اعداد: سمير عطاالله
تقع مدينة مبارك الصباح التي هي اساس الخلاف في صراع القوى بين انكلترا والمانيا فالى الشرق الاكثر دنواً على خليج الكويت الغني بالرواسب القادمة من طين شط العرب واطول امتداد في المدينة يقع على الشاطئ ويبلغ طوله كيلو مترين، اما عمق المدينة الى الداخل فيبلغ كيلو مترا واحدا، وفي وسط الواجهة البحرية يقع قصر الشيخ (يقصد قصر السيف) وهو عبارة عن مجمع ضخم بمبان غير منتظمة وبهندسات مختلفة، وينقسم القصر الى ثلاثة اقسام، مسكن الشيخ المطل على البحر وخلفه اجنحة للحرس والضيوف والخدم واخيرا السراي او مبنى الحكومة وهو على الشاطئ مباشرة.
والمبنى الذي يسكن فيه الشيخ يشبه قلعة مقامة على ساحة مربعة وليست لاسواره العالية نوافذ مطلة على الخارج، بل مجرد دوائر مفتوحة في بعض النقاط، وهنالك جسر يربط طرفي القصر وهناك شرفة خشبية الجدران.
وتغطي الارضية في القاعات بالسجاد الفارسي، وهناك كراسي وكنبات هي خليط من الطراز الاوروبي والشرقي، اما السقف فقد قسم بالاعمدة الخشبية وزين بلوحات فنية كثيرة.
في الصباح، بعد ان يتناول الشيخ مبارك طعام الفطور، يتجه من المسكن الى السراي ويتبعه خمسون حارسا مسلحاً، ويتخذ الشيخ مقعدا له تحت القنطرة على الجهة المواجهة للبحر، وهناك لساعة او اكثر ينصرف الى مراسلاته ويصغي الى احد مساعديه يقرأ له ما ورد اليه من الردود.
يستطرد الكاتب الانكليزي الذي زار الكويت قبل مائة عام: حين يفرغ الشيخ من ذلك يغادر السراي يحيط به الحراس ويتجه الى عربته السوداء اللماعة يجرها اثنان من الجياد المطهمة بغطاء من الحرير، تنقله الى أحد مباني السوق. هنا يستقبل الزوار ويقرر في شؤون التجارة ويحكم في الخلافات القانونية.
الموكب والحرس
يسير الحراس أمام العربة، وخلفها زنجي عملاق على حصان أبيض يرتدي بزة زرقاء ويحمل رشاشاً من طراز «موزر» جاهزا للاطلاق. يتجه الموكب عبر الشارع الأطول في المدينة «سوق الداخلي» المسقوف بجريد النخل التي تتسرب منها أشعة الشمس، ويتوقف العمل في السوق لبرهة من أجل إلقاء السلام على الشيخ.
في أبعد زاوية في قلب السوق يقوم مبنيان (كشكان) ما زال احدهما موجودا كل منهما من طابقين. وفي الطابق الثاني من كليهما نوافذ عريضة الزجاج، يستطيع المرء من خلالها ان يرى المنظر كاملاً.. في كلا المبنيين يعقد الشيخ مجلسه، وما ان يترجل من العربة ويدخل الى المبنى حتى تُشدد الحراسة وينتشر الحرس في ساحة ووسط السوق المليء بالمساومة والمقايضة والصراخ وأصوات الجمال والماعز والأطفال، وتستطيع ان ترى خمسة الى عشرة مسلحين يجلسون علىشكل نصف دائري على الأرض، وجماعات أخرى من المسلحين تتمركز في الزوايا القريبة من السوق.
وحين يكون الشيخ في السوق، ينصرف بقية الحرس في القصر الى التدرب على الرماية. وعندما يعود الشيخ الى القصر يأخذ هؤلاء الحراس مواقعهم فيه.
وعندما يحين موعد الغداء، يهرع الخدم في القاعات وعلى رؤوسهم أطباق نحاسبة وفي أيديهم قطع من القماش المطرز التي توضع عليها الصحون. ويوضع في الوسط الأرز المطبوخ بالسمن، وتوضع حوله أكوام من الخبز المستدير وصحون أصغر حجماً بها لحم الضاني والسمك. يتبع ذلك فترة من الهدوء تستمر من منتصف النهار حتى الساعة الثالثة عصرا، وتنعم المدينة كلها بهدوء عجيب. الشيخ ينام والقصر ينام والجزء الأكبر من المدينة ينام.
يوم الشيخ
وأخيرا تنتهي القيلولة ببعض دقات متقطعة يتبعها غناء زنجي بصوت أجش عال. انه صوت رجل افريقي يدق القهوة وهو يردد لحنا حمله معه من بلده الأصلي. وعلى هذا الصوت يستيقظ القصر. فتسمع وقع الأقدام على السطوح وتلمع البنادق عند الأبواب. وفجأة يبدو مهيأ لعبور الشيخ من مسكنه الى السراي. هنا يتخذ الشيخ مكانا له على كنبة في نهاية احدى غرف الاستقبال فيما يجلس الضيوف ووجهاء المدينة على الجانبين. يدخل هنا رجل أسمر البشرة ومعه فناجين لا آذان لها بيد وباليد الأخرى ابريق نحاسي من صنع الاحساء، ويقدم القهوة للضيوف، ثم يعرض الشيخ سيجارة لمن يريد ان يكرمه بصورة خاصة. ويتبادل الحديث مع الجميع. وبعد ساعة يتجه الشيخ الى السوق ولا يعود الا قرب المغيب.
حين يهبط الظلام ويبدأ البرد، يوقد الحراس بعض المواقد وعلى اضواء النيران يظل البدو يرددون بعض الالحان حتى ساعة متأخرة من الليل.
هكذا وبصورة عامة تمضي الايام والليالي في قصر الشيخ.
السفينة الانكليزية
وترسو في ميناء الكويت باخرة البريد الانكليزي مرة واحدة في الاسبوع، على مبعدة نصف ميل عن الشاطئ. وما ان ترسو حتى تنطلق عشرة قوارب اليها ومعها رئيس جمارك الشيخ مبارك الذي يصعد الى الباخرة قبل السماح باخراج حمولتها وتعود الزوارق العشرة حاملة البضائع التي ترسل الى مبنى الجمارك الواقع قرب السراي، ومقابل مبنى الجمارك هنالك ثلاثة مدافع تعود الى ايام البرتغاليين، وتستخدم هذه المدافع للتحية في المناسبات الاحتفالية كما حدث اثناء وجودي حين استقبل الشيخ ضيفا تركيا.
مقصد لتجار نجد وإيران
ويمضي الكاتب مستطردا ان المدينة غنية بالسفن، ومعظم السفن تستخدم في صيد اللؤلؤ في البحرين، ولذا فانها تظل مربوطة الى اليابسة في الجزء الاكبر من السنة الى ان يحين موسم الصيد ويأخذ الغاصة في التدافع من داخل البلاد، ويبلغ عدد السفن في الكويت حوالي خمسمائة، وكل سفينة تحمل حوالي ثلاثين بحارا ويراوح عدد صيادي اللؤلؤ ما بين عشرة آلاف وخمسة عشر الفا.
ولا تستطيع الكويت تأمين هذا العدد من الرجال، ولذا تستعين ببحارة من مناطق عديدة في نجد وايران والعراق، وفي شهر ابريل ومع اقتراب الموسم يأتي عدد كبير من الرجال من واحات نجد بعد رحلة طويلة وشاقة مليئة بالمخاطر الصحراوية لكي يقوموا بعمل لا يخلو من الخطر. وليس لصائد اللؤلؤ ما يخسره لانه يأتي وليس معه سوى ثيابه، في حين انه قد يربح شيئا ولو ضئيلا في نهاية المطاف. ويمضون الصيف بطوله في البحر شمال البحرين ويواجهون الحرارة الرطبة الخانقة التي لا يخفف من وطأتها سوى العواصف المتكررة.
ويقتحم البحارة اعماق المياه حتى يصلوا الى المحيط الهندي ويبحروا حول ساحل الجزيرة العربية وصولا حتى عدن. ومنها الى جيبوتي ومن ذلك الميناء يحصلون على الاسلحة الممنوعة التي هي «اللعبة» المحببة الى قلوب البدو منذ طفولتهم وحتى وفاتهم.
الأمن والسلام
الامن في الكويت اكثر ثباتا منه في اي مكان على الساحل، وبالتالي فان سكان الكويت لا يملكون السلاح باستثناء حرس الشيخ.
ويرى المرء على الشاطئ المنحدر قليلا عددا كبيرا من المراكب التي جرت الى البر لاصلاحها، كما يرى عددا آخر من المراكب قيدالبناء. وتقع المدينة على بعد امتار من الشاطئ لا يفصل بينها والشاطئ سوى طريق دائم الاستخدام، وعلى بعد مئات الامتار من قصر الشيخ، يقع بيت المعتمد البريطاني حيث يرفرف علم بريطانيا فوقه من على عمود شديد الارتفاع - البنديره - وفي الليل يعلق فوق هذا العمود قنديل زيتي فيتحول الى منارة للبحارة. وبريطانيا التي يسمى مندوبها «الوكيل السياسي» هي الدولة الوحيدة التي لها مندوب هنا، ولا اثر مرئي لتركيا. وتحتكر حركة السفن التجارية شركة الملاحة البريطانية الهندية ويمثلها في الكويت وكيل هندي، وتستورد الكويت النحاسيات من بغداد وبومباي
والسجاد من ايران والقهوة من جاوه وعيدان الكبريت من النمسا.
ويؤكد الكاتب أن الكويت من دون شك أهم مدينة تجارية على الساحل الشرقي للخليج بما فيها مسقط، التي تفصلها الصحارى عن بقية أنحاء الجزيرة العربية. وهكذا فإن الجزء الأكبر من تجارة الجزيرة العربية يمر عبر الكويت. وكذلك بلاد ما بين النهرين. والعرب يكنون كرهاً للأتراك لذلك يجدون الكويت ممراً آمناً.
التجار والسوق
والسوق في الكويت ليس فقط موقعاً للتجارة، بل هو كذلك منطلق للقوافل. وتجد عدداً من المقاهي في السوق. وأحد المقاهي في طرف السوق هو ملتقى الطبقة الراقية وكبار التجار وأصحاب القوافل وبعض شكان القصر - الشيوخ، ويكتظ المكان بالحمير وعلى ظهورها السلال لنقل البضائع. وتستخدم ساحة في السوق لعرض الأغنام والماعز والجمال التي يأتي بها البدو من الصحراء.
وهناك شخص يستوفي الضريبة على كل ما يباع، وهي أربع أنات على الماعز، وروبية على كل حمار وعشرة في المائة على أثمان الإبل.
وفي الصباح تقام في السوق خيم كثيرة مصنوعة من الحصران وجريد النخل يتخذها الباعة موقعاً لهم وأغلبهم من النساء. وهنا يباع كل شيء: الثمار والبلح والعباءات الصوفية واللبن المجفف (يقط) والفقع واللحم وقرب السمن (العدانى).
وليست في مدينة الكويت شجرة واحدة. وأن مدينة هؤلاء البحارة والرعاة هي في الواقع بيوت من الطوب بين البادية والبحر.
ملاحظة: يبدو أن الكاتب كان ضيفاً عند الشيخ مبارك وسكن في قصر دسمان
العم صالح العجيري فتح خزائن ذكرياته في دار معرفي:
كنا ندفن 10 أطفال يومياً في «سنة الجدري»!
صالح العجيري متحدثا خلال الندوة وإلى جانبه امين معرفي (تصوير: منال الهزاع)
حسين حاجي
حين يتحدث الخبير الفلكي الدكتور صالح العجيري فإن عبقاً من ماضي الكويت وتاريخها يفوح من بين كلماتهما.
وكلمات العجيري عادة ما تختصر كلمة الزمن وخبرة السنين، وكيف لا وهو الذي عايش سنوات قاسية من تاريخ الكويت، على حد تعبيره.
وفي الندوة التي اقامتها دار معرفي امس الاول وحملت عنوان «الكويت بين الماضي والحاضر»، غاص العجيري في ذاكرته ليستخرج لنا العديد من الاحداث الفاصلة في تاريخ الكويت، وما عاشته من تحولات.
ويعتقد العجيري ان من اهم اسباب فقدان العادات الكويتية الحميدة القديمة التي كان يتمتع بها المجتمع الكويتي في الماضي، زيادة عدد السكان وتحول الكويت من مدينة صغيرة الى دولة تتكون من عدة محافظات.
وقال العجيري ان التواصل بين أفراد المجتمع في كل الأمور محمود، ولكن اذا كان هذا التواصل مرتبطا بحب الكويت فهو اكثر حمدا، مؤكدا ان كل ما يقوله مبني على أسس سليمة لأنه عاشر شخصيات من عدة أجيال.
وعن بداية التاريخ الكويتي أوضح العجيري ان الكويت بدأ تاريخها منذ ثلاثة قرون عندما قدم الى ارضها آل الصباح، فقبل قدومهم الى الكويت عاشوا في منطقة الهدارة بوسط الجزيرة العربية، حيث كانت تعاني تلك المنطقة من ويلات المرض والحروب مما أدى إلى موت نصف سكانها، فلذلك بدأ آل الصباح بهجرة تلك المنطقة متوجهين إلى قطر وبالتحديد منطقة الزبارة.
بداية الخير
وتابع العجيري ان آل الصباح تحولت مهنتهم من البرية إلى البحرية، كصناعة السفن والغوص والتجارة البحرية بشكل عام، وبعدها بفترة حدث خلاف بينهم وبين إحدى قبائل الزبارة ليتوجهوا بعدها إلى سواحل بلاد فارس ومن ثم إلى منطقة الصبية التي رفضت الدولة العثمانية استقرارهم فيها لعدم معرفتهم بآل الصباح كونهم لا يزالون جددا عليها. وأكمل العجيري قائلا: ان الخير بدأ بانتقال آل الصباح إلى كوت بني خالد ونمت تجارتهم فيه، بعد أن منعت الدولة العثمانية دخول التجار الى موانئها فتحولوا الى موانئ الكويت التي رحبت بتجارتهم، وبعد ذلك اعتمدت تجارتهم على «رزق البحر» كالغوص ونقل البضائع وغيرها من المهن البحرية.
الطاعون
وذكر العجيري ان الكويت مرت بالكثير من السنين القاسية والصعبة بسبب انتشار مرض الطاعون وبعض المجاعات فيها التي من أشهرها «سنة الهيلق».
كما أوضح العجيري انه عايش «سنة الجدري» حيث انتشر فيها هذا المرض، وكانوا يدفنون يوميا ما لا يقل عن عشرة أطفال، حيث ان المرض كان تأثيره كبيرا على الكبار حيث أعمي عيونهم.
وعن تاريخ الحروب في الكويت اوضح العجيري ان حرب الرقة تعتبر اولى الحروب التي خاضتها الكويت مع بني كعب الذين طمعوا في هذه الارض، حيث انهم ارجعوا سبب الهجوم الى رفض آل الصباح تزويجهم اختهم الشيخة مريم الصباح، ولكن بفضل الله وتوحدهم انتصر الكويتيون.
اما عن حرب الصريف التي كانت برغبة الشيخ مبارك الكبير، الذي كان يهدف من خلالها الى تأمين طريق الحجاج وكانت الحرب ضد بني رشيد، وكانت الغلبة لبني رشيد الذين اتبعوا اساليب حربية جديدة من نوعها.
شح المياه
وعن مشاكل المياه، اوضح العجيري انهم في السابق كانوا يجلبون الماء من كيفان والشامية وحولي وشط العرب، وهذا كان يصعب على الكثيرين، بالاضافة الى ان الامطار كانت مصدرا اساسيا للمياه العذبة، ولم تكن تهطل بكثرة. وبخصوص موضوع التعليم في الكويت، قال العجيري في البداية كان الاولاد يذهبون الى «المطوع»، بينما الفتيات كن يتوجهن الى «الملاية»، وفي ذاك الوقت كانت اتعاب المعلمين تدفع من قبل الطلبة، فعلى سبيل المثال كل خميس كان يمنح الطالب معلمه ما يسمى «بالخميسية» وهي عبارة عن مبلغ بسيط من المال.
«السروال» بدل «الوزار»
وتابع العجيري: وفي القرن العشرين انشئت مدرسة في الكويت، وهي المدرسة المباركية التي دخلت فيها اللغة الانكليزية، حيث بدأ التعليم كتعليم عادي ثم تحول الى نظامي عندما وصل اربعة مدرسين فلسطينيين الى الكويت، ومن هنا بدأت الكويت بنقلة نوعية في زيها الرسمي، حيث بدأ الكثير من الرجال بتقليدهم في اللبس وارتداء «السروال» بدلا من «الوزار».
خريج عام 1881
بين الدكتور صالح العجيري ان اول من حمل شهادة تخرج رسمية من جهة علمية هو المرحوم مساعد العازمي الذي تخرج في الازهر وحمل شهادة بتخرجه منها بتاريخ عام 1881 ميلادي ولكنه هاجر من الكويت الى البحرين بسبب تأييده لتعليم النساء، مضيفا ان اول من امتهن مهنة التعليم بالكويت من النساء هي المرحومة مريم الصالح التي زاملت اول 3 معلمات فلسطينيات وصلن الى الكويت في عام 1938.
دبابات «المسبوق»
ذكر الدكتور صالح العجيري ان اهم اسباب خسارة الكويت مع بني رشيد في معركة الصريف هي استخدامهم «لبعارين المسبوق» وهي ابل كانت توضع في الصفوف الاولى في الحرب وخلفهم الخيالة الذين كانوا يحرضون الابل للهجوم بطعنهم بالرمح.
«نومة الحوش»
في ما يتعلق بموضوع التلوث البيئي اوضح الدكتور صالح العجيري ان الكويت في ذاك الزمان لم تكن تعاني من اي تلوث بيئي مما كان يساعد على النوم في الهواء الطلق وخصوصا «حوش البيت» الذي كان يعتبر كغرفة النوم الاساسية في ظل الجو الحار.
أخوات عودة
ذكر انه في عام 1938 وصلت اخوات عودة من فلسطين، وهن اول ثلاث معلمات درسن البنات في الكويت، وكان هذا لقبهن لان محرمهن كان اخوهن الذي كان اسمه عودة.
وحدة الشعارات الزائفة
قال امين معرفي انه منذ فجر التاريخ المشرف لنشأة الكويت وبهذه التكوينات البشرية كان اهلها يعيشون على التسامح والتآلف في ما بينهم وعلى مبدأ العدالة، حيث اقاموا مجتمعهم بالتكاتف مع بعضهم البعض، اذ دافعوا عن الوطن بحيث لا يستطيع احد دق اسفين الخلاف بينهم، وذلك لغلبة عقلهم وعدم انجرافهم نحو الباطل. واضاف معرفي ان هذا ما عمله اجدادنا في السابق، وما احوجنا اليوم الى هذا النوع من الوحدة الوطنية وليس للشعارات الزائفة، لذلك علينا ان نعيد الكويت الى ماضي الآباء والاجداد المشرف بقلوبهم الصافية النقية حتى نحجب لعنة الاحقاد علينا في المستقبل لاننا لم نحافظ على عادتنا الجميلة كرجال.
نجم في سماء الكويت
وصف أمين معرفي الدكتور صالح العجيري لدى تقديمه لحضور الندوة بانه علم من اعلام التاريخ الكويتي لانجازاته، مؤكدا انه كالنجم الذي يتلألأ في سماء الكويت.
صورة للحشود الجماهيرية الكويتية امام قصر السيف عام 1961 بعد تهديد عبد الكريم قاسم للكويت (الصورة من كتاب الكويت بالابيض والاسود)
د. فخري شهاب
امتنعت، طوال نصف القرن الذي امضيته في الكويت وبصحبة أهلها الكرام، من الكتابة عما شهدت من احداث، وخبرت من تطورات فيها لاسباب كثيرة، واذا احب الفضوليون معرفة سر سكوتي، فلن ابخل عليهم به اليوم.
ففضلا عن ان طبيعة بعض تلك الاحداث، حتى بعد ان انطوت ومضت عليها عقود طوال، ما فتئت حساسة وحافلة بتعقيدات واصطلاحات مهنية (أو فنية) لا يستسيغها غير المختصين. فقد نشر الجزء الاكبر منها في وثائق الحكومة البريطانية التي تذاع بعد ثلاثين عاما من وقوع الاحداث، وهو القسم المهم منها، اما ما تبقى فتفاصيل لا اهمية تاريخية لها، فمن اراد الاطلاع على قسم كبير من تلك الاحداث، فليتابعها في «الارشيف» البريطاني، متذكرا دائما مصدرها.
فما سأحاوله في هذه الصفحات اذن هو الكشف عن بعض الاحداث الهامشية لطرافتها، ليس الا، رجاء ان اسمع من الجمهور الكريم ردود فعله، فأمضي فيما شرعت به، أو أكف عنه، هذا وسأسعى إلى تحاشي الاصطلاحات الفنية بقدر المستطاع، ولكن طبيعة الموضوع قد تقتضي استعمال بعضها مما يمكن التغلب عليه بشيء من الصبر!
أول ما يطرأ لي من هذه الاحداث هو قصة انتساب الكويت إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهما المؤسستان اللتان انتشئتا بعد الحرب العالمية الثانية: اولاهما لاعادة اعمار ما دمرته الحرب من اقتصاد العالم وبنياته التحتية خاصة (ثم وسعت اهدافه فشملت مساعدة الدول المتخلفة، والتي تعرف اليوم بدول «العالم الثالث» او «الدول النامية» ــ احتراما لحساسياتها!)، والثانية لرعاية انظمة النقد في العالم، تفاديا لما قد ينتج عن سوء ادارتها من اضرار بالتجارة الدولية والاقتصاد العالمي.
الرد على إعلان قاسم
تبادرت لي فكرة انضمام الكويت إلى المؤسسات الدولية فور اعلان عبدالكريم قاسم تحدياته وتهديداته، فور حصول الكويت على استقلالها: ذلك ان خير رد للكويت على تلك التحديات (إذا استبعدنا الدفاع المسلح) يكمن في اعتراف المجتمع الدولي بوجودها القانوني بدليل كونها عضواً في مؤسساته المختلفة، وعلى رأسها هيئة الأمم، والجامعة العربية وما تفرع عن الأولى من مؤسسات اختصاصية، كمؤسسة الصحة العالمية، ومؤسسة الغذاء والزراعة والـ«يونيسكو» التي كانت الكويت تظهر فيهما وتشترك في تمويلهما، على نحو لم يكن واضحاً عندي تخريجه القانوني. وعلى كل فالكويت، في ظروفها يومئذ، كان عليها ان تطلب كامل العضوية في هذه المؤسسات للرد على تحديات العراق.
ولهذا كان لا بد من أن تبادر الكويت فوراً لطلب الانتساب إلى هيئة الأمم، والجامعة العربية، والمؤسسات المرتبطة بهما لإثبات وجودها بين أعضاء الأسرة الدولية، لكن ذلك كان متعذراً لاستعمال روسيا السوفيتية حق «الفيتو» لمنعها من الانضمام إلى هيئة الأمم (تضامناً مع حكومة عبدالكريم قاسم) واستعمال العراق هذا الحق لمنع انضمامها إلى الجامعة العربية، وهذا ما كان حصل، وإذًا فعلى الكويت دخول إحدى هاتين المؤسستين من الأبواب الخلفية، إذا صح التعبير، لأن روسيا السوفيتية لم تكن يومئذ عضواً في أي منهما، وليس لها صوت يمنع انتساب الكويت إليهما، فالانضمام إليهما كان ميسوراً إذا - أو هذا ما خيل لي.
فكرة تكتيكية
كانت هذه هي خلفية اقتراحي الرامي لانتساب الكويت للبنك الدولي والصندوق الدولي، وهي، كما يرى القارئ الكريم، فكرة «تكتيكية» الغاية منها إحباط مناورات العراق السلبية، هذا، فضلاً عن ان هاتين المؤسستين بالذات مهمتان لدورهما في عالم المال (دولياً) ولما تحتاجه دولة فتية غنية كالكويت من نصح وإرشاد في هذا الحقل وفي هذه المرحلة من تكوينها.
بعد اتضاح الفكرة في ذهني، عرضتها شفاها على رئيسي، «رئيس المالية»، المغفور له الشيخ جابر الأحمد، فأقرها مبدئياً وطلب مني تلخيصها في مذكرة ليطلع عليها بعض المسؤولين في «الدائرة»، للتداول في الأمر، وحدد موعد الاجتماع لمناقشة الموضوع. ولا حاجة بي للقول إني لم أصدق ما سمعته من إجماع هؤلاء السادة على نصح الرئيس برفض الاقتراح! وسألت عن السبب فكانت الردود الغازاً مبهمة بأدئ ذي بدء، ثم اتضح آخر الأمر ان قبول الفكرة سيؤدي إلى تعارض مع موقف الكويت كمساهم في البنك العربي المحدود (كذا!).
اضطررت هنا إلى القاء محاضرة قصيرة أشرح لمعارضي الاقتراح فيها الفرق بين مؤسسة دولية كالبنك الدولي الذي تملك أسهمه الدول، لا الأفراد، وأخرى (في القطاع الخاص) كالبنك العربي المحدود يملك أسهمها الأفراد والشركات (لا الدول) عادة. وأوضحت لهم ان الأفراد والشركات لا يحق لهم الإسهام في المؤسسات الدولية في حين يحق للدول ان تستثمر في البنوك الخاصة إذا شاءت. وفي ضوء ما قدمت، وبعد التأكيد لزملائي انه لا علاقة للأول بالثاني ولا صلة بينهما خلا كلمة «بنك»، قُبل الاقتراح آخر الأمر!
كانت هذه هي فرصتي الأولى للتعرف على طبيعة المشاكل التي ستواجهني في عملي في الكويت، فقد كانت علاقتي حتى تلك الجلسة مع رئيسي مباشرة، واليوم اكتشفت ضرورة التعرف على زملائي في العمل واشراكهم في ايجاد الحلول لبعض ما كنت أدعي الاطلاع به من الأمور، وإلا وجد رئيسنا نفسه في خضم الآراء والتوصيات المتضاربة، ولم يطرأ لي أن المعارضة التي قوبلت توصياتي بها كانت مقدمة الغيث، وأن هناك عقبات أخرى تنتظرني خارج الكويت!
اللقاء مع البنك الدولي
زودني رئيسي برسالة رسمية وجهها إلى رئيس البنك الدولي (وكان يومئذ المستر يوجين بلاك هو أول من رأس البنك بعد تأسيسه) أعرب فيها له عن رغبة دولة الكويت في الاسهام في تلك المؤسسة، اضطلاعا منها بمسؤولياتها الدولية، كما قدمني ممثلا لحكومته، لبحث ما يستتبعه هذا الاسهام من شروط.
ويجب أن أقف هنا وقفة قصيرة لشرح خلفية هذه النقطة والعقبة الجديدة التي واجهتني (وواجهت الكويت طبعا) في واشنطن! يتطلب قانون البنك (الذي أبرم دوليا في «بريتنوودز» في أعقاب الحرب العالمية الثانية) أن تقرر حصة كل دولة كنسبة مئوية من دخلها القومي، فتقدير تلك النسبة، والاتفاق على مواعيد وكيفية سدادها.. إلخ هو ما كان مطلوبا مني مناقشته، بعد تسليم طلب الانتساب للبنك، واذ لم يكن لدولة الكويت سفارة في واشنطن يومئذ، فقد حملت الرسالة شخصيا لتسليمها الى المستر يوجين بلاك باليد.
رفض الطلب
ولكن بلاك لم يستقبلني، بل استقبلني أحد نائبيه الأقدمين، (وكان يدعى المستر ناب)، وهو خلاف ما كان متعارف عليه دبلوماسيا، إذ كان طلب الاسهام موجها إلى رئيس البنك المستر يوجين بلاك نفسه، ولكني لم أرد في ذلك الموقف الحرج وفي الظروف التي خلقها عبدالكريم قاسم اثارة نقطة شكلية (نقطة بروتوكول) أجعلها موضع خلاف يؤخر وصولنا للغاية التي كنا نستهدف، وهي الانتساب للبنك بأقصى سرعة ممكنة، فاتجهت إلى مكتب المستر ناب الذي استقبلني بالأدب الاجتماعي المألوف (التحيات والاشارة بالجلوس.. الخ) ثم أدرف يقول انه يرفض تسلم الطلب الذي كنت أحمل، لانه موجه من وزير مالية الكويت، في حين انه كان ينبغي أن يصدر من رئيس دولة الكويت نفسه، وعلى هذا فعلي العودة للكويت لاستصدار كتاب مماثل يوقعه المغفور له الامير الشيخ عبدالله السالم! وأعاد لي الكتاب الذي سلمته له.
عرقلة الطلب
واستنتجت من هذه المقابلة (وايدت فيما بعد استنتاجي مصادر دبلوماسية مطلعة)، ان هذا كله كان يرمي إلى عرقلة وتأخير انتساب الكويت إلى البنك في ذلك الأسبوع لسبب لا علاقة للكويت به اطلاقا، وانما أريد به غرضان لا بد من تفصيلهما لإيضاح هذه المناورات:
اتضح ان هناك اكثر من قوة واحدة تعمل في الخفاء لإحباط جهود الكويت للانتساب للبنك، فأنا أرجو القارئ الكريم ان يطيل صبره، فالموضوع معقد شيئا ما، ولكن لهذا التعقيد جانب لا يخلو من الطرافة سيرد تفصيله بعد قليل، سأفصل احدى هذه القوى في ما يلي، وألم بالاخرى إلماما عابرا فحسب، لاسباب تقرأ بين السطور!
المساهمة مقابل الأصوات
هناك بعض الحقائق الادارية التي نص عليها دستور المؤسستين لا بد من ان يلم بها القارئ ليتضح له ما كان يجري في الخفاء، يمكن تلخيصها كما يلي: قلت في ما سلف ان اسهم الدول في البنك الدولي يحددها دخلها القومي السنوي، وهذا المبلغ هو الذي يقرر ما ستحصل عليه من اصوات في ادارة شؤون البنك. وهذا المبدأ نفسه مطبق في صندوق النقد الدولي، ايضا: الدخل القومي للدولة يقرر ما تدفعه للمساهمة، وما تحصل عليه من اصوات، نتيجة لذلك، ويترتب على هذا ان دولة كــ «فيجي» او «جزر القمر» مثلا، لا يمكن ان تملك من الاصوات او يكون لها الدور نفسه الذي تلعبه الولايات المتحدة او اليابان في اي من هاتين المؤسستين.
مقعد مع باكستان
وتطبيقا لهذه القواعد، فإن الدول العربية، فرادى لم يكن لها الثقل المالي الذي يمكنها من ارسال ممثل واحد الى مجلسي ادارة هاتين المؤسستين، وانها اذا ارادت ان تسهم في ادارتهما وجب عليها ان تضم اصواتها معا وان تعمل كيد واحدة، غير ان واقع الحال في تلك الفترة (الستينات من القرن الماضي حين كان يباع برميل البترول بسعر التراب!) لم يكن للدول العربية بأجمعها من الاصوات ما يكفي لارسال ممثل واحد الى مجلس ادارة اي من المؤسستين! لذلك دعت الدول العربية الباكستان ان تضم حصصها من التصويت في المؤسستين اليها (الى الدول العربية) ليكون للكتلة الموحدة ما يكفي من الاصوات للحصول على مقعد في مجلس ادارة كل من المؤسستين، فتعطى الباكستان المقعد في مجلس الصندوق وتعطى الكتلة العربية المقعد في البنك، وهذا ما تم، واستمر العمل بذلك سنين طوالا، ولا ادري أهو ما زال قائما اليوم ام لا؟
وتطبيقا لهذه القواعد عين رجل باكستاني (السيد قريشي) لمجلس الصندوق وآخر مصري (سعد زكي باشا) للبنك.
صوت مصر للعراق
وتقصيت سبب تصرف البنك على نحو ما فعل، فاتضح ان الاتفاق بين الباكستان والكتلة العربية كان هو سر احدى العقبتين اللتين قامتا في طريقي، وتفصيل ذلك ان ممثل الكتلة العربية (والباكستان) في مجلس البنك (سعد باشا) كان قد انتهت مدة عضويته، وكان يسعى جاهدا لتجديدها، وهذا التجديد يتطلب ان يصوت العراق لمصلحته، والا فسيخسر سعادة الباشا العضوية ومقعده في واشنطن، وما اوتي من نعيمها ليعود الى منصبه الذي جاء منه، رئيسا لبلدية الاسكندرية، ان وجده خاليا، وذلك في حكم المستحيل، لان سعادته كان من «باشوات» العهد الملكي المباد، واحسبه يومئذ في العشرة السابعة من العمر، رحمه الله، لهذا كانت خطته ان يسير في ركب العراق ويضمن تصويته في مصلحته، ويؤخر انضمام الكويت مؤقتا، فلا ضير في ذلك، ولا حاجة للتصويت لمصلحتها فيثير ذلك نقمة العراق، حتى يستقر في منصبه مرة اخرى، فإذا تم ذلك (وانعدمت حاجته للعراق واصواته) وتقدمت الكويت بطلبها، امكنه التصويت لها بحرية لا تتقيد بموقف العراق!
محافظ بنك إنكلترا
تلك اذا الخطة البيزنطية التي كانت تعترض طريقي، وقد كشفتها لي مصادر دبلوماسية عربية في واشنطن، لا داعي لتسميتها اليوم. كان الاتصال برئيسي، رحمه الله، لاطلاعه على الموقف والتشاور معه، متعذرا. إذ ستضحي مكالمة تلفونية كهذه بسرية الموضوع، فضلا عن سوء خطوط التلفون الى الكويت (او انعدامها يومئذ الا طريق اللاسلكي)، ولما كان عامل الوقت في غير مصلحتنا، اضطررت الى اللجوء الى ممثل بريطانيا رئيس مجلس ادارة البنك والصندوق (معا، على ما اظن)، وساعدني الحظ فوجدته من معارفي السابقين، اذ كان محافظا سابقا لبنك انكلترا (وهو اللورد كرومر) وكان على علم سابق (ممن خلفه في لندن) بمجيئي الى واشنطن، كما انه كان احيط علما (على ما يبدو) برغبة السلطات البريطانية في مساعدة الكويت بشأن طلب انضمامها للمؤسستين المعنيتين، وعلى علم ايضا بجوانب مما كان يحاك في الخفاء! فوعدني بعمل ما في وسعه للتغلب على الصعوبات التي كانت تواجهني، فلأتمهل قليلا، واكد لي باني ستردني تطورات الموقف شيئا فشيئا الى فندقي.
وقد تم ذلك فعلا، فما كدت انتهي من وجبة غدائي ذلك اليوم في الفندق حتى دعيت الى مكتب الاستعلامات في البهو الرئيسي فيه لوجود زائر من البنك الدولي جاء يطلب مقابلتي. كان الزائر هو السير وليم آيلف، سفير بريطاني سابق، خدم في سفارات دولته في الشرق الاوسط ودول اخرى، وهو يومئذ نائب رئيس اقدم ايضا في البنك الدولي، وهو الذي ساعد الباكستان في تنظيم وادارة مشروع توزيع مياه نهر «الاندس» الجبار، الذي كان مفخرة الباكستان بعد مأساة السد العالي المعروفة والتي رفضت الدول الغربية الكبرى تمويله تماشيا مع رغبات المعسكر الغربي، واتضح من الدقائق الاولى من الجلسة ان السير وليم (كما كان المألوف تسميته) دبلوماسي محنك من بقايا المدرسة البريطانية من العهد الفيكتوري: ينم عن ذلك هندامه الانيق الدقيق، ولغته بمفرداتها المنتقاة، وموسيقى نبراته الهادئة، وحركاته وسكناته الموزونة، واصغاؤه الصابر الذي يوحي بالاهتمام بمن يضم مجلسه: وبعبارة اخرى: هو نقيض زميله.
اعتذار عن اليهودي
اليهودي الأميركي الفظ الذي استقبلني لدى زيارتي الاولى للبنك. قال السير وليم انه يأسف لحضوره من غير موعد، ولكنه كان يرجو ازالة سوء التفاهم الذي وقع بيني، وبين المستر «ناب» بأسرع ما يمكن، وانه لو لم يجدني لترك لي رسالة بهذا المعنى، ولكنه، وقد وجدني فهو يعتذر لما حصل، وهل يمكنه استرداد الكتاب الذي كنت حملته للبنك اول الامر؟ اكان ذلك نتيجة لتدخل اللورد كرومر، يا ترى؟ ولم اتردد في جوابي: فقد شكرته على زيارته ورحبت بجهوده في تصفية الاجواء، علما بان الهدف المركزي من سفرتي هو انضمام الكويت لهاتين المؤسستين بسرعة قصوى، لا محاسبة «ناب» وامثاله! فسلمته الرسالة المعنية فورا، واتفقنا ان يؤجل فتح المفاوضات الى صباح الغد، وذلك ما حصل، واستأذن السير وليم فودعته الى باب الفندق، وانتهى الفصل الاول من الدراما بانتصار الكويت رغم ما بيت لها، والحمدلله.
سبق القول ان قوتين كانتا تتآمران لاحباط جهودنا في الانضمام إلى المؤسستين الدوليتين السالف ذكرهما، وقد افضت في وصف الاولى. وتغريني المناسبة كما يغريني الاستطراد ان اصف الثانية ايضا بالتفصيل ذاته، ولكني سأمتنع! ذلك أني، وان كنت أبني ما اروي على ما سمعت من مصادر دبلوماسية لا يرقى الشك اليها، الا ان ما سيلي لا يخلو من شيء من التخرصات ايضا، وقليل من الخيال الذي تبرره الاحداث والتاريخ.
ومجمل القصة ان احدى دول المنطقة، وهي مصدر الخبث والمؤامرات فيها منذ ظهورها الى هذا العالم، كانت هي ايضا ترصد تطور الاحداث بين الكويت والعراق، لترى كيف تستغلها لمصلحها، كما كانت على اتصال متكتم بــ «ناب»، وقيل انها ضلعت في تخطيط الموقف الذي اتخذه البنك ابتداء تجاه طلب الكويت، وان دور «سعادة الباشا» فيما كان يخطط كان اكثر من دور المتفرج! وليس عندي ما يؤكد هذا او ينفيه، الا اني ميال لقبوله، لما قرأت عن مؤامرات وكلاء تلك الدولة وبأقلامهم. فقد تابعت تاريخ تآمرها منذ ايام شبابي، وشهدت فصولا من عبثها بالدبلوماسية العربية. واقف هنا، مكتفيا بالاشارة التي اكتفى بها اللبيب في المثل المشهور!
وفد برئاسة جابر الأحمد
ولكن على رغم مسرحية المؤامرة المذكورة فقد تم ما ارادت الكويت، وحبط كيد الكائدين، وتولى المرحوم الشيخ جابر الأحمد قيادة اول وفد اوفدته الكويت الى الصندوق والبنك الدوليين في خريف ذلك العام، كما القى، رحمه الله تعالى، اول خطاب يُلقى باسم الكويت في الحفل السنوي لهاتين المؤسستين الدوليتين، هذا ولم تر الكويت ضرورة لعقاب «الباشا» على ما كان يحوكه في الخفاء، فقد عاد له مقعده في مجلس ادارة البنك واستمر نعيمه الذي كان سعى جاهدا لاستبقائه، فتم له ما اراد كما ظفرت الكويت بما ارادت في الوقت نفسه.
هناك بعض الحواشي على هامش الصفحات التي انشرها اليوم لا اقاوم معابثة القراء الكرام على ايرادها ما دام الحديث يدور على الكويت وعلاقتها بالبنك الدولي، وقد لا يكون من السداد ذكرها في سياق ما نحن فيه، ولكنها، كلها، تخص البنك، فليطلع عليها هذا الجيل لئلا يحتكر السلف فضيلة الحكمة التي طالما نسبت اليه!
وفد {الدولي} للمساعدة
اول هذه الحواشي هو ان نتذكر ان انضمام دولة الكويت الى هاتين المؤسستين كان تم قبل اكمال مسودة الدستور، وفي المرحلة التي بدأنا فيها بإعادة بناء الجهاز الحكومي الذي كان يومئذ صغيرا مبسطا، فواجهته فجأة واجبات ومتطلبات لم تكن معروفة قبل الاستقلال. لهذا اقترحت دعوة فريق يرشحه البنك لدراسة الاطار الاداري للدولة الفتية، وتقديم توصياته بشأنه، وكان هذا الطلب اول طلب تقدمت به الكويت بعد انضمامها الى البنك الدولي، وقد استجاب البنك لذلك الطلب واوفد بعثة يرأسها شخصية هولندية فذة: المستر فان موك، احد كبار موظفي هيئة الامم السابقين وآخر من اشغل وظيفة نائب الملكة والحاكم العام لاندونيسيا تحت الاستعمار الهولندي الذي انتهى بانتهاء الحرب العالمية الثانية، واستاذ الادارة العامة بجامعة «سيراكيوز».
12 دقيقة
جاءت البعثة وقضت بضعة اسابيع بيننا وقابلت اعدادا من المسؤولين ومن طبقات مختلفة من السلك المدني وقامت بمسح اداري، وقدمت توصيات جمة عن الاطار الاجتماعي والاقتصادي في الدولة ثم اتبعته بعد فترة بآخر عن جهاز الخدمة المدنية ومما ورد فيه (اذا لم تخني الذاكرة) انها قدرت معدل انتاج الموظف (الفرد) بــ 12 دقيقة في اليوم! فليحط قراء اليوم علما بما كانت الحال عليه في الماضي السعيد!
وقبيل وصول التقرير الثاني استقلت من «وزارة المالية»، فلا علم لي بما جرى بعد ذلك.
دعوة السير آيلف
وثانية هذه الحواشي هي اني اكتشفت ان السير وليم آيلف كان يوشك ان يترك البنك الدولي ليتقاعد، وان مؤسسة مصرفية في لندن قد دعته للعمل فيها، فأطلعت رئيسي على هذاـ واوصيت بدعوة السير وليم آيلف لينظم الاجهزة الادارية والمالية.. الخ، في الصندوق الكويتي للتنمية الذي كانت الحكومة قد انشأته مؤخرا، بمرتب سنوي قدره 6000 جنيه، فوافق رحمه الله تعالى واجاز دعوته ولكن بعد تركي الوزارة والصندوق، وبينا كان «آيلف» ينتظر دعوة الصندوق، اختارت ادارته التي خلفتني موظفا آخر من البنك، مهملة ما كان تم عليه الاتفاق، فاختطفت «السير وليم» المؤسسة المصرفية البريطانية التي اشرت اليها منذ قليل، بمرتب قدره 60 ألف جنيه!
نسيان الاستشارات مستمر
أما الحاشية الثالثة والاخيرة فهي اني ما زلت ارى بعثات المؤسستين تتوافد على الكويت عاما بعد عام وان وزارة المالية ما زالت على اتصال مستمر بالمؤسستين المذكورتين للتشاور وتبادل الآراء مع الوافدين للكويت من خبرائهما حرصا منها على متابعة نمو الاقتصاد الوطني ورعايته ومراقبة سيره، وهذا من دواعي مسرتي طبعا. الا ان الحكومة، على الرغم من ذلك، ما فتئت تدعو حشودا من الخبراء آخرين، جيلا بعد جيل، للاستنارة بآرائهم، ثم ينسى الامر، وتختفي الضجة الاعلامية التي احاطت استقدام هؤلاء الخبراء ويهمل الموضوع، ليبعث بعد امد من جديد، وهلم جرا!
صفحات من الذاكرة
«أعمالنا ضد الإنكليز كانت بالسر والكتمان»
مطلق الوهيدة: المد القومي تفاعلنا معه فأعطى العمال حقوقهم
القبس
حاوره جاسم عباس
الرعيل الأول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا من الاثنتين وذاقوا حلاوتيهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، الى ان حققوا الطموح أو بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم فان قاسما مشتركا يجمعهم هو الحنين الى الأيام الخوالي. «القبس» شاركت عددا من هؤلاء الأفاضل والفاضلات في هذه الاستكانة.
في مستهل لقائنا مع السيد مطلق بن ثنيان بن سالم الوهيدة قال: جدي قبل 120 سنة كان من سكان حي القبلة، وكان منزل والدي موقع مدرسة المثنى سابقا، والآن مجمع المثنى شارع فهد السالم (الجهراء)، وحسب الوثيقة العدسانية ان جدي سالم الوهيدة وهب بيته لـ«أكتب خلف العنزي» في عام 1899، وفريجنا يسمونه «فريج الشاوي»، جيراننا بيت ساير الشحنان جد عائلة الساير الكريمة. اضاف الوهيدة: ثم انتقلنا الى بيان والشامية عند السدرة والسليل، ثم اتجهنا الى الاحمدي عندما توظف والدي هناك في عام 1946، وأهالينا بقوا في النقرة والشامية، وبعضهم سكنوا كيفان 1960.
وقال: ولدت في 1940/12/18 في قرية الجهراء ولسنا من سكانها، علما بأنها جوهرة تحيط بها البساتين، وهي واحة تسر الناظرين، قرية كانت غنية بالآبار، وكان فيها الماء الحلو العذب، ومياه القرية انجهرت بالماء فسميت الجهراء، وارضها تجهر العين.
أضاف: كان لنا حلال من الإبل والأغنام، والأهل يخرجون إلى هذه المناطق في فصل الشتاء والربيع، وشاءت الأقدار أن والدتي كانت تحمل بي فولدتني في هذه الواحة. ثم أرجعوني إلى بيان، وأما والدي رحمه الله فعمل مراقبا على العمال حتى منتصف 1955 في منطقة الأحمدي التي كانت على هضبة العدان التي تمتد من جنوبي المقوع إلى شمالي الوفرة، والهضبة كانت تتخللها بعض الوديان والروابي، وتحدها الأشجار البرية الكثيفة، وفيها الصيد الكثير، ولا أنسى الأعشاب الطيبة التي كنا نشم رائحتها من مسافة بعيدة. كانت الهضبة والوديان تشبه الأرياف الأوروبية، وارتفاعها عن سطح البحر أكثر من 300 متر، وهذا ما كان يساعد على دفع النفط إلى الصهاريج والموانئ بواسطة الجاذبية Gravity، مما قلل من التكلفة المالية.
العمل في النفط
وقال الوهيدة: التحقت بشركة النفط عام 1953 كمتدرب في مدرسة المقوع التي افتتحت بطلب من حكومة الكويت لتدريب وتدريس أبناء الكويت والعاملين بالنفط. حصلنا على معلومات فنية في الميكانيكا والكهرباء والنجارة والاصباغ، وفي الآلات الثقيلة، والحساب والعلوم، واللغة الإنكليزية التي كانت تدرس على منهج اكسفورد، وبعد العمل والتطور اللذين حصلا انتقلنا إلى الأحمدي ــ دائرة النقليات، فعينت في قسم الضيافة لمديري الشركات. اختاروني لأنني أجيد الإنكليزية، واعرف مناطق الكويت. كنت أتجول معهم وأعرفهم على المواقع والمدينة والشخصيات الكويتية، ومن ثم انتقلت إلى التصدير والتخزين حتى أصبحت مراقباً في الموانئ النفطية حتى التقاعد 1993، وأضاف: خلال هذه السنوات، أي أكثر من أربعين سنة، سكنا في الخيم والأكبار من البواري، ثم البيوت من الشينكو (صفائح من الحديد من الزنك) التي كانت أسقف بيوتنا، وهي في الأصل لتسقيف الچبرات وصنع الدرامات وأعمدة النور والمواسير، بعدها سكنا الشاليهات الراقية.
هدامة الخمسينات
ويتذكر الوهيدة: سنة نزلت فيها الأمطار الغزيرة فهدمت البيوت كانت سنة 1934، شردت الأهالي وهدامة قبل هذه كانت 1872 في شهر رجب فسميت بالرجبية، ولكن حديثي عن هدامة في أيامنا سنة 1954 تهدمت بيوتنا في الأحمدي فانتقلنا إلى الفحيحيل، وكانت صدمة إيجابية عندما تهدمت البيوت اكتشفوا بعض الآبار النفطية تحت بيوتنا المهدمة، فغيروا موقعها، وأما الأجانب فبيوتهم لم تهدم، وانتقلنا ثانية إلى الأحمدي حتى 1982 وأنا الآن في العارضية منطقة كانت في البر وكان فيها قصر المرحوم الشيخ صباح الناصر الصباح، وفيها بئر حفرها محمد العارض.
رواد الأحمدي
يقول مطلق الوهيدة: من واجبي وللأمانة أن أذكر هؤلاء الذين ضحوا وقدموا وكافحوا وأعطوا الكثير منهم: عبدالرحمن العتيقي - فهد الصقر - سلطان العمر - يوسف بدو - ابن عيدي - حمد سلطان القناعي - مبارك المعطش - حمود الطشة - محمد سعدون الطش - عيسى عاشور - سعود الفارس (أبومعصب) - هم الذين طالبوا ودافعوا عن العمال وأرجعوا حقوقهم، وتحملوا المسؤولية، كانت مواقفهم مشرفة وشاقة، ومعهم مجموعة أخرى، ولكن الذاكرة لا تستوعب ان أذكرهم. وكان معنا في المصير الواحد حجي جعفر، والغانم عبدالله الدعيج هم أبناء البلد الواحد، وهؤلاء هم الذين حفروا سنوات وهجروا أهاليهم، أعمالهم شاقة، أقاموا الخطوط من العيون (الآبار) إلى مراكز التجمع إلى التخزين، كانت الأعمال لا تطاق في الصحراء، وفي فصل الصيف مع كثافة الرمال الحارة، وفي الشتاء مع البرد القارس، هؤلاء هم الذين مددوا الخطوط الحديدية، وواجهوا الحشرات السامة مع قلة المياه الصالحة للشرب، وكان عملنا اكثر من 12 ساعة.
واضاف: ان مدينة الاحمدي النموذجية فيها 3 مطاعم لتجهيز الوجبات للموظفين الذين يعملون في حقول النفط، وفيها مستشفى في وسط المدينة، وفي المقوع. والاحمدي مدينة صممت للانكليز وغيرهم من الاجانب، كانت تتسم بالهدوء والنظافة وروابط التعاون بين سكانها، كانت سياحية للكويتيين يجتمعون فيها نهاية الاسبوع، والآن اصبحت خليطة للذين لا صلة لهم بالعمل، وكل ما اتمناه ان تبقى نموذجية كما كانت، فلنحافظ عليها قبل ان تتغير.
المد القومي
وتحدث الوهيدة عن مرحلة بداية الخمسينات، فقال: تفاعلت الاجواء في مناطقنا العربية مع المد القومي المستجد في ذلك الوقت، واهل الكويت تفاعلوا مع هذه الظاهرة الوطنية منذ مطلع العشرينات لوجود مزيد من الحريات والديموقراطية السائدة على هذه الارض، كانت النوادي الثقافية التي بثت الوعي، وامتد بهم المد الوطني القومي حتى استكملوه في اوائل الستينات، ونحن تفاعلنا مع هذه الظواهر، فاصبحت مطالبنا بتنظيمات عمالية وثقافية، ومن المطالب انشاء مؤسسات النفع العام والنوادي الرياضية والثقافية، انطلقنا بهذه المفهومية في كل مناطق الكويت، ولكن القطاع النفطي وسيطرة الانكليز على كل القطاعات، حاولوا ان يحدوا ويمنعوا هذا المد في القطاع قدر الامكان، وبالنسبة لنا ككويتيين كانت الصعوبة علينا التوعية، والمطالبة بالحقوق، وكان عملنا «قضاء حاجاتكم بالسر والكتمان»، وكنا نحضر ونعمل على المحاضرات والندوات التي تقام في الديرة (العاصمة) نورتنا ووعتنا واعطتنا زخما قويا للقطاع النفطي، ومطالبتنا كانت جماعية وليست فردية، وحتى اسسنا تنظيما نقابيا في اوائل الستينات.
واضاف: استطاعت هذه القوة الوطنية ومعها الرأسمالية الوطنية والمثقفون والمفكرون والتنظيمات ان تحقق اشياء كثيرة، خاصة تكويت الوظائف، والمشاركة والمساعدة على تأميم النفط، هم جنود في الخفاء الذين ساعدوا ولم يظهر احدهم على الساحة لحبهم للوطن والمواطن، ولا على مسرح الاحداث، كما يفعلون الآن، الأولون هدفهم «العنب لا الناطور».
واضاف الوهيدة: رجال أقاموا دورات تنويرية، عملوا العمال على اعمالهم وحقوقهم، ولله الحمد، تحققت المطالب المعيشية والتدريبية والدراسات الخارجية حتى ظهر العامل الكويتي مثقفا ومعلوماته عالية، وبدأوا يكتبون في الصحف تحت اسماء مستعارة حتى لا نصطدم بالشركات النفطية، ومع هذا حصلت مصادمات مع الانكليز والاميركان في مقرات الشركات، واحياناً كان يتوقف العمل، وأصبح العامل الكويتي في القطاع النفطي يشارك في اتحادات العمال في كل دول العالم.
وقال: بعد السنوات التي مرت علينا وعلى آبائنا واجدادنا، والتجارب السابقة، والتصرفات التي قام بها الاوائل للحفاظ على البلد، علينا ان نسير على خطاهم ونبتعد عن الفتن، فهذا الشعب الكريم الطيب متعاون في ما بينه، ولا توجد فوارق بيننا، يجب علينا ان ننبذ كل الظواهر السلبية، والكويتي تعلم من آبائه واجداده الاخلاص وحب الوطن والتآخي في ما بيننا، فلا توجد في السابق اي خلافات ونزاعات، وكان الحكيم منا هو حلال مشاكلنا.
أعشابنا طبية
استخدم الكويتي في الماضي النباتات المختلفة، لمعالجة امراضه، لان ارض الكويت غنية بالنباتات، فهي كنوز طبيعية. وقد اثبتت التجارب ذلك، بالاضافة الى ما يستورد منها من الهند وباكستان وايران، ومصر.
يقول الوهيدة عنها: الاعشاب الكويتية البرية هي اصناف مختلفة ومتعددة، منها للحلال ومنها للعلاج، واعشابنا عالجت الامراض الكثيرة، وعلينا ان نعرّف اولادنا علينا.. فلنتساءل: أين هي الآن؟!
فهذا نبات «نجيل» بري يتكاثر بالبذور موطنه الأصلي الكويت، ونسميه أيضا «نجمة»، ونبات «عجرم» أو «نشمة» كنا نشاهده مع الرمث في الدبدبة، عشب الغنم الذي كنا نعالج به القروح، خبيزة (خبازي) نبات كان يرتفع حوالي 30 سم أوراقه طبية.
نباتاتنا كانت وضاعت أين الحمض والسدر، والغوطن والرشوش؟ وأين الفقع الزبيدي والإخلاص والحبشي؟ ولماذا اندثرت وضاعت تحت أقدامنا وعجلات السيارات والبجيات وأعمدة الخيام؟
وأضاف: كلها ضاعت واستوردنا العادات السيئة مثل الشيشة في المقاهي وبعض الديوانيات في أفواه شبابنا وشاباتنا، والبنت الكويتية دائما عودتنا على الجد والإخلاص في العمل والعطاء والشموخ، لا تخصيص وقتها للشيشة في المقاهي، وهي تعرف صحتها وعافيتها، لا أتمنى ان تكون مدمنة على الشيشة المضرة، بناتنا ربات البيوت أعمدتنا في المجتمع، وهن السكن والسكينة للأب والأخ والزوج.
عمال يهدمون السور عام 1957
يوم الاثنين 4 فبراير 1957 بدأت دائرة الأشغال العامة بهدم السور بناء على قرار صادر عن «مجلس الشيوخ الأعلى» - هكذا وردت العبارة - ، وذلك تماشيا مع التطور العمراني السريع الذي شمل الكويت في الوقت الحاضر، ولأنه اصبح عائقا لحركة المرور المتزايدة، فقرر المسؤولون ازالته والابقاء على البوابات الأربع رمزا تاريخيا له، والقصة منقولة من جريدة «الكويت اليوم» الرسمية.
بني هذا السور في عهد المغفور له الشيخ سالم بن مبارك الصباح في رمضان سنة 1338هــ الموافق مايو 1920، وذلك لصد هجمات (الاخوان) القادمين من البادية.
تطوع جميع اهالي الكويت كبارهم وصغارهم لبنائه وكانوا يعملون فيه نهارا وليلا حتى أتموه في شهر واحد، وقد دلت تلك التجربة على تآزر الكويتيين وتضامنهم في وقت الشدة.
ويبلغ طول هذا السور حوالي خمسة أميال (8045 مترا) وله اربع بوابات كبيرة.
سبق لأهل الكويت ان بنوا سورا قبله وهدموه لأسباب مشابهة.
يعتبر سوق الغربللي من الاسواق الكبيرة والمهمة في الكويت.
اما اسباب تسميته بسوق الغربللي فتعود الى كثرة ابناء عائلة الغربللي ودكاكينهم، ويسمى هذا السوق في السابق بسوق الصين، ثم اطلق عليه سوق البلدية في بداية الثلاثينات، كان عبارة عن ساحة متصلة بساحة الصراريف تباع فيه مختلف البضائع، خاصة المواد الغذائية كالسكر والشاي والفهوة. وتوضح هذه البضائع في «مناجب».
الساحة مكتظة بالعماريات والعمارية عبارة عن خرق بمنزلة «مظلة». وكذلك هناك العريشة وجمعها عرشان و «الدكه» للجلوس عليها.
ويعتبر هذا السوق من انشط اسواق الكويت، وهناك اسواق متفرعة من سوق الغربللي:
1 - سوق فهد السالم: سوق البشوت والزل، وهو عبارة عن قيصرية مسقوفة توجد على جانبيها محلات لبيع البشوت والسجاد، وفي وسطها ساحة لباعة السجاد.
2 - سوق الشعير: يباع الشعير معبأ بالاكياس (اخياش) مفردها الخيشة، ويباع ايضا الرز (العيش) و«نوى التمر» ويجلب الشعير من ايران والعراق بواسطة الابلام ويباع ايضا بالوزن.
3 - سوق الحرس: يشرف عليه صباح الدعيج (صباح السوق) وهو مسؤول الامن بالاسواق وحفظ النظام والامن، ولدى الشيخ مجموعة من النواطير الذين يقومون بحراسة الاسواق اثناء الليل.
4 - سوق البيبان (الابواب): يباع في هذا السوق الابواب والشبابيك الخشبية التي يقوم بصناعتها نجارون كويتيون ويباع ايضا في هذا السوق اعمدة الخيام والارماح ولوازم البر.
5 - سوق الخبابيز: بني هذا السوق في عهد الشيخ محمد الصباح الحاكم السادس للكويت، وهذا السوق لتوفير الخبز اليومي، وفيه ايضا مطاعم (مطاعم الباجة) والكبدة والكلاوي والوجبات الاخرى مثل العيش والمرق والسمك واللحم.
ومن اشهر محال هذا السوق معمل عبدالنور، الذي يصنع الكيك الفاخر والغريبة والدندرمة وحلاوة الكركري.
وفي هذا السوق ايضا نصيب للنساء اللواتي يقمن ببيع الباجلا والنخي بمقابل مبلغ بيزة او بيزتين، وتبيع النساء ايضا البيض والحليب واللبن.
6 - سوق السلاح: يباع فيه مختلف انواع بنادق الصيد وبنادق مستوردة من بلدان اوروبا لصيد الطيور والغزلان والارانب.
7 - سوق الصفافير: الاواني النحاسية، الاباريق والمغاريف، والصناديق والكثير من اواني المعدن والمناقيش (للخبابيز) والدوة (المنقلة) ويقبل عليه الاهالي في الشتاء والربيع لطلعات البر.
يتحدث عن تجربته مع مسرح الأربعينات
العجيري: شاركت في «إسلام عمر» بعيدا عن الجمهور
صورة مسرحية {إسلام عمر} بعد تكبيرها يحملها صالح العجيري
فتحية الحداد
استمرار ظاهرة ما على مدى سنوات، يشجعنا لوضعها في اطار نميز فيه الوليد ونتبع سنوات بلوغه ورشده، وعليه فالنماذج المسرحية التي تم توثيقها على مدى عقود متتالية يمكن العمل على دراستها وفق اطار زمني يحدد في كل مرة بعقد يمتد عشر سنوات. فإن بدأنا بالأعمال التي شهدتها الكويت خلال الفترة 1937 حتى 1947، نجد أن أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات كانت حاضنة لأعمال رسخت لجعل خشبة المسرح والستارة والكالوس أساسيات يميز فيه المتفرج العرض المسرحي ويكون الجمهور أحد شروطه.
في ظروف معينة أفرزت هذه الأعمال قوالب محددة، وتشعبت بعد حين النماذج وتطورت خلال سنوات متأثرة بمعطيات ثقافية واجتماعية مختلفة فتباين مستوى العروض بين الأربعينات والخمسينات وما تلاها، ليكون الانسان أو الفرد المحور المحرك والأساس.
من هذا المحور وانطلاقا من صورة فوتوغرافية عمرها ستون عاما، نتحدث اليوم إلى الفلكي الدكتور صالح العجيري، الذي كان في نهاية الثلاثينات تلميذا في المدرسة المباركية ونسأله عن رواية «اسلام عمر» التي عرضت في «المباركية» ونعيد معه اكتشاف طلائع مسرح الأربعينات في الكويت.
• تداول المهتمون صورة لرواية «اسلام عمر»، واهتم الراحل صالح جاسم شهاب بتوثيق هذه الصورة في كتابه «تاريخ التعليم في الكويت والخليج أيام زمان»، وأدرج أسماء بعض الذين شاركوا في تمثيل هذا العمل الذي عرض في المدرسة المباركية في نهاية العام الدراسي 1939/1938، أي في هذه الفترة التي كنت فيها تلميذا في المدرسة نفسها، فلماذا لم تشارك في العرض وقد عرف عنك نشاطك الملحوظ في فصول الدراسة وبين الزملاء؟
ــــ في الواقع شاركت في العرض، ولكن بعيدا عن الحضور. عملت خلف الكواليس ولم أظهر في مواجهة الجمهور. مدرس اللغة العربية، الذي أعد نص مسرحية «اسلام عمر» وكان له دور البطولة في العرض، الأستاذ محمد محمود نجم عهد إلي لأكون مساعدا للأستاذ عبداللطيف الصالح، فقمت معه بـتحفيظ التلاميذ وتهيئتهم للخروج إلى الخشبة بحسب أدوارهم، وتلقينهم أثناء العرض إن تطلب الأمر ذلك، وأحسب أن الأستاذ محمد محمود نجم اختارني لمهمة تحفيظ التلاميذ، لتميزي في اللغة العربية والنحو، حيث كنت أول نتاج للمرحوم عالم الكويت الشهير محمد سليمان الجراح.
قصة صورة
• ولهذا ربما لم نقرأ عن مشاركتك في العمل، ولم تسنح الفرصة لأن تظهر في الصورة التي عكست جانبا من العرض.
ــــ لهذه الصورة قصة، فقد أوكل إلى الأستاذ عبداللطيف الصالح أمر تدبير تصوير المسرحية فوتوغرافيا.
• يبدو أنك ساهمت في الشؤون الادارية للمسرحية.
ــــ نوعا ما، فالاستاذ عبداللطيف الصالح طلب مني متابعة أمر التصوير، لأنه يعرف أن منزلنا في الصالحية قريب من سكن ومقر عمل المصور بدري شلبي، المصور الوحيد أو الأشهر في الكويت آنذاك.
• في المطبوعات المختلفة تنتشر الصور التي التقطها المصور بدري لمواقع كثيرة في الكويت، إلا صورته الشخصية لم أتعرف إليها حتى اليوم... مفارقة... عموما تقول ان بيته كان مقر عمله، فهل يعني انه احتفظ بمعمله في منزله ليمارس نشاطه من هناك؟
ــــ نعـم وربما لسنوات... كنا نعرفه في الكويت باسم بدري السوري. اتفقت معه، وبناء على توجيهات الأستاذ عبداللطيف الصالح، على تصوير جانب من العرض، وذهبت إليه ثانية لاحضار الصورة الجماعية للممثلين. في بادئ الأمر تحفظ في اعطائنا اللوحة السالبة للصورة أو ما يسمى بالنيغاتيف، وهي عبارة عن قطعة زجاجية، إلا أن الأستاذ عبداللطيف الصالح أصر على الاحتفاظ بها، وهكذا حفظت للأجيال.
في الماضي كانت وسائل التسلية نادرة، فأخذت المسرحيات أهميتها وصار لها شأن، فيحضرها وجهاء البلد وأعيانها، ومسرحية «اسلام عمر» شهدها حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح، وأعضاء مجلس المعارف ووجهاء البلد وأعيانه وجمع غفير من الجمهور.
• المرحوم صالح جاسم شهاب عندما أدرج صورة مسرحية «اسلام عمر» في كتابه، أشار إلى أسماء بعض الممثلين، وقال: «وقد كان ضمن المشاركين في هذه الرواية صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح، الذي يرى في هذه الصورة (...)»، ترى لماذا لم يشترك الشيخ صباح الأحمد الصباح في هذا العمل، ونحن نعرف أن سموه وشقيقه الراحل كانا في المدرسة نفسها؟
ــــ الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله، كان في سن الثانية عشرة تقريبا عندما عـرضنا المسرحية، أما الشيخ صباح الأحمد أطال الله في عمره، فلم يكن قد تجاوز الثامنة. عموما بعد أكثر من عام، وأثناء دراسته في المدرسة الشرقية، كان من المتوقع أن تحين لسموه الفرصة وينضم إلى فريق مسرحية عنوانها: «صلاح الديـن الأيوبي»، ولكن بسبب ظروف الممثلين المشاركين وسفرهم ألغيت فكرة العرض.
دختر أمريكاني
• «اسلام عمر» قدمت في مدرسة المباركية في نهاية العام الدراسي 1939/1938، وفي يونيو 1939 بالتحديد، ولكنك أشرت مرة أنك وزملاء لك قدمتم عرضا تمثيليا قبل هذا التاريخ، فهل حدثتنا عن هذه التجربة؟
ــــ هذه التمثيلية أو المسرحية، ان جاز التعبير، مثلناها على الأرجح في العام الدراسي 1938/1937، وكان عنوانها «الـدختر الأمريكاني»، مثلت فيها إلى جانب المرحوم فهد الصرعاوي رحمه الله وفهد فارس الوقيان أطال الله في عمره.
• وما الدور الذي قمت به؟ وهل تم التجهيز والاعداد لها كما تم مع رواية «اسلام عمر»؟
ــــ قمت بدور المريض أو المُراجع الذي جاء يستـشير الطبيب. ولكن التمثيلية كانت بسيطة، لا تقارن بمسرحية «اسلام عمر»، وقد قدمناها في المدرسة المباركية. لم تـُقدم كعرض مستقل، إنما ضمن فقرات احتفال يتخلله القاء الشعر أيضا وكان ذلك في اطار احتفاء المدرسة بغزوة بدر الكبرى في 17 رمضان. بعد كل هذه السنين لا تحضرني تفاصيل التمثيلية، ولكنها على الأرجح تعاملت مع ظروف العلاج في المستشفى الأمريكاني، كما يشير عنوانها: «الدختر الأمريكاني».
• عنوان المسرحية «الدختر الأمريكاني» يعني أن اللهجة المحلية أخذت جانبا من العمل أو من نشاط التمثيل المدرسي. أتصور أنه بالامكان ادارج هذه التمثيلية، التي تُصنفها بأنها بسيطة، ضمن النماذج التي شكلت وعيا جماعيا ليتقبل الناس في الكويت فكرة التمثيل، ووجود الممثل الذي يطرح قضاياهم الاجتماعية أو الثقافية من خلال هذا الـفن.
ــــ «اسلام عمر» و«الدختر الأمريكاني» أعمال عرفناها ضمن النشاط المدرسي الذي استحدث في التعليم النظامي، وأنا أرى أن تاريخ التمثيل الشعبي أقدم من ذلك، فأهل الكويت أمة بحرية، يعملون في الصيف في البحث عن اللؤلؤ في البحر وفي الشتاء يسافرون إلى الهند وشرق أفريقيا للتبادل التجاري، وفي أثناء ما يسمى السفر – دون الغوص – هناك متسع من الوقت ليقدم فيه بعض البحارة ما يشبه التمثيلية.
مسرح منسي
• وربما كانت تمثيليات تقوم على التقليد، وبغرض الترفيه، ليس إلا.
ــــ دعيني أذكرك أن هناك مسرحا يكاد يكون منسيا، وهو مسرح المرحوم خالد المسلم.
• هل لنا أن نعرف المزيد عن مسرح خالد المسلم؟
ــــ مسرح خالد المسلم عرفناه ابان الحرب العالمية الثانية، والممثلون فيه من المدرسين الذي استغلوا العطلة الصيفية للتعبير عن مواهبهم وأفكارهم ربما.
• أتخيل في هذه الحال أن مسرح البحارة، الذي أشرت إليه، يختلف عن مسرح النشاط المدرسي ومسرح خالد المسلم، حيث جدية الطرح، ليتسم مسرح البحارة بالطابع الهزلي.
ــــ هذه أتركها للمسرحيين وتصنيفاتهم الفنية والنقدية.
• بالنظر إلى ظروف الحرب العالمية الثانية، لا بد أن خالد المسلم تعرض إلى موضوع الحرب. أحمد البشر الرومي كتب في مذكراته عن توقف محطة روما عن الاذاعة باللغة العربية يوم 27 يوليو 1943، وفي اليوم التالي كتب: «عادت محطة إيطاليا للبث. مجرى الحوادث في إيطاليا يسوده الغموض، ولا توجد أخبار عنها في الخارج». وتابع في اليوم الذي بعده وكتب: «خطب في هذا الصباح روزفلت وقال: بصدد إيطاليا يجب أن تسلم دون قيد أو شرط». هذا يعني أن الكويتيين كانوا يتابعون تفاصيل الحرب، وربما ظهرت بوادر التأثر بين الشباب في تقليعة الشوارب القريـبة من شوارب هتلر.
ــــ ربما، المسألة تـحتاج إلى بحث.
• وهل لنا ان نتعرف على أسماء الذين مثلوا في مسرح خالد المسلم، وهل شاركت معهم؟
ــــ نعم، كنت أحد الذين مثلوا في هذا المسرح ومن الأسماء الأخرى التي شاركت في التمثيل خالد الجسار، عبداللطيف الصانع، عبدالله الشيخ يوسف، حمد عبدالملك، عبدالرزاق أمان، حبيب شماس. ومن المسرحيات التي قدموها «جابر عثرات الكرام» و«المروءة المقنعة».
داعية سلام
• وهل من مسرحيات اخرى اشتركت بها؟
ــــ مثلت في مسرحية «حرب البسوس» وصورتي تظهر في كتاب صالح شهاب، ألبس لباسا أبيض، وكنت أمثل شخصية داعية سلام.
مشاهد تمثيلية
• لم تكن أزمة اللؤلؤ الصناعي قد حلت بعد، فذهب المدرسون إلى الغـوص وتركوا التمثيل خلفهم. هل تعتقد أنهم مثلوا على السفينة في تلك الرحلة؟
ــــ رحلة الغوص شاقة ويصعب أن يجد الغواصون فرصة للراحة، ربما لو كانوا في رحلة سفر، لكان الأمر ممكنا. ظروف الغوص تختلف عن رحلات السفر للتجارة، ولكن يبقى أن التمثيل علق في ذاكرة الذين حفظوا النص وتمرنوا مع الأستاذ العدواني على كيفية الأداء والظهور.
كانت تلك مشاهد من حركة المسرح في الكويت التي تستدعي أن نقف عندها بين الحين والآخر لنعيد صياغة الصور ونميز العناصر التي أثرت في تشكيل المسرح عندنا على هذا النحو أو ذلك، حيث تتآزر العناصر اللغوية مع الاجتماعية وتتعاضد المؤثرات المحلية مع الخارجية في سياق لا يفلت من شروط الزمن والمكان ووعي الانسان وحضور الفرد.
المراجع:
صالح جاسم شهاب، تاريخ التعليم في الكويت والخليج أيام زمان، ط1، 1984.
د. يعقوب يوسف الغنيم، أحمد البشر الرومي – قراءة في أوراقه الخاصة – ط 1، 1997.
أنا والتدريس
عندما عملت مدرسا في الشرقية عام 1942 كان من تلاميذي الشيخ صباح الأحمد، أميرنا الحالي حفظه الله، وخالد خلف وشقيقه فاضل خلف إضافة إلى ابراهيم الشطي وغيرهم، وكان مدير المدرسة الأستاذ فيصل العظمة، ابن عائلة العظمة التي عرفت بالمناضلين السوريين المشهورين. اقترحت على المدير أن نقدم تمثيلية لاحتفال نهاية العام الدراسي 1943/1942، وقد وافق، وإن لم يكن في المدرسة مسرح، حيث فكرنا في استغلال ليوان المدرسة. مدنا الأستاذ العظمة بالنص، فتم الاستعداد لتقديم مسرحية عنوانها «صلاح الدين الأيوبي»، وجاء العمل في سياق منظومة شعرية. أما الممثلون فهم زملاء من المدرسين في الشرقية أذكر منهم الأستاذ محمود اسحاق والأستاذ معجب الدوسري، والدكتور عبدالرزاق العدواني الذي تولى توزيع الأدوار واخراج المسرحية والاشراف على التمرينات التي استمرت لفترة، لكن الأمر انتهى بالغاء العرض لأن الممثلين غادروا الكويت، حيث حل موسم الغوص والتحقوا مع البحارة في رحلتهم هذه.
بقلم: بول ايدوارد كيس
زار الصحفي بول ايدوارد كيس الكويت في عام 1952 حيث أجرى تحقيقاً مصوراً لمشاهدته في تلك الفترة من تاريخ الكويت نشرته مجلة ناشيونال جيوغرافيك في عدد سبتمبر 1952.
ويقدم كيس في تحقيقه لمحة لمجتمع الكويت في لحظة كانت تشهد البلاد فيها تحولاً عميقاً مازالت آثاره ماثلة إلى الآن أمام أعيننا. والتقط بعينه الصحفية اللماحة ما كان يدور في تلك المرحلة من تحولات في مجتمع الكويت المحافظ كان يشهدها وهو يتجول في أنحاء البلد.
وكان كيس قد أقام في الكويت في عام 1942، وفق ما ورد في حديثه حول أسواق الكويت، ولكنه لم يورد أي مقارنة فيما بين ما كانت عليه الأمور في تلك الفترة وزيارته للكويت في عام 1952، سوى قوله إن توافد الغربيين غيّر كل شيء.
في ركن من الصحراء الغربية التي لا ترحمها حرارة الشمس ظللت أراقب ثورة تتقدم خطاها.
وهي ثورة سلمية. والنضال الوحيد الذي يدور فيها يجري فيما بين الإنسان وأعدائه القدماء أي الوقت والمسافة والمناخ.
وقد بدأ الإنسان يحقق النصر والمكافأة التي حصل عليها هي النفط في شكل الملايين من براميل النفط من أحد أغنى الحقول في العالم.
ويقع هذا الأمر في الكويت المشيخة الواقعة تحت الحماية البريطانية في الطرف الشمالي الغربي للخليج العربي. وتقل مساحتها قليلاً عن مساحة ولاية نيوجرسي، حيث تبلغ مساحتها حوالى 6 آلاف ميل مربع، وتحيطها جاراتها إيران والعراق والمملكة العربية السعودية ومنطقة محايدة.
وتنتج شركة نفط الكويت من خلال حوالى 135 بئراً ما يقارب 800 ألف برميل من النفط يومياً. وتمتلك مؤسسة نفط الخليج وشركة النفط الانغلو - إيرانية عن طريق الشراكة إدارة العمليات.
ويبلغ إجمالي احتياطي الكويت المكتشف تحت الأرض 16.000.000.000 برميل أو نصف إجمالي احتياطيات الولايات المتحدة تقريباً.
الكويت تصبح ثرية فجأة
والأثر الأكثر وضوحاً لهذا الازدهار هو التضخم المفاجئ لدخل الكويت بوتيرة تقدر بحوالى 150 مليون دولار في العام.
ونصيب المشيخة يبلغ 50 في المائة من أرباح شركة نفط الكويت.
ومن خلال أعراف الحكم الوراثي، فإن هذا الدخل يذهب إلى الحاكم المطلق صاحب السمو الشيخ عبدالله السالم الصباح الذي بات بالتالي أحد أكبر الأثرياء في العالم. وإذا رغب في إنفاق ذلك المال في شراء اليخوت والقصور أو اسطبلات خيول السباق أو حفظه بكل بساطة في حوزته. ولا يستطيع أي أحد أن يعترض على ذلك.
غير ان سموه اختار استخدام تلك الثروة الطائلة لمنفعة مواطنيه كافة. فمن خلال برنامج طموح من المشاريع العامة شرع الحاكم في بناء مجتمع نموذجي في منطقة متخلفة ومهملة من العالم.
وطوال سنوات إقامتي في منطقة الشرق الأدنى لم أشهد البتة تحولاً أكبر من ذلك.
فقبل سنوات قليلة كان مواطنو هذه المشيخة المغمورة البالغ تعدداهم 170 ألف نسمة يعملون في مهن ظلت تمارس عبر السنين في مجال الغوص لاستخراج اللؤلؤ وصيد السمك والسفر على متن السفن التجارية، وبناء السفن والعاصمة الكويت كانت تعرف بصفة عامة.
بأنها محطة ونقطة التقاء طرق القوافل وكمرفأ عميق للسفن الشراعية.
وقد منح هذا الوضع الجغرافي المثالي والضوابط الجمركية المتساهلة الكويت فرصة التحول الى نقطة مرور للعديد من الانواع المختلفة من البضائع والسلع التي تنقل فيما بين اوروبا وآسيا وافريقيا. والآن، وبعد قرون من استمرارها كمركز تجاري عادي تحوّلت الكويت الى مدينة مزدهرة تماثل ما حدث في مناطق جنوب غرب اميركا الغنية بالنفط.
وفي الشوارع ترى المواطنين بملابسهم الفضفاضة يسيرون في هدوء بجوار اميركيين واوروبيين يرتدون البدلات التي تشي بأنهم من رجال الاعمال او ملابس الكاكي التي تحمل أثار العمل، وتجد اللكنات من تكساس واكلاهوما ولندن وزيورخ تختلط باللغة العربية. وتبتعد الجمال والحمير عن الطريق لتفادي السيارات الاميركية وجرافات نقل التربة. وفي المرفأ ترسو المراكب القديمة التي تمر بجوارها ناقلات النفط.
حيوات قديمة بجوار الجديدة
بعد مغادرة عصر الآلة، حيث المنشآت النفطية في الاحمدي وبعد المرور عبر البوابات المصنوعة من خشب التيك التي يتم العبور منها عبر السور المبني من اللبن البالغ طوله 15 قدما وجدت خليطا غريبا من الجديد والقديم. فهنالك البدو بملابسهم وازيائهم التقليدية يختلطون بالكويتيين ممن يرتدون الازياء الغربية التي يجري تفصيلها في بغداد على نمط احدث الموضات الانكليزية. وسيارة ستيشن واغون جديدة لامعة عليها شعار لشركة طيران تقف امام متجر جديد يحتوي على «سجاجيد» هندية وطاولات وكراسي اميركية وديكورات من خشب التيك.
وعبر ميدان السوق المركزي الذي يطلق عليه اسم الصفاة رأيت غابة من الرؤوس، حيث يجلس رجال ينتمون لعدة دول يجلسون على مقاعد مرتفعة يحتسون القهوة والشاي.
وتجد الايرانيين والعراقيين والبلوش والهنود والنجديين والحجازيين والعمانيين والعرب القادمين من كل ارجاء الجزيرة العربية يتبادلون الحديث حول الاعمال التي يقومون بها او تلك التي يأملون في الحصول عليها في هذه المدينة المزدهرة.
إزالة المساكن لتوسيع الشوارع
وفي «شارع الأعمدة» يوجد مكتب ادارة الاشغال العامة الكويت الذي يضج بالعمل. وهنا يوجد اخو الحاكم غير الشقيق الشيخ فهد السالم الصباح يشرف على العمل الجبار الهادف لإحداث تغيير تام لوجه الكويت.
وعلمت من احد المهندسين في المكتب ان العديد من المساكن تتم ازالته لتوسيع الطرق وتحسينها. كما جرى تمديد خط انابيب لمسافة اميال لتوزيع المياه المحلاة النقية من محطة تحلية المياه الجديدة التي تنتج 1.200.000 غالون من الماء يوميا.
وتجولت في احد الشوارع الجديدة ونزلت من تلة مرتفعة نحو ميناء الشويخ الذي بنته الحكومة حديثا. ووجدت المخازن الجديدة اللامعة تستقبل الشحنات.
وداخل المرفأ المحمى شاهدت المئات من المراكب الشراعية راسية في الارصفة المشغولة او واقفة بمرساتها. ومعظمها من الابوام، وهذه السفن تجلب الى الكويت افضل المنتجات والبضائع الهندية والافريقية والمواد الاولية.
المراكب تحمل شحنات غريبة
وأثناء مراقبتي لانزال البضائع والشحنات في الميناء الجديد ادهشتني البضائع الغريبة، فقد كانت هناك ثلاث سفن تشحن بأكياس نوى التمور. وكانت تلك الاكياس تعبأ وتوزن بجانب السفينة ويعاد بيعها كعلف للحمير والخراف. وكانت سفن اخرى تمتلئ بربط ثقيلة من سعف النخيل.
والنوى والسعف يأتي جنوبا من شط العرب جنوب غرب البصرة والطابوق المربع ذو اللون الاصفر يأتي من ايران
وهنالك الزجاجات المصنوعة يدويا التي تجلب ايضا من ايران، وقد تمت تعبئتها بثلاثة الى خمسة غالونات من عصير الفواكه لاضفاء نكهات للشاي والتمور المجلوبة من البصرة وما جاورها تتكدس في اكوام عالية على متن العديد من السفن.
ودائما ما توجد في اسفل سفن نقل التمور برك صغيرة من الدبس المخلوط بالحصى والرمل والذباب وتجد الاطفال يملأون الجرار والعلب بتلك العصارة الداكنة اللون.
كما شهدت عدة سفن تشحن بالصدف المطحون المخلوط بالرمل، ويحمل الرجال هذا الخليط في قفاف على رؤوسهم ينتظرون الشاحنات والحمير، ويقوم البعض بتوزيع هذه المادة على الرصيف والمرفأ لتسوية الطرق الجديدة.
وفي خضم هذا النشاط نشر شراع ضخم على ارضية المرفأ الجديد وكان خمسة رجال يقومون بخياطة الشقوق الكبيرة التي كانت فيه.
ومع اقتراب الظهيرة تشب المواقد التي تعد الجهاز الاساسي في كل بوم من الابوام.
ويجلس الرجال القرفصاء في وقت لاحق حول الاطباق التي يخرج منها البخار، وقد امتلأت بالارز والمرق المبهر ووضعت على صوان زاهية اللون، واشاروا اتجاهي قائلين «تفضل» ومن بين البحارة ايرانيون يدخنون الشيشة.
ونادرا ما تشاهد النساء الكويتيات بالرغم من ان البعض منهن يعملن في بيع الدجاج الموضوع في اقفاص او في مجال خياطة الملابس التي تجلب لهن لاصلاحها.
ويبدو ان البعض منهن يأتين الى المرفأ لرؤية قوارب ازواجهن او آبائهن وكن يرتدين افضل ثيابهن والحلي الذهبية وقد غطين وجوههن ويرتدين خواتم فضية في اصابع القدمين، وحجول من الفضة، وهن يسرن معا في مجموعات صغيرة وتتحدث كل منهن فقط الى زوجها عند وصولها الى سفينته.
الصغار يصنعون ألعابا ميكانيكية
يلعب الاطفال البلى (التيل) بين مخازن السفن ويرسمون خطوطا مستقيمة على الرمل بأصابعهم لمساعدتهم في ارسال البلية في خط مستقيم.
وهنالك البعض ممن لديه لعب مصنوعة من علب الصفيح، واحدى هذه اللعب شاحنة جيدة الصنع ولعبة اخرى مكونة من مجموعة من العجلات الخشبية على محور محمول فوق عصي، ويمكن استخدام اليد كرافعة لتحريك المحور، وهي فكرة ذكية من صبي في العاشرة وقد ابلغني بفخر انه صنعها بنفسه.
أبواب مثل مقتنيات المتاحف
ومن الميناء عدت الى المدينة عبر منطقة سكنية من بيوت طينية، والبيوت القديمة جميلة في بساطتها، غير ان الابواب المصنوعة من خشب التيك اثارت دهشتي، فهي منحوتة يدويا ومزينة بمسامير كبيرة وضعت في انساق خاصة، وبها اقفال خشبية كبيرة في شكل فرشاة اسنان.
ووجدت نفسي اطالع الابواب، بابا بعد الآخر، والابواب الكبيرة غالبا ما يكون بها آخر صغير في احد الضلفتين والبعض منها يحمل التصميم ذاته كتلك التي نجدها في مؤخرة السفينة الشراعية.
والعديد من الابواب بها ايد للقرع مصنوعة من النحاس كتلك المصنوعة في اصفهان.
والمساكن الجديدة تحمل آثار البصرة وبغداد، فهناك الشرفات وبلكونات الطابق الثاني ومظلات الشبابيك واشكال الطابوق الاسمنتي وابواب على نمط ابواب البصرة التي تظهر ارتباط الكويت بمدن وادي دجلة.
وكنت احب السير في الشوارع الخالية في الليالي القمرية عندما يكون الليل ساكنا ويمر بجانبي بعض العرب الحفاة، وقد تعطروا بالصندل او عطر الزهور وهم يلقون تحية المساء بصوت خافت، وقد ارتدوا بشوتهم المزينة بالخيوط الذهبية والمصنوعة يدويا وغترهم البيضاء تلمع في ضوء القمر. وشاهدت برجا ضخما للتهوية وكالذي تجده في نائين ويزد في ايران وهذه الابراج ترتفع كطابق اضافي اعلى من سقف المبنى، وهي ابنية ضخمة مربعة الشكل كبيت المصعد وهي تلتقط الهواء المنعش من اي اتجاه.
ويعتبر هذا شكلا بدائيا من اشكال تكييف الهواء يعود الى آلاف السنين، وقد نمت ذات مرة في يزد في غرفة يجرى تبريدها بمثل هذه الابراج الا انني تغطيت ببطانية طوال الليل، فيما اصدقائي الذين ناموا في غرف اخرى احسوا بان الليل كان دافئا.
أعمدة أشرعة السفن تساعد في بناء المساكن
في الكويت تجد الطابوق الاصفر المستورد من ايران احيانا ما يشكل بالطريقة ذاتها كما في طهران والاهواز وكرمان أو اي مدينة ايرانية اخرى.
وبعض المساكن الجيدة قيد التشييد يظهر بها استخدام مواد مثيرة للاهتمام، فاعمدة اشرعة السفن القديمة التي تم التخلص منها تحولت الى عوارض خشبية للسقف وبعض الاعمدة تم تقطيعها واستخدامها كاطارات للنوافذ والابواب، والصخور المرجانية وحتى الطين يستخدم مرة اخرى في بعض الاماكن.
ووصلت فجأة الى الطرف الغربي لسوق الكويت واصبحت فورا جزءا من التجمهر والضجيج الذي يتعارض والهدوء السائد في المنطقة السكنية التي تركتها للتو وكانت النساء بالعباءات السوداء ومغطيات الوجوه يجلسن على قطع اسمنتية وامامهن قطع الملابس مطوية ومرتبة بعناية.
ومعظم النساء لديهن قطع ملابس جديدة وقديمة من تلك قمن بخياطتها او اصلاحها غير ان بضاعتهن تضم كل شيء القديم والجديد والمفيد وغير المفيد.
واشتريت من احدى النساء المنقبات براد شاي صغيرا من النحاس، وعندما اشرت اليه اسأل عن السعر ترددت المرأة قليلا ورفعت زوجا من السراويل الداخلية من المسولين المطرز وبدرت منها ضحكة مكبوتة وانطلقت مني ضحكة وقلت لها «لا ، براد الشاي» ولم ادخل معها في جدل حول السعر اذ كان روبية واحدة، وهزت رأسها في استغراب عندما اخذت ما اردت وذهبت.
من شمعات الاحتراق إلى زجاجات العطر
وتبدو الاغراض التي تعرضها النسوة بانها لا نهاية لها، فهناك الفساتين واغطية الرأس والسراويل الداخلية وملابس الاطفال والبراغي والخرز والمرايا والطوقي (القحافي) والمعدات وشمعات الاحتراق واكواب الشاي والقهوة والاقفال والمفاتيح والحلوى ومرشات ماء الورد وزجاجات العطر (المليئة والفارغة) وغير ذلك.
وبعيدا عن هؤلاء البائعات تجد المحلات مليئة بالمواد المستوردة من العديد من اجزاء العالم وفي احد المحلات حصائر معلقة فوق بابه وهي مصنوعة من القش، مربعة الشكل وملونة، وهناك مراوح يد مصنوعة من سعف النخيل بيد من اغصان النخل.
وبعض المحلات فيها أدوات المطبخ وآنية من الالمنيوم واطباق تشيكوسلوفاكية ويابانية مطلية بالمنيا، وعطور من الهند وحلوى وعلكة اميركية وملابس وبطانيات ومجموعات مختلفة من الخيوط من القطن والحرير والنايلون، والابر وشمع النحل وغير ذلك.
ومحلات بيع المواد الغذائية غالبا ما تكون في وسط بقية المحلات. وتجد الشاي الهندي والسيلاني والسومطري (الانواع السائدة)، بالاضافة الى التمر والارز والطحين الاسمر والفاصوليا والقمح، والزعفران والسكر والطاري والملح الطبيعي والفلفل الجاف وعلب السمن.
الباعة يعرضون الملابس المستعملة
بالقرب من الشارع الجديد الرئيسي اقيم مزاد للملابس المستعملة. ويحمل الرجال جاكيتا او اي قطعة ملابس فوق اكتافهم ويعرضونها امام تجمع المتسوقين ويصيحون عليها بالسعر المطلوب.
وتتلقى الكويت كميات ضخمة من الملابس الاميركية المستعملة. وتجد البدلات والجاكيتات المصممة على يد ترزية مشاهير في مثل هذه الاسواق. وكان رئيس عمال وظفناه ذات مرة لديه معطف من محل مشهور في نيويورك.
وتأتي هذه الملابس من اميركا في بالات ويجري اعادة فرزها وبيعها الى التجار الذين يأخذونها عبر الصحراء الى نجد، وعبر الخليج الى ايران، والشمال الغربي الى العراق، والكثير منها يباع في الكويت ذاتها.
وهنالك الصناديق القديمة المصنوعة في الهند والمزينة بالمسامير والمقابض النحاسية مكدسة في محل او محلين. وقد اعجبني احد هذه الصناديق الجميلة. وساومت صاحب المحل ولكني لم استطع اقناعه بتخفيض السعر اقل من 250 روبية (52.50 دولارا).
وقد رأيت مثل هذه الصناديق تباع بمبلغ 150روبية عندما كنت اقيم في الكويت في عام 1942. وتوافد الغربيين غيّر كل شيء.
وعلق احد المحلات لافتة كبيرة تقول «بنسلين للبيع». وكنت قد سألت في البصرة ذات مرة صيدليا عن اكثر المواد التي يبيعها فاجاب «صبغة الشعر السوداء، ادوية المعدة، ومحفزات تجعل الشخص المسن فحلا». وقال لي الصيدلي في الكويت الامر ذاته، مضيفا حبوب الفيتامينات.
وفي مركز السوق يوجد مكتب البريد واشتريت منه عددا من الطوابع البريدية التذكارية الكويتية الخاصة بالاولمبياد.
وخلف مكتب البريد شارع به محلات بيع الاغذية والخضروات، وتعرض معظم المحلات التمور التي تجلب من البصرة، وهنا تجد الرمان والبطاطس المستورد من ايران، والقرع الكبير من البصرة او الزبير، والبصل من ايران، والفلفل الحار من شمال البصرة، والبرتقال والليمون من بغداد، والعديد من الاشياء الاخرى مثل الشمار الذي يجلب من صفوان القريبة.
حاكم الكويت ومستشاروه ورجال النفط يتفقدون مرفأ تحميل ناقلات النفط
تستطيع محطة ميناء الأحمدي الكافية لرسو ثماني ناقلات تحميل اكثر من مائة الف طن من الخام كل 24 ساعة. الشيخ عبدالله السالم (بالبشت الأبيض) يسير مع ال - تي جوردان (بعيدا الى اليمين) مدير شركة النفط الكويتية.
تأخذ ناقلات النفط حمولتها من نفط الكويت في أقل من ثماني ساعات
تبدو أرصفة التحميل في شكل هيكل من الحديد الصلب يأخذ شكل حرف T وتتوغل هذه الارضية لمسافة ميل داخل البحر في ميناء الأحمدي. وهناك حواجز اصطدام تم تطويرها لإقامة المرافئ الاصطناعية ابان الحرب العالمية الثانية لتحمل الصدمات وحماية المرفأ والسفن في حالات اضطراب البحر.
وتتراوح درجات الحرارة بين 30 و170 درجة فهرنهايت، مما يؤدي الى تمدد الانابيب التي سمكها 24 بوصة، والى انكماشها بصورة كبيرة. ولاتاحة الفرصة للحركة، تم تركيب الخطوط على عجلات تتخذ شكلا منحنيا عند رأس المرفأ.
اثنان من التجار يسيران في الشارع الجديد الذي يقع في قلب مدينة الكويت المزدهرة
يغطي الاسفلت المجلوب من مصفاة عبادان في ايران قبل اغلاقها، الطرق. وهذا المتجر تخصص في بيع السجاد واللؤلؤ بجانب الأسلحة القديمة والصناديق المزينة بالنحاس والأواني الفخارية وبعض الأغراض القديمة المختلفة.
ويرتدي التاجران البشت العربي والغترة والعقال لحمايتهما من الحر والبرد على السواء فوق السترة الغربية.
وتنفق المشيخة الملايين من دولارات النفط في تحسين الطرق والشوارع والشبكة الصحية وشبكة مياه الشرب. وقد بدأت المساكن المبنية من الطين تنهار تحت انهمار مياه الامطار وتختفي.. واخذت مكانها ابنية مصنوعة من الاسمنت.
للبيع: صقر
بينما الآخرون مشغولون بالنفط نجد هذا الشيخ ذا اللحية البيضاء واصدقاءه يتبادلون النقاش حول صفات هذا الصقر الصغير وسماته. وهذا النوع من الطيور عند تدريبه بطريقة مناسبة يستخدم في الصيد. ورياضة الصيد باستخدام الصقور من الرياضات المفضلة لدى شيوخ الكويت.
عبدالله السالم حاكم الكويت المصلح يقضي أوقاتا طويلة في دراسة المشكلات التي نجمت عن الثروة المفاجئة
نصف ارباح شركة نفط الكويت يقدر بحوالي 150 مليون دولار تدفع للشيخ عبدالله السالم. وفي مقدوره انفاقها كما يشاء ويرى، ولكنه اطلق مجموعة من المشاريع العامة لخدمة المواطنين.
ويبدو الى اليسار حراس مسلحون يقفون في حالة استعداد اثناء مغادرة الحاكم قاعة المجلس.
الى اليمين اسفل: احد المواطنين يحيي الشيخ بتقبيل يده اثناء عودته
الى اليمين اعلى: افراد من الكشافة يرفعون علم الكويت
مسنّون يلعبون الدامة على شاطئ البحر
1 - لعبة الدامة من الألعاب المفضلة لدى المواطنين
حمّال ينقل مجموعة من السجاد
2 - أطنان من السجاد الإيراني الزاهي اللون تمر عبر الكويت في طريقها إلى أسواق الداخل
السفن الشراعية المصنوعة من خشب التيك ترسو في مرفأ الكويت
كانت الكويت حتى قبل ظهور النفط تضم مجتمعا مزدهرا نتيجة اهمية موقعها البحري، وعبر الخليج والمياه المجاورة عرف البحارة الكويتيون بمهاراتهم وجرأتهم وبأنهم مصدر ثقة تامة.
سبائك ذهبية
تعد الكويت مركزاً لاعادة تصدير المعادن النفيسة من أوروبا إلى آسيا.. ويبدو في الصورة صبي يحمل سبيكتين من الذهب وزنهما 50 رطلاً تقدر قيمتهما بحوالى 28 الف دولار، وفق تسعير وزارة الخزانة الأميركية، ولكن يجري تداولها بسعر أعلى في السوق السوداء. والأمن مستتب للغاية حتى انه يتنقل بدون حراسة.
2 - صيادو سمك يستخدمون أصابع اليدين والقدمين في نسج شباك الصيد في جزيرة فيلكا.. ويقوم أحدهم بصناعة مصيدة سمك من أفرع واغصان النخيل.
ينفق من أجل مساعدة مواطنيه
يدخل النفط حوالى 150 مليون دولار سنوياً في الحساب المصرفي للشيخ عبدالله السالم الصباح حاكم الكويت. وهو يبقي جزءاً ضئيلاً فقط لاحتياجاته الشخصية، والباقي يصرف على المدارس والمستشفيات والطرق والمباني العامة. وأحد أهم مشروعاته إقامة محطة لتحلية مياه الشرب في البحر، وهو ما يوفر للكويت أول مصدر مائي مناسب.
كويتيون من جميع الطبقات يتوقون إلى زيادة معرفتهم يصغون باهتمام إلى محاضر
يقف المحاضر تحت سلة الكرة في مدرسة المباركية الثانوية متحدثاً عن الفن العربي في اسبانيا. ومثل هذه اللقاءات يحضرها الطلاب والمواطنون عامة.
مدرسة مهنية تحوّل بدو الصحراء إلى عمال مهرة
لتأهيل الكويتيين لتولي وظائف في مجال النفط تدير شركة الإنتاج الانغلو - أميركية مركزاً للتدريب في المقوع. وهنا بعد تلقي التعليم المدرسي الأساسي في مواد الحساب واللغة الإنكليزية يلتحق المتدربون بدورات تدريبية تتصل بالعديد من المهن. ويقوم هؤلاء الطلاب بحل مسألة في الهندسة الكهربائية.
بناة سفن كويتيون من اساتذة الفن القديم يشكلون خشب التيك القوي كالحديد باستخدام القدوم
تُختار جذوع أشجار التيك بأطوال مناسبة لبناء اجزاء اسفل السفينة أو قاعها ومقدمها وقائم مؤخرها، وتُبنى السفينة بهذه الاخشاب الاساسية عن طريق مخطط يكون فقط في ذهن رئيس المجموعة.
عيادة طبية متنقلة تتجول في قرى الكويت
بالنسبة للمرضى ممن لا يستطعيون الذهاب إلى العاصمة توفر الدولة وحدة متنقلة أميركية الصنع مزودة بطبيب وممرضة وفني.
ويظهر في الصورة طبيب يفحص مريضا مسنا في قرية خارجية فيما ينتظر بقية المرضى دورهم، ولا يكلفهم العلاج أي شيء. وهنالك مستشفيات جديدة أحدها بيطري، وهي تعد جزءاً من استثمارات الكويت الكبرى في مجال رعاية المواطنين.
بقلم: بول ايدوارد كيس
زار الصحفي بول ايدوارد كيس الكويت في عام 1952 حيث أجرى تحقيقاً مصوراً لمشاهدته في تلك الفترة من تاريخ الكويت نشرته مجلة ناشيونال جيوغرافيك في عدد سبتمبر 1952.
ويقدم كيس في تحقيقه لمحة لمجتمع الكويت في لحظة كانت تشهد البلاد فيها تحولاً عميقاً مازالت آثاره ماثلة إلى الآن أمام أعيننا. والتقط بعينه الصحفية اللماحة ما كان يدور في تلك المرحلة من تحولات في مجتمع الكويت المحافظ كان يشهدها وهو يتجول في أنحاء البلد.
وكان كيس قد أقام في الكويت في عام 1942، وفق ما ورد في حديثه حول أسواق الكويت، ولكنه لم يورد أي مقارنة فيما بين ما كانت عليه الأمور في تلك الفترة وزيارته للكويت في عام 1952، سوى قوله إن توافد الغربيين غيّر كل شيء.
في ركن من الصحراء الغربية التي لا ترحمها حرارة الشمس ظللت أراقب ثورة تتقدم خطاها.
وهي ثورة سلمية. والنضال الوحيد الذي يدور فيها يجري فيما بين الإنسان وأعدائه القدماء أي الوقت والمسافة والمناخ.
وقد بدأ الإنسان يحقق النصر والمكافأة التي حصل عليها هي النفط في شكل الملايين من براميل النفط من أحد أغنى الحقول في العالم.
ويقع هذا الأمر في الكويت المشيخة الواقعة تحت الحماية البريطانية في الطرف الشمالي الغربي للخليج العربي. وتقل مساحتها قليلاً عن مساحة ولاية نيوجرسي، حيث تبلغ مساحتها حوالى 6 آلاف ميل مربع، وتحيطها جاراتها إيران والعراق والمملكة العربية السعودية ومنطقة محايدة.
وتنتج شركة نفط الكويت من خلال حوالى 135 بئراً ما يقارب 800 ألف برميل من النفط يومياً. وتمتلك مؤسسة نفط الخليج وشركة النفط الانغلو - إيرانية عن طريق الشراكة إدارة العمليات.
ويبلغ إجمالي احتياطي الكويت المكتشف تحت الأرض 16.000.000.000 برميل أو نصف إجمالي احتياطيات الولايات المتحدة تقريباً.
الكويت تصبح ثرية فجأة
والأثر الأكثر وضوحاً لهذا الازدهار هو التضخم المفاجئ لدخل الكويت بوتيرة تقدر بحوالى 150 مليون دولار في العام.
ونصيب المشيخة يبلغ 50 في المائة من أرباح شركة نفط الكويت.
ومن خلال أعراف الحكم الوراثي، فإن هذا الدخل يذهب إلى الحاكم المطلق صاحب السمو الشيخ عبدالله السالم الصباح الذي بات بالتالي أحد أكبر الأثرياء في العالم. وإذا رغب في إنفاق ذلك المال في شراء اليخوت والقصور أو اسطبلات خيول السباق أو حفظه بكل بساطة في حوزته. ولا يستطيع أي أحد أن يعترض على ذلك.
غير ان سموه اختار استخدام تلك الثروة الطائلة لمنفعة مواطنيه كافة. فمن خلال برنامج طموح من المشاريع العامة شرع الحاكم في بناء مجتمع نموذجي في منطقة متخلفة ومهملة من العالم.
وطوال سنوات إقامتي في منطقة الشرق الأدنى لم أشهد البتة تحولاً أكبر من ذلك.
فقبل سنوات قليلة كان مواطنو هذه المشيخة المغمورة البالغ تعدداهم 170 ألف نسمة يعملون في مهن ظلت تمارس عبر السنين في مجال الغوص لاستخراج اللؤلؤ وصيد السمك والسفر على متن السفن التجارية، وبناء السفن والعاصمة الكويت كانت تعرف بصفة عامة.
بأنها محطة ونقطة التقاء طرق القوافل وكمرفأ عميق للسفن الشراعية.
وقد منح هذا الوضع الجغرافي المثالي والضوابط الجمركية المتساهلة الكويت فرصة التحول الى نقطة مرور للعديد من الانواع المختلفة من البضائع والسلع التي تنقل فيما بين اوروبا وآسيا وافريقيا. والآن، وبعد قرون من استمرارها كمركز تجاري عادي تحوّلت الكويت الى مدينة مزدهرة تماثل ما حدث في مناطق جنوب غرب اميركا الغنية بالنفط.
وفي الشوارع ترى المواطنين بملابسهم الفضفاضة يسيرون في هدوء بجوار اميركيين واوروبيين يرتدون البدلات التي تشي بأنهم من رجال الاعمال او ملابس الكاكي التي تحمل أثار العمل، وتجد اللكنات من تكساس واكلاهوما ولندن وزيورخ تختلط باللغة العربية. وتبتعد الجمال والحمير عن الطريق لتفادي السيارات الاميركية وجرافات نقل التربة. وفي المرفأ ترسو المراكب القديمة التي تمر بجوارها ناقلات النفط.
حيوات قديمة بجوار الجديدة
بعد مغادرة عصر الآلة، حيث المنشآت النفطية في الاحمدي وبعد المرور عبر البوابات المصنوعة من خشب التيك التي يتم العبور منها عبر السور المبني من اللبن البالغ طوله 15 قدما وجدت خليطا غريبا من الجديد والقديم. فهنالك البدو بملابسهم وازيائهم التقليدية يختلطون بالكويتيين ممن يرتدون الازياء الغربية التي يجري تفصيلها في بغداد على نمط احدث الموضات الانكليزية. وسيارة ستيشن واغون جديدة لامعة عليها شعار لشركة طيران تقف امام متجر جديد يحتوي على «سجاجيد» هندية وطاولات وكراسي اميركية وديكورات من خشب التيك.
وعبر ميدان السوق المركزي الذي يطلق عليه اسم الصفاة رأيت غابة من الرؤوس، حيث يجلس رجال ينتمون لعدة دول يجلسون على مقاعد مرتفعة يحتسون القهوة والشاي.
وتجد الايرانيين والعراقيين والبلوش والهنود والنجديين والحجازيين والعمانيين والعرب القادمين من كل ارجاء الجزيرة العربية يتبادلون الحديث حول الاعمال التي يقومون بها او تلك التي يأملون في الحصول عليها في هذه المدينة المزدهرة.
إزالة المساكن لتوسيع الشوارع
وفي «شارع الأعمدة» يوجد مكتب ادارة الاشغال العامة الكويت الذي يضج بالعمل. وهنا يوجد اخو الحاكم غير الشقيق الشيخ فهد السالم الصباح يشرف على العمل الجبار الهادف لإحداث تغيير تام لوجه الكويت.
وعلمت من احد المهندسين في المكتب ان العديد من المساكن تتم ازالته لتوسيع الطرق وتحسينها. كما جرى تمديد خط انابيب لمسافة اميال لتوزيع المياه المحلاة النقية من محطة تحلية المياه الجديدة التي تنتج 1.200.000 غالون من الماء يوميا.
وتجولت في احد الشوارع الجديدة ونزلت من تلة مرتفعة نحو ميناء الشويخ الذي بنته الحكومة حديثا. ووجدت المخازن الجديدة اللامعة تستقبل الشحنات.
وداخل المرفأ المحمى شاهدت المئات من المراكب الشراعية راسية في الارصفة المشغولة او واقفة بمرساتها. ومعظمها من الابوام، وهذه السفن تجلب الى الكويت افضل المنتجات والبضائع الهندية والافريقية والمواد الاولية.
المراكب تحمل شحنات غريبة
وأثناء مراقبتي لانزال البضائع والشحنات في الميناء الجديد ادهشتني البضائع الغريبة، فقد كانت هناك ثلاث سفن تشحن بأكياس نوى التمور. وكانت تلك الاكياس تعبأ وتوزن بجانب السفينة ويعاد بيعها كعلف للحمير والخراف. وكانت سفن اخرى تمتلئ بربط ثقيلة من سعف النخيل.
والنوى والسعف يأتي جنوبا من شط العرب جنوب غرب البصرة والطابوق المربع ذو اللون الاصفر يأتي من ايران
وهنالك الزجاجات المصنوعة يدويا التي تجلب ايضا من ايران، وقد تمت تعبئتها بثلاثة الى خمسة غالونات من عصير الفواكه لاضفاء نكهات للشاي والتمور المجلوبة من البصرة وما جاورها تتكدس في اكوام عالية على متن العديد من السفن.
ودائما ما توجد في اسفل سفن نقل التمور برك صغيرة من الدبس المخلوط بالحصى والرمل والذباب وتجد الاطفال يملأون الجرار والعلب بتلك العصارة الداكنة اللون.
كما شهدت عدة سفن تشحن بالصدف المطحون المخلوط بالرمل، ويحمل الرجال هذا الخليط في قفاف على رؤوسهم ينتظرون الشاحنات والحمير، ويقوم البعض بتوزيع هذه المادة على الرصيف والمرفأ لتسوية الطرق الجديدة.
وفي خضم هذا النشاط نشر شراع ضخم على ارضية المرفأ الجديد وكان خمسة رجال يقومون بخياطة الشقوق الكبيرة التي كانت فيه.
ومع اقتراب الظهيرة تشب المواقد التي تعد الجهاز الاساسي في كل بوم من الابوام.
ويجلس الرجال القرفصاء في وقت لاحق حول الاطباق التي يخرج منها البخار، وقد امتلأت بالارز والمرق المبهر ووضعت على صوان زاهية اللون، واشاروا اتجاهي قائلين «تفضل» ومن بين البحارة ايرانيون يدخنون الشيشة.
ونادرا ما تشاهد النساء الكويتيات بالرغم من ان البعض منهن يعملن في بيع الدجاج الموضوع في اقفاص او في مجال خياطة الملابس التي تجلب لهن لاصلاحها.
ويبدو ان البعض منهن يأتين الى المرفأ لرؤية قوارب ازواجهن او آبائهن وكن يرتدين افضل ثيابهن والحلي الذهبية وقد غطين وجوههن ويرتدين خواتم فضية في اصابع القدمين، وحجول من الفضة، وهن يسرن معا في مجموعات صغيرة وتتحدث كل منهن فقط الى زوجها عند وصولها الى سفينته.
الصغار يصنعون ألعابا ميكانيكية
يلعب الاطفال البلى (التيل) بين مخازن السفن ويرسمون خطوطا مستقيمة على الرمل بأصابعهم لمساعدتهم في ارسال البلية في خط مستقيم.
وهنالك البعض ممن لديه لعب مصنوعة من علب الصفيح، واحدى هذه اللعب شاحنة جيدة الصنع ولعبة اخرى مكونة من مجموعة من العجلات الخشبية على محور محمول فوق عصي، ويمكن استخدام اليد كرافعة لتحريك المحور، وهي فكرة ذكية من صبي في العاشرة وقد ابلغني بفخر انه صنعها بنفسه.
أبواب مثل مقتنيات المتاحف
ومن الميناء عدت الى المدينة عبر منطقة سكنية من بيوت طينية، والبيوت القديمة جميلة في بساطتها، غير ان الابواب المصنوعة من خشب التيك اثارت دهشتي، فهي منحوتة يدويا ومزينة بمسامير كبيرة وضعت في انساق خاصة، وبها اقفال خشبية كبيرة في شكل فرشاة اسنان.
ووجدت نفسي اطالع الابواب، بابا بعد الآخر، والابواب الكبيرة غالبا ما يكون بها آخر صغير في احد الضلفتين والبعض منها يحمل التصميم ذاته كتلك التي نجدها في مؤخرة السفينة الشراعية.
والعديد من الابواب بها ايد للقرع مصنوعة من النحاس كتلك المصنوعة في اصفهان.
والمساكن الجديدة تحمل آثار البصرة وبغداد، فهناك الشرفات وبلكونات الطابق الثاني ومظلات الشبابيك واشكال الطابوق الاسمنتي وابواب على نمط ابواب البصرة التي تظهر ارتباط الكويت بمدن وادي دجلة.
وكنت احب السير في الشوارع الخالية في الليالي القمرية عندما يكون الليل ساكنا ويمر بجانبي بعض العرب الحفاة، وقد تعطروا بالصندل او عطر الزهور وهم يلقون تحية المساء بصوت خافت، وقد ارتدوا بشوتهم المزينة بالخيوط الذهبية والمصنوعة يدويا وغترهم البيضاء تلمع في ضوء القمر. وشاهدت برجا ضخما للتهوية وكالذي تجده في نائين ويزد في ايران وهذه الابراج ترتفع كطابق اضافي اعلى من سقف المبنى، وهي ابنية ضخمة مربعة الشكل كبيت المصعد وهي تلتقط الهواء المنعش من اي اتجاه.
ويعتبر هذا شكلا بدائيا من اشكال تكييف الهواء يعود الى آلاف السنين، وقد نمت ذات مرة في يزد في غرفة يجرى تبريدها بمثل هذه الابراج الا انني تغطيت ببطانية طوال الليل، فيما اصدقائي الذين ناموا في غرف اخرى احسوا بان الليل كان دافئا.
أعمدة أشرعة السفن تساعد في بناء المساكن
في الكويت تجد الطابوق الاصفر المستورد من ايران احيانا ما يشكل بالطريقة ذاتها كما في طهران والاهواز وكرمان أو اي مدينة ايرانية اخرى.
وبعض المساكن الجيدة قيد التشييد يظهر بها استخدام مواد مثيرة للاهتمام، فاعمدة اشرعة السفن القديمة التي تم التخلص منها تحولت الى عوارض خشبية للسقف وبعض الاعمدة تم تقطيعها واستخدامها كاطارات للنوافذ والابواب، والصخور المرجانية وحتى الطين يستخدم مرة اخرى في بعض الاماكن.
ووصلت فجأة الى الطرف الغربي لسوق الكويت واصبحت فورا جزءا من التجمهر والضجيج الذي يتعارض والهدوء السائد في المنطقة السكنية التي تركتها للتو وكانت النساء بالعباءات السوداء ومغطيات الوجوه يجلسن على قطع اسمنتية وامامهن قطع الملابس مطوية ومرتبة بعناية.
ومعظم النساء لديهن قطع ملابس جديدة وقديمة من تلك قمن بخياطتها او اصلاحها غير ان بضاعتهن تضم كل شيء القديم والجديد والمفيد وغير المفيد.
واشتريت من احدى النساء المنقبات براد شاي صغيرا من النحاس، وعندما اشرت اليه اسأل عن السعر ترددت المرأة قليلا ورفعت زوجا من السراويل الداخلية من المسولين المطرز وبدرت منها ضحكة مكبوتة وانطلقت مني ضحكة وقلت لها «لا ، براد الشاي» ولم ادخل معها في جدل حول السعر اذ كان روبية واحدة، وهزت رأسها في استغراب عندما اخذت ما اردت وذهبت.
من شمعات الاحتراق إلى زجاجات العطر
وتبدو الاغراض التي تعرضها النسوة بانها لا نهاية لها، فهناك الفساتين واغطية الرأس والسراويل الداخلية وملابس الاطفال والبراغي والخرز والمرايا والطوقي (القحافي) والمعدات وشمعات الاحتراق واكواب الشاي والقهوة والاقفال والمفاتيح والحلوى ومرشات ماء الورد وزجاجات العطر (المليئة والفارغة) وغير ذلك.
وبعيدا عن هؤلاء البائعات تجد المحلات مليئة بالمواد المستوردة من العديد من اجزاء العالم وفي احد المحلات حصائر معلقة فوق بابه وهي مصنوعة من القش، مربعة الشكل وملونة، وهناك مراوح يد مصنوعة من سعف النخيل بيد من اغصان النخل.
وبعض المحلات فيها أدوات المطبخ وآنية من الالمنيوم واطباق تشيكوسلوفاكية ويابانية مطلية بالمنيا، وعطور من الهند وحلوى وعلكة اميركية وملابس وبطانيات ومجموعات مختلفة من الخيوط من القطن والحرير والنايلون، والابر وشمع النحل وغير ذلك.
ومحلات بيع المواد الغذائية غالبا ما تكون في وسط بقية المحلات. وتجد الشاي الهندي والسيلاني والسومطري (الانواع السائدة)، بالاضافة الى التمر والارز والطحين الاسمر والفاصوليا والقمح، والزعفران والسكر والطاري والملح الطبيعي والفلفل الجاف وعلب السمن.
الباعة يعرضون الملابس المستعملة
بالقرب من الشارع الجديد الرئيسي اقيم مزاد للملابس المستعملة. ويحمل الرجال جاكيتا او اي قطعة ملابس فوق اكتافهم ويعرضونها امام تجمع المتسوقين ويصيحون عليها بالسعر المطلوب.
وتتلقى الكويت كميات ضخمة من الملابس الاميركية المستعملة. وتجد البدلات والجاكيتات المصممة على يد ترزية مشاهير في مثل هذه الاسواق. وكان رئيس عمال وظفناه ذات مرة لديه معطف من محل مشهور في نيويورك.
وتأتي هذه الملابس من اميركا في بالات ويجري اعادة فرزها وبيعها الى التجار الذين يأخذونها عبر الصحراء الى نجد، وعبر الخليج الى ايران، والشمال الغربي الى العراق، والكثير منها يباع في الكويت ذاتها.
وهنالك الصناديق القديمة المصنوعة في الهند والمزينة بالمسامير والمقابض النحاسية مكدسة في محل او محلين. وقد اعجبني احد هذه الصناديق الجميلة. وساومت صاحب المحل ولكني لم استطع اقناعه بتخفيض السعر اقل من 250 روبية (52.50 دولارا).
وقد رأيت مثل هذه الصناديق تباع بمبلغ 150روبية عندما كنت اقيم في الكويت في عام 1942. وتوافد الغربيين غيّر كل شيء.
وعلق احد المحلات لافتة كبيرة تقول «بنسلين للبيع». وكنت قد سألت في البصرة ذات مرة صيدليا عن اكثر المواد التي يبيعها فاجاب «صبغة الشعر السوداء، ادوية المعدة، ومحفزات تجعل الشخص المسن فحلا». وقال لي الصيدلي في الكويت الامر ذاته، مضيفا حبوب الفيتامينات.
وفي مركز السوق يوجد مكتب البريد واشتريت منه عددا من الطوابع البريدية التذكارية الكويتية الخاصة بالاولمبياد.
وخلف مكتب البريد شارع به محلات بيع الاغذية والخضروات، وتعرض معظم المحلات التمور التي تجلب من البصرة، وهنا تجد الرمان والبطاطس المستورد من ايران، والقرع الكبير من البصرة او الزبير، والبصل من ايران، والفلفل الحار من شمال البصرة، والبرتقال والليمون من بغداد، والعديد من الاشياء الاخرى مثل الشمار الذي يجلب من صفوان القريبة.
حاكم الكويت ومستشاروه ورجال النفط يتفقدون مرفأ تحميل ناقلات النفط
تستطيع محطة ميناء الأحمدي الكافية لرسو ثماني ناقلات تحميل اكثر من مائة الف طن من الخام كل 24 ساعة. الشيخ عبدالله السالم (بالبشت الأبيض) يسير مع ال - تي جوردان (بعيدا الى اليمين) مدير شركة النفط الكويتية.
تأخذ ناقلات النفط حمولتها من نفط الكويت في أقل من ثماني ساعات
تبدو أرصفة التحميل في شكل هيكل من الحديد الصلب يأخذ شكل حرف T وتتوغل هذه الارضية لمسافة ميل داخل البحر في ميناء الأحمدي. وهناك حواجز اصطدام تم تطويرها لإقامة المرافئ الاصطناعية ابان الحرب العالمية الثانية لتحمل الصدمات وحماية المرفأ والسفن في حالات اضطراب البحر.
وتتراوح درجات الحرارة بين 30 و170 درجة فهرنهايت، مما يؤدي الى تمدد الانابيب التي سمكها 24 بوصة، والى انكماشها بصورة كبيرة. ولاتاحة الفرصة للحركة، تم تركيب الخطوط على عجلات تتخذ شكلا منحنيا عند رأس المرفأ.
اثنان من التجار يسيران في الشارع الجديد الذي يقع في قلب مدينة الكويت المزدهرة
يغطي الاسفلت المجلوب من مصفاة عبادان في ايران قبل اغلاقها، الطرق. وهذا المتجر تخصص في بيع السجاد واللؤلؤ بجانب الأسلحة القديمة والصناديق المزينة بالنحاس والأواني الفخارية وبعض الأغراض القديمة المختلفة.
ويرتدي التاجران البشت العربي والغترة والعقال لحمايتهما من الحر والبرد على السواء فوق السترة الغربية.
وتنفق المشيخة الملايين من دولارات النفط في تحسين الطرق والشوارع والشبكة الصحية وشبكة مياه الشرب. وقد بدأت المساكن المبنية من الطين تنهار تحت انهمار مياه الامطار وتختفي.. واخذت مكانها ابنية مصنوعة من الاسمنت.
للبيع: صقر
بينما الآخرون مشغولون بالنفط نجد هذا الشيخ ذا اللحية البيضاء واصدقاءه يتبادلون النقاش حول صفات هذا الصقر الصغير وسماته. وهذا النوع من الطيور عند تدريبه بطريقة مناسبة يستخدم في الصيد. ورياضة الصيد باستخدام الصقور من الرياضات المفضلة لدى شيوخ الكويت.
عبدالله السالم حاكم الكويت المصلح يقضي أوقاتا طويلة في دراسة المشكلات التي نجمت عن الثروة المفاجئة
نصف ارباح شركة نفط الكويت يقدر بحوالي 150 مليون دولار تدفع للشيخ عبدالله السالم. وفي مقدوره انفاقها كما يشاء ويرى، ولكنه اطلق مجموعة من المشاريع العامة لخدمة المواطنين.
ويبدو الى اليسار حراس مسلحون يقفون في حالة استعداد اثناء مغادرة الحاكم قاعة المجلس.
الى اليمين اسفل: احد المواطنين يحيي الشيخ بتقبيل يده اثناء عودته
الى اليمين اعلى: افراد من الكشافة يرفعون علم الكويت
مسنّون يلعبون الدامة على شاطئ البحر
1 - لعبة الدامة من الألعاب المفضلة لدى المواطنين
حمّال ينقل مجموعة من السجاد
2 - أطنان من السجاد الإيراني الزاهي اللون تمر عبر الكويت في طريقها إلى أسواق الداخل
السفن الشراعية المصنوعة من خشب التيك ترسو في مرفأ الكويت
كانت الكويت حتى قبل ظهور النفط تضم مجتمعا مزدهرا نتيجة اهمية موقعها البحري، وعبر الخليج والمياه المجاورة عرف البحارة الكويتيون بمهاراتهم وجرأتهم وبأنهم مصدر ثقة تامة.
سبائك ذهبية
تعد الكويت مركزاً لاعادة تصدير المعادن النفيسة من أوروبا إلى آسيا.. ويبدو في الصورة صبي يحمل سبيكتين من الذهب وزنهما 50 رطلاً تقدر قيمتهما بحوالى 28 الف دولار، وفق تسعير وزارة الخزانة الأميركية، ولكن يجري تداولها بسعر أعلى في السوق السوداء. والأمن مستتب للغاية حتى انه يتنقل بدون حراسة.
2 - صيادو سمك يستخدمون أصابع اليدين والقدمين في نسج شباك الصيد في جزيرة فيلكا.. ويقوم أحدهم بصناعة مصيدة سمك من أفرع واغصان النخيل.
ينفق من أجل مساعدة مواطنيه
يدخل النفط حوالى 150 مليون دولار سنوياً في الحساب المصرفي للشيخ عبدالله السالم الصباح حاكم الكويت. وهو يبقي جزءاً ضئيلاً فقط لاحتياجاته الشخصية، والباقي يصرف على المدارس والمستشفيات والطرق والمباني العامة. وأحد أهم مشروعاته إقامة محطة لتحلية مياه الشرب في البحر، وهو ما يوفر للكويت أول مصدر مائي مناسب.
كويتيون من جميع الطبقات يتوقون إلى زيادة معرفتهم يصغون باهتمام إلى محاضر
يقف المحاضر تحت سلة الكرة في مدرسة المباركية الثانوية متحدثاً عن الفن العربي في اسبانيا. ومثل هذه اللقاءات يحضرها الطلاب والمواطنون عامة.
مدرسة مهنية تحوّل بدو الصحراء إلى عمال مهرة
لتأهيل الكويتيين لتولي وظائف في مجال النفط تدير شركة الإنتاج الانغلو - أميركية مركزاً للتدريب في المقوع. وهنا بعد تلقي التعليم المدرسي الأساسي في مواد الحساب واللغة الإنكليزية يلتحق المتدربون بدورات تدريبية تتصل بالعديد من المهن. ويقوم هؤلاء الطلاب بحل مسألة في الهندسة الكهربائية.
بناة سفن كويتيون من اساتذة الفن القديم يشكلون خشب التيك القوي كالحديد باستخدام القدوم
تُختار جذوع أشجار التيك بأطوال مناسبة لبناء اجزاء اسفل السفينة أو قاعها ومقدمها وقائم مؤخرها، وتُبنى السفينة بهذه الاخشاب الاساسية عن طريق مخطط يكون فقط في ذهن رئيس المجموعة.
عيادة طبية متنقلة تتجول في قرى الكويت
بالنسبة للمرضى ممن لا يستطعيون الذهاب إلى العاصمة توفر الدولة وحدة متنقلة أميركية الصنع مزودة بطبيب وممرضة وفني.
ويظهر في الصورة طبيب يفحص مريضا مسنا في قرية خارجية فيما ينتظر بقية المرضى دورهم، ولا يكلفهم العلاج أي شيء. وهنالك مستشفيات جديدة أحدها بيطري، وهي تعد جزءاً من استثمارات الكويت الكبرى في مجال رعاية المواطنين.
أول سوق في الكويت يعود الفضل إلى أسرة السماك الحاج حسين السماك - وأبناء حسين السماك علي ومحمد وصالح في إدارة العمل في عهد الشيخ عبدالله بن صباح عام 1891/1865 وأشرف أيضا على سوق السمك الحاج حبيب السماك.
أبرز ما يميز الكويت القديمة أن اسواقها كثيرة العدد، وهنا لابد أن نتحدث عن السبب، ألا وهو الرخاء الاقتصادي، ونذكر هنا ايضا سوق السمك القديم وهو من أقدم الاسواق الكويتية، فهو متفرع من سوق الخضرة وله مدخل صغير يطل على سوق الغربللي.
ومن أجود الأسماك سمك الزبيدي والنقرور والهامور. وبائع السمك يسمى جزافا.
لقد برع الكويتيون في صيد الاسماك، واستخدموا في صيد السمك أنواعا متعددة من أدوات الصيد ومن أهمها الشباك الليخ، الطاروف، الكوفة، الساليه، الشرخ، الرفعة. أما السفن فهي متعددة منها: الشوعي، الجالبوت، الهوري، الورجيه.
وأول سوق سمك في الكويت يعود الفضل فيه الى اسرة السماك الحاج حسين السماك، وفي عهد الشيخ عبدالله بن صباح 1891/1865 طلب الشيخ من الحاج حسين السماك، وهو من القلاليف وابرز صانعي سفن صيد الاسماك اختير لانشاء السوق، سوق السمك، قريب من الفرضة (سوق الخضار) واشترك ابناء الحاج حسين السماك وهم الحاج علي ومحمد وصالح في إدارة العمل مع والدهم، وارتبطوا بعلاقات وثيقة مع الموردين وصائدي الأسماك. وأهم الموردين آنذاك جماعة العوازم الذين حذقوا في مهنة صيد الأسماك، ويملكون كما هائلا من الحظور، منهم سليمان الرشدان العازمي، المرحوم صالح الشاهين، وكذلك القبندي، الهولي، الجزاف، السماك والمسباح.
اشرف على السوق حسين صالح السماك والحاج حبيب السماك.
سوق الصراريف
مجموعة من المحلات في منتصف الثلاثينات عن 10 محلات والعملات التي بينها وفي معيتها الريال السعودي، العملة الفارسية بانواعها من (القرانات) و(الشاهيه) و(ابو دبيله) وعملات الذهب مثل (النيره) وهي من الذهب الخالص. والروبيات وكذلك البيزات البرقشية.
سوق البيبان
البيبان هي للأبواب الخشبية الخارجية للمنزل منها باب بوصفافه، وباب بوخوخه والاسواق كثيرة ومتعددة في الكويت منها سوق الحلوى، سوق اللحم، سوق الدهن، سوق الجت، سوق البوالطو، سوق الساعات.
سوق الخضرة (الطراريح) هؤلاء هم باعة الخضار (الطراح) بائع الخضرة.
المزارع بالكويت كثيرة ومتعددة وخاصة منها في القرى الفنطاس، المنقف، بو حليفة ويطلق على اصحاب هذه القرى اهالي القصور الى جانب مزارع الجهراء وتنقل الخضراوات على ظهور الجمال والحمير، وتتم عملية البيع بالمزايدة عن طريق الدلالين ومنتجات المزارع الكويتية (الرويد) (الطروح) (البربير) الباجيلا والشنبت، الطماطم، الخيار، الفواكه، البطيخ الاصفر، الرقي، الكنار، ثمرة السدرة (البمبر).
ولابد ان نتطرق الى الفرضه هي ليست فقط للخضراوات بل هناك (الفحم) (السعف اليابس) و(القداوه) والقراش والحب والبرمه التنانير بانواعها واعلاف الماشية مثل الجت والجولان والطعام و(الشوار).
ولا ننسى سوق الوقيد اي لاشتعال الوقود للتدفئة والطبخ المهم ان لكل سوق بضائع خاصة به سنتناولها بالتفصيل في الأيام القادمة.
في السادس من ديسمبر 1964، صدر مرسوم أميري في عهد الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم، بتشكيل الوزارة الثالثة في مرحلة تاريخ الكويت بعد الاستقلال، وقد تألفت تلك الوزارة من 13 وزيراً برئاسة الشيخ صباح السالم، وشاءت الأقدار والظروف وأغلبية المواقف النيابية في ذلك الوقت ان تصطدم هذه الوزارة بعراقيل ومعارضة من 31 نائباً عليها استناداً للمادة 131 من الدستور، لوجود بعض الوزراء فيها يتعارض وجودهم مع نص هذه المادة.. ويومها سادت البلاد حالة من الشد والجذب بين السلطتين، فالوزارة تريد أداء اليمين الدستورية في مجلس الأمة بعد تأديتها أمام أمير البلاد آنذاك الشيخ عبدالله السالم طيب الله ثراه، ولكنها حين ارادت تأدية اليمين في مجلس الأمة واجهت اعتراضاً وصخباً واحتجاجاً من النواب الـ 31 ينتهي بانسحابهم من الجلسة. واستمرت الحال كذلك، الأمر الذي أدى برئيس مجلس الامة المرحوم عبدالعزيز الصقر إلى تقديم استقالته احتجاجاً على عدم استطاعة تلك الوزارة تأدية اليمين أمام المجلس، وبعد محاولات يائسة لم يكتب لها النجاح بين الوزارة والمجلس لإنهاء تلك الأزمة، أدى الامر في النهاية إلى استقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة في 3 يناير 1965 بعد نحو 28 يوماً من تشكيل الوزارة المستقيلة، وكانت وزارة يناير 1965 هي آخر التشكيلات في عهد الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم.
في هذه الصورة وزير الأوقاف في الحكومة الثالثة التي استقالت خالد الجسار، يؤدي اليمين أمام الشيخ عبدالله السالم طيب الله ثراه بقصر السيف، ويبدو جالساً يوسف السيد هاشم الرفاعي وزير البريد والبرق والهاتف، وعبداللطيف ثنيان الغانم وزير الأشغال. وقد التقطت الصورة في 7 يناير 1965.
خنت :خنت حيلي وهو لفظ يطلقه النساء تعبيرا عن عطفهم وشفقتهم على كل من
يستحق ذلك من الضعفاء والمحتاجين والمرضى والعجزه مو سوالف ربعنا الله يهداهم بالملعب خنت حيلي يالأخضرجمهورك ساكت
امخنجر : شفيك امخنجر اليوم اي انه مزاجه ليس على ما يرام بسبب مرض او غيره
بايرة : المرأة التى فاتها سن الزواج ولم يتقدم احد لخطبتها (العانس)
تنهزر : مثال فلان تنهزر فلان اي زجره ووجه اليه انتقادات حاده وعبارات لاذعه
زغنبوط :عساك تاكل زغنبوط انشاء الله او زغنبوط في بطنك بمعني ان ما اكلته سيكون اخر اكله تاكلها في حياتك و تقال لمن ياكل الحرام او ياكل شيئا دون رضا صاحبه
هذا رجل من رجال الكويت، الذين خدموا وطنهم أجل الخدمات، كان منذ شبابه حريصا على أن يقدم لهذا الوطن كل ما يستطيع فاشتغل باكرا في عدة مجالات وبخاصة في مجال الدوائر الحكومية التي أدار بعضها بحصافة وفهم كبيرين، وترك بصمته الصالحة على أعمالها بعد أن ترك العمل فيها.
ولد سليمان خالد العدساني في الكويت وتعلم في الكتاتيب وهي الوسيلة الوحيدة السائدة في ذلك الوقت لكسب العمل. فتعلم القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى المدرسة المباركية فالمدرسة الأحمدية، ودرس اللغة الإنجليزية خارج هاتين المدرستين. ثم رحل إلى بغداد من أجل الدراسة فالتحق بكلية الإمام الأعظم، وكان ضمن أول بعثة طلابية ترسلها الكويت إلى هناك، وكان ذلك في سنة 1924م.
التحق بالمجلس التشريعي عندما قام في سنة 1938م، ولكنه لم يستمر فيه لأن المجلس نفسه قد انتهى. وصار بعد ذلك مشتغلا بالتجارة متنقلا بين الكويت ولبنان من أجل عمله هذا. وكان قد زاول عددا من الأعمال قبل وبعد هذا التاريخ منها أنه كان أول مدير لبلدية الكويت عين في اليوم الرابع والعشرين من شهر ابريل لسنة 1929م، واستمر في عمله هذا حتى سنة 1932م، وكان عضوا لمجلس إدارة معارف الكويت في سنة 1936م، ثم انتخب لعضوية المجلس نفسه مرة أخرى في سنة 1954م، وكان قبل سنة انتخابه مديرا لإدارة ومالية المعارف منذ سنة 1951 م حتى سنة 1954م حيث تفرغ لعضوية مجلس المعارف. وكان عضوا في كثير من اللجان المهمة التي شكلتها الحكومة لما له من دراية وخبرة في الأمور الادارية والمالية، ولم يكن يتردد في تلبية الدعوة إلى العمل خدمة لوطنه ولأهل وطنه.
كان نشاطه في بلدية الكويت بارزا إذ كان عضوا في المجلس البلدي المنتخب منذ سنة 1932م حتى سنة 1933م، وقد كان رئيسه الشيخ عبدالله الجابر الصباح، ومن بين أعضائه السادة: نصف يوسف النصف، وأحمد الفهد الخالد، ومشاري الحسن البدر والشيخ يوسف بن عيسى القناعي، وفي التشكيلة نفسها تقريبا جاءت نتائج الانتخابات لتؤكد استمراره في عضوية المجلس الذي لحق المجلس الأول وذلك منذ سنة 1934م إلى سنة 1935م، ثم عاد إلى عضوية المجلس في الفترة منذ سنة 1936م حتى سنة 1940.
أما من حيث قيامه بإدارة بلدية الكويت فقد كان ذلك منذ سنة 1930 م حتى سنة 1935م، وقد أمضى بهذا المنصب ما يقارب الخمس سنوات ونصفا، ولاشك في أن هذه المرحلة هي من أهم المراحل بالنسبة للبلدية لأنها كانت مرحلة التأسيس والإنشاء، وقد قام العدساني بهذه المهمة خير قيام، بدليل استمراره في عضوية المجلس البلدي بعد ذلك.
***
في القطاع الاخر ـالتعليمـ كان له نشاط كبير أشرنا إليه، وقد أكده حديث له في مجلة البعثة نشرته في عددها الصادر في شهر فبراير لسنة 1953م وهو عبارة عن اجابات على اسئلة قدمها إليه محرر المجلة وتولى هو الرد عليها وهذا هو نص الحديث:
س 1) كان المقرر أن تفتح المدرسة الثانوية هذا العام، فما سبب تأخيرها؟ ومتى يتم فتحها؟ وهل فكرت إدارة المعارف في حل لمشكلة إنجاز بنائها؟
ج 1) إن السبب في تأخير فتح المدرسة الثانوية في هذا العام ناتج عن عدم تقدير مجلس المعارف في بادئ الأمر إلى توسعتها إلى الحد الذي صارت إليه أخيرا مع توسع المشروع وتعدد بناياته على الوجه الذي أريد له فيما بعد وقد يبلغ تعدد هذه البنايات الثلاثين بناية كل بناية مستقلة عن الأخرى. منازل للطلاب. منازل للمعلمين العزاب. منازل للمعلمين المتزوجين. فالذي يزور الثانوية يرى أنه يزور مدينة صغيرة بنيت على أحدث طراز مع الفخامة والقوة.
س 2) لاقى كثير من اخواننا الأساتذة المنتدبين صعوبات عند وصولهم الكويت هذا العام، فلماذا لم تستعد الإدارة بتوفير المساكن لهم قبل وصولهم؟
ج 2) إن الصعوبة التي لاقاها المعلمون في أول قدومهم في الحصول على المنازل المطلوبة في أول هذا العام ناتجة عن أزمة عامة طارئة مفاجئة بسبب التنظيم العمومي الذي يراد في تنظيم وتجديد الكويت، وفتح شوارع جديدة متعددة بأوسع ما يمكن، ففيها ما عرضه 50 متراً وفيها ما عرضه 40 متراً، وهذا الأخير كثير. وهذا المشروع بالطبع يتطلب هدم آلاف البيوت يريد أهلها غيرها لسكانهم، هذا فضلا عن تزايد الوافدين على الكويت من انحاء شتى يطلبون أعمالا مما زاد الطين بلة. وكل هؤلاء يريدون منازل.
س 3) هل فكرتم في تلافي ما قد يحدث من أزمة في المساكن للمدرسين في العام القادم؟
ج 3) إن مجلس المعارف قد فكر بأن يتلافى ما قد يحدث من أزمة في المساكن للمدرسين في العام القادم، فعولت الإدارة أن تنشئ عدة مجموعات من المنازل تخصصها للمعلمين فضلا عما لديها من منازل بالإيجار.
س 4) متى يشرع في بناء مدرسة الصناعات؟ وأي شركة ستقوم ببنائها؟ وهل شروط بنائها تشبه شروط بناء المدرسة الثانوية؟
ج4) إن مدرسة الصناعات قد شرع في بنائها في شهر نوفمبر الماضي، وأن بناءها مع عدة مدارس غيرها قد اتفق عليه مع مراقب الإنشاء (الجنرال هستد) الذي عقد اتفاقاً مع خمس شركات (كويتية إنجليزية) تراقب أعمالها الحكومة على أن يكون لهذه الشركات %15 من جميع التكاليف في هذه المنشآت.
س5) هل فكرت إدارة المعارف في شراء بيت بالقاهرة يكون ثابتاً لبعثات الكويت بمصر؟ ومتى تم ذلك؟
ج5) إن إدارة المعارف لم تفكر حتى الآن في شراء بيت بالقاهرة، ولكن هذا السؤال فيه حافز للمعارف بأن تفكر في هذا الأمر لأنه مهم جداً ومفيد جداً، وهو على ما أعتقد لا يكلف المعارف كثيراً من المال، وأحسن مما يذهب من مال في أجور لمنازل لا تتناسب مع سمعة بيت الكويت في القاهرة، وربما يفكر المجلس في إنجاز هذا الأمر عن قريب.
س6) ما رأيكم لو انفصلت الإدارة المالية عن الإدارة الفنية في المعارف؟
ج6) أما هذا السؤال عن فصل الإدارة المالية في المعارف عن الإدارة الفنية فيها فإن الحقيقة هي انه كل إدارة منفصلة عن الأخرى في شؤون اختصاصها ولكنهما متصلتان في بعضهما في شؤون العمل.
س7) هل لمجلس المعارف جلسات ثابتة في الشهر أو الأسبوع مثلاً؟ ومتى تكون مواعيد هذه الجلسات؟
ج7) إن مجلس المعارف ليس له جلسات مقررة ثابتة، ولكنه يجلس غالباً في كل أسبوع مرة في ليلة الثلاثاء، وقد يجلس في الأسبوع مرتين إذا دعت الحاجة، وهذا كثيراً ما يحدث.
س8) هل تقوم إدارة الأشغال العامة بمساعدة إدارة المعارف ببعض البناء أو غير البناء؟
ج8) أما السؤال عما إذا كانت إدارة الأشغال تقوم بمساعدة المعارف في بعض البناء أو غيرها، فالجواب عليه أن إدارة المعارف إلى الآن لم تطلب من الأشغال أن تساعدها في شيء من الإنشاءات، ولكن المعارف تطلب دائماً من الأشغال أن تضع التخطيطات والخرائط لمنشآتها وتطلب منها أن تزودها في كثير مما يحتاج إليه الفن، حيث أن لدى الأشغال العامة الكثير من المهندسين على تنوع أعمالهم. ولكن المعارف قد أحالت إلى مراقب الإنشاء أن يعهد إلى عدة شركات (كويتية إنجليزية) أن يتعاقد معها على إنشاء عدة مدارس منها مدرسة الصناعات ومطبخ عام للتغذية، وتتقاضى هذه الشركات %15 من تكاليف هذه المنشآت.
س9) ما رأيكم في نظام إدارة المعارف الحالي؟ وهل فكرتم في وضع نظام خاص يحدد الاختصاص فيها؟
ج9) أما سؤالكم فيما يتعلق بنظام الاختصاص في إدارة المعارف فالجواب عليه: أن المعارف الآن لديها شيء من الاختصاص، ولكنه لايزال ناقصا عما يفي بالمرام، ويجب التفكير في تنظيمه من رجال ذوي خبرة في التنظيم فلقد تضاعفت أعمال الإدارة وتضاعفت المدارس أضعافا عما كانت عليه قبل أربع سنوات» فمن الواجب أن يكون تنظيم الإدارة في أعمالها تابعا لهذه المضاعفات، وخصوصا إذا علمنا أن هذا التنظيم في الإدارة كان على شكل بدائي يتناسب مع البيئة التي بدئ فيها ولا يتفق مع ما هي عليه الآن.
س10) ما رأيكم في نشرة (البعثة)؟ وهل توجد لديكم بعض الملاحظات حول ما ينشر فيها؟ وما هي النصائح التي توجهونها إلى أبنائكم طلبة البعثة في مصر خاصة، وفي غيرها عامة؟
ج10) أما رأيي في نشرة البعثة فإني معجب بها ومسرور من توجيهاتها في كثير من الحالات، ولا يحضرني الآن شيء من الملاحظات، وليس لدي ما أقوله بهذه المناسبة إلا أن أحيي طلاب البعثة، وأحثهم على أن يجهدوا أنفسهم في الاستزادة مما اغتربوا لأجله وهو العلم، ففي وسع كل واحد منهم اليوم أن يبني نفسه وشخصيته المستقبلة على أساس يتفاوت ضعفا وقوة على قدر ما يحصل من العلم والأخلاق والفضيلة، فالعلم نافع لاشك فيه، والأخلاق الفاضلة نافعة رافعة.
وفي إجاباته نلاحظ الصدق وعدم التهرب عن الأسئلة المحرجة، بل هو يقر بأن بعض الأسئلة فتح له باب لعمل جيد كالسؤال عن استملاك بيت الكويت في القاهرة، وهو الأمر الذي تم بعد ذلك بزمن طويل.
***
وعلى الرغم من كثرة أعماله في دائرة معارف الكويت، ومجابهته للنمو المستمر في عدد الطلاب، وما يحتاجون إليه من مدارس ومدرسين وأدوات دراسية، وعلى الرغم من متابعته شؤون الموظفين والمعلمين، فإنه كان حريصا على مواكبة النمو، وكان يزداد مقدرة على مواجهة كل ما يقتضيه عمله، فهو يتقدم دون تردد إلى إنجاز كل ما يراه مفيدا ومواكبا للتطور.
وهو في سبيل ذلك يحضر الكثير من الاجتماعات التي تدار في الدائرة وفي خارجها فيعرف من خلالها الكثير، ويُثري النقاش الذي يدور فيها طارحا ما تجمع له من خبرة طوال فترة عمله منذ بداية حياته العملية وكانت الاستفادة متبادلة بينه وبين حاضري الاجتماعات وكان أيضا من أحرص الناس على حضور الاحتفالات التي تقيمها دائرة معارف الكويت في مختلف المناسبات وقد رصدنا له حضورا في الحفل الكبير الذي أقيم في مدرسة الشويخ الثانوية بمناسبة غرس الشجرتين المهداتين من مصر، ووجدناه على صلة بعدد من العلماء والمفكرين يجلس معهم وكأنه واحد منهم يتبادل معهم الأفكار والمعلومات، كما وجدناه يسافر إلى القاهرة إذا اقتضى الأمر لكي يتابع الأنشطة الطلابية التي يقوم بها أبناء الكويت هناك، وقد كانت من ذلك رحلته التي أشارت إليها مجلة البعثة في عددها الصادر في شهر نوفمبر لسنة 1951م. هذا إلى جانب معارفه الكثيرين الذين يجدون فيه نعم الصديق، فهو إلى جانب وفائه وإخلاصه موضع استشارة للجميع بفضل ما يتمتع به من خبرات، هو إلى جانبها صاحب ثقة يشير على من يسأله عن إحدى المسائل بما يرضيه، ويزيل العقبات من طريقه.
ووجدناه ـ كذلك ـ أديبا ينضم إلى النادي الأدبي الكويتي فور إنشائه في سنة 1342هـ (1923م)، وقد أجرت مجلة «الرائد» حديثا مع المرحوم محمد العتيبي نشرته في عددها الصادر في شهر يناير لسنة 1953م كان موضوعه عن النادي الأدبي، وقد ذكر أن سليمان العدساني كان من أعضائه الأوائل. وعندما سأله المحرر: هل تذكر من كان أكبر الأعضاء ومن أصغرهم سنا؟ رد بطرافة جميلة فقال: (كان السيد سليمان العدساني مد الله في عمره أكبر سنا، وأحب أن أقول إني كنت أصغرهم، لولا أني لا أحب الكذب، ولهذا فإني سوف أعطي الدرجة للسيد خالد الأحمد المشاري).
كما للعدساني شعر لطيف، وكان يسهم به في المناسبات التي تطرأ في البلاد، ذكر ذلك الشيخ عبدالعزيز الرشيد في كتابه (تاريخ الكويت) وأفرد له فصلا خاصا تحت عنوان (الفاضل الأديب سليمان أفندي العدساني) وقد ورد في الكتاب عنه ما يلي: (في رمضان سنة 1342هـ (1924م) زار الأستاذ الشيخ محمد الشنقيطي الكويت فأقام له النادي الأدبي هناك حفلة تكريمية ألقيت فيها عدة قصائد وخطب وكان صديقنا الفاضل من جملة الشعراء والخطباء وهذه هي قصيدته الغراء.
يا قوم إن نزيلكم
هذا هو الرجل الوحيد
الناطق الحق الصراح
وانه في ذا فريد
أني وقفت خطيبكم
يا ليت شعري هل اجيد
يا شيخ أنت رجاؤنا
في نهضة النشء الجديد
عصر الخرافة قوضت
اركانه حتى أبيد
يا شيخ انت سهامنا
ان كابر الخصم العنيد
ثابر فخلفك عصبة
قد أقسمت أن لا تحيد
فتخط للعليا بها
يا صاحب الرأي السديد
وكذا أقام النادي حفلة تكريمية لفضيلة الزعيم التونسي الكبير الاستاذ عبدالعزيز الثعالبي عندما زار الكويت في رحلته الكبيرة سنة 1343 وقد القى الكثير من الفضلاء امام الاستاذ خطبا وقصائد نفيسة وكان صاحبنا من جملة من قام شاعرا وخطيبا وهذه نبذة من قصيدته البديعة:
يالقومي وما عهدت كراما
الفوا الذل فانهضوا باعتزام
من لحمل اللوا وصد الاعادي
من لصون الحمى ورعي الذمام
ليس عيش الجبان يا قوم عيشا
فدعوا الجبن وانهضوا للامام
ان هذي الحياة دار عراك
عاش فيها من الانام العصامي
كان هذا الصديق الفاضل من المجيدين في نظمه ونثره معا على عدم اكثاره وهو اقدم رجل في الكويت تعاطى الكتابة على صفحات الجرائد.
وهنا نرى الشيخ الرشيد وهو يشهد في آخر كلامه شهادة لسليمان العدساني بأنه من المجيدين في النظم والنثر، وانه اقدم من كتب في الصحف من ابناء الكويت وهذا في حد ذاته دليل على حبه للأدب، وعلى اطلاعه الواسع.
اذا فقد كان سليمان خالد العدساني كتلة من النشاط تجده في كل مجال. لا يتردد في تقديم ما يمكنه ان يقدمه من خدمات لوطنه، وهو محبوب عند الناس وجدت فيه الجهات التي عمل بها رجلا لا يهدأ، ولا يتوقف عن العمل، لقد كان حب العمل يملؤه، وكان حب الخير يدفعه الى المزيد منه.
يمتاز ابو خالد بخلق قويم، وصدق في التعامل مع الناس، ووفاء نادر، كما يمتاز بأنه ناطق بالحق حتى ولو على نفسه، ومما رصد له في قول الحق ما ذكره اخي الاستاذ عبدالله الجاسم العبيد الذي كان يعمل في وزارة التربية اثناء ما كان صاحبنا مديرا لشؤونها الادارية والمالية، وتقدم ابو رائد الى المدير بطلب يشبه كثيرا الطلبات التي يتقدم بها الموظفون الى مديري دوائرهم، وكان الأمل كبيرا في موافقة سليمان العدساني على هذا الطلب، ولكن الأخ عبدالله أصيب بخيمة أمل حين وجد التأشيرة مخالفة لما توقع فقد رفض المدير تلبية طلبه. واحتار أبو رائد فترة ثم قرر مواجهة الموقف عن طريق مقابلة المدير وشرح ظروفه له، فهو لا يزال واثقا من أن الموافقة آتية. وقد استقبل المدير عبدالله بحفاوة، ثم استمع إليه وهو يشرح طلبه قائلا في الختام: إنني عندما تقدمت بهذا الطلب كنت متأكداً أنه لا يخالف بندا واحداً من بنود اللوائح المالية أو الإدارية ولذا فقد كان أملي كبيراً في موافقتك عليه.
تأمل العدساني الأمر جيداً، ووجد أن كلام صاحب الطلب صحيح، فاستعاد الورق الذي كانت الإشارة عليه، ومعها استعاد ما فطر عليه من قول الحق فكتب تحت ما كتبه سابقا قوله: (ما كان لي أن أوقع على ما سبق وأنا اليوم أوافق على طلب الموظف عبدالله الجاسم العبيد). خرج أبورائد من المكتب سعيدا، معجبا باهتمام المدير بالموضوع وبحرصه على قول الحق ولو كان على نفسه، وقد قال لي وهو يروي حكايته هذه إن العدساني كان محبوباً من كافة العاملين معه، والمراجعين للإدارة بشأن أعمالهم الخاصة وكل ذلك بسبب المواقف المشابهة لهذا الموقف الكريم.
أما فيما يتعلق بعدم تردده في النطق بكلمة الحق فلدينا مثال عليه نشرته مجلة «البعثة» في عددها الصادر في شهر سبتمبر لسنة 1953م، وكان ملك العراق ووصيه قد زارا الكويت زيارة رسمية في تلك الفترة، وفي جلسة هادئة أعقبت احدى الولائم، قالت البعثة: وجه السيد سليمان العدساني مدير ادارة المعارف سؤالا إلى الملك فيصل قائلا: إن مصر قد أهدت إلى الكويت شجرتين لغرسهما هنا، حتى تتمكن المحبة والأخوة بين البلدين، فهل لكم أن تتكرموا بإعطائنا قليلا من ماء العراق لري هاتين الشجرتين كي لا تمتد اليهما يد الفناء، فرد الوصي قائلا: إن العراق لا يرى أي مانع لمد الكويت الشقيقة بالماء، بل إن العراق يرحب كل الترحيب بمد الكويت بالماء لري هاتين الشجرتين وغيرهما ايضا، كانت هذه هي الوسيلة التي وجدها سليمان العدساني ليعبر عن رغبة الكويت في الحصول على المياه، ولو كان يعلم الغيب لرد على الوصي بقوله: في المشمش. أو قال له كما نقول نحن: (في العيد).
***
ومن أنشطة سليمان العدساني السياسية قيامه بتمثيل اللجنة العامة للشعب الكويتي التي تشكلت منذ سنة 1936م وقامت بجمع الأموال للمساعدة في المجهود الحربي الفلسطيني عند بداية النكبة. وقد تولى العدساني بصفته هذه الكتابة إلى مجلة «الفتح» المصرية ضمنها احتجاج شعب الكويت على قرار اللجنة الملكية البريطانية بتقسيم فلسطين ومع رسالته برقية صدرت بتوقيعه إلى عصبة الأمم، وبرقية ارسلها الى البرلمان الإنجليزي ووزارة المستعمرات، وقد سبق لنا سرد هذه الوقائع في مقال سابق من مقالات» الأزمنة والأمكنة تحت عنوان: «الكويت وفلسطين تاريخ يشهد» وكان ذلك في جريدة «الوطن» كما هو معروف من موقع سلسلة المقالات التي أكتبها.
لقد كان سليمان خالد العدساني رجل دولة وشاعرا وكاتبا، ومديرا لأهم جهازين في البلاد هما دائرة بلدية الكويت ودائرة معارف الكويت، وقد برز فيهما لانه كان مولعا بالعمل، مغرما بالتنظيم وحسن الادارة، نظيفا بعيدا عن استغلال عمله في أمور شخصية له.
صفحات من الذاكرة عيد عقاب: أول من زرع في مزارع الوفرة عام 1961
أكواخ قديمة في إحدى القرى
أجرى الحوار: جاسم عباس
الرعيل الأول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا مر الاثنتين وذاقوا حلاوتيهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، إلى ان حققوا الطموح او بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، لكن قائما مشتركا يجمعهم هو الحنين الى الايام الخوالي، 'القبس' شاركت عددا من هؤلاء الافاضل والفاضلات في هذه الاستكانة.
في مستهل لقائنا مع عيد طلق خليف عقاب قال: أنا من مواليد عام 1933، وقبل ولادتي بسنة كما سمعت من اهلي وبعض كبار السن اي عام 1932 جاء الجدري، وكانت سنة الوباء الذي ظل لمدة 5 اشهر، حاصدا اكثر من 3 آلاف ضحية، فسمى اهل الكويت تلك السنة 'بسنة الجدري'.
وكان معظم الضحايا من الاطفال، وباء عبر الاسوار واصاب سكان البادية ايضا والكويت داخل السور وخارجه لم تتعرض لاوبئة الا الجدري، والسل، الذي كانوا يسمونه 'ضيق' ولا اعرف في اي سنة.
وقال عيد: ولدت في بر 'عريفجان' تلك الارض المرتفعة جنوب البرقان وتبعد عن الكويت 70 كيلومترا، غنية بالمزارع والآبار، وسميت لكثرة نبات العرفج فيها، شجيرات معمرة تتخذ علفا للماشية، وعندما تجف تتخذ وقودا، عرفج كنا نشاهده حولنا وفي التلال الرملية، كنت اشاهد الحطابين يحتطبون حزمة بعد اخرى، كانت تسمى 'بنه' يقتلع العرفج من جذوعه، وهناك منطقة اخرى تسمى 'العرفجية' ايضا غنية بالعرفج وهي شرق كاظمة شمال البلاد قبالة جزيرة بوبيان، يكثر فيها العرفج في فصل الصيف، والعرفجية تأنيث للعرفج، وايضا منطقة اخرى تسمى 'بنايا عريفجان'، غنية بالآبار على الساحل في الجنوب.
الحلال تعني الماشية
وتحدث عقاب عن حلال، كلمة تعني الملك والثروة اي الماشية والابل، ودائما كنا نقول: قل المطر ومات الحلال، ونقول هذا حلالي، اي ملكي وخاص بي.
وقال: كان لوالدي حلال كثير من هذه الابل والاغنام ورثها عن جدي، وبعد ان صارت الحالة 'شيطي بيطي' وزعنا الحلال وبدأنا نعمل بسهمنا من هذا الحلال، ورزقنا الله سبحانه الخير الكثير، خصوصا من الابل، اخذ منها اللبن الذي بعد الافراز الطبيعي لغدد اللبنية، ويعتبر المصدر الرئيسي للتغذية في الصحراء، والذي يمتاز باللون الابيض والطعم والرائحة الحلوة، لبن كما قال لي ابنائي بعد تخرجهم انه البروتين والدهن والكالسيوم والحديد.
وقال عقاب: اللحم هو المصدر الرئيسي لسكان الصحارى، كنا نسد حاجاتنا منه، هو الماء يحتويه من نسبة عاليه، وهو الدهن الابيض، واللحم الحلو الاحمر اللي نبي، لا يضر ابدا، ولا يولد له داء، واذا هزلت الاغنام، اتجهنا الى لحم الابل، خصوصا في شهري نوفمبر وديسمبر، وافضل الابل المذبوحة من سن 4 الى 6 اشهر، ومن خيرات الحلال خاصة الابل 'الوبر' كنا نحصل على 22 كيلوغراما من الطرح الواحد، وكنا نجمع الوبر الذي يتساقط في اواخر فصل الربيع في ارجاء المراعي، واجوده من الابل الصغيرة لنعومته، وكلما زادت الابل بالعمر زادت خشونة الوبر.
وذكر بعض استخدامات الوبر في صنع الملابس والاغطية، ونسج العباءة، وصناعة الخيام، والشمائل والعقل.
وذكر عقاب انتاج الجلود من الابل القوية السميكة لصناعة الجرب تسميها (مراوي) او (دلو).
وجلود الابل تستخدم ايضا في التغطية، وصنع الطبول وصناعة الاحذية.
تغذية الإبل
وقال: الابل تستطيع التغذي على اكثر النباتات المتوافرة في البر الشوكية والرعوية التي تأكلها حيوانات اخرى ولا تأكل الشوكيات، ونحن الرعاة نعتبر الابل من الحيوانات الاصيلة التي تحافظ على النباتات ولا تترك مساحة لاي رعي جائر في الصحارى، ولا اي اثر سلبي في البر، لكونها تعمل على ادخال بذور نبات رعوية جديدة الى المراعي من خلال روثها، ومن خلال انتقالها الى مسافات بعيدة، واهم ما ترعى به الابل من النباتات في صحراء الكويت:
العرفج: نبات منتشر في الكويت ومعمر طوله قد يصل الى مترين.
الرمث: من افضل النباتات الرعوية للابل، وقد كانت الرميثية من اغنى مناطق الكويت، فلذلك سميت المنطقة لكثر الرمث فيها.
الرغل: ينتشر في كل بر الكويت نبات سيقانه خشبية وغني بالدعون.
القيصوم: شجيرة معمرة صلبة لها ازهار صفراء لا يأكلها الا الابل لصلابتها، شجيرة جميلة بسيقانها الرمادية البيضاء.
الثمام: ايضا معمر، نبات يزحف ومنه منتصب أوراقه قاسية.
النصي: نبات ربيعي يصل الى ارتفاع 40 سم.
الشيح: نبات رائحته مقبولة له سيقان متعددة.
الثندي: نبات معمر منتشر في برنا يرتفع حوالي 70 سم أغصانه غليظة.
العجرم: سيقانه غليظة اوراقه خشنة، ارض الكويت كانت غنية بهذا النبات، والآن، لا هذا ولا غيره راح وضاع واندثر تحت عجلات السيارات والباكيات والخيم، اين تلك البيئة الرعوية الطيبة؟
بعد الفضاء الواسع
وعن السكن والاستقرار، قال عيد عقاب: بعد العشب والخيام وبيت الشعر والحلال، شدينا الرحال الى قرية على الساحل في الجنوب، الشعيبة كانت في الماضي خالية من السكان الا من عائلة 'ابن الياقوت' وخوالي. كنا نعتبر نحن سكانها وهي بعيدة عن الديرة ومسافتها عن الكويت 40 كلم، أزيلت القرية في بداية السبعينات، يقولون علشان التلوث، وفيها عائلة الصقر، عملنا نحن العوازم في الشعيبة بالزراعة، نرغب الماء من الآبار الحلوة الى المشاعيب، فيها النخيل وغنية بالخضراوات التي كانت تصدر الى داخل البلاد.
وقال: بعد الفضاء الواسع والشعيبة انتقلنا الى المنقف الزراعية، وسميت القرية لان ساحلها غني بالصخور، ويقال انها كانت قبل سنوات ولا يعلوها الماء، قرية فيها الآبار الكثيرة والمزارع الرائعة، كانت منتجعا لراحة الكويتيين، والتقاء العوائل في ايام الجمع والعطل، وسدر المنقف مشهور بثماره وكثرة طيوره.
كان فيها خلف الحربي، ومحمد بن السويلم، ثم انتقلنا الى النقرة عند خيران المطيري، الذي كان قد طلب من الناس ان يرشدوه الى راعي إبل وغنم وله خبرة ودراية فقالوا له: ابن عقاب، عملت شهورا معدودة فقط، عرفت المنطقة اسمها ويعني 'الحفرة في الارض' وفعلا كانت حفرة تتجمع فيها مياه الامطار، وفيها آبار صالحة للشرب كان الناس يرون منها، وسميت الحفرة 'سد النقرة'.
كلطة
وشد الرحال ابن عقاب الى المنقف، وقال: كانت حركتها قوية ونشطة من البحارة والغاصة، كانت ملاذهم بسبب آبارها العذبة ومزارعها، والرجل مصيره بلده، والمنقف للآباء والاجداد، المنقف فريجنا وارضنا، لنا فيها جلسات ومنتديات شعرية لم يمر علينا اسبوع الا فيه 'كلطة' وتعني هذه الكلمة غناء شعبيا ومساجلة شعرية طابعها المدح والهجاء والشعر النبطي، اتذكر الاعياد والاعراس كانت تتكون من شاعران يقفان وجها لوجه، كل منهما يردد بيتا والآخر يرد عليه بالبديهة والمغلوب من يأتي بيتا مكسورا أو يعجز عن الرد، كلطة المنقف مسابقة عالية المستوى، كل أهل القرية يتجمعون ويتنافسون على الفوز.
وقال: الشعر في الكلطة علم ووزن وتقنية والكل كان يقول ليتني كنت فلانا في الشعر.
عشة الخرافشي
وتحدث عن أول من بنى كوفا من الخشب كنا نسميه 'عشة الخرافشي' عبارة عن باسجيل وبواري أو جذع النخل والسعف، وحمود سعد الخرافشي أول من أقام هذه العشة في المنقف، كانت كشخة كأنها عمارة من عدة أدوار بالنسبة لنا في تلك الفترة.
خندريس
وقال: لا دراسة ولا علم ولا مدارس عشنا على الفطرة، وعملنا بين الإبل والغنم، وحتى البقر لا يملكها إلا التاجر المقتدر، عشنا على 'التميرة، والخندريس التمر اليابس العتيق، وأثناء أكله كل واحد منا يأخذ 'خندر' أي مخندر صامت لا يكلم من حوله من كثرة العمل والتعب، والتمر الطيب لا نعرفه، إلا نادرا وحتى المريض كان يعالج بالكي هذا الكواي بيده عدته، وإن تأخر مات المريض وإذا كواه فإن مات قالوا له: رحمه الله، وإن شافه الله قالوا: جزاك الله خيرا وكان صاب الكي يطلب أتعابه اما روبيات أو خروف أو ماعز، وإذا نزل المطر وشاهدنا المطر حملنا والدنا إلى 'عرك' أي مكان مرتفع حوله قطين 'مخيمات' نجتمع حول بعض الآبار، وعركة بئر في الصحراء ذات رقبة مرتفعة ولها دلو ومحالة وبكرة من الخشب.
وتذكر تلك المسافات التي كان يقطعها مع والده وأهله قال: ساعات طويلة كنت أقطع خلالها هذه البراري، وإذا شعرت بالتعب والنعاس كان والدي رحمه الله يرفعني على كتفه ويقطع باقي المسافة.
وقال: كله خندريس في خندريس حتى لدغة العقرب يكوى مكانها على الجلد حتى يخرج السم، والمريض يعالج بتفال الملا (بصقة).
محمل
وتحدث عن كفاح والده وجده وعمه مطلق الذين باعوا حلالهم من الإبل والأغنام واستأجروا سفينة للعمل في البحر، عملوا على هذا المحمل في نقل البضائع والغوص في البحر، اخذوا هذه السفينة من 'العب ل' النوخذة المشهور، واخذوا معهم بالمحمل البحارة كلهم من العوازم، واكثر اهل البادية من الغاصة، ولا عجب، فالتاريخ الكويتي يثبت ويدلنا على اسماء كثيرة من اهل البر هم اهل البحر، لان البدو يمتازون بالجرأة، ولهم قصائد واشعار على اللؤلؤ، ونحن لنا جولات وصولات في البحر، دخلنا الخانجية اول الغوص، ودخلنا المياه العميقة والبعيدة، والردة فصل بارد ايضا غصنا، وإرديدة شدة البرودة ذهبنا للبحث عن المحار قرب الساحل.
واخيرا عدد عيد بعض الذكريات والمعلومات المتفرقة فقال: اول من زرع في مزارع الوفرة هو انا عام 1962 في شهر فبراير، والثاني هو حمود الخرافشي، والثالث مبارك الدماك. واول مطوع في الفحيحيل وامام مسجد ومؤذن ويعقد القران هو الشيخ احمد.
واذا اردنا ان نقدر عمر الابل نقول للناقة عرموس، وللجمل عرميس، والمسن من الابل عراميس.
والابل الظماء هي: الهيم او الهيام.
الرغاء: اصوات الابل.
الشارف: الناقة المسنة التي تحن على ولدها.
القمطر: الجمل الضخم القوي.
العير: هي الابل التي تحمل المؤن.
رعوي: حوض مصنوع من جلد الجمل لحفظ الماء.
مداوي: دلو من جلد الابل، وكلمة تعني الجربة من نفس الجلد.
ثني: اذا وصل عمر الابل ست سنوات يسمى ثنيا. واذا هرم فيسمى كحكح.
صوت الذكر: رغاء، واذا علا صوته سمي الكشيش، واذا صخب صوته سمي قرقر.
صوت الذكر: البغام، ويقال لقد بغمت، واذا مدت حنينها قيل سجرت سجرا، او سجعت.
نصيحة والدي
وقال عيد عقاب: والدي رحمه الله كان واضحا ويظهر الحق حتى على نفسه، عما يدور حوله، لا يقرأ ولا يكتب، ولكنه يحب المرجلة وثابت في قوله، وعندما اراد اخونا خميس ان يرشح نفسه لعضوية مجلس الامة قال له: يا خميس نحنا من الاصل من هؤلاء العوازم لا فرق بيننا وبينهم، اذا نجحت وصرت في المجلس اذا فيك شدة تخدم الكويت، وتجاهد لاجلها، تقدم للناس كل ما يحتاجونه، والا تنسحب اذا لم تكن 'كده وكدو ده' والحمد لله نجح خميس وخدم والكل يشهد له، وبيض الله وجهه.
المواضع والمواقع والأمكنة في تاريخ الكويت مدرسة ملا مرشد الأهلية في المرقاب (1927 - 1958)
القبس
كتب فرحان عبدالله أحمد الفرحان :
موقع مدرسة ملا مرشد على الخريطة
لا يختلف اثنان على ان مدرسة ملا مرشد ظاهرة مؤثرة في تاريخ الكويت، نلقي الضوء عليها بمناسبة الذكرى الثمانين على افتتاحها (1927 - 1958) ومرور خمسين سنة على توقفها.
فالاخوان ملا مرشد وملا سليمان اللذان اسسا مدرسة غير مربحة بالكاد تسد الرزق ولقمة العيش، ويعملان في هذه المدرسة دوامين طوال السنة من دون عطلة ربيعية او صيفية، تستحق ان نطلق عليها ظاهرة، وحقا انهما ضحا بوقتيهما وصحتيهما ليقدما للآخرين العلم والمعرفة، وقدما الشيء الكثير في سبيل ثقافة ورفعة هذه البلاد العزيزة الكويت.
هذان الاخوان اللذان صمدا طيلة ثلاثين عاما من التدريس، صحيح افتتحت مدارس في الفترة نفسها كمدرسة ملا زكريا الانصاري ومدرسة عبدالله عبداللطيف العثمان وشقيقه ملا عثمان وملا محمد، ومدرسة عبدالعزيز حمادة ومدرسة ملا عبدالوهاب الحبنان ومدرسة الخنيني، لكن هذه المدارس لم تصمد بل اغلقت ابوابها بعد فترة قصيرة، ما عدا مدرسة الخنيني والتي استمرت لبعض الوقت، لكن هناك مدرسة تدرس البنات وهي خاصة للنساء، وكذلك مدرساتها وهذه المدرسة صمدت قرنا من الزمان، انها مدرسة آل العمر او المطاوعة، وقد استمرت من منتصف القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، وهذه المدرسة بدلا من تسميتها مدرسة المطاوعة كان الاجدى ان تسمى مدرسة المطوعات.
وهذا ما ينطبق على مدرسة ملا مرشد بفتح الميم واسكان الراء وفتح الشين، وكان الاجدر بهذه المدرسة وهذه المعمعة العلمية ان تسمى مدرسة ملا مرشد بضم الميم وتسكين الراء وكسر الشين، وهنا يكون هذا الرجل اسم على مسمى فهو مرشد وجاء اسمه مطابقا لحقيقته واقول رحمه الله.
هذه مجرد مقدمة لهذه المدرسة، كيف بدأت الفكرة في تأسيس هذه المدرسة ويمكن انه قد اغنانا المرحوم حمد السعيدان في موسوعته حيث يقول الجزء الثالث صفحة 1384 التالي:
مَرشَد: (مدرسة ملا مرشد)
مدرسة اهلية تأسست سنة 1927 اسسها مرشد محمد السليمان وسليمان محمد السليمان، من اقدم المدارس الاهلية واكثرها تقدما من ناحية البرامج الدراسية ففيها كانت تعطى دروس القرآن والعربي والخط والحساب والاملاء والفقه والتوحيد ومسك الدفاتر الى جانب مبادئ اللغة الانكليزية، تخرج فيها معظم رجالات البلاد ومنهم بعض افراد الاسرة الحاكمة، ووكلاء الوزارات والوكلاء المساعدين وغيرهم. وكانت الدولة قد كرمت – في عام 1968 في عيد العلم – عددا من المدرسين القدامى دون اصحاب هذه المدرسة، كما ان الشيخ عبدالله النوري لم يذكر هذه المدرسة في كتابه «قصة التعليم» مع انها قديمة ومشهورة. اغلقت المدرسة سنة 1958.
ملا مرشد محمد السليمان:
ولد سنة 1907، وتوفي بتاريخ 9 ديسمبر 1971. (انظر مرشد)
ملا سليمان المحمد: من مواليد سنة 1906. توفي 1985.
هذه ملاحظات قيمة كتبها وسجلها المرحوم السعيدان، لكن لنعد الى الوراء لهذه الاسرة الكريمة التي اكرمتنا بالتعليم والاخلاق ثلاثين سنة:
كان المرحوم (محمد السليمان) والد الفاضلين سليمان ومرشد قد رحل من نجد ومن حوطة بني تميم مبكرا وكان حظه حظ كثير من العائلات التي انحدرت من نجد للبحث عن حظ اوفر وحياة سعيدة وسكن على مقربة من ابناء قريته وهناك في اوائل القرن العشرين، ادخل ابناءه سليمان ومرشد الى المدرسة المباركية وقد نال كل منهم حظا من التعليم وعمل الاخوان بالتجارة، لكن الله كتب لهما ان يكونا مربين ليدخلا التاريخ وينالا من الدعوات الى يوم الدين وهكذا عندما اخذت بعض المدارس الخاصة التي سبقت المدارس التي ذكرناها وهي مدرسة حمادة والخميس والخنيني والحنيان كانت هناك مدارس تفتح في دواوين الاغنياء لتدريس ابنائهم لكنها لم تصمد لانها لا تسير على فهم دون مدرسين ثابتين.
لهذا جاءت ثمرة هذا الرجل الشجاع ملا مرشد الذي نال قسطا وافرا من التعليم في المدرسة المباركية، الخط والعربي القراءة والكتابة وحفظ القرآن وكذلك الفقه والحساب ومسك الدفاتر، وهذا كان آخر المطاف من التعليم في تلك الحقبة، ادخل فيما بعد اللغة الانكليزية لتعامل التجار مع المراسلات والهند اثناء السفر وكان الذي يقوم بتدريس هذه المادة ملا ناصر الحوطي تولى قيادة هذه المدرسة مرشد الذي دعي فيما بعد بملا مرشد وساعده شقيقه ملا سليمان وكان ملا مرشد يدرس الفصول المتقدمة وملا سليمان يدرس الفصول الاولية وهناك فصل خصص لملا فهد المزيد الذي يدرس الطلبة في الفصل المتوسط، كانت الدراسة في هذه المدرسة متواصلة صيفا شتاء دون عطلة صيفية ولا عطلة ربيعية، والدوام على فترتين صباحية ومسائية، وكان حينما يحين وقت صلاة العصر يجتمع الطلبة في ساحة ملا سليمان ليؤدوا صلاة العصر، ثم بعد ذلك صارت الصلاة في ساحة الاثلة وهي ساحة المدرسة الامامية.
وكانت المدرسة تأخذ من الطلبة مبلغا قليلا ورمزيا ثم ارتفع الى ان اصبح روبية في الشهر واربع آنات للماء.
كان الجلوس في المدرسة على الارض وعلى المنقور الذي يسقف به سقف الغرف و«المنقور» يصنع في ايران او العراق من القصب الذي ينبت على مياه الانهار.
كان في هذه المدرسة غالبية الطلبة، كل واحد عنده «بشتخته» وهي عبارة عن صندوق مصنوع من الخشب في الهند، وفيه مكان للاوراق ومكان للدواة (المحبرة) ومكان للاقلام، وهناك الطلبة يتبارون بنوعية كل واحد بشتخته، فهذا عنده من السيسم والاخر عنده من الابنوس الاسود والبعض بشتخته من السامج، والحفاي بشتختهم من الخشب العادي في فصل ملا مرشد بالليوان دائما هذا الليوان مفتوح، لكن في فصل الشتاء يوضع (شتر) وهو عبارة عن جنحة لتمنع البرد والطلبة يتحفرصون من البرد، لكن مع الوقت يدفأون.
كان الفاضل د. عبدالمحسن الخرافي في كتابه «مربون من بلدي» يقول في صفحة 377 عن ملا مرشد التالي:
تلقى المربي الفاضل تعليمه كاملا في مدرسة المباركية عن الاساتذة الافاضل الذين كانوا يتولون التدريس فيها في تلك الفترة وهم: الشيخ يوسف بن عيسى القناعي وكان ناظر المدرسة ويدرس اللغة العربية وآدابها، بالاضافة الى الدين والتاريخ، وايضا الاستاذ عبدالملك الصالح المبيض، وكان يدرس الحساب والخط، وايضا الشيخ القاضي احمد الخميس ودرس تحفيظ القرآن، والشيخ يوسف الحمود ويدرس الدين والفقه، والمؤروخ الشيخ عبدالعزيز الرشيد ويدرس مادة الفقه والتاريخ، كما كان من اساتذته ايضا عمر عاصم الازميري ويدرس القرآن الكريم والتجويد، واخيرا حافظ وهبة وكان يدرس مواد العلوم.
وقد قام بمساعدته في عملية التدريس كثيرون وفي ازمان مختلفة، فقد ساعده طوال فترة استمرار المدرسة اخوة سليمان، كما ساعده ايضا: ابرهيم السعد الحوطي، وعباس الهارون، وصالح العجيري، وعبدالرحمن الرويح وعبدالرحمن العبدالغني، وفهد المزيد، وناصر الحوطي، ومحمد السليمان، ومحمد السيف، ويوسف الشايجي وغيرهم. واستمرت مدرسته على هذا المنوال، حتى عام 1955، وقد عرضت عليه دائرة المعارف آنذاك فكرة انضمام مدرسته اليها، فلم يوافق وقد قام تلاميذه بالتوجه الى المدارس الحكومية، واغلق مدرسته عام 1956 بعد ان قضى فترة قدرها ثلاثون عاما في التدريس.
تخرج على يديه عدد كبير من التلاميذ، من ابرزهم: صاحب السمو الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح، والشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح، وعدد كبير من افراد الاسرة الحاكمة وابناء الكويت، وعلى سبيل المثال لا الحصر: احمد عبدالعزيز السعدون وفيصل السعدون، وعبدالرحمن محمد الملحم، وعبدالمحسن عبدالله السعد، ومحمد احمد الغنام، وعبدالعزيز اسماعيل، ونصار عبدالله النصار، وعبدالعزيز احمد النصار، وعبدالرحمن احمد السعد، ويوسف مطلق الزايد، والمستشار راشد عبدالمحسن الحماد، والعميد المتقاعد حمود مشاري الخرافي.
توفي الملا محمد السليمان في ديسمبر عام 1391 هـ (1971م).
رحمه الله رحمة واسعة، واسكنه فسيح جناته.
واحب ان اضيف الى ان من قاموا بالتدريس في هذه المدرسة، بالاضافة الى الذين ذكرهم الدكتور عبدالمحسن كثيرون، منهم محمد سعيد محمد الدويسان الذي كان يدرس مادة حساب الكسور العشرية، وقد خرّجت هذه المدرسة الكثيرين وافادت الكثيرين ايضا، فقد كانت عبارة عن ناد يلتقي فيه الشباب للتعارف، حيث ان التلاميذ والطلبة من مناطق مختلفة، وكان ملا مرشد لا يفرق بين طالب واخر وكان يساوي بين الجميع في الاتفاقة والسؤال الكل سواء.
كان لي الحظ ان ادرس في هذه المدرسة قرابة ثلاثة اشهر في فصل الصيف، واقول بحق كنت استفدت من هذه المدرسة الشيء الكثير وكانت معارفي في هذه المدرسة مع كثير من الشباب الذين تبوؤا مناصب في هذه الدولة العتيدة.
اعود لاتحدث عن ملا سليمان محمد السليمان شقيق ملا مرشد كان ملا سليمان اكثر بدانة من شقيقه ملا مرشد، لكن كان الاخوان لا تعرف ايهما ملا سليمان من ملا مرشد في الاخلاق والمعاملة والعلاقات كان ملا سليمان تفرغ لتأسيس الطلبة الصغار في هذه المدرسة ومن ثم يسلمهم الى شقيقه مرشد ليكملوا دراستهم كان ملا مرشد قد سبق شقيقه سليمان في مغادرة الحياة، وان كان قد جاء بعده الى هذه الدنيا، حيث توفي ملا مرشد 1971. ولحقه شقيقه سليمان سنة 1985.
كان المعروف عن ملا مرشد انه يحب البر وصيد البر ولا يحب البحر بعكس شقيقه سليمان فانه كان يحب (الحداق) صيد البحر كان ملا سليمان قد انجب ابنه البكر محمد الرجل الذي كان نائبا في البرلمان الكويتي، عن منطقة الخالدية، في فترة سابقة هو من الشخصيات المعروفة، وكان احمد ملا مرشد ولده الكبير عمل في الحقل الدبلوماسي فهو من كبار موظفي وزارة الخارجية.
واخيرا فهذه هي اسرة ملا مرشد وسليمان اللذين تفرغا للتعليم والتدريس، هذه هي الاسرة او الاخوان اللذان تركا بصمات لايمكن ان تمحى على مدار التاريخ، لانها محفورة في القلوب، حيث علما ووجها ودرسا وربا الكثيرين من ابناء هذه البلاد العزيزة، هذان الاخوان مرشد وسليمان لو تفرغا للتجارة في بداية حياتهما، لربما اصابا الشيء الكثير لكن كتب الله ان يربيا بعض هذا الجيل السابق.
كان لي الحظ في العطلة الصيفية لمدارس الحكومة ان التحق بمدرسة ملا مرشد ثلاثة اشهر كنت قد غنمت منها الشيء الكثير رؤيتي ملا مرشد وحدها تكفي من المهابة والوقار فهو باش غير كاش بالجميع.. كنت انظر اليه وهو يعطي اهتماما زائدا للطلبة الايتام، كان لا يتأخر عن التدريس في المدرسة ابدا بل يكون في مقدمة الطلبة.
لكن اقول بعد ان توسع التعليم الحكومي وفتحت مدرسة المرقاب اخذ التلاميذ الصغار يتجهون الى مدارس الحكومة نظرا لما تملك من امكانات اخذت مدرسة ملا مرشد تتقلص حتى ابتدأت الاعداد بها في السنوات الاخيرة بعد بالاصابع لهذا ارتأت حكمة ملا مرشد ان يقفل ابوابها. وبما ان مدرسة المرقاب التي اخذت حفنة من الطلبة من مدرسة ملا مرشد بها اساتذة ومدرسة اكفاء، امثال ملا عثمان وعبدالعزيز الدوسري، وغيرهما، لهذا اقفلت هذه المدرسة العتيقة مدرسة ملا مرشد ابوابها بعد ان كانت كلها عطاء وعلم وثقافة واقول رحم الله ملا مرشد وملا سليمان ومن ساعدهما.. وجزاهم الله خير الجزاء وأسكنهم فسيح جناته.