بقلم: المستشار عادل بطرس
المحكمة الدستورية هي واسطة العقد في منظومة القضاء الكويتي التي بغيرها ينفرط العقد، فهي التي تحمي الدستور أبا القوانين، وهي التي تقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه الاعتداء على الشرعية الدستورية، ولهذا كان طبيعيا أن اثارت الاحكام التي صدرت من المحكمة الدستورية اخيرا اهتمام الكثيرين الى درجة انه لا تكاد تخلو صحيفة واحدة من الاشارة اليها. ولقد دفعني هذا ان اعد هذا المقال لأعلق فيه على تلك الاحكام، ولكن تأخر نشر المقال لأنني كلما شرعت في نشره صدر حكم جديد حقق نصرا جديدا للشرعية الدستورية مما يضطرني إلى ارجاء النشر لاشمله بالتعليق، واليوم عزمت على نشر المقال بإذن الله ما لم يصدر حكم جديد يحقق نصرا جديدا، وهو ما أتمناه!
ولقد كان احدث هذه الاحكام الحكم الذي صدر برفض الطعن في صحة عضوية النائبتين د. رولا الدشتي ود. أسيل العوضي، وقبله مباشرة الحكم بعدم دستورية القانون الذي فرض على المرأة الحصول على موافقة زوجها على استخراج جواز سفر لها، وكلها انتصارات للدستور والمرأة، ورغم أهمية موضوعات هذه الاحكام لأنها مؤثرة في الحياة السياسية والاجتماعية في المجتمع الكويتي، فإنني لا اعتزم أن أتناول موضوعها في هذا المقال، وإنما سأتناول فيه طريقة عرض النزاع على المحكمة الدستورية، وفي هذا المجال لا بد أن نعترف بأن المحكمة الدستورية كانت عند إنشائها متشددة غاية التشدد في قبول الدفع بعدم دستورية القوانين واللوائح، فعلاوة على الشروط القاسية التي اشترطها قانون إنشائها لقبول الطعن بعدم دستورية القوانين وأولها التمييز بين الحكومة ومجلس الأمة من جهة وسائر الأفراد من جهة أخرى، فالأولى تملك أن تقيم دعوى مبتدأة تطعن فيها بعدم دستورية قانون من القوانين أو لائحة من اللوائح، أما الأفراد فإنهم لا يملكون إقامة مثل هذه الدعوى وإنما كل ما يملكونه هو الدفع بعدم الدستورية من خلال دعوى موضوعية يقيمونها على ان تقرر المحكمة التي تنظر تلك الدعوى أن الدفع بعدم الدستورية دفع جدي فتوقف الدعوى وتحيل الدفع الى المحكمة الدستورية، علاوة على ذلك أضافت المحكمة الدستورية شرطاً آخر جرت به أحكامها منذ بداية إنشائها حتى سنة 2007، فقد جرت هذه الأحكام على عدم قبول الدفع بعدم دستورية القانون إذا ما كان المدعي قد كشف في صحيفة دعواه الموضوعية عن اعتزامه ابداء هذا الدفع، فقد كانت تعتبر الدعوى في مثل هذه الحالة دعوى دستورية أصلية تخفت في شكل دفع فتقضي بعدم قبوله، وقد خلق هذا التفسير المتشدد نهجا خاصا أوجب على الأفراد سلوكه عند اللجوء الى الدفع بعدم دستورية نص من النصوص، وهو تجنب الإشارة الى عدم دستورية ذلك النص في صحيفة الدعوى بأي شكل من الأشكال حتى لا تعد طعنا بعدم الدستورية بدعوى أصلية وهو ما لا تملكه إلا الحكومة ومجلس الأمة. ولقد كان هذا التشدد سببا في أن ظلت أبواب المحكمة موصدة في وجه كل من يفكر في الطعن بعدم الدستورية، إلى أن عدلت عن هذا الشرط القاسي بحكمها الصادر في سنة 2007، الذي قالت فيه ان الدفع بعدم الدستورية دفع موضوعي يجوز ابداؤه في أي حالة تكون عليها الدعوى، ولا مانع يمنع المدعي من ابدائه في صحيفة دعواه، ففتحت أبواب المحكمة أمام الأفراد للدفع بعدم دستورية القانون، ومن ثم أصدرت هذه الأحكام المبهرة.
وللحديث بقية..
لم يكن التفسير المتشدد الذي اعتنقته المحكمة الدستورية عند بداية نشأتها هو السبب الوحيد في إحجام الكثيرين عن الطعن بعدم دستورية القوانين لما يتطلبه من مشقة وجهد، ولكن أحد الأحكام الموضوعية أضاف قيداً جديداً يحكم به إغلاق أبواب المحكمة في وجه الراغبين في الطعن بعدم الدستورية. ولقد عايشت تجربة عملية كشفت لي مقدار ما كان يعانيه كل من تضطره الظروف إلى الطعن بعدم دستورية نص من النصوص قبل أن تفتح المحكمة أبوابها على النحو الذي أشرنا إليه من قبل، وكان ذلك أيضاً متعلقاً بحق من حقوق المرأة، فقبل أن يعدل قانون الانتخاب بالكويت بحيث يلغى شرط الذكورة عند الانتخاب أو الترشيح لمجلس الأمة حاولت إحدى الناشطات أن تحرك المياه الراكدة بأن ترفع دعوى باسمها وباسم عدد من زميلاتها تطلب فيها إلزام وزارة الداخلية بأن تقيدها في كشوف الناخبين، ومن بعدها تتقدم للترشيح لمجلس الأمة استناداً إلى أن المادة 1 من قانون الانتخاب التي اشترطت الذكورة مخالفة للمادة 29 من الدستور التي فرضت المساواة بين المواطنين دون تمييز بينهم بسبب الجنس، فلجأت إليَّ تستشيرني في إمكانية رفع الدعوى، فأوضحت لها انه طريق طويل يتعين عليها أن تسلكه قبل أن تصل إلى الدفع بعدم الدستورية، لأن الدعوى الدستورية كما هو معلوم لها طريقان: طريق الدعوى الأصلية وهذه لا يملكها سوى الحكومة ومجلس الأمة، وطريق آخر هو الدفع بعدم الدستورية الذي يملكه أي فرد بشرط ان يكون من خلال دعوى موضوعية يرفعها ويطالب فيها بحق من الحقوق، فيواجه برفض الحكومة مستندة في رفضها إلى نص في القانون. فحينئذ يحق له أن يدفع بعدم دستورية ذلك النص. وللمحكمة المعروض عليها الموضوع إذا رأت جدية الدفع أن توقف الدعوى الأصلية وتحيل الدفع إلى المحكمة الدستورية، أما إذا رأت عدم جدية الدفع فإنها ترفضه وتمضي في نظر الدعوى، وفي هذه الحالة يحق لصاحب الشأن ان يلجأ إلى المحكمة الدستورية ليتظلم من الحكم الصادر من محكمة الموضوع الذي قضى بعدم جدية الدفع، ومن ثم يحق للمحكمة الدستورية ان تنظر في الدفع وتقرر جديته او عدم جديته. وشرحت لها انها حتى تصل إلى هذه المرحلة يتعين عليها ان تلجأ أولا إلى وزارة الداخلية لتطلب قيدها في جدول الناخبين، فإذا رفضت وزارة الداخلية هذا القيد كان لها أن تلجأ إلى الدائرة الإدارية لتطلب الغاء قرار الرفض، فاتبعت نصيحتي وتقدمت الى وزارة الداخلية بطلب القيد في جدول الناخبين، ولكن وزارة الداخلية رفضت ان تقيدها في جدول الناخبين كما رفضت في الوقت ذاته ان تعطيها ما يفيد انها تقدمت بالطلب، وان الوزارة رفضت ذلك الطلب. فجاءت الي تشكو من هذا الموقف المعلق وتسألني ماذا أفعل؟ فقلت لها انه لا حل لدينا سوى ان نبعث بإنذار الى وزارة الداخلية نسجل فيه اننا تقدمنا بطلب القيد وان الوزارة رفضت القيد، وبعد مضي ستين يوما من الانذار نقيم دعوى امام الدائرة الإدارية نطلب فيها الغاء القرار السلبي الصادر من وزارة الداخلية بالامتناع عن قيدها في جدول الناخبين، فسارت في ذلك الطريق الى ان وصلنا إلى الدائرة الإدارية.
وللحديث بقية...
بعد ان استقر الرأي على اقامة دعوى امام الدائرة الادارية بطلب الغاء القرار السلبي بالامتناع عن قيد المرأة في جداول الانتخاب، كان لزاما ان نتقيد بأحكام المحكمة الدستورية التي كانت قد اطردت على عدم قبول الدفع اذا ما أشار المدعي الى عدم دستورية النص في صحيفة دعواه، على ما بيناه في مقال سابق، لهذا فقد تحاشينا ان يرد في صحيفة الدعوى ما يشير من قريب أو بعيد الى اننا نعتبر نص المادة 1من قانون الانتخاب مخالفا للدستور حتى لا نتعرض للحكم بعدم قبول الدفع وانتظرنا حتى اول جلسة قدمت فيها الحكومة مذكرة بدفاعها وطلبت فيها رفض الدعوى، مستندة الى نص المادة 1من قانون الانتخاب الذي يشترط الذكورة للقيد في جدول الناخبين، وهنا تقدمنا بالدفع بعدم دستورية ذلك النص، ورغم اننا التزمنا هذا المسلك الذي رسمته الاحكام السابقة للمحكمة الدستورية - رغم عدم اقتناعنا به على ما بيناه من قبل - فقد فوجئنا بالدائرة الادارية تقضي بعدم جدية الدفع بمقولة انه وان كانت المدعية قد التزمت فعلا بعدم الاشارة الى النصوص الدستورية في صحيفة دعواها الا انه كان واضحا منذ البداية انها كانت تنوي الدفع بعدم الدستورية! ومن ثم اعتبرته تحايلا على القانون لأن الدعوى تعد منذ البداية دعوى اصلية بعدم الدستورية تخفّت في صورة الدفع! وكان هذا امرا عجبا نحمد الله ان المحكمة الدستورية لم تقتنع به، فألغت الحكم بعدم قبول الدفع بعدم الدستورية لهذا السبب، لكنها قضت بعد قبوله لسبب آخر مختلف تماما وهو ان المدعية ليست من المقيدين في جدول الانتخاب حتى يحق لها ان تطلب تنقيته مما شابه من اخطاء، ولأن حكم المحكمة الدستورية هو نهاية المطاف فقد كان علينا ان نسلك طريقا آخر وهو ان نقيم الدعوى من جديد باسم زوج احدى الناشطات، باعتباره احد المقيدين في جدول الانتخابات، فيحق له، وفقا لقانون الانتخاب، ان يعترض على من يقيد في الجدول بغير حق أو يحذف من الجدول بغير حق، وكان علينا أن نسلك الطريق ذاته من أوله حتى آخره، ابتداء من الإنذار الذي يوجه إلى وزارة الداخلية حتى الدفع بعدم الدستورية امام الدائرة الإدارية، وفي هذه المرة قضت الدائرة الإدارية بجدية الدفع، وإحالته الى المحكمة الدستورية، ولكن المحكمة الدستورية قضت بعدم قبوله أيضا، لأن زوج المدعية لا يحمل توكيلا يخوله الطعن بالدستورية نيابة عنها! ولحسن الحظ كان هذا الجهد القانوني يسير جنبا إلى جنب مع الجهد السياسي الذي تبذله الناشطات، والذي تكلل اولا بمباركة سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، ثم بتعديل قانون الانتخاب بإلغاء شرط الذكورة على ما هو معروف، ولقد كان هذا الطريق الطويل الذي يسلكه كل من أراد أن يدفع بعدم دستورية نص من النصوص وراء إحجام كثيرين من ذوي الحقوق عن الدفع بعدم دستورية القوانين، ولهذا كانت سعادتنا بالغة وسعادة كل مشتغل بالقانون أن عدلت المحكمة الدستورية عن مسلكها السابق، فأرست مبدأ جديدا فسرت فيه قانون انشائها تفسيرا سليما وطبقته على الدعاوى الدستورية والدفوع المعروضة أمامها، فقضت بأن الدفع بعدم الدستورية دفع موضوعي يجوز ابداؤه في أي حالة تكون عليها الدعوى، ولا مانع يمنع المدعي من إبدائه في صحيفة دعواه، وبهذا وضعت حدا لهذا الصراع المرير الذي كان يخوضه صاحب الشأن، وفتحت امامه أبواب الشرعية الدستورية على مصاريعها، ومازلنا نطمع في ان تفتح هذه الأبواب أكثر وأكثر، بأن يعطي القانون للأفراد الحق ذاته الذي تتمتع به كل من الحكومة ومجلس الأمة، وهو حق إقامة دعوى دستورية أصلية يطلب فيها الحكم بعدم دستورية أي نص يرى أنه غير متفق مع دستور البلاد، وبهذا نضمن تنقية جميع قوانيننا من أي شائبة تشوب دستوريتها.
تنص المادة 39 من الدستور الكويتي على أن حرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية مصونة وسريتها مكفولة، ولهذا صدر القانون رقم 19/1976 الذي حظر اساءة استعمال أجهزة المواصلات الهاتفية وقرر عقوبة لمن يسيء استعمالها. كما صدر القانون رقم 9/2001 الذي حظر تداول أجهزة التنصت بأنواعها أو عرضها للبيع لغير الجهات الرسمية، بل وحظر على تلك الجهات استعمالها إلا بعد الحصول على اذن مسبق من النيابة العامة، وبهذا كفل الدستور والقانون حماية الخصوصية التي هي من أهم مقومات الحرية الشخصية. وقد وقعت في مصر أخيرا واقعة كشفت مدى اهمية احترام خصوصية الآخرين، وكانت هذه الواقعة تتعلق بأحمد شوبير نجم الكرة المصري السابق الذي يعمل حاليا مقدم برامج في احدى الفضائيات المصرية، وهو في الوقت ذاته عضو في مجلس الشعب، وقد قدمت ضده شكوى إلى النيابة العامة نسب إليه فيها أنه من خلال موقعه على النت قام بنشر تسجيل صوتي لحوار دار بينه وبين صحفية تحت التمرين، قام فيه بسب وقذف الشاكي، كما قام بسبه في عدة صحف أخرى، وطلب الشاكي رفع الحصانة عن شوبير للتحقيق معه في هذه الواقعة، ورغم ان مجلس الشعب رفض رفع الحصانة فإن شوبير تقدم بطلب إلى مجلس الشعب يطلب فيه الاذن له بالادلاء بأقواله في هذا الاتهام. والطريف انه حين استدعت النيابة الصحفية المتدربة لسماع أقوالها حضرت إلى النيابة وهي ترتدي النقاب وتخفي وجهها تماما حتى لا يتعرف عليها احد، ولكن النيابة طلبت منها كشف وجهها في غرفة التحقيق لتدلي بأقوالها وحين كشفت وجهها انهالت عليها عدسات المصورين وهنا استمهلتهم بعض الوقت ودخلت الحمام وخرجت مرتدية ملابس عادية بعد خلع النقاب ووضع مساحيق التجميل واستعدت للتصوير! إلا ان محاميها طلب منها العودة إلى ارتداء النقاب حتى انتهاء التحقيق، وفي التحقيق أكدت ان اعداء شوبير استغلوا صداقتها له لتنقل لهم اخباره واسراره وبررت المكالمة التي تم تسجيلها بأن الهاتف المحمول الخاص بها يقوم بتسجيل المكالمات تلقائيا، واعترفت ان زميلا لها بالجريدة تمكن من سرقة الحوار المسجل من هاتفها وتوسط بينها وبين قناة فضائية عرضت عليها مليون جنيه، كما عرضت عليها تعيينها معدة في القناة مقابل امدادهم بالمعلومات والأسرار عن شوبير! واعترف لها زميل آخر بأنه سرق حوارها مع شوبير ونقله عن طريق البلوتوث وعرضت عليه القنوات مائة الف جنيه مقابل تسليمهم الحوار، وقد وجهت اليها النيابة العامة تهمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة لأحمد شوبير عن طريق تسجيل محادثات تليفونية بينها من دون رضاه، والتهمة الثانية تسهيل اذاعة التسجيلات حيث قدمتها الى مجهول قام بعرضها على شبكة الانترنت، وهكذا اصبحت اسرار سلعة تباع وتشترى، مع ان تسجيل المحادثات الهاتفية بغير اذن صاحبها محظور في مصر حتى لو كان من قام بالتسجيل احد طرفي المحادثة، فقيامه بتسجيل المحادثة التي تتم بينه وبين شخص آخر فيها انتهاك لخصوصيته، بل ان المحادثة التي يتم تسجيلها بغير اذن من صاحبها لا تصلح دليلا ضد المتحدث الآخر ولهذا لا تقبلها المحاكم المصرية كدليل ضد المتهم، ولكن أحكام محكمة النقض المصرية اجازت اخيرا قبولها في حالة واحدة فقط حينما تكون الجريمة المنسوبة الى المتهم هي جريمة السب والقذب فيقوم المجني عليه بتسجيل المكالمة التي تضمنت ذلك السب والقذف اثباتا لوقوعه!
من أهم ما يميز «الحكم» عن «الفتوى» مبدأ المواجهة بين الخصوم فالحكم لا يصدر الا بعد ان تتحقق تلك المواجهة، فالمحكمة لا تسمع كلمة واحدة من احد الخصوم الا في حضور باقي الخصوم، ولا تقبل ورقة من خصم لم يمكن الخصم الآخر من الاطلاع عليها، فهذا وحده هو الذي تبنى عليه شرعية المحاكمة، وهو الذي يبرر ان يصبح الحكم ملزما لكل اطراف النزاع، فما دام كل منهم قد مكن من ايضاح وجهة نظره ومكن من مقارعة خصمه حجة بحجة فان الحكم يصبح حجة عليه، اما في الفتوى، فالامر مختلف، لانها تصدر بناء على طلب الجهات التي طلبتها وتحت مسؤولياتها، وفي حدود الوقائع التي تعرضها، ولهذا فانها استشارية غير ملزمة وتنفيذها رهن بارادة الجهة التي طلبتها، وتحت مسؤوليتها، ولهذا ليس لازما ان يعلم بها صاحب الشأن او يطلع عليها بل انه قد لا يعلم بصدورها اساسا، فكل تعامله مقتصر على جهة الادارة التي تملك اظهار الفتوى او عدم اظهارها، ومع ذلك يحدث احيانا ان يعلم صاحب الشأن بأن موضوعه قد احيل الى الفتوى، وقد يتابع بعضهم ارساله الى جهة الافتاء، بل قد يتمادى بأن يتابع نظره امامها بطريقة أو بأخرى، وهذا يذكرني بواقعة طريفة حدثت في اواخر ستينات القرن الماضي، وكان بطلها احد ابناء فلسطين الذين نزحوا الى مصر عقب نكبة 1948 وفتحت لهم مصر احضانها، واستقبلتهم بما يليق بأخوة اعزاء فأفسحت امامهم مجال الالتحاق بالوظائف او امتهان المهن الحرة، والعمل بالتجارة والصناعة، وكان من بين هؤلاء احد كبار التجار الذي وقع خلاف بينه وبين وزارة المالية حول تطبيق القانون فاستطلعت الوزارة رأي مجلس الدولة في هذا الموضوع، وكنت وقتها اعمل في ادارة الفتوى والتشريع لتلك الوزارة، وحين استفسر السيد «شحادة» وهذا كان اسمه عن مصير الاوراق الخاصة به افهموه انها احيلت الى مجلس الدولة وارشدوه الى انني المختص بنظرها، فجاءني الرجل يحدوه الامل في ان يشرح لي وجهة نظره حتى اكون ملما بها قبل ان اصدر الرأي في الموضوع، فلم أمانع في الاستماع الى ما يريد ان يزودني به، بشرط الا يخرج عن حدود ما جاء في طلب الفتوى، ولكن الرجل افاض في شرح الموضوع، وفي شرح وجهة نظره،فتلقيت حديثه بابتسامات عريضة ووعدته بانني سآخذها في الاعتبار، عند ابداء الرأي، وكنت اتوقع ان تنتهي المقابلة عند هذا الحد لكنني لاحظت ان جلوسه امامي قد طال اكثر مما يجب، فاضطررت ان اسأله هل تطلب شيئا آخر لان ورائي عملا؟ ولدهشتي انه انزعج جدا وقال لي انا انتظر حتى آخذ الفتوى معي، فضحكت لسذاجته، وقلت له في هدوء ان الفتوى ملك الوزارة وحدها ليس لك ان تعلم بها مني بل لم يكن لك ان تعلم اساسا الى من احيل موضوعك وليس لك ان تناقشه وكل هذا بهدوء وبغير انفعال، لكنه هو الذي انفعل وقال هذا ظلم، ولكنني تمالكت اعصابي وأخذت اهدئ من روعه واشرح له الامر واحمد الله ان السيد شحادة تفهم الموقف اخيرا، وابدى اسفه واعتذاره واخذ يلح بالا يكون لهذه الواقعة اثر في الرأي الذي ينتظره ولم يكن هذا واردا على الاطلاق، فرجل القضاء لا يلتفت ابدا الا الى حكم القانون ولا يتأثر بما يدور معه مهما كلفه من جهد وضغط عصبي!
كلمة حق العدالة بالتفسير!
من المعروف ان اصابة العمل هي الاصابة التي تلحق بالعامل اثناء تأدية عمله او بسببه بما في ذلك ما يحدث له من حوادث اثناء ذهابه الى العمل او عودته منه بشرط ان يسلك طريقا مباشرا من مسكنه الى مقر عمله من دون انحراف، وقد اشترط الفقه والقضاء في هذه الاصابة ان تقع من حادث خارجي يصيب جسم العامل كحادث سيارة او اصابة من احدى الآلات او المعدات التي يباشر بها العامل عمله، اما المرض الذي يصيب العامل بسبب العمل فإنه لا يعد اصابة عمل حتى لو ادى الى الوفاة الا اذا كان احد الامراض المهنية المحددة على سبيل الحصر في قرار صادر من وزير الشؤون الاجتماعية والعمل بالاتفاق مع وزير الصحة العامة، وفيما عدا هاتين الحالتين لا يعتبر ما يصيب العامل اثناء العمل او بسببه اصابة عمل، ولكن حدث في مصر ان عرضت حالات صارخة تدعو الى اعادة النظر في ذلك الشرط، ففي احدى السنوات وقعت حادثة بشعة في منتصف الليل بين قطار كان يسير في وسط القاهرة في منطقة غمرة وبين حافلة ركاب ممتلئة حتى اخرها بالركاب، فوقع ضحية هذا الحادث عدد كبير من المواطنين الذين كانت اصاباتهم اصابات بالغة الخطورة كتقطيع الاطراف والجروح القطعية العميقة وغيرها، مما اقتضى من عميد كلية الطب بنفسه - وكان جراحا من اشهر الجراحين - ان يلازم المستشفى في تلك الليلة حتى الصباح وهو يجرب العمليات الجراحية العملية تلو العملية بأقصى ما اوتي من سرعة ليواجه النزيف الذي كان ينزف من جميع المصابين، ولانه ارهق نفسه ارهاقا لا حدود له، فحينما انتهى من اخر عملية منها خر صريعا واسلم الروح في غرفة العمليات، وكان واضحا ان اخلاصه في عمله هو الذي اودى بحياته، لان الرجل قبلها لم يكن يشكو من اي مرض، وقد اثار هذا تساؤلا حادا في الاوساط القانونية: هل مثل هذه الحالة تعد اصابة عمل ام لا تعد كذلك؟ لان اصابة العمل تعطي للعامل حقوقا خاصة مميزة فضلا عن انها لا تتطلب من العامل اثبات وقوع خطأ من جهة العمل لأنها مسؤولية لا تبنى على الخطأ وانما تبنى على المخاطر، فكما أن رب العمل يكسب الكثير من الجهد الذي يبذله العامل فإن عليه أن يتحمل المخاطر التي تواجه العامل في عمله، أخذاً بقاعدة الغنم بالغرم. ولم تكن هذه هي الحادثة الوحيدة التي أثارت هذا البحث، ولكن ثمة حوادث أخرى كثيرة استدعت التساؤل نفسه، منها مثلاً أن أحد أساتذة كلية الهندسة اضطر لأن يجلس الى مكتبه 48 ساعة متواصلة حتى ينتهي من تصحيح جميع أوراق الاجابة التي أعدها طلاب كلية الهندسة حتى يفي رئيس الجامعة بوعده بإعلان النتيجة في موعد محدد، وكان مصيره هو الآخر أن وقع سريعاً وهو يؤدي عمله فتوفي وهو جالس الى مكتبه ممسكاً بإحدى ورقات الاجابة في يده!
وعامل آخر كان يعمل في أحد المصانع الحربية أنهى ورديته بعد جهد شاق بذله في عمله وخرج وهو منهك القوى يكاد يموت عطشاً، فوجد وعاء كبيراً مملوءاً بسائل ظنه ماء فأقبل عليه بنهم شديد يعب منه عباً، فإذا بها مادة كاوية أتلفت المريء والمعدة والمصران وجميع أجزاء جهازه الهضمي، مما اضطرهم لنقله الى المستشفى في الحال حيث أخذ يصارع الموت لعدة أيام الى أن صرعه، وغيرها وغيرها من الحوادث المؤسفة التي تقطع ظروف الحال جميعاً بأنها وقعت أثناء العمل وبسببه، ومع ذلك فإنا لا تعد اصابة عمل بالمفهوم الذي حدده الفقه والقضاء، لأنها ليست نتيجة حادث خارجي أصاب جسم العامل من الخارج أو نتيجة مرض من أمراض المهنة المحددة على سبيل الحصر.
وهنا يأتي دور التفسير المستنير، فقد تبين أن هناك حكماً قديماً لمحكمة النقض الفرنسية اعتبرت فيه أن الاصابة التي تصيب العامل نتيجة ارهاق شديد في العمل تعرض له في ظروف استثنائية محضة بمنزلة حادث خارجي أصاب جسم العامل من الخارج ومن ثم يعد اصابة عمل، ولقد كان لي شرف عرض هذه الحالات وحالات أخرى مماثلة يضيق المقام بسردها على الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع فأخذت بوجهة النظر هذه واعتبرت الاصابة في جميع هذه الحالات اصابة عمل، وبهذا كشفت عن ضرورة أن يطوع التفسير لخدمة العدالة ولا تطوع العدالة لخدمة التفسير!
القبس سألت أهل القانون: هل فقدت «المحاماة» هيبتها؟! محامون يؤجرون مكاتبهم.. وآخرون لايقرأون مذكراتهم
مهنة المحامة بحاجة الى مراقبة
إذا أردت أن تعيش بأمان فإن هناك عاملا أساسيا يجب أن يتوافر وهو وجود القانون وسيادته في البلاد، وهو المتوافر حاليا، لكنه وللأسف الشديد فإن أصحاب مهنة المحاماة وهم رجال القانون الذين يفترض فيهم أن يكونوا أكثر حرصا ودراية بمعرفة أبسط ثغرات القوانين وكيفية العمل لكشفها، أصبح البعض منهم بمنأى عن مبادئ المهنة الأساسية وهي أن تكون مهنة إنسانية قبل أن تكون تجارية.
فقد أصبح بعضهم وباعتراف زملائهم في المهنة متجاوزين للخطوط الحمراء، كما أنه طرأت على الساحة القانونية ظاهرة غريبة اجتاحت مكاتب المحاماة وهي تأجير المكاتب لمستشارين أجانب يتصرفون فيها بما يشاؤون، ويقابلون الموكلين بلسان المحامي الذي تركها لأسباب عديدة، منها أنه عرف قدر نفسه بأنه غير قادر على فهم القانون، وبالتالي فإنه من الأفضل الابتعاد عن هذه المهنة السامية، إضافة إلى أنه يريد الكسب المادي ويجد أن الجهد الذي يبذله في المهنة لا يتناسب مع مردودها.
أيضا فإن الظاهرة الأخرى التي كانت موجود منذ سنوات عديدة، لكنها أصبحت منتشرة لدى الكثير من المحامين تتمثل في أن يكون الاعتماد الكلي في إعداد المذكرات على المستشار القانوني التابع لمكتب المحامي، ويكتفي دور بعض المحامين على مقابلة الموكلين وإعطائهم وعودا وهمية بأن القضية رابحة بنسبة 100%، الأمر الذي يتنافى مع مبادئ المهنة، ويعد مخالفة صريحة ويفقد المهنة هيبتها التي بدأت تزول تدريجيا بين أوساط المجتمع.
كذلك فإن بعض المحامين يعرقلون سير العدالة ويقفون أمام القضاة ويترافعون بحماس، لكن القاضي في أحيان كثيرة يوقفهم ويوضح لهم أن الإجراءات التي يقومون بها غير قانونية وتحتاج إلى مزيد من الدراسة، فعلى سبيل المثال تكون الطلبات المقدمة من المحامي لا تصلح أن تقدم في قضية جنائية، أو مدنية، وبالتالي فإنه يتطلب من المحامي مراجعة طلباته قبل تقديمها، فمن غير المعقول أن ينشغل القاضي بتعديل طلبات المحامي بدلا من مناقشة الكم الهائل من القضايا المعروضة أمامه وبشكل يومي.
من المسؤول عن افتقاد مهنة المحاماة لهيبتها؟ ولماذا وصلت إلى هذه الحال؟ وهل هناك علم بالواقع الحاصل من جمعية المحامين ومن الذين يشرفون على هذه المهنة؟ هذا ماطرحته صفحة «قانون وعدالة» من تساؤلات على أصحاب المهنة الذين أكدوا صحة الواقع المأساوي، وشددوا على أن مهنة المحاماة وإن لم يتم علاجها فإنها ستهوي للأسفل.
كل مهنة لابد أن يوجد فيها أدعياء.. هذا ما أكده المحامي فيصل السبيعي في بداية تعليقة على أوضاع مهنة المحاماة في الكويت، مضيفا: لكنه وللأسف الشديد فإن هناك محامين لم يتثقفوا في مجالهم.
وأكمل: عملية أن تكون خريج حقوق فهذا معناه أنه يجب عليك أن تواكب أي تطورات قانونية وتستفيد منها، والمشكلة لدينا أننا نعاني من أن أغلب المحامين لايكتبون مذكراتهم القانونية، فإذا كان المحامي لايعمل بذلك فمن أين تأتي الثقافة القانونية ؟!
المستشارون
وتابع: هناك مايقارب 95% من المحامين يعتمدون إعتمادا كليا على المستشارين التابعين لمكاتبهم لإعداد المذكرات القانونية، والمستشار بالتأكيد لن يكون كصاحب المصلحة، وهنا يكون المحامي أمام ذمم موكلة إليه، كما أن الإعتماد على المستشار يؤدي بالدرجة الأولى إلى إضعاف المحامي، خصوصا أن هناك أخطاء شكلية كطلبات تقدم قبل الموضوع.
واستطرد قائلا: نعم بعض المحامين لايملكون الثقافة القانونية، وهذا يعرقل القاضي من ناحية دراسة القضية ويضعف المساحة والوقت في القضية.
واضاف: هناك خلل وهناك أطراف تتحمل مسؤوليته، وللأسف جمعية المحامين لم تلتفت إلى هذه المشكلة وقد أوضحناها عدة مرات، وقلنا لهم أن هناك أشخاصا يقومون بتأجير مكاتبهم إلى مستشارين من جنسيات عربية، ولاتجد المحامي الأصيل داخل المكتب، وقد انتشر ذلك بشكل كبير، ولانبالغ إذا قلنا أنه أكثر من 55% من مكاتب المحامين في الكويت مؤجرة على مستشارين أجانب أو شركاء للمحامين، فقد صارت المهنة تجارية بحتة، وخلافا على وضعها الأساسي في أن تكون مهنة إنسانية.
تجارة
وقال ان الوضع الحالي للمهنة يركز على أن تكون تجارية، حيث أدى ذلك إلى ضياع حقوق الناس، ودخول بعض المتهمين السجون، وذلك بسبب عدم الإهتمام الكافي بالموكلين، والمسؤولين عن هذا الوضع لم يقوموا بالدور المنوط بهم على أكمل وجه، فجمعية المحامين أصبحت تحابي، وهذا الأمر يتطلب تكاتف الجهود لمحاربة هذه الآفة التي انتشرت بشكل كبير ومبالغ فيه.
وزاد: نشكر «القبس» على طرح هذا الموضوع الحساس بالنسبة لبعض المحامين، فإن لم نجد لهذا الموضوع مخرجا فسوف تكون له عواقب وخيمة وكوارث مستقبلية، ونلتمس من القائمين على جمعية المحامين النظرة بالحرص على دخلاء المهنة، وذلك لوضع حل بألا تكون عرفا وحتى لاتصبح مكاتب المحامين كالبقالات من ناحية تأجير الرخص، كما يجب أن نلتفت الى المصالح الإنتخابية في الجمعية، فهناك خطوط حمراء ومثل هذه المكاتب يجب أن يكون لنا موقف صلب تجاهها.
فوضى المهنة
بدوره شدد المحامي محمد الخالدي على أننا إن لم نجد الحل الفوري للفوضى التي تحدث في مهنة المحامين، فسنكون أمام أمر خطير ومهزلة عارمة، تهدد مستقبل هذه المهنة السامية التي تعتبر من أفضل المهن بما لها من مكانة.
وأضاف: للأسف الشديد فإن البعض لايعي تماما أن الموكل عندما يقدم إلى المحامي لطلب توكيله فإنه سلمه رقبته، وأصبحت حياته وحريته بيد هذا المحامي، فإما أن يوضح الحقائق ويظهر براءته وهذا لايأتي إلا بدراسة القضية وإعطائها مزيدا من الجهد والعناء، وإما أن يضعه في السجن بسبب جهله بالقانون، فالكثير من المحامين أضاعوا المباديء الإنسانية لهذه المهنة.
وأوضح أن الخوف من هذه الظاهرة يكمن في أن يكون المحامي القائم على نشر التوعية القانونية وتطبيقها بين أوساط المجتمع يكون هو المخالف للقانون، ونحن نتذمر لهذا الوضع الذي نخشى فيه أن يفقد المجتمع الثقة بالمحامي، وهو مانستشعر بدايته في الوقت الحالي، ونتوجس الخوف من نهايته.
جهل المحامي
أما المحامي نجيب الوقيان، فقد أكد أن البعض من المحامين يجهل واقع عمل المحامي، حيث ان المحاماة مهنة شاقة جدا، وتحتاج منك منذ فجر الصباح قراءة وحضور محاكم واستقبال موكلين، وقراءة مراجع قانونية وأحدث القوانين وأحكام التمييز الصادرة حديثا.
هذا الجهد لايصلح أي شخص، وخاصة المحامي إذا لم يكن مجتهدا أن يفلح في المحاماة، فالمحامي الناجح هو من يقطع ثلاثة أرباع علاقات اجتماعية من يومه، ويهجر الديوانيات في الأيام العادية، لأن المسألة ليست ترفا، وإن المسؤولية والالتزام في هذه المهنة ضروري، لأنه متعلق بحقوق أشخاص وحرياتهم، وهذا الالتزام يحتاج إلى عمل مضنٍٍ.
استسهال
وقال: مع الأسف الشديد فإن الكثير من المحامين يستسهل المهنة، وانها تعتبر من المهن الحرة، وبالتالي ليس من المفروض عليه أن تؤخذ بصمته في الصباح وفي الخروج من الدوام في المؤسسات الحكومية، فهو يعتقد أن هذه ميزة وأنه يكون بالانفلات بمكان في أن يحضر متى يشاء ويغادر متى شاء، كما أن هناك محامين أصبحوا أكثر استسهالا لعمل المحامي، بأن أجروا رخصهم المهنية واعطوها لأحد الوافدين، وهذا الوافد يصول ويجول في المكتب مستخدما اسم هذا المحامي الكويتي، وهو الذي يقابل الموكلين ويكتب قضاياهم، وكذلك يحضر محاميا منتدبا لايعرف عن القضية شيئا، ويكون المحامي صاحب المكتب في الديوانية.
لجان تفتيش
ونوه إلى أن المطلوب ان تكون هناك لجان تفتيش حقيقية في جمعية المحامين مستعينة برجال الضبطية القضائية، ويصبح هناك تفتيش جدي وحقيقي عن هذه المكاتب المملؤة في البلاد، والتأكد من المتعاقد الحقيقي مع عملاء هذا الكتب ومن هو الموجود بالصورة هل هو المحامي الكويتي أم هذا الوافد، وأن يكون كلما ثبت بوجود مكتب يتولاه أحد أدعياء المهنة يجب محاكمته أمام محكمة الجزاء، فهناك قوانين تجرم مثل هذا النص، وتصل عقوبته إلى الحبس سنتان، خاصة وأن هناك قانون خاص في ممارسة مهنة المحاماة حدد عقوبة لأدعياء هذه المهنة.
مهنة شاقة
وأوضح ان المحاماة مهنة شاقة وليست مهنة من لامهنة له، والذي يرفض بالتوظيف في النيابة أو الفتوى أو التحقيقات يكون ملاذه الأخير المحاماة، وهكذا محامون مرفوضون من العمل بهذه الوظيفة الشاقة، وعلى الموكلين ألايسترخصون الأتعاب في الأذهاب إلى هؤلاء المدعين وأنصاف المحامين، لأنه من الممكن أن توفر مئات من الدنانير، ولكن في النهاية تكون النتيجة خراب بيوت والسجن المركزي، فعمل المحاماة يحتاج إلى ممارسة يومية ومعرفة بآخر القوانين والأحكام، وغير الممارس لايستطيع أن يفيدك في قضيتك ومن الممكن أن يسبب لك الخسائر الكثيرة.
إذا تدخلت الدولة فيما ينشر في وسائل الاعلام ثار الناس، واعتبروا ذلك تقييدا لحرية التعبير، وتكميما للأفواه، واذا تركت الحبل على الغارب، بحيث يخرج احد القائمين على الاعلام عن الصف، بأن ينشر ما يبث الفرقة فى المجتمع مثلا، ثار الناس وقالوا ان الحكومة تتخلى عن مسؤوليتها، واذا تدخلت الدولة في الاقتصاد بان نظمت أمورا تتعلق بالتجار أو بالشركات مثلا، ثار الناس وقالوا هل نحن في دولة اشتراكية؟ واذا لم تتدخل لتنقذ من تأثروا بالأزمة العالمية، ثار الناس وقالوا كيف تتركون الاقتصاد الوطني يتردى على هذا النحو، ولا تمدون له يد العون؟ واذا تدخلت الدولة فيمن يدخل البلاد أو يخرج منها، ثار الناس وقالوا انه وأد لحرية التنقل، واذا دخل شخص غير مرغوب فيه من فئة من الفئات، قالوا لقد تخلت الدولة عن مسؤوليتها في حماية الوطن... وهكذا في كل أمر من الأمور يختلف الرأي حول موقف الحكومة بين مؤيد ومعارض، وهذه هي طبيعة الحياة، بل هي طبيعة الديموقراطية، فلا يمكن ان يتصور ان يجمع الناس على رأي واحد، فهم دائما يختلفون، واختلافهم علامة صحية، ودليل على وجود الرأي والرأي الآخر، ولكن المهم هو الموقف الذي تتخذه الحكومة أين تقف ؟ مع المؤيدين أم مع المعارضين، مع من يطالبون باطلاق الحريات، أم مع من يريدون تقييدها. في رأينا ان الحكومة الحصيفة هي التي تقف موقفا وسطا، فلا تغل يدها إلى عنقها ولا تبسطها كل البسط، وهي ان التزمت الدستور والقانون بفكر متحرر وتفسير مستنير، فانها لن تضل أبدا، والاعتدال والوسطية هما خير الأمور، وهذا يذكرني بمقال لكاتب مصري كبير كان طبيبا مشهورا، وكان في الوقت ذاته شاعرا وأديبا هو الدكتور سعيد عبده الذي كان له عمود اسبوعي في أخبار اليوم تحت عنوان «خدعوك فقالوا» كان يهاجم فيه دائما التطرف فى اعتناق الرأي، ولقد ضرب لذلك مثلا، فروى انه حين كان طفلا صغيرا كان مرض التيفود الذي أصيب به مرضا حديثا، لا يملك الأطباء خبرة كافية بالنسبة إليه، وكان أحد أعراضه البارزة ارتفاعا شديدا في درجة الحرارة، وكانت وسيلة الأطباء في مقاومة هذه الحرارة، هي منع المريض تماما من أي طعام، ويومها، وفق ما روى، كان أهل البيت يأكلون بطيخا، وكان يحب البطيخ حبا شديدا، ولكنهم طبقا لأوامر الأطباء، رفضوا ان يذوقه، فكاد يموت حسرة على البطيخ الذى رآه فى أيديهم بلونه الأحمر البراق، فانتظر حتى فرغوا من طعامهم، ودخل كل منهم الى غرفته، وتركوه وحده في فراشه الذي كان ممنوعا عليه ان يغادره، فما ان اطمأن إلى انهم أووا الى غرفهم، حتى نهض مسرعا من سريره واتجه الى المطبخ مباشرة، باحثا عن البطيخ، ولكنه للأسف وجد أنهم أكلوه كله، فما كان منه الا ان بحث عن القشر، وما ان وجده حتى أقبل عليه بنهم شديد، فالتهمه التهاما، ثم نام نوما عميقا، وفي الصباح حين أتى الطبيب اندهش دهشة بالغة، فقد وجد ان حرارته هبطت الى المعدل المعتاد، والمرض زال عنه تماما، وقال الدكتور سعيد عبده في مقاله، انني اهدي هذه القصة الى زملائي الأطباء الشبان، حتى لا يحرموا مرضاهم من الطعام أبدا، فمن الممكن ان يقلل منه من دون أن يحرم نفسه حرمانا كاملا، وهكذا بان أن الاعتدال يشفي، وان التطرف والتشدد يشقي، ولهذا فاننا اذا أخذنا الاعتدال والوسطية منهاجا لحياتنا جميعا، فاننا نكسب ود المعارضين والمؤيدين معا، واذا التزمنا حكم الدستور والقانون، فاننا لن نغضب أحدا من الجانبين، فالاحتكام الى القانون هو طوق النجاة دائما من الغرق في أي صراع من الصراعات!
ضبطنا 30 متهما من أدعياء المهنة جمعية المحامين: المطلوب تعديل قانون المحاماة لوقف الفوضى
رد رئيس جمعية المحامين عمر العيسى على كل ماطرحه القانونيون من واقع للمهنة وللمخالفات التي دونوها قائلا: للأسف الشديد لدينا قانون قاصر وهو قانون المحاماة، فنحن لاننكر أن هناك أدعياء لمهنتنا.
وأضاف: في السنة الماضية قدمنا 30 متهما كأدعياء المهنة وهم أجانب، وأثبتنا عليهم إتهامات، بعد أن فوجئنا بأنهم يعملون لدى مكاتب محاماة من دون ترخيص، بمعنى أن هذه المكاتب مؤجرة، لكن جميعهم حصلوا على أحكام براءة، والسبب أن القانون الحالي لمهنة المحاماة قاصر ويجب فورا تعديله، وهو ماطالبنا فيه مرارا وتكرارا.
ماذا نفعل ؟
وتابع: أيضا فإن من يقوم بتأجير مكتبه لأشخاص أجانب، فإن ذلك الأمر لايتضح لدينا، وليس لدينا رجال تفتيش، فإن لم يكن القانون قد أباح لنا التفتيش على مكاتب المحاماة، فلا نستطيع العمل، كذلك هناك مكاتب محاماة أجنبية تفتح حاليا في البلاد من دون ترخيص، وقدمنا القائمين عليها كمتهمين، لكن ماذا نفعل أمام القصور في المواد القانونية!
وأكمل: أي شخص يقدم مذكرات قانونية غير المحامي يعتبر متهما، وهنا نحتاج الى تحديد مهنة المحاماة، وتعديل قانون مهنة المحاماة التي تتمثل في تقديم الاستشارات القانونية وحضور المحكمة والدفاع، فبالتالي فإن اي شخص يقوم بهذه الأعمال من دون ترخيص يعتبر متهما.
لا محاباة
وقال: أي معلومة تصلنا نعمل بها، وليس لدينا محاباة، ونتحدى أن يثبت لدينا أي محام أنه تقدم بشكوى ضد مكتب غير مرخص أو يتولى إدارته أجانب، ولم نقدمه كمتهم أمام المحاكم، فنحن اكتشفنا أن هناك محامين لديهم أكثر من مكتب وحولناهم للتأديب لأن ذلك يعد مخالفة صريحة.
وانتهى إلى أن الجمعية قدمت أكثر من طلب للتعديل وللأسف الشديد فإن المشاكل التي تدور في البلاد، لاتدع الفرصة مواتية لدراسة التعديل على قانون مهنة المحاماة.
بطء العدالة أسوأ من الظلم 40 ألف حكم لم ينفذ في الكويت
إعداد الملف مبارك العبدالله
طلب أحد وزراء العدل السابقين منذ سنوات ليست ببعيدة اجتماعاً عاجلا مع قيادات وزارته العليا، وبعد وصول الجميع والجلوس على طاولة الحوار، حيث لا يدرون ما أسباب الاجتماع، تكلم الوزير بغضب: ماذا يحدث في وزارتنا؟ هل العيب فينا أم في أجهزة حكومية أخرى وما هو السبب؟ فصمت قليلا وأخذ يتابع حديثه بغضب: لم أسلم من ديوانية ادخلها ولا من مقابلة اشخاص اعرفهم.. في المناسبات، وحتى جيراني يسألونني عن احكام صدرت لمصلحتهم ولم تنفذ.. تابع الوزير حديثه وسط انصات مسؤولي وزارة العدل: الان اخبروني اين يكمن العجز في تنفيذ الاحكام؟ وكيف لا تحترم احكام القضاء؟ ولماذا لا يطبق القانون بعد تنفيذ الحكم؟
هنا تدخل احد المسؤولين في الوزارة ليجيب على الوزير قائلا: ان هذا الامر يا معالي الوزير موجود منذ القدم، وبالفعل هو يتزايد في كل عام، لكن الخطأ لا تتحمله وزارة العدل وانما جهات حكومية اخرى، فنحن ننفذ الاحكام على الفور، اما العيب فليس لنا دخل فيه.
واقع هذه القصة او الاجتماع الذي رواه لـ«القبس» مصدر مسؤول، كان احد المجتمعين مع الوزير في تلك الفترة، لم ينته.، واستمر الى يومنا الحالي، والامر اكبر من الكارثة، لأن حقوق الموكلين اصبحت تضيع ولا تجد من يعيدها، فبعد انتصار العدالة وتحقيقها، تجد نفسك عاجزا عن اخذ حقوقك، كيف وأين؟ هذا ما يجده الآلاف من المتقاضين ولا يفصح عنه بالنسب امام المجتمع.
«القبس» تفتح الملف الشائك، فبالرغم من أن الاحصائيات الصادرة من وزارة العدل لا توضح الاحكام القضائية التي لم تنفذ، وانما فقط عدد الاحكام المعلنة، فان مصادر مطلعة اكدت ان ارقام القضايا التي لم تنفذ بعد انتهائها من درجات التقاضي الثلاث، اضافة الى اجراءات منع السفر والضبط والاحضار، تصل الى 40 الف حكم وقرار صادر من المحاكم الكويتية.
وقالت المصادر ان هذه الاحصائية تشمل احكاما في اعوام سابقة، وليس فقط في العام الماضي 2009، موضحة ان معظم هذه الارقام تتبع الاحكام المدنية.
وبسؤال ادارة التنفيذ والقائمين عليها فانهم لم يبدوا استغرابهم، موضحين ان الاحكام المدنية التي تقضي بحبس او ضبط واحضار المدين لا تنفذ الا بطلب من الدائن، مضيفين ان المدعين في معظم الدعاوى القضائية التي يقيمونها لا يتابعون اجراءات التنفيذ ويعتقدون انه يتم آليا.. فهل هذه الاعذار صحيحة؟
إلا القضاء..
هناك قصة بريطانية لها علاقة كبيرة باحترام الاحكام القضائية وتنفيذها وتدل على الدول المتحضرة وكيف نتعامل مع احكام قضائها: أثناء الحرب العالمية الثانية كان يوجد في بريطانيا مطار حربي يقع بجوار احدى المحاكم.. وقد أدى ازيز الطائرات نظرا لكثرة عمليات الهبوط والتحليق الى التشويش على اعمال المحكمة، الامر الذي دفع القاضي الى اصدار حكم بنقل المطار الى مكان آخر.
ونتيجة لظروف الحرب الطاحنة رفض قائد المطار تنفيذ الحكم، واشتكى الى ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت فرد عليه بمقولة تاريخية قائلا: «لأن يقال ان بريطانيا هزمت في الحرب افضل عندي من ان يقال انها امتنعت عن تنفيذ حكم قضائي».
فالهدف من هذه القصة هو بيان اهمية تنفيذ الاحكام في شيوع العدل بين الناس، ولذلك تحرص النظم القانونية في الدول المتقدمة على ضمان التنفيذ السريع للاحكام القضائية التي تصدرها المحاكم المختلفة.
سيادة القانون
اكد المستشار العثمان ان البطء في تنفيذ الاحكام احيانا يعود الى رغبة صاحب الحق (المدعي) بطلب التنفيذ، كما ان الإجراءات قد تكون مطولة بطبيعة الحال، مؤكدا ان النيابة العامة لاتتوانى في أي حال من الأحوال بمعاقبة اي شخص يثبت تورطه في عدم تنفيذ الأحكام القضائية الواجبة النفاذ، مشيرا في الوقت نفسه الى ان تطبيق القانون وإعلان سيادته هو أمر مفروض قبل كل شيء.
واشار المستشار المرشد خلال لقائنا معه الى المنادين بإلغاء المنع من السفر كوسيلة لتنفيذ الحكم او الغاء امر الضبط والاحضار الصادر بحق المحكوم عليه كوسيلة ايضا لتنفيذ الحكم الصادر ضده.
واضاف: الرد على ذلك انه يتعين على الجميع احترام الأحكام القضائية اولا لصدورها باسم صاحب السمو امير البلاد، ثانيا ان قوة الأحكام لا تظهر جلية الا بتنفيذها، والا لما كانت هناك حاجة لصدورها اذ تظل بغير تنفيذ حبرا على ورق.
استهتار بأحكام القضاء
كيف يكون في بلد القانون استهتار باحكام القضاء عن طريق التحايل والتلاعب من قبل بعض المسؤولين في الجهات الحكومية، وذلك بهدف الافلات بالالتزامات القانونية.
ملف تنفيذ الاحكام في غاية الخطورة، لان هناك معاناة كبيرة لفئة ليست بقليلة، واصبحت بالآلاف، فان لم تكن تعاني من عدم تنفيذ الحكم، فان الظلم يقع عليها في البطء بتنفيذ الحكم.
60% من الأحكام بطيئة التنفيذ
الملف الذي اعدته «القبس» لهذه الظاهرة القديمة المستمرة، والتي لم تجد طريقها للحد من استهتار البعض من الجهات الحكومية في عدم تنفيذ احكام العدالة، اتضح من خلاله ان اكثر من 60% من الاحكام تأخذ وقتا طويلا لتنفيذها، والسبب الرئيسي يرجع الى قصور واهمال جهات التنفيذ المتمثلة في وزارة الداخلية، فهي اكثر جهة متهمة بهذا الملف من خلال ما تم اكتشافه، لانها تترك المحكوم عليهم لعدة اشهر دون القبض عليهم لتنفيذ الاحكام الصادرة ضدهم.
القبس
الامتناع عن تنفيذ حكم يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون النائب العام لــ القبس»: حققنا مع كبار المسؤولين.. وهناك من عزلوا لعدم تنفيذ حكم
• المستشار حامد العثمان
أكد النائب العام المستشار حامد العثمان ان الامتناع عن تنفيذ حكم يعد جريمة بموجب القانون، والذي جاء من خلال المادة 58 مكرر بنصها على حبس وعزل اي موظف مختص يمتنع عن تنفيذ حكم قضائي.
اشار المستشار العثمان لــ «القبس» الى ان النيابة العامة حققت مع المسؤولين في الجهات الحكومية بالتهمة المشار اليها، موضحا ان غالبا ما يتم احالتهم الى محكمة الجنايات لمعاقبتهم في حال ثبوت تورطهم بعدم تنفيذ حكم قضائي بعد مضي مدة 30 يوما من اعلانهم على يد المندوب، وهي المدة التي اعطاهم اياها القانون بعد صدور الحكم، مؤكدا في الوقت نفسه ان هناك مسؤولين عزلوا من مناصبهم لامتناعهم عن تنفيذ حكم قضائي.
واوضح المستشار العثمان ان النيابة العامة تتخذ اجراءات صارمة ضد من يثبت تورطه بجريمة الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي، مشيرا الى ان الاجراءات او الاليات التي يتم التعامل بها من خلال ورود شكوى ضد اي مسؤول بهذا الشأن تكون عن طريق فحص البلاغ، ومن الضروري ان يكون متضمنا الانذار الذي يوجهه الشاكي الى المشكو ضده حتى يتحقق الركن المادي للجريمة.
وبين المستشار العثمان ان التبريرات التي يبديها المسؤولون خلال التحقيقات التي اجرتها معهم النيابة العامة هي ان هناك روتينا او بيروقراطية في العمل الاداري تعرقل التنفيذ باعتبار ان الموضوع يمر بأكثر من جهة حكومية، وانهم يحترمون القضاء.
• كيف تتعامل النيابة العامة مع الشكاوى التي يتقدم بها المدعون ضد المسؤولين في الجهات الحكومية الممتنعين عن تنفيذ الأحكام النهائية وعرقلتها؟
ــــ بعد تسلمنا شكاوى بمثل هذه البلاغات أولا يتم فحص البلاغ، وأهم شيء أن يتضمن البلاغ الانذار الذي يوجهه الشاكي، أو صاحب الحق المحكوم له إلى الجهة الإدارية بالامتناع عن تنفيذ الحكم المدني حتى يتحقق الركن المادي لقيام جريمة الامتناع عن تنفيذ الحكم المدني، وبالتالي يكون التحقيق وسؤال الأطراف بشرط أن يكون الحكم واجب التنفيذ من الدوائر المدنية، وتلزم به الجهات الحكومية الإدارية.
• هل هناك تضخم في الشكاوى التي تعرض أمام النيابة ضد الممتنعين عن تنفيذ الأحكام القضائية النهائية؟
ــــ هناك شكاوى عديدة بين الحين والآخر، ولكن لا نستطيع أن نقول انها متضخمة، وأعتقد أن السبب يكمن في طلبات التنفيذ الكثيرة، وقد يكون الطريق المدني كافيا، وبالتالي تعود المسألة إلى رغبة صاحب الشأن والمعوقات التي تعتري تنفيذ حكمه أمام الجهات الحكومية.
مواد المعاقبة
• ما أبرز ما توضحه المادة 58 مكرر التي تنص على معاقبة الممتنعين عن تنفيذ الأحكام القضائية؟
ــــ هذه المادة تؤكد على حث الإداريين في جميع الجهات الحكومية على تنفيذ الأحكام الصادرة من جميع المحاكم المدنية، وإعلاء سيادة القانون، والدليل أن القضية تنقضي وتصبح كأن لم تكن إذا نفذ الحكم وتبين للنيابة العامة أن الحكم تم تنفيذه.
جريمة الامتناع
• هل حققت النيابة العامة مع مسؤولين بتهمة الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي؟
ــــ نعم حققنا مع الكثير من المسؤولين، وهناك من أبعد من منصبه، وغالبا ما نحيل مثل هذه القضايا إلى المحاكم الجنائية، فالنيابة العامة حققت مع مسؤولين كبار معنيين في تنفيذ الأحكام القضائية، وفتحت فيها تحقيقات في قضية الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي كونها جريمة.
• ما الأسباب التي تتضح من خلال التحقيقات مع المسؤولين والتي يستندون إليها في امتناعهم عن تنفيذ الأحكام؟
ــــ بعضهم يقول ان هناك روتينا أو بيروقراطية في العمل الإداري تعرقل التنفيذ باعتبار أن الموضوع يمر بأكثر من جهة حكومية كوزارة المالية أو مجلس الخدمة المدنية وغيرها، إلا ان الجميع ،أعتقد، يحترم القضاء، لكن هذا تبريرهم للاتهامات المنسوبة إليهم.
متقاضون يروون مآسيهم: هتفنا يحيا العدل.. ومرت السنوات ولم نر العدل!
• مركز خدمات التقاضي في العدل
قد تكون أرقام الأحكام غير المنفذة منذ سنوات عديدة مرعبة، ولا يصدقها أي شخص خصوصا من لم يذهب الى المحكمة يوما ما، أو من لم يكن خصما في أي قضية كانت، لكن ما هو مرعب أكثر ويزيد المعاناة في النفوس هو احوال المتقاضين الذين يعانون كثيرا عدم تنفيذ الاحكام الصادرة لمصلحتهم..
فالاضطراب النفسي يكون حاضرا وهو اقل ما يمكن رصده لحالاتهم، فما الذي يفعلونه بعد ان يحكم القضاء العادل لهم بحفظ حقوقهم التي طالما انتظروها طويلا، لكنهم بعد الصدح بكلمة «يحيا العدل».. وهي الكلمة التي طالما ما سمعناها وبشكل يومي في المحاكم الكويتية بعد اعلان القضاة احكام البراءة او الاحكام التي تلزم الدائنين برد الدين لمديونيهم او غيرها من الاحكام، لكنهم في الوقت نفسه لا يعلم بعضهم ان هناك من حيا العدل لكنه انتظر سنوات طويلة وحتى الان لم يحصل على حقوقه.
اين الملاذ؟
احد المواطنين يعمل في المحكمة بوظيفة كاتب، وبالرغم من انه يعمل في جهاز العدالة والمساواة فان الحكم الذي حصل عليه لم ينفذ حتى الان والسبب وزارة الداخلية على حد قوله.
يقول هذا المواطن لــ «القبس» وباسلوب المغلوب على امره: انا كويتي الجنسية، وقد تقدمت بدعوى مرفوعة ضد جميع وزارات الدولة اطالب فيها باضافة اللقب للعائلة في نهاية اسمي، ولله الحمد فلقد صدر حكم نهائي باسم صاحب السمو امير البلاد المفدى لمصلحتي باضافة لقب للعائلة في عام 2006، وقمت بتنفيذ الحكم على جميع وزارات الدولة ما عدا وزارة الداخلية مخاطبة اللجنة العليا للجنسية في مجلس الوزراء، ولم يتم تنفيذ الحكم من قبل اللجنة العليا، وماطلت في تنفيذ الحكم النهائي حتى تاريخنا الحالي.
مشاكل
ويضيف معاناته قائلا: واجهتني مشاكل عديدة من قبل وزارة الداخلية لعدم وجود اللقب في مستنداتها الرسمية، وحتى الان انا في حيرة من امري، فبعد ان فرحت كثيراً بصدور حكم لمصلحتي، وبعد إعلان الحق إلا أنني لم أجد من ينصفني في هذا الأمر والعرقلة التي أجدها من وزارة الداخلية، فهل أقوم برفع دعوى أخرى لعدم تنفيذ حكم قضائي نهائي؟ وهل سيبدأ العناء من جديد؟ أم أنني أنتظر لعل الفرج يأتي فجأة.. الله أعلم.
معاناة مواطنة
أحد المواطنين يروي معاناة والدته التي هي متقاعدة عن العمل في الوقت الحالي، فيقول: في عام 96 تقاعدت والدتي عن العمل في القطاع الخاص، وحتى عام 2005 كنا نعيش بعيداً عن المحاكم وارتيادها، وكانت والدتي تسافر وترجع إلى البلاد من دون أن يقول لنا أحد ان عليها حكماً قضائياً أو ضبط وإحضار أو أي إجراء قانوني، ولكنه في بداية عام 2006 وبعد ان أكملت والدتي جميع الحجوزات لتستعد للذهاب إلى العمرة، وبعد وقوفنا في المطار، أبلغونا بأن جهاز الكمبيوتر يشير إلى وجود حكم قضائي بحبس والدتي 5 سنوات مع الشغل والنفاذ، وذلك لوجود قضية تزوير في الشركة التي تعمل بها، وأن تاريخ هذا الحكم في عام 96، وكان ذلك بمثابة الصدمة لنا، حتى اننا وكلنا محامياً، وبعد وقوفنا أمام القاضي دفع محامينا بانتهاء مضي مدة الحبس القانونية لسقوطها جزائياً، فقبل القاضي بذلك وأصدر على الفور حكماً ينص على براءة والدتي، وأمر بإلغاء حكم الحبس فوراً وان تذهب والدتي إلى العمرة.
ويعلق المواطن على قضية والدته قائلاً: كنا كثيراً ما نسمع ان هناك أحكاماً لم تنفذ، أو أن هناك أحكاماً لا تعلم بوقوعها إلا بعد سنوات، لكن هذا خلل كبير وفادح نستغرب ان يكون في أجهزة الدولة، خصوصاً وان وزارة الداخلية والمالية والمعلومات المدنية تملك أفضل تقنية من ضمن الجهات الحكومية الأخرى، فكيف للجهاز التابع لوزارة الداخلية لا يعلن عن الحكم إلا بعد عشر سنوات.
رجل مباحث
مواطن آخر يروي قصة فيها كثير من العجب، حيث يؤكد انه عمل بمهنة رجل مباحث لمدة أسبوع بناء على تعليمات من رجال الشرطة، ويبدأ الحديث عن قصته قائلاً: صدر حكم لمصلحة والدي بمبلغ 43 ألف دينار ضد أحد المواطنين الذي كان شريكاً له في أحد المشاريع التجارية، وبعد استنفاد الحكم لجميع درجات التقاضي، ذهبنا لننفذ الحكم في إدارة التنفيذ بوزارة العدل، وبعد ذلك طلبنا ضبط وإحضار المدين بعد مرور أشهر عديدة، ولم يسدد المبلغ في خزانة العدل.. وانتظرنا لعدة أشهر، ولم يضبط المدين، لكننا كنا نسمع انه يسرح ويمرح، بل ويسافر خارج البلاد دون أن يلقى القبض عليه، وبصراحة لم أستطع الصمت طويلا فذهبت إلى وزارة الداخلية واستفسرت عن اسباب عدم ضبط المدين، فقالوا لي وبالحرف الواحد: إذا علمت مكانه وتواجده اتصل بنا، وبالرغم من ان الرد غير منطقي وأنا غير مخول بهذا الأمر، إلا أنني أصبحت أراقب المدين واطارده من مكان إلى آخر، وفي احدى المرات علمت أنه يذهب إلى البحر في نهاية كل اسبوع، فتبعته منذ ركوبه سيارته أمام منزله، حتى توقف عند البحر، وركب طراده وكان التوقيت في الصباح الباكر، فطلبت المباحث على الهاتف، لكنهم أبلغوني أنه غير متواجد حاليا ويجب أن أبلغهم في حال رجع من البحر، فانتظرت لمدة 5 ساعات حتى وان رأيته قادما بالطراد طلبت رجال المباحث هاتفيا وجاءوا فألقوا القبض عليه بعد مماطلات دامت عاما كاملا، متسائلا بعد ختام قصته: هل يعقل أن نعمل بدلا من رجال المباحث؟!
عذاب
أحد العاملين بوزارة الداخلية يروي قصته ويعاني من عدم تنفيذ حكم أحوال شخصية ويقول: لم اكن أعلم أن حكم رؤية لطفلتي من طليقتي قد يعذبني كثيرا، فلقد قمت برفع دعوى ضد طليقتي بعد أن منعتني من رؤية طفلتي، وقد صدر حكم لمصلحتي برؤية ابنتي في نهاية كل اسبوع لمدة 3 ساعات، لكنه وللأسف الشديد بعد الذهاب إلى منزل طليقتي رفضت اعطائي ابنتي البالغة من العمر 9 سنوات، وبعدها ذهبت إلى المخفر واشتكيت، فأبلغوني بأن الطفلة هي التي ترفض رؤيتي على حد قول والدتها، لكنني ذهبت ورفعت دعوى تعديل الحكم بعد أن حضرت الطفلة ووالدتها واقرت الطفلة بأنها هي التي لا ترغب برؤيتي، فطعنت على حكم المحكمة الذي لم يصدر لمصلحتي هذه المرة وطلبت تعديله، وبعد ذلك صدر لمصلحتي، إلا أنني وبعد صدور حكم التعديل قبل 3 سنوات لم أر ابنتي حتى الآن للحظة واحدة والسبب هو تعنت طليقتي وحقدها علي، فالقانون للأسف الشديد لم يفرض العقوبة القاسية على الممتنعين عن تنفيذ الأحكام القضائية.
الشرطة تقول لنا «إذا عرفتوا مكان المطلوبين بلغونا»! ذكرى الرشيدي: آلاف المجرمين طلقاء ولم تنفذ أحكام حبسهم
• ذكرى الرشيد
اكدت المحامية ذكرى الرشيدي ان الامن الوطني مهدد في الكويت، والسبب ان الآلاف من الاحكام القضائية المدنية والجنائية لم تنفذ، مشيرة الى ان هناك العديد من المجرمين لا يزالون طلقاء، ولم يتم حبسهم بسبب عدم تنفيذ الاحكام ضدهم.
وقالت الرشيدي ان اكثر الاحكام التي تنفذ هي ضبط واحضار المدينين، موضحة ان اغلب المتهمين لا يزالون على رأس عملهم، ولكن السبب يقع في ذلك الامر على وزارة الداخلية.
واوضحت الرشيدي انه وعلى الرغم من اعلان الداخلية لموظفيها عن منحهم مكافآت مالية في حال القاء القبض على المتهمين، فانه وحتى الآن لم نلمس التطوير، فهناك احكامصدرت منذ 15عاما ولم تنفذ حتى الآن، وما زلنا نجدد اوامر الضبط والاحضار بحق المتهمين.
• من واقع عملك في مهنة المحاماة هل هناك احكام لم تنفذ؟
ــــ بالتأكيد هناك احكام كثيرة على مدينين لم تنفذ، ولدينا احكام من قبل 15سنة صدرت وحتى الآن لم تنفذ، والمشكلة ان بعض المحكوم عليهم كويتيون وعلى رأس اعمالهم حاليا.
• ولماذا لم تنفذ هذه الاحكام؟
ــــ نحن عملنا جميع اجراءات التنفيذ ضد المدين والمنع من السفر، فهل يعقل ان تكون الداخلية لا تستطيع القبض على المدينين وتبقى حقوق معلقة ومكتوبة على ورق.
• هذه معلومات خطيرة.. هل تعتقدين ان المسؤولين على علم ودراية بما يحدث من عدم تنفيذ الاحكام؟
ــــ اشتيكنا كثيرا، وتحدثنا مع بعض العاملين في الداخلية وسألناهم لماذا لا يكون تفعيل لهذه الاجراءات؟ وكنا نسمع ان افراد المباحث قلة، وعدد طلبات اوامر الضبط بالآلاف، حتى الآن نراجع ادارة المدينين ويقولون لنا «اذا عرفتوا مكانهم بلغونا»، فهل يريدوننا ان نعمل بمهنة المباحث بدلا من اعمالنا؟.
• هل هو نقص ام تقاعس من قبل افراد الداخلية؟
ــــ هذا السؤال يوجه للمسؤولين، لكننا نعتب على الداخلية لان بعض اداراتها تحتاج الى تطعيم بكفاءات واعداد لتقوم بواجبها، فقد استبشرنا خيرا في ادارة معاونة التنفيذ منذ سنوات، وانها ستنفذ جميع الاحكام السابقة، ولكن وجدنا ان هناك نقصا في عدد افراد المباحث.
• هل الداخلية هي الجهة الوحيدة المتهمة بتعطيل الاحكام؟
ــــ في وزارة العدل يكون تنفيذ الحكم بضغطة زر، واحيانا قد يضيع ملف، لكن لهذه المشكلة قد تجد حلا، اما التنفيذ الجبري فهو اختصاص وزارة الداخلية.
• وماذا عن المطلوبين جنائيا وصادر بحقهم احكام حبس ولم ينفذ عليهم الحكم حتى الآن؟
ــــ هم كثيرون حتى الأجانب فهم موجودون في البلاد، والدليل اننا نلاحظ دائما اخبارا صحفية بانه القي القبض على مطلوبين ولو بحثنا عنهم نجد ان عليهم احكاما سابقة صدرت منذ سنوات ولم يلق القبض عليهم منذ تلك الفترة.
• معنى ذلك ان هناك مدينين ومجرمين طلقاء ولم يلق القبض عليهم؟
ــــ نعم وهم بالآلاف سواء من الكويتيين او الوافدين، وقد تكون النسبة الاقل هم المحكومون جنائيا، وهذا الوضع ينذر بكارثة، فنحن بحاجة الى ان نكون صارمين في الامن الوطني.
• هل من المعقول ان الداخلية لا تنفذ اوامر الضبط ولا تجد التطوير في الجهاز المشرف على هذه الأوامر؟
ــــ سمعنا قبل فترة ان وزارة الداخلية اعلنت انه من يقبض على متهم له مكافأة، ونحن لا نلوم الافراد في ادارة تنفيذ المعاونات بل نشفق عليهم من كثرة عدد القضايا المطلوب تنفيذها، ونتمنى ان تشجع الداخلية الشباب وتقوم بزيادة رواتبهم اضافة الى اعطائهم مكافآت خصوصا ان المباحث مهنة شاقة ومتعبة.
• ماذا عن قضايا الاحوال الشخصية وعدم تنفيذها؟
ــــ مشكلة التنفيذ موجودة في كل القضايا، وعلى سبيل المثال بالنسبة لقضايا الاحوال الشخصية، امرأة تنتظر النفقة من خلال حكم صدر قبل سنة، نبدأ تنفيذ الحكم بالنفقة منذ صدوره، نجد ان الاجراءات تحتاج الى اعلان الشخص وهذه مشكلة اخرى، وبعد ان نعلن نبدأ اجراءات التنفيذ على الزوج، ويكون حجز على الراتب ويتم من خلال ضغطة زر من موظف التنفيذ، وننتظر شهرين وثلاثة ويقولون حتى الآن لم يتم حجز الراتب، فهو قد يكون لديه علاقات ادارية فيعطل التنفيذ، فعندما يصدر الحكم الاستئنافي تبدأ اجراءات الضبط والاحضار ونسلمه الى معاونة التنفيذ المدني، وتنتظر اشهرا واحيانا سنوات، ولا يتم القبض على الزوج لدفع نفقة الاولاد المتجمدة، والمصيبة ان بعض هؤلاء الذين عليهم نفقات متجمدة عسكريون.
• وهل هناك أمل في تحسين الأوضاع بالنسبة لتنفيذ الاحكام؟
ــــ اولا كمواطنة غيورة ومن موقعي كمحامية لتحقيق العدل الذي لا يكون الا من خلال تنفيذ الاحكام، فلا معنى لحكم لا ينفذ، وتطبيق الاحكام هو تأكيد لسيادة الدولة، واحترام القانون هو من سمات الدولة المتحضرة، فليعهد الامر الى عناصر ترشيح لذلك ويكون لها ايمان بقيمة العدل ولا تكل ولا تمل من اتخاذ الاجراءات، مما يكفل تنفيذ الاحكام فور صدورها.
أكدوا أن القضايا الإدارية هي الأكثر عرضة للعرقلة قانونيون يعلقون على إجراءات تنفيذ الأحكام: لامبررات لعدم التنفيذ.. ولانجد إلا الحجج الواهية
• علي العصفور
قد يكون الأكثر عرضة والمعني بعدم تنفيذ الحكم بعد صاحب العلاقة هو محاميه، لأنه يريد إنهاء ملف القضية ولايبدأ عناء جديدا لم يعمل له حسابا.. فالمحامي يشاهد العشرات من القضايا ويسمع عن المئات والآلاف منها والتي وجدت طريقا مسدودا في تنفيذها.
«القبس» استطلعت اراء القانونيين وقد باحوا بما رأوه وطرحوا وجهات نظرهم القانونية وبعضا من الحلول التي رأوا أنها من الممكن أن تحد من المشكلة ، وقد أكدوا أن المبررات التي يجدونها من قبل الأشخاص الممتنعين عن تنفيذ الأحكام غير مقنعة، وإنما هي حجج واهية لاتجد لها أي سند من القانون.
وبين القانونيون أن أكثر الجهات التي تتعرض لعرقلة الأحكام هي الجهات الحكومية، كون أن قضايا الترقيات المدرجة ضمن نوعية القضايا الإدارية هي الأكثر وقوعا في المحاكم.
إجراءات ضعيفة
إن إجراءات تنفيذ الأحكام من قبل الجهات الحكومية يمكن تقييمها بالضعف.. هذا ما أكده المحامي علي العصفور في بداية تعليقه على إجراءات تنفيذ الأحكام.
وأضاف: لعل أهم هذه الأسباب ضعف المتابعة بالأجهزة الحكومية وكذلك ضعف الرقابة وعدم وجود الكوادر القادرة على أداء هذه المهام، فمن المؤكد أنه إذا غابت المتابعة تعرقل الأداء وتعثر وتعطلت المصالح، ومن ضمنها متابعة إجراءات التنفيذ ويعضد ويساند ضعف المتابعة أيضاً ضعف الرقابة، بحيث لا نجد من يقوم بدور المتابع والمراقب لهذه الاجراءات من موظفين منوط بهم مثل هذه الوظيفة.
واستطرد قائلا: يتعين أن تكون هناك تعليمات صارمة من الإدارة العليا بجميع الجهات الحكومية بضرورة الحرص والعمل على تسهيل تنفيذ الأحكام، وكذلك ايجاد نوع من المتابعة ونوع من المراقبة المنتجة وليس الرقابة الشكلية، وضرورة توعية العاملين بهذه الجهات بأن الأمر مرتبط بمصالح المواطنين ومصالح الدولة، وبالتالي يجب العمل على حماية هذه المصالح وليس التفريط فيها بعرقلة إجراءات التنفيذ، فأي حكم يصدر بأي موضوع يبقى حبراً على ورق دون تنفيذه ولا توجد له أي قيمة إذا لم يكن هناك ترجمة لهذا الحكم الصادر عن طريق فرضه على أرض الواقع ولو اقتضى الأمر استعمال القوة الجبرية.
الجنائي والمدني
ومن جهته علق المحامي محمد الأنصاري قائلا: لابد أن نفرق بين الأحكام الجنائية والأحكام المدنية للتعرف على طبيعة كل منها وبالتالي الوقوف على الثغرات التي تؤدي إلى تعطيل تنفيذ تلك الأحكام، وكما هو معروف فإن الحكم الذي يصدر عن المحكمة الجنائية سواء كان ذلك في جناية أو جنحة أو حتى مخالفة فهو حكم واجب النفاذ بقوة القانون لأنه حكم قد انتهت فترة الطعن فيه سواء بالمعارضة أو بالاستئناف، واستدرك قائلا: اما الأحكام المدنية فتواجهها صعوبات كثيرة تؤدى الى تعطيلها عن النفاذ، والقصور لا يعود إلى إصدار الأحكام نفسها، ولكن المسؤول عنها قلة الضمير لدى كثير من المحكوم عليهم، وكما ان سفر المدين خارج البلاد يعد من أهم العقبات التي تحول دون تنفيذ الأحكام في القضايا المدنية، خاصة إذا علم برفع الدعوى عليه من قبل المدعي، خاصة إذا كان المبلغ ضخما وإذا كان مثبتا بشكل رسمي، ولمواجهة هذه المشكلة لابد من تنفيذ طلب المدعي بمنع المدعى عليه من السفر، خاصة إذا كان مقيما في حالة ما إذا كان المبلغ مثبتا بشكل رسمي نتيجة تعاملات بنكية او عقارية موثقة.
حجج واهية
وبدوره أكد المحامي مبارك الشمري أنه يوجد بعض الأحكام التي قد يصعب تنفيذها في الجهات الحكومية، أو تقوم الجهة الحكومية بعرقلتها بحجج واهية.
وقال إن نوعية هذه القضايا هي الإدارية التي تكون ضد الوزارات لإلغاء قرار إداري بخصوص ترقية أو تعيين أو إزالة أو غير ذلك، فإنه يمكن أن يحدث تعطيل أثناء تنفيذ الحكم بخصوص منطوقه إذا شابه غموض أو لبس، هذا إذا كانت الإدارة المعنية لا ترغب في تنفيذ الحكم، فإنها تثير هذه العراقيل في التنفيذ، وفي هذه الحالة يحق للشخص تصحيح أي غموض في منطوق الحكم حتى يتمكن من تنفيذه، أما في حالة الامتناع عن تنفيذ حكم واضح لا لبس فيه، فإنه يحق لكل شخص تقديم بلاغ للنيابة العامة يتهم فيها الإدارة بالامتناع عن تنفيذ حكم واجب النفاذ.
الوظائف الإشرافية
من جانبه، أبدى المحامي يعقوب الصانع تقييمه لمشكلة عرقلة الأحكام من الواقع العملي لإجراءاتها من قبل الجهات الحكومية والقضايا الأكثر عرقلة في تنفيذ الأحكام، مشيرا إلى أن موظفي الجهات الحكومية خاضعون لأحكام المرسوم بالقانون رقم 15 لسنة 1979 في شأن الخدمة المدنية، وأن أكثر القضايا انتشاراً في ساحة القضاء هي القضايا الخاصة بالوظائف الإشرافية، وتكون الدعوى المقامة أمام القضاء بهذا الخصوص هي دعوى إلغاء القرار الإداري، وقد نظم القانون مواعيد إقامة الدعوى ويسبقها شرط إقامة التظلم.
واضاف: اجازت المادة 76 من نظام الخدمة المدنية إحالة الموظف إلى التقاعد بشرط أن يكون مستحقاً لمعاش تقاعدي فيما لو انتهت خدمته
بالاستقالة وقت هذه الإحالة، وتكون الإحالة إلى التقاعد بقرار من الوزير، فيما عدا شاغلي مجموعة الوظائف القيادية فتكون بقرار من مجلس الخدمة المدنية بناء على اقتراح الوزير.
صعوبة بالغة
وقال المحامي علي الراشد اننا كمحامين نواجه صعوبة كبيرة، خصوصا في الأحكام الصادرة من محاكم القضاء الإداري ضد الجهات الحكومية، وغالبا لا يتم تنفيذ هذه الأحكام إلا بصعوبة بالغة، وهذه الأحكام قد تكون ملزمة للإدارة بترقية موظف عام أو إلغاء قرار معين، أو غير ذلك من الأمور المتعلقة بالوظيفة العامة، وكذا الأحكام الصادرة ضد البلدية وغالبا ما تكون الأحكام تلزم البلدية بدفع التعويضات المتعلقة بنزع الملكية للمنفعة العامة، أو لأصحاب حقوق يتم إصدار أحكام لمصلحتهم وعلى الدولة تنفيذ الحكم.
إجراءات صعبة
أما المحامي عزيز الصايد فقد أوضح أن قانون المرافعات المدنية والتجارية نظم إجراءات تنفيذ الأحكام، سواء منع السفر أو الضبط والإحضار أو الحجز على العقار أو الحجز على الراتب أو السيارة وخلافه، وكم من الصعوبات التي تواجهها في الحصول على تلك الإجراءات التي لا يمكن تنفيذها سهلة وميسرة، وذلك لعدم وجود الكادر من الموظفين المدربين تدريباً صحيحاً على تنفيذ تلك الإجراءات إلى جانب الإجراءات الروتينية المعقدة وإذا ما تم تنفيذ تلك الإجراءات، تكمن المشكلة بعد ذلك في التنفيذ الفعلي لتك الإجراءات وتقاعس الجهات المختصة في تنفيذها مما يطيل الوقت ويضيع الحقوق وكذلك الإجراءات المعقدة التي تتم في الحجز على العقار وما يتطلبه ذلك من إجراءات روتينية معقدة وعدم وجود الموظف ذي الدراية الكافية لتلك الإجراءات، وكذلك عدم الربط بين إدارة التسجيل العقاري وإدارة التنفيذ، وكذلك عدم جواز الحجز على الراتب إلا لبعض الوزارات دون البعض الآخر، إضافة إلى طلب التجديد الشهري للحجز لدى البنوك.
تعديلات تشريعية
طالب القانونيون أن تكون هناك بعض التعديلات التشريعية على قانون المرافعات، فيما يترتب عليه سهولة تيسير الإجراءات خاصة في الحجز على العقار وربط التسجيل العقاري مع إدارة التنفيذ.
كما طالبوا بتوفير الموظفين المختصين بعد حصولهم على دورات تدريبية متجددة، إضافة إلى توفير مكاتب حجز سيارات داخل كل إدارة تنفيذ مختصة، كذلك توفير قاض مختص بالتنفيذ داخل كل محكمة بصفة يومية، وأن تكون هناك سرعة في تنفيذ تلك الإجراءات. أيضا طالب القانونيون بتوفير مندوبي إعلان وتنفيذ الأحكام مختصين ومتدربين، وتوفير لائحة جزاءات مشددة توقع على المختص أيا كانت وظيفته في حال تقاعسه عن تنفيذ الأحكام أو الاعلانات.
إدارة التنفيذ
أكد القانونيون ان الحل الأمثل للتخلص من مشكلة عدم تنفيذ الأحكام يتطلب قيام إدارة التنفيذ بوزارة العدل بالواجبات المنوطة بها لتنفيذ مثل هذه الأحكام دونما حاجة إلى قيام صاحب الحكم باللجوء إلى الشكاوى لتنفيذ هذه الأحكام، إذ ان هذه الإدارة هي من يجب أن تتصدى من تلقاء نفسها لعدم قيام أي جهة حكومية بتنفيذ الأحكام، وبالمقابل يجب أن تكون هناك رقابة صارمة على جميع الجهات ذات العلاقة بشأن تنفيذ الأحكام الصادرة ضد أجهزة الدولة ولكن للأسف هذه الرقابة مفقودة ولا توجد جهات عليا تتظلم أمامها سوى الرجوع مره أخرى للقضاء.
أكثر الجهات عرقلة للأحكام
اتفق القانونيون على أن الأحكام الصادرة ضد الجهات الحكومية هي التي تكون فيها عرقلة في تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، وذلك لسوء الجهاز الإداري المختص بالتنفيذ داخلها، وذلك لعدم قيامه بإبلاغ الجهات الرسمية التي ترأسه بهذا الحكم وذلك فان المنفذ ضده شخص معنوي ينفذ الحكم ضده بصفته ولهذا فانه لا تسوى ضده إجراءات التنفيذ التي تسوى ضد الأشخاص ولا سبيل لصاحب الحكم إلا تقديم شكوى للنائب العام بالامتناع عن تنفيذ الحكم.
أبدى 86% من المواطنين والمقيمين استياءهم من بطء تنفيذ الأحكام في البلاد، مما يتسبب في تأخر الحصول على المستحقات المالية وغيرها.
وكشف استبيان أجرته «القبس» وشمل شريحة قوامها 100 مواطن ومقيم في مختلف المناطق ان 78% عانوا من تأخر تنفيذ الأحكام حينما كان كل منهم خصما في قضية من القضايا.
وأكد 72% من المشمولين بالاستبيان أن الأحكام المدنية هي الأكثر تأخرا في التنفيذ، فيما ذكر 16% أن الأحكام الإدارية هي التي تتأخر كثيرا في تنفيذها، وعلى العكس من ذلك يرى 12% ان الأحكام الجنائية هي الأكثر تأخيرا.
وردا على سؤال حول أكثر الجهات التي تعرقل تنفيذ الأحكام القضائية، قال 52% «الداخلية»، فيما قال 28% «العدل» ورأى 20% ان جهات أخرى مسؤولة عن تأخر تنفيذ الأحكام.
وشدد 70% على ان المبررات التي تبديها الجهات المختصة لتأخر تنفيذ الأحكام غير مقبولة، فيما أجاب 18% بأنها مقبولة وقال 12% فقط «لا أدري».
القاعدة المعروفة انه لا دعوى بلا مصلحة فلا بد ان يكون لدى المدعي مصلحة تدعوه الى اقامة الدعوى، والمصلحة تتغير من دعوى الى دعوى، ففي بعض الدعاوى يتعين ان تكون هناك مصلحة شخصية مباشرة، وفي البعض الآخر يكتفى بأن يكون للمدعي مصلحة ولو محتملة والذي يهمنا ان هناك من المحامين من يعتقدون انه لا بد ان يكون لهم دور ايجابي في مجتمعهم وهو امر مرغوب ومطلوب، ولكن بعضهم يتطرف في هذا الاتجاه بحيث ينصب نفسه قيما على المجتمع، فإذا شاهد فيلما في احدى دور السينما مثلا يرى فيه خروجا على الحدود التي رسمها هو لنفسه فإنه يسارع الى اقامة دعوى للمطالبة بمنع عرض هذا الفيلم، واذا رأى فنانا او فنانة تتصرف تصرفا لا يعجبه فإنه يقيم دعوى للمطالبة بمنعه من هذا التصرف، الى درجة ان احد المطربين الشبان كان مسافرا الى دولة اجنبية وهو يرتدي بنطلونا قصيرا (شورت) وحين استقبله الصحافيون صوروه وهو يرتدي ذلك الشورت، فأقام احد المحامين دعوى امام القضاء الاداري يطالب فيها بسحب الجنسية من هذا المطرب، لانه في نظره يعتبر سفيرا لبلاده وانه اساء تمثيلها بهذا الزي الذي يرتديه، ومحام آخر لم يكن يعجبه الرئيس الراحل انور السادات فأقام عدة دعاوى يتعقبه فيها هو واسرته، منها دعوى مثلا اقامها لإلغاء القرار الصادر بإطلاق اسم جيهان السادات على احدى مدارس البنات، وفي احدى مرافعاته امامنا زعم انه في احدى الجلسات شاهد صورة الرئيس السادات معلقة على الحائط وراء القضاة فطلب منهم الاذن له بعشر دقائق ليذهب الى منزله ويحضر صورته ليعلقها الى جانب صورة الرئيس، قائلا: ما دمتم قد وضعتم صورة خصمي وراءكم فإن العدل يقتضي ان تعلقوا صورتي ايضا، ولم يكن هذا صحيحا ولذلك التفتنا لبعضنا البعض نتهامس: هل حدث ذات مرة رأيتم صورة للملك او للرئيس في المحاكم؟ وكان الاجماع بان المحاكم لا تعلق أي صورة خلف القضاة، وكل ما يعلق هو الاية الكريمة «وإن حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل»، ولكننا تركناه يسترسل ليستعرض أمام موكليه كيفما شاء ما دام لا يؤثر في قضائنا، وكانت جميع الدعاوى التي يقيمها مصيرها عدم القبول لانعدام المصلحة، وبعد ان توفي هذا المحامي، رحمه الله، خلفه عدد آخر من المحامين يحترفون أيضا دعاوى بلا مصلحة، مدعين أن غيرتهم على الوطن هي التي تدفعهم إلى اقامة هذه الدعاوى، منهم مثلا من يتعقب خبرا نشر في احدى الصحف عن ان احد رؤساء التحرير انفق أموالا طائلة على حمامه الخاص بالجريدة فأقام فيه «جاكوزي وسونا»، فطالب بمحاسبته عن تبذير أموال الشعب، ولكن ثبت بعد ذلك ان الخبر مختلق! وغيرها من القضايا التي تنعدم فيها مصلحة رافعها بما يشغل وقت القضاء ويفوت الفرصة على غيرهم من أصحاب القضايا الحقيقية الجادة، لأنه أيا كانت الدعوى، وأيا كانت تفاهة الأسس التي تقوم عليها فإنها تستنفد من وقت القاضي وجهده ما يحسن ادخاره لغيرها من القضايا المهمة، ولقد حاول البعض ان يجد مبررا لهذا التوسع في الشريعة الإسلامية بمقولة انها اجازت دعوى الحسبة اي التي تقام باسم المجتمع ككل، ولقد أدى هذا التوسع في التفسير الى اغراق القضاء بسيل من القضايا ينوء بها كاهله مما اضطر المشرع الى تنظيم دعوى الحسبة بأن جعلها من اختصاص النيابة العامة التي تنوب عن المجتمع في كل ما يهمه، وبهذا أغلق الباب أمام هؤلاء المحامين المغامرين الباحثين عن الشهرة ولو على حساب العدالة!
في سنة 1955 عقب الاعتداء على السنهوري باشا رئيس مجلس الدولة الاسبق ارادوا معاقبة المستشارين الذين اعلنوا احتجاجهم وشجبهم لذلك الاعتداء الغاشم، ولأن قاعدة عدم قابلية القضاة للعزل وقفت عائقا في سبيل اخراجهم من القضاء، فقد لجأوا الى مثال كان قد سبق ان ضربه الدكتور السنهوري نفسه في شرحه للنظرية التي ابتدعها، وهي نظرية الانحراف بالسلطة التشريعية ــ على ما سبق ان تناولته في مقال سابق ــ فقد ضرب مثلا لانحراف السلطة التشريعية بأن تصدر قانونا باعادة تشكيل هيئة قضائية وتعتبر من يغفله ذلك التشكيل خارج الهيئة، وذلك افلاتا من قاعدة عدم القابلية للعزل، فطبقوا هذا المثال بحذافيره في اول مذبحة للقضاء فخرج او أُخرج من مجلس الدولة احد عشر عضوا ونص القانون على ان ينقلوا الى وظائف اخرى خلال ستة اشهر، وكان من بين هؤلاء المستشارين اسماء لامعة حضر بعضهم الى الكويت وساهم في سن التشريعات الاساسية التي أعقبت استقلال الكويت او في رئاسة بعض الهيئات المهمة اذكر منهم المستشار حمدي ابراهيم الذي رأس ديوان الموظفين قبل ان يعدل اسمه الى ديوان الخدمة المدنية، ومنهم المستشار محسن عبدالحافظ الذي ساهم في صياغة دستور الكويت، وغيرهما كثيرون. اما الباقون فقد نقلوا الى وظائف معادلة في جهات أخرى منها المحاكم العادية ومنها ادارة قضايا الحكومة، وهؤلاء حين تم تسكينهم بين اقرانهم لم يراعوا اقدميتهم في شغل الوظيفة التي كانوا يشغلونها في مجلس الدولة، فاعتبر كل منهم أحدث الشاغلين للوظيفة. فمثلا المستشار المساعد في مجلس الدولة الذي كان قد رقي الى هذه الوظيفة منذ اكثر من اربع او خمس سنوات وأصبح في مقدمة المستشارين المساعدين نقل الى وظيفة مستشار مساعد في ادارة قضايا الحكومة، وتم ترتيب اقدميته في تلك الوظيفة على أنه آخر المُرقَّين اليها!
وبطبيعة الحال لم يرتض. هؤلاء المستشارون ذلك الوضع فتقدموا بتظلمات من هذه القرارات الى وزير العدل، ولأن القانون يقضي بأن يحال التظلم الى مفوض الدولة لوزارة العدل ليبدي رأيه فيه قبل ان يعرض على وزير العدل، واذ كنت وقتها اشغل تلك الوظيفة فقد عرضت عليّ هذه التظلمات فأبديت رأيي فيها طبقا للقانون وانتهيت الى وجوب الغاء تلك القرارات فيما تضمنته من اهدار اقدمية هؤلاء المستشارين مع ما يترتب على ذلك من اثار، مما كان مقتضاه ان يعاد ترتيب كل منهم بحيث يوضع في ترتيب مساو للترتيب الذي كان يشغله في مجلس الدولة، وبطبيعة الحال عرض ذلك الرأي على وزير العدل فقام باستدعاء هؤلاء المستشارين ــ وقال لهم حسبما نقلوا اليّ فيما بعد ــ ان ما كتبه المفوض سليم ومطابق للقانون ولكن ارجوكم الا تطلبوا مني تنفيذه لأن معناه انني سأعرض الموضوع من جديد على رئيس الجمهورية لاطلب منه الغاء قرارات نقلكم وأنتم لا تتخيلوا مدى الجهد الذي بذلته مع الرئيس لينسى اسماءكم وليكتفي بما تم معكم، فهو يحمل لكم ضغينة لما فعلتموه امامه احتجاجا على الاعتداء على السنهوري، فبعضكم كان قد قال لرئيس الجمهورية شخصيا وفي وجهه انتم حكومة غير شرعية ولم يجد المستشارون بداً من الانصياع لما طلبه منهم وزير العدل فسكتوا عن هذا الظلم المضاعف!
في سنة 1955 عقب الاعتداء على السنهوري باشا رئيس مجلس الدولة الاسبق ارادوا معاقبة المستشارين الذين اعلنوا احتجاجهم وشجبهم لذلك الاعتداء الغاشم، ولأن قاعدة عدم قابلية القضاة للعزل وقفت عائقا في سبيل اخراجهم من القضاء، فقد لجأوا الى مثال كان قد سبق ان ضربه الدكتور السنهوري نفسه في شرحه للنظرية التي ابتدعها، وهي نظرية الانحراف بالسلطة التشريعية ــ على ما سبق ان تناولته في مقال سابق ــ فقد ضرب مثلا لانحراف السلطة التشريعية بأن تصدر قانونا باعادة تشكيل هيئة قضائية وتعتبر من يغفله ذلك التشكيل خارج الهيئة، وذلك افلاتا من قاعدة عدم القابلية للعزل، فطبقوا هذا المثال بحذافيره في اول مذبحة للقضاء فخرج او أُخرج من مجلس الدولة احد عشر عضوا ونص القانون على ان ينقلوا الى وظائف اخرى خلال ستة اشهر، وكان من بين هؤلاء المستشارين اسماء لامعة حضر بعضهم الى الكويت وساهم في سن التشريعات الاساسية التي أعقبت استقلال الكويت او في رئاسة بعض الهيئات المهمة اذكر منهم المستشار حمدي ابراهيم الذي رأس ديوان الموظفين قبل ان يعدل اسمه الى ديوان الخدمة المدنية، ومنهم المستشار محسن عبدالحافظ الذي ساهم في صياغة دستور الكويت، وغيرهما كثيرون. اما الباقون فقد نقلوا الى وظائف معادلة في جهات أخرى منها المحاكم العادية ومنها ادارة قضايا الحكومة، وهؤلاء حين تم تسكينهم بين اقرانهم لم يراعوا اقدميتهم في شغل الوظيفة التي كانوا يشغلونها في مجلس الدولة، فاعتبر كل منهم أحدث الشاغلين للوظيفة. فمثلا المستشار المساعد في مجلس الدولة الذي كان قد رقي الى هذه الوظيفة منذ اكثر من اربع او خمس سنوات وأصبح في مقدمة المستشارين المساعدين نقل الى وظيفة مستشار مساعد في ادارة قضايا الحكومة، وتم ترتيب اقدميته في تلك الوظيفة على أنه آخر المُرقَّين اليها!
وبطبيعة الحال لم يرتض. هؤلاء المستشارون ذلك الوضع فتقدموا بتظلمات من هذه القرارات الى وزير العدل، ولأن القانون يقضي بأن يحال التظلم الى مفوض الدولة لوزارة العدل ليبدي رأيه فيه قبل ان يعرض على وزير العدل، واذ كنت وقتها اشغل تلك الوظيفة فقد عرضت عليّ هذه التظلمات فأبديت رأيي فيها طبقا للقانون وانتهيت الى وجوب الغاء تلك القرارات فيما تضمنته من اهدار اقدمية هؤلاء المستشارين مع ما يترتب على ذلك من اثار، مما كان مقتضاه ان يعاد ترتيب كل منهم بحيث يوضع في ترتيب مساو للترتيب الذي كان يشغله في مجلس الدولة، وبطبيعة الحال عرض ذلك الرأي على وزير العدل فقام باستدعاء هؤلاء المستشارين ــ وقال لهم حسبما نقلوا اليّ فيما بعد ــ ان ما كتبه المفوض سليم ومطابق للقانون ولكن ارجوكم الا تطلبوا مني تنفيذه لأن معناه انني سأعرض الموضوع من جديد على رئيس الجمهورية لاطلب منه الغاء قرارات نقلكم وأنتم لا تتخيلوا مدى الجهد الذي بذلته مع الرئيس لينسى اسماءكم وليكتفي بما تم معكم، فهو يحمل لكم ضغينة لما فعلتموه امامه احتجاجا على الاعتداء على السنهوري، فبعضكم كان قد قال لرئيس الجمهورية شخصيا وفي وجهه انتم حكومة غير شرعية ولم يجد المستشارون بداً من الانصياع لما طلبه منهم وزير العدل فسكتوا عن هذا الظلم المضاعف!
في سنة 1955 عقب الاعتداء على السنهوري باشا رئيس مجلس الدولة الاسبق ارادوا معاقبة المستشارين الذين اعلنوا احتجاجهم وشجبهم لذلك الاعتداء الغاشم، ولأن قاعدة عدم قابلية القضاة للعزل وقفت عائقا في سبيل اخراجهم من القضاء، فقد لجأوا الى مثال كان قد سبق ان ضربه الدكتور السنهوري نفسه في شرحه للنظرية التي ابتدعها، وهي نظرية الانحراف بالسلطة التشريعية ــ على ما سبق ان تناولته في مقال سابق ــ فقد ضرب مثلا لانحراف السلطة التشريعية بأن تصدر قانونا باعادة تشكيل هيئة قضائية وتعتبر من يغفله ذلك التشكيل خارج الهيئة، وذلك افلاتا من قاعدة عدم القابلية للعزل، فطبقوا هذا المثال بحذافيره في اول مذبحة للقضاء فخرج او أُخرج من مجلس الدولة احد عشر عضوا ونص القانون على ان ينقلوا الى وظائف اخرى خلال ستة اشهر، وكان من بين هؤلاء المستشارين اسماء لامعة حضر بعضهم الى الكويت وساهم في سن التشريعات الاساسية التي أعقبت استقلال الكويت او في رئاسة بعض الهيئات المهمة اذكر منهم المستشار حمدي ابراهيم الذي رأس ديوان الموظفين قبل ان يعدل اسمه الى ديوان الخدمة المدنية، ومنهم المستشار محسن عبدالحافظ الذي ساهم في صياغة دستور الكويت، وغيرهما كثيرون. اما الباقون فقد نقلوا الى وظائف معادلة في جهات أخرى منها المحاكم العادية ومنها ادارة قضايا الحكومة، وهؤلاء حين تم تسكينهم بين اقرانهم لم يراعوا اقدميتهم في شغل الوظيفة التي كانوا يشغلونها في مجلس الدولة، فاعتبر كل منهم أحدث الشاغلين للوظيفة. فمثلا المستشار المساعد في مجلس الدولة الذي كان قد رقي الى هذه الوظيفة منذ اكثر من اربع او خمس سنوات وأصبح في مقدمة المستشارين المساعدين نقل الى وظيفة مستشار مساعد في ادارة قضايا الحكومة، وتم ترتيب اقدميته في تلك الوظيفة على أنه آخر المُرقَّين اليها!
وبطبيعة الحال لم يرتض. هؤلاء المستشارون ذلك الوضع فتقدموا بتظلمات من هذه القرارات الى وزير العدل، ولأن القانون يقضي بأن يحال التظلم الى مفوض الدولة لوزارة العدل ليبدي رأيه فيه قبل ان يعرض على وزير العدل، واذ كنت وقتها اشغل تلك الوظيفة فقد عرضت عليّ هذه التظلمات فأبديت رأيي فيها طبقا للقانون وانتهيت الى وجوب الغاء تلك القرارات فيما تضمنته من اهدار اقدمية هؤلاء المستشارين مع ما يترتب على ذلك من اثار، مما كان مقتضاه ان يعاد ترتيب كل منهم بحيث يوضع في ترتيب مساو للترتيب الذي كان يشغله في مجلس الدولة، وبطبيعة الحال عرض ذلك الرأي على وزير العدل فقام باستدعاء هؤلاء المستشارين ــ وقال لهم حسبما نقلوا اليّ فيما بعد ــ ان ما كتبه المفوض سليم ومطابق للقانون ولكن ارجوكم الا تطلبوا مني تنفيذه لأن معناه انني سأعرض الموضوع من جديد على رئيس الجمهورية لاطلب منه الغاء قرارات نقلكم وأنتم لا تتخيلوا مدى الجهد الذي بذلته مع الرئيس لينسى اسماءكم وليكتفي بما تم معكم، فهو يحمل لكم ضغينة لما فعلتموه امامه احتجاجا على الاعتداء على السنهوري، فبعضكم كان قد قال لرئيس الجمهورية شخصيا وفي وجهه انتم حكومة غير شرعية ولم يجد المستشارون بداً من الانصياع لما طلبه منهم وزير العدل فسكتوا عن هذا الظلم المضاعف!
17/08/2015
كلمة حق
السلطات الواسعة (1)
كتب عادل بطرس :القبس
سألني البعض ماذا تقصد بالسلطات الواسعة؟ فكلما تحدثت عن القضاة أو المحققين تقول إنهم يتمتعون بسلطات واسعة لا حدود لها، أليس القاضي في النهاية خاضع للقانون، والقانون يضع لسلطانه حدوداً؟ أجبت بأن القانون يعطي القاضي عادة سلطة تقديرية واسعة جداً، فمثلاً يضع للعقوبة حدين حداً أدنى وحداً أقصى، وبين الحدين مسافة شاسعة يترخّص القاضي في أن يتحرك فيها بكل حرية، بل إنه يملك أيضاً النزول بالعقوبة إلى العقوبة الأقل منها درجة، إذا رأى من الظروف ما يدعو الى تخفيف العقاب، فمثلا لو كانت عقوبة الجريمة هي السجن فإن السجن يتدرج من ثلاث سنوات الى خمس عشرة سنة، والقاضي حرّ يختار المدة التي يراها مناسبة مع ما ارتكبه المتهم ومع ماضيه وتاريخه، فإذا نزل بالعقوبة الى الدرجة الأقل فهي الحبس، وهي تبدأ من 24 ساعة إلى ثلاث سنوات، فكأن القاضي يتحرّك ما بين 24 ساعة وخمس عشرة سنة، ومع ذلك فإن القاضي يخضع لقيود تحدّ قليلاً من سلطاته خاصة إذا لم يكن قاضياً فرداً، فهو في تلك الحالة يخضع لرأي الأغلبية، فقد يقترح عقوبة معينة، ولكنه يجد الأصوات الأخرى لا تؤيده فيما انتهى اليه، فتكون العقوبة حصيلة ما يتفق عليه ثلاثة من القضاة كما أنه يحسب حساب محكمة الطعن، فإذا اشتط في العقوبة فإن المحكمة الأعلى درجة تردها إلى القدر المناسب، لهذا فإن المتهم يجد ضمانة في تعدد الآراء وتعدد درجات التقاضي، بحيث يتم اختيار العقوبة الأكثر مناسبة، ولكن المحقق على العكس من ذلك كله، فهو يتمتع بسلطات أوسع كثيراً من سلطات القاضي، فهو من ناحية لا يخضع للمداولة، لأن المحقق في الأغلب الأعم فرد واحد، حقيقة عليه أن يعرض ما ينتهي إليه على رؤسائه الأعلى منه درجة، لكن ليس معنى هذا أن تعدد الآراء يتحقق، لأن النيابة مثلاً تخضع للتبعية التدريجية، بمعنى أن المرؤوس يخضع لرأي الرئيس حتى لو لم يكن مقتنعاً به اقتناعاً كاملاً، وهنا يختلف المحقق عن القاضي، فالقاضي لا يخضع لرأي رئيسه، ولكن لكل منهما رأيه المستقل، وكلاهما على قدم المساواة، فلا يخضع القاضي إلا لرأي الأغلبية التي حددها القانون، ومن هنا جاءت فكرتي عن السلطات الواسعة في مجال التحقيق على وجه الخصوص، فلو راجعنا قوانين الإجراءات كقانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية مثلاً لتبين لنا أنه يمنح للجهات المختصة بالضبط والتحقيق والتقديم للمحاكمة سلطات واسعة فضفاضة جداً، فالإجراءات تبدأ بالأمر بالحضور، ففي وسع المحقق أن يطلب حضور أي شخص أمامه متى رأى أن ذلك ضروري للتحقيق، وفي هذه الحالة يصدر أمراً بالحضور ويعلن إلى الشخص المعني بواسطة رجال الشرطة، فإذا تخلّف عن الحضور في الموعد المحدد يجوز للمحقق أن يأمر بالقبض عليه، سواءً كان متهماً أو شاكياً أو شاهداً، وهنا تظهر السلطة التقديرية الواسعة الممنوحة للمحقق، فهو يستطيع أن يأمر بإحضار الشخص المطلوب كما يجوز له أن يأمر بالقبض عليه إذا تخلّف عن الحضور، هذه السلطة الجوازية قصد بها القانون أن يعطي للمحقق حرية التصرف لمواجهة كل حالة على حدة، فهناك من الأشخاص من يخشى عدم انصياعه للأمر بالحضور رغم أهميته في سير التحقيق، بينما هناك آخرون لا يخشى تخلفهم عن الحضور حتى لو كانوا متهمين، ففي إحدى المرات مثلاً قُدم بلاغ ضد رئيس إحدى الشركات التجارية الكبرى، فأمر المحقق بضبطه وإحضاره وكان بالمصادفة وقتها خارج البلاد، وكثيرون ممن كانوا في موقفه كان من السهل عليهم أن يستمروا في البقاء في الخارج على الأقل حتى لا يتعرض لإجراءات الضبط والإحضار وغيرها، لكنه ما إن علم بأنه مطلوب للحضور حتى قطع رحلة العمل التي كان يقوم بها وعاد مسرعاً إلى البلاد، بل وأعلن في الصحف قبل أن يحضر أنه قادم إلى البلاد، وأنه سيتوجه فور حضوره إلى النيابة العامة امتثالاً لطلب الحضور ونشر هذا الخبر في جميع الصحف تحت عنوان «الشرفاء لا يهربون»، وهذه هي بعينها العلة التي من أجلها منح القانون للقائم بالتحقيق سلطة تقديرية واسعة ليميز بين الشرفاء الذين لا يحتاجون إلى إجراءات قاسية تكبلهم وتقتادهم قسراً إلى العدالة، وبين غيرهم من المطلوبين الذين ينتهزون الفرصة للهروب من يد العدالة.
وللحديث بقية..