حجم الخط
جبر أبوشمالة
جبر ابو شمالة يتحدث للزميل منصور الهاجري (محمد الخلوصي)
لقاء تدريبي مع مدرسي المرحلة الابتدائية في مركز التدريب
ابو شمالة وبعض موجهي الرياضيات بمنطقة الاحمدي التعليمية
مع احد المدرسين في مدرسة زيد بن حارثة الابتدائية
لقاء ورشة عمل تدريبي مع موجهي ومدرسي المرحلة الابتدائية
مع مجموعة من موجهي العلوم
جبر ابو شمالة مع مدرسي الفيزياء بثانوية عبدالله الجابر
مع احد الزملاء
مع بعض مدرسات المرحلة الابتدائية في دورة تدريبية
مع المدرسين الاوائل في ثانوية عبدالله الجابر
اثناء متابعة الاعمال التحريرية في ثانوية الروضة
ضيف هذا الاسبوع هو جبر محمد صلاح أبوشمالة، فلسطيني، ولد في قرية صغيرة بالقرب من مدينة سدود بقضاء المجدل بعسقلان في 1942، بعد النكبة هاجر مع أسرته تحت ضغط الحرب التي شنتها إسرائيل على فلسطين واستقروا في خان يونس، في مخيمات اللاجئين التي كانت وكالة «الأونروا» تقيمها للاجئين الفلسطينيين، وفي هذه المخيمات التحق بالمدرسة الابتدائية التي كانت عبارة عن خيمة، وتدرج في المراحل التعليمية حتى حصل على الثانوية، وسافر الى القاهرة ليكمل تعليمه الجامعي، وفي القاهرة درس بكلية العلوم بجامعة عين شمس في العام 1960، وكان يسكن في منطقة حدائق القبة، وبعد تخرجه وحصوله على البكالوريوس اتجه للعمل في التدريس، حينها عاد الى غزة وعمل بمدرسة الزهراء الثانوية للبنات لمدة خمس سنوات.
وأثناء هذه الفترة جاءت الى غزة لجنة كويتية لاختيار مدرسين للعمل في الكويت وتقدم مع مجموعة من زملائه، واجتاز الاختبار وكان ترتيبه الأول.
ثم سافر الى الكويت وكانت مدرسة الخليل بن أحمد هي أول مدرسة عمل بها وكان يسكن في منطقة المرقاب.
وانتقل بعدها الى أكثر من مدرسة الى ان وصل الى موجه أول.. فإلى التفاصيل:
يقول في بداية حديثه:
ولدت في فلسطين في قرية صغيرة اسمها بيت دراس، بالقرب من مدينة سدود حاليا قضاء المجدل (عسقلان) والقرية صغيرة جدا وكانت ولادتي يوم 1 يناير 1942 وأيام معركة النكبة لم ألتحق بالدراسة لأن سني حينها كانت صغيرة، وكان بالقرية مدرسة واحدة صغيرة للذكور.
وفي عام النكبة (1948) هاجرنا تحت ضغط الحرب التي شنتها اسرائيل على فلسطين، وفي تلك الأثناء كان أبي يعمل بالزراعة وصاحب أرض مساحتها أربعين دونما (كل ألف متر مربع يساوي دونما واحدا) وعنده بيارة برتقال وجنينة عنب وتفاح ومزرعة للبطيخ، كما كان عنده سيارة شاحنة لنقل البضائع الى يافا، وداخل البيارة كانت توجد بئر كبيرة ومطوية بالصخور والماء يستخرج منها بالمضخة، وعمق البئر عشرة أمتار وكان الوالد عنده عمال مصريون وفلسطينيون إضافة الى أولاد عمه وبعض أفراد العائلة ممن يعملون معه بالأجرة.
والطفل الصغير لا يعرف أكثر من المحيط الذي يعيش فيه وأقول ان الفلاح غير مثقف يعرف الزراعة فقط والحرب لا يعرف نتيجتها، وبذلك الوقت لا يوجد (رادو) ولا صحافة ولا حتى كهرباء، فقط على السراج أيضا قطاع غزة كان عندنا قضاء المجدل ولواء غزة، فكانت هجرتنا الى لواء غزة عام 1948.
ويتحدث أبوشمالة عن النكبة وأحداثها فيقول: خرجنا مشيا على الأقدام وكانت قريتنا من القرى المقاومة والرصاص كان ينزل علينا بشكل كثيف.
وقد شهدت قرية بيت دراس ثلاث معارك كبيرة على مستوى فلسطين والمقاتلين أهل القرية ومن يعاونهم من الخارج، وكان لدى المقاتلين سلاح لكنه كان قليلا، حيث كانوا يشترونه أو يأخذونه من معسكرات الإنجليز، وكان عدد سكان قريتنا نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة مواطن فلسطيني، وكان عندنا في قرية بيت دراس أربع عائلات كبيرة وهي: عائلة أبوشمالة، عائلة المقادمة، عائلة بارود، وعائلة عبدالله، ومنها يتكون سكان بيت دراس.
نفس تولد ونفس تموت
يضيف أبوشمالة: في أثناء هجرتنا من القرية وكنت حينها صغيرا وصلنا أول قرية اسمها قرية حمامة، كانت الوالدة في تلك الأثناء حاملا وفي أيامها الأخيرة، ومعنا أختي الصغيرة المريضة وعمتي، وفي تلك الأثناء جاءت والدتي آلام المخاض، وفي اللحظة نفسها التي ولدت والدتي ماتت أختي الصغيرة، وكانت الولادة تحت شجرة كبيرة، وكان أبي منفعلا جدا أثناء الولادة وقالوا له ماذا نسمي المولود فقالوا «طافش» (وهو يعمل حاليا طبيب أمراض نساء في مدينة جدة في المملكة العربية السعودية)، لأننا طفشنا من الوضع الذي كنا فيه، وقد أمضينا يومين بعد الولادة تحت الشجرة وحملتني الوالدة على كتفيها وتجري وعمتي كانت تقول لها ارميه، وحينها كان اليهود يطلقون النار علينا بكثافة والناس يركضون خوفا من الموت، أما الجدة فقالت لن أرميه، فإما أموت معه وإما ننجو وينقذنا الله، ولذلك عندما كنت أذهب إلى غزة بعد السلام على الأهل أذهب إلى المقبرة لزيارة قبر جدتي.
ويقول أبوشمالة: واصلنا السير حتى دخلنا قرى غزة وبعدها دخلنا مدينة خان يونس واستقررنا فيها وقد استأجر الوالد بيتا صغيرا، وحينها لم يكن الناس يملكون أي نقود على اعتبار اننا سنعود الى ديارنا، وكانت الجيوش العربية مستعدة للحرب وعودة اللاجئين.
خيام اللاجئين
ويتحدث أبوشمالة عن أوضاع اللاجئين في المخيمات التي أقامتها الأونروا فيقول: أقامت وكالة الأمم المتحدة (الأونروا) خياما للاجئين تعطى لكل أسرة على حسب عدد أفرادها، فعمتي كانت لها خيمة والجدة لها خيمة صغيرة واذكر ان الرياح كانت تضرب بشدة تلك الخيام وهكذا كانت أحوال الفلسطينيين.
وقد التحقت بالتعليم وكانت مدرستنا عبارة عن خيمة ندرس بداخلها وأمضيت المرحلة الابتدائية فيها وكانت هناك مدرسة حكومية واحدة في خان يونس والخيام داخل سور المدرسة وكان الطلبة يجلسون على الأرض وكان المدرس يتقاضى راتبه عبارة عن مواد غذائية.
وكنا نذهب للمدرسة بأي ملابس ومع مرو الأيام والشهور تحسن وضع الأونروا وبدأت التبرعات ترصد لها واسم الأونروا يعني «وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين» وكانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
أما الوالد - رحمه الله - في تلك الأثناء فعاد للعمل في التجارة، حيث استأجر له محلا صغيرا وكان يتاجر في الحبوب في خان يونس التي كانت مساحتها كبيرة وتعداد سكانها قليلا ولذلك زاد اللاجئون عن عدد سكانها أضعافا وزاد مع ذلك عدد المحلات التجارية.
التعليم والدراسة
أما عن مراحل تعليمه فيتحدث أبوشمالة: بداية تعليمي عندما استقرانا في خان يونس قامت الأونروا بفتح مدرسة من الخيام داخل ساحة المدرسة الوحيدة في المدينة وفي المرحلة الابتدائية كان المدرسون من اللاجئين وأبناء البلد وكانوا يحملون شهادة الابتدائية الفلسطينية واذكر ان الناظر كان اسمه الشيخ جميل وهو من اللاجئين.
أكملت المرحلة الابتدائية 4 سنوات في تلك المدرسة داخل الخيام، وبعد سنوات استقر الوضع حيث بدأت الأونروا في بناء المدارس من الطابوق وبمساحات كبيرة، وبدأ الناس أيضا في تغيير الخيام ليبنوا بيوتهم من الطابوق وسكنوا فيها وحاليا نقول عنها «معسكرات اللاجئين»، حيث قامت الأونروا بتوزيع تلك البيوت عليهم، وكان التوزيع بالقرعة وحسب عدد العائلة.
ويكمل أبوشمالة فيقول: ونقلت الى مدرسة البطل الشهيد احمد عبدالعزيز وهو قائد مصري استشهد على أرض فلسطين عام 1955 وكان قائد الفلسطينيين الفدائيين واستشهد بواسطة رسالة متفجرة على أرض غزة وقد كان بالفعل بطلا.
المهم التحقت بالمدرسة وكان المدرسون من الفلسطينيين يحملون شهادة «الثانوية العامة» وبعد الانتهاء من الدراسة المتوسطة التحقت بالمدرسة الثانوية التي بنتها حكومة غزة بالاضافة الى ثانوية قديمة ولكن خصصت المبنى الجديد للثانوية القسم العلمي والمبنى القديم للقسم الأدبي.
واذكر ان الناظر كان اسمه عبدالقادر الهبدي وكان يعمل هنا في الكويت بالفروانية وتوفي بأميركا.
وأجريت مقابلة بعد المتوسطة وكان التعيين وقبول الطالب في الأدبي أو العلمي أو المعلمين ومن يقبل في المعلمين يعطى 20 جنيها مصريا بالشهر، وتم اختياري في القسم العلمي وأنهيت دراستي في ثانوية غزة.
كانت أسئلة الامتحانات توضع في مصر وترسل الى غزة، حيث كان النظام المصري يطبق في غزة أيضا وتصحيح أوراق الامتحان كان في القاهرة وكانت النتيجة تذاع في اذاعة القاهرة أو ترسل الى غزة منقولة بالسيارة، المهم أكملت تعليمي وحصلت في الثانوية على نسبة 76%.
جامعة عين شمس
وعن المرحلة الجامعية يقول أبوشمالة: التحقت بجامعة عين شمس وكان أبي لا يستطيع ان ينفق على تعليمي فما يعود عليه من التجارة لا يكفي إلا للإنفاق على معيشتنا وكان الأمر محيرا كيف أسافر ومن سينفق على تعليمي، فاجتمع الوالد مع الأهل وكانت الوالدة - رحمها الله - تمتلك بعض المصوغات الذهبية فباعتها بنحو 36 جنيها وأعطتني إياه في جيبي وظلت لمدة 4 أشهر أصرف منها.
وكيف أتصرف وأنا في الغربة (جزاء الوالدين على الله) وبالفعل أخذت المبلغ وسافرت من غزة الى القاهرة بالقطار عبر صحراء العريش وصحراء سيناء فالاسماعيلية فرفح وهكذا المسافة 10 ساعات وكانت الأجرة جنيها واحدا.
كما أعطتني أمي صندوقا حديديا وضعت فيه السكر والشاي والزيت وطبق الأكل وملابسي ووصلت القاهرة واستأجرت غرفة صغيرة وكان الشهر بجنيه ونصف واشتريت فراشا من القطن وبدأت العام الدراسي عام 1960 بجامعة عين شمس وكانت مباني الجامعة قديما اسطبلات الملك فاروق تم ترميمها وإصلاحها وحولت الى غرف دراسية، وفيها كلية العلوم وقصر الزعفران للملك فاروق أمام الاسطبلات، وكنت اذهب ماشيا ومبلغ الـ 36 جنيها كانت كافية لمدة 4 شهور فقط.
وكانت صاحبة العمارة تسكن في الدور الأخير وكنت اطبخ لنفسي واغسل ملابسي وادرس بالغرفة واذكر ان الوالد عندما اشترى لي الملابس كانت قديمة وكذلك الحذاء كان قديما، حيث كان في قطاع غزة سوق للملابس القديمة، وكان معي في الكلية طلبة فلسطينيون.
ويضيف أبوشمالة: كانت الحياة في القاهرة رخيصة وسكني في حدائق القبة وبجوار السكن كان يوجد بائع فول واذكر انه في أول يوم ذهبت عنده وأعطيته الماعون قلت اعطني فول بقرش واحد فملأ الماعون وفي اليوم الثاني ذهبت له وقلت له اعطني فول بتعريفة فقال عرفت التعريفة بعد يومين؟! حاليا يساوي ثلاثة جنيهات وكانت عندي زيت زيتون وضعته لي الوالدة في الشنطة، وبدأ العام الدراسي ولم يكن أمامي سوى الدراسة فلا سينما ولا سهر، وكان الوالد يزورني بين فترة وأخرى وكانت الزيارة فجأة وأكملت الـ 4 شهور ورجعت الى غزة بعدها.
بلدية خان يونس
وعن ذكرياته بالقاهرة يقول أبوشمالة: كانت بلدية خان يونس تمنح قروضا الطلبة ولكن للمتميزين بحدود 40 جنيها، وبالفعل أعطوني المبلغ على أن أسدده بعد التخرج وبذلك المبلغ استطعت ان أكمل دراستي في الفصل الثاني، كما ان خالتي صارت ترسل لي جنيهين وبذلك وصل المبلغ 50 جنيها للفصل الثاني فصرت اذهب للسينما بالأسبوع مرة واحدة، في سينما الحدائق، وكان يعرض 3 أفلام في الوقت نفسه والتذكرة بقرش واحد.
واذكر انه عام 1960 صدر إعلان عن تعداد سكان مصر وقُدر حينها 19.5 مليونا.
وكان أول جهاز تلفزيون شاهدته في عام 1961 وقد شاهدته في العباسية وكنت أشاهده بالمقهى وقد كونت علاقة صداقة مع بعض الطلبة المصريين، وكنا نرى أساتذة الجامعة يركبون معنا بالباص إلا أن طالبين أردنيين كان كل واحد منهما يمتلك سيارة خاصة فكانا يأخذان معهما بعض الدكاترة لتوصيلهم، ولم يكن عندي أي نشاط رياضي في الجامعة، حيث تفرغت للدراسة، وكان عميد كلية العلوم حينها د.محمد إبراهيم تخصص جيولوجيا وكان يدرسنا المادة.
ما أذكر د.سليمان محمد سليمان ود.عبداللطيف وعمل في جامعة الكويت ود.عز ومجموعة من الدكاترة المصريين، وقد أكملت الـ 4 سنوات وأمضيتها بنفس الطريقة والكيفية وقد علمنا فيما بعد ان أبي كان يقترض من أصدقائه مبلغ 25 جنيها ومن بيع الدكان يسدد.
أول عمل 1964
ويتذكر أبوشمالة السنين الأولى بعد تخرجه وكيف اتجه للتدريس فيقول: رجعت الى غزة بعد التخرج وفي ذلك الوقت كانت غزة فيها أعمال ولكن كانت محدودة وقد اشتهر سكانها بصيد الأسماك والناس كانوا يشبعون من الأسماك بالاضافة الى ان غزة انتشرت فيها أشجار الحمضيات والعنب والتفاح مع المهاجرين، واتذكر انه في أيام الربيع والشتاء كانت روائح الزهور والورود والأشجار وقت الثمر تملأ المكان، وكان أول عمل اتجهت إليه هو التدريس في ثانوية الزهراء، بنات بواسطة الحكومة المصرية وكانت الادارة كلها مصرية، واذكر ان مبانيها كانت عريقة قديمة وكان بونابرت ينام في غرفها.
وكنا نحترم الطالبة جدا كما كان الوالد يقول لي ان أولياء الأمور يشكرونك لحسن تعاملك مع الطالبات.
ويضيف أبوشمالة: كنت اخرج يوميا من خان يونس الى غزة بالسيارة بالأجرة وكان راتب مدرس القسم الأدبي 25 جنيها أما مدرس المواد العلمية فكان يتقاضى 30 جنيها، وتقاضيت الـ 3 شهور الأولى دفعة واحدة وأعطيتها للوالد، فلم يأخذها فأعطيتها للوالدة وفي صباح كل يوم كان أبي يضع لي ربع جنيه تحت المخدة أجرة السيارة.
وظللت أعمل لمدة سنة في ثانوية البنات ومعهد المعلمات والجدول مقسم بينهما، وفي السنة الثانية انتقلت الى مدرسة خان يونس، عملت مدرسا في نفس المدرسة التي تخرجت منها وكان ناظر المدرسة حينها عصام الأغا - رحمه الله -
لجنة اختيار المدرسين
ويتحدث أبو شمالة عن كيفية التحاقه بالتعليم في الكويت وكيف تم اختياره فيقول: حضرت الى غزة لجنة لاختيار المدرسين للعمل بالكويت وتقدمت مع من تقدم لتلك اللجنة وكان العدد كبيرا وكان اول سؤال من اللجنة هو: انت عملت مدرسا في مدرسة بنات ومدرسا في مدرسة للأولاد.
ما الأحسن، تعليم البنات أم تعليم الأولاد؟
فقلت له ان تعليم الأولاد أفضل، فقال مشاغبين؟ فقلت: لا، إن البنات لهن طابع خاص، أما الأولاد فتستطيع ان تقيس عليهم، اما البنات فيبكين لأي سبب.
وكان ثاني سؤال: مادمت عملت في ثانوية بنات وفي معهد معلمات ما الفرق بين الاثنين؟ قلت له ان الأهداف التربوية تختلف، بنات الثانوي يدخلن الجامعة وبنات المعهد يردن ان يعملن مدرسات وطبيعة المناهج ايضا تختلف.
وأتذكر ان احد الأعضاء سألني كيف مشاغبات البنات؟ فقلت له البنت ممكن تقف وتجلس ليس هدفها المشاغبة ولكن لفت نظري المدرس الذي لا يوزع أسئلته بالتساوي.
وبالفعل تم اختيار ثمانية مدرسين وكنت أعتقد أن اللجنة لن تختارني ولكن كان ترتيبي الأول بين الزملاء الذين تم اختيارهم وكان معي احمد العجرمي مدرس كيمياء ومحمد عابد مدرس رياضيات ومحمد العبادلة رياضيات، من خريجي الجامعات المصرية، وتمت الموافقة والتوقيع على العقد وسافرت من غزة الى الكويت ونزلت في مطار الكويت عصرا وكان الجو حارا جدا.
وكانت ضيافة الكويت من أجمل الضيافات للمدرسين وقد تواجدت لجنة الاستقبالات وأخذونا للسكن الى الكلية الصناعية وسكنا من عنابر وكان بها مراوح فقط.
وقد تحملت الحرارة وحياة العزوبية من اجل العلم.
كما أعطونا سلفة اربعين دينارا لكل مدرس وكان مقر وزارة التربية بشارع فهد السالم.
وكان الدينار الكويتي يساوي 3 دنانير حاليا.
مدرسة الخليل بن أحمد
ويضيف ابو شمالة: بدأ توزيع المدرسين وكان نصيبي في مدرسة الخليل بن احمد المتوسطة في منطقة كيفان، وسكنت في عمارة النفيسي في المرقاب بجانب المتحف العلمي، وكان صاحب العمارة يجلس في مكتبه وكنت مع المدرسين نجلس عنده ونتحدث معه عن الأمور العلمية والتعليمية وسكنت مدة سنتين وكنت أذهب مع صديقي بسيارته.
وتسلمت أول راتب وكان 52 دينارا، كنت أتغدى في مطعم وجبة كاملة بربع دينار، وقضيت سنتين في مدرسة الخليل بن احمد وبعدها نقلت الى ثانوية خيطان، وأذكر ان ناظر الخليل بن احمد كان المرحوم الاستاذ فتحي السقا والوكيل محمد عبدالله وكان المرحوم الاستاذ خالد المسعود اول ناظر للخليل بن احمد.
اما طلبة المدرسة فكانوا رجالا يعتمد عليهم وبعضهم كانوا ممتازين ومستعدين للدراسة وأذكر اثنين من طلبة الفصل قاموا ببعض المشاغبات في اول يوم اعمل فيه مدرسا ويومها لم أفهم اللهجة الكويتية، وكان فيها طلبة كبار، وكان الوكيل قد أعطاني حصة احتياط في فصل مشاغب الى درجة انني لم أستطع النوم بالليل.
وفي اليوم الثاني أيضا أعطوني حصة «احتياط» ولكن استطعت أن أتصرف بهدوء وأذكر أن طالبا قال لي: يا أستاذ أنت ثالث مدرس علوم تدخل علينا، كل من قبلك لم يرغبوا في العودة للفصل نحن الآن نراك مدرسا طيبا متسامحا وعندك عطاء جيد ونحن مرتاحين لك ونحترمك ونقدرك، وهنا ارتحت من كلام الطلبة واستمررت معهم حتى نهاية العام، ورأيت روح النشاط والشباب عند الطلبة وتعاونوا معي.
ويقول أبوشمالة: أكملت السنتين في مدرسة الخليل بن أحمد وفي إحدى المرات دخل عندي الموجه مع الناظر في المختبر وقد ارتاح الموجه لعملي وكان اسمه حسن عصفور وفي نهاية الحصة ناداني الناظر وقال لي الموجه: أنت تمسك قسم العلوم كمدرس أول تعيين داخلي.
واستمررت في العمل لمدة سنتين ثم نقلت إلى ثانوية خيطان وكان ناظرها مبارك التورة وهو رجل طيب ومعاملته كانت راقية جدا مع المدرسين وعينت مدرسا للعلوم والمدرس الأول كانت أديب عدي ووكيل الثانوية خالد الوهيب وكان وضعه ممتازا جدا بالمدرسة.
وأمضيت 6 سنوات فيها وكانت ثانوية خيطان منافسة للثانويات الأخرى.
واذكر أن مبارك التورة عين مدير تعليم ثانوي واختارت الوزارة الكفاءات وكنت واحدا من المدرسين الذين عينوا مدرسين أوائل وبالفعل عينت مدرسا أول للعلوم في ثانوية الدوحة..
وممن أذكرهم في مدرسة خيطان طه بورسلي اجتماعيات وخالد الوهيب وعبدالله محارب مدرس اجتماعيات ومشرف جناح ومن الفلسطينيين الأستاذ عبدالله أبوجلالة وحسن عبدالمحسن وطاهر عابدين واحمد خريس وطاهر البكر وأما في ثانوية الدوحة كان الأستاذ زكي عتيق والوكيل يوسف الطراح وكان الطلبة يختلفون عن طلبة خيطان وأمضيت سنتين في ثانوية الدوحة ومنها نقلت الى ثانوية العديلية وكان ناظرها علي الغريب وعبدالله حمد ناصر المهنا وكيل الثانوية.
وأمضيت 5 سنوات مدرسا أول و3 سنوات رئيس قسم وكنت من أوائل رؤساء الأقسام الذين تعينوا - رئيس القسم هو المدرس الأول وكانت تجربة في 5 مدارس على أساس موجه مقيم.
أمضيت 4 سنوات وفي عام 1980 أصبحت موجه علوم ومن النظار علي الغريب وعبدالله المهنا، واستمررت موجها حتى عام 1988 وعينت موجها أول في منطقة الأحمدي التعليمية ومديرها عبدالله اللقمان وبعدها نقلت إلى العاصمة حتى الغزو الصدامي 2/ 8/ 1990م.
وبعد تحرير الكويت من الغزو العراقي تقدمت بطلب عمل كمدرس إلى إدارة المدرسة الوطنية ومن ذلك اليوم حتى الآن اعمل مدرسا ومنذ 20 عاما مدرسا في المدرسة الوطنية الأهلية.
عدد المشـاهدات: 7572
جبر أبوشمالة
جبر ابو شمالة يتحدث للزميل منصور الهاجري (محمد الخلوصي)
لقاء تدريبي مع مدرسي المرحلة الابتدائية في مركز التدريب
ابو شمالة وبعض موجهي الرياضيات بمنطقة الاحمدي التعليمية
مع احد المدرسين في مدرسة زيد بن حارثة الابتدائية
لقاء ورشة عمل تدريبي مع موجهي ومدرسي المرحلة الابتدائية
مع مجموعة من موجهي العلوم
جبر ابو شمالة مع مدرسي الفيزياء بثانوية عبدالله الجابر
مع احد الزملاء
مع بعض مدرسات المرحلة الابتدائية في دورة تدريبية
مع المدرسين الاوائل في ثانوية عبدالله الجابر
اثناء متابعة الاعمال التحريرية في ثانوية الروضة
- والدتي وضعت أحد أشقائي تحت الشجرة في الطريق أثناء هجرتها إلى غزة
- سافرت إلى القاهرة والتحقت بكلية العلوم جامعة عين شمس ومعي 36 جنيهاً مصرياً
- والدتي باعت ذهبها وأعطتني المبلغ لكي أكمل تعليمي في القاهرة
- سكنت في غرفة صغيرة أثناء المرحلة الجامعية في حدائق القبة بإيجار شهري جنيه ونصف الجنيه
- أمضيت المرحلة الابتدائية في مدرسة عبارة عن خيمة
- أول جهاز تلفزيون شاهدته كان في العباسية عام 1961
- وصلت إلى الكويت وكان الحر شديداً وسكنت في الكلية الصناعية ومنحت 40 ديناراً سلفة
- وضعت أسئلة امتحان المعهد الموسيقي القسم الثانوي
- بعد التخرج عينت مدرساً في ثانوية بنات في قطاع غزة وبمعهد المعلمات
- بداية تعييني كانت بمدرسة الخليل بن أحمد وكنت أسكن في المرقاب بعمارة النفيسي
- عينت موجهاً للعلوم في ثانوية الدوحة وكنت أصغر موجه في «التربية»
- تسلمت أول راتب وكان 52 ديناراً وكنت أتغدى في مطعم وجبة كاملة بربع دينار
- كنت أخرج يومياً من خان يونس إلى غزة بسيارة أجرة وكان راتب مدرس القسم الأدبي 25 جنيهاً
- انتدبت مدرساً في معهد الموسيقى وكنت أدرس السلم الموسيقي والفيزياء
ضيف هذا الاسبوع هو جبر محمد صلاح أبوشمالة، فلسطيني، ولد في قرية صغيرة بالقرب من مدينة سدود بقضاء المجدل بعسقلان في 1942، بعد النكبة هاجر مع أسرته تحت ضغط الحرب التي شنتها إسرائيل على فلسطين واستقروا في خان يونس، في مخيمات اللاجئين التي كانت وكالة «الأونروا» تقيمها للاجئين الفلسطينيين، وفي هذه المخيمات التحق بالمدرسة الابتدائية التي كانت عبارة عن خيمة، وتدرج في المراحل التعليمية حتى حصل على الثانوية، وسافر الى القاهرة ليكمل تعليمه الجامعي، وفي القاهرة درس بكلية العلوم بجامعة عين شمس في العام 1960، وكان يسكن في منطقة حدائق القبة، وبعد تخرجه وحصوله على البكالوريوس اتجه للعمل في التدريس، حينها عاد الى غزة وعمل بمدرسة الزهراء الثانوية للبنات لمدة خمس سنوات.
وأثناء هذه الفترة جاءت الى غزة لجنة كويتية لاختيار مدرسين للعمل في الكويت وتقدم مع مجموعة من زملائه، واجتاز الاختبار وكان ترتيبه الأول.
ثم سافر الى الكويت وكانت مدرسة الخليل بن أحمد هي أول مدرسة عمل بها وكان يسكن في منطقة المرقاب.
وانتقل بعدها الى أكثر من مدرسة الى ان وصل الى موجه أول.. فإلى التفاصيل:
يقول في بداية حديثه:
ولدت في فلسطين في قرية صغيرة اسمها بيت دراس، بالقرب من مدينة سدود حاليا قضاء المجدل (عسقلان) والقرية صغيرة جدا وكانت ولادتي يوم 1 يناير 1942 وأيام معركة النكبة لم ألتحق بالدراسة لأن سني حينها كانت صغيرة، وكان بالقرية مدرسة واحدة صغيرة للذكور.
وفي عام النكبة (1948) هاجرنا تحت ضغط الحرب التي شنتها اسرائيل على فلسطين، وفي تلك الأثناء كان أبي يعمل بالزراعة وصاحب أرض مساحتها أربعين دونما (كل ألف متر مربع يساوي دونما واحدا) وعنده بيارة برتقال وجنينة عنب وتفاح ومزرعة للبطيخ، كما كان عنده سيارة شاحنة لنقل البضائع الى يافا، وداخل البيارة كانت توجد بئر كبيرة ومطوية بالصخور والماء يستخرج منها بالمضخة، وعمق البئر عشرة أمتار وكان الوالد عنده عمال مصريون وفلسطينيون إضافة الى أولاد عمه وبعض أفراد العائلة ممن يعملون معه بالأجرة.
والطفل الصغير لا يعرف أكثر من المحيط الذي يعيش فيه وأقول ان الفلاح غير مثقف يعرف الزراعة فقط والحرب لا يعرف نتيجتها، وبذلك الوقت لا يوجد (رادو) ولا صحافة ولا حتى كهرباء، فقط على السراج أيضا قطاع غزة كان عندنا قضاء المجدل ولواء غزة، فكانت هجرتنا الى لواء غزة عام 1948.
ويتحدث أبوشمالة عن النكبة وأحداثها فيقول: خرجنا مشيا على الأقدام وكانت قريتنا من القرى المقاومة والرصاص كان ينزل علينا بشكل كثيف.
وقد شهدت قرية بيت دراس ثلاث معارك كبيرة على مستوى فلسطين والمقاتلين أهل القرية ومن يعاونهم من الخارج، وكان لدى المقاتلين سلاح لكنه كان قليلا، حيث كانوا يشترونه أو يأخذونه من معسكرات الإنجليز، وكان عدد سكان قريتنا نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة مواطن فلسطيني، وكان عندنا في قرية بيت دراس أربع عائلات كبيرة وهي: عائلة أبوشمالة، عائلة المقادمة، عائلة بارود، وعائلة عبدالله، ومنها يتكون سكان بيت دراس.
نفس تولد ونفس تموت
يضيف أبوشمالة: في أثناء هجرتنا من القرية وكنت حينها صغيرا وصلنا أول قرية اسمها قرية حمامة، كانت الوالدة في تلك الأثناء حاملا وفي أيامها الأخيرة، ومعنا أختي الصغيرة المريضة وعمتي، وفي تلك الأثناء جاءت والدتي آلام المخاض، وفي اللحظة نفسها التي ولدت والدتي ماتت أختي الصغيرة، وكانت الولادة تحت شجرة كبيرة، وكان أبي منفعلا جدا أثناء الولادة وقالوا له ماذا نسمي المولود فقالوا «طافش» (وهو يعمل حاليا طبيب أمراض نساء في مدينة جدة في المملكة العربية السعودية)، لأننا طفشنا من الوضع الذي كنا فيه، وقد أمضينا يومين بعد الولادة تحت الشجرة وحملتني الوالدة على كتفيها وتجري وعمتي كانت تقول لها ارميه، وحينها كان اليهود يطلقون النار علينا بكثافة والناس يركضون خوفا من الموت، أما الجدة فقالت لن أرميه، فإما أموت معه وإما ننجو وينقذنا الله، ولذلك عندما كنت أذهب إلى غزة بعد السلام على الأهل أذهب إلى المقبرة لزيارة قبر جدتي.
ويقول أبوشمالة: واصلنا السير حتى دخلنا قرى غزة وبعدها دخلنا مدينة خان يونس واستقررنا فيها وقد استأجر الوالد بيتا صغيرا، وحينها لم يكن الناس يملكون أي نقود على اعتبار اننا سنعود الى ديارنا، وكانت الجيوش العربية مستعدة للحرب وعودة اللاجئين.
خيام اللاجئين
ويتحدث أبوشمالة عن أوضاع اللاجئين في المخيمات التي أقامتها الأونروا فيقول: أقامت وكالة الأمم المتحدة (الأونروا) خياما للاجئين تعطى لكل أسرة على حسب عدد أفرادها، فعمتي كانت لها خيمة والجدة لها خيمة صغيرة واذكر ان الرياح كانت تضرب بشدة تلك الخيام وهكذا كانت أحوال الفلسطينيين.
وقد التحقت بالتعليم وكانت مدرستنا عبارة عن خيمة ندرس بداخلها وأمضيت المرحلة الابتدائية فيها وكانت هناك مدرسة حكومية واحدة في خان يونس والخيام داخل سور المدرسة وكان الطلبة يجلسون على الأرض وكان المدرس يتقاضى راتبه عبارة عن مواد غذائية.
وكنا نذهب للمدرسة بأي ملابس ومع مرو الأيام والشهور تحسن وضع الأونروا وبدأت التبرعات ترصد لها واسم الأونروا يعني «وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين» وكانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
أما الوالد - رحمه الله - في تلك الأثناء فعاد للعمل في التجارة، حيث استأجر له محلا صغيرا وكان يتاجر في الحبوب في خان يونس التي كانت مساحتها كبيرة وتعداد سكانها قليلا ولذلك زاد اللاجئون عن عدد سكانها أضعافا وزاد مع ذلك عدد المحلات التجارية.
التعليم والدراسة
أما عن مراحل تعليمه فيتحدث أبوشمالة: بداية تعليمي عندما استقرانا في خان يونس قامت الأونروا بفتح مدرسة من الخيام داخل ساحة المدرسة الوحيدة في المدينة وفي المرحلة الابتدائية كان المدرسون من اللاجئين وأبناء البلد وكانوا يحملون شهادة الابتدائية الفلسطينية واذكر ان الناظر كان اسمه الشيخ جميل وهو من اللاجئين.
أكملت المرحلة الابتدائية 4 سنوات في تلك المدرسة داخل الخيام، وبعد سنوات استقر الوضع حيث بدأت الأونروا في بناء المدارس من الطابوق وبمساحات كبيرة، وبدأ الناس أيضا في تغيير الخيام ليبنوا بيوتهم من الطابوق وسكنوا فيها وحاليا نقول عنها «معسكرات اللاجئين»، حيث قامت الأونروا بتوزيع تلك البيوت عليهم، وكان التوزيع بالقرعة وحسب عدد العائلة.
ويكمل أبوشمالة فيقول: ونقلت الى مدرسة البطل الشهيد احمد عبدالعزيز وهو قائد مصري استشهد على أرض فلسطين عام 1955 وكان قائد الفلسطينيين الفدائيين واستشهد بواسطة رسالة متفجرة على أرض غزة وقد كان بالفعل بطلا.
المهم التحقت بالمدرسة وكان المدرسون من الفلسطينيين يحملون شهادة «الثانوية العامة» وبعد الانتهاء من الدراسة المتوسطة التحقت بالمدرسة الثانوية التي بنتها حكومة غزة بالاضافة الى ثانوية قديمة ولكن خصصت المبنى الجديد للثانوية القسم العلمي والمبنى القديم للقسم الأدبي.
واذكر ان الناظر كان اسمه عبدالقادر الهبدي وكان يعمل هنا في الكويت بالفروانية وتوفي بأميركا.
وأجريت مقابلة بعد المتوسطة وكان التعيين وقبول الطالب في الأدبي أو العلمي أو المعلمين ومن يقبل في المعلمين يعطى 20 جنيها مصريا بالشهر، وتم اختياري في القسم العلمي وأنهيت دراستي في ثانوية غزة.
كانت أسئلة الامتحانات توضع في مصر وترسل الى غزة، حيث كان النظام المصري يطبق في غزة أيضا وتصحيح أوراق الامتحان كان في القاهرة وكانت النتيجة تذاع في اذاعة القاهرة أو ترسل الى غزة منقولة بالسيارة، المهم أكملت تعليمي وحصلت في الثانوية على نسبة 76%.
جامعة عين شمس
وعن المرحلة الجامعية يقول أبوشمالة: التحقت بجامعة عين شمس وكان أبي لا يستطيع ان ينفق على تعليمي فما يعود عليه من التجارة لا يكفي إلا للإنفاق على معيشتنا وكان الأمر محيرا كيف أسافر ومن سينفق على تعليمي، فاجتمع الوالد مع الأهل وكانت الوالدة - رحمها الله - تمتلك بعض المصوغات الذهبية فباعتها بنحو 36 جنيها وأعطتني إياه في جيبي وظلت لمدة 4 أشهر أصرف منها.
وكيف أتصرف وأنا في الغربة (جزاء الوالدين على الله) وبالفعل أخذت المبلغ وسافرت من غزة الى القاهرة بالقطار عبر صحراء العريش وصحراء سيناء فالاسماعيلية فرفح وهكذا المسافة 10 ساعات وكانت الأجرة جنيها واحدا.
كما أعطتني أمي صندوقا حديديا وضعت فيه السكر والشاي والزيت وطبق الأكل وملابسي ووصلت القاهرة واستأجرت غرفة صغيرة وكان الشهر بجنيه ونصف واشتريت فراشا من القطن وبدأت العام الدراسي عام 1960 بجامعة عين شمس وكانت مباني الجامعة قديما اسطبلات الملك فاروق تم ترميمها وإصلاحها وحولت الى غرف دراسية، وفيها كلية العلوم وقصر الزعفران للملك فاروق أمام الاسطبلات، وكنت اذهب ماشيا ومبلغ الـ 36 جنيها كانت كافية لمدة 4 شهور فقط.
وكانت صاحبة العمارة تسكن في الدور الأخير وكنت اطبخ لنفسي واغسل ملابسي وادرس بالغرفة واذكر ان الوالد عندما اشترى لي الملابس كانت قديمة وكذلك الحذاء كان قديما، حيث كان في قطاع غزة سوق للملابس القديمة، وكان معي في الكلية طلبة فلسطينيون.
ويضيف أبوشمالة: كانت الحياة في القاهرة رخيصة وسكني في حدائق القبة وبجوار السكن كان يوجد بائع فول واذكر انه في أول يوم ذهبت عنده وأعطيته الماعون قلت اعطني فول بقرش واحد فملأ الماعون وفي اليوم الثاني ذهبت له وقلت له اعطني فول بتعريفة فقال عرفت التعريفة بعد يومين؟! حاليا يساوي ثلاثة جنيهات وكانت عندي زيت زيتون وضعته لي الوالدة في الشنطة، وبدأ العام الدراسي ولم يكن أمامي سوى الدراسة فلا سينما ولا سهر، وكان الوالد يزورني بين فترة وأخرى وكانت الزيارة فجأة وأكملت الـ 4 شهور ورجعت الى غزة بعدها.
بلدية خان يونس
وعن ذكرياته بالقاهرة يقول أبوشمالة: كانت بلدية خان يونس تمنح قروضا الطلبة ولكن للمتميزين بحدود 40 جنيها، وبالفعل أعطوني المبلغ على أن أسدده بعد التخرج وبذلك المبلغ استطعت ان أكمل دراستي في الفصل الثاني، كما ان خالتي صارت ترسل لي جنيهين وبذلك وصل المبلغ 50 جنيها للفصل الثاني فصرت اذهب للسينما بالأسبوع مرة واحدة، في سينما الحدائق، وكان يعرض 3 أفلام في الوقت نفسه والتذكرة بقرش واحد.
واذكر انه عام 1960 صدر إعلان عن تعداد سكان مصر وقُدر حينها 19.5 مليونا.
وكان أول جهاز تلفزيون شاهدته في عام 1961 وقد شاهدته في العباسية وكنت أشاهده بالمقهى وقد كونت علاقة صداقة مع بعض الطلبة المصريين، وكنا نرى أساتذة الجامعة يركبون معنا بالباص إلا أن طالبين أردنيين كان كل واحد منهما يمتلك سيارة خاصة فكانا يأخذان معهما بعض الدكاترة لتوصيلهم، ولم يكن عندي أي نشاط رياضي في الجامعة، حيث تفرغت للدراسة، وكان عميد كلية العلوم حينها د.محمد إبراهيم تخصص جيولوجيا وكان يدرسنا المادة.
ما أذكر د.سليمان محمد سليمان ود.عبداللطيف وعمل في جامعة الكويت ود.عز ومجموعة من الدكاترة المصريين، وقد أكملت الـ 4 سنوات وأمضيتها بنفس الطريقة والكيفية وقد علمنا فيما بعد ان أبي كان يقترض من أصدقائه مبلغ 25 جنيها ومن بيع الدكان يسدد.
أول عمل 1964
ويتذكر أبوشمالة السنين الأولى بعد تخرجه وكيف اتجه للتدريس فيقول: رجعت الى غزة بعد التخرج وفي ذلك الوقت كانت غزة فيها أعمال ولكن كانت محدودة وقد اشتهر سكانها بصيد الأسماك والناس كانوا يشبعون من الأسماك بالاضافة الى ان غزة انتشرت فيها أشجار الحمضيات والعنب والتفاح مع المهاجرين، واتذكر انه في أيام الربيع والشتاء كانت روائح الزهور والورود والأشجار وقت الثمر تملأ المكان، وكان أول عمل اتجهت إليه هو التدريس في ثانوية الزهراء، بنات بواسطة الحكومة المصرية وكانت الادارة كلها مصرية، واذكر ان مبانيها كانت عريقة قديمة وكان بونابرت ينام في غرفها.
وكنا نحترم الطالبة جدا كما كان الوالد يقول لي ان أولياء الأمور يشكرونك لحسن تعاملك مع الطالبات.
ويضيف أبوشمالة: كنت اخرج يوميا من خان يونس الى غزة بالسيارة بالأجرة وكان راتب مدرس القسم الأدبي 25 جنيها أما مدرس المواد العلمية فكان يتقاضى 30 جنيها، وتقاضيت الـ 3 شهور الأولى دفعة واحدة وأعطيتها للوالد، فلم يأخذها فأعطيتها للوالدة وفي صباح كل يوم كان أبي يضع لي ربع جنيه تحت المخدة أجرة السيارة.
وظللت أعمل لمدة سنة في ثانوية البنات ومعهد المعلمات والجدول مقسم بينهما، وفي السنة الثانية انتقلت الى مدرسة خان يونس، عملت مدرسا في نفس المدرسة التي تخرجت منها وكان ناظر المدرسة حينها عصام الأغا - رحمه الله -
لجنة اختيار المدرسين
ويتحدث أبو شمالة عن كيفية التحاقه بالتعليم في الكويت وكيف تم اختياره فيقول: حضرت الى غزة لجنة لاختيار المدرسين للعمل بالكويت وتقدمت مع من تقدم لتلك اللجنة وكان العدد كبيرا وكان اول سؤال من اللجنة هو: انت عملت مدرسا في مدرسة بنات ومدرسا في مدرسة للأولاد.
ما الأحسن، تعليم البنات أم تعليم الأولاد؟
فقلت له ان تعليم الأولاد أفضل، فقال مشاغبين؟ فقلت: لا، إن البنات لهن طابع خاص، أما الأولاد فتستطيع ان تقيس عليهم، اما البنات فيبكين لأي سبب.
وكان ثاني سؤال: مادمت عملت في ثانوية بنات وفي معهد معلمات ما الفرق بين الاثنين؟ قلت له ان الأهداف التربوية تختلف، بنات الثانوي يدخلن الجامعة وبنات المعهد يردن ان يعملن مدرسات وطبيعة المناهج ايضا تختلف.
وأتذكر ان احد الأعضاء سألني كيف مشاغبات البنات؟ فقلت له البنت ممكن تقف وتجلس ليس هدفها المشاغبة ولكن لفت نظري المدرس الذي لا يوزع أسئلته بالتساوي.
وبالفعل تم اختيار ثمانية مدرسين وكنت أعتقد أن اللجنة لن تختارني ولكن كان ترتيبي الأول بين الزملاء الذين تم اختيارهم وكان معي احمد العجرمي مدرس كيمياء ومحمد عابد مدرس رياضيات ومحمد العبادلة رياضيات، من خريجي الجامعات المصرية، وتمت الموافقة والتوقيع على العقد وسافرت من غزة الى الكويت ونزلت في مطار الكويت عصرا وكان الجو حارا جدا.
وكانت ضيافة الكويت من أجمل الضيافات للمدرسين وقد تواجدت لجنة الاستقبالات وأخذونا للسكن الى الكلية الصناعية وسكنا من عنابر وكان بها مراوح فقط.
وقد تحملت الحرارة وحياة العزوبية من اجل العلم.
كما أعطونا سلفة اربعين دينارا لكل مدرس وكان مقر وزارة التربية بشارع فهد السالم.
وكان الدينار الكويتي يساوي 3 دنانير حاليا.
مدرسة الخليل بن أحمد
ويضيف ابو شمالة: بدأ توزيع المدرسين وكان نصيبي في مدرسة الخليل بن احمد المتوسطة في منطقة كيفان، وسكنت في عمارة النفيسي في المرقاب بجانب المتحف العلمي، وكان صاحب العمارة يجلس في مكتبه وكنت مع المدرسين نجلس عنده ونتحدث معه عن الأمور العلمية والتعليمية وسكنت مدة سنتين وكنت أذهب مع صديقي بسيارته.
وتسلمت أول راتب وكان 52 دينارا، كنت أتغدى في مطعم وجبة كاملة بربع دينار، وقضيت سنتين في مدرسة الخليل بن احمد وبعدها نقلت الى ثانوية خيطان، وأذكر ان ناظر الخليل بن احمد كان المرحوم الاستاذ فتحي السقا والوكيل محمد عبدالله وكان المرحوم الاستاذ خالد المسعود اول ناظر للخليل بن احمد.
اما طلبة المدرسة فكانوا رجالا يعتمد عليهم وبعضهم كانوا ممتازين ومستعدين للدراسة وأذكر اثنين من طلبة الفصل قاموا ببعض المشاغبات في اول يوم اعمل فيه مدرسا ويومها لم أفهم اللهجة الكويتية، وكان فيها طلبة كبار، وكان الوكيل قد أعطاني حصة احتياط في فصل مشاغب الى درجة انني لم أستطع النوم بالليل.
وفي اليوم الثاني أيضا أعطوني حصة «احتياط» ولكن استطعت أن أتصرف بهدوء وأذكر أن طالبا قال لي: يا أستاذ أنت ثالث مدرس علوم تدخل علينا، كل من قبلك لم يرغبوا في العودة للفصل نحن الآن نراك مدرسا طيبا متسامحا وعندك عطاء جيد ونحن مرتاحين لك ونحترمك ونقدرك، وهنا ارتحت من كلام الطلبة واستمررت معهم حتى نهاية العام، ورأيت روح النشاط والشباب عند الطلبة وتعاونوا معي.
ويقول أبوشمالة: أكملت السنتين في مدرسة الخليل بن أحمد وفي إحدى المرات دخل عندي الموجه مع الناظر في المختبر وقد ارتاح الموجه لعملي وكان اسمه حسن عصفور وفي نهاية الحصة ناداني الناظر وقال لي الموجه: أنت تمسك قسم العلوم كمدرس أول تعيين داخلي.
واستمررت في العمل لمدة سنتين ثم نقلت إلى ثانوية خيطان وكان ناظرها مبارك التورة وهو رجل طيب ومعاملته كانت راقية جدا مع المدرسين وعينت مدرسا للعلوم والمدرس الأول كانت أديب عدي ووكيل الثانوية خالد الوهيب وكان وضعه ممتازا جدا بالمدرسة.
وأمضيت 6 سنوات فيها وكانت ثانوية خيطان منافسة للثانويات الأخرى.
واذكر أن مبارك التورة عين مدير تعليم ثانوي واختارت الوزارة الكفاءات وكنت واحدا من المدرسين الذين عينوا مدرسين أوائل وبالفعل عينت مدرسا أول للعلوم في ثانوية الدوحة..
وممن أذكرهم في مدرسة خيطان طه بورسلي اجتماعيات وخالد الوهيب وعبدالله محارب مدرس اجتماعيات ومشرف جناح ومن الفلسطينيين الأستاذ عبدالله أبوجلالة وحسن عبدالمحسن وطاهر عابدين واحمد خريس وطاهر البكر وأما في ثانوية الدوحة كان الأستاذ زكي عتيق والوكيل يوسف الطراح وكان الطلبة يختلفون عن طلبة خيطان وأمضيت سنتين في ثانوية الدوحة ومنها نقلت الى ثانوية العديلية وكان ناظرها علي الغريب وعبدالله حمد ناصر المهنا وكيل الثانوية.
وأمضيت 5 سنوات مدرسا أول و3 سنوات رئيس قسم وكنت من أوائل رؤساء الأقسام الذين تعينوا - رئيس القسم هو المدرس الأول وكانت تجربة في 5 مدارس على أساس موجه مقيم.
أمضيت 4 سنوات وفي عام 1980 أصبحت موجه علوم ومن النظار علي الغريب وعبدالله المهنا، واستمررت موجها حتى عام 1988 وعينت موجها أول في منطقة الأحمدي التعليمية ومديرها عبدالله اللقمان وبعدها نقلت إلى العاصمة حتى الغزو الصدامي 2/ 8/ 1990م.
وبعد تحرير الكويت من الغزو العراقي تقدمت بطلب عمل كمدرس إلى إدارة المدرسة الوطنية ومن ذلك اليوم حتى الآن اعمل مدرسا ومنذ 20 عاما مدرسا في المدرسة الوطنية الأهلية.
عدد المشـاهدات: 7572