طاجيكستان: جمال الحجر والبشر
الخميس 5 مارس 2015 - الأنباء
أضـف تعليقك
:حجم الخط
سفير طاجيكستان والزميلة زيبا رفيق وزوجها نائل السيف
الزميلة زيبا رفيق
إحدى قاعات الشاي خانة
قلعة هيسار
نهر خانكا
مؤسس الدولة إسماعيل ساموني والذي سمي على اسمه عملة الدولة
تمثال الشاعر رودكي
مبنى البرلمان والمكتبة الوطنية
أطول سد في العالم
زيبا رفيق
mz.zeeba@hotmail.com
zeeba_rafiq@
بدعوة كريمة من سفير طاجيكستان لدى الكويت السفير زبيد الله زبيدوف تمت دعوتي الشهر الماضي للانضمام إلى وفد الكويت لعيش متعة زيارة بعض من عجائب طاجيكستان، وقد اُستضيف الوفد في فندق الشيراتون الرائع الذي يقع وسط المدينة لعاصمة البلاد دوشنبه التي يفصل بينها وبين مطارها الدولي خمس دقائق فقط.
وتعني كلمة دوشنبه بشكل حرفي «بعد يومين من يوم السبت» نسبة ليوم الاثنين الذي تزامنت بدايته مع انطلاقة فعاليات التسوق في بازار الاثنين. ويمتاز الفندق بالعديد من عوامل الجذب التجارية والديبلوماسية والسياحية نظرا لموقعه الفريد بالقرب من طريق الحرير الذي كان يشكل نقطة تلاق بين الشرق والغرب جنبا الى جنب مع بعض اللمسات الروسية والإسلامية.
يشكل كل من الفنادق وتقارب الثقافات وتأثيراتها على بعضها البعض أيقونة جميلة لطاجيكستان التي تعني «أرض الطاجيك».لا يزال هناك عدد من الدراسات المتمحورة حول اكتشاف الهوية الأصلية للطاجيك لا سيما أن هناك خلافات سياسية حول ما إذا كانت جذور هذا الشعب تعود لأصول تركية أم الإيرانية. يحد البلاد باكستان والصين شرقا وافغانستان جنوبا وأوزبكستان غربا وقرغيزستان من الشمال.
كونها جزءا من طريق الحرير يتمتع تاريخ طاجيكستان بامتزاج للحضارات حيث كان الناس من جميع الأعراق والألوان يلتقون هناك. ومما يجدر ملاحظته أن خيوط هذا التماذج قد امتدت إلى يومنا هذا مع توسع شهرة البوصلة السياحية لطاجيكستان بالإضافة إلى إمكانية الاستثمار الأجنبية تحت قيادة الرئيس إمام علي رحمن والبرلمان.
على الرغم من البرودة التي كانت تغلب على الطقس خلال تواجدي مع بقية أفراد الوفد هناك، إلا أنه كان مليئا بالحيوية. فقد كسا غطاء ثلجي جميل معظم أنحاء البلاد مما جعلها وجهة رائعة للتزلج. قمت بالتجول في أجزاء شتى من البلاد حسب أهمية مواقعها وخلصت الى نتيجة انها بلاد العجائب الشتوية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
خلق انصهار الحضارات الجديدة والقديمة في طاجيكستان عجائب كثيرة ولدت الحرص والاهتمام داخل الجميع لزيارتها. لعشاق التاريخ على سبيل المثال نصيبهم من السحر والدهشة عند زيارة مدينة هيسار الواقعة في غرب طاجيكستان. يقسم نهر خانكا تلك المدينة إلى جزئين مشكلا بذلك إطلالة خلابة على المياه. تعكس قلعة قديمة ونصب تذكاري جميل في المدينة الحضارات التي كانت موجودة هنا في الماضي.
قمنا بزيارة قلعة هيسار المتموضعة في أحد المنحدرات لتل شاهق بجدرانها التي يبلغ سمكها مترا واحدا، بالاضافة الى البنادق والمدافع التي كانت في يوم من الايام تحرس بعناية فائقة، كما يحوي الصرح ايضا بركة وحديقة، مقابل القلعة هناك ساحة سوق حافل ذي مجموعة متنوعة من المحلات التجارية والقوافل.
تقود السلالم الكبيرة والمدرجات المكسوة بالطوب الاحمر الى المدخل الرئيسي للقلعة، ولكن لسوء الحظ لم يبق شيء منها قائما حتى يومنا هذا ولا حتى بناء القصر بأكمله، الجزء المتبقي منه فقط هو البوابة الضخمة المصنوعة من الطوب المحروق مع اثنين من الاعمدة الاسطوانية المتصلين بقوس، هذه الطريقة التي اعتمدت في بناء معظم بوابات بخارى في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، على الرغم مما حل بها من دمار الا ان الجزء المتبقي منها بدا مهيبا ومثيرا للاعجاب.
هناك العديد من الاساطير المروية من قبل السكان المحليين ارتبطت حبكاتها بهذه القلعة، تتناول احداها قصة كيفية بناء القلعة من قبل افراسياب بغرض درء خطر جيوش رستم (اللذين كانا بطلين من ذوي السمعة السيئة حسبما ورد في كتاب شاهنامه لمؤلفه فردوسي)، ووفقا للاسطورة الاخرى جاء الخليفة الصالح علي الى هذه الاماكن على حصان لنشر الدعوة الاسلامية ونزل على الجبل الى الغرب من هيسار، متنكرا بزي البهلوان، ليشق طريقه من الجبل الى القلعة، ونتيجة تعرف احد الاشخاص على هويته هناك تم إلقاء القبض عليه وسجنه، ولكن فرسه النبيل قاده الى سيف ذو الفقار الذي من خلاله تمكن من هزيمة جميع اعدائه بمن في ذلك الاشرار الذين كانوا يملكون القلعة في ذلك الوقت.
تتموضع مقابل مدخل قلعة هيسار المدرسة الدينية القديمة التي بنيت في القرن السابع عشر، خرّجت المدرسة الدينية القديمة العلماء وممثلي رجال الدين ممن تعلموا القرآن الكريم واللغة العربية واحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وعلم الكلام والشريعة وتاريخ الاسلام، ووفقا لمعايير آسيا الوسطى كانت المدرسة الدينية القديمة كبيرة نوعا ما، اذ كان يبلغ عدد مرتاديها ما يصل لنحو 150 طالبا.
وتتشكل المدرسة الدينية القديمة من مبنى مستطيل الشكل من الطوب المتوج بقبة في اعلاه، ويمكن للزوار ان يروا حلقات الطلاب الممتدة على طول محيط الساحة الداخلية الفسيحة بمجرد وصولهم اليها، وجرت العادة ان تكون هناك حديقة صغيرة وليوان للتلاميذ والمعلمين في ساحات القرون الممتدة من السادس عشر حتى التاسع عشر، وكانت المدرسة الدينية القديمة تضم الى جانب الحُجر السكنية غرفا صفية اضافة للمسجد الذي يعتبر السمة البارزة لأي مدرسة دينية قديمة، ويقع كل من المسجد ذي القبة والغرف الصفية مقابل بوابة المدخل للمبنى الرئيسي، وكان الديكور الداخلي للمدرسة الدينية القديمة بسيطا جدا، فقد زينت النوافذ بالابواب الخشبية المنحوتة والشبكات المنقوشة بشكل تقليدي.
بصرف النظر عن المبنى نفسه، كانت هناك ايضا مكتبة كبيرة الى حد ما قبل أن يتم تحويلها الى متحف في المدرسة الدينية القديمة، معظم الكتب التي حوتها المكتبة دارت في فلك العلوم الدينية.
ليس ببعيد عن مبنى المدرسة الدينية القديمة هناك المدرسة الدينية الجديدة التي لم يتبق منها سوى واجهة مؤلفة من طابقين فقط. تم بناء المدرسة الدينية الجديدة بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ولكنها دمرت تماما تقريبا اثناء الحرب الاهلية.
اضافة الى الآثار التاريخية، تشمل البلاد معالم اخرى معاصرة كسد نوريك الذي يقع على نهر فاخش، يعد هذا السد ذو المظهر الخلاب محطة توليد للطاقة مستخدما الطاقة الكهرومائية، ويمكن الملاحظة بشكل جلي كيف يلتقي في هذا المكان جمال الطبيعة مع مهابة العلم، كما أنه يعتبر كرمز جميل لكيفية تناغم الاشياء مع بعضها في هذا البلد.
تعتني طاجيكستان بماضيها الى حد كبير وخاصة فيما يتعلق بالفن والادب. تحتوي البلاد على سوق قديمة كرس رواده انفسهم لتقديم كل ما هو قديم وجديد من الكتب على حد سواء. وجدت هناك كنزا جميلا متمثلا في نسخة من القرآن الكريم مكتوبة بخط اليد حيث يعود تاريخ نسخها الى ما يقارب 800 الى 900 سنة مضت.
تمكنت ايضا من رؤية كل من الشعراء حافظ وجلال الدين الرومي والعلامة اقبال. اعتبر الرجل الذي باع الكتب كلا من هؤلاء الشعراء من الطاجيك، وفي تبادل لطيف للكلام، ذكرت «اقبال» سائلة اياه: «ألديك كتب اقبال؟».
فرد الرجل: «نعم، انه شاعر طاجيكي».
فقلت له بهدوء «لا، انه باكستاني»، وأصر الرجل على طاجيكية الشاعر اقبال الامر الذي جعلني ابتسم واجدد اعتقادي الراسخ بأن اقبال لم يكن مجرد الشاعر الباكستاني، بل اهميته تجاوزت الحدود ايضا.
يحتل الشعراء مكانة عميقة في قلوب الطاجيك، ومما يدلل على ذلك وجود حديقة سميت باسم الشاعر محمد رودكي في شارع مبنى البرلمان الذي يقع في ساحة العاصمة. كما يوجد في وسط الحديقة تمثال تكريما له. على الرغم من اعتبار رودكي كشاعر فارسي عظيم، الا انه ولد في قرية ررودك المتموضعة حاليا ضمن الحدود الطاجيكية. أصبح رودكي شاعر البلاط للحاكم نصر الثاني في الامبراطورية السامانية منذ سن مبكرة.
بالنسبة لأولئك المهتمين بأمور الطهي، ستكون لديهم تجربة فريدة من نوعها مع المواد الغذائية في طاجيكستان، بالإضافة الى الأطباق المتنوعة التي تشمل البولو الشهير على سبيل المثال، حيث تستضيف طاجيكستان سوق الفاكهة الجميل المشهور بثماره المجففة.
يمكن للمسافرين الاطلاع على العديد من خيارات المنتجعات الصحية غارم تشاشما، الينابيع الساخنة التي تتميز بخصائصها العلاجية الرائعة، ويمكن الجلوس في قلب هذه الينابيع والاستمتاع بمنظر التلال الخلابة، وقد تحظى ايضا ببعض الخصوصية فيها حيث خصصت أماكن فيها للنساء وأخرى للرجال.
إذا ما طلب أحدهم نصيحتي في قضاء الإجازة المقبلة، فلن أتردد في دعوتهم للذهاب الى طاجيكستان، ليس لمرة واحدة أو مرتين، ولكن أود أن أقول لهم عشرات المرات، على أي شخص يفكر في قضاء عطلة في مكان ما جديد ومثير، أقترح ان تعيش مغامرة الذهاب الى هذه البلاد الساحرة بجمالها ومغامراتها وبهجتها.
طاجيكستان، وجهتك التي لا تخيب.
العلاجات العشبية
التقيت بامرأة أطلعتني على العلاجات العشبية المحلية الصنع المتوافرة لديها، شملت الأعشاب علاجات لحب الشباب والطفح الجلدي الى غيرها من الأمراض، تذكرت عند رؤيتي للعمل الذي تقوم به العلاجات المنزلية التي كانت والدتي تعلمني إياها في مراحل نموي المبكرة، خلال تواجدي هناك، ورغم كل ما أنف ذكره يمكنني القول ان أكثر ما رسم ملامح جمال طاجيكستان في داخلي هو طبيعة الناس الذين تميزوا بالكرم والانفتاح الى جانب عدم ترددهم بمشاركة ثقافتهم وتراثهم وتقاليدهم الشفوية والفولكلور مع الآخرين، وكانوا جميعهم لطفاء معي من أكبرهم قدرا الى أصغرهم سنا، لقد استمتعت حقا بصحبتهم إذ كونت صداقة جيدة معهم.