العراقي الغاشم
ــ بعد التحرير في منطقة أبوحليفة عام 1992 حتى وقتنا الحالي.
وأضاف: امتد نشاط الحركة الكشفية الكويتية برحلاتها الى دول الخليج العربي خصوصا في عام 1940-1939، ومدرسة المباركية نظمت رحلة الى المملكة العربية السعودية (الاحساء) في الأربعينات بالسيارات، كانت رحلة شاقة وشيقة.
عدد المنتسبين للحركة في الكويت عام 1951 بلغ 311 كشافا، وعام 1955بلغ5931 كشافا، وفي عام 1953 تم ادخال نظام الجوالة، تبع ذلك ادخال نظام الكشافة البحرية، ونتيجة للتطور واتساع العلاقات الدولية ظهرت الحاجة الى تأسيس جمعية الكشافة. ففي عام 1955صدر قرار من رئيس المعارف بإقامتها، وتضمن القرار تشكيل أول هيئة ادارية من السادة: جاسم القطامي رئيسا، وعيسى الحمد سكرتيرا، وعضوية كل من السادة ابراهيم الشطي، وسليمان لقمان، وعبد المطلب السيد رجب، ويوسف العلي.
وذكر ابو حمد حركة الاشبال التي ظهرت في عام 1949 في الكويت وتألفت من عدة فرق للاشبال منها:
ــــــ فرقة اشبال مدرسة الصباح بقيادة أ. علي حسن.
ــــــ فرقة مدرسة المثنى بقيادة أ. صالح شهاب.
ــــــ فرقة مدرسة القبلة الابتدائية بقيادة أ. محمد النشمي.
ــــــ فرقة مدرسة الشرقية بقيادة أ. يوسف العلي.
ــــــ فرقة اشبال مدرسة المرقاب بقيادة أ. نجم الخضر.
واما الجوالة فأنشئت في عام 1918 عالميا، اما في الكويت بدأت الحركة التجوالية عام 1952 واشرف على تأسيسها الاستاذ القائد محمد النشمي، وكان مركزهم نادي العمال بالدسمة، ومن اشهر الجوالين عبدالله المهنا ــ خليفة بو عركي ــ فيروز سالم، ابراهيم بداح، والمدرب احضر من تونس لتدريب الجوالين، وقد عين يوسف السويدان امينا لصندوق الجوالة، بعد ذلك قاد حركة التجوال أ. عبد الرحمن المزروعي حتى صدر مرسوم اميري بتنظيم حركة التجوال على ان تشرف وزارة الشؤون على الانشطة وجهز لهم نادي السالمية، وكذلك اسس لهم مخيم بالجهراء.
وقال: الكشافة البحرية تأسست عام 1912 على المستوى العالمي، اما في الكويت فتم تأسيسها عام 1953 ومؤسسها أ. عيسى الحمد، ومن انشطتها التدريب على قوارب التجديف والشراعية والغوص وزيارة الجزر الكويتية، والتعرف على صناعة الشباك، والاسماك.
الكشافة البرية
وذكر الحميدي ان الكشافة الكويتية منذ عام 1936 حتى الان شاركت في جميع المؤتمرات والمخيمات العربية والعالمية وكل الفعاليات من كندا إلى الهند واليونان والمكسيك وفلندا واليابان، وانكلترا، الدنمارك واستراليا، وأميركا والسنغال والنرويج، ولقد شاركت بأكثر من 150 مشاركة، والكشافة الكويتية وصلت إلى أكثر من 3000 كشاف، ودائماً لها استضافات، منها اللقاء العربي - الأوروبي عام 1994، وأفضل مخيم شاركت الحركة في لبنان عام 1992 بنحو 130 كشافاً بعد الدمار والغزو، وكان الفلسطينيون من ضمن الحركة الكويتية مع أولادنا وشبابنا، وأوضح للعالم أننا لم نطرد أي فلسطيني من الكويت أو من الحركة.
والكشافة البرية لها اهتمام كبير في العالم العربي، فتونس لديها 100.000 كشاف، وهذه المملكة العربية السعودية لديها حركة نشطة تشارك في الأنشطة خصوصاً في موسم الحج لتقديم الخدمات، كما أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله مهتم جداً ويولي الحركة الكشفية الاهتمام والرعاية ويشجعها، لاسيما بعد حريق منى الضخم عام 1975، الذي أدى إلى مقتل 200 شخص بسبب أسطوانة غاز، وما كان لها من دور على هذا الصعيد. ولقد أشرف على عمليات الإنقاذ والإطفاء بنفسه، وكان جلالته آنذاك ولياً للعهد.
أنقذوها قبل الضياع
ولفت الحميدي النظر بقوله: إذا بقيت الحركة الكشفية الكويتية على هذا الشكل، وبهذا المستوى، فستندثر وتضيع، فلابد أن تتكون فرق أهلية شعبية حاضنة للحفاظ عليها، وتكون من ضمن أنشطة الجمعيات التعاونية مثلاً، أو الأندية الرياضية، ولابد أن يكونوا جميعاً من المؤمنين بها وبقواعدها وشروطها، وبالتعاون مع الأهالي، لتصبح حركة الكشافة تتنافس فيما بينها، فتنمو وتتقدم في سلم الرقي والمراتب الأولى عربيا وعالميا، وتشارك في انتخابات الجمعيات التعاونية، وتنظيم السير في العطل، وغرس الأشجار، وتقدم الحركة خدمات متعددة للمنطقة مثل رحلات العمرة.. إلخ، والآن ولله الحمد لدى الحركة أنشطة، لكن في الكويت توجد أنشطة أخرى غير الكشافة بالمئات، فتضيع الكشافة بهذه البرامج.
وأضاف: كانت كشافة مدرسة صلاح الدين في الستينات من أفضل المدارس، ومعها كشافة حولي المتوسطة، وكشافة ثانوية الشويخ، ومدرسة الصباح، وقد حصلت هذه المدارس على جوائز وتقديرات عالية، ولها تأثير كبير وأظهرت رجالاً يذكرهم التاريخ، منهم: عبدالرحمن السميط يقول دائماً: لو لم أكن كشافاً لما كنت داعياً، كثير من القوة والاحتمال من الكشافة، ومحمد السنعوسي، من قيادات صلاح الدين المتوسطة، وانور النوري كان كشافاً مميزاً، وعبدالله بشارة كله نشاط وهمة وتعاون، كثير من القيادات الكويتية كانوا من الكشافة، عرفناهم وقبلهم وبعدهم أشخاص ذوو صفات مميزة، كان شعارهم: الأخلاق ــ الاخلاص ــ ولاء للأمير ــ حب الوطن ــ مؤدب ــ مقتصد ــ نظيف ــ صادق ــ مخلص لله ولوالديه ــ يقابل الشدائد بصدر رحب ــ شجاع ومقدام ــ نافع ومعين للغير ــ صديق الناس ــ لا يضمر حقداً لأحد ــ لا يحمل كراهية لمخلوق ــ لا يحتقر فقيراً لفقره ــ لا يحسد غنياً لغناه ــ التحية والسلام لمن يقابله في الطريق ــ وحتى الحيوان الكشاف رفيق به.
القادة الأوائل
لقد كان للحركة الكشفية دور في حياة عدد من القيادات والتي لعبت دوراً بارزاً في بناء الكويت الحديثة، ومن أبرز هؤلاء الرجال:
المغفور له الشيخ جابر الاحمد الصباح ــ المغفور له الشيخ سعد العبدالله الصباح ــ حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح حفظه الله ــ الشيخ سالم العلي الصباح ــ المغفور له الشيخ خالد العبدالله الصباح ــ السيد جاسم محمد الخرافي ــ رئيس مجلس الأمة ــ الشيخ علي العبدالله السالم الصباح ــ السيد جاسم القطامي ــ المرحوم عيسى أحمد الحمد ــ محمد احمد النشمي ــ المرحوم علي حسن العلي ــ انور عبدالله النوري ــ المرحوم محمد عبدالله الصانع ــ عبدالرحمن عبدالله العوضي ــ المرحوم مهلهل المضف ــ ابراهيم الشطي ــ عقاب الخطيب ــ يعقوب بشارة ــ عبدالرحمن السميط ــ المرحوم أحمد المهنا ــ محمد السنعوسي ــ مساعد الهارون ــ عيسى شعيب ــ محمد حمد الحميدي ــ عبدالحميد حجي عبدالرحيم ــ حمد الرجيب وعبداللطيف الحمد ــ ... الخ.
وقال: ان الحركة الكشفية تعمل على تنشئة الشباب منذ اعمارهم الاولى وتساعدهم على الاندماج في مجتمع الأسرة والمجتمعات المحلية والقومية والعالمية بالتمسك بدينهم دون مغالاة أو تطرف، وتؤهلهم للتعايش مع مختلف الأديان والعقائد، وتدعو الى نبذ التطرف الفكري، وتدعو الشباب الى التفاهم بالمنطق والحجة والالتزام بالحوار العلمي الهادىء، والابتعاد عن التعصب الديني السياسي وتعميق روح المواطنة، وتحبب الشباب الى روح المغامرة، وحب الطبيعة وحياة الخلاء باقامة المخيمات والرحلات الخلوية، وخير دليل ما قامت به الكشافة الكندية بزراعة 35 مليون شجرة.
يتكعكع : يعني يتضاحك والكعكعه هي الضحك مع اخراج صوت كع كع ومنها القهقهة قه قه قه ومنها الكركرة وصوتها كر كر كر ازحير : تقال هذه الكلمة لأحدهم حين عدم الرضا منه وخاصه وهو يأكل مثال تاكل ازحير انشاء الله او عندما تقول الام حق ولدها ازحر يعني مثل ابلع واهيا موراضيه عنه
تكمكمت : وتطلق هذه الكلمة على المرأة التىتريد ان تتخفي وهي تحت عباءتها عن احد لا تود ان يراها او يتعرف عليها مثال شيخه يوم شافت فلان او فلانه تكمكمت عنها
دياية ام أحمد : وهو وصف يطلق على الانسان الضعيف الذي لايستطيع القيام بأي عمل
تناتيش : وهي تعبر عن الشئ القليل وغالبا باختصار اذا حضر شخص للأكل وما لقي الا شوية من الاكل وقام ياكل منها مثال عزموني بيت فلان على الغداء وصلت متاخر كليت بس تناتيش
سدرة الكويت صامدة يوسف الهندي: اخضرار السدر يتحدى الحرارة 365 يوماً في السنة
الشجرة ذات المكانة المرموقة
أجرى الحوار: جاسم عباس
الرعيل الاول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا مر الاثنتين وذاقوا حلاوتهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، الى ان حققوا الطموح او بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، فان قاسما مشتركا يجمعهم هو الحنين الى الايام الخوالي. «القبس» شاركت عددا من هؤلاء الافاضل والفاضلات في هذه الاستكانة..
في مستهل لقائنا مع الاستاذ يوسف عبدالرزاق الهندي ركز في حديثه على شجرة السدرة عند الكويتيين لما لها من مكانة مرموقة، فهي من اهم الاشجار التي وجدت عندنا في الكويت فقال:
السدرة لها القدرة على الصمود في هذا الجو الحار، وعلى مدار 365 يوما تجدها دائمة الخضرة، واوراقها وأغصانها ظلال، ولها ثمرة تسمى «النبق» (الكنار)، شجرة السدرة ذكرها الله سبحانه في القرآن الكريم، «في سدر مخضود» (سورة الواقعة) وآية في سورة (النجم: 14) «عند سدرة المنتهى»، و«اذ يغشى السدرة ما يغشى»، وفي سورة سبأ" «وأثْل وشيء من سدْر قليل».
سديرات الشرق
اضاف الهندي: الشرق حي من اكبر احياء الكويت القديمة، يقع بين البحر وساحة الصفاة موقعه شرق البلاد، فلذلك سمي «شرق»، وقديما كان حي الشرق مشهورا لوجود قصر دسمان والسفارة البريطانية والسينما الشرقية والنادي الشرقي ومدرستي النجاح التي تأسست عام 1948 والصباح ايضا في 1948، وفي الشرق اشجار السدر في بيوت مسكونة، وهناك ارض تقع خلف مخفر الشرق فيها سديرات، وهذه الارض غنية بالسدر وفيها مزارع كثيرة تسمى «حوط» جمع حوطة، وهي ارض تسور وتترك، فبعضها تزرع بالسدر وغرفة للأكل والجلوس، كانت تتخذ الحوطة للراحة والاستجمام، وبعضها مفتوحة، حيث يقوم الاولاد بصيد الطيور، وفي الشرق بالقرب من دوار دسمان توجد اشجار السدر ايضا تسمى «السدر الاربع»، وهذه السديرات كانت ملاذا للحبال الذي يصطاد الطيور تحتها بالفخاخ والصلاليب والشباك، واذا كثرت وسائل الصيد في هذه المنطقة «السدر الاربع» كنا نقول: «اختلط الحابل بالنابل».
وقال: انا منهم كنا ننتظر فصل الربيع فصل الحبال الذي مدته ثلاثة اشهر هي مارس، ابريل، مايو، «السدر الاربع» تكثر فيها الطيور، خصوصا الرماني اذا كثر على السديرات كثرت الطيور حوله، «السدر الاربع» يقف عليها طائر القحافي اول طيور الربيع، وكذلك «الحمامي»، واذا شاهدنا طائرا صغيرا كنا نسميه «الذبابي» نعتقد انه آخر الطيور ونهاية الموسم.
واضاف الهندي: سديرات الشرق تحمي الطيور من حرارة الشمس التي لا تغادر الكويت تبقى تحوم وتطير في اجواء حي الشرق، خصوصا اذا طلع نجم «المرزم» نشاهد طائري الهدهد والعقعق، وعلى ما اذكر يمكث النجم حوالي 15 يوما، وبعد هذا النجم نجد الطيور، خصوصا الصعو والحمامي على سديرات الشرق، وطائر السلاحي لا تجده الا على السدر الاربع في موسم الامطار والبرد.
وذكر الهندي اسماء طيور التي يشاهدها على سديرات الشرق الجذابة لها وهي: الهدهد، الزرزور، السمنة، الزعرة، الخضيري، إحميمج، ارهيز، القطا، ام سالم، الحمامي، القحافي، انزمه، رماني، ذبابي، فكاكه، قفصي، مردم، يكيكي، مطرق، القوبعة، الفاختة، حمروش، بصوة.
منافع السدرة
وقال: كما عرفت وشاهدت وجربت مع الاهل والاصدقاء ان هناك نوعا من السدر لا ينتفع به، ثمرته صغيرة ومغطى باشواك حادة وورقه لا يصلح للغسيل، فلذلك تسميه العرب واهل الكويت ايضا بـ «السدرة الضالة»، واما النوع الموجود في الشرق وبعض مناطق الكويت، فيسمى «العبري»، حيث لا شوك فيه الا القليل جداً، وثمرته «كنار» النبق صالحة للاكل واوراقه صالحة للغسول.
واضاف الهندي: اجود انواع الكنار كان على السدرات الاربع والسديرات خلف مخفر الشرق الحالي تعد اشد حلاوة ورائحة، واذا اكلت حبة واحدة تفوح رائحتها كما يفوح العطر.
ومن فوائد السدرة قال الهندي ايضاً: كانت المرأة الكويتية قديماً تجمع اوراق السدر الخضراء، وتنشرها ثم تقوم بدقها في هون من الخشب او النحاس الاصفر، وكانت يد الهون من القضيب المدبب طولها حوالي 20 سنتيمتراً، مسحوق السدر يستعمل في غسل الرأس وله رغوة عجيبة ورائحة طيبة، فمسحوقه يقضي على القمل وينعم الشعر.
اما فوائد السدرة فيعددها الهندي: ازهارها الصفراء تجف وتغليها مع الشاي، تساعد على تخفيف اوجاع الرأس والآلام العصبية، ولحاء السدرة يجفف وينقع في الماء ويعتبر علاجاً للامساك وللبواسير وضغط الدم وخفقان القلب، وايضا يستفاد من السدر بعد تجفيف اوراقه في غسل الملابس على البحر فكانت الكويتية تخلط المجفف مع الجص بدلا عن الصابون مستخدمة «المضرابة» وهي قطعة من الخشب بطول الذراع تضرب بها الملابس لتنظيفها، وكان السدر يوضع في طاسة وبعد غسل الملابس تقوم المرأة الكويتية القديمة بغسل رأسها، كما يستعمل مسحوق السدر في تغسيل الموتى.
وذكر يوسف الهندي فوائد اخرى قائلاً: كان الناس يستظلون تحت اغصانها ايام الصيف الحارة، كما يتخذون اخشاب السدرة وفروع اغصانها وقوداً، واوراقها الخضراء علفاً للاغنام والدواجن.
كما ذكر المناطق التي تكثر فيها هذه الاشجار ومنها: الجهراء وحولي، والفنطاس، والمنقف، والفنيطيس، وابو حليفة، وكرر ان كنار الشرق يختلف عن غيره في الشكل والطعم والرائحة.
أبو سدرة
وذكر الهندي مكاناً يقع جنوب مدينة الأحمدي غرب ساحل ميناء عبدالله بعشرة كيلومترات، وجاء اسم «تل أبوسدرة» نسبة الى وجود سدرة واحدة على هذا التل، وسدرة في منحدرة، وقال: الكويتيون يسمون ثمار السدرة «كنار» والمفرد «كنارة» والكلمة تختلف عن «كَنارة» وهي سباي عبارة عن ثلاثة أرماح تربط رؤوسها من طرف واحد ثم يتلى منها الصميل، والكلمة أصلها تركية بمعنى المكان الذي تعلق فيه «الذبيحة».
التبجيل.. الكراهة
قال: آباؤنا وأجدادنا كانوا يعتزون بهذه الشجرة المباركة (السدرة) التي ورد ذكرها في القرآن الكريم وهذا يدل على ما لها من تبجيل ومكانة وتوقير، وما لهذه الشجرة مكانة خاصة في نفوس أهل الكويت.
وأضاف: ونحن صغار لا نكسر أغصانها، ولا نوسخ تحتها، كنا نعشقها ونحبها وندرك قيمتها، لم تجد أحداً من أهل الديرة إلا ولديه الميل والرغبة إليها، لا يخلو فريج أو ساحة إلا والسدرة فيها، ابتهاج للنفس، السدرة معنا في الحياة، وعند غسل الموتى، والله سبحانه وتعالى سخر لنا وأعطانا هذا الطعام، وأما الكراهة في السدرة، فقال عنها الهندي: كان بعض الآباء يعتقدون ان الجن يسكنونها، وكان أهل الزار يجتمعون حولها، خصوصاً السدرات الأربع في الشرق، ولكل فرقة منهم «طنبورة» المكونة من الطبول وآلات وترية تسمى «طنبور» وأغلبهم كانوا يجتمعون يوم الخميس بعد صلاة العشاء، اعتقاداً منهم بأن للسدرة قدسية راسخة عندهم، وللسدرة حكايات شعبية كثيرة سواء انعكست على البعض أو لا يصدقها البعض الآخر.
المطبة
وقال الهندي: أنا ابن فريج المطبة في الحي الشرقي الذي يبدأ أوله من البهيته أمام قصر السيف ونهايته العاقول، أهلي ولدوا في حي المطبة الذي كان يمر السور الثاني فيه من أسوار الكويت الذي أنشئ عام 1811 وتهدمت أجزاء منه ورمم عام 1845 وبعده بني السور الثالث في عام 1920م. وللسور الثاني سبع بوابات التي كانت تسمى الواحدة «دروازة» وهي كلمة هندية وفارسية تعني: البوابة المفتوحة. وفي الكويت كل باب ضخم مفتوح يسمى ايضا دروازة، فهذا السور له بوابة في اول الحي الشرقي تعرف بدروازة ابن بطي، والثانية دروازة الكروية، ومن ثم دروازة العبد الرزاق، والشيخ، والسبعان، والفداغ، والبدر، وقد استحدثت في السور الثاني فتحات يقفز منها الاولاد والناس عرفت بالمطبة، قضيت عمري في هذا الفريج، وانشدت مع اخواني انشودة:
«كـ جا شا وينا شاوي المطبة
يصيح على أمه يبى أرطبه»
يضيف: وفي فريجنا مسجد اسسه شملان بن آل سيف عام 1893، ومن معالم المطبة دكان مبارك الهدهود وهو بائع المواد الغذائية وكان يؤجر «تريك المعاريس» ذلك المصباح الكبير يشتعل بواسطة (الكَاز) الكيروسين سمي بالمعاريس لانه من اهم لوازم ليلة الزواج كان يحمل في مقدمة زفة المعرس ليضيء الطريق، فكان هذا «التريك» غير متوافر في كل بيت يستعار او يؤجر، والنساء يزغردن عندما يشاهدن هذا التريك بعد والاسم لاتيني ELECTRIC، ومن معالم فريجنا محلات كثيرة كأنك في السوق، خصوصا محل هاشم والكندري لبيع الدوامة والبلبول وألعاب شعبية اخرى، وحضرة كبيرة تجمع فيها مياه الامطار، وبركة يصب فيها الكندري كانت وهذه البركة للسبيل، وحلاقنا حجي صفر وحسين ونداف المطبة حجي غلوم الكندري، وبائعة الباجيلا والنخي «ام عبدي»، اما مطاهر الفريج والشرق والكويت كلها، فكان جدي احمد الهندي الذي امتهن حرفة الختانة بكل خفة وسرعة، وكانت ادواته سهلة منها «مشطرة» وقطعة قماش.
وختم الهندي بذكر الجيران وسكان المطبة منهم ناصر وخالد النجدي، المذكور، الربيع، العصفور، العمران، بوحمد، المطيري، العوضي، الناهض، الطويل، التركيت، الايوب، جليجل، الخراز، الهدهود، جمال، الريس، سيد زاهد، حاجي علي الصراف صاحب البيت الكبير، شكر الله، وبالقرب من السدرات الاربع كان عباس قبازرد، والغانم، سيد يعقوب، الشيخ محمد الجابر، العدساني، عبدالرزاق بودي، سلطان السالم. ثمرة الكنار.. اللذيذة يوسف عبدالرزاق الهندي سدر الكويت.. شعاره الصمود
وصلها من طولكرم قبل 50 سنة
عمر الخليل: «هدايا بلقيس» حملناها إلى الكويت
• عمر بين «هدايا بلقيس»
• عمر بين «هدايا بلقيس»
أجرى الحوار: جاسم عباس
في سلسلة حلقات من «قديم الكويت» نقلب صفحات الذكريات من الرعيل الاول من رجالات الكويت الذين تخضرموا في مرحلتي ما قبل النفط وما بعده، وطالما ان الحنين للايام الخوالي، الي الكويت القديمة، كويت الخير والبركة والحياة الاجتماعية المتآلفة، هو القاسم المشترك الذي يجمعهم، فمن الانصاف ان يشمل معهم عددا من الوافدين من مختلف الجنسيات التي قدمت الى الكويت قبل 40 او 50 سنة، فجاهدوا وعملوا، كل في مجاله ومازالوا مساهمين في ورشة البناء والتنمية، ولن يستمر هذا التواصل والعطاء لولا محبتهم لهذا البلد الخير ومحبة الكويت واهلها لهم
في مستهل لقائنا مع عمر احمد يوسف الخليل، قال: دخلنا الكويت عام 1958 ومعنا التوابل والبهارات، حملنا من مدينة طولكرم نباتات طيبة الرائحة، فكانوا يقولون عن البهار «عين البقر أو بهار». ومعنا ما يطيب به الاكل، حتى كبار السن من الكويتيين كانوا يسمون والدي «التبال» ، حملنا معنا الفلفل من اشهر التوابل.
واضاف: انا الان مع التوابل والقهوة التي كانت تسمى بشجرة البن العربي، شراب يدخل البدن، يروي ويوقظ وينعش، بلغ مبلغ الصدارة عند اهل الكويت، من بين الاشربة، شرابان: الشاي والقهوة، خمسون عاماً مع حب الهال والبن والقرفة والزنجبيل وجوزة الطيب.
وتذكر عمر الخليل الطائرة العربية التي اقلتهم من مطار القدس الى مطار النزهة الدولي، متذكراً الحقيبة التي كانت بيد والده، وفيها الصفقات والاسعار الخاصة بالبندق واللوز والفستق، وجوزة البرازيل «النقل» والسبال «الفول السوداني» وزيته.
وتذكر ما في الحقيبة من طلبات للعدس الذي كان معروفاً في الكويت، ومن اقدم البقول واكثرها غذاء، وفي علم الضوء صنعوا من الزجاج قرصاً فأسموه عدسة، وما سمي بهذا الاسم الا لشبهه ببذرة العدس.
قال الخليل: من بلدة فلسطينية مرتبطة بالخط الحديدي القدس – حيفا فتحها الى الانكليز عام 1918 جئنا، ونملك تخصصاً في طحن القهوة ايضاً، لدينا مكائن وآلات ضخمة تصنع البهارات وتجهزها للطعام، واول محل لنا كان في شارع دسمان بجانب مدرسة الصباح ومدرسة خديجة في الميدان، ومن جيراننا المطرب محمود الكويتي، كان له محل لبيع الادوات الموسيقية، يغلقه في النهار لذهابه الى الاذاعة، وفي المساء يفتحه، ولم يكن في الكويت الا مطحنة غزة فلسطين في منطقة المباركية، ونحن «سمراء عدن» ولا توجد مطاحن متكاملة وجاهزة لكل التوابل والحبوب الا هاتين ولا انسى المرحوم عبدالرسول ابل، وكان محله في اول سوق الغربللي، كنا نشتري منه كل انواع التوابل.
السكن في «شرك»!
وقال الخليل: عند وصولنا قال احد المستقبلين للوالد: سكنكم بين البحر واكبر ساحة في الكويت، وهي الوحيدة «الصفاة»، وعندكم المدارس ومنها: المدرسة الشرقية للبنين، ومدرسة الصباح التي انشئت سنة 1948، وفي الشرق دار للسينما عند وصولنا عام 1958 بدأ العمال بهدمها، وكنت اسمع كلمة «شرك» اي «شرق» من الكويتيين.
وقال: انتقلنا بعد الشرق الى حي في شرق العاصمة، وعرفت من الطلبة في المدرسة انها كانت ارضاً صلبة فيها حجارة، وان اول من سكنها صبر على ارضها الصلبة خصوصا اثناء حفر الآبار او برك الماء، واما في اللغة فكلمة الصوابر «جمع: صبر» وهي الحجارة المتجمعة الغليظة، وقيل عن الصوابر ايضاً انها شجرة شديدة الحموضة. اضاف عمر: كنت اقطع مسافة من منزلنا في الصوابر الى المدرسة المباركية بين القبور.
واما عن الدراسة فقال: ثم درست في المعهد الديني بالقرب من حي البلوش خلف مقبرة «مدوة» ثم تحول الى مدرسة كاظمة، ودرست في «الارشاد الاسلامي» ذات المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، ثم اكملت الدراسة في الهند.
العاب المقبرة
قال: كنا نلعب في فريج الحساوية وكان يعرف ايضاً بفريج الصوابر، كل العابنا كانت في المقبرة منها: لعبة عماكور التي تعصب عين واحد من اخواننا، واذا اراد ان يصطادنا يضرب بشواهد القبور، ونصيح عليه «عماكور طاح بالتنور»، وصلاة البقر، ولعبة صبت، والبلبول والدقة، وخروف مسلسل، وما احلى الحبال عندنا في فصل الربيع وفي المقبرة الهادئة من الناس، كنا نضع الفخ، والصلاية، وبأيدينا النباطة، ومن طيور المقبرة: الحمامي – الاشول – السمنة – السلاحي – الزعرة – الشولة – الذبابي.
وتحدث عن الخرافات التي كانت تقال لهم ان في المقبرة اشباحاً خصوصا في الليل، قال: كنا نخرج منها مع اذان المغرب، واحياناً نشاهد بعض الناس يدخلون المقبرة من الفتحات في السور للعبور الى الجهة الثانية، نعتقد انه شيطان او شبح. اقاويل نسمعها لا صلة لها بالحقيقة: لا تصفر في المقبرة خوفاً من الحيات فتخرج، ولا تشعل ناراً فيها خوفاً من الاشباح، واذا اردت ان تكون ساحراً خذ رأس خروف وادفنه في المقبرة، ومن الاقاويل تجد في الليل ساحرا يطير في المقبرة عليك الخروج منها مع غروب الشمس، وانا لم اشاهد شيئا من هذه الخرافات طوال طفولتنا وشبابنا مع اخواني اثناء اللعب في المقبرة.
«حمصي» ببنطلون
وتذكر الخليل بعض الكلمات التي كانت تطلق عليهم من بعض الاولاد اثناء لعبهم او في المدرسة، فقال: كلما شاهدوا استاذا او رجلاً بالبنطلون والقميص قالوا له «حمصي» واذا التقوا رجلا لونه احمر ايضا يقولون عنه « اكال صمون ممون» و «حمصي»، واحيانا كنا نرد عليهم او ان معلمنا يشرح لهم، ان الحمص المطبوخ ينفع للصداع، ويصفي الصوت، ويزيل السعال، ويحل عسر البول، وان الحمص الاسود يفتت الحصى. واما اذا التقوا الاولاد فيقولون بصوت منخفض: هذا مصري «اكال الفول» وايضا كان المدرس يشرح لهم ان الفول يقوي المفاصل ويعالج الرئة والصدر، وماؤه يلين الصوت، وكنت اسمع المدرس يقول: هذا له اسماء منها: الباقلاء ــ الباقلي ــ الجرجير ــ الجمي، واما الحبة الصغيرة من الفول تسمى «الفول المصري» و«فول الخيل»، وقال: الخيل: اتذكر مدرس اللغة العربية كتب على السبورة:
«فصوص زمرد في غلف در
بأقاع حكت تقليم ظفر
وقد خاط الربيع لها ثيابا
لها وجهان من خضر وصفر»
واحيانا يردد ويكتب ويقول: يا اولادي وطلابي:
كأن ورد الباقلاء اذا بدا
لناظريه اعين فيها حور
كمثل ألحاظ اليعافير اذا
روعها عن قانص فرط الحذر
كأنه مداهن من فضة
اوساطها بها من المسك اثر
وقال البقال عمر الخليل: والان وبعد هذه السنوات يأتي هؤلاء الاعزاء ويأخذون من محلنا الحمص والفول، نعم لا نرد عليهم لان كلماتهم (غشمار) مزاح وغشمرة، ايام لا تعوض اخوة بالله ولهم الفضل علينا بعد فضل الله على الجميع.
ذكريات لا تمحى وستبقى معي الى الكفن وفي القبر. ابوابنا كانت مفتوحة والجيران لا انساهم: بيت امان والصايغ الشواف والعسكر والصفار والنقي، وابو شاكر دشتي، واكبر مشاجرة بيننا لا تدوم اثارها سوى ساعات فقط، ومن معالم فريج الحمصي كما قالو لنا بائع الفحم، وخبازنا ابو محمد، ومطعم باجة، وصائغ يعمل بالذهب، وقصاب.
التوابل الكويتية
وقال: نحن عائلة الخليل من طولكرم نعرف في البهارات (التوابل) معرفة جيدة من اصلها في التاريخ القديم إلى ان دخلنا الكويت، وكان أهلها من مستخدمي التوابل، وكانت تقدم هدايا عند عودتهم من الهند وكراتشي عبر البحار والمحيطات اشهرا طويلة، ان كانت للتوابل اهمية، فكيس من الفلفل او القرفة او القرنفل يساوي ذهبا، وهدايا للملوك والسلاطين، فكانت ابل ملكة سبأ بلقيس تحمل بالهدايا من التوابل الى الملك سيدنا سليمان. وتحدث عن ان التوابل الهندية، التي كانت تصدّر الى الكويت غالية الثمن، ومازالت الكويتية مع البهارات وتحسن طعم مأكلها، وتجعل مائدتها اكثر اقبالا عليها، وكانت تعرف نوع التوابل الذي يؤخذ من اجزاء النبات كبراعمه وجذوره وسوقه ولحائه، وكانت تضيف التوابل الى الطعام لتثير الشهية ومنها: هيل، زعفران، حبة حلوة، يدنزبيل، كركم، فلفل اسو، عرج الهيل، مسمار، دارسين، سنوت، ومن النوى: طعام بمبر، وصبار، لوز البحرين، وطعام الخوخ، وطعام مشمش المعروف بـ «عنكيش».
وقال: نحن مازلنا مع بعض المكسرات القديمة منذ 52 سنة مثل: حب كرع، نكل، عنجكك، نبك، سبال، حب ركي، حب شمسي، باجلة محموس، حب بطيخ، بيذان.
ويضيف : كل هذه التوابل نستوردها الان من الهند اولا المصدر الرئيسي للعالم، ومن مصر وسورية، والامارات العربية المتحدة التي استولت على هذه الانواع وبدأت توزع على اغلب الدول بعد ان كانت الكويت هي التي تصدر للامارات وللعراق، وعرفنا ان بهار كلمة سنسكريتية تعني: بلاد الهند bharat ، وكان البهار خصوصا الينسون يوضع في كيس ويعلق في خزانة الثياب لتعطير الهواء وقصب الذريرة يرش على ارضية الغرف، وهذا الفلفل جاء في المرتبة الثالثة بعد الذهب والفضة، والمر في صنع البخور، والكركم يستخدم في صنع الآيس كريم والشوكولاته والحلوى، والفلفل الحلو بذوره تستعمل في تقطير الصابون، والتوابل هي التي صنعت التاريخ في اوروبا مع الشتاء وهي التي اكتشفت بسببها دورانا حول الارض.
وبسبب التوابل عرفت اميركا عن طريق كولومبس، وهذه التوابل التي سرقت وهربت الى كثير من بقاع الارض لاستزراعها هناك.
اللهجة تتراجع
ويقول رغم النمو والتطور في مختلف اوجه الحياة في المجتمع الكويتي الجديد، ورغم هذا الانغماس التطوري الجديد لكن الكويتيين مازالوا مع البر والخيام والسدر، وبعض البيوت الحديثة ادخلت الجنادل وعلى مائدة الكويتي الرهش والحلوى والاقط والجرثي والخريط، ومازال بعضهم مع القديم رغم البترول والهجرة وفتح ابواب الكويت للهجرات بانواعها فان اللهجة سلكت وتطورت بسبب ادخال بعض الالفاظ مثل: غسالة – خلاطة – عصارة وكاسيت وكلمة لاين مان – جدر كاتم – وماسكرا كلمة تعني «كحل».
وقال الخليل: من خلال 52 سنة في الكويت شعرت ان اللهجة القديمة التي كنت اسمعها قد خلت استعمالها وبحكم عملي الآن لم اسمع كلمة سراي وتربك، وكميخ تعني البلادة وكذلك إمدمغ، وربربي وبالع راديو وعوا الصيخ، وحتى الهوشات والمشاجرات والنزاعات ضاعت كلماتها اين إبطحه ورضه ويره وجفته وتله.
وامرده وافدسه، وشمخه ومجع شعره قال: نحن باعة التوابل كنا نسمع من الاولين كلمة نكدي وجكي وفكدي وسلف وخرص، وحتى الوزن كان له كلمات تخرج من القلب واللسان تعبر عما في الاحساس والمستوى المعيشي للفرد، خاصة عندما يطلب القليل او الكثير كنا نسمع: يا حجي عطني «جيله» اي بقدر استكانه، وآخر يطلب «مغرفة» و«خاشوكه» و«غمطه» و«عذله» و«كوده»، واما المقتدر وميسور الحال فكان يطلب صرخي (اي: كيس سكر)، وغرابية لماء الورد واللقاح، وسحارة شاي، يونية للعيش و،باردان وعاء للبضاعة غير الموزونة، واذا فسدت الحبوب عندنا كانت تقول الكويتية لا تعطينا الحبوب المنتخره، ولا الزيت الحزر، واي حب يفسد يقال عنه صالم او فاسد وحزر وحشف، مسميات تلاشت وبعضها سيتلاشى مع الزمن لا سمح الله.
وقال: تعلمت وتأثرت بهذه اللهجة من الامهات الكويتيات عن كيفية اعداد الطعام، وعندما تطلب البهار الخاص للبرياني او بهاراً للسمك المقلي او للمرق والمموش والمعدس، حتى ان زوجتي اصبحت فنانة بالطبخات الكويتية.
دخلت البحر بالتناك
لبست ازاراً (وزار) ذلك الثوب الذي كان يحيط ويستر اسفل البدن، وانا ادخل البحر للاستحمام او اجلس مع اخواني على (اليال) ساحل البحر لصيد الاسماك، كنت اضع الطاسة (اناء) وبداخلها طحين واغطيها بقطعة من القماش في وسطها ثقب لجلب السمك لتدخل داخل الطاسة.
قال الخليل: دخلنا البحر بالتناك وهو زورق صغير صنعناه من علب التنك كان يحمل شخصاً واحداً يسير باتجاه الريح مع الشراع الصغير نسير مسافة قصيرة فار (القاف) السور، واكثر المرات كان ينقلب، قضينا ساعات طويلة بالقرب من نقعة شملان بن علي آل سيف، تركنا التناك اثناء غرقه وصلنا الساحل، طلب منا صاحبه 10 دنانير واتذكر اسمه (غانم) منزله كان عند موقع القرية التراثية.
واخيراص تذكر عمر قصة عدنان الشواف عندما فقدوه في المقبرةاثناء اللعب، كانوا ينادونه بأعلى اصواتهم فيرد عليهم صدى اصواتهم. اعتقدوا انه الجن والشياطين فهربوا خوفاً وعندما وصلوا البرامة وجدوه امامهم يأكل الدندرمه (البوظه).
يتكعكع : يعني يتضاحك والكعكعه هي الضحك مع اخراج صوت كع كع ومنها القهقهة قه قه قه ومنها الكركرة وصوتها كر كر كر
ازحير : تقال هذه الكلمة لأحدهم حين عدم الرضا منه وخاصه وهو يأكل مثال : تاكل ازحير انشاء الله او عندما تقول الام حق ولدها ازحر يعني مثل ابلع واهيا موراضيه عنه
تكمكمت : و تطلق هذه الكلمة على المرأة التى تريد ان تتخفي وهي تحت عباءتها عن احد لا تود ان يراها او يتعرف عليها مثال شيخه يوم شافت فلان او فلانه تكمكمت عنها
دياية ام أحمد : وهو وصف يطلق على الانسان الضعيف الذي لايستطيع القيام بأي عمل
تناتيش : وهي تعبر عن الشئ القليل وغالبا باختصار اذا حضر شخص للأكل وما لقي الا شوية من الاكل وقام ياكل منها مثال عزموني بيت فلان على الغداء وصلت متاخر كليت بس تناتيش
الباحثة فرح النقيب اعتبرتها من أهم مصادر معرفة التاريخ
: هدم الأبنية القديمة مؤلم ومحو لذاكرة الوطن
• شارع فهد السالم في مدينة الكويت في الستينات، والشارع نفسه اليوم
طالبت الباحثة في التاريخ فرح النقيب بوقف هدم الابنية القديمة في البلاد بهدف بناء مبان جديدة و«مولات» تجارية.
وقالت النقيب المرشحة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ، من كلية الدراسات الشرقية والافريقية SOAS في جامعة لندن ان هدم تلك الابنية يمثل عارا كبيراً ومحوا لطفولتنا وتاريخنا وكويتنا.
وفيما اعتبرت الابنية القديمة احد المصادر المهمة في ادراك ومعرفة تاريخ الاوطان، قالت النقيب لـ «القبس» ان التاريخ في الكويت لا يحظى بالاهتمام اللازم ولا بالقيمة المناسبة بالمعنى الاكاديمي، فالطلاب يدرسون القليل عن هذا التاريخ في الصفوف والمدارس الابتدائية والثانوية، كما ان الخبراء في علم التاريخ والمؤرخين لم يخصصوا في ابحاثهم الاكاديمية سوى القليل لتاريخ الكويت، ويعود هذا الامر بالدرجة الاولى الى الشروط المقيدة وغير المنظمة لسبل البحث في السجلات الارشيفية. ونظرا لهذا القصور الاكاديمي، لم يتمكن الشباب الكويتي من الاعتماد إلا على مجموعة محدودة من المصادر غير التقليدية في سعيهم للحصول على بعض الادراك لتاريخ بلادهم.
وتطرقت النقيب الى الايام الاولى من التطوير الحضري المدني في البلاد، الذي بدأ على اثر انطلاق عصر استكشاف النفط، وقالت: ان معظم ما كان موجودا قبل وجود النفط بدا وكأنه احتفى عن الارض ليفسح المجال امام قيام المدنية الحديثة التي دفعت الكويت المليارات للتخطيط لها وبنائها. وفي هذا السياق، اعداد قليلة جدا من المباني هي التي نجت من هذا التغيير، حيث ان الفكرة العامة التي سيطرت في ذلك الحين تمثلت بوجوب ازالة كل قديم واستبدال الجديد به. وعلى الرغم من ان قانون الاثار الصادر في عام 1960 نص على انه يجب ان تدرج «الاثارات غير المنقولة» والمبنية قبل عام 1920 بهدف تقييم ما اذا كانت «تستحق» الحفاظ عليها، فانه لم يتم اعداد لائحة مقبولة ومتفهمة ببعض الابنية التي كانت موجودة قبل عصر النفط، الا في مرحلة الثمانينات من القرن الماضي. ورغم التوصيات بالحفاظ عليها، فان العديد من المواقع الواردة في اللائحة قد دمر خلال العقد الحالي بهدف الافساح في المجال امام بناء المشاريع الجديدة. بالطبع تم تجنيب بعض المباني التدمير وجرى تجديدها وتحويلها الى متاحف ومواقع من التراث الوطني. ولكن في المجمل، هناك حوالي 100 موقع من مرحلة ما قبل عصر النفط، لا تزال موجودة بيننا اليوم. للاسف، فان ما لا يدركه الناس على ما يبدو هو اننا نكرر حاليا دورة الدمار نفسها التي بدأت في الخمسينات من القرن الماضي، وحيث اننا في حينه قمنا بمحو جميع المعالم التاريخية التي تعود الى مرحلة ما قبل النفط، فاننا هذه المرة نقوم بازالة ماضينا الذي يعود الى المرحلة التي تلت اكتشاف النفط، وهي المرحلة بين الخمسينات والثمانينات.
السالمية القديمة
واستذكرت منطقة السالمية القديمة ووصفتها بأنها المنطقة التي كانت تعتبر رمزا دائما للعالمية التي اشتهرت الكويت كثيرا من خلالها في الستينات والسبعينات والثمانينات.
وتابعت قائلة: لقد كانت الطريق الشهيرة بمنزلة مركز للحياة التجارية خلال إحدى أكثر المراحل إثارة في تاريخ الكويت، كما شكلت محورا لأسلوب العيش الحيوي والمتعدد الثقافات، وهو الأسلوب الذي تربى الكثير منا عليه. ولكن للأسف، إذا قدت سيارتك اليوم عبر السالمية القديمة سترى الأخشاب تحاصر «عمارة السالمية» وأعمال الترميم تغطي الجهة الجنوبية من الشارع بين «مكتبة العائلة» ومطعم هارديز، في ظل الاستعدادات القائمة لهدمها. وسترى ايضا عددا كبيرا من اللافتات التي تزعج الناظر اليها، والتي رفعت في المكان وتحمل جملا من الاعتذارات عن الازعاج، والتي تنص على ان البناء سيدمر ويستبدل به مجمع تجاري جديد. واذا مشيت قليلا إلى الأمام، فإن البناء الذي كان يشتمل على متجري «فاي» و«سوان ليك» قد تم تدميره، في حين ان القرار اتخذ بهدم بنايات «السلام» المقابلة لـ«مكتبة العائلة»، فضلا عن مباني القطاع الذي يتضمن متجر «النظارات العالمية» والعمارة الدائري الأخضر الشهير خلفه. وفي السياق نفسه، يبدو انه لن يمر وقت طويل قبل ان نرى كامل منطقة السالمية الجديدة تتحول الى ركام هائل، كما هو حال العمارة التي كان «الركن الرياضي» يشغل جزءا منها والتي كانت تقع على احدى زوايا شارع سالم المبارك وتم هدمها في شهر فبراير.
تدمير
وحسب النقيب فإن هذا النوع من التدمير يحصل في الكويت في غياب أي ردة فعل أو احتجاج يذكر. وتضيف قائلة: خلال الشهر الماضي، تم هدم فيللتين قديمتين كانتا قائمتين خلف «بيت لوذان» في السالمية، من دون ان يلقى هذا العمل أي تعليق على الاطلاق. فهذا التراجع في تقدير ماضي الكويت بات مستوطنا في النفوس الى حد انه لايبدو ان هناك قلقا كبيرا حيال واقع ان عدد القطاعات التي تعود الى الماضي والتي يمكن أن نتقاسمها مع الأجيال المستقبلية، بدأ يضمحل شيئا فشيئا. هناك مواقع محددة لاتزال موجودة ضمن هذه البيئة من البناء الجديد، وهي تخدم كمرجعية تذكرنا كأفراد وكمجتمع بالماضي، مما يعني ان ازالتها من حياتنا اليومية سيمحو ادراكنا ووعينا لتاريخنا، كما سيقضي على اي علاقة يمكن أن نقيمها في الحاضر مع ماضينا. لقد استغرقنا حوالي خمسين عاما من الزمن لندرك اننا أخطأنا في ما فعلناه في الخمسينات، واليوم نرى «قرية تراثية» جديدة تبنى بأسلوب رخيص مشابه لـ«ديزني لاند» في مدينة الكويت، في محاولة يائسة لتكرار بناء المدينة القديمة التي تم هدمها منذ خمسين عاما مضت، وربما خلال 50 سنة مقبلة، سنقوم بإعادة إعمار السالمية القديمة.
محو
وتواصل النقيب قولها: وبغض النظر عما اذا كان الناس اليوم يجدون ما يسرهم في مجال تصاميم المواقع القديمة أم لا، فإن هذه المباني ترمز الى المراحل المهمة والتوجهات التي ميزت ماضي الكويت، كما أنها تمثل لحظات مميزة في التاريخ الهندسي للكويت. لذلك، فإننا بتدمير هذه المواقع او تجديدها، وتغيير معالمها بحيث يصعب التعرف عليها (مثلا: تغطيتها ببلاط من نوع «الوكوبوند» كما حصل في مستشفى هادي في الجابرية)، نمحو كل معالم الإثارة والتجربة التي مرت بها الكويت في السنوات الاولى من عصر التحضر الذي أتى به النفط. فالمباني التي تتضمن شققا ذات واجهات مطلية بالخرسانة والبلاط، مع شرفات واسعة، والكائنة في منطقة السالمية ومدينة الكويت، تمثل مقاربة خاصة للحياة الحضرية، التي تعكس الثقافات المتعددة التي كانت سائدة في الكويت خلال العقود التي تلت اكتشاف النفط. كذلك فإن الفيللات التي تتميز بزوايا غير متناسقة وأشكال هندسية وشرفات مستديرة ومشربيات، تشير الى هندسة معمارية فريدة من نوعها وخاصة بالكويت، علما بأنها تتلاءم في الوقت نفسه مع الأساليب الهندسية التي كانت معتمدة في أنحاء مختلفة من العالم في تلك الفترة.
وترى انه ليس هناك أي داع لهدم المباني التاريخية لمجرد انها باتت «قديمة» لاسيما مع وجود مساحات شاسعة وخالية في مختلف انحاء البلاد يمكن اقامة مبان جديدة فيها.
الاقتراح
وتساءلت: بدلا من ذلك لم لا نفكر في طرق يمكننا من خلالها اعادة استغلال بعض هذه المواقع القديمة فيما نسعى الى الحفاظ على وحدتها الهندسية التاريخية، وقالت: على سبيل المثال لا الحصر، فانه يمكن بكل سهولة تنظيف موقع فلل عائلة الحمد القديمة الجميلة الواقعة على تقاطع شارعي حمد المبارك وبغداد في السالمية، ومن ثم تأجيرها الى شباب ونساء الكويت لتنفيذ مشاريعهم التي قد تتضمن افتتاح مقاه ومطاعم ومحال تجارية.
فمشروع كهذا يمكن ان يولد مدخولا تجاريا جيدا يدعم الاعمال المحلية الصغيرة، مع المحافظة على الهياكل القديمة والفريدة، في المقابل، اذا استمر الحال على ما هو عليه، فان مصير هذه الابنية الجميلة سيكون على الارجح الهدم الذي يرمي الى تأمين مكان لمجمعات سكنية اخرى، وفي مثال آخر، يمكن تجديد واعادة تجهيز الابنية القديمة التي تعود الى الستينات والكائنة على جانبي شارع فهد السالم في مدينة الكويت، بدلا من ان يتم هدمها تدريجيا كما يحصل حاليا، وهذا التجديد والتجهيز يمكن ان يجريا بواسطة مهندسين معماريين كويتيين خلاقين، ومن ثم يتم تأجيرها الى فنانين ومصممين ومهندسين معماريين محليين ليستخدموها كاستديوهات لهم، لو ان اولئك الذين يمتلكون أو يديرون هذه الاماكن يحاولون فقط التفكير خارج الاطر التقليدية، فانهم حتما ستوصلون الى افكار مبتكرة تتجاوز عملية التدمير والهدم غير المفيدة.
كارثة
وختمت النقيب بطرح سؤال اساسي هو: هل نحن بحاجة فعلا الى مجمع تجاري آخر؟ ثم اجابت بقولها: بالطبع لا، فنحن لا نحتاج اليه، لكن ما نحتاجه فعلا وبشدة هو السعي الى ضمان استمرارية ماضينا من خلال حاضرنا، نحن نحتاج الى تاريخنا. ان البيئة المبنية هي اكثر الوسائل التي تتيح لنا التواصل مع تاريخنا، فيكفي اننا مضطرون لتحمل النتائج الكارثية لمشروع «الدائري الاول» الذي يتمثل بشق طريق سريع بالاتجاهين سيجتاز المركز التاريخي للعاصمة، ويدمر كليا الشكل الحضري لمدينة الكويت والذي سيؤثر سلبا على الهدوء والسكينة وعلى المواقع التاريخية مثل بوابة الجهراء، ومجمع بهبهاني، والمستشفى الاميركي القديم، وغيرها من المواقع التي لا يمكن حصر تعدادها، والآن نجد انفسنا مجبرون على مشاهدة كيفية هدم السالمية التاريخية ايضا؟ ان هذا العمل يمثل عارا كبيرا، فمن العار ان نجد اناسا يسعون الى زيادة محافظهم المالية على حساب هدم تاريخنا، ومن دون ان يشعروا بأي ندم أو تردد في وضع الابنية القديمة تحت رحمة جرافاتهم الضخمة، يا للعار الذي سيلحق بهم بعدما يعطون الاذن لتنفيذ هذا العمل من دون ان يشعروا بأي حاجة للحماية أو الحفاظ على الآثار المادية والنفسية لماضينا، ويا لها من مأساة عندما نرى ان معظم الناس لا يفعلون سوى الجلوس متفرجين من دون ان يحركوا ساكنا. كلا، نحن لسنا بحاجة الى مول جديد بطلة فريدة من نوعها في الشرق الاوسط، بل في امس الحاجة الى التوقف عن محو والغاء طفولتنا وتاريخنا وكويتنا.
زمان أول.. تحوّل
سردت النقيب طرفا من ذكرياتها قائلة: خلال نشأتي في الكويت في الثمانينات من القرن الماضي، اعتدت على التسوق في ما بات يعرف حاليا بـ «السالمية القديمة». ففي كل عيد كانت والدتي تأخذني أنا وشقيقاتي في جولة تسويقية على المحلات التي تمتد على طول الشارع من اجل شراء ألبسة وأحذية جديدة.
وأذكر اني ابتعت اول ملف لحفظ الوثائق من محل «فاي»، وكذلك اول اشرطة موسيقية من محل «سوان ليك» الكائن على الزاوية بالقرب من «نيو سوبر ماركت». وعلى المنوال نفسه، كان متجر «كيدز آر اس» المكان الذي حصلت منه على ألعابي وعلى دراجتي الاولى، كما اشتريت جميع لوازم الاشغال الفنية من «المقهوي»، واللباس المدرسي الموحد من شركة الاتحاد التجارية، وفي حين اذكر انني كنت في سن السابعة عندما ألبسني هابيغ اول زوج من النظارات في متجر «النظارات العالمية». وبالطبع تلاها في ما بعد تعرفي على «المكتبة العائلية»، التي افتتحت في عام 1968، وكانت اول مكتبة عامة كويتية، وهناك امضيت ساعات من سنوات شبابي اتمعن في الكتب المرصوفة على الرفوف واتعلم حب القراءة من خلالها. من هنا، فاني قد جمعت العديد من ذكرياتي لمرحلتي الطفولة والمراهقة ضمن المتاجر وفي شوارع اكثر سوق تتميز بالعالمية في الكويت في ذلك الحين. لكن الكويت عادت واكتشفت في اواخر التسعينات من القرن الماضي مجمعات التسويق الضخمة التي دخلت بقوة، مما ساهم في ان يتحول الشارع الكويتي الذي كان قبلة للزائرين في ما مضى الى مجرد قطاع داخلي للتسوق.
• بنايات «السلام» في السالمية التي كان «الركن الرياضي» يشغل جزءا منها تم هدمها في شهر فبراير • عمارة «السالمية» الجنوبية في ظل الاستعدادات القائمة لهدمها • فلل عائلة الحمد القديمة الجميلة الكائنة على تقاطعي شارعي حمد المبارك وبغداد في السالمية
• فيللتان قديمتان كانتا قائمتين خلف «بيت لوذان» في السالمية، قبل وبعد تدميرهما الشهر الماضي
صفحات من الذاكرة سالم إحمادة: أبو حليفة قبائل متحالفة.. والإبل عز أهلها
• سالم سلمان محمد إحمادة العجمي
أجرى الحوار: جاسم عباس
الرعيل الاول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا مر الاثنين وذاقوا حلاوتهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء الى ان حققوا الطموح او بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، بيد ان قاسما مشتركا يجمعهم هو الحنين الى الايام الخوالي.
في مستهل لقائنا مع سالم سلمان محمد احمادة العجمي قال: والدي ولد في الشرق في فريج العاقول الغني بالاشجار الشائكة التي كانت تعرف بشوكة الجمل وكما قال لنا، رحمه الله، كما نمشي بين العاكول وهي شجرة ارتفاعها حوالي قدم وازهارها قرمزية اللون تكثر في فصل الصيف، كما نجففها ونقدمها للابل ونستخدمها كوقود للطبخ، كنا نشاهد على اوراق العاكول، واغصانها قطرات حالما تتساقط نجمعها ونستخلص منها علاجا للاسهال، وما زالت المنطقة موجودة في الشرق، وفيها دوار اطلق عليه اسم «العاكول».
واضاف انتقلنا بعد ذلك الى اعلى منطقة داخل السور، وعن الاكبر سكانا وهي المرقاب البعيدة عن البحر، قال والدي: كنا نجلس على مرتفعات المرقاب ونتابع ونشاهد القادم والذاهب، منطقة تعتبر مصنعا للجبس «الجص» ثم انتقلوا الى الجصاصة الى «رمادان» الآن تسمى ضاحية عبدالله السالم.
وقال احماده: كما نسمع من اهالينا البدو الذين كانوا يسكنونها انها مجموعة من الصخور وارتفاعات من الرمال لم يكن في هذه المنطقة الا هذه المرتفعات، ولكن بعد بناء السور الثالث بدأنا نبني بيوتا فأصبحت هذه المنطقة آمنة وبنيت ثانوية في المرقاب عام 1959 والنادي في 1945.
الحلف بين القبائل
يتابع احماده: واخيرا سكنت عائلة احمادة العجمي احدى قرى الكويت الغنية بالآبار والزراعة، وهي قرية ابو حلفية من قرى القصور تقع على ساحل البحر جنوبي الديرة، وهي ضمن حدود العدان، وسميت اخيرا بأبو حلفية تصغير الحلف اي هناك حلف بين القبائل اقيم في هذه المنطقة فسميت ابو حليفة.
يضيف ساحل الحلف الممتد على امتداد العدان مواضع الغوص التي تسمى «الهيرات» وهو حقل يستخرج منه المحار، والاهالي قديما ينتجون السمن، ولذا اطلق عليه السمن العداني لتميزه من غيره، وللعدان أبيات من الشعر لـ الفرزدق:
فقلت ذريني من زياد فانني ارى الموت وقافا على كل مرصد
وليست من اللائي العدان مقيضها يدحن خفافا في الملأ المعضد
ابو حليفة قرية سياحية ومنتجع صيفي لوجهاء الكويت، فيها النخيل والسدر، وأبوحليفة حية بالاعشاب والامطار، بيوتها من الطين والصخر المستخرج من بحرها، ومزارعها غنية بالتصدير الى الكويت اتذكر سيارة سلمان حمادة العجمي تنتقل كل يوم بعد صلاة الفجر ووانيت محمد الجري، وفهد الصمد سيارات كانت تنقل خير ابوحليفة وركابها الى الديرة.
وقال: وانا صغير كنت اشاهد كبار السن كل منهم بشته تحت كفته ينتظر الايجار ليوصله بنصف روبية ذهابا وايابا الى ساحة الصفاة، يذهبون للتسوق، لان ابوحليفة لا توجد فيها اي محل الا خبازنا «اكبر» والقصاب «ابو سليمان» ابو حليفة اوصلوا إليها الكهرباء عام 1963.
كنا نضيء ليلنا بالسراي والتريك والضعفا بالكنديري، ولكن الله سبحانه وتعالى عوضنا بالسماء الصافية وضوء القمر في ابو حليفة كأنك في النهار، وعوضنا سبحانه من بئر المسلي بالماء العذب، شمال ابوحليفة 6 آبار طيبة، وسكانها هم: بن إحماده، المسفر، ذياب المشوط الطينان، رمضان، الرشايدة، الياثي، هؤلاء من مؤسسي وساكني ابوحليفة.
الطب الشعبي
يضيف: علاج اهل ابوحليفة كان بالأساليب التقليدية والمكتسبة عن طريق الخبرات المتوارثة جيلا بعد جيل، وأكثر العلاجات من طبيعة الارض، والمعالج والملا والمؤذن وامام وخطيب ابو حليفة الشيخ ابو ابراهيم والشيخ حسن، كانا يعالجان بالغذاء الطبيعي وبالكي والحجامة والتجبير وأكثر العلاج بالوصفات النباتية والاعشاب، وأتذكر ان ثمن الادوية والعلاج كثيرا ما يكون مجانا، وكنا نسمع عبارات مثل: في يده البركة، وموفق للخير، وعلى ايده العلاج ومن الله الشفاء، الطبيبان الشعبيان كانا يتمتعان بهالة من الصلاح والتقوى ومالكين للأسرار، فهما دائما الدعاء، ويملكان قدرات ايحائية متميزة تساعد المريض على التغلب على الحالة المرضية، واضاف: اتذكر بعض اسماء الاعشاب مثل: العشرج، اليعدة، الكمأة (الفقع) الشيح، لسان الثور، الزعتر، الصمغ للظهر، الحلبة، علج البان، قشر الرمان، منقوع الحنا، الحسو، العصيدة، الرشاد والليمون، الزموته، المرقدوش.
وقال إحماده العجمي: لا تزال هناك مجموعة من الناس في ابوحليفة يعالجون بالطب الشعبي وبأسلوبه التقليدي نفسه، وما زال البعض منهم يستخدمون بعض الاعشاب ويحتفظون بها في منازلهم للعلاج مثل: اليانسون والسنا والكراوية والتانخا وسكر النبات والشيح والحبة السوداء. وكل ما اقوله ان ابو حليفة قبائل متحالفة لا عداء بينها وحتى في العلاج بينهم تحالف.
وتابع: كما سمعت من الاولين ان «الحليفة» تسمية لمكان يظهر فيه نبات يسمى «حليفا» او «الكفتا»، وزهرتها تسمى «كف مريم»، ويقال انها زهرة خضراء لها فائدة، واذا وجدتموها في هذه المنطقة او في غيرها احتفظوا بها، واذا شربت العاقر الماء المنقع بها تشفى بإذن الله، واذا تعسرت ولادتها تمسك بيدها تلك الزهرة كف مريم تسهل عليها الولادة، وكان الناس يعتقدون ببركتها وتكثر بين الحجارة والاراضي الصلبة في ابوحليفة.
الحصوة لؤلؤة والدي
وقال سالم احماده: افراد عائلتنا عملوا بالغوص على اللؤلؤ، وفي الهيرات القريبة او البعيدة، وكانوا يقولون بصوت واحد:
«نزلنا منزل وأبرك دار
على الهير والمحار
ياالله منزل مبارك
وأنت خير المنزلين».
غاص والدي لمدة تتراوح بين 12 و 14 ساعة مع راحة بين الفترات، عمل غواصا مع مبارك الحكان النوخذة المشهور لمدة سنتين، وغاص مع النوخذة مبارك الزويد، وحصل على حصوة من انواع اللؤلؤ، ويسمى ايضا اللؤلؤ بإقماشة، وهناك من الغاصة غير والدي حصلوا على سحتيت والجالس والقلابي، شقر، وسنقباسي، اما اللؤلؤة الفريدة، فتسمى «دانة» او حصباة، ولؤلؤة والدي هي الحصوة او الحصباة.
وأضاف: بعد ذلك اشترى والدي بوما كبيرا، ويعتبر من اشهر سفن الغوص، وهناك سفن اخرى مثل: البتيل، بقارة، جالبوت، سنبوك، شوعي. ووالدي استورث عمل الغوص على اللؤلؤ من جدي محمد إحماده العجمي النوخذة وله بوم خاص به.
عز أهلها
وتحدث عن الدور الذي قامت به الابل في ابوحليفة، حيث اثرت في حياة كل مزارع او تاجر لحوم ووقود والبان، وقد تبوأت الابل المكانة الاولى في حياتها، كانت عزا لاهلها، فهذا الجمل من الذكور وهو الجميل والشحم المذاب، وحتى الذي يقوده هو «جمالي» عظيم الخلق، وهذا البعير الذي كنا نشاهده في ابي حليفة كان هو الجمل البازل، كنا نشرب من لبن بعيري، ونفرح اذا رأينا «المخاض» اي الناقة الحامل، واذا حمل الجمل المؤن قلنا وصل «العير» والابيض منه هو «العيس» ولا انسى «الرغاء» صوت الابل، والمقاتيل والوضح والصفر من اغلى الابل سعر الواحدة آلاف الدنانير، ولهذه الانواع مكانة عند عشاق ومحبي الابل ولا توجد غالبا الا عند قبيلة «المرة».
وقال احمادة: ابل ابو حليفة ترعى في المراعي الطبيعية وتتغذى من نبات العرفج والرمث والرغل والقيصوم والثمام والنصي والشيح والثندي والعجرم، وكنا نستخدمها في الاعمال الزراعية واستخراج المياه والتنقل، وروثها للوقود والعلاج، ولبنها غذاء اساسي لنا، ولحمها كان اساسيا ايضا، والآن تناقص عددها واتجهنا الى لحوم الاغنام والابقار. كما ان وبر الابل يعتبر انعم من غيره من الاصواف او الشعر، كنا نصنع منه ملابسنا والاغطية والعباءة والخيام والعقل والشمائل، وجلودها كنا نستخدمها في صناعة قرب المياه والدلاء وصنع الطبول والاحذية.
واخيرا اتذكر المدرسة التي درس فيها، فقد كانت من دون كهرباء، ولم نكن بحاجة لها الا اثناء الفرص وبداية الدوام المدرسي ونهايته، فكان الجرس اليدوي له دور فعال ويؤدي الغرض، وكان اول مدرس في مدرسة ابو حليفة الاستاذ عبدالله العصفور المشهور بأبو عبداللطيف، وكانت مبنية من الطين واللبن.
وفي سنة 1960 افتتح فيها ميناء لشحن البترول والذي عرف بالرصيف الشمالي او «اسكله».
وذكر ابو سلمان احمادة ان ابو حليفة غنية بالمشاشات، وهي عبارة عن آبار يحفرها البدو، ليتجمع فيهاالماء، وعندنا ثمانية آبار، وللاسف كل التراث والقديم ضاع لا نرى من هذا المنتجع السياحي الا العمارات والسيارات.
اكط
وذكر ايضا اللبن الخاثر الذي كان يوضع في داخل كيس من القماش، تذكره احمادة قطرات مائه تنزل منه حتى ينشف، ثم يجرأ الى لقيمات وتعرض في الشمس، كنا نأكل هذا الاكط مع التمر، واغلب اهالي الكويت، وابو حليفة خاصة كانوا يحتفظون به الى اوقات يندر فيها اللبن، كنا نسحق الاقط ثم الماء ونشربه لبنا، واما الجرثي، فهو لبن يرشح ماؤه ويصبح اكطا بعد ان يجفف، وختم بالقول: سكان ابو حليفة استعملوا التمر علاجا للصدر، وتغير لون اكثرنا من اكل التمر، وانه يقتل الدود، وبلح ابو حليفة من الزنجبيل والعسل يدفع الضرر عن الانسان.
أجرى الحوار: جاسم عباس
في سلسلة حلقات «من قديم الكويت» نقلب صفحات الذكريات مع الرعيل الاول من رجالات الكويت الذين تخضرموا في مرحلتي ما قبل النفط وما بعده، وطالما ان الحنين للايام الخوالي، الى الكويت القديمة، كويت الخير والبركة والحياة الاجتماعية المتألقة، هو القاسم المشترك الذي يجمعهم، فمن الانصاف ان يشمل معهم عددا من الوافدين من مختلف الجنسيات التي قدمت الى الكويت قبل 40 او 50 سنة، فجاهدوا وعملوا، كل في مجاله وما زالوا مساهمين في ورشة البناء والتنمية، ولن يستمر هذا التواصل والعطاء لولا محبتهم لهذا البلد الخير ومحبة الكويت واهلها لهم.
في مستهل لقائنا مع ديكوستا بيداد تياجو من مواليد 1937، قال: انا من الهند ومن بلدة كان بحارة الكويت يبحرون اليها ومنها يأخذون ماچلتهم (زادهم) الى مدينة «جوه» وهي ميناء على الساحل الغربي، تقف السفن العائدة الى سواحلها حاملة الماء العذب المشهور. جوه ميناء يحملون منه البامبو (باسجيل)، سكنها بعض اهالي الكويت وعاشوا فيها ومنهم: عبدالعزيز الجلال ومرزوق بودي، وبعد استقلال «جوه» عن الاستعمار البرتغالي تنفس اهل المدينة الحرية، وكانوا يدينون بالمسيحية وهم ذوات بشرة بيضاء.
وقال: الحظرة الكويتية لا تقام ولا تصطاد اي سمكة الا من البامبو الجوي، ميناء فيه خور «بنجيم» وخور «مرماكوه»، كان القطار السريع الوسيلة الوحيدة الرخيصة للكويتيين والاهالي التي تنقلهم الى بومبي «جوه» او ما يسميها اهل الكويت «كوه»، هي نقطة انطلاق وآخر ميناء بين يابسة الهند ويابسة مسقط، كان البحارة يقطعون هذه المسافة بمدة 14 يوماً الى عمان، ثم 10 ايام الى الكويت، ومن المستغرب ان المواطن الهندي لم يستطع دخول «جوه» بسبب منعه من قبل السلطات البرتغالية، الا ان يكون من سكانها الاصليين، لذا كانت لا علاقة لها بالهند، واخيراً رجعت الى حضن امها الهند. وكانت جوه وكاليكوت ومنقلوور وبومبي وكراتشي من اكثر البنادر نشاطاً حيث تتجمع فيها مئات السفن الشراعية.
جئت في «دواركا»
وتابع تياجو: جئت الى الكويت قبل نصف قرن، دخلتها على اول باخرة أنزلت ركابها في ميناء الكويت بعد ان كانت تقف مقابل السيف (الفرضة)، ثم تأتي السفن الصغيرة لتنقلهم الى الساحل، «دواركا» باخرة للركاب فقط عليها 400 راكب وصلت من «جوه» الى كراتشي ثم البحرين، وكانت تحمل الركاب وتنزلهم. وصلنا ميناء الشويخ و«دواركا» كانت اول باخرة يستقبلها، واتذكر انه كان عبارة عن رصيفين للسفن الكبيرة والصغيرة، افتتح في مايو 1960، سكنتُ خلف مكتب بريد الصفاة، بلا مكيف رغم انني هندي ولكن حرارة الكويت كوتني (حرقتني) كنا ننام على السطح، واغطي جسدي بازار مبلل بالماء، جئت ومعي جوز الهند وحبال الكمبار هدية لأحد اخواني، خرجت من «جوه» كان عدد سكانها 400 الف نسمة والان 9 ملايين، اول عملي في الكويت الى آخره مع عائلة بهبهاني كان راتبي 400 روبية ثم تحول الى الدينار فأصبح 45 ديناراً، شاهدت الروبية الهندية في الكويت والدينار، كنت اوفد 50% من راتبي، والان قبل نهاية الشهر لا يوجد شيء نصرفه لان الغلاء افرغ ما في جيوبنا.
واضاف: اتذكر والى الان يتذكر اهل الكويت المثل المتداول: «الهند هندك اذا قل ما عندك» اي ان الهند هي مقصدك اذا ما ساءت اموالك، ومع هذا قدم بعض تجار الهند الى الكويت ففتحوا فيها المحلات ورزقهم الله.
لا ننسى السفن الكويتية
وقال ديكوستا: ونحن صغار كنا نقف على ساحل «جوه» لمشاهدة السفن الشراعية القادمة من الكويت حاملة التمور من مزارع البصرة، وكم كنا نشتاق لها، كان والدي رحمه الله يتحدث الينا عن تجارة الخيول العربية الاصيلة التي كنا نأتي بها من الكويت عبر هذا الميناء، وتنقل الى بومبي، ولم تتوقف تجارة الخيول الا بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 كان عمري 8 سنوات، وكما ذكر لنا معلمنا في المدرسة ان اللآلئ من السلع الرئيسية بعد التمور والخيول تحمل الى الهند خصوصا من المغاصات الكويتية، هذه هي الهند وهذه الكويت كانتا من الدول التي تتبادل السلع. والسفن الكويتية عند عودتها كانت تشحن اخشاب الساج من المواد الاساسية والرئيسية في صناعة السفن، حاملة اخشاب البامبو لبناء اسقف المنازل، وكذلك الارز والبهارات والشاي والاقمشة. وقال: لا انسى السفن الشراعية في موانئ الهند رافعة اشرعتها كأنها طيور البحر تنقل من منكلور الى ممباسا التي تحل منها الجنادل، وهناك كلمات مشتركة بيننا نقلوها البحارة الى اللهجة الكويتية، وحتى المأكولات.
واتذكر المدرسة التي انشأتها الكويت في بومباي، وحتى عملتنا كانت واحدة منذ الثلاثينات من القرن 19 ومازلنا وسنبقى ان شاء الرحمن معاً.
حداق.. كمبار
وتحدث تياجو عن الحدائق (صيد السمك): هناك طرق للصيد على الساحل غالبا لا تختلف عن الطرق الهندية فالادوات هي مثل: الطاسة تغطى بقماش فيه ثقب، وبداخلها الطحين لجلب الاسماك كنا نصيد سمك الميد.
واضاف: سيف الكويت كان غنيا بالاسماك، والسعدوه لا انساها العصا الطويلة وبرأسها خيط وفيه ميدار صغير، كنا نضع «الييم» اكلا للسمك. نصطاد الشعوم ايضا بطريقة كنا نستخدمها في «جوه»، والخيط بثلاثة ميادير وفيها الطعم طريقة سائدة بالخليج والهند.
وقال: كنا نشوي الكبكب نسميه ابوجلمبو (السرطان البحري)، واما الكمبار طريقة سهلة لصيد الاسماك على الساحل ليلا، كنا نحمل مصباحا صغيرا ونسير مع الساحل عندما ترى الاسماك هذا النور تأتي فنضربها بواسطة سيف او حديدة طويلة، هذه الطرق لصيد الاسماك كنا نقوم بها في اوقات الفراغ اما اكلاتنا فكانت: العومة والشيم والصافي والشعم والبياح والسبيطي والحياسة والشعري، وقرقفان ووهد.
قال: اسماك الكويت لا تختلف عن اسماك «جوه» ولكن الناس تغيروا عندما يسمع الاذان اصحاب المحلات في الاسواق يذهبون الى الصلاة ومحلاتهم مفتوحة، بعضهم يضع الازار فوق بضاعته بدون قفل ومفتاح، الآن اعتقد حتى القفل يكسر، وجيراننا لا نسمع منهم «جنجال» خاصة المصريين منهم.
مأكولات مشتركة
وعن المأكولات الشعبية، قال: اغلب الخضروات الكويتية ومأكولاتها مشتركة منذ زمن البحارة والسفن. فهذه بامية وكرع الذي يستعمل في المرق، والسلك وبربير وسبزي، ومرق عدس وربيان وماش وهوا، وحلاوة عيش، وشنيالي، والكيمي، واما الاجار فهو من اختصاص الهنود، منه على التفاح، والبهارات، والهمبة، وثوم اليبل، والعنب، واما الصبار (تمر هندي) ولومي اسود وكل انواع البهارات خاصة الكركم، وكان اغلب بيوتات الكويت طباخوهم من الهنود، والكويتي اذا دخل مطعما هنديا اخذ «يكروش» الاكل و«يمصمص» العظام، ويزيل لسانه ما تبقى من الاكل كنا نقول له: انت تتملحس الاكل.
الصفاة ساحة عملي
وقال ديكوستا: بداية دخولي الكويت منذ نصف قرن، عملت عند يوسف بهبهاني في ساحة الصفاة، ثم عند ابنه يعقوب، وما زلت مع هذه العائلة، والآن اعمل عند عقيل، عملت مع الجد والابن والحفيد في ساحة الصفاة، لم اشاهد غير هذه الساحة وشارع الجديد، وحتى سكني هناك، ساحة الصفاة فيها مقر عملي عمارة ملك بهبهاني المشهورة بعمارة «اوميغا»، ساحة الصفاة في وسط العاصمة تحيط بها من كل جانب المؤسسات والبريد والامن العام وقصر نايف، وفيها عرضت افلام سينمائية للناس، من قبل شركة النفط، وفي الساحة موقف لسيارات الاجرة، ساحة الصفاة ملتقى الحضر والبدو، ساحة كان فيها الفقع والجراد واليقط، واتذكر المقاهي العامرة التي ما زالت تعمل حتى الآن، وفي وسطها كان خزان كبير للماء، مناظر كنت اشاهدها من شباك مكتب عملي، ولكن التغييرات ضيعت هذا التراث الذي يجب ان نحافظ عليه كما كانت الساحة، كم اتمنى ان تعاد الاحتفالات في الصفاة والرقصات الشعبية في المناسبات وتجمع الاطفال واستمتاعهم بالالعاب في العيدين، كان يجب ان نحافظ على اقدم فندق عرفته الكويت، وهو «الفندق العصري» التابع للمعزب المرحوم يوسف شيرين بهبهاني، ساحة تؤدي الى شارع الجديد وسوق الحراج والصفافير وسوق السلاح، الصفاة توصلنا الى سوق الزل والبشوت، وساحة الصرافين، ساحة فيها اول اذاعة خاصة كانت للسيد رضا يوسف بهبهاني.
الديوانية.. الوطية
وقال: كنت اتردد على ديوانية بهبهاني في منطقة الوطية بالقرب من الكنيسة، وكان فيها مكتبا للخطوط الجوية الكويتية، حوارات شتى كانت تدور، فقد عالجت الديوانية شؤون الحياة كنت اسمع الرأي الاصيل والحكمة البليغة، روادها متفاهمون وآراؤهم صريحة، فكانت كل ديوانية تعرف باسم الاسرة، ومواعيدها بعد صلاة العشاء.
قال ديكوستا: عرفت ان كل الدواوين بالعطاء والنقاش نفسهما، وهذه الجلسات متنفس ببث وادلاء الرأي، والتطور العمراني احدث بعض التغييرات على شكل الديوانية من الاثاث الارضي الى ان اصبحت غرفة خاصة للشاي والقهوة، بعد ان كانت الدوه في منتصفها، وحتى صبّاب القهوة تغيّر، بعد ان كان احد ابناء اسرة الديوانية، الآن الصباب يلبس البنطلون والقميص الابيض ومن جنسية آسيوية.
وقال: عرفت هذه المنطقة «الوطية» في حي القبلة، وقد تأسس فيها اول مستشفى في الكويت المستشفى الاميركاني ويقال انها سميت بهذا الاسم لوجود موطئ لا يعرف لمن ولكن تاريخه يرجع الى ما قبل خمسمائة سنة، وختم اخيرا: الغازي الصدامي الذي دخل على جاره غدرا خلف مشاكل كثيرة لبلده ولبلدان اخرى، رأيت بعيني بالقرب من جمعية الدسمة عراقيا يطلق رصاصة على شاب كويتي فقتله بسبب الخبز، كانوا متوحشين لا نشاهدهم الا في الافلام، وانا شاهدت في الكويت على الحقيقة.
• الخطوط الملاحية للسفن الشراعية الكويتية من كتاب «الكويت والهند» مركز البحوث والدراسات الكويتية • المدخل الجنوبي لشارع الجديد المطل على الصفاة كما بدا في بداية الخمسينات اثناء تشييد مبنى «اوميغا» فيه، من كتاب «أسواق الكويت القديمة» لمحمد
• خالد خلف التيلجي
أجرى الحوار: جاسم عباس
الرعيل الأول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا مر الفترتين وذاقوا حلاوتهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، إلى ان حققوا الطموح أو بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، فان قاسما مشتركاً يجمعهم هو الحنين إلى الأيام الخوالي، «القبس» شاركت عدداً من هؤلاء الأفاضل والفاضلات في هذه الاستكانة.
في مستهل لقائنا مع خالد خلف التيلجي قال: حديثي سيكون عما لم أقله في اللقاءات السابقة في الصحافة أو التلفاز، لقد اشتهرنا بالتيلجي لان والدي عمل عام 1919 بالتلغراف وبعد عدة سنوات جاء أحد الانكليز فدرب والدي ومن معه على طريقة الاستلام وتوزيع الرسائل، فسمي بالتيلجي أي موزع البرقيات والرسائل، واضاف أبو وليد: أنا من مواليد 1931، كان عمري سنة واحدة عندما تعرضت الكويت في الصيف لموجة عارمة من مرض الجدري، قدرت ضحاياها بأكثر من 3000 شخص، أغلبهم من الاطفال، سنة سميت بسنة الجدري، وفي سنة ولادتي انتشر مرض العيون والاذن، وفي هذه السنة طبق الحجر الصحي بحزم كل قوانينه بحراً وبراً للحفاظ على سلامة المواطنين، وفي سنة الهدامة كان عمري 3 سنوات قالوا لنا: نزلت الأمطار في 7 ــ 12 ــ 1934 أي في أول يوم من شهر رمضان سنة 1353 هجرية، كما سمعت من أهلي ان كثيراً من المنازل تهدمت وشرد سكانها وكانت هذه الأعوام والاحداث تسجل وتذكر دائماً وكانوا يقولون مثلا: البلدية كانت تشرف على نظام عمل المروري الإداري، وفي سنة 1939 طلب رئيس الشرطة المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح من البلدية احالة ما يتعلق باجازات القيادة إلى الشرطة، ويقال ايضاً ان السور الأول بني عام 1760 وطوله 750 متراً، وان فلانا ولد سنة بناء السور 1920وكان طوله 6400متر، ودائرة الأمن العام تأسست في نهاية عام 1938، وأخي فاضل خلف، تعرض للجدري وعولج بسرعة لعلاقة والدي بالطبيب الشرقي وهو كرين وي الذي كان يتحدث اللهجة الكويتية بوضوح، كان مقره بجانب مسكف صباح الناصر في احد بيوت آل معرفي، كما نؤرخ اعمال أولادنا الصغار واحفادنا أثناء سنة الغزو 1990.
وتحدث التيلجي عن قنطر أو جسر صغير يقام بين سكة واخرى أو بين بيت وآخر فوق السطوح يسمى «مسكّ.ف»، كان الاقرباء يبنونه دون اللجوء إلى الخروج للسكة أو الشارع، وأشهر مسكّ.ف كان للشيخ صباح الناصر الصباح رحمه الله، يذكر دائماً لكرمه وجوده، واشتهر ايضاً بعصاه «أم ريال» لأنه رأسها رصع بريال فرنسي، كان، رحمه الله، صديقا لوالدي، حيث كان يتردد عليه ويتناول القهوة، وكنت أذهب معه أحياناً.
واضاف أبو وليد: هناك مسكفات اخرى باسم مسكف ملاحسين ويوسف القطامي وآل الرومي، وفكرة المسكف جاءت حسب الظاهر من ايران، لان معظم البنائين من الايرانيين، ومنطقة القبلة كانت تخلو من والمسكفات، وهناك مسكف في المرقاب، فأهل المرقاب أخذوا فكرة المسكف من أهل الشرق لان هذا الفريج من أقدم فرجان الكويت.
وعن الدراسة قال: درست عند الشيخ عبدالعزيز قاسم حمادة في مدرسة والده رحمه الله التي تأسست عام 1914 ، استاذنا الجليل كان حريصا على نشر العلم توفي في عام 1962، وأهله اهدوا مكتبته، الشهيرة بالمراجع والنفائس النادرة، الى ادارة المكتبات العامة، رحمه الله، فهو صاحب فكرة تجميع اموال الزكاة لصرفها في شؤون الأيتام والاوقاف وذوي الحاجة، وبعد ثلاثين سنة اقترح مجلس الامة إنشاء بيت الزكاة، وكان حمادة، رحمه الله، يدرس معه ويساعده اخواه يوسف اطال الله في عمره، وعلي حمادة رحمه الله، وبعد مدرسة حمادة درست في المدرسة الشرقية التي كانت شمال مقبرة هلال، وفي عام 1941 تأسست الشرقية التي اصبحت فيما بعد مدرسة للبنات، وهي الآن متحف على شارع الخليج، وفي العطل الصيفية ندرس في مدرسة حمادة للاستفادة من وقت الفراغ، اكملت الثانوية في القاهرة من عام 1945 الى 1951، كنا 40 طالبا من مدارس الكويت المباركية والاحمدية والقبلية والشرقية، ومن ثم اكملت الدراسة في انكلترا، وتذكر خالد خلف «يحيشة» الشيخ عبدالعزيز حمادة وعصاه الطويلة التي كان يعاقب بها الاولاد، طلب مني ان اساعده بمسك ر.جل احدهم ولكنه رفسني ولم يطلب مني مساعدته بعد الرفسة، اي بعد الركلة بالقدم، وكان الشيخ عبدالعزيز يضع على ايدي الطلاب ختما فيه دواء لكي لا يذهبوا الى البحر، فكان يعاقب كل من يذهب والدليل كان ازالة الختم، وكنت اسرق ختم والدي الخاص بالبريد، واختم ايدي الطلبة بعد السباحة وبعد سنين اكتشف ذلك وعلق قائلا: «اشطرهم أشطنهم».
الميدان.. يا حميدان
وتحدث عن اكبر احياء الكويت، وهو ساحة تقام فيها الاحتفالات والعرضات وسباق الخيل، واذا اختلفنا قلنا «هذا الميدان يا حميدان»، حي الميدان يقع بين براحة المجيبل، ومبارك، وفيه مستشفى الميدان، فريج مشهور بلعبة الصفروك، والدقة التي لا يلعبها الا اولاد الشرق، ولعبة امكاسر الجوز، كنا نكسرها بعد الاتفاق بالرهان، ولعبة المعجالة الخشنة المشهورة عند الشرقاوية الخشنين لم يسلم لاعبوها من الاصابة بالفلعات، الدوامة والبلبول والجبس، والى الآن تجدهم في الشرق يلعبون التيل، والهول والحرامية والجنجفة من ألعابنا.
وقال: العاب البحر لأهل الشرق وفريج الميدان، صنعنا التناك (السفينة الصغيرة) من الصفيح، والسعدوه لصيد الاسماك من صنعنا، و«العدالة» كنا نتباهى في صناعتها وهي سفينة صغيرة بأشرعتها دخلنا فيها البحر مع هبوب الرياح، فريج الميدان هم الحداقة بالسعدوه والطاسة والخيط والكمبار، ولعبتنا الرجولية «الحق وطبع» ورمي قطعة من بقايا غوري مكسور نغطس لها، والكاف السور البحري كنا نتعداه ونخرج من النقع (جمع نقعة) من فتحتها المسماة «فاتك».
واذكر: حفرة الميدان الكبيرة والصغيرة، وحفرة الروضان، والمياه التي كانت تتجمع فيها من الامطار، حفر حفرت بأيدي كرماء الشرق للاستفادة منها.
واضاف: حي الشرق غني بالنقع التي كانت تحمي السفن وتخدم اصحابها بلا مقابل، وحتى الصيانة على حساب صاحبها وبانيها، منها نقعة الشيوخ، وابن خميس، والشملان، والنصف، والغانم، ونقعة هلال والمناعي وابن غيث، والنقيب، ومعرني، والروضان والعسعوسي وقديما في الحي الشرقي قرب قصر السيف إلى نهاية الفريج اتذكر حوالي 35 ديوانية، وفي الشرق قصر دسمان الذي اسسه الشيخ جابر المبارك الصباح عام 1904، وفي الشرق ايضاً «رأس عجوزة»، واحياؤها كثيرة في هذه المنطقة التي تقع شرق الديرة (العاصمة) منها: المطبة ــ الميدان ــ عايش ــ العبكل ـ الشملان ــ الرومي ــ ملا حسين ــ البلوش ــ سكة العودة ــ العوضي ــ بورسلي ــ المناي ــ البحارنة وقميضة.. وغيرها الخ
المحامون
وذكر أبو وليد مهنته التي كانت تسمى «وكيل» (أي محام) قال كان معي في المهنة: المرحوم عبدالوهاب المفلح، والمرحوم سيد هاشم الرفاعي، والمرحوم صالح السميط والمرحوم صالح التوحيد، والمرحوم يوسف اليماني وخليفة مبارك حي برزق.
قال: عملت بالمحاماة بعد اغلاق جريدة «الشعب» الاسبوعية السياسية التي صدرت في 5 ديسمبر 1957 واغلقت (عطلت) في 2 فبراير 1959 ولأسباب سياسية.
وأول كاريكاتير كان في جريدة «الشعب برسم» حاكم وبهجت واحمد النفيسي، وأول قضية كانت جريمة قتل المتهم فيها 3 من الكويتيين نجحت في براءة المتهم، وعند وضع القوانين للمحاماة سجلت في أول جدول لها في الكويت كنا 12 محاميا منهم: سليمان خالد المطوع، ومحمد مساعد الصالح، وخليفة الفرج، ويوسف اليماني، وأحمد قربان، ومن ثم تمدد جدول القوانين لدخول الآخرين، والآن يوجد عندنا اكثر من الف محام في جدول المحاماة، عدا العاملين في الموسسات والشركات والدوائر الحكومية.
الصحف العربية
قال المحامي والصحافي: كنا على صلة بالصحف العربية وغيرها كانت النخبة المثقفة من الأولين، تحلم باصدار صحف كويتية، وفي مطلع القرن العشرين كان هذا الحلم يكبر حتى نشروا كتابا لهم في الصحف العربية الصادرة في العراق ومصر والشام حتى وصلت مواضيع الاولين من الكويتيين إلى اندونيسيا، وهذا هاشم الرفاعي أسس جريدة «صدى الدستور» في البصرة عام 1934، كما ساهم جاسم حمد الصقر بتأسيس دار نشر وطباعة اصدرت جريدة «الناس» في 1947.
وقال التيلجي: تحقق حلم الكويتيين باصدار مجلة شهرية «الكويت» في 1928 للشيخ عبدالعزيز الرشيد، وبعد ان توقفت قام باصدارها مرة اخرى في عام 1931 بمشاركة السائح العراقي «يونس بحري»، وتغير اسم المجلة إلى «الكويت والعراقي» وكان مكان صدورها اندونيسيا استمرت حتى عام 1937.
ثم جريدة «التوحيد» في عام 1933 اصدرها ايضاً الشيخ عبدالعزيز الرشيد، وجريدة «الحق» ايضاً اشترك فيها مع السائح العراقي يونس بحري، ومجلة «الطالب» اصدرتها مجموعة من اساتذة المباركية في 1946، ومجلة «البعثة» صدرت عن بيت الكويت في مصر، وكاظمة مجلة شهرية للاستاذ عبدالحميد الصانع في عام 1948، و«البعث» اصدرت في 1950 لأحمد العدواني، وحمد الرجيب، ومجلة «الفكاهة» صاحبها عبدالله الحاتم، ومجلة «الفكاهة» صاحبها عبدالله الحاتم، و«الرائد» مجلة شهرية صدرت عن نادي المعلمين في 1952، ومجلة «الإيمان» و«الارشاد» و«الكويت اليوم» الجريدة الرسمية في 1954 و«الفجر» لنادي الخريجين و«الاتحاد» عام 1955 و«أخبار الاسبوع» اصدرها داود مساعد الصالح 1955.
«الشعب» قبل 50 سنة
تحدث أبو وليد عن صحيفته «الشعب» التي صدر منها العدد الأول في الكويت في 13 جمادى الأولى 1377هـ 5 ديسمبر 1957، وعددها الاخير 1 ـــ 2 ـــ 1959، و«الشعب» اول جريدة ادخلت الكاريكاتير في الصحافة الكويتية، واول جريدة ابتكرت هذه الشخصيات «ولد عريب وطبل أفندي»، وفي عددها الاول أجريت لقاء مع الرئيس جمال عبدالناصر،«الشعب» قادت معركة لتحرير المرأة، وعدد صفحاتها وصل الى 48 صفحة، وكان سكرتير التحرير يعقوب الرشيد وذكر بعض الصحف الكويتية القديمة منها: المجتمع، الرابطة، العربي، حماة الوطن، الهدف، الجماهير، البشير، الرسالة، الرأي العام.
وقال: انا اول كويتي احترف الصحافة في عام 1956 حيث تفرغت لصحف شركة نفط الكويت وهي: الكويت الاسبوعية، ورسالة النفط الشهرية، و«بولتن اليومية» باللغة الانكليزية.
الثقافة الكويتية
تذكر ابو وليد بعض الاعمال الثقافية التي تحققت، وكانت حافزا ودليلا على تفتح تلك العقلية، قال: في 1913 افتتحت الجمعية الخيرية، وتعد مكتبتها من افضل المكتبات في العالم العربي بوصفها المكتبة الاولى في الكويت، والمكتبة الاهلية التي افتتحت في 1922، كان بيت علي العامر المقر الاول لها، وأول امين لها كان عبدالله العمران النجدي، ومكتبة ابن رويح 1923 مقرها في السوق الداخلي، ومكتبة ابن درع اسسها عبدالمحسن حمد الدرع، ساهمت في نشر الثقافة والمعرفة في مجتمع الكويت، ومكتبة اسسها محمد البراك في عام 1938، واخرى لحمود المقهوي، وعبدالله الحاتم افتتح مكتبة الطلبة، ومكتبة الخليج صاحبها عبدالله زكريا الانصاري، ومحمد بن سيار تجول بالكتب بائعا ثم افتتح مكتبة له في سوق واجف، واحمد سيد عايد الموسوي افتتح المكتبة الاسلامية في الشارع الجديد (عبدالله السالم). الثقافة العلمية تقبلها المجتمع الكويتي، قام بإنشاء النادي الادبي 1924، والديوانية الثقافية والرابطة الادبية 1958.
وذكر كان هناك مطبعة قديمة منذ عام 1928، ومطبعة المباركية التي كانت تسمى مطبعة السيد عمر عاصم التي طبعت فيها امساكية شهر رمضان للعام 1939 ومطبعة المعارف في سنة 1947، التي اشتراها احمد هاشم الغربللي سنة 1948 بخمسة عشر الف روبية، ومطبعة الكويت لحمود المقهوي ودخيل الجسار وخالد محمد جعفر ومحمد ملا حسين.
فيوليت ديكسون في الكويت (1896 ـــ 1991)
كتب فرحان عبدالله أحمد الفرحان :
• فيوليت وزوجها وولداها سعود وزهرة بالزي العربي امام الخيمة
محطات في حياة هذه السيدة التي عاشت بين ظهراني الكويت حيث لا كهرباء ولا ماء ولا مواصلات ولا حياة سعيدة.
ولدت عام 1896 وتوفيت عام 1991، وعاشت في الكويت 61 عاما من عمرها الذي بلغ 94 عاما. عندما اصدرت كتابها، وهو مذكراتها في الكويت على مدى اربعين سنة، أى منذ وطئت قدماها الكويت إلى ان توقفت عن الكتابة وذلك عندما وصلت إلى سن متقدمة وأصبحت في حاجة إلى الراحة والسكينة.
هذه هي فيوليت بنيلوب لوكس لكرافت زوجة ممثل بريطانيا في الكويت السيد هارولد ديكسون في أوائل القرن العشرين، هذه السيدة دخلت التاريخ من ابواب الكويت المشرعة الواسعة وكان يطلق عليها ام اسعود، حيث سمت ولدها توجو اسعود والذي أصبح بعدها ضابطا في الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، كما سمت ابنتها زهرة وظلت زهرة تحمل هذا الاسم في حياتها.
هذه مقدمة لحياة سيدة انكليزية عاشت في الكويت في اول القرن العشرين.
بنات الانكليز
لا يختلف اثنان على ان هناك كثيرات من بنات الانكليز في القرون الثلاثة السابقة قد «جاسو» «اي لفو» بتشديد الفاء، العالم العربي وكانت لهم بطولات.
في أوائل القرن الثامن عشر كانت شهية الدول الغربية متجهة الى اكتشاف العالم كله وبالاخص العالم العربي الاسلامي والاستيلاء عليه، لهذا كانت القوة البحرية التي اخذت تتطور في تقدم صناعتها ساعدت هذه الدول على الوصول الى هذا العالم. وكان ان تصدت في بريطانيا مجموعة من الشخصيات الذين خدموا هذه الامبراطورية ووصلوا الى هذه البلاد قبل قوات بلادهم مستكشفين مستخبرين ومسجلين ومتعرفين على كل صغيرة وكبيرة في هذه البلاد، كنت قد كتبت في بحث سابق عن اسماء بعض الشخصيات الرجالية الذين خدموا الامبراطورية البريطانية في تلك الفترة، وكلهم مغامرون ومستشرقون وباحثون، لكن كانت هناك مجموعة من السيدات يجب ان يتوقف الانسان عندهما للدراسة، من امثال هؤلاء:
1 ـــ الليدي هسترستانهوب (1776 ـــ 1839) التي جابت كثيرا من البلاد وآخر المطاف في لبنان.
2 ـــ جروثروديل (1868 ـــ 1926) المرأة التي لعبت دورا بارزا في العراق وتوجهت الى حائل قبل نهاية حياتها.
3 ـــ السيدة (دغبي) المرأة التي طافت كل انحاء سوريا وتزوجت من احد زعماء قبيلة الاسبعة.
4 ـــ الليدي آن بلنت (1878) المرأة التي عبرت نهر الفرات وعاشت بين قبائله أعواما واعواما.
5 ـــ فيوليت ديكسون (1896 ـــ 1991) هؤلاء السيدات، وبعضهن آنسات، لم يكن بينهن ناشطات سياسيات و لا سيدات صالونات بل فاعلات وعاملات في السياسة، كل واحدة من هؤلاء وغيرهن كان يرسم لها دورها لتؤديه لخدمة هذه الامبراطورية حين تحين ساعة الصفر.
تصور في منتصف القرن الثامن عشر يتوجه هذا النفر من النساء الى العالم العربي، وتركب المرأة الجمال وتسكن بين سكانه سواء البدو او الحضر وتجتاز الطرق غير المأهولة وتسجل وتحلل لكي يأتي من بعدها من يكمل الطريق، هكذا كان، فقد احتلت فرنسا وبريطانيا بلاد الشام ليس على العمى وبدون معرفة سابقة، لكن هؤلاء وامثالهن مهدن له الطريق للوصول الى اهدافهم المنشودة في هذه البلاد. خلف زوجها
من بين هؤلاء السيدة فيوليت ديكسون هذه السيدة وقفت خلف زوجها ممثل بريطانيا في الكويت هارولد ديكسون، وتصدت لمسؤوليات كثيرة، لننتفع به في تاريخ الكويت، تركت كتابها «اربعون عاما في الكويت» وهو مذكراتها، الذي القت فيه الضوء على الحياة الاجتماعية في الكويت وصحرائها، ثم اصدرت كتابا آخر عن النباتات والورود في الكويت التي توشك ان تنقرض، وقد اخذت نماذج من هذه النباتات والورود وارسلتها الى متحف «بيولي» في لندن، متحف النباتات في العالم، كما ان ابنتها زهرة قد اخرجت كتابا هو «الكويت كانت منزلي»، وقبلها السيد ديكسون اخرج كتابين قيمين الاول «الكويت وجاراتها» والثاني «عرب الصحراء».
هذه الاسرة كانت خلال اقامتها في الكويت تركت بصمات لا تنسى.
كان في الكويت اكثر من خمسة وعشرين ممثلا لبريطانيا في الكويت،لكن الوحيد الذي ترك بصمات لا تمحى هو ديكسون وغيره مر مرور الكرام.
وهنا لا ننسى ان هناك سيدات وصلن قبل السيدة فيوليت ديكسون الى الكويت منهن السيدة الياتور كالفرليالتي كانت في الكويت سنة 1912وافتتحت المستشفى الاميركي ومنهن قدمن من الولايات المتحدة الاميركية من الارسالية، وكانت السيدة كالفرلي قد سجلت مذكراتها في كتاب قام المرحوم عبدالله خالد الحاتم بترجمته.
هذه السيدة ديكسون، التي ولدت عام 1896 في جوتباي بكنلولن مشاير، وفي سنة 1919 عملت في بنك شركة كوكس وسيليا، وتعرف عليها السيد ديكسون هناك، ويشاء الحظ ان يتزوجها في الهند، ومن هناك ينتقل الى البحرين ثم الى العراق، البصرة والعمارة ثم الى مدينة الكوت، ومن هناك يتم اللقاء مع قادة الحكم في المنطقة السير برس كوكس فيلبي جيرترود بيل ورابعهم هارولد ديكسون، هؤلاء الذين كتب لهم التاريخ ان يحكموا المنطقة ردحا من الزمن، هؤلاء الاربعة كانت وتساعدهم مجموعة من الموظفين يعملون ليلا نهارا لتطويع العراق، وكان قد انفصل عنهم في حينها كلوب باشا او ابو حنيك الذي كانت له الكلمة الاولى في الاردن.
البداية في الكويت
وهنا يسرني ان انقل ما ورد في مذكراتها في الصفحات 121 – 122 – 123، وهي بداية حياتها في الكويت، هذا هو الاهم، حيث استطاعت ان تتلاءم مع واقع الحال، تقول في كتابها الذي اشرف عليه السيد سيف الشملان التالي:
في اليوم الثاني والعشرين من شهر مايو 1929 وصلنا إلى الكويت بعد رحلة شديدة الحرارة، ورست السفينة على بعد ميلين عن الشاطئ، وخرج المفوض السياسي الليفتنانت كولونيل جي. سي. مور ـ الذي كان هارولد سيحل محله ــ بزورق المعتمدية للقائنا.
وعندما اقتربنا من المرفأ الصغير أمام المعتمدية انتقلنا إلى جلبوت صغير، ولان المد كان مرتفعا فقد حملنا ملاحو الزورق الواحد تلو الآخر في محفة خاصة وخاضوا بنا في الماء والوحل ووضعونا على الشاطئ الرملي الجاف، وفي هذا الوقت بدأت أشعر بالمرض والاعياء، وحالما اصبحت في داخل المنزل استلقيت على الفراش في غرفة شديدة الحرارة وبعد مدة من الوقت امكن العثور على صبي ليجذب حبل البنكة ــ وهي مروحة تشبه الستار تتدلى من السقف ــ وشعرت بالتحسن، وفي الهوآء الطلق قمنا بجولة حول المنزل لتفقده فوجدناه في حالة ترميم مروعة، فكانت بداية غير سعيدة لحياتنا الجديدة (1).
كان الليفتنات كولونيل مور وزوجته قد خططا للرحيل إلى اوروبا بسيارتهما في الساعة الرابعة والنصف من الصباح التالي، وقد سلما المعتمدية إلى هارولد حال وصولنا، وفي ذلك المساء كان الجو يسوده التوتر اثناء العشاء، واقترح الكولونيل مور ان نجلس، هارولد وأنا على المقعدين الكبيرين عند طرفي المائدة، بينما يجلس هو وزوجته على المقعدين الصغيرين على جانبي المائدة، ولكننا صممنا على ان يجلسا في مكانهما المعتاد، شكرا شكرا قال الكولونيل مور إن هذا يعني الكثير بالنسبة لنا. لقد كان الكولونيل مور من أتباع المدرسة القديمة وعلمنا فيما بعد انه كان دائما يرتدي سترة العشاء في كل مساء حتى عندما يتناول العشاء مع زوجته وحدهما.
وضع فراشنا على السطح المنبسط خارج غرفة الطعام، اما آل مور فقد ناما على قمة السطح، وقد ودعناهما قبل ان ننام ولم نرهما عندما رحلا في الصباح. وكان آخر كلمات الكولونيل مور لنا في المساء السابق هي: حسن انني سعيد جدا لانني لن اقضي شتاء آخر في هذا المنزل، وقد اقر الكولونيل مور بأن المنزل لم يرمم منذ سنين عديدة، حيث انه قد وضع خطة قبل عدة سنوات لبناء معتمدية جديدة أقرب إلى البحر عبر الطريق، وقد قدم خريطتها إلى الحكومة في الهند ولكنها اهملت وضاعت في غياهب النسيان.
لقد كانت ملاحظات الكولونيل مور عن المنزل في الكويت غير مشجعة، وقد أظهر أول تفتيش شامل قمنا به لمبنى المعتمدية بأكمله ان المبنى معرض بشكل بارز لخطر الانهيار.
إطلالة على المرفأ
وكان هذا المبنى يتكون من طابقين تظلله على طول السطح الأعلى شرفة عريضة تطل على المرفأ. لقد كان مبنيا على الطراز العربي التقليدي ويشبه في بنائه معظم منازل الكويت، فالجدار من طوب اللبن المجفف في الشمس، مطلي بطبقة من الجبس الأبيض، وكان المطر الغزير متسربا من الجبس ويصل إلى الطين فيحلله، لذلك كانت هذه البيوت تحتاج إلى ترميم فوري بعد كل فصل شتاء.
كان الطابق الارضي يضم مكاتب المعتمدية منها مكتب بريد ومطبخ، اما غرفة النوم فكانت في الطابق العلوي، وكان هناك سرداب طويل بارد مظلم يمر من خلال الطابق الاسفل، ويمتد من البوابة الرئيسية الى الباحة الداخلية للمنزل، وكانت جدران المنزل تتخللها الرطوبة، وكانت المشكلة ان المنزل يقع على سطح منحدر، وكانت مياه المطر المتجمعة من ثلاثة منازل تقع على التل خلف منزلنا تتدفق عبر دهليز منزلنا الى البحر.
كانت غرفة ضيوف المعتمدية تقع في الطابق العلوي في جناح منفصل يبعد ياردات قليلة عن المنزل الرئيسي، وكان هناك جسر خشبي صغير يصل بين المنزل وشرفة الغرفة الاضافية، ولكن عندما وصلنا كانت هذه الشرفة مكومة على الارض مما يجعل الدخول مستحيلا.
وقد عثرنا على بناء فارسي حاذق هو الاسطى احمد، الذي جاء لانقاذنا وقد استعمل البناء الصخور المرجانية البحرية، وهي الحجارة الوحيدة المتوفرة في الكويت، في تقوية اساس المنزل وبناء اربع دعائم في مقدمة المنزل، وعلى الرغم من حاجة المنزل الى العناية الشديدة كل عام تقريبا، فاننا جعلنا منه منزلا مريحا، وهو الآن منزلي منذ اربعين عاما، باستثناء السنة الاخيرة لهارولد كمعتمد سياسي حيث انتقلنا الى معتمدية جديدة.
من الرواد
اخيرا، هذه قصة سيدة تعتبر من الرواد الاوائل وذلك بوصولها الى منطقتنا في اوائل القرن العشرين، حيث، كما قلت، لا كهرباء ولا ماء، وحر وبرد وشوارع غير معبدة والاتصالات مع بريطانيا والعالم عبر السفن التي تصل كل اسبوعين، مرة من الهند وممثلها من بريطانيا، كان السفر بالطائرة لا يتم الا للشؤون الحربية وابناء الاسرة المالكة في بريطانيا او حاكم الهند ومن في مستواه، كانت فيوليت ديكسون تأقلمت مع واقعها في الكويت وتكيفت حتى سجلت هذه المذكرات.
قابلت فيوليت ديكسون في سنة 1961، عندما اقام لها ابو زياد، (طارق رجب) صاحب المدرسة الانكليزية الحديثة اليوم وكان وقتها مديرا لادارة المتاحف، وليمة عشاء بمناسبة رجوعها من رحلتها الى سويسرا بعد فصل الصيف، وذلك في متحف الكويت المبنى الاول الملاصق لقصر دسمان، وهذا الديوان كان للسيد خزعل وقد اشتراه الشيخ عبدالله الجابر واجره الى وزارة المعارف (التربية) فيما بعد حيث عمل بداية في متحف الكويت، كانت نشطة عمرها لا يتجاوز الخامسة والستين، وتحدثت معها وهي تتكلم اللغة العربية الفصحة بلكنة انكليزية وتقول: انني احب ان اقضي بقية حياتي في هذه البلاد التي عشت فيها ثلاثة ارباع عمري.
اقول اخيرا انها سيدة من الرواد الاوائل الذين شاركوا في البناء والدفاع عن الامبراطورية البريطانية وكل يؤدي دوره، البعض في الظل ويأخذ دور الكمبارس والبعض يظهر على المسرح كبطل، السيدة ديكسون هي من هذا وذاك.
• فيوليت ديسكون محاطة بابنتها زهرة (الى اليمين) وحفيدتها بني (الى اليسار) عام 1987
الأميركان في الكويت منذ 1868 كتب فرحان عبدالله أحمد الفرحان :
إعداد: فرحان عبدالله الفرحان
وصلت الولايات المتحدة الاميركية الى الخليج العربي والكويت في وقت متأخر وذلك في آخر منتصف القرن العشرين، واصبحت لها الكلمة الطولى، وهذه هي سنة الحياة، كانت الكلمة في اول منتصف القرن العشرين للانكليز، لكن تواروا الى الوراء، واخذ دورهم هؤلاء (الاميركان) الذين جاءوا من اقصى الدنيا والذين اصبحوا يشكلون القوة العظمى بعد ان خرج الاتحاد السوفيتي من المنافسة الى حد ما من الساحة، واصبحت الولايات المتحدة، بفضل أساطيلها وقوتها الجبارة البحرية والجوية والصواريخ بالاضافة الى الغنى الذي تتمتع به، قوة جبارة حيث استطاعت ان تضع الامم المتحدة «تحت ابطها»، اقصد هيئة الامم المتحدة الموجودة في نيويورك. المال يصنع كل شيء، الحرية، الديموقراطية، صناعة تحريك الآلة وهو النفط حيث الولايات المتحدة هي الرائدة فيه في العالم.
نحن هنا في الكويت كانت لنا مع هذه الدولة الكبيرة (الولايات المتحدة) مجموعة تواريخ ومحطات نبرزها في هذا البحث:
1- في سنة 1868 وصل الى الكويت المستشرق الرحالة الاميركي أ. لوشر وذلك في عهد امير الكويت عبدالله بن جابر عبدالله الثاني.
ــ الولايات المتحدة ليست السباقة في الاستشراق بل سبقها الانكليز والفرنسيون والالمان وكثير من ابناء بلاد اوروبا، ونظرا لحداثة الولايات المتحدة وتقدمها في مجالات الحياة المختلفة اخذت تلحق بهذه الدول في هذا المجال، واخذ وضعها الاقتصادي في التقدم، ويكفيك انها هي اول من صنع السيارات والطائرات وحاملات الطائرات، لهذا كان من الواجب ان تستكشف العالم الآخر.
لهذا تحرك أ.لوشر العالم الباحث المبعوث من حكومته الى اوروبا بالباخرة ثم الى الهند، ومن هناك توجه الى الخليج بالباخرة «بينانك»، وقد نزل في ارض الكويت وذلك في عام 1868، حيث حل ضيفا ليوم واحد على امير البلاد الشيخ عبدالله الصباح.
وكان منذ مغادرته الولايات المتحدة حتى وصل الى الكويت وهو يسجل ملاحظاته اولا بأول، ومن ثم قدمها تقارير لمسؤوليه، و بعد مدة من الزمن خرج كتاب من شركة «اتينا للطباعة في فيلادلفيا 1890»، وقد سجل بالاضافة الى ذلك مجموعة من الرسوم التي رسمها بنفسه وانطباعاته عن هذه المنطقة سواء الكويت او بقية الخليج.
هذه اول مرة تتفتح عيون الولايات المتحدة على الخليج، نظرا لأن وضع الولايات المتحدة المالي آخذ في التقدم، وهناك كثير من دور العبادة المسيحية قد رصدت لها اموالا، وكانت تستخدمها في الغالب في الارساليات الطبية حيث ترافقها البعثة الدينية لعل وعسى، وابتدأ الاطباء المتبرعون المستعدون للمغامرة التوجه الى الخليج، وذلك في سنة 1909، كان هناك لقاء بين الشيخ مبارك الصباح امير الكويت وارثوركي بينيت الطبيب الذي افتتح مستشفى في البحرين والمحمرة فدعاه الشيخ مبارك لمتابعة الاوضاع الصحية في الكويت. وفي سنة 1910 ــ 1911، بدأت الارسالية الاميركية القادمة من البحرين وكان الدكتور ارثوركي بينيت وزميله الدكتور فان اس موجدان وكان اول عمل لهما في ديوان آل بودي، واعطيا انطباعا طيبا لدى المواطنين وذلك في السنتين الاولى والثانية، مما شجع على اخذ الارض المعروفة في منطقة الوطية غرب المدينة وانشاء مستشفى رسمي وسكن للاطباء ومساعديهم.
وصلت باخرة اميركية في هذه الفترة محملة بالخيام والاسرة والادوات الطبية والاقمشة والفرش وكذلك الاسمنت، ونصبت الخيمة الكبيرة لتكون مستشفى ولاستقبال المرضى، كما نصبت خيمتان للطبيبن وابتدآ العمل في هذا المستشفى، واتذكر كما تروي لنا القصة، ان الاميركان كانوا يعرفون مادة الاسمنت التي لا نعرفها نحن، وعند الانتهاء من بناء المستشفى كان الاتجاه ان يوضع المساح فوق السطح الاسمنت وكذلك في الارضية، وذلك باشراف الاطباء، وعندما جيء بالاسمنت والرمل طلب الاطباء ماء عذبا، وكانت الحمير تنقله بالقرب، فقال بعض الذين شاركوا في البناء انظر الى هؤلاء (الفساقة) يحطون ماء عذبا على التراب، وكان الدكتور يصر على استعمال الماء العذب، لأنه لو وضع ماء البحر القريب من المبنى لتفتت الاسمنت واصبح غير صالح.
الناس في تلك الفترة لا يعرفون ان الماء المالح لا يصلح للاسمنت، ولما تقدمت الكويت اصبح هذا امرا حقيقيا وقالوا « الاميركان والله عندهم علم ومعرفة احسن منا».
كان هذا المستشفى يعالج الناس علاجا خارجيا وليس فيه مبيت في تلك الحقبة إلا للحالات الصعبة جدا وكان كثير من الكويتيين ينقلون مرضاهم على الحمير من بيوتهم الى المستشفى لانها الوسيلة الوحيدة للنقل في تلك الحقبة.
اما ابناء البادية فيأتون بجمالهم وبيوت الشعر الخيم وينصبونها قرب المستشفى ويقضون حاجاتهم في الشراء من الكويت، ويبيعون انتاجهم مما جلبوه من الصحراء، وبالاضافة الى ذلك يكون مريضهم يتردد على المستشفى يوميا للعلاج، وقد التقطت صور لبعض هؤلاء المخيمين على مقربة من المستشفى للعلاج في تلك الحقبة. وهنا اضع امام القارئ الكريم نموذجا من التقارير التي كتبوها في تلك الحقبة عن هذا المستشفى يقول حول بنائه التالي:
ان المبنى قد تم بناؤه في عام 1913 وتم تشغيله بحلول عام 1914 وكان يعرف باسم مستشفى الرجال، يمكن وصفه كأحسن ما يمكن على انه «الاول». وقد كان اول المباني التي بنيت على الموقع في الكويت من قبل الارسالية التبشيرية العربية التابعة للكنيسة البروتستانتينية الاميركية. لقد كان اول وآخر مبنى للارسالية يتم تخطيطه من قبل المعماريين المحترفين وذلك حتى بناء مستشفى ميليريا التذكاري عام 1955. وقد كان اكثر المباني طموحا من نواح عدة، كما كان اول مبنى من الفولاذ والخرسانة في الخليج. وقد كان مزيج المواد المستوردة من اوروبا واميركا مع ظروف البناء المحلية صعبا للغاية، لكن بمزجه مع التقنيات الحديثة من قبل البنائين التقليديين، فقد كان الوضع مثيرا للتحدي لدرجة حثت الموقر كالفيرلي ان يعلن فورا في رسالة الى شامبر لين بقوله «لا ينصح ببدء مبنى آخر بمثل هذا الانشاء»؟. اما المهندسون المعماريون انفسهم وهم السادة وهاينز من «مخطط ميشيغان» في البصرة، فيبدو انهم تخلوا عن المشروع حالما تم انشاء الاطار الفولاذي، تاركين مهمة الاتمام للدكتور ميليريا والموقر كالفيرلي.
ويقول في تقرير آخر حول بناء سكن الاطباء التالي:
بني هذا المنزل في عام 1914 وتم الانتهاء من بنائه بعد وقت قصير من استكمال بناء مستشفى الرجال ولم يتم العثور على اسماء المعماريين الذين بنوه سواء في المراسلات او في اي مكان آخر من الارشيف. الا ان هناك ذكرا لملاحظات المهندسين أنفسهم الذين بنوا مستشفى الرجال. كما توجد اشارة الى مخططات المساقط الافقية في المراسلات المرافقة لكتاب يتعلق بالمنزل (6). ومع ان الرسالة موجودة في الملف الا ان مجموعة المخططات المرافقة لها غير موجودة وكان اول من عاش في هذا المنزل هو الدكتور ميليريا وزوجته، وقد تم انشاؤه من مواد البناء المحلية بطرق تقليدية باستثناء الدعامات الفولاذية التي تم استخدامها لدعم الشرفات. اما الارضيات فهي من الاسمنت.
في هذه المحطة الثانية من تواجد اميركا في الكويت اقول انهم سدوا ثغرة كنا بحاجة اليها وهي انشاء المستشفى في اوئل القرن العشرين الذي خدم الكثير من الكويتيين في تلك الفترة الحالكة.
المحطة الثالثة: في سنة (1960ــ1961) افتتحت الولايات المتحدة قنصلية لها في الكويت واتخذت من المبنى القريب من فندق هيلتون سابقا مقرا، وكان هذا المبنى عبارة عن ارض قدمت هدية من امير الكويت الى شيخ البحرين، وقد استأجرت القنصلية هذا المبنى لفترة طويلة من الزمن، واخذت القنصلية تكبر لتصبح سفارة كبيرة، وفي هذا المبنى كانت توجد محطة لتقطير الماء المسحوب من باطن الارض ليصبح عذبا وقت الحاجة، وكذلك محطة كهرباء خصوصا وقت الضرورة، بالاضافة الى الاتصال بالعالم، والولايات المتحدة كان فيها تلفزيون مختص بها قبل ان يدخل التلفزيون الى الكويت.
وبعد ان تحررت الكويت من حروب صدام، قامت الولايات المتحدة بالحصول على ارض من الكويت في منطقة بيان واقامت سفارة مع محلقاتها، ولقد مر على هذه السفارة مجموعة من السفراء اخرهم السيدة السفيرة الجديدة التي حلت محل السفير الذي نقل الى بريطانيا.
المحطة الرابعة للولايات المتحدة مع الكويت
عندما وقف ذلك الشجاع جورج بوش الاب رئيس الولايات المتحدة وكانت تقف الى جانبه وتساعده رئيسة وزراء بريطانيا المرأة الحديدية تاتشر، هذه السيدة زارت الكويت في الثلث الاخير من القرن العشرين وكانت وقتها وزيرة، كما زارت الكويت بعد تحريرها من صدام وكان ان احتفل بها الشعب الكويتي قبل الحكام، كما كان يرافقها ابنها ومحبوبها الاول والاخير، واتذكر انه أُقيمت حفلة لها ودعيت اليها وألقيت كلمة امامها وقلت لها «انت سيدة السيدات وانت ابرز الشخصيات ستكونين في التاريخ».
هذه السيدة اصيبت بالزهايمر الذي لا يرحم، وهذه سنة الله بعد ان حكمت او ترأست بريطانيا قرابة احدى عشرة سنة لثلاث دورات وهذا لم يحدث في تاريخ بريطانيا قبلها اطلاقا.
هذه السيدة التي سيذكرها التاريخ ونحن الكويتيين بالخير لانها عملت الذي لا يعمل طارت الى اميركا وقابلت جورج بوش الاوب واخذت تحمسه وثبت فيه روح الحمية والبطولات حتى تحرك هذا القمقم من مكانه، وابتدأت ماكينة الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم سياسيا وعسكريا واقتصاديا حتى تحررت الكويت، وكذلك يجب الا ننسى موقف الدول العربية الصديقة ويقال «الصديق وقت الضيق».
اخيراً هذه لمحات عن المحطات التي كانت بين الكويت الصغيرة والدولة العظمى اليوم الولايات المتحدة الاميركية، علاقات كانت منذ قرن ونصف القرن تقريبا وتزداد متانة وقوة. هذه قصة العلاقة التي اجملتها في هذه السطور.
صحافة الكويت بين الأمس واليوم .. «كاظمة» و«الفكاهة» نموذجان
كتب فرحان عبدالله أحمد الفرحان :
• العدد الثاني من «الفكاهة»
إعداد: فرحان عبدالله الفرحان
المجلتان الكويتيتان اللتان صدرتا، هما: الأولى «كاظمة» قبل ستين سنة و«الفكاهة» التي صدرت قبل ثمان وخمسين سنة، كانت كاظمة اسبق من الفكاهة بسنتين، كان يسبق هاتين الصحيفتين مجلة «الكويت» التي صدرت سنة الف وتسعمائة وثمانية وعشرين، واصبح عمرها اليوم ثمانين سنة. قام مركز البحوث والدراسات الكويتية بجمع أعداد مجلة «كاظمة» وطباعتها في مجلد واحد وهي عبارة عن تسعة أعداد، وكانت دار قرطاس قد جمعت اعداد وطباعة مجلة «الكويت» للشيخ عبدالعزيز الرشيد في مجلد واحد وهي عبارة عن عشرين عدداً، وقد احسنت دار قرطاس في ذلك.
لكن اليوم أمامنا سفر مهم هو مجلة الفكاهة التي صدر منها مائة عدد تقريبا، وكان بودنا ممن يتصدى لهذه المجلة العتيدة ان يتولى نشرها للاستفادة منها لما تحويه من معلومات قيمة، والملاحظ على كلتا المجلتين ان:
1ــ كان صاحب امتياز «كاظمة» المرحوم عبدالحميد الصانع، يعاونه عبدالصمد التركي وأحمد السقاف وتضم ثماني واربعين صفحة، تجد عنوانها على الصفحة الأولى أو الغلاف يقول انها تبحث في العلوم والفنون واجتماعيات وقصص وشعر وكتب وهذا الغلاف عبارة عن كاريكاتير، في الأعلى ثلاثة جمال يقودها شخص قادم من البادية، وفي وسط الغلاف ثلاث صور لسيدات وتجد كلمة كاظمة في اسفل الصفحة.
من ابرز كتَّاب هذه المجلة عبدالله العلي الصانيع وعبداللطيف النصف وعقاب الخطيب وعبدالمحسن الزبن وعبدالله زكريا الانصاري وفاضل خلف.
وهنا يسرني ان أنقل ما اوردته هذه المجلة عن الغوص في العدد الثاني، السنة الأولى صفحة 19، حيث يقول التالي بقلم الدكتور محمد يحيى الهاشمي نقلا عن البيروني، ونظراً لاهميته ننقله حرفيا:
الغوص على اللؤلؤ في القديم
لقد دون القدماء لنا اخبارا عديدة في اللؤلؤ وخصوصا المستخرج من الخليج العربي ونخص بالذكر منهم محمد بن احمد البيروني ومؤلف كتاب (الجماهر في معرفة الجواهر) المطبوع في دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن عام 1355 هـ. وقد استقى هذا البحاثة تأليفه من شتى الكتب والاخبار القيمة بعد نقدها وتمحيصها تمحيصا علميا، واهم مصدر اعتمد عليه هو كتاب الجواهر ليعقوب بن اسحق الكندي الذي سبق لي ونوهت بفضله وذلك بمجلة الادب والفن «الكندي البحاثة الطبيعي الكبير) عام 3 عدد 3.
ينوه البيروني في كتابه المشار اليه سابقا عن المغاصات، ويقصد بها المواضع التي ينجح فيها غوص الغواص بالحصول على صدف ذي لؤلؤ وهي مشهورة في العهد القديم اي في القرن الرابع الهجري وما قبله واليها تجهز السفن بالازودة للامناء، على ان تلك المغاصات كما يذكر البيروني لا تنفرد بالاصداف وانما يجدون في خلال المسافة بينها وبين الساحل محارات يتفق فيها الحب النادر، ويعتقد هذا المؤلف ان البحر الاخضر مخصوص بذلك (ويقصد به بحر الاطلس) وفي اغبابه وخلجانه مغاصات معروفة كالذي في غب سرنديب، ثم الذي في الخليج العربي والبحرين، ثم الذي في دهلك والقلزم، وهو ينقل عن تاريخ الغوص ويعطينا دليلا الى ان الشاعر المسيب الذي اورده بالتالي:
ولا نريد ان نتطرق الى كيفية الغوص واشكاله فهو في القديم كما يرويه لنا امين الريحاني في كتابه الشهير ملوك العرب لا يختلف عن الوقت الحاضر كثيرا. بيد اننا نود ان نورد شعرين الاول للمسيب خال الاعشى والثاني للقطامي اللذين استشهد بهما البيروني ذاته:
قال المسيب:
كجمانة البحري جاء بها
غواصها من لجة البحر
اشغى يمج الزيت ملتمس
ظمآن ملتهف من الفقر
قتلت أباه فقال اتبعه
او استفيد رغيبة الدهر
نصف النهار الماء غامره
ورفيقه بالغيب لا يدري
فأصاب منيته وجاء بها
صدفية كمضيئة الجمر
يعطى بها ثمنا فيمنعها
ويقول صاحبه الا تشري
ويفسر الاصمعي الاشغى، الافوه الذي انتشرت اسنانه.
اما القطامي فيقول:
أودرة من هجان الدر ادركها
مضفر من رجال الهند قد سهما
او في على ظهر مسحاج يقد به
غوارب الماء قد الفينه قدما
جوفاء مطلية قارا اذا جمحت
بها غواربه قحمنها قحما
حتى اذا السفن كانت فوق معتلج
القى المعاوز عنه ثمت انكتما
في ذي جلول يقضى الموت صاحبه
اذا الصراري من اهواله ارتسما
غواص ماء يمج الزيت منغمسا
اذا الغمورة كانت فوقه قيما
حتى تناولها والموت كاربه
في جوف ساج سوادي اذا قحما
في العدد الرابع من هذه المجلة (كاظمة)، أمامنا مقال للمرحوم حمد الشيخ يوسف بن عيسى حول سيارات الأجرة، مقال قبل ستين سنة، لكن كله معلومات قيمة ويحتاج إلى وقفة. يقول ما ملخصه: إن عدد سكان الكويت لم يتجاوز خمسين ألفاً وانه داخل المدينة لا يحتاجون إلى تنفس، لكن سكان الكويت في فترة كتابة المقال مائة ألف وان عدد السيارات في الكويت خمسة آلاف سيارة، والناس يشتكون من غلاء الأجرة للتنقل، علماً بأن البنزين رخيص، وكان يقول إن سيارات الأجرة كلها تجتمع في مكان واحد في ساحة الصفاة، وأنت تضطر إلى أن تمشي مسافات طويلة حتى تصل إلى هذه الساحة لكي تستقل التاكسي. الحقيقة انها ملاحظات ومقال قيمن. والآن، أريد أن أنتقل إلى مجلة الفكاهة التي أصدرها صاحب الامتياز عبدالله خالد الحاتم، ووضع على صدر الصفحة الثانية صورة رأس حمار وبيده قلم وأمامه دفتر (كراس للكتابة) ويقول في مقدمة هذه الصفحة الغلاف: «الفكاهة» ترحب بما يقدم لها من اقتراحات وكتابات وقصص ونوادر وقصائد، وما إليه. فهي أداة لإظهار مواهبهم وما تجول به خواطرهم، كأنها مستعدة لنشر جميع الإعلانات التجارية والفنية وغيرها، وبما أن هذه المجلة طابعها الفكاهة، فأنقل ما ورد في صفحة 4 من العدد الثاني التالي، حيث نماذج من هذه النكت التي تطلقها هذه المجلة الهزلية:
أخبار سياسية
• جاءنا من مراسلنا في مسارح القتال وملاهيها يقول انه في أتم راحة وطمأنينة بين أزيز الكمان ودوي النغمات وهو يقضي معظم لياليه مع الغادة الهيفاء «كوريا» العزيزة.
• وردتنا برقية مستعجلة من مراسلنا في حولي يقول فيها إن الجو السياسي قد تعكر بصورة تلفت الظهر وقد سارعنا بإرسال خمسة مندوبين قديرين وطلبنا منهم أن ينبثوا في كل مكان لإضحاك الناس وحل هذه الأزمة ثم إعادة الجو إلى حالته الطبيعية جبراً.
• تلقت الدوائر المسؤولة وكفى.
• علمنا من مصادر وثيقة والعلم عند الله.
• في الجلسة المنعقدة ليلة البارحة جرى ما جرى والدمع همال.
• دار اليوم أو أمس أو قبل شهر ما أدري حديث خطير جداً بين سعادة حامد الورد وبين مستر كوس أوف بارح وقد تذاكرا طويلاً في الشؤون التتنية والشربتية فقررا وضع مشروع للسنوات الخمس القادمة لتأمين الحالة.
• هاجمت صبيحة هذا اليوم قوة من النساء مخازن الأقمشة في سوق البنات وقد ألقين كميات من «الأنواط» فحدث من جراء ذلك خسائر فادحة في جيوب الرجال.
• انتقل إلى رحمة الله مساء أمس في «الشداخة» أحد عظماء الفيران في دار الفكاهة.
• رزق مندوب الفكاهة «بزونه» جميلة في أحد أبياب البلدية في شارع معروف فنرجو أن تكون فألاً حسناً.
• اقتحمت مجلة الفكاهة الدوائر والبيوت وتغلغلت في الصميم ولاقت استقبالا وترحيباً عظيمين وكثر عدد المشتركين بصورة ملحوظة.
• أبلغتنا جاسوستنا ان عدد الذين أضحكتهم الفكاهة بلغ ثلاثين ألفاً يعني ان كل نسخة أضحكت ثلاثين شخصاً وسيرتفع عدد الضاحكين، أما النسخ فعلمها عند الله.
• ستشتري دار الفكاهة طائرة ضخمة لتوزيع الفكاهة من الجو على أصحابها وكل من يرغب في قراءتها.
في العدد العاشر من هذه المجلة أنقل حرفياً كيف توقفت هذه المجلة ثم استأنفت مرة ثانية خارج الكويت حتى بلغت أعدادها المائة تقريباً بقول التالي:
كيف توقفت مجلة «الفكاهة»؟
في 15 أغسطس من عام 1950 وافق مجلس المعارف على منحنا اجازة إصدار مجلة اجتماعية انتقادية هزلية باسم «الفكاهة» وفي يوم اثني عشر أكتوبر من السنة نفسها ظهر العدد الأول ولم تكن يومئذ من الصحف إلا مجلة «الكويت» ومجلة «البعثة» اللتان تصدران وتطبعان في القاهرة تحت إشراف بيت الكويت.
قدمنا نسخة من العدد الأول إلى مجلس المعارف وكتاباً نطلب فيه العون والمساعدة لنتمكن من مواصلة إصدارها وإظهارها بالمظهر اللائق لها بين الصحف فقرر المجلس بأن أشترك لإدارة المعارف بستين عدداً أسوة بما اعتمده المجلس بالنسبة للمجلات الأخرى. فاعتبرنا هذا الاشتراك خير حافز لنا على المضي بها وان كانت هذه المساعدة ضئيلة. فمضت المجلة معتمدة على نفسها في طريق كله زلق وأوحال من دون حتى عكاز تعتمد عليه ويقيها خطر التردي والسقوط. فلاقت المجلة رواجاً طيباً وقبولاً حسناً غير منتظر في الكويت وخارج الكويت، واستطاعت ان تنتزع الضحكات المحبوسة في الصدور وأن تخفف الآلام وتبدد الأحزان فلقي فيها العامل خير تسلية من عناء الأعمال، والطالب أحسن وسيلة لملء أوقات فراغه، والتاجر أطيب أداة لتبديد أفكاره المتراكمة وهمومه المتلاحقة مثلاً «اشترينا أو بعنا البضاعة الفلانية. والبضاعة الفلانية في الطريق وهكذا». وزاد عدد المشتركين الأمر الذي لم تصادفه مجلة كويتية قبلها ولا بعدها ولكن مع الأسف الشديد ان هذا النجاح جاء متأخراً، جاء بعد خراب البصرة، جاء والمجلة قد ابتلعتها الأوحال ولم يبق منها سوى أذنيها. وسواد عينيها يتحركان يمنة ويسرة يتطلعان عليها يجدان منقذا يتقدم إليها لا ليأخذ بيدها بل ليجرها من أذنها إلى الأرض اليابسة. كان أيها القراء الأعزاء دخل المجلة أقل من تكاليفها لأن العدد الواحد يتكلف علينا مطبوعاً بخمس أنات ويباع في المكاتب بثماني أنات فلصاحب المكتبة انة عن كل «عدد» وجميع ما يطبع منها ألف نسخة كل عدد. معدل ما يتلف علينا من كل عدد سبعين نسخة. أخيراً هذا نموذج لمجلتين كانتا تصدران في أواخر النصف الأول من القرن العشرين وأوائل النصف الثاني من القرن نفسه كانتا هما الوسيلة الوحيدة للإعلام أو الإطلالة أو الثقافة ولا شيء غيرهما. كانت هاتان المجلتان عندما تصدر كل منهما يتخاطفهما الناس، وكانت القراءة بهما بالدور ويمكن أن تمر كل مجلة على أكثر من بيت وتقرأ من أولها إلى آخرها من الألف إلى الياء. اليوم بعد ان فاضت المطابع بهذه الصحف التي تطل علينا كل صباح تتعدى أكثر من خمس عشرة صحيفة بين تلك كانت مجلتان تطلان في الشهر مرة واحدة هكذا إذاً كانت المقارنة والمفارقة بين هذه وتلك بين اليوم والأمس.. وهذا للتاريخ.
القبس رصدت تاريخه القديم.. وجالت في ذاكرة الرعيل الأول مستودع ذكريات الزمن الجميل شارع فهد السالم
شارع فهد السالم قديماً.. وتطوراته حديثاً
كتب علاء علي:
تاريخ الوطن ثروة تستلزم الحفاظ عليها.. وذكريات الزمن الجميل تحتاج إلى النبش في ذاكرة من عاش أحداثها وشهد وقائعها.. لإحياء الحقب القديمة الزاخرة بكفاح الأجداد وخطواتهم على طريق بناء الكويت.
وشوارع البلاد ليست مجرد طرق نسير عليها بأقدامنا ومركباتنا، وليست مجرد مناطق تضم مباني ومحال تجارية ومقار لأنشطة حياتية ومصالح حكومية.. بل هي شاهدة على سيرة حياة حافلة بكفاح وتواريخ ووقع خطوات من أجل صنع مكان للكويتيين تحت شمس الحياة.
ومن الشوارع التي تعتبر بحق مستودعاً لتاريخ الكويت القديم.. وتحفل بذكريات من الزمن القديم شارع فهد السالم.. الذي كان لابد من جولة في ذاكرته للتقليب فيها والعودة إلى الماضي بملامحه البكر ووقائعه ذات العبق الذي نحتاج جميعاً الى العودة اليه.
شارع فهد السالم قديماً
جولة «القبس» في ذاكرة الشارع, وفي ذاكرة الرعيل الأول كشفت عن قصص وحكايات رواها مواطنون ومقيمون، عاشوا في الشارع منذ الزمن القديم، وعاصروا حقبة ذهبية من تاريخ الوطن الذي طمست ملامحه المدنية بكتلها الاسمنتية، وابراجها التي سايرت التقدم لكنها مع الاسف الشديد اكلت ملامح الكويت القديمة.
في الشارع كانت سيرة حياة غير.. حيث كان فهد السالم منطلق الحركة التجارية ومنه بزغت شمس النهضة التجارية بدءا من تجارة القاري مرورا بتجارة الساعات القديمة والراديوهات التي كانت الترفيه الوحيد للأهالي. الآن الزمن تغير.. والاوضاع انقلبت وطوت المدنية عبق التاريخ.. لكن الاجيال بحاجة الى معرفة الجذور الأولى وملامح الارض التي بدأ الاجداد كفاحهم عليها لبناء الكويت، وكان لا بد من الغوص في ذاكرة شارع عريق.. هو فهد السالم وفيما يلي التفاصيل:
قال محمد عزالدين، وهو صاحب محل لبيع الملابس في شارع فهد السالم، انني اعمل في هذا الشارع منذ عام 1961، وافتتحت بقالة الى ان افتتحت محلي هذا عام 1970 حتى اليوم.
ورجع عزالدين بذاكرته الى الوراء ليتذكر ما كان من وقائع واحداث قبل ان يكمل قائلا «الحياة كلها تغيرت في شارع فهد السالم، فقد كان في الماضي عامرا بالحركة التجارية البسيطة التي تتمثل في تجارة المواد الغذائية ومواد البناء حسب الطريقة القديمة، اضافة الى محلات بيع الساعات والدراجات التي كانت تعتبر وسيلة الانتقال الشائعة من مكان الى مكان آخر قبل ان تزدحم البلاد بالسيارات.
زمن غير..!
واضاف: الزمن الماضي كان مختلفا تماما في كل شيء، فما زلت اذكر المساحات الفضاء الشاسعة في شارع فهد السالم ومرور الكثير من اصحاب المحلات والشركات القديمة بالدراجات (القاري) التي كانت تستخدم في نقل البضائع أيضا.
هل كانت هناك فنادق في الستينات وهي الفترة التي بدأت العمل فيها في شارع فهد السالم؟ سألنا عزالدين فقال «كان هناك فندق يسمى برج راكان، وآخر اسمه كارلتون.. وهذا الاخير كان موقعه مقابل حديقة البلدية، والغريب في الأمر ان بعض الكويتيين كانوا من نزلاء هذين الفندقين حيث كانوا يتسوقون، اما المسلخ فكان موقعه امام الكنيسة الارثوذكسية وقريبا منه كانت تقع وزارة المالية القديمة، اما مخفر الصالحية فكان مبناه يقع في مجمع الصالحية الموجود حالياً.
مستودع ذكريات
لكن الغوص في ذاكرة ابو صالح الشمري قادنا الى معلومات تحتاج الاجيال الجديدة الى التعرف عليها حيث قال: «شارع فهد السالم يستحق ان يطلق عليه مستودع لتاريخ الكويت القديم»، فهذه المنطقة على وجه التحديد شهدت لقاءات الطلبة في احدى الساحات بالقرب من شارع السور، وكانوا يدرسون في المساء على ضوء اللمبات القديمة وأحيانا كانوا يشعلون الاخشاب في ليالي الشتاء، كما ان الشارع كان ملتقى للخليجيين الذين كان معظمهم لا تحلو له زيارة الكويت الا برؤية شارع فهد السالم، انه حقاً قلب الكويت النابض بالحركة والتجارة وبذور النهضة الاقتصادية الاولى.
وزاد القول «لقد انطلق معظم التجار الكبار ورجال الاعمال من هذا الشارع فتاجروا في كل شيء، واصحاب الوكالات التجارية بدأوا في فتح مقار لانشطتهم في هذا الشارع، كما قامت تجارة في الاسهم والعقارات بجانب مخفر الصالحية ومبنى وزارة المالية القديم.
واشار الى ان بنكين كانا يمارسان نشاطهما وهما البنك البريطاني، وبنك الشرق الاوسط، اما برج حمود الذي يقع في منتصف الشارع تقريباً فكانت تحتل مكانه سابقاً بنايات مقسمة الى غرف صغيرة للوافدين العاملين في المحلات التجارية وغيرها وكان في أسفله محل للجزارة.
زحف الزمن
اما عم محمد الذي بدا كأنه فوجئ بسؤالنا له عن تاريخ شارع فهد السالم فقال «لا تذكروني بالماضي.. فهو اجمل الف مرة من الزمن الحالي، ولكن لا مفر من الرضوخ لزحف الزمن وتغييراته، فهذه هي سنة الحياة».
وارتشف رشفتين من كوب الشاي الذي كان ممسكا به في يده قبل ان يتحدث قائلا: «لقد كانت وزارة الدفاع في آخر شارع فهد السالم بجوار البنك الاهلي حاليا»، لافتاً الى ان الكثير من المواطنين كانوا يقطنون هذا الشارع الذي اصبح الآن طاردا لهم، بعد ان تحول الى مجرد كتل اسمنتية، ومحلات تجارية باهظة الثمن.
تاجر أقمشة
ثم التقينا ابا محمد، وهو سوري الجنسية، ويدير محل اقمشة منذ عام 1963 في هذا الشارع، وقد سرد ذكرياته قائلا: لقد كانت هناك في السابق حركة تجارية نشطة لان الشارع كان يضم مساكن العرب والوافدين، كما كانت تقصده جموع المواطنين من الفحيحيل والاحمدي، وكان هناك سوق الكويت الوحيد وهو سوق المباركية الذي كان يمتد حتى دوار الشيراتون. تذكر ابو نواف ايام زمان في شارع فهد السالم قائلا «كنا نصلي العيد في مسجد بجوار «سوق التجار»، وقد حل مكانه السوق الكبير حاليا، وبعد الصلاة حضر المرحوم سمو الشيخ عبدالله السالم واعطى لكل فرد، سواء كويتي او وافد، مظروفا بداخله مبلغ مالي عيدية من الامير للناس».
واضاف ان منطقة القبلة كانت فيما مضى سكنا للكويتيين، وكانت البيوت تُبنى من الطين، وكان التاجر الكويتي طيبا في البيع والشراء ومتسامحا ولا يعد النقود احيانا. واضاف ما زلت اتذكر وافدين من اليمن اسمهم المهرة وكان عددهم كبيرا، وللحق كان الكويتيون يعتمدون عليهم لانهم صادقون في معاملاتهم تماما.
شارع فهد السالم قديماً.. وتطوراته حديثاً
جابر الخير يوزع النقود
الحاج يعقوب (باكستاني الجنسية) يعمل ويسكن في شارع فهد السالم منذ عشرات السنين، قال «مازالت اتذكر مرور سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد علينا في شهر رمضان، وكان يوزع النقود على الفقراء والمحتاجين والمتواجدين في الشارع، وكان يتحدث مع اصحاب المحلات التجارية بحميمية». الكنيسة الكاثوليكية.. تاريخ من التعايش
كان لا بد ان نرصد حركة الناس في المنطقة المجاورة للكنيسة الكاثوليكة التي تزيد الزحام في شارع فهد السالم، لاسيما يوم الاحد.. وما ان دخلنا الى مكان العيادة حتى لاحظنا الهدوء غيم على المكان، والروحانية، وبدأ القداس في السادسة مساء وانتهى بأدعية وترنيمات رددها الجميع.
قال جرجس عبدالنور «انا اتردد على الكنيسة منذ سنوات طويلة، فأنا مقيم في شارع فهد السالم منذ 50 عاما تقريبا.. لكن اللافت ان الشارع تحول الى مجرد ابراج تفقد اي ملامح مميزة للشارع، وكان الاجدر الحفاظ على ملامح الكويت القديمة في هذا الشارع.
العم حسن تاجر أقمشة منذ 45 عاماً
«الطفرة العمرانية والمدنية اخذتا الناس من وسطنا» هكذا تحدث العم حسن عثمان صاحب معرض لبيع الاقمشة.. قائلاً «انا في شارع فهد السالم منذ 45 عاماً.. وبالنظر الىالنسبة والتناسب في المكسب والخسارة اجد انني كنت في الزمن الماضي اكسب اكثر من الآن وذلك لسبب بسيط جداً» ان الحركة والزحام ينقطعان في الشارع بعد العصر تقريباً.
سوق البلوكات
تحدث العم علي التركي عن سوق كان يسمى «سوق البلوكات في نهاية شارع فهد السالم وكان يضم دكاكين صغيرة للحوم والفواكه والخضرورات والاقمشة والذهب والغلال ايضاً».
الأسواق الشعبيةكانت غير..!
الحاج حسن الجاسم لديه نشاط تجاري في شارع فهد السالم منذ 30 عاماً وقبلها عمل لـ10 سنوات بالتجارة في المباركية.. وتذكر الزمن الماضي بحسرة، قائلاً «لقد كانت الحياة جميلة وذات طعم مميز.. فأكثر شيء كان يميز التجار في منطقة العاصمة كان التنافس.. لكن تجار شارع فهد السالم كانوا يتشاركون في كل اعمالهم، مشيرا الى ان الاسواق الشعبية في الشارع كانت مميزة جداً.
ساعات وراديوهات زمان
«كنت ابيع ساعات داماس في شارع فهد السالم، وكنت استوردها من طهران».. هكذا قال العم احمد العبدالرحمن.. لافتا الى ان الناس قديماً كانوا يعتبرون الساعة شيئاً عجيباً وغريباً عليهم.. كما ان بجانبي كان هناك محل لبيع الراديوهات القديمة التي كان يركبها احد التجار على اسطح البيوت القديمة.
30 سنة عمل و24 سنة غياب عن البلاد د. أناما: لم يبقَ من المستشفى الأمريكاني إلا أنا وأختي
الدكتورة أنا ما أبراهام .. أحب الكويت وأعشقها
حاورها جاسم عباس
في سلسلة حلقات «من قديم الكويت» نقلب صفحات الذكريات عن الرعيل الأول من رجالات الكويت الذين تخضرموا في مرحلتي ما قبل النفط وما بعده، وطالما أن الحنين للأيام الخوالي، الى الكويت القديمة، كويت الخير والبركة والحياة الاجتماعية المتآلفة، هو القاسم المشترك الذي يجمعهم فمن الانصاف ان يشمل معهم عدداً من الوافدين من مختلف الجنسيات التي قدمت الى الكويت قبل 40 أو 50 سنة، فجاهدوا وعملوا كل في مجاله وما زالوا مساهمين في ورشة البناء والتنمية، وما كان لهذا العطاء ان يستمر لولا محبتهم لهذا البلد الخير ومحبة الكويت وأهلها لهم
في مستهل لقائنا مع الدكتورة أناما ابراهام قالت: لم يبق من الأطباء أو الطبيبات الذين عملوا في مستشفى الارسالية الاميركية (الامريكاني) إلا أنا ودكتور آخر يقولون انه على قيد الحياة ولا أعرفه. عملت في المستشفى عام 1954 وكان عمري 26 عاما بعد يوم واحد من وصولي الكويت وذلك في عيادة أمراض النساء، وعملت ايضا مع الدكتور اسكدر لعلاج الرجال واجراء العمليات والفحوصات.
اضافت: قبل ان ارسل للعمل في الكويت قرأت وسمعت ان هذه الأرض الطيبة لها اهمية استراتيجية منذ القدم، فقد كانت محطة الانظار وعاش اهلها في البحر والصحراء ولعبوا دور الانتقال من داخل الكويت وخارجها، نقلوا الأمراض والأوبئة من شرق آسيا وغربها، وكذلك الوافد الذي كان يدخل البلاد، فكثير من هذه الأمراض عصفت بأهاليها ولكنهم قاوموها بالاعشاب والعلاجات التقليدية، غاب المفهوم الطبي العلمي وشاع الطب الشعبي الى ان تم افتتاح الحجر الصحي ومن ثم مستوصف دار الاعتماد البريطاني حتى بداية العمل الطبي الارسالي الأميركي (المستشفى الأمريكاني).
وقالت: كما قرأت وعرفت أن العمل بدأ في «الأمريكاني» في عام 1914، وأنا الآن عمري 82 عاما من مواليد 11 نوفمبر 1928، ادخلنا وقبلنا ادخلوا مفاهيم الطب الحديث في منطقة الخليج العربي وفي المجتمع الكويتي خاصة، زرنا المرضى في بيوتهم وانتقلنا الى القرى خارج السور، والارسالي الأمريكاني عالج حتى جرحى حروب الكويت، وأبرزنا النظافة والتوعية من الأمراض المُعدية. وبعد غيابي سنوات طويلة عن الكويت جئت لأزور أهلي واخواني، خاصة عائلة المتروك الكرام الذين ما زالوا على اتصال معي، وشاركونا العزاء بوفاة زوجي المشهور في الكويت - رحمه الله - Dr. V.C، الذي توفي قبل سنة واحدة، كان من الأطباء العاملين في المستشفى الأمريكاني، كان - رحمه الله - من محبي أرض الكويت وعشاقها، ومن المدافعين عنها في كل المجالات.
وأضافت: قامت الارسالية بافتتاح القسم النسائي عام 1939 بأجنحته وأسرته وغرف العلاج تحت أيدي نساء عاملات ومتخصصات في امراض الولادة، واستمر العمل الطبي النسائي حتى عام 1967 عندما تسلمت وزارة الصحة الكويتية المبنى.
وأضافت: كان راتبي 800 روبية، وانتقلت الى مستشفى الأميري عام 1957 براتب 2500 روبية، وعملت في مستوصف جزيرة فيلكا مع زوجي أبرهام كنا ننتقل بالسفن الشراعية من الفرضة الى الجزيرة، وعملت بعد ذلك في مستوصفات «حولي» و«النقرة» و«الرميثية»، وفي عام 1987، أي منذ 24 سنة، غادرت الكويت الى الهند (مدينة كارلا)، بعد أكثر من ثلاثين سنة من العمل.
وأثناء المغادرة، تذكرت أول يوم دخلت فيه الكويت بطلب من د. اسكدر عن طريق أختي ماربام، التي كانت تعمل معه، وتلك الأيام مرت بسرعة، وها أنا أغادر وكنت أسمع أن هدف المستشفى للتبشير وهذا كلام غير صحيح، وكل ما أعرفه أنهم خدموا الكويت خدمات صحية وتربوية، حتى لو كانت هناك كلمات تلقى وتقال على بعض المرضى قبل أن يأتيهم الدكتور المعالج كانت حول النظافة وغسل الفواكه والخضروات والالتزام بالمواعيد، ومن بركة الكويت لي أولاد أحدهم دكتور في الولايات المتحدة الأميركية، وآخر دكتور في ابوظبي وابنتي دكتورة في الكويت، ورابعهم توفي عام 1981 ودفن في أرض الكويت الطيبة.
التعامل مع المرضى
وتحدثت الدكتورة إبراهام عن المرضى فقالت: المرضى متعاونون ملتزمون بالنظام، يسمعون كلام الأطباء، وبالرغم من قلة الماء والوعي النظافي فانهم كانوا يقولون مشكلتنا وأكثر أمراضنا سببها ماء الشرب خصوصا من القرب والتنكات.
أضافت: انا شاهدت بنفسي تفريغ الماء في البرك وفي البرم عن طريق الحمارة والكنادرة وأصحاب العربات، هذه الطرق كانت نهايتها في الكويت، وبعضهم كانوا يقولون ايضا أن الأوساخ على أجسامنا لأننا قدمنا من مسافات طويلة، وبعضهم كانوا سماكة (من بائعي السمك)، وأحدهم قال لي: أنا أفتح بطن السمكة وأنظفه لما أذهب الى البيت، إذ لابد من هذه الروائح، ورغم هذا كله فان المريض الكويتي كان يعرف مكان ألمه من خلال خبرته مع الأطباء الشعبيين، وأكثرهم من الروائح الصادرة عنهم لأنهم أصحاب مهن وحرف يأتون للعلاج من الذهاب الى بيوتهم، وم.ن المرضى مَن حالاتهم تؤنس وطيبة جدا وأصحاب الملابس النظيفة استعدادا للفحوصات، وحالة بعضهم من البحر وسوء التغذية، وانتشار الحشرات، وأما الأطفال فكانوا يصابون بالحصبة، والسعال الديكي وجدري الماء، والدود وأمراض العيون، والأمراض المعوية.
زمالة الاوائل
وتذكرت الدكتورة زملاءها الاطباء ومن عمل معهم في الطبي الارسالي الاميركي في الكويت، والذين نجحوا في ادخال مبادئ الطب كما ذكره تاريخ الطب في الكويت بداية من الدكتور زويمر، والدكتور مورديك، وآرثر، وهاريسون، وكالفرلي (حليمة خاتون) المشهورة عند الكويتيين، والدكتورة مالبيري، والممرضة الهندية لا اذكر اسمها، وماري الاميركية، ووسمية، والدكتور كروف، والدكتورة آليسون Allison، انهوا عقدها بعد ان اخطأت في علاج الولادة غادرت الى البحرين، والدكتور لويس سكدر، وزوجي الدكتور Dr.vc، وحيدر الخليفة من الكويتيين، وعباس علي، ويعقوب الشماس، وسليمان، وكان في المستشفى شخص لا اذكر اسمه كان نجاراً في الارسال الطبي مقيما دائما لتصليح الابواب والاسرة والخزانات.
اما الادوية فكانت متوافرة، وقبل النفاد كنا نتصل في لندن يحضرون الادوية بالطائرة والطلبات مستمرة ومجانا للمرضى، واما الدخول على الطبيب فكان رسمه 10 روبيات علاجا ودواء، واذا كان وضع المريض المادي صعبا، تكون منامته مجاناً.
حداقة في فيلكا
وتذكرت قضاء وقت فراغها في جزيرة فيلكا، قالت: كنت اجلس على الساحل مع زوجي، وارمي خيط الصيد، وعرفت ان هذا الصيد يسمى حداك «حداق»، وعرفت موسم كل سمك خاصة في فصلي الربيع والصيف، وموسم الخريف افضل الاوقات تستخدم في الحداق الصنارة، ولا انسى النقرور، والشعري، والنويبي اسماء عرفتها لكثرة صيدها.
وقالت الدكتورة: فيلكا كانت مشهورة بزراعتها، وفيها الجزر اللون الوردي الجذاب، ويمتاز بحلاوة طعمه، والخيار الفيلكاوي الطويل لا اعرف ماذا يطلقون عليه، واثناء حديثها قلت لها «طروح»، والبلح الحلو، ولا يخلو بيت في الجزيرة من سدرة بدون نواة ثمرها، وخبز سميك محشو بالسكر والهيل، ولا اعرف اسمه، ايضا انا ذكرتها بالكليجة. خلال هذه السنوات الطويلة تعرفت على كثير من العوائل الكويتية، ولكن زوجي الدكتور كان اكثر علاقة وتواصلا معهم.
باقية في ذاكرتي
وصورت بعض الذكريات، التي ما زالت في قلبها ودمها وروحها، فقالت: الإخلاص والعمل المستمر كانا في ضمير كل دكتور وممرض وعامل في المستشفى الامريكاني، كانوا يريدون الرضا من الله عز وجل، ويؤمنون بان اخلاصهم يجدونه امامهم من البارئ عز وجل، وانا كم كنت أتمنى ان استمر في علاج المرض، ولكن العمر بلغ 83 عاما، فلا استطيع انا او غيري من الاطباء، والمفروض بعد السبعين سنة ان يتوقف الطبيب أولا عن الجراحة، ولكن هناك من يعمل عندنا في الهند وعمره 84 سنة وله عيادة خاصة وما زالت مزدحمة بالمرضى والمراجعين، وفي ذاكرتي الكويت القديمة الجميلة الهادئة، والآن تغيرت %100، أنا لا اعرف شوارعها ولا مناطقها، بعد غيابي جئتها، حتى الناس تغيروا إلا القليل منهم، وحتى الشاليهات تطورت فأصبحت تنافس فنادق 5 نجوم.
وقالت: مما في ذاكرتي ايضا الاكلات الكويتية القديمة، التي لا ننساها، لانها مشابهة للهندية، مثل: البرياني ومرق الدال (العدس) والمجابيس، والطرشي والخضروات والخبز الرقاق والتاوة، والقيمة، ولكني معجبة بالخبز الكويتي المشهور بالتنور، واذكر في كل زاوية بيت يوجد تنور.
واضافت: انني نقلت الى الهند التمر والبرحي، والحداق، ولم أستطع نقل حظرة صيد السمك، لكني دخلتها في فيلكا بعد اذن من صاحبها، وأمنيتي ان يرضى عني رب السموات.
والكويت بيتي الثاني وأرضها ارضي الثانية، وكل ما يأتي من الله تعالى خير وبركة، وأطلب من المولى ان يحفظ الكويت، وأتمنى ان ازورها وارجع اليها وهي بخير وتقدم، ولم يبق ممن كانوا في المستشفى الا اخي، واما البقية فيرحمهم الله، او قُطعت اخبارهم عنا.
الصدق في اللسان
اثناء حديثي معها، الذي استغرق اكثر من ساعتين، وجدت فيها صدق اللسان وصفات اخلاقية رفيعة، وتذكرت حديثا شريفا «لا تنظروا الى طول ركوع الرجل وسجوده، فان ذلك شيء اعتاده، ولو تركه لاستوحش لذلك، ولكن انظروا إلى صدق حديثه واداء أمانته»، وأثناء طرح بعض الأسئلة كانت تقول: لا أذكر ولا أعرف لقد لمست الصدق في القول، وكانت الدكتورة أنا ما أبراهام حذرة من الإجابات، واذا أجابت تجد العزم في القول، وعرفت من خلال لقائي معها انها تطلب السرية أن تكون أفضل من العلانية، والعلانية صالحة، فكانت موافقة في القول والفعل. وأخيرا أشارت بيديها لا ولا، وبلسانها لا أعرف ولا أتذكر، وقالت الدكتورة في نهاية كلامها «إن العين لا تصل الى غير الألوان، والأذن لا تصل الى غير الأصوات، واليد لا تصل الى غير الأجسام، وكل ما قلته هذا ما عرفته، ولو كان الصمت لكان أفضل، لأنه ضد جميع الآفات».
فحات من الذاكرة مجالسنا للتجالس والتآنس.. ولا تجالسوا من لا تجانسوا حسن البلوشي: نحن أبناء سليمه الذي قتل أباه خطأ
• حسن البلوشي
أجرى الحوار: جاسم عباس
في سلسلة حلقات «من قديم الكويت» نقلب صفحات الذكريات مع الرعيل الأول من رجالات الكويت الذين تخضرموا في مرحلتي ما قبل النفط وما بعده، وطالما ان الحنين للأيام الخوالي، إلى الكويت القديمة، كويت الخير والبركة والحياة الاجتماعية المتألقة، هو القاسم المشترك الذي يجمعهم، فمن الانصاف أن نشمل معهم عدداً من الوافدين من مختلف الجنسيات التي قدمت إلى الكويت قبل 40 أو 50 سنة فجاهدوا وعملوا، كل في مجالهومازالوا مساهمين في ورشة البناء والتنمية، وما كان ليستمر هذا التواصل والعطاء لولا محبتهم لهذا البلد الخير ومحبة الكويت وأهلها لهم..
في مستهل لقائنا مع حسن علي عبدالله قنبر البلوشي قال ولدت في رأس الخيمة منطقة سدرو، اسمها الحقيقي «جلفار» ولكنهم لوجود خيمة على تل وحولها تشعل النار في الليل لارشاد السفن سميت رأس الخيمة والقدماء يسمونها نار على تل، كانت منطقة رملية لأهلها صولات وجولات مع الانكليز، ولكن لم يقاوموا طويلا خصوصا بعد ان قامت القوات الانكليزية بإبادتها في عام 1806، والله سبحانه من على اهلها بالاستقلال والحرية عام 1971.
حراسة النخيل
واضاف البلوشي: نحن من ابناء سليمة بن مالك بن فهم الذي قتل اباه خطأ فقال لابنه: «عّلمته الرماية كل يوم، فلمّا اشتد ساعده رماني»، خرج الى البر خوفا من اهله عبر البحر الى كرمان في بلاد فارس، وكانت معه مجموعة كبيرة من انصاره ومؤيديه، واغلبهم بعد ذلك عاشوا في البصرة وعملوا في حراسة النخيل، ولهم امتداد في الكويت قبل ثلاثمئة سنة، كانوا يتاجرون بين البصرة والديرة، وعمان، وسلموهم في الكويت حراسة الاسواق والمخازن لأنهم اقوياء الاجسام، وفيهم الامانة والاخلاص، وقوة الملاحظة والانتباه، والوثيقة العدسانية وهذا دليل على انهم كانوا في الكويت من عام 1860، وحتى قبل هذا التاريخ.
وقال: «دخلت الكويت عام 1955 كان عمري 16 سنة عملت مع الحميضي والغانم وفي دائرة الصحة، وكنت من اوائل الطباخين في مستشفى الامراض العصبية والنفسية في منطقة الصليبخات عام 1958 بعد ان كان في الحي الشرقي، وقبل ذلك كان خلف البلدية وتابعا لها، وكان المستشفى يسمى «دار المجانين» اي المصابين بالجنون ومختلي العقول».
وذكر الشيوخ الذين درسوا في مدارس الكويت من ابناء رأس الخيمة منهم: الشيخ عبدالله بن حميد القاسمي، وعبدالملك بن قابد، وذكر ايضا موقف ابناء رأس الخيمة اثناء ازمة عبدالكريم قاسم حيث حملوا السلاح ووقفوا امام قصر السيف يرددون «يا بو سالم عطنا سلاح ، وانت ارتاح، واكثرهم بلوش رأس الخيمة، وذكر موقفه اثناء الغزو الصدامي حيث قدم 3 من ابنائه وارشدهم وحثهم على الانضمام الى القوات الاماراتية المدافعة عن الكويت وادوا واجبهم وهم الآن احياء، كل هذا لرد جزء من جميل الكويت وكرم اهل الديرة.
وقال: «غادرت الكويت عام 1969، ورجعت اليها ثانية وثالثة، ولكن هذه الزيارة جئت للمشاركة في عزاء الامير الوالد رحمه الله».
أسواق الكويت
وقال: «اسواق الكويت كانت مختصة بأعمال معينة، وانتشرت داخل السور وشمالي ساحة الصفاة المقر الرئيسي للبضائع الآتية من البر وقريبة من الفرضة على البحر، ولكل سوق اسم لبضاعته المتداولة فيه او الحرف او اول من فتح محلاً او مشهور بشيء ما، اسواق الكويت كانت المركز الذي يجمع رجال الاعمال ومحلاتهم وتوزيع بضائعهم».
وأضاف البلوشي: «لقد شهدت التوسعات والاصلاحات والترميمات على مدى العصور، منها تسقفت من حرارة الشمس والامطار، منها وضعت العرشان من الجندل والبواري، ومنها العماريات والشينكو «صفائح» التي ما زالت قائمة في سوق الحريم «واجف»، فهذه الفرضة مركز رئيسي لتزويد الاسواق كلها بحاجاتها من المواد الاستهلاكية التي تصل عن طريق البحر بواسطة السفن، وهذه الصفاة للقادمين من الصحراء الشمالية او الجنوبية تجد في هذه الساحة جميع منتجات الالبان والدهن الحيواني والمواشي والصوف والجراد والفقع.. الخ».
سوق الحدادين
وتذكر سوق الحدادين الذي كان مصنعاً ينتج ما يحتاجه الكويتي وحتى السوق الخارجي، دكاكين منتشرة في هذا السوق الذي كان يسمى «سوق الحدادة» اصحاب المحلات يصنعون المسامير للسفن الشراعية وللبناء كالهيب والصخين والشبل والفأس والطبر والجدوم والمجدح والسندانة والمطرقة، والسلاسل وحتى الباورات البحرية.
وذكر ايضاً سكة الساعات فيها حوالي 10 محلات تصلح فيها ساعات الحائط التي كانت رائجة في الخمسينات وقبل هذه السنوات، وساحة الصرافين التي تكتظ بالناس لتبادل العملات، دليل على ان الساحة نشطة في فصل الربيع خاصة فتتبدل الروبية الكويتية الهندية بالريال والتومان والدينار العراقي، وايضاً الفضة والذهب، وسوق الدهن الغني بأنواع الدهون، كانت توضع بالصفائح «قوطي تنك»، او البستوك، والقرب، مصنع من مصانع الكويت القديمة سوق التناكة لصناعة الاواني المنزلية سوق يوقر العلب والمحقان وطرمبة الكيروسين والطشوت والاباريق والمرازيم، سوق لو طورناه لكانت الكويت من المصدرين للعالم، وبالقرب منه سوق الطحين الذي يباع فيه الطحين الذي كان يحتاجه كل بيت وكل دكان، وحتى الأبواب لها سوق خاص يسمى (البيبان). أبواب تصنع وتزخرف خصوصا باب بو خوخة والدرفتين ودرفة واحدة، وتصنع في السوق أعمدة الخيام والأرماح، وكل لوازم البر، وذكر البلوشي أسواقا أخرى بألم وحسرة على ضياع تلك الاسواق التي لها تاريخ عريق وتراث لا يعوّضان قال: أين سكة الصوف، وسوق الابيض، والدجاج، والفحم، وسوق النورة والبقر والحمير والخراريز، وسوق البوالطو، والمفاتيح.
أسماء لا أنساها
وتحدث البلوشي عن أسماء في مواقع عديدة من الكويت لها معان، ومازالت في ذاكرتي لا أنساها منها: الأدعمي منطقة قبالة رأس الزور، وفي المراجع تعني الكلمة أن يميل الشيء فندعمه، والدعوم الذي يميل فتدعمه ليستقيم، وحتى إذا كان في صدر الفرس بياض فهو أدعم، والكويتيون يقولون للون البني أدعم، وربما كانت محرفة من أدهم، من الدهماء وهو السواد.
وقال عن الشامية كانت قرية صغيرة، وجاءت التسمية نسبة الى الشام لأن قوافلها تتجمع فيها لترتوي من آبارها العذبة، وكلمة دروازة هندية وفارسية تعني الأبواب المفتوحة، وبعد التساؤلات عن الدروازات الكويتية عرفت أن هناك 12 دروازة في الكويت، ومن أشهر النجارين الذين صنعوا هذه البوابات منذ عام 1920 المرحوم عبدالعزيز الصقعبي ومحمد بن خميس، وعبدالله النصيب، ومنطقة الدوغة تعني الكيّ والحرق، وهي كلمة عربية والدوغة هي الآن الفروانية سميت كذلك لأن أرضها كانت تحترق ليستخرج منها الجص، وكل أرض محروقة هي «الدوغة».
وذكر الشعيبة تصغير الشعيب وهو وادٍ يمر به السيل، وتعني ايضا الشعبيات أي من دون ياء، سكنها أناس أزيلت القرية لأنها ملوثة تصغير الشعب.
البريعصي حشرة زاحفة تعرف بالبرص او الوزغ تتسلق الجدران، وأما بوابة البريعصي فجاء اسمها نسبة لأحد المزارعين، كان يملك مزرعة في هذه المنطقة، علينا أن ندرّس أولادنا هذه الأسماء والمناطق حتى لا تضيع مع الايام، أسماء يجب أن تثبّت في المناهج والتمثيليات والمسرحيات.
فرضتان
وقال البلوشي فرضة في رأس الخيمة عبارة عن ميناء، تتجمع السفن على هذه الفرضة، تنزل وتحمل المواد الاستهلاكية وغيرها، فرضة رأس الخيمة تصل إليها الأبلام على مدار السنة من البنادر الخليجية والهندية وقال: «خرجت من فرضة رأس الخيمة الى فرضة الكويت ذلك المرسى الجميل الذي كان يستقبل السفن الصغيرة والكبيرة، كلمة عربية في المعاجم، ولكن تعني الفرضة محطة للسفن في البحر، دخلت الكويت بورقة صفراء مصدقة من حاكمنا صقر بن محمد القاسمي اطال الله في عمره، وصلت فرضة الكويت في عهد المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، وكان الشيخ صباح السالم المبارك الصباح على رئاسة الشرطة العامة، وكنا في رأس الخيمة نسمية «صباح الثالث» الذي نودي به اميرا على الكويت في عام 1965».
مجلس.. ديوانية
واضاف البلوشي: «انتم في الكويت تسمون مكان التجمع «ديوانية» مكان في البيت لجلوس الرجال، وهي الذكريات والتجارة والتعمير والتثمين، ديوانيتكم لها آثار في الانتخابات وبيع وشراء ومشاريع خيرية.
وذكر البلوشي ان كلمة الديوان فارسية اسم اطلق على مكاتب بيت المال فهناك «ديوان الزمام» و«ديوان التوقيع»، و«ديوان البر» و«ديوان الخاتم» وتدل كلمة الديوان على بناء ينزل به التجار.
وقال: «نحن في رأس الخيمة نسمي الديوانية «مجلس» ايضا مكان منعزل من البيت يتخذ لجلوس الرجال، فجاءت الكلمة من جالس «تجالسوا فتآنسوا ولا تجالس من لا تجانس، وكل باق في الجلسة هو «الجلس، والجلسة البقية من العسل تبقى في الاناء، والجلسة «حسن الجلسة» كلمتان المجلس او الديوانية، الهدف منها الصدق والصراحة والحرية الكاملة، تجد فيها مستويات شتى دواوينكم منتشرة كما نحن في رأس الخيمة، تعالج شؤون الحياة، ومجلسنا فيه قاعة للطعام، احاديثنا عن الرياضة والاعلام والمال ولا نتحدث عن السياسة لانها لاهلها، اتمنى ان تنتشر في كل دول الخليج لان «المجالس مدارس»، و«اوقاتنا غالبا ما تكون بعد صلاة الفجر، ومجلس يسمى عندنا باسم «مطعم كلكوت».
أبوام كويتية
وقال البلوشي: الكويت بلد السفن نشأت صناعتها وازدهرت حتى اصبحت مشهورة في الخليج والهند وافريقيا، وبالرغم من خلوها من الاخشاب الا ان الكويتيين وفروا كل المواد المستخدمة في صناعة الابوام داخليا او استيردا من الخارج».
واضاف: السفن الشراعية اصبحت الصناعة الاولى في الكويت منها: الورجية او ما تسمى الشاشة، او البلم والشويحي، وبوم الغوص، مثل البقارة والبتيل والسنبوك والشويحي والجالبوت، والتشالة لنقل الصخر، ولكن تبقى البغلة وابوام السفار في أهمية الأبوام، والتاريخ يشهد للكويتيين بأن اكبر بوم صنع في الكويت يسمى «بوم الغانم» حمولته كما قالوا وسمعنا حوالي 500 طن، وفي بداية الخمسينات توقفت الصناعة والاستخدامات، وبيعت السفن الشراعية.
وذكر البلوشي الابوام التي بيعت إلى بحارة رأس الخيمة، منهم: ابراهيم الكيت، والتاجر عبدالله بن رابوي، وجالبوت فهد البلوشي اشتراه عبد الكريم سبالو، والبدري بوم من الحجم المتوسط حمولته 2500 منّ. من التمر، وهو بوم مشهور عندنا، وقد وصل إلى اليمن وساحل افريقيا، اشتراه ابن سفيان من تجار ونواخذة رأس الخيمة، وهناك ابوام اخرى اصبحت من نصيب ابناء رأس الخيمة، لأنهم عملوا فيها واشتروها، وهذا النوخذة المشهور علي حسين البلوشي كان يبحر الى الهند وسواحل افريقيا اشترى بوما كويتيا، وسالم عبدالله بن يعقوب نوخذة من رأس الخمية عمل في الكويت وابحر الى الهند ببوم كويتي، واخير اشتراه، واغلب السفن التي بيعت من نوع «دومي» اي بوم من دون ماكينة أي كانت شراعية.
وتذكر البلوشي بوما من هذه الابوام، حيث خرج من رأس الخيمة بواحدة ولم يتذكر اسم البوم الذي جاء به الى الكويت، وقال: «كان بوما شراعيا وبسبب الرياح القوية استغرقت المسافة مدة شهر واحد، والبوم اذا وضعت ماكينة له سمي «لنج» والشراع «دومي»، مررنا بسواحل فارس كل يوم نطبق اي ننزل في ميناء صغير من شدة الرياح.
واضاف البلوشي «كل هذه الابوام التي تم شراؤها من الكويت بيعت إلى الايرانيين اهل فارس غرب ايران، لان عمر البوم الافتراضي انتهى، وبعد فترة توقفت عندهم كل هذه الابوام».
سنان.. معلي
وتذكر البلوشي الباخرة التي ركبها أيضاً من دبي إلى البحرين والكويت بأجرة تساوي 30 روبية، كانت تحمل الركاب من عبدان إلى خر مشهر والكويت حتى جنوب الخليج العربي والهند، هذه الباخرة كانت مدينة متجولة في البحر فيها البيع والشراء بين الركاب، باخرة «دامرة» و«دواركا»، و«كردانا» إذا اتجهت نحو الهند تسمى «سنان» وإذا رجعت سميت «معلي» والسفينة الصغيرة نسميها «شاموق» إذا خرجت من رأس الخيمة سميت «مغرب»، وإذا رجعت تسمى «مشرق».
هدايا رأس الخيمة
وذكر بعض الهدايا التي تجلب من رأس الخيمة إلى البلوش وإلى أصدقائهم في الكويت عن طريق محمد سيف، وأحمد سالم الكيت، وحسن كروب، هؤلاء كنا نعتبر الواحد منهم ساعي البريد أو وسطاء، يجلبون معهم الخنفروش، وعوم (سمك المتوت يجفف ويؤكل مع التمر) ويقال في المثل: «العومة مأكولة ومذمومة».
وقال: «من هدايانا البشيت أكلة تعمل من السمن والطحين والتمر والهيل، ويسمى أيضاً «حنيني»، وسحناء يضاف إلى الرز أثناء الطبخ، ومهياوة أفضل هدية وأغلاها كنا نستلمها من أهالينا في رأس الخيمة تؤكل مع البربير والبصل والدهن العداني البلدي من أغلى الدهون، كنا نحفظه في «عكيك» جمع عكة، كنا نشتريه من سوق الدهن موقعه الحالي ساحة المباركية، وأتذكر يباع في هذا السوق دهن الشحم من كفل الخروف، ودهن حل يستخرج من جوز الهند والسمسم، ودهن صل والودج، وكلما شاهدنا شاباً غنياً معززاً ثرياً نقول له: «إيدك بالدهن. أو «الشجرة عروقها بالماء»، وإن شاء الله وقدر سوف أهديك في السفرة القادمة يا جاسم زجاجة مهياوة من صنع البيت.