لتفرق مؤقتا لانهم قالوا انهم يأملون حل القضايا بطريق المفاوضات التي كانت جارية اذ ذاك بواسطة المتوسطين، فصاح المتظاهرون طالبين الاصرار على ابعاد خالد الزيد قبل كل شئ وعدم تسليم السلاح ثم تفرقوا الا شباب (كتلة الشباب الوطني) وبعض المتحمسين من اصدقاء أعضاء المجلس فقد اصروا على البقاء حول المجلس او الذهاب الى قصر نايف فسمح لهم بالذهاب مع فريق من أعضاء المجلس الى قصر نايف حيث سلحوا جميعا هناك.
وكان فريق آخر من أعضاء المجلس مجتمعين في دار (آل الصقر) ثم جاؤوا الى المجلس التشريعي ومعهم كل من سعادة رئيس المجلس والشيخ عبدالله الجابر الصباح والشيخ يوسف بن عيسى والحاج أحمد الحميضي وحمد المرزوق البدر والشيخ أحمد بن خميس يسعى للسلام ويقنعون المجلسيين بالتساهل في اجابة طلب من في قصر دسمان لرد السلاح حسما للفتن وحقنا للدماء، غير ان المجلسيين قالوا ان هذا الطلب الغريب اي ارجاع السلاح ليس له ما يفسره سوى العزم الاكيد على حل المجلس بالقوة الجبرية لتجريد الأمة من كافة حقوقها والعودة بها الى العهود الكيفية. وهنا وجد المتوسطون ان لا فائدة ترجى من ترددهم وحدهم بين المجلسيين وجماعة قصر دسمان لذلك اقترحوا تشكيل وفدين احدهما من المجلس والآخر ممن في قصر دسمان يجتمعان معا ويتفاوضان وحدهما بصورة ودية علهما يصلان الى حل مرضي يقي الجميع عاقبة التطاحن وسفك الدماء فإن اختلفا في الأمر يصار الى لجنة تحكيم من الوسطاء القائمين بالوساطة لتحكم في الأمر على ان ينزل الطرفين عند حكمها نهائيا فأرتضى الجانبان هذا الرأي واجتمع الوفدان في (..).
وهناك طلب وفد دسمان وكان يرأسه الشيخ فهد السالم الصباح الذي كان ذلك اليوم اكثر المتحمسين من أفراد العائلة الحاكمة ضد المجلسيين (كان الشيخ فهد السالم الصباح من اول المتحمسين والمناصرين لقيام المجلس اذ جاء الى ديوان الشيخ يوسف بن عيسى مرسلا من سمو اخيه المرحوم عبدالله السالم الصباح يطلب الى الشيخ يوسف ان ينقل للجماعة أي الجماعة التي تقدمت الى سمو الأمير الشيخ أحمد الجابر الصباح موافقته وتأييده لهم في مطالبتهم بتأسيس المجلس التشريعي، وكان يأمل بل لقد طلب وألح بعد قيام المجلس ان يعينه المجلسيون الممثل الشخصي لحاكم الكويت بدلا من عبدالله الملا صالح غير ان المجلسيين لم يشاؤوا ازعاج سمو الأمير الذي كان لا يرتاح الى فهد السالم نظرا لان الاخير كان مندفعا وغير مبال بأحد، فحقد فهد على المجلسيين لهذا السبب وبيتها لهم الى اليوم المناسب وهذا هو اليوم المناسب) طلب تسليم السلاح فورا وانه لا يقبل الدخول في اية مفاوضة قبل تنفيذ هذا الرأي، فأنكر ذلك وفد المجلس وقال ان هذا املاء واوامر وليس مفاوضة يرجى فيها التفاهم. فأصر الوفد الأول على رأيه ورفع الخلاف الى اللجنة المحكمة التي يرأسها الشيخ يوسف بن عيسى فقضت برأي وفد دسمان ولكنها عينت الشيخ عبدالله السالم رئيسا للجنة التي تشرف على السلاح وذهبت لجنة التحكيم مع وفد دسمان الى قصر دسمان حيث ابلغوا سمو الأمير قرار لجنة التحكيم فأظهر سموه موافقته على رئاسة عبدالله السالم للجنة التي تشرف على السلاح ثم رجعت لجنة التحكيم مع سعادة الشيخ عبدالله السالم الى أعضاء المجلس في ديوان آل الصقر للتبليغ بموافقة الأمير وطلبت اليهم السماح للجنة التحكيم السماح بالذهاب مع فريق من أعضاء المجلس الى قصر نايف وتسريح الشباب ومناصري المجلس وأفراد الشرطة ورئيس قوة نايف وان تبقى تلك الليلة وحدها بالقصر قصر نايف على ان تسلم مفاتيح مخازن السلاح لها وتبقى القوة القديمة وهي مجموعة مؤلفة من ستين فردا كلهم متحدرين من نجد ومشهورين بالشجاعة وحمل السلاح تحت أمرة لجنة التحكيم فقبل المجلسيون ذلك ولكنهم اظهروا عدم ارتياحهم من ترك قوة دسمان حرة بدون قيد كما طالبوا بالضمانات الكافية لعدم حل المجلس مباشرة قبل ان يصار الى تفاهم بين الطرفين. فرد الشيخ عبدالله السالم قائلا: "انه يتعهد بحجز قوة دسمان وبأن لا تستعمل للضغط على المجلسيين مطلقا"، وقال الشيخ يوسف بن عيسى: "انه يتعهد بألا يحل المجلس اذ ليست هناك اي فكرة من هذا القبيل وانه سيبقى وحده مع لجنة التحكيم في قصر نايف للمحافظة على السلاح الذي فيه مع أفراد قوة البادية كيلا يدنو احد من القصر".
وعند هذا انتحى أعضاء المجلس وحدهم ناحية للتداول في أمر هذه الوعود، فادركوا انها وعود خاوية ولكنهم عرفوا من المتصلين بالجانب الآخر ان الحركة مبررة من ايد اجنبية.. فلا ترجى فائدة من المكابرة التي قد تؤدي بالكويتيين جميعا الى الرزوح تحت نير الاجنبي المتربص لتركيز نفوذه الفعلي في الكويت كما حدث ذلك في مسقط والبحرين وغيرهما من امارات الساحل العربي، الا انهم وجدوا انهم لا يملكون أو لا يسعهم سوى التظاهر بالوثوق في الوعود المقطوعة لا سيما وانها تصدر من اناس لا يملكون القدرة على تنفيذها. وهكذا اظهر جميع المجلسيون الموافقة وخرج عضوان من أعضاء المجلس الى قصر نايف بصحبة الشيخ عبدالله السالم وأعضاء اللجنة المحكمة حيث تكلما الى من كان في قصر نايف من الشباب وغيرهم واخبراهم فيما انتهى اليه الاتفاق مع فريق دسمان فعارض بعض الشباب في نزع السلاح حذرا من ان تكون في الأمر خدعة.. فقال لهم السيد علي السيد سليمان: "لقد اقسم لنا هذا الرجل -واشار الى يوسف بن عيسى- ان ليس في الأمر خدعة فيجب ان نثق جميعا بما اقسموا عليه..". فالقى الشباب وباقي المتطوعين عندئذ اسلحتهم كما خرج أفراد الشرطة النظامية اللذين انضموا هم ورئيسهم الى قصر نايف ورجعوا بأمر الشيخ عبدالله السالم الى دائرة الشرطة للمحافظة على الامن كالمعتاد، وكانوا جميعا من عائلات الكويت المعروفين وقد خرج صالح العثمان الراشد رئيس قوة نايف مع زميليه عضوي المجلس تاركا أفراد فرقته فرقة البادية تحت أمرة لجنة التحكيم كما تم عليه الاتفاق ونام أعضاء لجنة التحكيم تلك الليلة في قصر نايف، اما سعادة الشيخ عبدالله السالم الصباح فغادر قصر نايف الى قصر دسمان لتبليغ الأمير بكلما حصل وما ان ادرك ذلك الشيخ علي الخليفة الصباح حتى خرج بعد نصف ساعة فقط مع رجاله المسلحين من قصر دسمان وجاء الى دائرة الشرطة النظامية وأمر أفرادها بنزع اسلحتهم والذهاب الى بيوتهم فلم يمانع رئيسهم بالنظر الى وقوفه على مجرى الامور، ثم خرجت قوة اخرى من دسمان مؤلفة من البدو الرشايدة والاتباع تطوف بالشوارع مهوسة "ان الحكم لله ثم للصباح" كأنما كان الحكم قبل ذلك لغير آل الصباح وذلك بالنظر لما صوره للعائلة الحاكمة اصحاب الاحقاد الدفينة من المغرضين والنفعيين ناسين أو متناسين ان جميع المصالح الرئيسية كان يرأسها في عهد المجلس اكابر أفراد عائلة الصباح فان صاحب الأمر الأول وهو سمو الأمير لا تصدر الاوأمر الجوهرية ولا القوانين الا بعد رضائه التام وتوقيعها بختمه تماما كما هو الحال في البلدان النيابية الاخرى. اما رئاسة المجلس التشريعي فإلى اكبرهم سنا ومقاما بعد سمو الأمير وهو سعادة الشيخ عبدالله السالم الصباح ولي العهد، كما كان يرأس جميع المحاكم ومجلسي البلدية والمعارف الشيخ عبدالله الجابر الصباح فأي أمر اوضح من هذا على تمسك المجلسيين بحكامهم وأفراد العائلة الحاكمة التي لم يسيئوا طوال مدة عملهم في المجلس الى اي فرد من أفرادها ان لم يكونوا قد احسنوا الى البعض منهم من الذين كانوا يضطرون الى التذلل الى الملا صالح الملا عله ينصفهم او يتوسط لهم حتى في اسباب معيشتهم، ان هي الا فتنة الذين لم يتقوا الله في انفسهم وفي اوطانهم (فحاقهم الله عذاب السوء والجور بما كانوا يكسبون).
وهكذا بعد ساعة او نصف ساعة خفر بالعهد وتوالى نكث العهود التي ما كان للمجلسيين ان يركنوا اليها لولا ان هنالك من الامور ما يضطر العقلاء الى ركوبها حذرا مما هو شر منها، وتربع الشيخ علي الخليفة على مقاعد الشرطة وحوله رجاله المسلحين ملثما بكوفيته كأنما كان خارجا من ساحة معركة كلل جبينه فيها بتاج النصر ترد اليه وفود المتزلفين والمنافقين يقبلون رأسه أو مارون انفه يهنؤونه بالنصر والفتح المبين (كانت جميع المواقع الحربية الواقعية التي اشترك فيها الشيخ على الخليفة لا تدل الا على خور ووهن في شجاعته وصحة عزيمته).
اما أعضاء المجلس وانصارهم فقد اجتمعوا في منزل آل الصقر الذي كان آنذاك بمثابة (بيت الأمة) وجاء سعاتهم يحملون اليهم انباء هذه المرائي.. ثم جاءهم رئيس شرطة الجمارك الشاب الشجاع المرحوم محمد عبدالعزيز القطامي (كان المرحوم عبدالعزيز القطامي يرأس شرطة الجمارك) يبلغهم ان قوة من الفداوية على رأسها احد من أفراد العائلة حاولوا اقتحام الدائرة التي هو فيها ولكني منعتهم، فغادروه وربما عادوا بأمر جديد فماذا يكون منهم؟
فشكره أعضاء المجلس على غيرته الوطنية وأمروه ان يخضع للأمر الواقع وان يمتثل لما يأمره به الحاكم دون ممانعة.
ثم قرر أعضاء المجلس الحضور غدا صباحا الى قاعة المجلس التشريعي كالعادة المتبعة دون ان يتخلف احد منهم، وفيما كانوا مجتمعين صباح يوم الاحد المصادف السادس والعشرين من شهر شوال 1357 هـ. حضر اليهم الشيخ يوسف بن عيسى وباقي رفاقه من أعضاء لجنة التحكيم اللذين باتوا البارحة في قصر نايف للمحافظة عليه. فلما ناقشه المجلسيون وسألوه عن رأيه في خرق العهود لا سيما وقد اقتحم الشيخ علي الخليفة قصر نايف وسرح القوة الموجودة فيه ثم عبث بجميع محتوياته اجاب الشيخ يوسف انه لم يحصل أي خلل بالعهود فالسلاح الذي اوتمن عليه ما زالت مفاتيح مخازنه بيده –واظهرها بهزها يريهم اياها- كأنما كان أمر الاستيلاء على السلاح مقصورا على الاحتفاظ بتلك المفاتيح التي يردد الشيخ يوسف انها ما برحت في جيبه (اطلق احد المنكتين من أعضاء المجلس على حركة الشيخ يوسف والتلويح لهم بوجود المفاتيح بيده قائلا : " سرقوا الصندوق يا محمد.. لكن مفتاحو معايا؟.."). اما هجوم الشيخ على الخليفة على دائرة الشرطة وتسريح أفرادها واحتلاله اياها فقد برره الشيخ يوسف بقوله: "انه انما كان ذلك بقصد المحافظة على الامن داخل المدينة".. فكأنما لا تكون المحافظة على الامن الا بتسريح أفراد قوة الامن.
فلما ثاروا في وجهه مستائين من هذه التبريرات والتحيزات منه لفريق دسمان الى ذلك الحد وسألوه كيف يعلل طوفان قوى دسمان بالمدينة واستيلائها على دائرة حرس الجمارك وهي القوة التي قيل لهم انها ستحجز في محلها فلا تبرح دسمان.. ضحك فيهم ساخرا وزاد بقوله: "انه قدم الآن من سمو الأمير وانه اي الأمير سأل منه قائلا: "الديكم كلام او اي شئ تقولونه"، واني اجبت الأمير: "انا ليس عندي شئ اني لست منهم بل اني من المتوسطين"، فان كان عندكم شئ تودون ان انقله الى الأمير فقولوه لي الآن"..
وهكذا تخلى الشيخ يوسف في احرج الاوقات عن صفته التمثيلية للامة وهو الذي كان يتوقع الناس ان يكون اكثر الأعضاء حماسا واصلبهم عودا في الدفاع عن حقوق مواطنيه لا سيما وقد كان في طليعة الحائزين على اكثرية اصوات الناخبين للمجلس النيابي بل ونائب الرئيس فيه.. فساء هذا الكلام الغريب والاسلوب العجيب أعضاء المجلس وصاحوا به: "كيف تريد منا المفاوضة بعد ان اقنعتنا على التجرد من سلاحنا وسلطت خصومنا علينا وماذا بقى لنا ان نقول الآن؟ ليس عندنا ما نقوله سوى اننا باقون هنا بثقة ناخبينا فلينزلنا من شاء كيف شاء بالقوة التي يملكها وليس عندنا ما نضيفه.."
وخرج الشيخ يوسف مستخفا بينما مرت تلك اللحظة قوى الشيخ علي الخليفة المسلحة من تحت المجلس تجوب شوارع المدينة بالسيارات العديدة هاتفة بسقوط المجلس قاذفة السباب على المجلسيين، اما رئيس المجلس فقد امتنع عن الحضور خجلا من رفاقه أعضاء المجلس لما حدث ولو صنع الشيخ يوسف مثلما صنع رئيس المجلس النبيل، لكفى المجلسيين شر تلك السخرية المرة ولانتحلوا له من الاعذار مثلما انتحلوا للرئيس الطيب، ولكنه جاء اليهم بروح كلها المغالطة والسخرية والتنكر فسامحه الله (الشيخ يوسف بن عيسى رجل خير وطيبة لا جدال في ذلك الا انه بطبيعة تفكيره الخاص كان كثيرا ما يختلف واركان المجلسيين في الوسائل والاساليب، من ذلك ان المجلسيين كانوا متزمتين في الحفاظ على كافة الحقوق غير متسامحين بينما كان الشيخ يوسف يرى ويصرح ان الحقوق التي نالها الكويتيين في قيام المجلس التشريعي ما هي الا منة وتفضلا من الانكليز او من الحكام فلا سبيل اذا الى مناقشة هؤلاء متى رغبوا عن ذلك . ومن هنا نشأ الخلاف بين الشيخ يوسف ورفاقه اركان المجلس، وفي ذلك تفسير لمواقف الشيخ يوسف الاخيرة من المجلسيين عندما اشتدت بهم الازمات . وفي رأيي ان الشيخ يوسف لعب في هذه الازمة دورا خطيرا وطيبا يؤهله اليه مقامه عند الكويتيين والحكام في تجنيب الكويت شر الاصطدام ولكنه عرض نفسه للملام بالتعليلات والتبريرات الضعيفة التي ساقها، ولو انه تحدث اليهم بالود والصراحة التامة لشكروه وقدروا مسعاه). وبعد نصف ساعة وصل أحمد بن خميس احد أعضاء لجنة الوساطة وهو يحمل كتابا من الأمير هذا نصه:
لحضرة رئيس المجلس التشريعي الاخ عبدالله السالم المحترم
بعد التحية
اعتمدوا بان قد أمرنا بحل المجلس التشريعي الحالي ولا نزال معتمدين تشكيل مجلس يقوم مقام المجلس المذكور فاعتمدوا ذلك ودمتم
حاكم الكويت
أحمد الجابــر الصباح
الكويت تحرير 25 شعبان 1357
وقد وضح من تاريخ كتاب حل المجلس ان نية الحل كانت مبيته بينما المفاوضات تدور والوعود تقطع للمجلسيين بعدم حل او التفكير بحل المجلس.
وبمثل هذا التدبير قضي على حياة ذلك المجلس العتيد الذي سيبقى تاريخه المجيد غرة في تاريخ الكويت لما نهض به من اصلاحات ومشاريع كبرى هيهات ان ينسى اثرها المتصفون لا سيما في وقت كان الناس فيه لا يفقهون من الحياة والنظم البرلمانية ما يفهمونه منها اليوم.
اما الاسباب الاصلية التي تسببت في سقوط المجلس وربما خفي أمرها على الكويتيين فهي قبل وبعد كل شئ تحول وجهة النظر الانكليزية لتخوف الانكليز من الوطنيين الكويتيين على النفوذ والمصالح البريطانية فضلا عن الذعر الذي اصابهم بعد ما شاهدوه من سرعة انتقال العدوى الى جميع شعوب الامارات العربية والهندية الخاضعة لنفوذهم كما اسلفنا.
وكان فريق آخر من أعضاء المجلس مجتمعين في دار (آل الصقر) ثم جاؤوا الى المجلس التشريعي ومعهم كل من سعادة رئيس المجلس والشيخ عبدالله الجابر الصباح والشيخ يوسف بن عيسى والحاج أحمد الحميضي وحمد المرزوق البدر والشيخ أحمد بن خميس يسعى للسلام ويقنعون المجلسيين بالتساهل في اجابة طلب من في قصر دسمان لرد السلاح حسما للفتن وحقنا للدماء، غير ان المجلسيين قالوا ان هذا الطلب الغريب اي ارجاع السلاح ليس له ما يفسره سوى العزم الاكيد على حل المجلس بالقوة الجبرية لتجريد الأمة من كافة حقوقها والعودة بها الى العهود الكيفية. وهنا وجد المتوسطون ان لا فائدة ترجى من ترددهم وحدهم بين المجلسيين وجماعة قصر دسمان لذلك اقترحوا تشكيل وفدين احدهما من المجلس والآخر ممن في قصر دسمان يجتمعان معا ويتفاوضان وحدهما بصورة ودية علهما يصلان الى حل مرضي يقي الجميع عاقبة التطاحن وسفك الدماء فإن اختلفا في الأمر يصار الى لجنة تحكيم من الوسطاء القائمين بالوساطة لتحكم في الأمر على ان ينزل الطرفين عند حكمها نهائيا فأرتضى الجانبان هذا الرأي واجتمع الوفدان في (..).
وهناك طلب وفد دسمان وكان يرأسه الشيخ فهد السالم الصباح الذي كان ذلك اليوم اكثر المتحمسين من أفراد العائلة الحاكمة ضد المجلسيين (كان الشيخ فهد السالم الصباح من اول المتحمسين والمناصرين لقيام المجلس اذ جاء الى ديوان الشيخ يوسف بن عيسى مرسلا من سمو اخيه المرحوم عبدالله السالم الصباح يطلب الى الشيخ يوسف ان ينقل للجماعة أي الجماعة التي تقدمت الى سمو الأمير الشيخ أحمد الجابر الصباح موافقته وتأييده لهم في مطالبتهم بتأسيس المجلس التشريعي، وكان يأمل بل لقد طلب وألح بعد قيام المجلس ان يعينه المجلسيون الممثل الشخصي لحاكم الكويت بدلا من عبدالله الملا صالح غير ان المجلسيين لم يشاؤوا ازعاج سمو الأمير الذي كان لا يرتاح الى فهد السالم نظرا لان الاخير كان مندفعا وغير مبال بأحد، فحقد فهد على المجلسيين لهذا السبب وبيتها لهم الى اليوم المناسب وهذا هو اليوم المناسب) طلب تسليم السلاح فورا وانه لا يقبل الدخول في اية مفاوضة قبل تنفيذ هذا الرأي، فأنكر ذلك وفد المجلس وقال ان هذا املاء واوامر وليس مفاوضة يرجى فيها التفاهم. فأصر الوفد الأول على رأيه ورفع الخلاف الى اللجنة المحكمة التي يرأسها الشيخ يوسف بن عيسى فقضت برأي وفد دسمان ولكنها عينت الشيخ عبدالله السالم رئيسا للجنة التي تشرف على السلاح وذهبت لجنة التحكيم مع وفد دسمان الى قصر دسمان حيث ابلغوا سمو الأمير قرار لجنة التحكيم فأظهر سموه موافقته على رئاسة عبدالله السالم للجنة التي تشرف على السلاح ثم رجعت لجنة التحكيم مع سعادة الشيخ عبدالله السالم الى أعضاء المجلس في ديوان آل الصقر للتبليغ بموافقة الأمير وطلبت اليهم السماح للجنة التحكيم السماح بالذهاب مع فريق من أعضاء المجلس الى قصر نايف وتسريح الشباب ومناصري المجلس وأفراد الشرطة ورئيس قوة نايف وان تبقى تلك الليلة وحدها بالقصر قصر نايف على ان تسلم مفاتيح مخازن السلاح لها وتبقى القوة القديمة وهي مجموعة مؤلفة من ستين فردا كلهم متحدرين من نجد ومشهورين بالشجاعة وحمل السلاح تحت أمرة لجنة التحكيم فقبل المجلسيون ذلك ولكنهم اظهروا عدم ارتياحهم من ترك قوة دسمان حرة بدون قيد كما طالبوا بالضمانات الكافية لعدم حل المجلس مباشرة قبل ان يصار الى تفاهم بين الطرفين. فرد الشيخ عبدالله السالم قائلا: "انه يتعهد بحجز قوة دسمان وبأن لا تستعمل للضغط على المجلسيين مطلقا"، وقال الشيخ يوسف بن عيسى: "انه يتعهد بألا يحل المجلس اذ ليست هناك اي فكرة من هذا القبيل وانه سيبقى وحده مع لجنة التحكيم في قصر نايف للمحافظة على السلاح الذي فيه مع أفراد قوة البادية كيلا يدنو احد من القصر".
وعند هذا انتحى أعضاء المجلس وحدهم ناحية للتداول في أمر هذه الوعود، فادركوا انها وعود خاوية ولكنهم عرفوا من المتصلين بالجانب الآخر ان الحركة مبررة من ايد اجنبية.. فلا ترجى فائدة من المكابرة التي قد تؤدي بالكويتيين جميعا الى الرزوح تحت نير الاجنبي المتربص لتركيز نفوذه الفعلي في الكويت كما حدث ذلك في مسقط والبحرين وغيرهما من امارات الساحل العربي، الا انهم وجدوا انهم لا يملكون أو لا يسعهم سوى التظاهر بالوثوق في الوعود المقطوعة لا سيما وانها تصدر من اناس لا يملكون القدرة على تنفيذها. وهكذا اظهر جميع المجلسيون الموافقة وخرج عضوان من أعضاء المجلس الى قصر نايف بصحبة الشيخ عبدالله السالم وأعضاء اللجنة المحكمة حيث تكلما الى من كان في قصر نايف من الشباب وغيرهم واخبراهم فيما انتهى اليه الاتفاق مع فريق دسمان فعارض بعض الشباب في نزع السلاح حذرا من ان تكون في الأمر خدعة.. فقال لهم السيد علي السيد سليمان: "لقد اقسم لنا هذا الرجل -واشار الى يوسف بن عيسى- ان ليس في الأمر خدعة فيجب ان نثق جميعا بما اقسموا عليه..". فالقى الشباب وباقي المتطوعين عندئذ اسلحتهم كما خرج أفراد الشرطة النظامية اللذين انضموا هم ورئيسهم الى قصر نايف ورجعوا بأمر الشيخ عبدالله السالم الى دائرة الشرطة للمحافظة على الامن كالمعتاد، وكانوا جميعا من عائلات الكويت المعروفين وقد خرج صالح العثمان الراشد رئيس قوة نايف مع زميليه عضوي المجلس تاركا أفراد فرقته فرقة البادية تحت أمرة لجنة التحكيم كما تم عليه الاتفاق ونام أعضاء لجنة التحكيم تلك الليلة في قصر نايف، اما سعادة الشيخ عبدالله السالم الصباح فغادر قصر نايف الى قصر دسمان لتبليغ الأمير بكلما حصل وما ان ادرك ذلك الشيخ علي الخليفة الصباح حتى خرج بعد نصف ساعة فقط مع رجاله المسلحين من قصر دسمان وجاء الى دائرة الشرطة النظامية وأمر أفرادها بنزع اسلحتهم والذهاب الى بيوتهم فلم يمانع رئيسهم بالنظر الى وقوفه على مجرى الامور، ثم خرجت قوة اخرى من دسمان مؤلفة من البدو الرشايدة والاتباع تطوف بالشوارع مهوسة "ان الحكم لله ثم للصباح" كأنما كان الحكم قبل ذلك لغير آل الصباح وذلك بالنظر لما صوره للعائلة الحاكمة اصحاب الاحقاد الدفينة من المغرضين والنفعيين ناسين أو متناسين ان جميع المصالح الرئيسية كان يرأسها في عهد المجلس اكابر أفراد عائلة الصباح فان صاحب الأمر الأول وهو سمو الأمير لا تصدر الاوأمر الجوهرية ولا القوانين الا بعد رضائه التام وتوقيعها بختمه تماما كما هو الحال في البلدان النيابية الاخرى. اما رئاسة المجلس التشريعي فإلى اكبرهم سنا ومقاما بعد سمو الأمير وهو سعادة الشيخ عبدالله السالم الصباح ولي العهد، كما كان يرأس جميع المحاكم ومجلسي البلدية والمعارف الشيخ عبدالله الجابر الصباح فأي أمر اوضح من هذا على تمسك المجلسيين بحكامهم وأفراد العائلة الحاكمة التي لم يسيئوا طوال مدة عملهم في المجلس الى اي فرد من أفرادها ان لم يكونوا قد احسنوا الى البعض منهم من الذين كانوا يضطرون الى التذلل الى الملا صالح الملا عله ينصفهم او يتوسط لهم حتى في اسباب معيشتهم، ان هي الا فتنة الذين لم يتقوا الله في انفسهم وفي اوطانهم (فحاقهم الله عذاب السوء والجور بما كانوا يكسبون).
وهكذا بعد ساعة او نصف ساعة خفر بالعهد وتوالى نكث العهود التي ما كان للمجلسيين ان يركنوا اليها لولا ان هنالك من الامور ما يضطر العقلاء الى ركوبها حذرا مما هو شر منها، وتربع الشيخ علي الخليفة على مقاعد الشرطة وحوله رجاله المسلحين ملثما بكوفيته كأنما كان خارجا من ساحة معركة كلل جبينه فيها بتاج النصر ترد اليه وفود المتزلفين والمنافقين يقبلون رأسه أو مارون انفه يهنؤونه بالنصر والفتح المبين (كانت جميع المواقع الحربية الواقعية التي اشترك فيها الشيخ على الخليفة لا تدل الا على خور ووهن في شجاعته وصحة عزيمته).
اما أعضاء المجلس وانصارهم فقد اجتمعوا في منزل آل الصقر الذي كان آنذاك بمثابة (بيت الأمة) وجاء سعاتهم يحملون اليهم انباء هذه المرائي.. ثم جاءهم رئيس شرطة الجمارك الشاب الشجاع المرحوم محمد عبدالعزيز القطامي (كان المرحوم عبدالعزيز القطامي يرأس شرطة الجمارك) يبلغهم ان قوة من الفداوية على رأسها احد من أفراد العائلة حاولوا اقتحام الدائرة التي هو فيها ولكني منعتهم، فغادروه وربما عادوا بأمر جديد فماذا يكون منهم؟
فشكره أعضاء المجلس على غيرته الوطنية وأمروه ان يخضع للأمر الواقع وان يمتثل لما يأمره به الحاكم دون ممانعة.
ثم قرر أعضاء المجلس الحضور غدا صباحا الى قاعة المجلس التشريعي كالعادة المتبعة دون ان يتخلف احد منهم، وفيما كانوا مجتمعين صباح يوم الاحد المصادف السادس والعشرين من شهر شوال 1357 هـ. حضر اليهم الشيخ يوسف بن عيسى وباقي رفاقه من أعضاء لجنة التحكيم اللذين باتوا البارحة في قصر نايف للمحافظة عليه. فلما ناقشه المجلسيون وسألوه عن رأيه في خرق العهود لا سيما وقد اقتحم الشيخ علي الخليفة قصر نايف وسرح القوة الموجودة فيه ثم عبث بجميع محتوياته اجاب الشيخ يوسف انه لم يحصل أي خلل بالعهود فالسلاح الذي اوتمن عليه ما زالت مفاتيح مخازنه بيده –واظهرها بهزها يريهم اياها- كأنما كان أمر الاستيلاء على السلاح مقصورا على الاحتفاظ بتلك المفاتيح التي يردد الشيخ يوسف انها ما برحت في جيبه (اطلق احد المنكتين من أعضاء المجلس على حركة الشيخ يوسف والتلويح لهم بوجود المفاتيح بيده قائلا : " سرقوا الصندوق يا محمد.. لكن مفتاحو معايا؟.."). اما هجوم الشيخ على الخليفة على دائرة الشرطة وتسريح أفرادها واحتلاله اياها فقد برره الشيخ يوسف بقوله: "انه انما كان ذلك بقصد المحافظة على الامن داخل المدينة".. فكأنما لا تكون المحافظة على الامن الا بتسريح أفراد قوة الامن.
فلما ثاروا في وجهه مستائين من هذه التبريرات والتحيزات منه لفريق دسمان الى ذلك الحد وسألوه كيف يعلل طوفان قوى دسمان بالمدينة واستيلائها على دائرة حرس الجمارك وهي القوة التي قيل لهم انها ستحجز في محلها فلا تبرح دسمان.. ضحك فيهم ساخرا وزاد بقوله: "انه قدم الآن من سمو الأمير وانه اي الأمير سأل منه قائلا: "الديكم كلام او اي شئ تقولونه"، واني اجبت الأمير: "انا ليس عندي شئ اني لست منهم بل اني من المتوسطين"، فان كان عندكم شئ تودون ان انقله الى الأمير فقولوه لي الآن"..
وهكذا تخلى الشيخ يوسف في احرج الاوقات عن صفته التمثيلية للامة وهو الذي كان يتوقع الناس ان يكون اكثر الأعضاء حماسا واصلبهم عودا في الدفاع عن حقوق مواطنيه لا سيما وقد كان في طليعة الحائزين على اكثرية اصوات الناخبين للمجلس النيابي بل ونائب الرئيس فيه.. فساء هذا الكلام الغريب والاسلوب العجيب أعضاء المجلس وصاحوا به: "كيف تريد منا المفاوضة بعد ان اقنعتنا على التجرد من سلاحنا وسلطت خصومنا علينا وماذا بقى لنا ان نقول الآن؟ ليس عندنا ما نقوله سوى اننا باقون هنا بثقة ناخبينا فلينزلنا من شاء كيف شاء بالقوة التي يملكها وليس عندنا ما نضيفه.."
وخرج الشيخ يوسف مستخفا بينما مرت تلك اللحظة قوى الشيخ علي الخليفة المسلحة من تحت المجلس تجوب شوارع المدينة بالسيارات العديدة هاتفة بسقوط المجلس قاذفة السباب على المجلسيين، اما رئيس المجلس فقد امتنع عن الحضور خجلا من رفاقه أعضاء المجلس لما حدث ولو صنع الشيخ يوسف مثلما صنع رئيس المجلس النبيل، لكفى المجلسيين شر تلك السخرية المرة ولانتحلوا له من الاعذار مثلما انتحلوا للرئيس الطيب، ولكنه جاء اليهم بروح كلها المغالطة والسخرية والتنكر فسامحه الله (الشيخ يوسف بن عيسى رجل خير وطيبة لا جدال في ذلك الا انه بطبيعة تفكيره الخاص كان كثيرا ما يختلف واركان المجلسيين في الوسائل والاساليب، من ذلك ان المجلسيين كانوا متزمتين في الحفاظ على كافة الحقوق غير متسامحين بينما كان الشيخ يوسف يرى ويصرح ان الحقوق التي نالها الكويتيين في قيام المجلس التشريعي ما هي الا منة وتفضلا من الانكليز او من الحكام فلا سبيل اذا الى مناقشة هؤلاء متى رغبوا عن ذلك . ومن هنا نشأ الخلاف بين الشيخ يوسف ورفاقه اركان المجلس، وفي ذلك تفسير لمواقف الشيخ يوسف الاخيرة من المجلسيين عندما اشتدت بهم الازمات . وفي رأيي ان الشيخ يوسف لعب في هذه الازمة دورا خطيرا وطيبا يؤهله اليه مقامه عند الكويتيين والحكام في تجنيب الكويت شر الاصطدام ولكنه عرض نفسه للملام بالتعليلات والتبريرات الضعيفة التي ساقها، ولو انه تحدث اليهم بالود والصراحة التامة لشكروه وقدروا مسعاه). وبعد نصف ساعة وصل أحمد بن خميس احد أعضاء لجنة الوساطة وهو يحمل كتابا من الأمير هذا نصه:
لحضرة رئيس المجلس التشريعي الاخ عبدالله السالم المحترم
بعد التحية
اعتمدوا بان قد أمرنا بحل المجلس التشريعي الحالي ولا نزال معتمدين تشكيل مجلس يقوم مقام المجلس المذكور فاعتمدوا ذلك ودمتم
حاكم الكويت
أحمد الجابــر الصباح
الكويت تحرير 25 شعبان 1357
وقد وضح من تاريخ كتاب حل المجلس ان نية الحل كانت مبيته بينما المفاوضات تدور والوعود تقطع للمجلسيين بعدم حل او التفكير بحل المجلس.
وبمثل هذا التدبير قضي على حياة ذلك المجلس العتيد الذي سيبقى تاريخه المجيد غرة في تاريخ الكويت لما نهض به من اصلاحات ومشاريع كبرى هيهات ان ينسى اثرها المتصفون لا سيما في وقت كان الناس فيه لا يفقهون من الحياة والنظم البرلمانية ما يفهمونه منها اليوم.
اما الاسباب الاصلية التي تسببت في سقوط المجلس وربما خفي أمرها على الكويتيين فهي قبل وبعد كل شئ تحول وجهة النظر الانكليزية لتخوف الانكليز من الوطنيين الكويتيين على النفوذ والمصالح البريطانية فضلا عن الذعر الذي اصابهم بعد ما شاهدوه من سرعة انتقال العدوى الى جميع شعوب الامارات العربية والهندية الخاضعة لنفوذهم كما اسلفنا.