صحيفة سياتل تايمز: مبارك قال لرايس
العرب لا يستقيمون إلا بالقبضة الحديدية!
واشنطن وكالات الأنباء:
13725
كشفت صحيفة ذا سياتل تايمز الأمريكية أمس عن جانب من الحوارات التي دارت بين الرئيس السابق حسني مبارك والمسئولين الأمريكيين. ونقلت عن وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس روايتها لبعض ما دار بينها وبين مبارك خلال زيارتها للقاهرة عام .2005
<="" div="" border="0">
وأوضحت الصحيفة أن حديث رايس جاء خلال شرحها لرؤيتها حول الأوضاع في الشرق الأوسط خلال مشاركتها في المؤتمر الدولي لأندية ليونز العالمية في مدينة سياتل الأمريكية. حيث قالت إنها اجتمعت مع الرئيس المصري السابق في يونيو عام2005 قبل لحظات من إلقائها خطابا حول حاجة مصر للديمقراطية. وأضافت: أبلغت مبارك بأنه يتحتم عليه تحرير شعبه من وطأة الديكتاتورية, وتنبأت وقتئذ بثورة حتمية للشعب المصري إذا ما استمرت الأوضاع كما هي دون تغيير. وأوضحت رايس أن مبارك قال لها: لن تجدي أي خطابات تلقيتها حول الديمقراطية, لأنك لا تعرفين طبيعة العرب الذين يحتاجون دوما لقبضة حديدية, ولي الفضل في أنني حميت شعبي من مغبة التطرف. وأضافت الصحيفة أن رايس كان لها السبق تحت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن تحول الدبلوماسية الأمريكية نحو نشر المزيد من الديمقراطية في الشرق الأوسط رغم الانتقادات التي وجهت لإدارة بوش وقتذاك من دعمها للنظامين المصري والسعودي رغم غياب الديمقراطية في الدولتين, علي حد قول الصحيفة. واستطردت رايس معلقة علي أحداث ثورات الربيع العربي التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط قائلة: إن ضجيج الأصوات في عصر الديمقراطية أفضل بكثير من الصمت في ظل الطغيان. وحول ما يجري من ثورات شعبية في عدد من الدول العربية, قال الأمير تركي الفيصل رئيس جهاز المخابرات السعودي السابق إنه لا يوافق علي تسمية ما يجري بـالربيع العربي, بل يستدعي الأمر وقتا ليحكم عليه, فقد يكون ربيعا أو خريفا أو صيفا أو زمهريرا. وأقر الفيصل خلال في مقابلة خاصة أجرتها معه هيئة الإذاعة البريطانية بي.بي. سي بوجود فتور في العلاقات السعودية- الأمريكية التي اعتبرها علاقات استراتيجية, لكنه أشار إلي استياء السعودية في البداية من تسرع الولايات المتحدة بالتخلي عن الرئيس المصري السابق دون انتظار الشعب المصري ليقول كلمته. وقال الأمير السعودي إن موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع مبارك كان نتيجة الضغوط الداخلية التي مورست علي الرئيس الأمريكي وليس من أجل سواد عيون المصريين!, وهو ما ينطبق علي موقفي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون اللذين هرولا لكسب الرأي العام, واعتبر الفيصل أن الأمريكيين لم ينتظروا خروج المظاهرات الحاشدة ضد مبارك, لكنهم منذ البداية اتخذوا موقفهم ضده! ونفي الأمير تركي الفيصل وجود قلق تجاه مستقبل العلاقات السعودية- المصرية, واتهم وسائل إعلام من بينها بي.بي.سي العربية بـ الترويج لمسألة أن السعودية تضغط للحيلولة دون محاكمة مبارك, لكنه شدد علي أن السعوديين أوفياء لحلفائهم, وأن مبارك تحالف مع السعودية منذ وصوله إلي الحكم, وواجه معها مشكلات مصيرية في المنطقة كالحرب العراقية الإيرانية والحرب الأهلية اللبنانية والاحتلال العراقي للكويت. وأضاف: حليفك لا تتخلي عنه في أزمته, وإنما تنصحه وتساعده بالرأي, والسعودية نصحت مبارك, لكني لا أدري إن كان الملك عبد الله بن عبد العزيز العاهل السعودي- نصحه بالرحيل أم لا. وقال الفيصل:إن المملكة ليست لديها أي مشكلة مع الشعب المصري. وتزامنا مع هذه التصريحات, نشرت مجلة ناشيونال ريفيو الأمريكية تقريرا موسعا طالبت فيه بضرورة أن تعمل واشنطن علي تحويل الربيع العربي إلي شتاء فارسي, محذرة من أنه علي الرغم من أن ربيع العرب لم يكن صناعة إيرانية, فإن إيران تحاول بكل وضوح استغلاله قدر الإمكان, منتقدة رد فعل الإدارة الأمريكية الذي وصفته بـالمتحفظ والخجول الذي مكن إيران من الصمود في وجه موجة الديمقراطية, وعزز جرأة نظامها الحاكم. واختتمت المجلة تقريرها بالقول: حان الوقت لكي يفتح البيت الأبيض عيونه جيدا ليدرك حقيقة الوضع, نحتاج إلي استراتيجية جديدة للتعامل مع إيران في حقبة ما بعد ربيع العرب, وليس شرطا أن يتضمن الحل التدخل العسكري رغم أنه أكثر فاعلية من العقوبات الاقتصادية, ولكن بما أن أوباما يحب التحدث عن نفاق إيران, فلنعد إذن إحياء الفرصة المفقودة بقيام إيران الديمقراطية, ولنبدأ في دعم جماعات المعارضة الإيرانية, ولنعمل علي تحويل ربيع العرب إلي شتاء فارسي!
يمنيون معارضون لنظام علي عبد الله صالح يشاركون في تظاهرة احتجاج في صنعاء الأربعاء الماضي (أ ب)
د. نبيل حاوي
عوامل القوة وعوامل الضعف، عنوان دائم لتقييم اي معركة رئيسية او لتحديد اي خيار حاسم ينبغي اتخاذه من جانب الافراد والجماعات.
الاحداث المتسارعة في سياق «الربيع العربي» جاءت لتحبط الاستنتاجات المغرضة، وتحليلات الذين يغوصون في «نظرية المؤامرة»، والقائلين ان الانتفاضات قد اوعز بها من الخارج، الخ.
لكن «الوجه الاخر للقمر»، المظلم بالطبع، سرعان ما بدأت ملامحه تتراءى للقاصي والداني، وعبر السحب الكثيفة التي تحجب الرؤية ازاء مستقبل الثورات.
لقد تبين ان المتشبثين بالسلطة حتى اخر رمق هم الذين يشحذون «سلاح الخارج» من اجل سحق الثورة في الداخل.
عمليات التخويف الرهيبة
لنأخذ الامور بروية: من هو الذي يلعب على الاوتار الخارجية؟
هل نبدأ من عمليات التخويف الرهيبة التي اطلقها - ولا يزال - الرئيس اليمني علي عبد الله صالح؟ ام نتطلع الى التعرجات «الحدودية» والاقليمية التي يراهن عليها الرئيس بشار الاسد؟ ام ندقق في الخطوات التي يسلكها «القائد» معمر القذافي «زنكة زنكة» لخلط الاوراق الاقليمية والدولية وتعميم التهديدات والمخاطر لكي ينجو من التهلكة التي يسببها لنفسه؟
بن علي واللحظا لأخيرة
قد يصح البدء من الثورة الاولى: تونس التي راهن رئيسها المخلوع على ان فرنسا وايطاليا وغيرهما لا يمكن ان تسمح باسقاطه، وهو حامي حمى المصالح الكبرى للغرب! ويقال ان زين العابدين بن علي كان واثقا من هذه الحماية وحتى الساعة التي سبقت ولوجه طائرة الرحيل.
بعده اعتبر حسني مبارك ان احدا لن يسمح بنجاح الثورة ضده. كيف لا، وهو الذي يحمل في يده مفاتيح الحل والربط في قضايا متشعبة في المنطقة.
وجاء دور القذافي، الذي كان دائما يقول للعالم انه هو الذي يضمن الاستقرار بصفته «ملك ملوك افريقيا». ومنذ فك الحصار الغربي عن نظامه (مطلع القرن الـ21) وهو يقدم اغراءات وصفقات كبيرة الى كبريات الدول الغربية، معظمها تحت الطاولة، مع مواصلة التهجم عليهم في الخطب الرنانة! وعندما ضاقت امامه الخيارات وحوصر عسكريا و«شعبيا» و«اطلسيا»، شرع في تنفيذ خطط شبه متناسقة قد يصح تصنيفها في الاتي:
- التهديد بـ «افلات» الهجرة غير الشرعية للافارقة الى اوروبا.. وبعدها بارسال الاف الانتحاريين!
- التلويح بتدمير النفط الليبي وما يرتبط به.
- قام باثارة مشاكل حدودية معقدة مع مصر وتونس وسواهما.
- استطاع اللعب على الخلافات داخل «الناتو»، والارباكات المتعلقة بوضع الثوار وكيفية دعمهم من الغرب.
- واخيرا، وليس اخرا، العزف على وتر تقسيم ليبيا وبالتالي دول افريقية وعربية اخرى.
تدمير العاصمة طرابلس!
وكان لافتا قول القائد الكندي لمهمة الأطلسي في ليبيا اللفتنانت جنرال تشارلز بوتشارد، قبل يومين، إن القذافي أمر جنوده بتفجير مصاف نفطية ومنشآت أخرى إذا اضطروا للتراجع.
ومضى يقول إنه لا يمكنه تأكيد أي خطط لدى القذافي لتدمير العاصمة طرابلس إذا سيطر عليها المعارضون وفقا لما قاله المبعوث الروسي ميخائيل مارغيلوف.
وفي هذا الخضم، نجد انه بينما كانت تركيا تستضيف اجتماع لجنة الاتصال الدولية بشأن ليبيا، بمشاركة فرنسية بالغة الاهمية.. كان القذافي يطلق شعار «اسقاط ساركوزي» مع ان الرئيس الفرنسي كان قد اوعز باجراء محادثات خلف الاضواء من اجل حل سياسي للوضع في ليبيا.
اليمن والسعودية والخليج
اما الرئيس اليمني المحاصر بالجراح فقد نجح حتى الان، الى هذه الدرجة او تلك، في عمليات التخويف متتالية الحلقات:
- انتبهوا، اليمن سيقسم الى اربعة او خمسة اشطار!
- خطر داهم على السعودية والخليج اذا سقط النظام او حوصر بالكامل.
- «القاعدة» سيحتل اليمن اذا انهارت السلطة المركزية او اجبرتموني على التنحي. (وكانت لافتة عودة الطائرات الاميركية الى قصف جنوب اليمن، الخميس اول امس، ضمن الحرب على القاعدة).
- وهناك سلاح التخويف من المتشددين الاسلاميين، وتضخيم دور احد مكونات اللقاء المشترك لاحزاب المعارضة، وقبلها باشهر كان نظام صالح يضخم دور جناح مسلح في «الحراك الجنوبي» مع انه جناح ضئيل الاهمية.
الخطر على أمن إسرائيل
اما النظام السوري ففي يده وسائل ضغط يحاول ان يستخدمها في اتجاهات عدة:
- اعتبار ان السلام في الشرق الاوسط سيكون مهددا (سبق ان صدرت مواقف اوروبية وحتى اميركية حول محاذير ومخاطر سقوط نظام الاسد، على امن اسرائيل. والان بدات واشنطن وعواصم اخرى في تشديد اللهجة).
- اعتبار الحدود مع تركيا قنبلة موقوتة (وهو ما دعا حكومة اردوغان الى التخفيف من لهجتها تجاه ممارسات النظام السوري، ولو الى حين).
- التضخيم من مخاطر ما اسماه النظام تدخل السفيرين الاميركي والفرنسي.. والتهديدات التي اطلقتها القيادة السورية حتى بحضور الامين العام الجديد للجامعة العربية نبيل العربي.. وصولا الى قول وزير الخارجية وليد المعلم ان سوريا سترد بالمثل على كل من اميركا وفرنسا.
يهاجمهم ويضمن مصالحهم!
الان، سؤال يطرح نفسه في ضوء ما اوردناه اعلاه (وهو غيض من فيض): كيف يعقل ان يقوم نظام معين بالتهجم على دول الغرب - وعلى المجتمع الدولي - في كل شاردة او واردة خلال صراعه مع الخصوم في الداخل، ويعطي - في الوقت نفسه - تاكيدات الى الدول نفسها بانه هو الوحيد الذي يصون مصالحها، وهو وحده الضمانة للامن والاستقرار حتى للاعداء؟
في الواقع، هذه سياسة متبعة حتى في الظروف العادية، فكيف عندما يكون الحصار على الحاكم قد وصل الى نقطة حرجة؟!
ولا ننسى، في المقابل، ان العديد من الدول الغربية سبق ان استخدمت سياسة العصا والجزرة في التعاطي مع دول عدة، بينها ايران في الموضوع النووي وغيره.
الفارق، هنا، ان بعض الانظمة المهددة بـ «الربيع العربي» غير مقتنعة - وغير قادرة اصلا - باللجوء الى «العصا والجزرة» تجاه الدول العظمى او غير العظمى، لكنها تنتهج سياسة في الخفاء مغايرة كليا لما تفصح عنه في العلن.
هذا ان لم نقل ان التعمية والتضليل لشعوبهم واخفاء حقيقة الصفقات الخارجية والداخلية على السواء، هي من اسباب اندلاع الانتفاضات بوجههم.
اعتبر التظاهرات «فوضويات من أعداء الإسلام» مفتي السعودية: مخطط لتقسيم المنطقة إلى «دول متخلفة»
سيناء - القبس
الرياض - رويترز - حذّر مفتي عام السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ من أن الاحتجاجات التي في مصر وتونس ودول عربية أخرى مؤامرات، من أعداء الإسلام لتقسيم الدول العربية والإسلامية. وندد بها ووصفها بأنها مؤامرة من أعداء الإسلام لنشر الفوضى. مؤكداً ضرورة استشراف الأهداف البعيدة المدى من المخططات التي تتم في بلدان المنطقة لضربها في اقتصادها وتحويلها إلى دول متخلفة. مشيراً إلى ضرورة الوقوف من الأمور موقف الاعتدال، منبهاً من امتداد رقعة الأحداث إلى دول أخرى.
وهاجم خلال خطبة الجمعة ما وصفه بـ«الإعلام الجائر» الذي يصوّر الأحداث على غير حقيقتها، والذي من صفاته أن يكون آلة للتخريب.
عضو هيئة كبار العلماء
في المقابل، طالب عضو هيئة كبار العلماء في السعودية الشيخ صالح اللحيدان الرئيس المصري حسني مبارك بالتنحي عن الرئاسة، كونه المطلب الوحيد لآلاف المتظاهرين. وقال إن تحقيق رغبة المتظاهرين الذين يقضون يومهم في الميادين العامة وسماع مطالبهم كافية، تحقن الدماء وتحفظ الأمن، فضلاً عن ممارسة الناس في مصر لحياتهم الطبيعية، بعيداً عن الزعزعة التي تشق الرأي العام وتولّد الفوضى.
نعيم درويش
وجد الجيش المصري نفسه في الخط الامامي في مواجهة الوضع المتفجر بين المتظاهرين الذين يريدون رحيل الرئيس حسني مبارك وبين رأس النظام الذي انبثق منه. فالجيش الذي يبلغ قوامه 450 الف رجل هو المؤسسة التي خرج منها كل رؤساء مصر منذ ان اطاح الضباط الاحرار بالحكم الملكي عام 1952.
وبدا الجيش في المرحلة الاخيرة وكأنه يريد دعم الرئيس ولكنه لا يرغب في الاشتباك مع الجماهير كي لا يخسر مصداقيته ودوره الاساسي في المرحلة المقبلة. خصوصا بعد ان تعززت سلطته بتعيين عسكريين في مناصب مهمة لا سيما عمر سليمان نائبا للرئيس واحمد شفيق رئيسا للوزراء.
ولا يستبعد الكثير من المراقبين شكوكا في أن الاحتجاجات الاخيرة، هي في واقع الأمر محاولة انقلاب غير معلنة من جانب الجيش بمباركة أميركية.
وتتلقى مصر مساعدات عسكرية سنوية من الولايات المتحدة قوامها 1.3 مليار دولار ويعتبر الاميركيون الجيش المصري بانه ورقتهم الرابحة في المرحلة المقبلة منعا لوصول قيادات اسلامية الى رأس الهرم وسيعمل على ضمان استمرار تأثير واشنطن بنفس مستواه المرتفع وسيراعي عدم المساس باتفاقية السلام المبرمة مع إسرائيل.
وسبق لاحدى البرقيات الدبلوماسية الاميركية التي كشفها موقع ويكيليكس ان اشارت الى عدم حماسة القيادة العسكرية ازاء احتمال رؤية جمال مبارك نجل الرئيس حسني مبارك يخلف والده كما يردد كثيرون.
ويتضح من خلال التغييرات الاخيرة التي حصلت بفعل الاحتجاجات الدامية أنه تم القضاء على كامل الطبقة التي كانت تروج وتعمل لخيار التوريث،وبخاصة امين التنظيم في الحزب الوطني احمد عز ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي اللذان انتهى بهما الامر الى منعهما من السفر وتجميد ارصدتهما وليكونا في المرحلة المقبلة كبشي فداء.
وقد اظهرت التطورات المتسارعة نجاح فكرة القبول بالجيش وان يكون خليفة مبارك عسكريا مما يفتح الباب واسعا امام نائب الرئيس عمر سليمان او رئيس الاركان سامي عنان. وقد عاد عنان السبت الى القاهرة آتيا من واشنطن بعد ان اختصر زيارة كان يقوم بها للولايات المتحدة بسبب التظاهرات. وقال عضو بجماعة الاخوان المسلمين المحظورة كمال الهلباوي إن عنان قد يكون خليفة مقبولا للرئيس المصري كونه يتمتع «ببعض من السمعة الحسنة. وهوغير متورط في فساد».
وبالعودة قليلا الى بداية القصة، فقد تلت عملية انتشار الجيش في القاهرة وباقي المدن نهار الجمعة بث مشاهد ألفة بينه وبين الشعب مع صعود مدنيين الى الدبابات، حيث كان جنود يرفعون شارة النصر وسط التصفيق. وبخلاف الشرطة، التي ينظر إليها بشكل كبير على أنها وحشية وفاسدة، يتمتع الجيش بسمعة جيدة إلى حد كبير.
وبعد ثلاثة ايام وعد الجيش عشية تظاهرات الثلاثاء الحاشدة بانه لن يلجأ الى القوة واكد تفهمه لمطالب المتظاهرين «المشروعة» آخذا بذلك مسافة عن الرئيس وان كان لم يعلن تخليه عنه.
وامام احداث العنف الاخيرة في ميدان التحرير التي بدت منسقة الى حد كبير مع اتخاذ الجيش موقفا محايدا من الهجوم الذي قامت به مجموعات من البلطجية والمخربين على المتظاهرين وبعد زرع الخوف في نفوس المواطنين ورغبتهم الجمة في استعادة الهدوء والحياة الطبيعية، بدأت فكرة القبول بالحل الذي يفرضه الجيش مقبولة من الجميع. فعندما يخرج الوضع عن السيطرة لا يعود من خيار آخر سوى الجيش الذي يبقى بنظر اكثرية المصريين الحامي الحقيقي للأمن الشخصي وأمن الأمة بشكل كامل.
نعيم درويش
وجد الجيش المصري نفسه في الخط الامامي في مواجهة الوضع المتفجر بين المتظاهرين الذين يريدون رحيل الرئيس حسني مبارك وبين رأس النظام الذي انبثق منه. فالجيش الذي يبلغ قوامه 450 الف رجل هو المؤسسة التي خرج منها كل رؤساء مصر منذ ان اطاح الضباط الاحرار بالحكم الملكي عام 1952.
وبدا الجيش في المرحلة الاخيرة وكأنه يريد دعم الرئيس ولكنه لا يرغب في الاشتباك مع الجماهير كي لا يخسر مصداقيته ودوره الاساسي في المرحلة المقبلة. خصوصا بعد ان تعززت سلطته بتعيين عسكريين في مناصب مهمة لا سيما عمر سليمان نائبا للرئيس واحمد شفيق رئيسا للوزراء.
ولا يستبعد الكثير من المراقبين شكوكا في أن الاحتجاجات الاخيرة، هي في واقع الأمر محاولة انقلاب غير معلنة من جانب الجيش بمباركة أميركية.
وتتلقى مصر مساعدات عسكرية سنوية من الولايات المتحدة قوامها 1.3 مليار دولار ويعتبر الاميركيون الجيش المصري بانه ورقتهم الرابحة في المرحلة المقبلة منعا لوصول قيادات اسلامية الى رأس الهرم وسيعمل على ضمان استمرار تأثير واشنطن بنفس مستواه المرتفع وسيراعي عدم المساس باتفاقية السلام المبرمة مع إسرائيل.
وسبق لاحدى البرقيات الدبلوماسية الاميركية التي كشفها موقع ويكيليكس ان اشارت الى عدم حماسة القيادة العسكرية ازاء احتمال رؤية جمال مبارك نجل الرئيس حسني مبارك يخلف والده كما يردد كثيرون.
ويتضح من خلال التغييرات الاخيرة التي حصلت بفعل الاحتجاجات الدامية أنه تم القضاء على كامل الطبقة التي كانت تروج وتعمل لخيار التوريث،وبخاصة امين التنظيم في الحزب الوطني احمد عز ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي اللذان انتهى بهما الامر الى منعهما من السفر وتجميد ارصدتهما وليكونا في المرحلة المقبلة كبشي فداء.
وقد اظهرت التطورات المتسارعة نجاح فكرة القبول بالجيش وان يكون خليفة مبارك عسكريا مما يفتح الباب واسعا امام نائب الرئيس عمر سليمان او رئيس الاركان سامي عنان. وقد عاد عنان السبت الى القاهرة آتيا من واشنطن بعد ان اختصر زيارة كان يقوم بها للولايات المتحدة بسبب التظاهرات. وقال عضو بجماعة الاخوان المسلمين المحظورة كمال الهلباوي إن عنان قد يكون خليفة مقبولا للرئيس المصري كونه يتمتع «ببعض من السمعة الحسنة. وهوغير متورط في فساد».
وبالعودة قليلا الى بداية القصة، فقد تلت عملية انتشار الجيش في القاهرة وباقي المدن نهار الجمعة بث مشاهد ألفة بينه وبين الشعب مع صعود مدنيين الى الدبابات، حيث كان جنود يرفعون شارة النصر وسط التصفيق. وبخلاف الشرطة، التي ينظر إليها بشكل كبير على أنها وحشية وفاسدة، يتمتع الجيش بسمعة جيدة إلى حد كبير.
وبعد ثلاثة ايام وعد الجيش عشية تظاهرات الثلاثاء الحاشدة بانه لن يلجأ الى القوة واكد تفهمه لمطالب المتظاهرين «المشروعة» آخذا بذلك مسافة عن الرئيس وان كان لم يعلن تخليه عنه.
وامام احداث العنف الاخيرة في ميدان التحرير التي بدت منسقة الى حد كبير مع اتخاذ الجيش موقفا محايدا من الهجوم الذي قامت به مجموعات من البلطجية والمخربين على المتظاهرين وبعد زرع الخوف في نفوس المواطنين ورغبتهم الجمة في استعادة الهدوء والحياة الطبيعية، بدأت فكرة القبول بالحل الذي يفرضه الجيش مقبولة من الجميع. فعندما يخرج الوضع عن السيطرة لا يعود من خيار آخر سوى الجيش الذي يبقى بنظر اكثرية المصريين الحامي الحقيقي للأمن الشخصي وأمن الأمة بشكل كامل.
يخطئ من يتصور أن بلاده استثناء كلينتون: عاصفة في الشرق الأوسط
هيلاري كلينتون
ميونيخ - رويترز، ا ف ب - أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن منطقة الشرق الاوسط تواجه «عاصفة بكل معاني الكلمة» من الاضطرابات، وأنه يتعين على زعماء المنطقة ان يسارعوا بتطبيق الاصلاحات الديموقراطية الحقيقية، وإلا خاطروا بمزيد من زعزعة الاستقرار. أضافت كلينتون في كلمة أمام مؤتمر أمني في ميونيخ أن عدم وجود اصلاحات سياسية، إضافة إلى تزايد أعداد الشباب وتكنولوجيا الانترنت الحديثة، يهدد النظام القديم في منطقة مهمة لأمن الولايات المتحدة.
تونس والقاهرة وغيرهما
وتابعت «تجتاح المنطقة عاصفة بكل معاني الكلمة ذات تيارات قوية». واضافت «هذا هو ما دفع المتظاهرين الى الشوارع في تونس والقاهرة ومدن في مختلف أنحاء المنطقة». وقالت «الوضع القائم حاليا لا يمكن أن يستمر».
مؤتمر ميونيخ والاضطرابات
ولم تناقش كلمة كلينتون بالتفصيل الاضطرابات السياسية في مصر، والتي يقول كثير من المحللين إنها تهيمن على المناقشات وراء الستار في مؤتمر ميونيخ الذي يجمع عددا من القادة، وواضعي القانون والمحللين. لكنها سلطت الضوء على ضرورة اجراء إصلاحات سريعة في الدول المتحالفة مع واشنطن، والتي لا تشمل مصر والأردن فقط، وانما السعودية واليمن أيضا.
الفجوة بين الشعوب والحكومات
وقالت كلينتون «ببساطة هذه ليست مسألة مثالية. إنها ضرورة استراتيجية. من دون تقدم حقيقي تجاه أنظمة سياسية شفافة، وعرضة للمساءلة، فان الفجوة بين الشعوب وحكوماتها ستزداد وستزيد حالة عدم الاستقرار عمقا. كل مصالحنا ستكون معرضة للخطر».
لقاءات مع القادة
هذا وذكرت مصادر دبلوماسية أن كلينتون أكدت على موضوع الانتقال المنظم للسلطة خلال اجتماعاتها الثنائية في ميونيخ مع كل من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وعدد من القادة الآخرين. وأفاد مصدر مطلع أنها أبلغت نظراءها الأوروبيين أن مبارك أصبح فعليا خارج السلطة، لكن مصر بحاجة الى وقت للاعداد لانتخابات في وجود حكومة انتقالية.
مدروس وشامل وشفاف
وقالت كلينتون إن الزعماء في المنطقة عليهم الوفاء بتعهداتهم وعدم استغلال تهديد التطرف كذريعة لتأخير التغيير. وتابعت «الانتقال إلى الديموقراطية سيكون مجديا فقط، إذا كان مدروسا وشاملا وشفافا»، مضيفة أن الاصلاحات غير الكاملة يمكن أن تؤدي إلى حركات احتجاجية «يختطفها شموليون جدد يلجأون إلى العنف والخداع والانتخابات المزورة للبقاء في السلطة، أو طرح جدول أعمال يدور حول التطرف».
الإجراءات المجتزأة
وقالت وزيرة الخارجية إنه يجب ألا تعتبر أي حكومة في المنطقة نفسها بمنأى عن موجة التغيير، «بعض الزعماء يعتقدون بصراحة أن بلادهم استثناء، وأن شعبهم لن يطالب بفرص سياسية أو اقتصادية أكبر، وأنه يمكن استرضاؤهم بأنصاف الاجراءات. على المدى القصير قد يكون ذلك صحيحا، ولكن كما تثبت الأحداث الأخيرة، فانه على المدى البعيد لا يمكن الاستمرار في ذلك».
تناول آري شبيط في مقال له بصحيفة هآرتس التطورات الدراماتيكية في المنطقة العربية وكتب يقول:
يجري ازاء نواظرنا مساران عظيمان. الاول هو ثورة التحرر العربية. فبعد نصف قرن حكم المستبدون فيه العالم العربي، أخذ يتضعضع سلطان المستبدين. وبعد خمسين سنة من الاستقرار العفن، يزعزع العفن الاستقرار. لم يعد الجماهير العرب مستعدين لتحمل ما تحملوه من قبل. ولم تعد النخب العربية مستعدة للصمت كما صمتت من قبل.
الامور التي كانت تغلي تحت السطح انفجرت فجأة بانتفاضة حرية. الحداثة والعولمة وثورة الاتصالات والاسلاموية تنشئ كتلة حرجة لا يمكن الصمود امامها. نموذج العراق الديموقراطي مهتز، ونشرات «الجزيرة» التأليبية تؤجج الامر. لهذا سقط باستيل تونس، ويسقط باستيل القاهرة وستسقط باستيلات عربية اخرى.
تشبه المناظر مناظر الانتفاضة الفلسطينية في 1987، لكن الانهيار يشبه الانهيار السوفيتي في 1989. لا يعلم أحد الى أين ستفضي الانتفاضة. ولا يعلم أحد هل تأتي على آثارها الديموقراطية أو الحكم الديني أو دكتاتورية من نوع جديد؟! لكن ما كان لن يكون بعد. والترتيب الذي رتب الشرق الاوسط ينتقض. فكما أسقطت ثورات ضباط الخمسينات الحكم الملكي، الذي اعتمد على القوى الاستعمارية، تُسقط ثورات ميادين 2011 حكم الطغيان الذي اعتمد على الولايات المتحدة.
والمسار الثاني هو تسارع تهاوي الغرب. لقد منح الغرب العالم مدة ستين سنة نظاما غير كامل لكنه مستقر. وقد بنى نوعا من امبراطورية بعد استعمارية ضمنت هدوءا نسبيا وسلاما في الحد الأقصى. إن صعود الصين والهند والبرازيل وروسيا، والازمة الاقتصادية في اميركا واوروبا، بيّنت ان الامبراطورية بدأت تتهاوى. ومع ذلك كله حافظ الغرب على نوع ما من الهيمنة الدولية. فكما لم يوجد بعد بديل عن الدولار لم يوجد بديل عن الزعامة السياسية الشمال اطلسية. لكن الشكل الفاشل الذي تجابه عليه قوى الغرب الشرق الاوسط يثبت انها لم تعد تقود الامور. فهي تتحول من قوى عظمى الى قوى كلام.
كيف يمكن ان تكون اميركا بوش قد فهمت مشكلة القمع في العالم العربي، لكن اميركا اوباما تجاهلتها الى ما قبل اسبوع؟ وكيف يمكن ان مبارك قد كان في مايو 2009 رئيسا محترما يحترمه اوباما، أما في يناير 2011 فقد أصبح دكتاتورا ظلاميا يطرحه اوباما؟ وكيف يمكن ان اوباما لم يؤيد في يونيو 2009 الجماهير التي خرجت على احمدي نجاد المتطرف، أما الآن فانه يقوم الى جانب الجماهير التي تخرج على مبارك المعتدل؟ الجواب واحد: وهو ان الموقف الذي يأخذ به الغرب ليس موقفا اخلاقيا يعبر عن التزام حقيقي لحقوق الانسان. يُعبر موقف الغرب عن الأخذ بتصور جيمي كارتر وهو تملق الطُغاة الظلاميين والأقوياء في مقابلة التخلي عن الطغاة المعتدلين والضعفاء.
خيانة كارتر للشاه جلبت آيات الله، وستجلب علينا في القريب آيات الله المسلحين بالذرة. وستكون لخيانة الغرب لمبارك تأثيرات لا تقل خطرا. ليست هذه خيانة لمن كان مواليا للغرب فحسب وخدم الاستقرار وشجع الاعتدال. انها خيانة لكل حليف للغرب في العالم الثالث. والرسالة هي هي ان كلمة الغرب ليست كلمة، والحلف مع الغرب ليس حلفا.
ستُغير ثورة التحرر العربية الشرق الاوسط من الأساس. وسيُغير تسارع تهاوي الغرب العالم. ستكون احدى نتائج ذلك الانطلاق السريع نحو الصين ونحو روسيا والقوى الاقليمية، كالبرازيل وتركيا وايران. وستكون النتيجة الثانية لذلك سلسلة اشتعالات دولية ستنبع من ضياع قدرة الردع الغربية. لكن النتيجة العامة ستكون ان الهيمنة الشمال اطلسية لن تنهار في غضون عقود، بل في غضون سنين. عندما تدفن الولايات المتحدة واوروبا الآن مبارك، فانها تدفن ايضا القوى العظمى التي كانت ذات مرة. أخذ عصر الهيمنة الغربية يتلاشى في ميدان التحرير.. في القاهرة!
تحاول مراسلة صحيفة كريستيان ساينس مونيتور في القدس دانييلا تشيسلو تسليط الضوء على السبب وراء التزام الفلسطينيين في الاراضي المحتلة الصمت ازاء الاحداث الدراماتيكية في مصر، على الرغم من انعكاس هذه الاحداث على الاوضاع في بلدان كاليمن والاردن.
تجد صرخات المطالبة برحيل الرئيس حسني مبارك في مصر انعكاسا لها في الاردن، حيث خرجت تظاهرات مناهضة للحكومة، وفي سوريا، حيث اعلنت المعارضة يوم الجمعة «يوم غضب»، لكن الصمت يخيم على المناطق الفلسطينية.
ويعود الفضل في ذلك الى جهود السلطة الفلسطينية في الضفة وحركة حماس في غزة، في منع خروج التظاهرات المؤيدة للثورة المصرية، فعلى الرغم من مشاركة الرئيس مبارك في جهود ابقاء الحصار على غزة، فانه كان يغض النظر عن الانفاق التي تربط غزة بمصر وسمح بدخول المساعدات الى غزة، وفضلا عن ذلك، بذل الرئيس مبارك مجهوداً كبيرا لتحقيق المصالحة بين فتح وحماس.
خطوة استباقية
ولكن ظهرت دعوات على شبكة الانترنت لتنظيم احتجاجات ضد حماس في غزة، حيث انضم اكثر من سبعة آلاف شخص الى صفحة على موقع فيسبوك لتنظيم مسيرة مناهضة للحركة يوم 11 فبراير. وفي صفحة أخرى، انضم الف ومائة شخص الى الدعوة لتنظيم تظاهرات ضد حركة فتح.
ولكن العامل الاهم في عدم خروج تظاهرات في المناطق الفلسطينية يبدو انه الاحساس بأن أي احتجاج سواء ضد القيادة الفلسطينية أو ضد اسرائيل، لن يُحدث التغيير المنشود، بالنظر الى تجاربهم السابقة مع التظاهرات الاحتجاجية. لكن الظروف تغيرت على الارض، اذ ان وجود الحواجز العسكرية وجدار الفصل يقيد حركة المتظاهرين. وفي خطوة يعتقد البعض انها استباقية من السلطة الفلسطينية للحيلولة دون قيام تظاهرات، اعلنت السلطة عن قُرب اجراء انتخابات المجالس المحلية. ولكن المهندس نبيل عودة يقول ان «عباس دكتاتور مثله مثل مبارك».
الإيكونوميست تضع ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الثورات العربية
لندن- وكالات الأنباء:
4461
قدمت مجلة الإيكونوميست البريطانية دراسة تفصيلية حول ثورات الربيع العربي بحثت في مستقبلها وتأثيراتها المرتقبة علي المنطقة والعالم. فتحت عنوان الربيع بين المد والجزر: هل تنتهي الثورات العربية إلي انتاج الديمقراطية أم الديكتاتورية أم الاضطرابات؟
<="" div="" border="0">
عرضت وحدة الأبحاث في المجلة نتائج الدراسة التي أجرتها عن الانتفاضات التي تشهدها المنطقة, خلصت فيها إلي أن أيا كانت الطرق التي ستتبعها الثورات العربية, فإنها جميعها مرتبط أولا وأخيرا بما سيحدث في مصر, أو ما ستثمر عنه ثورة الشباب المصري وفقا لما جاء في الدراسة.
وقدمت الإيكونوميست إجابة علي أسئلتها من خلال بحث ربيع الثورات العربية في شقين: الأول يتعامل مع الجانب السياسي للحدث, أما الثاني فيتعامل مع التداعيات الاقتصادية للربيع العربي, سواء بالنسبة لدوله أو بالنسبة للعالم, والنقطة المشتركة التي جمعت بين الشقين السياسي والاقتصادي هي أن دول الربيع العربي تمر بـمخاض صعب بغض النظر عن النتائج التي ستولدها موجة التغيير التي تمر بها المنطقة.
فعن الجانب السياسي, وصف الباحثون البريطانيون ما يمر به الشرق الأوسط بأنه أهم تغيير تشهده هذه المنطقة منذ انتهاء الحقبة الاستعمارية في منتصف القرن العشرين, ووضع الباحثون ثلاثة سيناريوهات لشكل المنتج السياسي لثورات العرب في القرن الواحد والعشرين, مع التركيز علي مصر بوصفها البوصلة التي ستوجه المنطقة. وتفاوتت السيناريوهات الثلاثة في نسبة تفاؤل الإيكونوميست بمستقبل ربيع العرب, فالسيناريو الأول هو حصاد ديمقراطي هزيل الذي رجح الباحثون احتمالية وقوعه بنسبة60%, وهو لا يتضمن مشاهد مشرقة, بل مصائر ضبابية في مصر وتونس- قلب الربيع العربي- بينما سيظهر ذلك في صورة كوارث وحروب في باقي الدول.
أما السيناريو الثاني فهو عودة الديكتاتورية ورجحت الدراسة احتمالية وقوعه بنسبة20%, وجاء السيناريو الثالث والأخير مناقضا تماما للأول والثاني, حيث تحدث عن تحقيق التغيير والديمقراطية, ولكن الدراسة أعطته نسبة السيناريو الثاني من حيث احتمالية وقوعهحيث أعطاه الباحثون20%.
وبدأت الدراسة بتوضيح أنها اعتمدت في البحث علي معيار الديمقراطية لتصنيف الدول, فوضعت جدول الديمقراطية لعام2010 الذي خلصت منه إلي أنه لا توجد دول ديمقراطية في المنطقة, بل أنظمة هجينة في أحسن الأحوال كتلك الموجودة في لبنان والأراضي الفلسطينية والعراق, أما باقي الدول فكانت تتسم بديكتاتورية النظام الحاكم. وأضافت الإيكونوميست أن سقوط أحد أكبر الأنظمة القمعية في مصر خلال أسابيع, سمح للقائمين علي البحث بطرح سؤال: هل ستشهد الدول العربية موجة ديمقراطية كما حصل في أوروبا الشرقية عام1989 ؟.
ولكن المجلة أجابت بالقول: إنه سرعان ما جاءت التوقعات أقل تفاؤلا, حيث أن أفضل الاحتمالات التي خلصت اليها الدراسة هي تحول الانظمة المتحركة الي هجينة, والتي يتصف نظامها بالجمع بين العديد من التناقضات, حيث توجد فيها انتخابات ولكنها غير حرة وغير عادلة, وتوجد فيها معارضة وأحزاب ولكنها تتعرض لضغوط كبيرة من الحكومة, إضافة إلي انتشار الفساد, وعدم نزاهة القضاء, لذا وصفت الباحثون المشهد السياسي للربيع العربي بـأنه يتحرك خطوتين للأمام وخطوة للوراء.
وعن السيناريو الأول الذي وضعه الباحثون البريطانيون الذي جاء بعنوان حصاد ديمقراطي هزيل فقد ركز علي مصر وتونس, وهما الدولتان اللتان قالت عنهما الدراسة إن ما يحدث فيهما سيحدد حجم التغيير الذي يمكن أن تحققه التحركات الشعبية. وأوضح الباحثون أنه علي الرغم من اعتماد كل من مصر وتونس طريقتين مختلفتين لتنفيذ الاصلاحات الدستورية, فإنهما تتمتعان ببعض نقاط القوة مثل: التخلص السريع من رؤوس النظام السابق, نزاهة بعض مؤسسات الدولة مثل الجيش والقضاء والبنك المركزي والخدمات الاجتماعية, لكن القاسم المشترك أيضا بين تونس ومصر هو حدوث صدامات عنيفة ذات طابع متطرف بعد سقوط الانظمة الحاكمة, وهنا يلقي البحث الضوء علي ما يسميه بـالتأثير الإسلامي علي المشهد السياسي في مصر وتونس.
وبدأت الدراسة حديثها بمصر, حيث سلطت الضوء علي تصاعد الموجة السلفية وزيادة نشاط الحركات الاسلامية. وأوضح الباحثون أنه إذا عارضت قيادة حركة الاخوان المسلمين الدخول في الحياة السياسية واكتفت بالدور الاجتماعي, فسيجد الإخوان أنفسهم في منافسة مع التيار السلفي, وهنا يكون السؤال: هل ستكون أجندة الاخوان هي تلك المعلنة والتي تعطي هامشا من التنازلات بغية الحفاظ علي التناغم الاجتماعي, أم يكون هذا الكلام مجرد واجهة تخفي الأهداف الحقيقية بتحويل مصر الي دولة اسلامية؟ وأوضح الباحثون أن السلفيين يرفضون كليا مبدأ الديمقراطية, مشيرين إلي أن الإخوان المسلمين قد يخسرون دعم وتأييد السلفيين لهم إذا قدمت تنازلات كثيرة للعلمانيين والمسيحيين.
وقالت الإيكونوميست: إن حركة الاخوان تريد أن يكون حزب الحرية والعدالة مستقلا عنها بتمويل وتنظيم منفصلين, لكن الناخبين لن يفصلوا بين الحزب والاخوان, مما سيؤدي تلقائيا الي حصد الحركة لنحو ثلث المقاعد في البرلمان الجديد. وإضافة إلي الحديث عن الإسلاميين, أكدت الدراسة أنه علي الرغم من أن مصر لم تحدد بعد شكل العلاقة بين الرئيس والبرلمان والحكومة, فإن هناك نوعا من الاتفاق الضمني علي زيادة صلاحيات البرلمان بطريقة تعرقل شبح العودة الي أيام الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات والمخلوع حسني مبارك.
وأضافت الإيكونوميست: مصر أمام خيارين: إما الوصول لحكم مدني وحكومة وبرلمان منتخب من الشعب, وإما مشهد سياسي تغلب فيه المشاحنات بين مختلف القوي من دون أن تتمكن جهة واحدة أو حزب واحد من الانفراد بالسلطة. ولكن الصورة المشرقة نسبيا التي قدمتها الـإيكونوميست لمصر وتونس في السيناريو الأول اختلفت في فقرة كبيرة تحت عنوان: الحروب الأهلية, فقالت إن البلدان المعرضة لتلك الحروب هي: اليمن وليبيا وسوريا.
أما بالنسبة لسيناريو عودة الديكتاتورية, فرأي الباحثون أنه سيقع في حالة تسلم الجيش قيادة الحياة السياسية في مصر من جديد: وهذا سيحدث- بحسب المجلة- اذا أدت الانقسامات في المجتمع إلي صدامات عنيفة, أو اذا استطاع طرف واحد الاستحواذ علي السلطة. وعن تأثير ذلك علي المنطقة قالت المجلة إنه في حالة عسكرة الحكم في مصر مرة أخري فستتذرع كافة الانظمة العربية بذلك من أجل تمديد بقائها في الحكم.
أما السيناريو الثالث الذي يبشر بتحقيق الديمقراطية, فهو يعتمد مجددا بشكل أساسي علي نجاح التركيبة السياسية الجديدة في مصر, وهذا النجاح مرتبط بإيجاد صيغة تعايش بين الاخوان والاحزاب السياسية التي تريد الحد من سلطة الدين علي الدولة. وأنهت الإيكونوميست دراستها في هذه الجزئية السياسية بالقول: عندها فقط سيبدأ العد العكسي للتغير المرتقب في باقي دول المنطقة, ليس فقط في الشرق الأوسط, بل وفي دول الخليج أيضا.
لو سألت أي حاكم عربي يا تري ما هي أمنيتك الآن؟ فلن يتردد أن يقول: إنه يوم الجمعة الذي اتمني أن يكون غير موجود اصلا فلقد صار يوم الجمعة هو الموعد الثابت للحشود الجماهيرية المطالبة بالحرية .
<="" div="" border="0">
واصبحت قوة الحكم الديكتاتوري تقاس بمدي قدرة تحمله لعدد أيام الجمع بل لا أغالي إذا قلت ان فترة الانظمة العربية الحاكمة بدأنا نحن الشعوب العربية نحسبها بالجمعة, وبدا واضحا التلاقي بين الجمعة والثورة من جهة التدين والايمان بنصر الله علي الظالمين من بين هؤلاء الحكام ومن جهة أخري كمنبر تنطلق منه كلمات التحريض علي الانتفاضة والثورة, والأبعد من هذا كله فلقد أصبح لهذا اليوم دلالة مهمة تتلخص في استعادة دور الجامعة المغيب بعد أن سرقته السلطة السياسية منذ عهد بنو أمية قبل إثني عشر قرنا وشكلت ثورة25 يناير المصرية أوضح مثال علي دور الجامع خاصة يوم الجمعة من كل أسبوع لتعطي نموذجا تعتريه المفارقة, واما اللافت للانتباه فيما حدث من تغيير للجمعة وموافقتهم أن يكون موعدا اسبوعيا للمطالبة بالحرية مع أنه كان بامكانهم الاصرار علي يوم الأحد وقد تجلي هذا الترحيب القبطي في مشاركة رجال دين اقباط للمسلمين في صلاة الجمعة الموحد بعيدا عن هيمنة السلطة فلقد كان الجامع في بدايات الإسلام وقبل ظهور الدولة المنظمة مكان اللقاء الأسبوعي بين غير المسلمين من مسيحيين ويهود وأولي أمر المسلمين للشكوي أو لتقديم المطالب أو لدخول الإسلام.
ومن جمعة الغضب إلي جمعة النصر وجمعة الرحيل إلي جمعة الشهداء وحتي جمعة الانذار الأخير والاغلبية الصامته وإلي آخر الصفات التي سيسجلها التاريخ كمواعيد لإنهاء الطغيان.. لم تعد الجمعة في عيون المصريين مسلمين ومسيحيين رمزا للدعاء والابتهال إلي الله ضعفا واستكانة للظلم فحسب إنما يوم للصراخ وبعلو الصوت في وجه هذا الظلم ولأن العلاقة بين العبد وربه دائما ما تأخذ طابعا خاصا بين الإنسان وخالقه وتتوهج في يوم الجمعة فقد توهجت علاقة الثورات العربية بالعبادة وزاد ارتباطها بيوم الجمعة ومثلما تحرر الإنسان العربي من خوفه وهواجسه فقد تحرر الدين من سطوة السلطة.
وأكثر حالة برز فيها هذا الدور المتحرر للدين والجامع هو عندما يتحول ميدان التحرير في قلب القاهرة إلي جامع الجموع وانتقلت جموع المصلين لاداء صلاة الجمعة إليه, في رمزية لا يخطئها المراقب مفادها أن الدين سمح وهو ملك للجميع وشعائره خاصة لا معني لها ان لم تمارس في حرية مطلقة وان صلاة الجمعة علاوة علي كونها فريضة ربانية هي أيضا دعوة للناس ليلتقوا في الهواء الطلق بعيدا عن قيود المكان ـ خاصة في ظل سلطان جائر.
ويبقي أن ننتبه إلي ان رمزية يوم الجمعة ودور الدين في الحياة العامة لاينبغي أن يكون محاولة لاصباغ ثورات الربيع العربي والثورة المصرية بالذات صبغة دينية أو توظيفها في هذا الاتجاه: فأجمل شيء أن تتحرر السياسة والدين معا في هذا اليوم.
كتب: Susan Glasser - Foreign Policy نشر في 11, August 2011 :: الساعه 10:01 pm | تصغير الخط | تكبير الخط
منذ 20 سنة، كان الاتحاد السوفياتي يشهد أحداثاً مماثلة لربيع العرب راهناً، فقد نادى الشباب بالديمقراطية وشعروا بالتفاؤل بمستقبل حر بمنأى عن التخطيط المركزي وقبضة الدولة الاستبدادية المهووسة بالشأن الأمني، لكنهم ظلوا سنوات طويلة تحت حكم بوتين الذي اعتبر انهيار الاتحاد السوفياتي «أعظم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين».
حين سيق حسني مبارك إلى قفص الاتهام في قاعة المحكمة منذ أيام- فكان مستلقياً على سرير وراء القضبان حين أعلن بصوت مقطوع الأنفاس أنه غير مذنب في التهم الموجهة ضده، بينما حاول ابنه حمايته من الكاميرات- بدا وكأن مصر أنتجت أقصى ما يمكن توقعه من الانتفاضة الثورية: لقد خضع الفرعون العظيم لمحاكمة الشعب! لكن عند رؤية هذه المشاهد، يصعب ألا نتذكر شخصية أخرى، وهي زعيم روسيا النافذ فلاديمير بوتين.
بينما كان الشرق الأوسط يناضل لامتصاص تداعيات انهيار عظمته بهذه السرعة، كان بوتين منشغلاً في التفكير باحتمال عودته إلى رئاسة روسيا، مع التركيز على مهاجمة الولايات المتحدة “كونها تعيش كأي كائن طفيلي في الاقتصاد العالمي”، بحسب قوله. لا شك أن هذا التصريح يشبه تعبيراً ماضياً من السيناريو السوفياتي السابق.
باختصار، لا تنتهي الثورات دوماً في المكان الذي تبدأ فيه.
منذ 20 سنة، كان الاتحاد السوفياتي يشهد أحداثاً مماثلة لربيع العرب راهناً، فقد نادى الشباب بالديمقراطية وشعروا بالتفاؤل بمستقبل حر بمنأى عن التخطيط المركزي وقبضة الدولة الاستبدادية المهووسة بالشأن الأمني. لكن طوال حقبة تفوق نصف الفترة التي مرت منذ أن أدى انقلاب 19 أغسطس 1991 إلى نهاية الاتحاد السوفياتي، كان بوتين، الكولونيل السابق في وكالة الاستخبارات الروسية، هو من حكم روسيا، وقد اعتبر حينها أن انهيار الاتحاد السوفياتي هو “أعظم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”.
من الضروري أن نتذكر هذه الملاحظة اليوم في ظل الظروف المستجدة التي ترافق انطلاق حقبة جديدة من الاضطرابات الثورية في الشرق الأوسط، مع التنبه إلى أوضاع روسيا في حقبة ما بعد الثورة أيضاً، علماً أن روسيا حافظت على أهمية جيوسياسية هائلة في عالمٍ يصعب أن نتجاهل فيه موارد الطاقة الفائضة، والموقع الاستراتيجي، والصواريخ النووية، وحق النقض في مجلس الأمن. ربما تحتل روسيا أهمية كبيرة، ولكنها تبقى بلداً له مسار مبهم بعد عقدين كاملين من انهيار الاتحاد السوفياتي، وهو حدث أسف عليه بوتين بشدة. على طول المساحة الشاسعة التي احتلها الاتحاد السوفياتي السابق، لا تجد منظمة “فريدوم هاوس” الأميركية وغير الحكومية اليوم أي بلد خارج دول الاتحاد الأوروبي في منطقة البلطيق يمكن وصفه بعبارة أفضل من “بلد حر جزئياً”. في تلك الدول، تكون الانتخابات مزيفة، وتعتمد الأنظمة الاقتصادية فيها على الموارد بشكل شبه كامل، كما يحصل في روسيا الغنية بالنفط أو في أذربيجان الغنية بالغاز الطبيعي، أو كما يحدث في حالات كارثية أخرى مثل أوكرانيا المضطربة دوماً أو أوزبكستان المعزولة. لكن ماذا عن الثورة التي أوصلتهم إلى هذا الوضع؟
تبقى تلك الثورة مبهمة بشكل عميق ولا تزال معالمها غير معروفة. في الغرب، كان الناس يميلون إلى اعتبار تفكك الاتحاد السوفياتي ضربة قاسية في وجه مبادئ الحرية والديمقراطية التي كانت لتؤدي، مع مرور الوقت، إلى مجتمع أكثر انفتاحاً، علماً أن بعض التحركات التي ارتكزت على حكم “الحرية للجميع” ورأسمالية العصابات في حقبة بوريس يلتسين كانت تتبع تلك المبادئ. لكن لم ينظر الروس إلى الوضع بهذه الطريقة مطلقاً، ولا حتى أكثر الأطراف تأييداً للثورة.
كان غينادي بوربوليس أحد مؤيدي تلك الثورة، هو كان أحد كبار مساعدي يلتسين في زمن الانقلاب وفيلسوفاً تحول إلى إصلاحي ديمقراطي، وكان يؤمن بمسار مختلف لروسيا، لكن لنراجع تصريحه اللاذع الذي صدر في عدد خاص من مجلة “فورين بوليسي” (Foreign Policy) خُصص لحدث انهيار الاتحاد السوفياتي بعد عقدين على حدوثه. فكتب حينها أن “انقلاب أغسطس 1991 كان أشبه بمأساة سياسية بحجم كارثة تشيرنوبيل بالنسبة إلى الإمبراطورية السوفياتية التوتاليتارية. تماماً مثل تعطل أي مفاعل نووي معيب، أدى الانقلاب الفاشل إلى تقسيم البلد، فانتشرت البقايا الإشعاعية للنظام السوفياتي في أنحاء البلد… وهكذا تبددت الوعود بنشوء روسيا الديمقراطية قبل أن تبدأ”.
كذلك، يجب أن يفكر الجميع بالسبب الذي أدى إلى انفجار الثورة الروسية في تلك الفترة؛ لا يزال هذا الأمر لغزاً بعد مرور عقود عدة، وهي مسألة مبهمة بما يشبه الجدل الراهن حول السبب الذي جعل بائع الفاكهة التونسي الذي أضرم النار في نفسه أو بعض الطلاب المحتجين في ميدان التحرير يشعلون فتيل الثورة، مع أن عدداً كبيراً من الإهانات والمآسي، على مرّ عقود من الفساد والحكم القمعي، لم يُطلق أي ثورة مماثلة. في ما يخصّ روسيا، كتب المهاجر السوفياتي ليون آرون، الذي تولى إعداد السيرة الذاتية لبوريس يلتسين، في عدد خاص من مجلة “فورين بوليسي”: “كل ما تعرفونه عن انهيار الاتحاد السوفياتي خاطئ”: لم يتأثر النظام الشيوعي بتهديدات ريغان باستعمال القوة، أو بانهيار أسعار النفط أو تقليص النفقات العسكرية بسبب خسارة السوفيات للحرب في أفغانستان. صحيح أن تلك المشاكل- ومسائل كثيرة أخرى- أضعفت الاتحاد السوفياتي في أيامه الأخيرة، لكن في نهاية المطاف “لا تكون جميع الأمراض المزمنة قاتلة بالضرورة”، بحسب قول الباحث بيتر روتلاند. بل يعتبر آرون أن المشكلة الفعلية كانت تتعلق بانهيار هائل في مستوى الوعي العام، أو “البحث الفكري والأخلاقي عن احترام الذات وعزة النفس”. فأدت هذه المساعي خلال سنوات قصيرة إلى تفريغ الدولة السوفياتية العظيمة من جوهرها، وجردتها من شرعيتها، وحولتها إلى كيان فارغ انهار كلياً في شهر أغسطس من عام 1991.
لكن ما يزيد أهمية هذه المقارنة اليوم هو ما سيحصل في المرحلة المقبلة. في هذا الإطار، يقول آرون إن هذه الموجة الثورية قد تكون كافية لإسقاط النظام القديم، ولكنها قد لا تنجح في التفوق دفعةً واحدة على ثقافة سياسية وطنية استبدادية ومترسخة بعمق. قد يتبين أن جذور المؤسسات الديمقراطية التي تعود إلى ثورات أخلاقية في جوهرها هي سطحية أكثر من اللزوم كي تنجح في الحفاظ على نظام ديمقراطي فاعل في مجتمع تسود فيه بعض التقاليد القيّمة المبنية على التنظيم الشعبي الذاتي والحكم الذاتي. لهذا السبب، اكتسبت حركة بوتين زخماً كبيراً؛ حين وصل هذا الجاسوس السابق إلى السلطة بعد عقد من الثورة، تعهد بتحويل روسيا إلى قوة عظمى مجدداً. لنلاحظ الناشطين في ربيع العرب: كان جر الدكتاتور السابق إلى المحكمة أسهل بكثير من تجنب نشوء الظروف المواتية لظهور حاكم نافذ جديد.
بالتالي، نحن لا نشهد في مصر اليوم محاكمة مبارك فحسب، بل مواجهة حذرة بين الطلاب الناشطين الذين أطلقوا الثورة في “ميدان التحرير” والجنرالات العسكريين الذين كانوا يحمون نظام مبارك ويديرون الحكومة الراهنة، وتحصل هذه المواجهة في ظل وضع اقتصادي متدهور، ونسبة بطالة هائلة، وتوتر طائفي متصاعد، وشكوك كبرى بمدى احتمال إجراء انتخابات حرة وعادلة في البلاد- وفي حال حصول انتخابات مماثلة، هل ستساهم النتائج فعلاً في تحسين الظروف التي أشعلت الثورة في المقام الأول؟
ماذا عن روسيا بعد عقدين من الزمن؟ حين تحدثتُ مع آرون منذ أيام، أبدى تفاؤله بالوضع، مع أن التفاؤل ليس من سمة الروس. فقال إننا يجب أن نفكر بالثورة الفرنسية في عام 1789. لقد احتاج الفرنسيون إلى الحروب التي شنها نابليون وإلى الترهيب وإعادة تأهيل البلد وأجيال عدة من معارك الشوارع قبل أن يتمكنوا من العودة إلى المُثل الديمقراطية الأصلية التي طبعت ثورة عام 1848. وختم قائلاً: “احتاجت فرنسا إلى 50 عاماً. ولم يمر أكثر من عشرين عاماً على روسيا بعد”.
مظاهرات في 4 مدن تونسية ضد القضاء.. والشرطة تستخدم "القنابل المسيلة"
الألمانية
15-8-2011 | 22:04
232
المظاهرات بتونس اليوم
تظاهر آلاف التونسيين اليوم الإثنين، في مدن تونس وباجة (شمال) وسيدي بوزيد (وسط)، التي انطلقت منها الثورة التونسية، وصفاقس (جنوب)، للمطالبة بتطهير جهاز القضاء التونسي من "الفساد" ومن بقايا رموز نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وردد المشاركون في هذه المظاهرة عبارات من قبيل "الشعب يريد قضاء مستقلا"، "التطهير.. التطهير.. والبداية بالوزير"، في إشارة إلى مطالب بإقالة وزير العدل الحالي الأزهر القروي الشابي، الذي تشرف وزارته على تنظيم قطاع العدالة بشقيها القضاء والمحاماة.
وخرجت أكبر مظاهرة بالعاصمة تونس وشارك فيها نحو 4000 شخص بين نقابيين وممثلين عن أحزاب سياسية ومنظمات أهلية.
وطالب المشاركون في هذه المظاهرة، التي دعا إليها الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمال في البلاد) بتطهير القضاء من الفساد وبإقالة وزير العدل الحالي.
واستخدمت الشرطة التونسية القنابل المسيلة للدموع بشكل مكثف لتفرق مظاهرة ثانية شارك فيها نحو 2000 شخص حاولوا التظاهر أمام مقر وزارة الداخلية التونسية في شارع الحبيب بورقيبة (وسط العاصمة).
ورشق المتظاهرون قوات الأمن بالحجارة مرددين "وزارة الداخلية وزارة إرهابية" و"الشعب يريد إسقاط النظام" و"الشعب يريد ثورة من جديد".
ونفذ اليوم الإثنين عشرات من المحامين والقضاة وقفة احتجاجية أمام وزارة العدل التونسية للتنديد بـ "فساد" القضاء قبل أن ينضم إليهم مئات المواطنين.
وأطلقت تونس في الثالث من أغسطس الحالي سراح بشير التكاري وزير العدل لمدة عشر سنوات (1999/2010) في عهد الرئيس المخلوع بعد أن كانت اعتقلته يوم 11 يوليو بتهمة الفساد.
وذكر قضاة أن إطلاق سراح التكاري جاء بعد تهديده بنشر ملفات تدين غالبية قضاة تونس بالفساد.
وتمكنت يوم 30 يوليو الماضي السيدة العقربي المقربة من الرئيس التونسي المخلوع والمتورطة في قضايا فساد مالي من الهرب إلى فرنسا بعد أخر قاض تونسي إحالة ملف يدينها بالفساد على العدالة إلى يوم 3 أغسطس رغم أن الملف وصله يوم 21 يوليو.
وأثار الإفراج عن التكاري وهروب العقربي سخط وإحباط التونسيين الذين اتهموا قضاء بلادهم بالفساد و"بالتستر على الفاسدين".
وأفاد وزير العدل الحالي في تصريحات نشرت الأسبوع الماضي أن بلاده تعد اليوم نحو 1800 قاض قال إن "غالبيتهم شرفاء".
كتب: Alistair Horne - Daily Telegraph نشر في 20, August 2011 :: الساعه 10:01 pm | تصغير الخط | تكبير الخط
بعد مرور ستة أشهر على الانتفاضات الأولى التي طبعت ربيع العرب، يبدو أننا أخطأنا في جميع توقعاتنا مجدداً، لكن ما الذي جعلنا نظن أن العالم العربي سيتبنى مبدأ الديمقراطية في المقام الأول؟ على عكس جميع التوقعات، لم يظهر أي زعيم مهم يتمتع بشيء من صفات عبدالناصر في أي بلد من البلدان التي شهدت الثورات، بدءاً من تونس ووصولاً إلى اليمن.
ربما غطت أحداث لندن المشتعلة أخيراً على الأزمة القائمة في الشرق الأوسط، لكن لا تزال هذه الأزمة المسألة الأولى التي تشغل الساحة الخارجية. في هذا السياق، قال لي هارولد ماكميلان في إحدى المرات: “لا تحدث الأمور بحسب التوقعات مطلقاً”. بصفتي مراقباً لأوضاع الشرق الأوسط منذ فترة طويلة، وتحديداً منذ أواخر الأربعينيات، حين كنت أعمل في الاستخبارات العسكرية في القاهرة، لطالما أدركت صحة ذلك الاستنتاج في هذا الجزء من العالم.
لم نتوقع يوماً أن يسقط الملك فاروق فجأةً من عرشه على يد مجموعة من العسكريين، ولم نتوقع مطلقاً أن يستولي عبدالناصر على قناة السويس ثم أن يخوض حرباً ضد إسرائيل قبل أن يتلقى هو و”إخوته” العرب هزيمة موجعة. حتى عندما نشر السادات نصف مليون عنصر في أنحاء الصحراء في غرب سيناء، لم تتوقع وكالة الاستخبارات المركزية مطلقاً أنّ مصر كانت تنوي مهاجمة إسرائيل مجدداً، ولا شك أن أحداً في الغرب لم يتوقع اعتداءات 11 سبتمبر.
أما الآن، بعد مرور ستة أشهر على الانتفاضات الأولى التي طبعت ربيع العرب (لم يتوقع أحد حدوث تلك الانتفاضات أيضاً)، يبدو أننا أخطأنا في جميع توقعاتنا مجدداً، لكن ما الذي جعلنا نظن أن العالم العربي سيتبنى مبدأ الديمقراطية في المقام الأول؟ على عكس جميع التوقعات، لم يظهر أي زعيم مهم يتمتع بشيء من صفات عبدالناصر في أي بلد من البلدان التي شهدت الثورات، بدءاً من تونس ووصولاً إلى اليمن، وقد قُتل الزعيم القوي المحتمل، الجنرال عبدالفتاح يونس، في الشهر الماضي.
مع دخولنا في شهر رمضان الآن، لا تبدو نتائج هذه الانتفاضات الشعبية واعدة بأي شكل، ففي تونس التي كانت سابقاً إحدى أبرز البلدان التي تلتزم بالقوانين في العالم العربي، ارتفعت نسبة الجرائم العنيفة، وفي المقابل، تدهور الوضع الاقتصادي بسبب تضرر قطاع السياحة، وقد ارتفع معدل الفقر من نسبة 4% قبل الثورة إلى 40%، وعلى الصعيد السياسي، يبدو حزب النهضة الإسلامي مستعداً لحصد المكاسب في الانتخابات المقبلة.
في ليبيا، عمت الفوضى في أوساط الجماعات التي أنهكت قواتنا المسلحة، صحيح أن القذافي أصبح محاصراً الآن، لكن يصعب توقع أي نتيجة إيجابية، فقد تبين أن الثوار هم من عامة الناس الأقل مستوى. على صعيد آخر، ما عدد العمليات التي نفذتها القوات الجوية العربية ضمن التحالف؟ شكل مقتل قائد الثوار الجنرال يونس على يد الإسلاميين انتكاسة كبرى بالنسبة إلى الإصلاحيين العرب والغربيين المتورطين في هذه الأزمة، وفي هذا الإطار، يؤكد ليام فوكس ضرورة تهميش هذه المجموعات، لكن هل يمكن أن يطلعنا أحد على الوصفة الناجحة لتحقيق ذلك؟
في اليمن والبحرين، لم يحقق الثوار أي نجاح أيضاً، وفي سورية، لا يزال الرئيس الأسد قابعاً في منصبه ويصر على قمع جميع الاحتجاجات بوحشية، متجاهلاً بذلك انتقادات البيت الأبيض، وهو ما أثار السرور في نفس طهران وحزب الله.
في مصر، عاد الغضب ليسيطر على ميدان التحرير، وفي ظل حالة من الفوضى لم يشهدها البلد في عهد مبارك، حُرقت كنائس عدة وقُتل عدد من الأقباط في الشوارع، لكن كما يحصل في أماكن كثيرة من الشرق الأوسط، يسود غضب شديد بسبب الوضع الاقتصادي تحديداً، وعلى صعيد آخر، تدهور قطاع السياحة الذي يُعتبر من أبرز الصناعات المربحة في البلاد.
مصر هي الدولة الأهم من حيث العدد السكاني والنفوذ في العالم العربي، ولكنها تواجه أيضاً أكبر مشاكل الفقر المزمن، إذ يعتقد البعض أن الاقتصاد لا يزال خاضعاً لسلطة الأثرياء القدامى الذين يرتشفون القهوة في نادي محمود علي الراقي.
حين بدأت أحداث ربيع العرب، كثر الحديث عن نشوء ما يشبه “مشروع مارشال” الخاص بالشرق الأوسط، فكانت هذه الخطوة ستُعتبر ضخمة لكن خيالية، وكان يمكن أن يموّل القادة في السعودية وحدهم هذا المشروع استناداً إلى أرباح النفط لهذه السنة، لكن إذا ما استثنينا الخطابات الشفهية، متى كانت المرة الأخيرة التي ساعد فيها بلد عربي بلداً عربياً آخر؟ على الرغم من الكلمات المعسولة المتكررة عن “رابط الأخوة بين العرب”، يكفي أن نقضي عشر دقائق في الشرق الأوسط لندرك أنها مشاعر ظاهرية فقط لا تبتعد كثيراً عن مشاعر العداء التي يكنونها لإسرائيل. صحيح أن مشاعر العداء لإسرائيل لم تظهر للعلن خلال ثورة ميدان التحرير لكنها لا تزال قائمة، وتحديداً بين الشباب، وحين ألقيتُ محاضرة في القاهرة منذ سنتين تقريباً، للترويج لكتاب عن هنري كيسنجر، تسرّعتُ بقولي إن مصر تمتعت بفترة سلام أطول من تلك التي شهدتها أوروبا بين الحربين العالميتين. لكن أسكتني الحضور (بكل تهذيب)، وتحديداً بعض الشابات المحجبات اللواتي هتفن بأن مصر عزلت نفسها وخانت إخوتها العرب.
قد يتحول الإحباط الاقتصادي السائد في الشارع المصري إلى موقف أكثر عدائية من إسرائيل، وسيتعزز هذا الوضع بفعل الشلل الراهن في واشنطن (نتساءل إذن عن السبب الذي يدفع الرئيس أوباما إلى الرضوخ لبنيامين نتنياهو وترك إسرائيل تتحكم بالمصالح الأميركية). لا شك أن قطع إمدادات الأسلحة عن إسرائيل سيساعد في تقليص العجز الأميركي فضلاً عن كسب دعم العالم العربي المضطرب.
في ظل الظروف الراهنة في أنحاء الشرق الأوسط، الأمر شبه المؤكد الوحيد هو أن عناصر القاعدة وحلفاءهم لن يستولوا على شواطئ الاسكندرية ولا تلال توسكانا الخضراء. بعد مقتل الجنرال يونس، ثبتت صحة بعض التحليلات، فقد نكتشف على المدى الطويل أننا ساعدنا في ترسيخ الأنظمة الإسلامية في ليبيا ومصر.
أكدت داليا مجاهد المدير التنفيذي لمركز "جالوب أبوظبي" والمستشارة السابقة للرئيس الأمريكي باراك أوباما للشئون الإسلامية أن أمريكا لم تكن تريد الثورة المصرية وأخذت وقتا طويلا حتي استوعبت أن الأمر خرج عن سيطرة مبارك وأصبح في أيدي المتظاهرين؛ وهنا اضطروا الى أن يؤيدوا الشعب، وحتي الآن يوجد كثيرون في أمريكا يرون أن مبارك كان وجوده أفضل لتحقيق المصالح الأمريكية*..
وأوضحت أن مبارك كان يحقق للأمريكيين كل رغباتهم.. وأن إسرائيل نفسَها كانت ترى فيه أكثر من يحقق لها مصالحها حتى وصفوه بأنه أكثر شخص استطاعوا التعامل معه*.. وعندما قامت الثورة وجد هؤلاء نظاما جديدا لا يستطيعون السيطرة عليه أو أن يكون لهم دور فيه*؛ فهم الآن لا يعرفون من الرئيس القادم بعد أن كانوا يتعاملون مع وضع مستقر تحت سيطرتهم بقيادة مبارك وابنه من بعده فالكثير من الأمريكيين كانوا علي يقين بأن جمال سيخلف والده وبالتالي فالأمور لن تختلف*..
وأضافت داليا مجاهد:" ما حدث كان مفاجأة للجميع ويجب أن نفهم أنه عندما ينادي المصريون بالديمقراطية هذا يقلق أمريكا وليس في مصلحة إسرائيل*، وعلي من يؤمن بهذا الاعتقاد بأن أمريكا وراء الثورات من أجل مصلحة إسرائيل أن يسأل نفسه: هل كان مبارك يفعل أى شىء ضد إسرائيل..؟
فالإسرائيليون أنفسُهم اعترفوا بأنه لم يكن هناك أحد يخدم مصالحهم أكثر منه*، حتي عمر سليمان كان معهم* مئة بالمئة وضد حماس علي طول الخط*، وكلها مؤشرات تؤكد أنهم لم يرغبوا في التغيير وأنهم خائفون مما قد يحدث*..".الدستور الاصلي
الولايات المتحدة: الانتخابات المبكرة يمكن ان تجلب اسلاميين غير وديين الى السلطة
عماد جاد: "ليس هناك اي حزب سياسي يستطيع ان يضع ثقته الآن في المجلس الأعلى للقوات المسلحة, وما نشاهده هو الوجه الحقيقي للمجلس بعد رفع الغطاء عنه"
حسام بهجت: تأجيل تسليم السلطة الى ما بعد الانتخابات الرئاسية يحمل "دلالة واضحة على ان المجلس الاعلى للقوات المسلحة لا يرغب في انتخاب رئيس مدني
تقول صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير من مراسلها في القاهرة ديفيد كيركباتريك ان المجلس العسكري الاعلى الحاكم حالياً في مصر لا يعتزم ارخاء قبضته على زمام الحكم في وقت قريب وسيظل يمارس سلطات واسعة الى حين انتخاب رئيس للجمهورية في موعد لم يحدد بعد.
وفي ما يأتي نص التقرير: "يسعى حكام مصر العسكريون الى توسيع نطاق سلطاتهم الى حد اخذ معه عدد متزايد من المحامين والنشطاء يشككون في استعدادهم للخضوع في نهاية الامر للسلطة المدنية.
وقال عضوان في المجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك للمرة الاولى في مقابلات هذا الاسبوع ان المجلس يعتزم الاحتفاظ بالسيطرة التامة على الحكومة المصرية حتى بعد ان يبدأ انتخاب برلمان جديد في تشرين الثاني (نوفمبر).
وقالا ان دور السلطة التشريعية سيظل تابعاً كما كان حال البرلمان السابق في عهد مبارك وسيكون المجلس العسكري هو الذي يعين رئيس الوزراء ومجلس الوزراء.
وقال اللواء اركان حرب محمود حجازي: "سنحتفظ بالسلطة الى ان يصبح لدينا رئيس". وكان العسكريون قد تعهدوا في بيانات رسمية في (مارس) باجراء انتخابات رئاسية بحلول (سبتمبر).
لكن الجنرالات يقولون الآن ان الانتخابات الرئاسية لن تأتي الا بعد انتخاب برلمان وتشكيل مجلس دستوري وابرام دستور جديد – وهذه عملية يمكن ان تمتد الى 2013 او ما بعد ذلك.
وكان الانتقال الى الحكم المدني قبل وليس بعد صياغة دستور جديد من المكونات الجوهرية لاستفتاء عام على "اعلان دستوري" اجري في (مارس) ايضاً.
وطالب الاعلان بأن يقيم المجلس العسكري مؤسسات ديموقراطية ويجمد قانون الطوارىء المستمر منذ 30 سنة والذي يسمح باجراء اعتقالات من دون محاكمة، قبل صياغة الدستور لضمان نقاش حر.
ولكن العسكرين بتمديدهم أمده، سيشرفون الآن على العملية الدستورية.
وكتب الخبير القانوني طارق البشري هذا الاسبوع قائلاً ان خطة العسكريين الجديدة "انتهاك للاعلان الدستوري"، مجادلاً بأن الاستفتاء الذي يعتبر ميتاً الآن كان مصدر الشرعية الوحيد للعسكريين.
وقد اعربت الولايات المتحدة، التي يسودها قلق كبير من ان انتخابات مبكرة يمكن ان تجلب اسلاميين غير وديين الى السلطة، حتى الآن عن رضاها عن نهج العسكريين الابطأ بشأن تسليم السلطة.
وحضت وزيرة الخارجية (الاميركية) هيلاري كلينتون في ظهور لها هذا الاسبوع مع وزير الخارجية المصري على نهاية مبكرة لقانون الطوارىء لكنها وصفت خطة الانتخابات بأنها "جدول زمني مناسب".
اما داخل مصر فان الجدول مصدر جديد للتوتر بين المجلس العسكري والقادة السياسيين المدنيين من الليبيراليين الى الاسلاميين.
ويقول القادة السياسيون انهم صدموا الاسبوع الماضي عندما توفي اكثر من اربعة وعشرين متظاهراً من المسيحيين الاقباط في اشتباكات مع جنود يحرسون مبنى حكومياً.
وقد دهس بعض المتظاهرين بعربات عسكرية واطلق الرصاص على بعضهم الآخر.
ويقول كثير من القادة السياسيين ان الثقة في المجلس الاعلى للقوات المسلحة وصلت الى حافة الهاوية، بعد ثلاثة ايام من توجيه المجلس اللوم في حوادث القتل على اعتداء المتظاهرين، ونفيه ان يكون الجنود قد استخدموا الذخيرة الحية. وحظر المجلس قيام تحقيق مدني في الاشتباكات.
وقال عماد جاد، المحلل في مركز "الاهرام" للابحاث الذي تموله الدولة المصرية وهو عضو نشيط حاليا في الحزب الاجتماعي الديمقراطي، انه "ليس هناك اي حزب سياسي يستطيع ان يضع ثقته الان في المجلس الاعلى للقوات المسلحة. وما نشاهده هو الوجه الحقيقي للمجلس بعد رفع الغطاء عنه".
ويقول النشطاء والمحللون الان مشيرين الى سلسلة من المؤشرات الشعبية واسلوب الاجراءات ايضا، انهم يعتقدون ان المجلس يسعى الى ابطاء عملية الانتقال الديمقراطي الى ان يتأكد لديه ان موقفه وصلاحياته ستظل من دون ان يمسها شيء حتى خلال الحكم المدني.
ودعا البعض هنا الى منح الجيش حقوقا خاصة تشمل حصانة من المقاضاة أمام المحاكم المدنية والحماية من الهفوات الناشئة عن عملياته وميزانيته، ووثيقة رسمية تخوله التدخل في الشؤون السياسية باسم حماية الصفة العلمانية للحكومة. وقال حسام بهجت، المدير التنفيذي للمبادرة المصرية لحماية الافراد، انه "سر مفضوح" ان يكون الهدف الرئيس للمجلس الاعلى هو تأكيد سلطاته الخاصة.
وقال ان تأجيل تسليم السلطة الى ما بعد الانتخابات الرئاسية يحمل "دلالة واضحة على ان المجلس الاعلى للقوات المسلحة لا يرغب في انتخاب رئيس مدني يمكنه وفق احكام الدستور الحالي ان تكون لديه سلطة على الجيش للمرة الاولى منذ ثورة 1952".
وكان بعض الليبراليين ينظرون في الربيع الفائت الى الجيش على انه يسير سريعا نحو انتخابات جديدة. ويخشون من ان يؤدي تحقيق الجدول الزمني الاصلي للجيش للانتقال الى الحكم الديمقراطي بانتخابات نيابية ورئيس جديد وصياغة دستور جديد، كل ذلك باكمله خلال بضعة اشهر، الى تسلم الاخوان المسلمين زمام السلطة، وكانت تلك الحركة تمثل المعارضة السياسية الرئيسة في مصر خلال حكم مبارك. وحدث ذلك عندما بدأ بعض الليبراليين يطالبون علنا بان يحدد الجيش بنفسه مدى صلاحياته ودوره بمقتضى الدستور الجديد، بما في ذلك السلطة الذاتية والصلاحيات العريضة للتدخل لحماية الصفة العلمانية للدولة.
وهناك من يرى في اعمال العنف الدموية للجيش ضد المحتجين الاقباط على انها تحذير لهؤلاء الليبراليين. وقال السيد بهجت عضو المبادرة المصرية لحقوق الافراد ان "النخبة من الليبراليين كانت مغمضة العينين نتيجة الخوف من تسلم الاسلاميين السلطة لدرجة انهم كانوا على استعداد لقبول غطاء امني من الجيش. الا ان مجزرة الاحد كانت نقطة تحول لانهم أدركوا ما يستطيع الجيش ان يفعله – جبروت جاء في وقت مبكر جدا للتذكير بما كانت عليه الامور خلال حكم مبارك".
وفي اعقاب المواجهة بين الجيش والمحتجين المسيحيين الاقباط، وقف الاخوان المسلمون موقفاً متعاطفاً مع دور الجيش اكثر من موقف الاحزاب الليبرالية. وجاء في بيان للاخوان ان "لدى جميع افراد الشعب المصري، وليس لدى اخواننا المسيحيين فحسب، شكاوى ومطالب مشروعة، غير ان هذا ليس الوقت المناسب للمطالبة بها".
كما اعترض الاخوان على جدول الانتخابات الجديدة. وحث حزبهم "الحرية والعدالة" المجلس العسكري على "العودة الى التصور الأول الذي عرضه، والذي غيره من دون اي اسباب معروفة، لاجراء الانتخابات الرئاسية من دون تأخير".
وسيكون من اهم اعمال البرلمان الجديد اختيار اعضاء لجنة وضع الدستور. وقال المجلس العسكري انه سيفرض بعض ضوابط التنوع في العضوية. واقرت الاحزاب والمرشحون المتنافسون في الانتخابات النيابية بانهم لا يعرفون مدى الصلاحيات التي سيتمتعون بها فيما يواصل المجلس الاعلى للقوات المسلحة السيطرة على الحكومة. الا ان عددا من السياسيين قالوا انهم ينوون الدخول في المنافسة على المقاعد، وذلك جزئيا ليكون لهم منبر يمكنهم منه تحدي المجلس. وتساءل جاد من الحزب الاجتماعي الديمقراطي "هل يمكننا عمل شيء غير ذلك؟". الدستور
05/11/2011
القتلى والجثث بالعشرات.. وواشنطن تعتبر المؤشرات «غير مطمئنة»
الجامعة مستاءة من خديعة دمشق.. والاعتراف بالمجلس الانتقالي الخيار الأقرب الأسد يُغرِق المبادرة العربية بالدم
متظاهرون في اليمن يؤكدون تضامن الثورات في البلدان العربية الخمسة (رويترز)
دمشق - وكالات
الكويت - ليلى الصراف
تحولت جمعة «التحقق من نوايا النظام» في سوريا أمس الى جمعة «الله أكبر ضد الطغاة»، بعدما أغرق النظام بالدم العديد من شوارع المدن السورية ومعها المبادرة العربية.
ففي حمص، 100 جثة لمدنيين ألقيت أمام المشفى الوطني في حمص (وسط سوريا)، وعشرات القتلى والجرحى برصاص الأمن وقذائف الدبابات، وحصار المساجد، ناهيك عن الاعتقالات العشوائية، كانت حصيلة اليوم الثالث لاختبار التزام نظام بشار الأسد بالمبادرة العربية التي قضت بوقف القتل والقمع «فورا»، لكنه واجه فشلا ذريعا في الاختبار.
وأيضا لم يشاهد وصول أي مراقبين أو صحافة أجنبية الى أي منطقة سورية، كما تنص المبادرة، في وقت رصد المركز السوري للإعلام وحرية التعبير 109 حالات انتهاك بحق صحافيين وإعلاميين (بين اعتقال واختفاء قسري واجبار على الاستقالة).
مصادر عربية مطلعة وصفت الأوضاع في سوريا بالقول «إن الجامعة العربية قدمت المبادرة على طبق من أجساد الضحايا، لكن النظام السوري واصل عملية الفتك بأبنائه».
وقالت المصادر نفسها، ردا على استفسار من القبس ، إن موافقة دمشق على سحب العناصر المسلحة ليست إلا «خدعة» لأنه لو غابت العناصر الأمنية والشبيحة لامتلأت سوريا بكل ساحاتها بالمتظاهرين.
وعن توقعاتها للمرحلة المقبلة، قالت المصادر «لو استمر نزيف الدم فان خيار الاعتراف العربي بالمجلس الانتقالي السوري هو الأقرب».
وأمس، حذرت واشنطن الأسد من «ازدياد عزلته»، لافتة الى أن «المؤشرات غير مطمئنة» تجاه المبادرة العربية. وتوقعت أن الجامعة قد تضطر الى تشديد موقفها.
05/11/2011
مشفى حمص يتلقَّى 100 جثة لمدنيين.. واعتقال مصلّين بينهم أطفال بعد حصار المساجد 18 قتيلاً في جمعة «الله أكبر ضد الطغاة»
جنود سوريون أمام نقطة تفتيش للجيش في الحلة قرب حمص (رويترز)
دمشق، القاهرة، واشنطن - أ. ف. ب، رويترز - قتل 18 شخصا - على الأقل - أمس برصاص قوات الامن في سوريا، حيث انطلقت تظاهرات جمعة «الله أكبر» ضد «الطغاة»، عمّت مختلف أرجاء البلاد، بما في ذلك العاصمة دمشق وحلب مركز الاقتصاد السوري. كما تم العثور على 100 جثة، جميعها لمدنيين، ألقيت أمام المشفى الوطني في حمص. وكانت المعارضة دعت الى هذه التظاهرات لاختبار صدق نوايا نظام الرئيس الأسد ومدى التزامه بتنفيذ خطة الجامعة العربية، القاضية بوقف سفك الدماء «فورا» للخروج من الأزمة. وتلحظ هذه الخطة وقفا كاملا للعنف والإفراج عن جميع المعتقلين وانسحاب الجيش من المدن والسماح بحرية التنقل للمراقبين ومراسلي وسائل الإعلام الدولية، وذلك قبل البدء بحوار بين النظام والمعارضة في القاهرة كما صرح الأمين العام للجامعة العربية.
وأمهلت الجامعة دمشق 15 يوما لتنفيذ بنود المبادرة قبل بدء الحوار بين النظام والمعارضة في القاهرة. وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم تتوقف العمليات العسكرية، وتركزت أمس في حمص وإدلب ودرعا، كما زادت عمليات القتل (مجزرة عمال يوم الأربعاء، و22 قتيلا الخميس). ولم يتم تسجيل اي انسحاب لقوات الأمن أو الجيش ودباباته من أي من المناطق والأحياء المدنية. وبدلا عن ذلك أمهلت وزارة الداخلية السورية «حاملي السلاح» أسبوعا (اعتبارا من اليوم) لتسليم أنفسهم وأسلحتهم. وأيضا لم يشاهد وصول أي مراقبين أو صحافة أجنبية الى أي منطقة سورية، كما تنص المبادرة.
18 قتيلا
ميدانيا، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن ستة مدنيين قتلوا في حمص (وسط) نتيجة القصف المتواصل على المدينة وجوارها. كما قتل 4 مدنيين برصاص القناصة في حماة (وسط). وفي محافظة درعا، قتلت قوات الأمن أربعة متظاهرين في كناكر وآخر في الحمورية، فيما لقي مدنيان مصرعيهما برصاص الشبيحة في دير الزور. وقتل مدنيان آخران - أحدهما مدني والآخر جندي - برصاص قوات الأمن في منطقة تل شهاب على الحدود مع الأردن، بينما كانا يحاولان مغادرة البلاد.
محاصرة المساجد
وقامت قوات الامن بتطويق مسجد ابوبكر الصديق في مدينة بانياس الساحلية. وأكد المرصد ان مصلين تعرضوا للضرب لدى خروجهم من المسجد. كما تم اعتقال عشرات الأشخاص في هذه المدينة بينهم 4 أطفال ينتمون الى عائلة رئيس المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبدالرحمن.
ورغم أعمال القمع، فلم يتراجع عزم الناشطين الذين تظاهروا تحت شعار «الله أكبر، ضد الطغاة». وشملت التظاهرات أحياء في العاصمة دمشق وريفها، لا سيما حي الميدان التاريخي، حيث أطلق المتظاهرون شعارات مناهضة للأسد. وأيضا، في الكثير من أحياء حمص وقراها وفي دير الزور، ودرعا.
عفو مشروط
من ناحية أخرى، أعلنت وزارة الداخلية السورية الجمعة مهلة أسبوع لحاملي السلاح، اعتبارا من اليوم لتسليم أنفسهم وأسلحتهم مقابل العفو عنهم.
وجاء في بيان رسمي أن وزارة الداخلية «تدعو المواطنين ممن حملوا السلاح او باعوه او قاموا بتوزيعه او نقله او شرائه او تمويل شرائه ولم يرتكبوا جرم القتل إلى تسليم انفسهم واسلحتهم إلى اقرب مركز للشرطة في منطقتهم وسوف يصار إلى تركهم فورا خلال الفترة من السبت 5 نوفمبر وحتى 12 نوفمبر وذلك بمنزلة عفو عام عنهم».
كسب وقت
في غضون ذلك، قال زعماء للمعارضة إن الرد الدموي لقوات الأمن على الاحتجاجات يعد «اختبارا» فشل فيه رئيس النظام (الأسد) فشلا ذريعا. وتتهم المعارضة الحكومة بأنها وافقت على الخطة العربية «لكسب بعض من الوقت».
مائة جثة
إلى ذلك، نقلت مصادر محلية وسكان وشهود عيان لهيئة الإذاعة البريطانية الــ (بي بي سي) أن المشفى الوطني في حمص تسلم خلال الـ 48 ساعة الاخيرة أكثر من مائة جثة من المدنيين، الأمر الذي لم تؤكده المصادر الحكومية.
وقال شاهد عيان في حمص «إنه شاهد عشرات من جثث المدنيين في المستشفى الوطني الذي تسيطر عليه قوات الأمن»، مضيفا «كانوا جميعا رجالا بهم اصابات ناجمة عن طلقات رصاص».
شجب فرنسي وأميركي
وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أمس أن باريس تشكك في صدق النظام السوري في تنفيذ خطة الجامعة العربية للخروج من الأزمة في هذا البلد، وذلك بسبب استمرار القمع الدامي.
وقال رومان نادال - مساعد المتحدث باسم الخارجية الفرنسية في مؤتمر صحفي - إن «استمرار القمع يعزز شكوك المجتمع الدولي في صدق النظام السوري بتنفيذ خطة الجامعة العربية».
واضاف ان «استمرار القمع يناقض - تماما - الالتزامات التي طالبت الجامعة العربية النظام السوري» بان يفي بها.
وحذّرت الولايات المتحدة الخميس النظام السوري من انه اذا لم يطبق التزاماته الواردة في الخطة العربية للخروج من الازمة فان عزلته ستزداد على الساحة الدولية.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند «نحن لم نر مؤشرات على ان نظام (الرئيس السوري بشار) لديه النية باحترام التعهدات التي قطعها».
05/11/2011
فيلتمان: الأسد مستعد لتدمير سوريا ليبقى في السلطة
واشنطن- القبس
قلل مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان من أهمية ما يقوله بشار الأسد وأزلامه، بشأن مبادرة جامعة الدول العربية، وتابع «بل المهم هو ما الذي سيفعلونه».
ومع أنه رأى أن تطبيق بنود المبادرة سيكون خطوة إيجابية، إلا أنه رأى في المبادرة بحد ذاتها مؤشرا إضافيا بأن «الدول العربية سئمت من بشار وتصريحاته، وهم يدركون أن الطريق الذي اختاره سيدمر سوريا، وهم يحاولون إنقاذها».
ورأى فيلتمان في مقابلة مع قناة العربية الفضائية أنه بغض النظر عن المبادرة «من منظور الولايات المتحدة نحن كنا واضحين منذ شهر اغسطس الماضي، عندما قال الرئيس باراك أوباما إن الوقت قد حان للأسد ليتنحى عن الحكم، ويسمح للشعب السوري أن يقرر بذاته انتقالا سلميا للسلطة».
ازدياد العزلة
وأشار فيلتمان الى ازدياد عزلة النظام السوري وتصاعد الضغوط الإقليمية والدولية عليه. وأشار الى تضافر المعارضة بعد تشكيل المجلس الوطني السوري، مضيفا «لقد رأينا تصاعدا للردود الإقليمية والدولية وحتى الداخلية على وحشية الأسد وأزلامه، وهذا الرد ألا محالة من التغيير، وأنا لا أنظر الى الزمن الذي سيستغرقه التغيير، ولا أعتقد أن أحدا يمكن أن يتنبأ بذلك». وتابع «يبدو لي أن الأسد مستعد لأن يفعل أي شيء، بما في ذلك تدمير سوريا، ليبقى هو في السلطة. وهو يستطيع أن يتسبب بكثير من الضرر، وقادر على قتل مزيد من الناس، ولكنه لن يكون قادرا على إيقاف عجلة التغيير من حكم الأسد الى نظام أكثر انفتاحا وديموقراطية في سوريا».
دور المنطقة بارز
وحول ما تفعله واشنطن لإرغام الأسد على التنحي، قال فيلتمان: «نحن نتحدث مع دول كثيرة في أوروبا والعالم العربي وتركيا، وهناك مشاورات حول التهديد الذي يمثله الرئيس السوري لاستقرار المنطقة». واشار الى حدوث تطور مهم في مواقف جيران سوريا. وتابع «هناك دولة عربية تتحدث الى المعارضة، واحزاب مصرية تستقبل المعارضة، وتركيا تعمل على تسهيل عمل المعارضة. الدوحة رعت اجتماعات، وهناك دعم من اوروبا. كل هذا يأتي من إدراك المنطقة أنه كلما استمر الأسد في قتل شعبه، كلما ازدادت فرص زعزعة الاستقرار في المنطقة».
وتفادى فيلتمان تأكيد ما قالته مصادر اميركية رسمية أخيرا من ان واشنطن تعتزم فرض عقوبات اضافية ضد شخصيات سياسية واقتصادية سورية، وقال «نحن دائما نبحث عن طرق لزيادة الضغط على بشار، وعلى من يدعمه، ولن أتكهن بشأن ما سنفعله بالتحديد ومتى... في هذه اللحظة يبدو أنه من مصلحة الجميع التضييق على دائرة أزلام بشار وداعميه الذين اظهروا وحشيتهم تجاه الشعب السوري، وانكروا عليه الحقوق الاساسية... انظر الى عدد التظاهرات التي تحدث رغم وحشية القمع.. إن من يشاهدون الأحداث يجب أن يتوقفوا عن محاولة إنقاذ بشار مما ينتظره».
05/11/2011
تحليل إخباري «التشاطر» السوري سيصطدم بحائط الحسم
لم يفاجأ المراقب المتابع بإعلان وزير خارجية قطر عن قبول دمشق بالمبادرة العربية، رغم أن هذا الإعلان جاء بعد ثلاثة أيام فقط من المواقف الحادة، والمتحدية، التي صدرت عن الرئيس السوري بشار الأسد، والمسؤول القطري تباعا.
سبق الإعلان ممهدات لا تخطئها العين، بل إن أوضحها كان لافتا، وصادما نوعا ما، وهو استقبال أمير قطر لوزير خارجية سوريا وليد المعلم والوفد المرافق، حيث كان واضحا أن مثل هذا اللقاء ما كان ليحصل، لو أن المعلم حمل ردا سلبيا على المبادرة العربية.
تفسيرات عدة وراء التغير الكبير في الموقف السوري المعلن، من رافض ومهاجم للمبادرة، إلى قابل «من دون شروط». وثمة اعتقاد بأن النظام السوري لم يكن حاسما في الرفض، والأرجح أنه لن يكون جادا في القبول، من حيث العمل بموجبات المبادرة وتنفيذ بنودها.
لكن ما الذي دفع هذا النظام للرد بالإيجاب؟
إنه مزيج من الواقعية المرغمة عليها دمشق، وبراغماتية تميزها المناورة والتشاطر، ذلك أن أول ما يتضح من «القبول» أن دمشق كانت بحاجة إليها أكثر من حاجة أصحابها، أي الجامعة العربية. فلا يُخفى على أحد من المراقبين أن معظم أعضاء الجامعة جعلوا من المبادرة، بصيغتها وبنودها المتسلسلة، الفرصة الأخيرة التي سيترتب على رفضها سلوك طريق التدويل. وقد بات النظام مقيدا بضيق رقعة المناورة التي تملكها القوى الدولية التي لم تتخل عنه بعد، حيث روسيا والصين قدمتا الأقصى في الفيتو الشهير، وإيران تغير تدريجيا في خطابها «السوري» من خلال تركيزها على وجوب تحقيق الأسد الإصلاحات التي وعد بها.
وفي الداخل، يدور النظام في حلقة مفرغة لعدم قدرته على الحسم، في مدن وقرى باتت اليوم عنوانا للانتفاضة، رغم كل آلات القتل والقمع والترهيب، فما أن تنتهي حملة عسكرية وتنسحب قوات الجيش والشبيحة من منطقة، حتى يعود الوضع إلى ما كان عليه منذ سبعة أشهر.
تعلم دمشق جيدا أن إفشالها المبادرة العربية سيكون الذريعة لانتقال الخطوات الغربية في معاقبة نظامها إلى مرحلة متقدمة، لا قدرة للنظام على احتمالها. لكن إدراكها هذا يبدو أنه لا يمنعها من توظيف قبولها المبادرة كوسيلة لربح الوقت، من أجل تدارك مكامن ضعفها وتثمير ما تعتقد المجموعة الحاكمة أنه نجاحات، تحققت خلال الأشهر السبعة الماضية. وبالتالي تثبيت «الأمر الواقع» الذي ما انفكت تحاول فرضه. وقد جرى تصوير «الإخراج» القطري لصيغة القبول السوري، على أنه يبطن ضمانات نالها الأسد، تحمي موقعه ودوره المستقبلي.
ومن بين ما تبلغه دمشق لحلفائها (وتوحي به للآخرين) أنه نجاحات، يمكن التوقف عند التالي:
-لا تزال يد النظام ممسكة بقوة عسكرية متماسكة، تنقض بلا هوادة على المنتفضين. والانشقاقات داخل الجيش محدودة جدا، ولا تكاد تمتلك تأثيرا في بنية هذا الجيش.
-إخفاق المعارضات في فرض نفسها كقوة قادرة على توجيه الأمور، بما يجعل الدول الخصم للنظام تحتضنها، وتنسق معها خطوات حاسمة باتجاه إسقاط النظام. كما أن لدى دمشق قناعة بأن المعارضة لا تملك مواقف منسقة من المبادرة العربية، وبالتالي فقبولها يزيد الشرخ بينها، وخصوصا أن بين المعارضين فريقا يجد في المبادرة ما يتوافق مع طرحه بأن يكون الشعار الرئيسي للحراك المعارض، الإصلاح الجذري المبني على الحوار، وكف يد الأجهزة الأمنية عن اعتراض حياة السوريين.
إذا كان في القبول «مناورة»، فالواقع أنه لا جديد في مناورات النظام السوري، إلا في كونها لن تنفعه كثيرا هذه المرة. واقع الأمر أن الحسم سيطل برأسه في الوقت المناسب، و«التشاطر» الذي يميز تحرك النظام - رفضا وقبولا - لن ينفعه إلا في تأخير هذا الوقت. والسبب بسيط، وهو أن مفهوم نظام الأسد للإصلاح لا يتوافق مع الحد الأدنى المطلوب، فضلا عن أن هذا النظام على عداء مستحكم مع الصيغة العصرية للحكم المدني، ففي كلاهما، الإصلاح الجذري والحكم المدني نهايته... والانتحار ليس من سماته.
حسن شامي
05/11/2011
سوريا: التعبير عن الرأي "عمل فدائي"
طفل يشارك في تظاهرة نظمها سوريون مقيمون في القاهرة أمام مقر الجامعة العربية (رويترز)
دمشق- خالد تقي الدين
كل ما يلي، ويرد في هذا التحقيق، قالوه هم: أحمد، سارة، وجهاد. الأول في الرابعة والعشرين من عمره، تخرج في كلية الهندسة المدنية، ويعمل في متجر والده بالقرب من دمشق. سارة تحتفل قريباً بعيد ميلادها الثاني والعشرين، تدرس في بيروت. وجهاد طالب فنون جميلة يتخرج العام المقبل. أسماء الثلاثة وهمية.
أحمد: الجريء والمجنون والفدائي
يرفع قميصه عن خصره ويدل على آثار حرق يمتد من أسفل ظهره حتى نصفه تقريباً، ويشرح: «هذا كان في اليوم الثاني للاعتقال. لولا التذكار الذي حفره عنصر الأمن بقضيب الحديد بعد تسخينه، لما تذكرت ربما التاريخ، فأقوى ما في الاستخبارات السورية أنهم (ينسوك) كل يوم سوء اليوم الذي قبله، مؤكدين أن هناك ما هو أقسى، وأن كل ما نعانيه لا يقارن مع ما يمكن أن نعانيه، لو شاؤوا ذلك. سبق لقريبي أن اعتقل تسع سنوات. فوجئت به حين خرج، كان مختلفا تماماً عن ذاك الشخص الذي أخبرتني عنه العائلة بأنه شجاع وواسع الاطلاع وجريء في قول بعض ما يفكر به».
وتابع: «سجلّها هذه: الجريء هنا هو من يقول بعض ما يفكر فيه، مجنون أو فدائي من يقول كل ما يفكر فيه. في السجن فهمت قريبي، تفهمته، في اليوم الأول ربطوا ذراعي إلى الخلف، وربطوا رأسي بقدمي، ركلوني وشتموني وبصقوا عليّ، اعتقدت أن ذلك أسوأ ما قد يحصل لي، في اليوم التالي، أتى الأسوأ مع قضيب النار، في اليوم الذي تلاه كان فرك الجرح بالملح أسوأ من الأسوأ، وصدقني لا شيء أسوأ من إطلاق سراحك في النهاية، بدل قتلك، ان يصبح جسدك المحروق ونفسيتك المهزومة حصناً للنظام، يعتقدون أنهم عبر انكساري، عبر آلاف المعتقلين الذين خرجوا من السجون منكسرين، يضمنون أمنهم واستقرارهم، نحن الدرس لكل من يفكر بأن يكون... جريئاً».
«صدقني لا أعرف ما الذي دفعني إلى الانضمام لتلك التظاهرة، والدي يربح من تجارته كثيرا بفعل تسهيلات يقدمها النظام، وشهادتي تمكنني من اقتناص وظيفة محترمة في سوريا والخارج، كنا نحو ثلاثين شاباً، أعرف بعضهم، تربينا في الحي نفسه والبناية نفسها. كانوا يرددون الشعارات المعروفة، تضيع بين خطواتهم الجرأة والتردد، سمعت أصوات الفرق العسكرية، الصوت وحده يخيف، وبدأ طلق الرصاص في الهواء، لا أعرف ماذا حصل، وضعت هاتفي الخليوي أمام والدي وقلت له إني سأعود بعد قليل، لا أعلم ماذا أوصاني، شدتني الأصوات التي تخيف إلى المواجهة، خرجت إلى الطريق مردداً أنا معكم، تقابلنا وعناصر الأمن وجهاً لوجه، صدقني وجوههم طيبة، لا! ليس في عيونهم حقد أو كراهية، ولا في أياديهم تشبيح، بدأ عمال المحافظة يرشقوننا بالحجارة وانهالوا على بعضنا بالعصي والمكانس، واقترب الرصاص الحي، نزولاً، من رؤوسنا، غبت عن الوعي واستيقظت لاحقاً في أولى محطات الاعتقال: باص الأمن». «بعد أربعة أيام من التعذيب، سألني المحقق لأول مرة عن سبب مشاركتي بالتظاهرة، أجبته الخوف، عائلتي تعتبرني مجنونا، لأنني أهدد مصالحها. الأكيد أنني تعلمت درساً وحيدا: لن أكون درساً للآخرين، سأكون درساً للنظام».
سارة: العبارة مقابل الصفعة
«حين اجتزنا المصنع، حاجز التفتيش في المصنع، رفع السائق صوت المذياع: السيدة فيروز تغني النبي. هي الطبيعة نفسها من دون شك، لكني أشعر بشيء آخر حين أتنشق هواء سوريا، أرجعت رأسي إلى الخلف وحلمت عدة دقائق، انتهت مع توقف السائق قبالة الأمن العام السوري، أعطيته الأوراق كالعادة، لم انتبه إلى تأخره أكثر من المعتاد، خرج بعدها برفقة أربعة عناصر وطلبوا مني مرافقتهم إلى الداخل، أتذكر الوجوه المحيطة بالحادثة أكثر مما أتذكر وجوه العناصر أنفسهم، أتذكر العيون التي حدقت بي أخطف من أمامها أكثر مما أتذكر أسئلة المسؤول هناك، حاولت الالتفاف، بالتأكيد أنهم مخطئون بالشخص، وأن لا علاقة لي بالعصابات لا في بيروت ولا في الشام، اعتقدت أني أذكى منهم جميعاً، إلى أن طلب أن أفتح أمامه فيسبوكي الخاص، لا أملك فيسبوك، قلتها أول مرة بثقة، ثاني مرة بألم لأن شعري الذي كان يطير قبل دقائق صار بين أصابعه، وثالث مرة مع بكاء عسى ان تبرد الدموع الكف الذي علّم على خدي، لا أعرف ما الذي انتابني، قمت إلى الحاسوب وفتحت فيسبوكي، وأشرت له إلى كل ما كتبته عنهم، كنت أردد العبارات بصوت عال كأني أنا الآن أصفعه، وكلما مد يده عليّ، رددت له الكف بمثله، ملأ صوتي من دون شك المركز كله. يركلني فأركله رغم الفرق بين ركلتينا، يضربني فأضربه، يشتمني فأشتمه».
«بعد بضعة أيام في التحقيق، اكتشفت أنهم فتشوا كل الكتب التي في حقائبي، وأنزلوا عبر برنامج خاص كل المعلومات التي في كمبيوتري المحمول. دققوا في كل الصور، ترجموا بعض الملفات، أكثر ما يثير الضحك أنهم بالفعل يبحثون عن دليل يثبت ارتهاننا للخارج أو اندساسنا في مجتمعنا، وكأن ممارساتهم لا تكفينا لنثور، يريدون شجرتي العائلة والأصدقاء، في لبنان وسوريا. بقيت تسعة أيام أبصق على اليد التي تمرر لي صحن الطعام المقرب. أنا أستفزهم أم هم الذي يستفزونني؟ صدقني لا أعرف، أعرف أني كنت أريدهم أن يضربونني أكثر، لكنهم كانوا في كل مرة يتراجعون. بعد 23 يوما، أخبروني أن أحضر نفسي للمغادرة (التزاماً من السيد الرئيس بتنفيذ الإصلاحات التي يعلن عنها). طلبت مقابلة المحقق الأول، دخلت دقيقتين فقط، نظرت في عينيه قائلة: أخرج أقوى بكثير مما دخلت، كل ما شاهدتني أفعله، فعلته وأنا منهزمة. تخيل أني أخرج الآن من عندك منتصرة».
جهاد: حياة كما أريدها أنا
«حين ألتقيته أول مرة كنا في محترف صديق قامشلي، يتنقل منذ عدة عقود بين دمشق وباريس، كان يرجوه أن يرسم لوحة تخدم منطق الثورة، بعد بضعة مرات، ألتقيت به ليخبرني عن نشاطه وبعض الأصدقاء في الرسم على الجدران وكتابة شعارات تخدم الثورة. آخر مرة، كان في سرير منزله مقيدا بالجفصين بعد أن كسره عناصر الأمن. أنا لا يعنيني لا بشار الأسد ولا برهان غليون، لا مجلس الشعب ولا مجلس الأمن. السلطة تخشاني أنا، تخشى قراري أنا أكثر بكثير مما تخشى موقف بان كي مون، وقرارات الأمم المتحدة، أو جامعة الدول العربية. هي لا تجيب على اتصالات بان كي مون، لكن ثق لو اتصلت أنا بالرئيس لأجابني فوراً، لو قبلت أنا بالجلوس على طاولة الحوار لهرع إليّ فوراً، بدل المماطلة كما يفعل بالوزراء العرب، أنا البطل هنا، وأنا لا يعنيني شيء مما يتردد في الإعلام، ولا يمثلني أحد ممن نسمع بأسمائهم ولا نرى أفعالهم، وأنا، ثق، سجل: أنا المكسر لن أتراجع، هم لا يريدون قتلى إضافيين، ولذلك رموني في الخارج قبالة المنزل، هم لا يريدون أمواتا إضافيين، ونحن نريد الموت، قل لأهالي المؤتمرات الصحفية والحوارية الا يعذبوا أنفسهم، سيضحك العالم عليهم حين يجد الجد، ليس للشارع أوصياء، هذا شارع حر، لا حل وسط: حياة كما أريدها أنا أو الموت.
أي حياة أعني؟ أود أن أستيقظ صباحاً أقرأ صحيفة خاصة بحزب التتر، ثم أخرج إلى الحديقة العامة لأرسم ما أشاء، ما أشاء أنا وليس ما يشاء مسؤول الفرع في الحديقة، وسيجتمع حولي وأنا أرسم مجموعة من الناس يبدون ملاحظاتهم وآراءهم من دون أن نتهم بالتحضير لانقلاب، ثم أصعد مع صديقتي في سيارة عليها صورتي بدل صورهم، فنذهب لننتخب رئيس بلدية ومختاراً لا ينتميان إلى حزب البعث ومشتقاته، ثم أشتري أسطوانة لا يذهب ثلثها لأغاني الرئيس، وأعود إلى منزلي فأضع القناة التلفزيونية التي أريد من دون أن أخشى عيون الجيران وآذان الجدران التي لا يعجبها غير التلفزيون السوري وقناة الدنيا، حياة فيها الأمان والخبز والطبابة والمياه والكهرباء.. حق طبيعي».
05/11/2011
في تكلفة الثورات العربية ومداخل الإصلاح
محتجات تونسيات يطالبن بحقوقهن (ا ف ب)
د. باقر النجار*
يسود اعتقاد عند البعض، وفي غمار ما سمي بالربيع العربي، من أن موجة الثورات التي انطلقت في بعض دولنا العربية لهي قادرة على أن تأتي بالديموقراطية بين ليلة وضحاها. فالثورات قد تكون في بعضها قادرة على إسقاط نظام سياسي ما، إلا أنها قد تعجز عن أن تأتي بأحلامها في إقامة النظام الديموقراطي الجديد على أرض الواقع.
الثورة إن لم تنه صراع الأخوة الجدد، فإنها لن تكون قادرة على أن تحدث التغيير المطلوب، وهي في هذا قد تدخل في حالة انتقالية يشوبها قدر كبير أو صغير من الفوضى، وتحتاج إلى قدر أكبر من إعادة التأهيل والبناء حتى تستطيع أن تستعيد قدرا مهما من عافيتها، وتحقيق عمل مدروس وممنهج في الإصلاح السياسي والتحول الديموقراطي.
أبعاد تختلف وفق البلد
وكما للثورة أنصارها، فإن لها كذلك معارضيها. وهذا أمر طبيعي في كل الموجات الثورية التي جاءت على العالم. فللمطالبين بالثورة مصالح، وكذلك لمعارضيها مصالحهم. وحتى لا نوصم باليوتوبية، نقول إن التغيير الثوري، لا يجلب التغيير بالسهولة التي قد يتصورها البعض. فهي في ذلك قد تحدث تغييرا، إلا انه ليس كل التغيير المنشود، ومسيرة التغيير رغم حتميتها، قد تتعطل أو تنحرف. وفاتورة الثورات دائما تكون باهضة، وتعجز المجتمعات عن التعافي من مصاحباتها سريعا، وهي نتاج طبيعي لكل تلكؤ في التغيير التدريجي المُمنهج، الذي قد لا تعي الطبقة السياسية أهمية الولوج فيه كهدف استراتيجي، وليس غاية مؤقتة.
أي تغيير يحمل معه تكلفة بشرية واجتماعية واقتصادية وسياسية قد لا يمكن خفضها سريعا. وأعتقد أن ما ستأتي به موجة الثورات من مصاحبات اجتماعية واقتصادية وسياسية ولربما بيئية، تحتاج إلى معالجات جادة تتجاوز طرحها الإعلامي. فموجة «الثورات العربية» قد أطاحت بأنظمة في تونس ومصر وليبيا، وتلكأت في حالتي اليمن وسوريا، ووقفت في الأردن والمغرب عند حدود الإصلاح، وعجزت عن أن تحدث اختراقات في أقاليم أخرى من المنطقة العربية كالجزائر والعراق وغيرها. وهي في كل هذه الأقاليم قد وحدت المنطقة العربية في ظواهر ومشكلات أخذت أبعادا سياسية واجتماعية واقتصادية وبيئية، نحددها في التالي:
أولا: التكلفة الاقتصادية
تعرضت اقتصادات الدول التي مرت بها موجة الثورات لأضرار كبيرة، شملت دولا أخرى لم تأت عليها كثيرا «موجة الثورات». كما باتت تعاني هذه الدول ارتفاعا كبيرا في معدلات التضخم، وتراجعا في حجم تحويلات عمالتها المهاجرة، بفعل هجرتها القسرية المعاكسة التي جاءت نتيجة لسبب الثورة الليبية كما هو في الحالة المصرية والتونسية والسودان، أو بفعل تقلص حجم الاستثمار في دول الاستقبال العربية الأخرى. ففي اليمن على سبيل المثال هناك أكثر من 60 % يعيشون تحت خط الفقر، ونسبة البطالة تجاوزت 30 %، وتراجع القطاع العقاري فيها بنحو 80 % فيما شلت السياحة بالكامل، وتوقفت المؤسسات الحكومية عن القيام بوظائفها، بفعل التظاهرات اليومية والإضرابات والانقطاع عن العمل (المستقبل 8/9/2011).
وفي ليبيا بلغت تكلفة الثورة خلال الأشهر الثمانية الماضية أكثر من 20 ألف قتيل، ولربما مئات الآلاف من الجرحى، وبتكلفة اقتصادية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. وهي تكلفة لا يمكن تجاوزها بضخ للمال هنا أو هناك، ولربما تحتاج الكثير من هذه المؤسسات قدرا من إعادة التأهيل المؤسساتي قبل أن يكون الإنتاجي.
ثانيا: التكلفة الاجتماعية
رغم أن الثورات العربية قد طالبت برحيل بعض الأنظمة العربية، إلا أن دعواتها للتغيير وبفعل عوامل صراع القوة في هذه المجتمعات، قد فجرت نزعات عصبوية وصراعات أخذت منحا طائفيا، قادت إلى انشقاقات مذهبية خطيرة في النسيج الاجتماعي لثلاث من الدول العربية، وهي مصر وسوريا والبحرين. كما أن موجة الحركات الاحتجاجية العربية أعادت من جديدة أحياء التوظيف السياسي للانتماءات القبلية في الصراع السياسي، وهي التي بدت واضحة في حالتي ليبيا واليمن.
وهي صراعات، وإن كانت ذات معطى سياسي، إلا أن عدم تجاوز أسبابها قد تقود إلى مصاحبات اجتماعية وسياسية كبيرة ومدمرة على المدى المتوسط والبعيد على الفرد كما هو المجتمع. فكل تجارب العالم في النهوض الاقتصادي والتحديث السياسي تقول إنها عملية لا يمكن أن تتم إلا بقدر مهم من الوحدة الداخلية: وحدة في الأهداف والسياقات القيمية الحافظة للنسيج الاجتماعي، وفي وسائل حل الخلافات.
بمعنى آخر، إن ما حدث ويحدث في المنطقة العربية، رغم بعض الخصوصية التي يقول بها البعض، إلا أن تجارب دول مثل بلجيكا وبولندا وأيرلندا والهند، والتي مرت بتجربة الصراع الأثني أو الطائفي، تقدم دروسا مهمة في تجاوز المشكل ومنع تطور تداعياته.
ثالثا: التكلفة السياسية
أعتقد أن ما جاء على المنطقة العربية من موجة ثورات التغيير لا يتطلب فقط دراسة ومعالجة مصاحباتها على هذه المجتمعات والعمل على إعادة تأهيل هذه المجتمعات لمرحلة ما بعد التغيير، وإنما قد كشفت هذه الموجة عن سمات وظواهر تخص الدولة العربية، كما هي بانت عن فشل المجتمعات العربية في بناء الدولة الحديثة، وفي تطوير شرعياتها. فالصراعات التي تشهدها المنطقة العربية والتي باتت تأخذ أشكالا لنزعات وعصبويات ما قبل مجتمع الدولة، ذو علاقة بطبيعة الدولة وإخفاقات تطورها، كإطار جامع لكل تشكيلات المجتمع. ونعتقد أن جزءا كبيرا مما جاء على المنطقة إن هو إلا نتاج لفشل عملية التأسيس لسياسات اجتماعية متكاملة، تؤسس لحالة اجتماعية وسياسية واقتصادية جديدة في المنطقة العربية. ودراسة خبرة بعض دول العالم في التحول والإصلاح السياسي كأوروبا الشرقية واندونيسيا وكوريا الجنوبية ودول أميركا الجنوبية التي عاشت في مرحلة سابقة قدرا من الفوضى، إلا أنها استطاعت ضبطها والعبور نحو الديموقراطية بآليات ومداخل تحتاج المنطقة العربية للتعرف عليها من حيث تجاربها وآليات العبور فيها ومشكلاتها، وتحولات أجهزة الدولة فيها نحو نمط جديد من الشراكة السياسية. وهي شراكة لا تأتي بين ليلة وضحاها، وإنما يحتاج المجتمع بأفراده وتنظيماته لقدر من إعادة التأهيل السياسي والاجتماعي والثقافي.
خلاصة القول إن تجارب التحولات نحو الديموقراطية في دول جنوب شرق آسيا وشرق أوروبا وأميركا اللاتينية، مهمة للمنطقة العربية ليس في جانبها السياسي وحسب، وإنما في قدرتها على تبني مداخل اجتماعية مهمة في الإنصاف والمصالحة.
المنطقة تعيش التغيير الجذري.. إنها ثورة بكل المعاني
من تظاهرات ثورة 25 يناير في ميدان التحرير بالقاهرة (رويترز)
كريم مروة *
كثرت الكتابات والأحاديث حول الثورات العربية. وكثرت التحليلات والتوصيفات والتسميات للحدث الكبير. ومع أن ثمة إجماعاً على أن هذا الحدث، هو حدث تاريخي غير مسبوق في شكله ومضمونه وفي استمراريته تحت شعار الحرية، فإن البعض ينأى عن إعطائه صفة الثورة. وهو أمر يدعو إلى الغرابة. وأعلن بوضوح وبجزم اختلافي مع هؤلاء، وأؤكد أن ما نشهده هو ثورة بكل المعاني.
في رأيي، فإن المعنى الدقيق الذي تشير إليه كلمة ثورة هو أنها تدعو إلى إحداث التغيير في اتجاه الأفضل والأرقى. وهذا بالتحديد ما تدعو إليه وتناضل من أجله ثوراتنا المعاصرة تحت شعار الحرية والخبز والكرامة والحق في الحياة باسم المواطنة والحق في العيش الكريم باسم العدالة الاجتماعية. وهي الشعارات التي يكاد يصل بعضها إلى التحقق ويذهب بعض آخر منها في طريقه إلى التحقق. ألا يعني هذا الاستمرار في الحراك تحت هذه الشعارات والشجاعة والإقدام والثبات والتضحيات التي يقدمها الشباب أننا أمام ثورة حقيقية؟! وفي الحقيقة، فإن جميع هذه الصفات والسمات التي يحملها هذا الحراك الشعبي بشعاراته الأساسية التي تتمحور حول الحرية إنما تشير إلى وعي يزداد عمقاً ورسوخاً في اتجاه تحرير بلداننا من أنظمة الاستبداد بصيغها المختلفة التي عاشت في بلداننا عقوداً وعاثت فساداً وإفساداً وأفقرت شعوبنا وأحدثت تخلفاً في بلداننا وأخرجتها بالقسر من التاريخ المعاصر للعالم. وهمّشت السياسة وأفرغتها من وظيفتها الثقافية والمعرفية ومن ارتباطها بالأخلاق، وحوّلتها إلى ميدان للنفاق والخداع. وغطت بديماغوجيتها الخرقاء هزائمها أمام العدو الإسرائيلي تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». وحوّلت الجيوش إلى أدوات قمع لحماية أنظمتها.
الخصوصيات والمشترك
من بديهيات الأمور، ونحن نتحدث عن الثورات، أن تكون لكل بلد وثورة فيه خصوصياتها. غير أن ثمة مشتركاً أكيداً بين ثوراتنا العربية المعاصرة. وهو مشترك لا يفقدها خصوصياتها. يعبّر عن هذا المشترك، لكون جميع هذه الثورات ترمي إلى تغيير الواقع المأساوي الذي تعاني منه شعوبنا في ظل الأنظمة الاستبدادية، وإلى تهيئة الشروط للانتقال من هذا الواقع إلى واقع أفضل منه من خلال إسقاط أنظمة الاستبداد. وثمة مشترك آخر لثوراتنا العربية يتمثل في أنها تعبّر عن المصالح الحقيقية التي توحد بين البلدان والشعوب العربية، وتؤسس لوحدة حقيقية مختلفة جوهرياً عما ساد من أفكار، كان بعضها ضبابياً رومانسياً، وكان بعضها الآخر نقيضاً لفكرة الوحدة ومشوّهاً لجوهرها. والوحدة التي تشير إليها موضوعياً هذه الثورات ستتحقق ذات يوم. وستقوم عندما تتوافر شروط قيامها على احترام خصوصية كل بلد وشعب، وعلى الديموقراطية والتعددية، وعلى الذهاب معاً في اتجاه مستقبل أفضل يحقق للإنسان الفرد والجماعة الحرية والعيش الكريم في ظل نظام ديموقراطي حقيقي ودولة مدنية، دولة حق وقانون ومواطنة وحقوق إنسان ورعاية وعدالة اجتماعية.
عفوية.. ووعي شعبي
وإذ نتحدث اليوم عن هذه الثورات في بلداننا فلا بد لنا من أن نرى أنها حين انطلقت في تونس، ثم في مصر وبلدان عربية الأخرى، إنما كانت العفوية طابعها الطاغي. وهي عفوية ترافقت مع وعي ظاهر وآخر باطني. وما ان سلكت طريقها وكوّنت جمهورها حتى بدأ الوعي الحقيقي يحتل مكان العفوية لدى أقسام واسعة من جمهورها. والعفوية كانت في جوهرها رد فعل غريزي على قهر دام عقوداً، في ظل استبداد استخدم سادته كل ما في ترسانة الاستبداد من عمل لتدمير حياة البشر، وتحويلهم إلى أدوات فاقدة للوعي والإرادة ومستسلمة لواقعها المرير. وكانت تلك الهبة الشعبية تعبّر في بداياتها - في شكل بسيط ومباشر - عن المشاعر التي طغت على وجدان هؤلاء الناس، المشاعر التي كانوا يعبّرون فيها عن ذواتهم بأنهم أناس لهم حقوق وأن الأساسي في حقوقهم هو حقهم في الحرية والكرامة وفي الخبز وحقهم في العيش الكريم، وأن قاهرهم وسالبهم حقوقهم هو نظام الاستبداد الذي أشهروا في وجهه شعارهم البالغ الدلالة: «الشعب يريد إسقاط النظام».
بيد أن انفجار هذه الثورات في هذا الوقت بالذات وفي هذه المرحلة بالذات من تاريخ بلداننا ومن تاريخ العالم المعاصر، لم يأت من فراغ، لم يأت من زمن صفر. بل هو جاء استكمالاً لتاريخ سابق قديم وحديث من النضالات والانتفاضات والتضحيات على امتداد عقود طويلة سابقة على قيام أنظمة الاستبداد ومترافقة ومتلازمة معها. وهي حركات قمعتها أنظمة الاستبداد بوحشية، وعطلت استمراريتها عناصر الخلل في داخل مكوناتها السياسية المتعددة اتجاهاتها وصيغها والمتعددة أشكالها وأدوات نضالها.
أول الطريق
انطلاقاً مما ارتبط بثوراتنا المعاصرة في أشكالها وصيغها المختلفة، أرى أننا مدعوون لأن نقرأ بعناية وبمسؤولية وبمعرفة حقيقية، وبواقعية ومن دون أوهام ومن دون أفكار مسبقة، إلى أين تتجه؟ وإلى أي مستقبل تقود العالم العربي؟ وأول ما يتبادر إلى الذهن في قراءتنا للمستقبل هو الموضوع المتعلق بالبرنامج الذي يفترض أن تتحدد فيه مهمات للمراحل اللاحقة في النضال، مرحلة إثر مرحلة، تحقيقاً لما قامت هذه الثورات من أجله. وفي اعتقادي، فإن هذه الثورات قد بدأت تشق طريقها إلى مستقبل جديد للعالم العربي. وأول هذا الطريق إلى المستقبل وأول بند من بنود هذا البرنامج المفترض لهذه الثورات يتمثل في الإصرار على اعتبار أن النظام القديم قد بدأ يصبح جزءاً من الماضي، بمعنى أن أنظمة الاستبداد قد بدأت تخلي قسراً، وبفعل هذه الثورات، المكان الذي كانت تحتله لمصلحة المستقبل الآتي.
المخاطر الماثلة
القطع الجازم بأن أنظمة الاستبداد قد بدأت تصبح من الماضي لا يقلل من شأن الطابع الهمجي عند بعض سادة هذه الأنظمة في مقاومة حركة التاريخ، ولا يقلل من شأن ما تقوم به بعض فلول النظام الذي سقطت رموزه من أجل العودة في صيغ جديدة لعرقلة مسيرة الثورة في اتجاهها نحو بناء النظام الجديد. وإذ أشير إلى الخطورة المتمثلة في الوحشية التي تقاوم بها أنظمة الاستبداد التغيير الذي تدعو إليه الثورات، فإنني أود أن أركّز على ما ينتجه هذا العنف من عنف مضاد. فالدم يستسقي الدم، والعنف والدم والدمار إنما تولد الحقد، وتهيئ الشروط لراديكالية شعبويية تطغى فيها المشاعر على حساب العقلانية والواقعية اللتين يشكل تلازمهما الشرط الضروري لجعل الصراع بين الماضي والمستقبل يصب في مصلحة المستقبل المنشود.
دروس الماضي
لكن المستقبل المنشود، إذ يأتي بفعل هذه الثورات، يحمل معه بعضاً من الماضي الذي يمضي، وبمقدار ما يرتقي الوعي عند القوى صاحبة المصلحة الأساس في بناء هذا المستقبل الجديد، وبمقدار ما يكبر جمهورها الواعي، ستكون قادرة، وسط هذا التنوع والتعدد في قوى الثورة، على تحديد طبيعة هذا المستقبل الآتي، وطبيعة وحجم الإنجازات ذات الصلة بأهداف الثورات التي يمكن تحقيقها. وستكون قادرة في الوقت عينه على التخفيف من الأخطار التي يمثلها وجود بقايا النظام القديم في النظام الجديد. من الصعب، ونحن نرى هذه الثورات جامحة في نضالها الشجاع لإحداث التغيير، أن نتنبأ بالمستقبل الآتي، ذلك أن صنع هذا المستقبل سيتطلب توافر الشروط التي تجعله قابلاً للتحقق وفق ما يبتغيه الثوار ويحلمون به ويطمحون إليه. ومصدر الصعوبة هو أن الثوار، بتعدد وتنوع قواهم، ليسوا وحدهم الذين سيصنعون ذلك المستقبل. إن لهم شركاء من كل الأنواع ومن كل الاتجاهات. ومن بين هؤلاء الشركاء من يمثلون بصيغ مختلفة بعض الماضي الذي انتفض الثوار عليه، يضاف إلى ذلك أن ثمة قوى التحقت بالثورة بعد قيامها وصارت جزءاً منها ومن قيادتها.
المهمة الأساس
إن الأساسي من المهمات الموضوعة على جدول أعمال الحركة الثورية يبقى، مهما تنوعت وتعددت مكونات القوى المشاركة في الثورات أو المدعية ذلك، هو تحقيق الحرية التي لا تتحقق إلا بسقوط رموز النظام القديم في موقع الهرم وفي مواقع أساسية أخرى في السلطة. وحين أتحدث عن التعدد في قوى الثورة، فإنما أشير إلى اتجاهات وتيارات سياسية ذات مرجعيات فكرية وعقائدية مختلفة، من ديموقراطيين وعلمانيين ويساريين وليبراليين وإسلاميين، وهذا التعدد نفسه يلقي بثقله على الثورة وعلى تطورها وعلى اتجاهات هذا التطور، لاسيما ما يتعلق بطبيعة النظام الجديد الذي يجري العمل لبنائه على أنقاض النظام القديم، وما يتعلق بطبيعة الدولة التي تعبّر عن طموحات الأكثرية الساحقة من جيش الثورة، ومن الجمهور الكبير الآخر، الذي لم يشترك فيها، والذي تعبّر الثورة ذاتها عن طموحاته وأحلامه. وإذ يعتبر شباب الثورة أنهم هم أصحابها ومفجروها وأنهم هم الذين بنضالاتهم السابقة من هيأ لها، وهم على حق في ذلك، فإنهم لا يملكون التجربة الكافية ولا هم منظمون في حركات تؤهلهم لأن يلعبوا الدور الذي يعتبرون بحق أنه هو دورهم الأساسي في التغيير، ولكنني أزعم أن الوعي الذي بدأ يرتقي في صفوف هؤلاء الشباب والكفاحية المقترنة بالشجاعة وبالاستعداد النادر المثال لتقديم التضحيات سيؤهلانهم بالتدريج لأن يلعبوا هذا الدور، إن لم يكن في المستقبل القريب ففي مستقبل مقبل.
الحذر الواجب
غير أنه سيكون من الخطأ عدم الحذر إزاء ما تمثله بعض الحركات الأصولية التكفيرية التي تطل بوجهها، وببعض أشكال نشاطها التخريبي، هنا وهناك وهنالك. وخطورة هذه القوى تكمن في اتجاهين: يتمثل الأول في أنها تحاول استغلال حالة الفقر والبؤس والتهميش عند كثرة كبيرة من المواطنين، لتعمق عندهم الخوف والحذر من القوى التي تنادي بالتغيير الديموقراطي تحت شعار مدنية النظام وعلمانيته.
الاتجاه الثاني، يتمثل في ما يخلفه التطرف عند هذه القوى السلفية التكفيرية، باسم الخرافات التي تلصق بالدين ضد قيمه، من تأثير سلبي في الصراع داخل التيارات الإسلامية، بين قوى تريد التجديد وتشكل جزءاً من الثورة وقوى تريد البقاء في القديم من دون تغيير.
إلا أن التحذير من هذا النوع من الحركات السلفية لا يصل إلى الحدود التي تجعلنا نرى فيها خطراً على الثورة، كما يشير إلى ذلك بعض الثوار. بل إن على شباب الثورة أن يكونوا حذرين إزاء ما يروج له أركان الأنظمة المنهارة، وأركان الأنظمة المرشحة للانهيار، من أن هذه الحركات التي تعطى صفة الإرهاب ستشكل البديل من أنظمتهم، في حال نجاح الثورات في إسقاط تلك الأنظمة.
التنظيمات الإسلامية
يتحدث البعض في هذا السياق من التذكير بتنوع وتعدد مكونات قوى الثورة عن خطر آخر يواجه الثورات، يتمثل بالتنظيمات الإسلامية المعروفة التي أعلنت انتماءها إلى الثورات بعد قيامها: الإخوان المسلمون في مصر وسوريا وحركة النهضة في تونس وسواها من التنظيمات الإسلامية. إذ يعتبر هذا البعض أن تلك التنظيمات هي سلفية، وأن انضمامها إلى الثورات يشكل مصدر خطر يهدد ويشوه الهدف الذي عبّرت عنه شعارات الثورات، ويحرفها عن اتجاهها الأصلي في ما يشبه الثورة المضادة...وفق معرفتي بما يجري من تحولات داخل هذه التنظيمات بفعل تجاربها وبفعل ما يجري من حولها، أتحفظ، من دون جزم، على ما يرمي إليه هذا البعض في مخاوفهم المشار إليها لثلاثة أسباب. السبب الأول هو أن الثورات قد أصبحت، بفعل ما حققته وتحققه، أقوى من أن تستوعبها أي تنظيمات مهما كبرت وأن تحرّفها عن مسارها.
السبب الثاني هو أنني أرى أن تغييرات مهمة بدأت تحصل في التنظيمات الإسلامية المشار إليها في الاتجاه الذي يقودها إلى الانخراط في التحولات الجارية في بلداننا وفي العالم المعاصر. وهي تحولات تفرضها على هذه المنظمات وقائع العصر وتحولاته. وقد أتيح لي أن ألتقي وأناقش مع قائدين كبيرين لتنظيمين إسلاميين في مصر وفي تونس، وأن أستمع إلى أحاديث وأن أقرأ مواقف لعدد من قادة هذه التنظيمات، استنتجت منها ما أشرت إليه من هذه التحولات في المواقف. وسيكون من المهم - كما أرى من بعيد - أن تتعامل القوى التي تعتبر نفسها صانعة الثورة ومطلقة شعاراتها وأهدافها بإيجابية، وبحذر إذا أرادت، ولكن من دون أفكار مسبقة، مع التحولات التي تشهدها هذه المنظمات. وذلك من أجل تعظيم قوى الثورة في نضالها لتحقيق المهمات المطلوب تحقيقها باسم التغيير الديموقراطي.
السبب الثالث هو تنبّه قوى الثورة، أو بعضها ممن أشرت إليهم، إلى عدم الوقوع في شرك سادة النظام القديم الذين يبررون قمعهم للثورة بحجة أن سقوط نظامهم سيكون لمصلحة التنظيمات الإسلامية المشار إليها.
الأقليات و«الخارج»
ويتحدث البعض داخل تجمع القوى المشاركة في الثورة وبعض آخر من خارجها أو ضدها عن خطرين آخرين. الخطر الأول هو الخطر الذي يواجه الأقليات في العالم العربي. وهو في رأيي وهم خطر، تشكل المبالغة في الحديث عنه خطرا حقيقيا على الأقليات وعلى بلداننا وعلى وحدة مكوناتها، ينبغي الحذر منه والحذر من الذين يطرحونه ويبالغون فيه. وعلى الرغم من أن هذا البعض يستند إلى وقائع معينة، من نوع ما واجه ويواجه المسيحيين في مصر وفي العراق، فإن لهذه الوقائع ما وراءها ولها من هو صاحب المصلحة في إثارتها وفي تعظيمها. لذلك فإن على قوى الثورة أن تظل لصيقة بنضالها من أجل المستقبل وأن تزيل من أدبيات الثورة ما يتصل بالتخويف من الأخطار التي تواجه الأقليات، وأن تعمل لجعل هذه الأقليات صاحبة المصلحة في أن تكون جزءا من الثورات وصاحبة دور فيها وصاحبة مصلحة في إنجاز المهمات التي يناضل الثوار من أجل تحقيقها.
أما الخطر الثاني، فهو ما يتصل بدور الخارج في الثورات. وعلى الرغم من التمسك بموقفي المبدئي رفضا للتدخل الخارجي في شؤون بلداننا، فإنني أرى أن القرار في قبول أو رفض التدخل لدعم ثورة هنا وثورة هناك، من أية جهة أتى، إنما يعود لقيادات تلك الثورات وليس لأحد سواها. ولأن للتدخل محاذير كبيرة، فإن على قادة الثورات الذين يغامرون في طلب الدعم الخارجي أن يحصّ.نوا ثوراتهم، ويحصَّنوا بلدانهم في حاضرها وفي مستقبلها من مفاعيل هذا النوع من التدخل باسم الدعم لثوراتهم. وبالطبع فإن ثمة فرقا كبيرا بين هذه الأنواع من التدخل الخارجي في شؤون البلدان الأخرى، وثورات شعوبها، وبين التضامن مع الذين يتعرضون للقمع.
تقاطع المصالح
ويهمني في موضوع الدعم الذي تقدمه بعض الدول الكبرى للثورات العربية، بأشكاله وبصيغه المختلفة، أن أشير إلى أن من الضروري الحذر في كل الأحوال إزاء الأدوار الخارجية من جهاتها ومن اتجاهاتها المختلفة، سواء في دعم الثورات أو في الوقوف مع الأنظمة ضد ما يزعم سادتها وحلفاؤهم من أن سقوط الأنظمة بفعل الثورات سيقود إلى سيطرة القوى السلفية باسم الإرهاب. أدعو إلى هذا الحذر، لأن للدول الكبرى مصالحها. وهي لا تقدم دعما مجانيا لأحد.
وإذا كنت أرى أن دعم الأنظمة الاستبدادية من بعض القوى الكبرى يتطلب الشجب والاستنكار والنصح في الآن ذاته بالتخلي عن مواقفها، فإنني أرى أن ثمة في الظاهر تقاطعاً ظرفياً ومؤقتاً في المصالح بين ما تسعى إليه الثورات لإسقاط أنظمة الاستبداد واستبدالها بأنظمة ديموقراطية، وبين مصالح تسعى تلك الدول الكبرى وهي تقدم الدعم للثوار إلى أن تضمنها في الأنظمة الجديدة المقبلة، ولكن على القوى الأساسية في ثوراتنا أن تكون حذرة الآن، وفي المستقبل، إزاء هذا النوع من الدعم الخارجي لثوراتها، وأن تكون محصنة في تعاملها مع هذا التدخل من أجل ألا تطغى مصالح القوى الخارجية على مصالحها هي ومصالح ثوراتها، وأن تظل حريصة، وهي تتعامل ظرفياً مع هذه القوى بكل الوسائل، على الحفاظ على استقلال بلدانها وحماية مصالح شعوبها.
أربعة أعمدة
على الديموقراطيين في قلب هذه الثورات أن يعملوا بكل طاقاتهم من أجل الارتقاء بوعيهم، ومن أجل تعميم هذا الوعي على الجمهور الأوسع في بلدانهم، وأن يعملوا على تسديد نضالهم وترشيده لتحقيق المستقبل الأفضل لبلدانهم ولشعوبهم. وهو أمر لا يمكن التوصل إليه من دون برنامج يشارك في صياغته جميع من يعتبرون أنفسهم أجزاء مكونة من الثورات داخل كل بلد وفق شروطه الخاصة به، وهو برنامج يقوم بالضرورة على أربعة أعمدة أساسية تحترم، في النضال لتحقيقها، المرحلية والواقعية:
العمود الأول يتمثل في الإقرار من قبل الجميع بضرورة وحتمية تأسيس نظام ديموقراطي مدني تعددي يحترم التنوع بجوانبه المختلفة في كل مجتمع من مجتمعاتنا العربية. وكلمة مدني تعني تحرير هذا النظام من أي طابع عسكري وديني عليه.
العمود الثاني يتمثل في تأسيس دولة ديموقراطية حديثة، دولة حق وقانون، ومؤسسات ديموقراطية يتم الإتيان بها عن طريق الانتخاب، وفقاً لقوانين تؤمن المشاركة الحقيقية لكل فئات الشعب، ويحقق لها الانتخاب تمثيلاً صحيحاً في هذه المؤسسات.
العمود الثالث يتمثل في إلغاء جميع القوانين القديمة التي استندت إليها أنظمة الاستبداد في قمع الشعوب وفي حرمانها من حقها في الحرية وفي العيش الكريم.
العمود الرابع يتمثل في التكامل بين الدولة والمجتمع ومؤسساتهما، التكامل في كل ما يتصل بتحقيق الشروط التي تؤمن للشعب حقوقه السياسية والاجتماعية، وتؤمن الشروط للتطور الطبيعي للاقتصاد الوطني في جميع فروعه تحقيقاً للتقدم الذي بالاستناد إليه وإلى هذا التكامل بين الدولة الديموقراطية والمجتمع الديموقراطي يتم العمل والنضال الدائم لتحقيق العدالة الاجتماعية.
السؤال الكبير
لكن السؤال الكبير هو: كيف ستتم صياغة هذا البرنامج؟ وبأي شروط في ظل هذا التعدد والتنوع والاختلاف داخل القوى التي يتشكل منها مجتمع الثورة؟ هنا بالتحديد تبرز أهمية خروج قوى التغيير الديموقراطي بمدارسها ومرجعياتها المختلفة من أزماتها ومن الأخطاء الفادحة التي قادتها إلى التهميش.
فالذي سيتحكم في صياغة البرنامج هي القوى الأكثر تنظيماً والأكثر تجربة والأكثر تأثيراً. وفي مطلق الأحوال، فإن على جميع قوى الثورة بتنوعها وتعددها، وهي تعمل على صياغة البرنامج للحاضر وللمستقبل، أن تأخذ في الاعتبار أن البرنامج الحقيقي هو الذي ينطلق من الواقع ومن الإمكانية الحقيقية لتحقيقه. وهذا يعني بالضرورة أن على هذه القوى أن تعمل للحد من التطرف الذي يبرز عند بعض شباب الثورة باسم الراديكالية، الذي يتمثل في طرح مهمات غير قابلة للتحقيق. الأمر الذي يؤدي، في ما تشير إليه بعض التحركات، إلى خلق الأوهام من جهة، وإلى خلق حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار من جهة ثانية، اللذين يؤديان إلى إثارة الحذر والخوف من المستقبل عند أكثرية شعبية لم تشارك في الثورة، حتى وهي تتبنى شعاراتها وتأمل في أن تتحقق.
ظاهرة عالمية
يبقى أن من أروع ما ارتبط بالربيع العربي هو أنه بدأ يشكل ظاهرة عالمية وبدأت مفاعيله تدخل إلى بلدان العالم المختلفة. ألا تشير إلى ذلك الحركات الشعبية التي تشهدها الولايات المتحدة الأميركية في شارع وول ستريت، والتي تتصاعد بالطريقة نفسها التي ابتدعها الربيع العربي؟ ألا تشير إلى ذلك الحركات الشعبية باسم «الغاضبون» التي شهدتها ألف مدينة في شتى بلدان العالم وشهدتها إسرائيل بالذات؟
* مفكر لبناني
05/11/2011
الجيوش العربية والدمقرطة: علاقة إشكالية
من استعراضات عسكرية للجيش اللبناني في عيد الاستقلال (ا ف ب)
يزيد صايغ
لم تتكشّف بعد النتائج النهائية للتحوّلات العربية، لكن المؤكّد أنه سيعاد تعريف العلاقات المدنية ـ العسكرية والتفاوض عليها في مختلف البلدان المعنيّة.
تعاملت الجيوش العربية مع الانتفاضات الشعبية التي اندلعت العام 2011 بطرق مختلفة، لكن النتيجة كانت دائماً واحدة من اثنتين. ففي تونس ومصر، أتاح القرار الذي اتخذه القادة العسكريون الموالون للنظام بالتخلّي عن الرئيس زين الدين بن علي والرئيس مبارك حدوث انتقال سريع للسلطة، ووضع حد لحمام الدماء قبل استفحاله. أما في ليبيا واليمن وسوريا، فقد انقسم الجيش أو تنحّى جانباً أو حافظ على ولائه للنظام، ما سمح للحكّام بأن يقاتلوا من أجل البقاء في السلطة.
تأثير النظام
تأثر تعامل الجيشَين التونسي والمصري مع الثورة إلى حد كبير بالاستقلال الذاتي الواسع، الذي يتمتع به سلك الضباط داخل المؤسسة العسكرية وبتماسكه المهني؛ أما الطريقة التي تعاملت بها الجيوش الليبية واليمنية والسورية مع الثورة، فقد انطبعت بتداخل الهرمية العسكرية ـ الحكومية مع المجموعات الاجتماعية، أي العائلة أو القبيلة أو المنطقة أو المذهب.
التداعيات الفورية واضحة نسبياً، ولو أنها حادّة، إذ ستركز المساومة في ليبيا وسوريا واليمن بالضرورة على الغاية الأساسية من القوّات المسلّحة الوطنية: هل هي للدفاع عن الحدود ضد الأعداء الخارجين، أم للحفاظ على السلطة السياسية لأحزاب داخلية معيّنة؟ فخلافاً لما حصل في كل من مصر وتونس، تفكّكت الجيوش جزئياً ـ ولاسيما في ليبيا واليمن ـ نتيجة محاولة الحكّام الاحتفاظ بالسلطة عبر تأليب الجنود على مجتمعاتهم. وينذر تصاعد العنف بأن تغيير النظام في هذه الدول الثلاث سيكون أكثر راديكالية منه في تونس أو مصر؛ ذلك لأن انتقال السلطة في هذين البلدَين لم يؤدّ. إلى تفكيك كامل للدولة أو إعادة هيكلة شاملة للمنظومات السياسية والدستورية. والأهم من ذلك، أن إعادة بناء الجيوش ستعكس صراعات أوسع نطاقاً حول توزيع جديد للسلطة داخل هذه الدول المنقسمة، حيث تُعتبَر القوات المسلحة الآن ورقة رابحة يجب الإمساك بها.
مأسسة دور الجيش
يُقدّم العراق سابقة غير مشجّ.عة، فالجيش العراقي الذي أعيد بناؤه حديثاً، ليس سوى مجرّد ائتلاف من الإثنيات والألوية المذهبية، ومن غير المرجّح أن يصمد أمام اختبار حقيقي للحمته مثل السماح لوحدات ينتمي قادتها أو عناصرها إلى إثنية أو مذهب معيّن بأن تعمل أو تفرض النظام في مناطق ذات انتماء إثني أو ديني مختلف.
في مصر وتونس، المساومة أمر لا بد منه بين القيادات العسكرية وبين قيادات الأحزاب السياسية التي ستفرزها انتخابات الجمعية التأسيسية ومجلس النواب في الأشهر المقبلة.
وخلال النقاشات حول صلاحيات الجيش وعلاقاته مع السلطات المدنية، قد لا تعود «الترتيبات غير الرسمية» التي كانت قائمة في ظل النظام القديم، قابلة للاستدامة. وغالب الظن أن الجيش سيسعى إلى الحصول على مزيد من الضمانات الدستورية الرسمية لمصالحه الأساسية ـ التي تتجلّى عادة في الموازنات والرعاية الاجتماعية ـ من وجهة نظر معيّنة، يمكن اعتبار مأسسة هذا الدور خطوة تصحيحية للإقصاء الشديد (جدلياً) للجيشين التونسي والمصري عن السياسة على يد رؤسائهما السلطويين (لما يناهز الخمسين والأربعين عاماً على التوالي). فقد كان الجيش ممنوعاً من المشاركة في آليات صنع السياسات التي تشكل معياراً أساسياً في الديموقراطيات الليبرالية. ولم يحمل هذا الإبعاد في طياته تأكيدا للسلطة المدنية الحقيقية، بل عكس فقط فرض «حكم أمني» يقوم على التدخل الشامل لأجهزة الأمن الداخلي في مختلف جوانب الحياة المدنية. وبالتالي، لا يكمن الخطر في «إحياء» الحكم العسكري، بل في صعود سلطوية جديدة قائمة على تحالف بين ضباط سابقين انضموا إلى صفوف المدنيين والمحافظين ورجال أعمال مقرّبين من الحكم، مما يحول دون إجراء مزيد من الدمقرطة الأكثر عمقاً.
يعتبر مؤيدون آخرون لمنح العسكر دوراً أكبر، أنه بإمكان الجيش، «عبر حمل العصا من الوسط»، أن يحافظ على التوازن بين التيارات السياسية الناشئة والقوى الاجتماعية، ما يضمن حدوث انتقال منظم. وفي الواقع، عدد كبير ممن يعارضون في شكل عام الحكم العسكري، يأملون أيضاً في استمرار الوصاية العسكرية، على الأقل حتى تتطور الأحزاب السياسية الجديدة إلى درجة كافية للدخول في منافسة مفتوحة مع الفلول الواسعة للنظام القديم الذين أعادوا تنظيم صفوفهم تحت أقنعة مختلفة. كذلك يرى المدافعون عن دور الجيش أنه من شأن الأخير أن يشكل حصناً ضد إعادة تنظيم اجتماعية من أعلى إلى أسفل، قد تقوم بها الأحزاب الإسلامية في حال وصلت إلى السلطة عن طريق الانتخابات الوطنية.
الحالة اللبنانية
لكن، هل يستطيع الجيش أن ينسحب بسهولة من هذا الدور الموازن؟
تظهر الحالة اللبنانية المخاطر التي تترتب عن اضطلاع الجيش بمثل هذا الدور. فأولا، إذا تركنا النظام السياسي يعوّ.ل على الدور الموازن للجيش، سيحول ذلك دون إصلاح المشاكل المستترة المزمنة التي يعاني منها النظام. (الأعوام العشرين الماضية، أسندت الفئات السياسية اللبنانية رئاسة الجمهورية إلى قائد الجيش مرتين).
ثانياً، إذا تبنّى الجيش «عدم التدخّل» المتعمّد، فهذا لا يجعله أبداً بمنأى عن السياسة. فقد اعتبر الجيش اللبناني نفسه محايداً عبر رفضه تطبيق الأوامر الحكومية بوقف التظاهرات الحاشدة احتجاجاً على اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005، ثم إحجامه عن التدخل ضد السيطرة العسكرية على بيروت الغربية في مايو 2008. بيد أن عدداً كبيراً من اللبنانيين لايزال يعتبر الجيش حليفاً فئوياً لخصومه السياسيين أو المذهبيين، كما يشكّك بعض الضباط في سياسة الحياد، ويعتبرون أنها تمنح فريقاً لبنانياً الأفضلية على الفريق الآخر. لا وجود لهذه العوامل الطائفية في تونس، لكنها تواجه تحدّيات مماثلة في ما يتعلّق بدور العسكر الموازن.
قد تعاني البرلمانات الجديدة من الشلل بسبب المشاحنات بين الأحزاب التي لم تعتد سوى سياسة الربح الكلي والخسارة الكلية، أو قد تنقسم بطريقة لا عودة عنها بين العلمانيين والإسلاميين، الأمر الذي من شأنه أن يدفع الجيش إلى اللجوء إلى إرث السياسات التأميمية والتدخلات التي يألفها جيداً.
إذا تعثرت الآليات الانتقالية في هذه الظروف، فليس من المستبعد أن تسير تونس ومصر على خطى النموذج اللبناني وتتحولا نحو قادة الجيش للإنقاذ. لا يعني هذا أن الحكم سيكون عسكرياً، لكن الديموقراطية ستكون محدودة بكل تأكيد.
1500 قطعة مجوهرات في قبو الرئيس المخلوع ليلى بن علي كانت تملك ألف زوج من الأحذية الفاخرة فقط!
تونس - أ ف ب - كشف تقرير نشر في تونس عن العثور على ألف زوج من الأحذية الفاخرة وأكثر من 1500 قطعة مجوهرات في قبو قصر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي في العاصمة. وقال ناجي البكوش رجل القانون لدى تقديمه تقرير «اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد»: «أشعر بالخجل، تمت استباحة كل القيم». وأضاف: أقترح تحويل هذا القصر (سيدي بوسعيد بالضاحية الشمالية للعاصمة) إلى متحف للذاكرة الوطنية. وكشف التقرير الذي يقع في 345 صفحة الانتشار الكبير للفساد داخل العديد من المؤسسات والوزارات والبنوك والجمارك وفي صفوف الإعلاميين والمحامين وغيرهم. وقال البكوش: «تمكنا من دراسة خمسة آلاف ملف تمت إحالة 320 منها إلى النيابة العامة»، مشيراً إلى أن اللجنة تلقت 11 ألف طلب تحقيق.
الفساد في كل الميادين
وقد طال الفساد الإدارة والقضاء والملكية العقارية وأملاك الدولة والصفقات العامة والمشاريع الكبرى وعمليات التخصيص والاتصالات والضرائب والإعلام والبنوك، بالإضافة إلى انتزاع أملاك ومساومات وجرائم وممارسات مافيوية تشمل أشخاصاً آخرين.
ويشير التقرير إلى المتورطين بالحرفين الأولين من أسمائهم، ولكنه نشر ملاحق تضمنت العديد من مراسلات بن علي مع شخصيات ووسائل إعلام. ومن بين هؤلاء الهاشمي الحامدي الثري التونسي المقيم في لندن زعيم تيار «العريضة الشعبية» الذي فاز بـ 26 مقعداً في الانتخابات.
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" اليوم الخميس تحقيقاً كتبه من القاهرة مراسلها ديفيد كيركباتريك ومن واشنطن مراسلها ستيفين لي مايرز جاء فيه ان ادارة الرئيس باراك اوباما اخذت تبدي في الآونة الاخيرة نفاد صبرها ازاء المجلس العسكري الاعلى الحاكم في مصر حالياً بسبب ما يبدو من تلكؤه في نقل السلطة الى حكومة منتخبة والقبول بخضوع المؤسسة العسكرية لاشراف مدني. وفي ما يأتي نص التقرير:
"بعد شهور من المزج بين الضغط الخفيف والدعم الواسع النطاق للمجلس العسكري الحاكم، شددت إدارة اوباما لهجتها، وفقا لكبار المسؤولين في الإدارة، وعبرت عن القلق من عدم تحرك المجلس نحو نقل السلطة للمدنيين، ما قد يؤدي لتهديد مفهوم ثورة الربيع العربي.
وهذا التحول في النبرة هو جزء من عملية توازن صعبة بالنسبة لواشنطن، التي ظلت حريصة على المحافظة على روابطها العسكرية ومصالحها في المنطقة، وخصوصا دور مصر في استمرارية السلام مع اسرائيل. لكن واشنطن تأمل أيضا أن تحظى برضا المعارضة السياسية الجديدة في مصر التي تعززت قوتها، مع تجنب الظهور بمظهر المؤيد للانتقال البطيء الذي يشرف عليه الجيش نحو الديموقراطية. ومع اخذ كل الأمور في الاعتبار، فقد اقترح البعض هنا أن التغير في النبرة يمكن أن يهدف لتهدئة الرأي العام المصري
وليس الضغط على لجيش لتسليم السلطة.
وقال شادي الغزالي حرب، وهو ناشط ليبرالي بارز كان من قادة الثورة المصرية: "أعتقد أنهم يعملون من أجل مصالحهم، خصوصا الانتقال البطيء للسلطة. الولايات المتحدة تريد ضمانة بأن الحكومة القادمة على علاقة جيدة – ولا اقول موالية ولكن صديقة - للمجلس العسكري الحاكم، والدعم للمجلس العسكري له علاقة بذلك".
وشددت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون على هذا التحول في خطاب لها الأسبوع الماضي وصفه مساعدوها بانه تحذير مقصود للمجلس العسكري الذي تولى السلطة في أعقاب خلع مبارك. وتعهد الجيش في البداية بتسليم السلطة للمدنيين بحلول أيلول (سبتمبر)، لكنه يقول الآن إن الانتخابات الرئاسية لن تجري قبل العام 2013. ووضع الجيش الأسبوع الماضي مسودة لمبادئ تحكم الدستور المقبل تعطي الجيش صلاحيات سياسية خاصة، وتحميه من الإشراف المدني على موارده.
وقالت كلينتون محذرة: "إذا ظلت اقوى قوة سياسية حاكمة في مصر، بمرور الوقت، عبارة عن غرفة مليئة بسياسيين غير منتخبين، فسيكونون قد بذروا بذلك بذور قلاقل مستقبلية، وستكون مصر قد ضيعت فرصة تاريخية".
واضافت: "عندما تقول سلطات غير منتخبة إنها تريد التخلي عن سلطة الحكم"، فان الولايات المتحدة تتوقع منهم "وضع خريطة طريق واضحة" و"الالتزام بها".
ونظرا للدعم الطويل الذي قدمته واشنطن لمبارك، فإن تعليق كلينتون الشهر الماضي الذي وافقت فيه على الجدول الزمني المطول لانتخاب رئيس مدني أثار الشبهة حول نوايا واشنطن. وحدث التحول في الوقت نفسه في نطاق جهود أميركية واسعة النطاق لمواجهة المشاعر المناهضة لأميركا، والتقارب مع قادة المعارضة عبر مختلف ألوان الطيف السياسي.
وقال نبيل فهمي، وهو سفير مصري سابق في واشنطن: "تريد الولايات المتحدة ان تحتفظ بالكعكة وتأكلها"، واحتج بان الولايات المتحدة تريد تعزيز الديموقراطية، من دون التعامل مع الضغوط التي ستنجم عن ذلك بخصوص مصالحها في المنطقة.
واوجدت محاولات الجيش لحماية سلطته وامتيازاته إلى الأبد وضعا مزعجا لواشنطن. وقد عززت الولايات المتحدة، عبر البنتاغون خاصة، العلاقات الوثيقة مع الجيش المصري، الذي ما زال يتلقى مساعدات أميركية قيمتها 1,3 مليار دولار سنويا. ويأمل المسؤولون الاميركيون ان أي حكومة تأتي في مصر ستواصل دعم السياسة الأميركية، بما في ذلك الروابط مع اسرائيل والابتعاد عن إيران.
وفي الوقت نفسه، ما زالت مكانة الولايات المتحدة في نظر الرأي العام في مصر وأرجاء المنطقة تعاني بسبب عقود من دعم الحكومات غير الديموقراطية مثل النظام المصري السابق الذي كان يسانده الجيش في عهد مبارك. والبقاء على مسافة بعيدة عن الجدل حول الدور المستقبلي للجيش يهدد بتقوية تلك الانتقادات، في وقت تعطي فيه التحولات الديموقراطية ثقلا جديدا للرأي العام.
وفي إطار هذه المقاربة، اجتمعت إدارة اوباما مع جماعة الإخوان المسلمين التي يسعى حزبها السياسي للحصول على دور رئيسي في البرلمان المقبل، وتظل أكبر ثقل سياسي مضاد للمجلس العسكري.
والتقى جاكوب ووليس، وهو نائب مساعد لوزيرة الخارجية الأميركية، للمرة الأولى هذا الأسبوع مع قادة حزب الحرية والعدالة الإخواني في مقره الجديد في القاهرة. وبينما كانت للدبلوماسيين الاميركيين اتصالات متقطعة مع الإخوان المسلمين في البرلمان المصري، فقد ذكر المسؤولون هنا أنه يبدو ان لقاء ووليس هدفه التشديد على وعود كلينتون بالتعاون مع الاحزاب الإسلامية التي تحترم الديموقراطية.
وقال غيرهم أن الهدف، بدلا من ذلك، أن يكون الاجتماع مؤشرا الى أن واشنطن تدرك ببساطة أهمية الدور الأساسي الذي سيلعبه الإخوان في مستقبل مصر، اذ ان من المحتمل أن يفوزوا بعدد كبير من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي ستبدأ هذا الشهر.
وقال عصام العريان، وهو زعيم كبير في حركة الإخوان المسلمين ونائب رئيس حزبهم السياسي، الذي التقى ووليس: "أكدوا أنهم حريصون على دعم العملية الديموقراطية، وسيقبلون أي نتائج للانتخابات ويتعاملون مع اي حكومة تحترم حقوق الإنسان وحقوق النساء والاقليات والعملية الديموقراطية. ونحن حريصون على وراغبون في القول اننا نحترم العملية الديموقراطية، وحقوق كل ابناء الشعب حسب الدستور والقانون".
وقال مسؤولون في الادارة تحدثوا بشرط عدم الكشف عن اسمائهم خلال مناقشة الرسائل الدبلوماسة المتبادلة انهم يأملون ان يؤدي مزيج من الضغوط الداخلية والخارجية على المجلس الى اقناعه بالتخلي عن السلطة والخضوع لاشرافٍ مدني. وقال المسؤولون انه بالاضافة الى التعليقات العلنية من الوزيرة كلينتون، حض مسؤولون اميركيون آخرون رفيعو المستوى المجلس على مراجعة اقتراحاته الاخيرة للاحتفاظ بالسلطة.
ولاحظ المسؤولون ان قادة المجلس قاموا مراراً وتكراراً، منذ تنحي الرئيس مبارك، بعرض بعض الاقتراحات ثم التراجع عنها فقط بعد احتجاجات في الشوارع وضغوط علنية، ضمن حركة تقدم وتراجع مطولة يلاحظ البعض انها تعكس تجذر عملية ديموقراطية حقيقية وإن تكن مشوبة بالفوضى.
لكن مسؤولين في الادارة الاميركية ونشطاء مصريين يلاحظون علائم مثيرة للقلق. وقال مسؤول رفيع المستوى في الادارة ان الجزء المركزي العسكري في حكومة الرئيس مبارك "اعاد توكيد نفسه مرة اخرى". واضاف ذلك المسؤول مشيراً الى الانتخابات المقبلة: "ليس لدينا توقعات كبيرة بان هذه ستؤدي الى ايجاد نظام ديموقراطي"
في تطور خطير، كشفت جريدة «روزاليوسف» أن مصدرا بالمكتب الإعلامي للبيت الأبيض الأمريكي أكد أن إدارة الرئيس أوباما ستساند «الإخوان المسلمين» حتي النهاية مادموا يلتزمون بخارطة الطريق بينهم وبين الإدارة الأمريكية علي حد تعبيره، وذلك علي خلفية فوزهم بأغلبية في الانتخابات في المرحلة الأولي بمجلس الشعب.
وأكد المصدر أن المسئولين الأمريكيين في حوار دائم مع قيادات جماعة الاخوان وأن الحوار يقوم علي أسس من التفاهم والاحترام وأن الجماعة أكدت نبذ أية أفكار عنف وتعهدت بعدم الترشح لمنصب رئيس الجمهورية في مقابل الحصول علي منصب رئيس البرلمان المقبل، والذي ستحصل الجماعة عليه علي خلفية أكثرية مقاعدها في البرلمان.
وكشف المصدر أن جماعة الإخوان تسعي للحصول علي الأغلبية، لكنها ملتزمة بعدم تجاوز نسبة 40 إلي 45% من المقاعد، رغم أن البيت الأبيض توقع حصول مرشحي الإخوان علي نسبة لاتقل عن 50% في مرحلتي الانتخابات الثانية والثالثة.
وأوضح المصدر الأمريكي في اتصال هاتفي أن الولايات المتحدة الأمريكية راضية عما عرضه الإخوان المسلمون، ووصفهم «بالكيان الاسلامي الفريد من نوعه» وأنهم مسلمون محافظون مثل الحزب المحافظ في أمريكا وبريطانيا، فيما يخص الأفكار والشئون الدينية، لكنهم خبراء في السياسة، ووصفهم بأنهم «صمام أمان المجتمع المصري في وجه التشدد الديني».
وفي مفاجأة جديدة كشف المصدر أن الادارة الامريكية تركز جميع جهودها حاليا للعمل كمدير لحملة علاقات عامة كبري بين الاخوان والدول المحيطة بمصر وعلي رأسها إسرائيل حتي تتقبل فكرة أنهم أصبحوا علي رأس المجتمع المدني في مصر بقوة الانتخاب الحر.
وأكد أنهم سيديرون حوارات وسيعقدون اجتماعات في الفترة القادمة بين إسرائيليين وجماعة الإخوان الرسمية وأن تلك اللقاءات يتم التحضير لها حاليا حيث لا مفر من لقاء الاثنين والتعاون معا بشكل يومي في المنطقة.
البيت الابيض كشف أن إسرائيل تقدمت بطلبات سياسية للإدارة الأمريكية تطلب الحصول علي ردود لها من قبل الجماعة في مصر غير أن الجماعة رفضت كل الطلبات الإسرائيلية ونقلت الولايات المتحدة ردها بأنها هي التي ستطلب من إسرائيل وأنها طلبت من تل أبيب الهدوء وعدم الفزع والانزعاج من صعودهم في مصر.
الغريب أن الجماعة علي حد معلومات البيت الابيض أكدت لإسرائيل أنها ستبقي عدوة في المنطقة خاصة للمصريين ما لم تقدم للجماعة في مصر دليلا علي عكس ذلك وهو ما يقلق الادارة الامريكية حاليا من فشل ترتيب قواعد الحوار بين الجماعة في مصر وإسرائيل التي اعتادت علي أسلوب مختلف تماما من النظام المصري السابق.
الأكثر اثارة أن الإدارة الامريكية طلبت من إسرائيل نسيان الماضي لأن الأمور في الشارع المصري تغيرت للابد وأنهم يجب عليهم التعود علي طريقة الاخوان في التعامل وهي طريقة سياسية جافة بدأت تتقبلها الادارات المختلفة بالعالم.
في المقابل نفي البيت الابيض عقد أية اتفاقيات جانبية مع الجماعة في مصر علي حساب أي فصيل مصري آخر وأكد أن الاهتمام بالجماعة أمر طبيعي وأن العالم كله مهتم بالتعرف علي الجماعة لترتيب الاوضاع السياسية في المستقبل.
وأشار المصدر إلي أن الجماعة تقريبا قابلت كل السفراء بمصر وأقامت بالفعل علاقات جيدة مع كل دول العالم وأنه تمت دعوة الاخوان لحضور مناسبات ومقابلات لا حصر لها في دول العالم المختلفة وأن كل تلك الزيارات مؤجلة لحين بدء أول موسم برلماني رسمي في مصر قريبا.
وبخصوص السلفيين أكد المصدر الامريكي أنهم طلبوا من جماعة الاخوان «ترصين وتسييس» السلفيين في مصر حيث إنهم أكبر لغز حاليا في مصر علي حد تعبيره.
واعتبر المسئول بالبيت الابيض أن الجماعة ملزمة أمام الإدارة الأمريكية والعالم بتدريب السلفيين علي العمل السياسي الديمقراطي ونبذ أفكار القوة وأسلمة المجتمع المصري تحت التهديد.