صفحات من الذاكرة عبدالله الشطي: «فريج الشيوخ» شعاره الألفة والمحبة

أجرى الحوار جاسم عباس
مخضرمون عاشوا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا من الاثنتين، وذاقوا حلاوتهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالاً ونساء، إلى أن حققوا الطموح أو بعضاً منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، فإن قاسماً مشتركاً يجمعهم هو الحنين إلى الأيام الخوالي.
القبس شاركت عدداً من هؤلاء الأفاضل والفاضلات في هذه الاستكانة.
في مستهل لقائنا مع عبدالله عباس حسين الشطي قال: أنا من مواليد سنة حمى التيفود والدوسنتاريا، ونظراً لارتفاع أسعار الطعام، زاد مرض سوء التغذية كما قال لنا أهلنا، وذكروا لنا هذا في الجلسات المتكررة، وهذه من عادة الأسر الكويتية مع أولادها، فقد تعرضت الكويت إلى الأوبئة وكانت الأحوال الصحية سيئة، ففي عام 1821 انتشر وباء الكوليرا وقيل إنه فتك بعشرة آلاف شخص، ثم جاء وباء الطاعون حتى سمي بـ «الموت الأسود»، ومن ثم الجدري المرعب المفزع والكوليرا والأنفلونزا والسل وأمراض العيون، ولكن أهالينا قاموا وصبروا وعالجوا أنفسهم بالكي، والتعاويذ والأملاح، وعيون المياه، والبحر، والأعشاب، وماء الورد، والكحل والزيتون، وبجلد الشاة للدغ الحيات، وبالبخور والحرمل، ليعرف هذا لجيل كم عانى الآباء والأجداد قبل الأميركاني والأميري والمستوصفات.
فريج الشيوخ
وقال: أنا من مواليد «فريج الشيوخ» سمي بهذا الاسم نسبة إلى مساكنهم، خصوصاً البيت الكبير للشيخ صباح الناصر الصباح، ومسنة الشيخ عبدالله الخليفة الصباح، وموقع فريجنا المسجد الكبير، ونحن بالقرب من فريج القناعات، وأخيراً ثمّنت بيوتنا والساحة تحولت إلى ملعب لفريقنا «اليرموك»، ويختلف عن فريق اليرموك في فيلكا الذي كان اسمه «الميناء».
وقال الشطي: من جيراننا منزل للشيخ المغفور له عبدالله السالم الصباح والشيخ خالد الأحمد الجابر الصباح، والشيخ صباح الناصر الصباح، وبالقرب منا مسقف صباح الناصر، ومسقف الرومي، والمسكَف عبارة عن قنطرة او جسر صغير بين منزلين عن طريق السطوح، لكي لا يعبر الأهل او الخروج الى الشارع او السكة، وغالباً كان المسقف (المسكَف) للأولاد والنساء.
وأضاف: فريج الشيوخ معروف بالألفة والمحبة والتعاون، كبرنا وتربينا ولم نعرف الهوشات فيه، ونحن الاقرب للطوب والسيف، ولم نمنع اي شخص من الاقتراب او السباحة، نختلف عن الشرق، اولادهم كانوا يمنعون شباب المرقاب من السباحة فتحصل بينهم اشتباكات وكان احدهم يقول: هذا بحرنا وانتم ما عندكم بحر. هوشات اعتبرها وانا صغير جهالة وعدم فهم، وكنت اقول: البحر للكويتيين كلهم، واوقاتنا كلها في البحر والنساء يغسلن الملابس، ومن معالم فريجنا (الشيوخ) ماكينة ثلج الغانم، والطوب، وفي عايد (ركن) سكتنا بائع الحلويات الشعبية المشهور بجودتها، يأتونه من كل الاحياء، وخبازنا الذي جذب الاهالي إليه لجودة عمله واتقانه كان رحمه الله متسامحاً ومبروكاً وعاقبته كانت حسنة.
الدراسة في قتيبة الابتدائية
وقال الشطي: درست في مدرسة قتيبة الابتدائية للبنين، في شارع عبدالله المبارك، والآن تحولت الى المتحف العلمي، من المدرسين ملا عثمان، درسنا التربية الاسلامية، والاستاذ محمود بريكان اتذكره، كان خطاطاً كبيراً، وكثير منا تعلم اصول خط النسخ والرقعة منه، والمدرسون بلا استثناء كانوا اوفياء، كنا نضعهم في عيوننا، واذا مشى احدهم قامته طويلة شامخة، وتشعر كأن الحكمة تنقط منه. يمتد تأثير المربي أيام زمان بين كل طبقات المجتمع، وكنا نجني من كل واحد منهم الثمار، وذوق المعرفة، الواحد منهم مهندس للنفس البشرية، ربّى هؤلاء اجيالاً متميزين واستطاعوا بناء الكويت، والآن المعلم بحاجة ملحة الى تدريب نفسه على التعامل مع طلابه، واذا دخلنا المدرسة نشعر اننا في بحيرة حلوة نقضي ساعات على شاطئها، ومازالت اصابع المعلمين معنا، واصواتهم تسمع في آذاننا، وكنا نقلدهم في المشي والكلام والحركات، ونعرض هذه الصفات على المسرح اثناء التمثيل، وهم في اعز الشوق لنا، وكان احدهم يصفق ويضمنا الى صدره بعد التمثيل، ولا أنسى مدرس التربية الفنية عواد فلسطيني، وكان ناظر المدرسة المرحوم خالد المسعود عام 1953، كان يوصلنا الى نهاية الفريج ايام المطر والرياح الشديدة، وكان رحمه الله يحثنا على المشاركة في الفريق الخاص الرياضي، ويدربنا سيرا على الاقدام من المدرسة الى خلف البيوت في حي المرقاب، وحتى سوق الحمام، ودروازة العبد الرزاق والمسيل، وكنا نمر على سوق الامير والخراريز صناع النعل النجدية، ومنزل الفنان عبدالله الفضالة كان ابنه فضالة يدرس معنا، من منزلنا الى المدرسة كنا ايضاً نمر ونشاهد محلات تصليح الدراجات، وكان مصلحنا رحمه الله الدويلة بالقرب من سوق الفحم في الدهلة، ولا انسى سوق الدجاج، وبائع الدراجات عبدالله المسفر.
وبعد المرحلة المتوسطة عملت في دائرة المعارف - قسم الجوازات، بعد ان اكملتها في مدرسة حولي المتوسطة، وبعد اسبوع فقط سلموني مسؤولية الجوازات كلها.
كان راتبي عام 1961 حوالي 45 ديناراً، وبعد التقاعد التزمت البيت، وخروجي من المنزل قليل جداً.
وقال الشطي: درست في المدرسة المباركية قبل هدمها، كان ناظرنا عبد الملك الصالح، ومن بعده جاء الاستاذ احمد اللباد (مصري الجنسية) نقلونا الى الكلية الصناعية مؤقتا، وكان باص المدرسة يقف بالقرب من بيت المرزوق لنقلنا وبالقرب من المدرسة الاحمدية.
لجة البحر
وعن البحر والغبة والدردور، وهيجانه وامراضه وصعوباته، قال الشطي: آبائي واجدادي قضوا ليالي واياماً قطعوا مسافات من الكويت الى البصرة والبحرين حتى جنوب اليمن وغرب الهند وباكستان، ركبوا القارب والصلفة والجلاب والسنبوك، مهنة توارثناها عن اسلافنا وانا ركبت مع والدي في البوم محملين البضائع الى عبدان وبو شهر.
وقال: عمل والدي في البداية على سفن الغوص والسفر، وعمل على بوم الحاج احمد الاستاد، كان يعرف الطرق البحرية من الكويت الى مضيق هرمز وبحر العرب، وكان يعلم مغاصات القطيف والبحرين وكان البحارة يتحدثون عنه، انه عالم في الهيرات من حولي الى البلداني والرفع والنواسع، وخلالوه حتى العويرضات، هكذا كان اهل الكويت يعرفون بطرائف البحر ومجاريه واعماقه ايما ركبوا أو ذهبوا فان كان الغوص أو السفر فكلاهما بحر ولجة وغبة ورياح وأمواج، وطبعات ومصائب، ركبوا ابغلة وتبيل وبقارة وبوم وجالبوت وسنبوك وقطاع، وشاهدوا الغبة، أي البحر العميق الذي لا يستطيع أي بحار معرفة عمقه، وكما قالوا: لا يخرجك من الغبة أو المحيط الا الرياح الشديدة، أجدادنا، كما قال والدي في جلساته معنا: تعرضنا للخب الرياح الجنوبية الشديدة كلها رطوبة وغيوم وأمواج، وكذلك للدردور (الرياح التي تغير اتجاه السفينة) وضربة الريح القوية العاتية، وتعرضوا للغياظة ريح لفترة خمس دقائق تهب وتتلف وتدمر، والسوايب من الرياح القوية، والأمراض المعدية وغيرها.
قال الشطي: وقدم ابن خالة الوالد أحمد الاستاذ بومه هدية لوالدي بعد سنوات طويلة من الخدمة، فقام والدي عليه بنقل الأغنام والتمور الى البحرين وعمان ورافقته في هذه الرحلات.
ألعاب البحر
وقال عن الألعاب الشعبية: كم استفدنا من اللعب وأرحنا أنفسنا بعد عناء المدرسة، وقضينا على أوقات الفراغ، ونما الذكاء وتعلمنا الصبر خاصة في ألعاب البحر التي اعطتنا القوة الجسدية، ألعابنا كانت شعبية ومن صنعنا وجماعية قوّت العلاقة بين أفراد المجتمع خاصة المباريات بين الأحياء، والبرايح (جمع براحة) وملاعبنا كانت النقع والساحل، وبالقرب من البوم والسنبوك والبغلة والجالبوت، وأثناء اللعب والراحة كنا نتبادل بعض الحلويات التي صنعتها الوالدة أو الجدات منها: اكليية - سمسمية - قبيط - كليجة - املبس - قرقري.
اضاف الشطي: من الألعاب التي كنا نلعبها في البحر «الحق واركب» عبارة عن مسابقة كل يلحق صاحبه ليصل الى ساحل البحر قبل غيره والفائز يحمله الخاسر على ظهره، ولعبة امحاذف بالكرة المطاطية المستوردة من الهند يجلبها الآباء البحارة، نقوم بحذفها ومن يلتقطها يحصل على نقطة، ولعبة التناك، أي القارب الصغير، نعمله بأيدينا من صفائح التنك الرقيق، لعبة من أجمل ألعاب البحر للسباق في فصل الصيف، ونتبارى بشرف واخلاص من يسبق الآخر، تطورت اللعبة عندنا فصنعنا زورقاً أكبر من الأول نركبه للتنزه في البحر لساعات طويلة وأيضاً للمسابقة، وكنا دائماً
نردد:
توب توب يا بحر
أربعة والخامس دخل
جيبهم
خاظفين إبجيبهم
ومن أجمل الأوقات وقت حداق السمك (أي: صيده)، وعندما نصطاد يكون حديثنا طوال اليوم عن السمكة وكيفية اصطيادها ونوعها ووزنها، واكلها ولونها ثقافة ومعرفة، ادوات صيدنا الطاسة، والخيط والسم، واما الكبار من ادواتهم الحضرة والطاروف، والسالية.
وقال الشطي: أنا نكوشي أصيب الهدف واجيد الصيد بالنباطة (خشبة على شكل نصف دائرة، وفيها المطاط نضع الحصاة بداخلها)، كنت اصيب ام سالم والصعوه وأم دكَي والذبابي، وحمروش وحسيني وفقاقه وقفصي ويكيكي، طيور ضاعت واندثرت من اجوائنا، اين الحمامي والقويعة والططوة والقحافي واحميميج؟
الكشافة حركة مخلصة
وقال عبدالله الشطي عن الكشافة: هي حركة شبابية طوعية في العالم تهدف الى نمو اجسام الشباب وعقولهم، الكشافة من عام 1907 بدأت لتقوم بكل الواجبات والمستحبات نحو الآخرين وتقوم بتنمية مهاراتنا نحن الشباب، وعودتنا حب الإبداع والاكتشاف، حركة ادت دورها في كل العالم، بنوا مساكن وزرعوا الاشجار وانتجوا الغذاء، وحاربوا المخدرات، وحموا البيئة من التلوث والدمار ايام الكوارث وغيرها. واغاثوا الكثير في آسيا واوروبا من الفيضانات.
واضاف: حركة الكشافة في بلدي الكويت واسعة ومازالت مخلصة لدينها ووطنها ولأرضها، وهنا لا أنسى مؤسسها الاول في العالم روبرت بادن، وأنا كنت من كشافة الكويت في مدارس قتيبة والمباركية وحولي المتوسطة، عودتنا القيادة الكشفية على الطاعة واكتساب الصداقة، حركة الكشافة في الكويت انطلقت عام 1937 بين المدارس، واقامت مخيمات داخلية ودولية، عودتنا هذه التجمعات على الشرف والثقة والحفاظ على الوعد، ومنطقة البدع تشهد اول معسكر فيها، ولدور الحركة الكشفية الكويتية وما قامت به من وعود ونشاطات وتعهدات وخدمات انسانية ونجاحات جيلاً بعد جيل في البر والبحر، انضمت الى الاتحاد الكشفي الدولي عام 1955.
قال الشطي: في اغلب المعسكرات كانت كشافة الكويت هي البارزة في مقدمة كل الحركات في العاب الكشافة منها: لعبة المحابس - صيد الحمام - التوازن - العاب راكبي الدراجات - تتبع الأثر - شم الأثر - فرسان الاسعاف... الخ.
وحتى في استعدادات التخييم كان كشافة الكويت من أحدث المساكن تقدم في المخيمات، ومن أنشطتها البارزة وكان التخييم الكويتي متعة ويجذب الزوار، والكشاف الكويتي يعرف أصول التخييم المريح.
وقال: كان الكشاف الكويتي ينصح وهو ملتزم أيضاً ان يعتني أصحاب البر والكشتات بنظافة المكان، وان يحملوا معهم فضلات الطعام الى أماكن خاصة، ونرشدهم الى الابتعاد عن الفحم داخل الخيم، كان الكشاف مربياً وناصحاً ومدرباً، وهو أخ للجميع، وكان وعدنا:
1 - أقوم بواجبي نحو الله والوطن.
2 - أساعد الناس في كل حين.
3 - أعمل بقانون الكشاف.
ومن قوانيننا: الصدق والشرف، شهم مهذب، مطيع لأوليائه ورؤسائه، مقدام مبتسم، مقتصد، طاهر الفكر والقول والعمل.





15-06-2013, 06:50 AM
البريمل
التعديل الأخير: