لتفرق مؤقتا لانهم قالوا انهم يأملون حل القضايا بطريق المفاوضات التي كانت جارية اذ ذاك بواسطة المتوسطين، فصاح المتظاهرون طالبين الاصرار على ابعاد خالد الزيد قبل كل شئ وعدم تسليم السلاح ثم تفرقوا الا شباب (كتلة الشباب الوطني) وبعض المتحمسين من اصدقاء أعضاء المجلس فقد اصروا على البقاء حول المجلس او الذهاب الى قصر نايف فسمح لهم بالذهاب مع فريق من أعضاء المجلس الى قصر نايف حيث سلحوا جميعا هناك.
وكان فريق آخر من أعضاء المجلس مجتمعين في دار (آل الصقر) ثم جاؤوا الى المجلس التشريعي ومعهم كل من سعادة رئيس المجلس والشيخ عبدالله الجابر الصباح والشيخ يوسف بن عيسى والحاج أحمد الحميضي وحمد المرزوق البدر والشيخ أحمد بن خميس يسعى للسلام ويقنعون المجلسيين بالتساهل في اجابة طلب من في قصر دسمان لرد السلاح حسما للفتن وحقنا للدماء، غير ان المجلسيين قالوا ان هذا الطلب الغريب اي ارجاع السلاح ليس له ما يفسره سوى العزم الاكيد على حل المجلس بالقوة الجبرية لتجريد الأمة من كافة حقوقها والعودة بها الى العهود الكيفية. وهنا وجد المتوسطون ان لا فائدة ترجى من ترددهم وحدهم بين المجلسيين وجماعة قصر دسمان لذلك اقترحوا تشكيل وفدين احدهما من المجلس والآخر ممن في قصر دسمان يجتمعان معا ويتفاوضان وحدهما بصورة ودية علهما يصلان الى حل مرضي يقي الجميع عاقبة التطاحن وسفك الدماء فإن اختلفا في الأمر يصار الى لجنة تحكيم من الوسطاء القائمين بالوساطة لتحكم في الأمر على ان ينزل الطرفين عند حكمها نهائيا فأرتضى الجانبان هذا الرأي واجتمع الوفدان في (..).
وهناك طلب وفد دسمان وكان يرأسه الشيخ فهد السالم الصباح الذي كان ذلك اليوم اكثر المتحمسين من أفراد العائلة الحاكمة ضد المجلسيين (كان الشيخ فهد السالم الصباح من اول المتحمسين والمناصرين لقيام المجلس اذ جاء الى ديوان الشيخ يوسف بن عيسى مرسلا من سمو اخيه المرحوم عبدالله السالم الصباح يطلب الى الشيخ يوسف ان ينقل للجماعة أي الجماعة التي تقدمت الى سمو الأمير الشيخ أحمد الجابر الصباح موافقته وتأييده لهم في مطالبتهم بتأسيس المجلس التشريعي، وكان يأمل بل لقد طلب وألح بعد قيام المجلس ان يعينه المجلسيون الممثل الشخصي لحاكم الكويت بدلا من عبدالله الملا صالح غير ان المجلسيين لم يشاؤوا ازعاج سمو الأمير الذي كان لا يرتاح الى فهد السالم نظرا لان الاخير كان مندفعا وغير مبال بأحد، فحقد فهد على المجلسيين لهذا السبب وبيتها لهم الى اليوم المناسب وهذا هو اليوم المناسب) طلب تسليم السلاح فورا وانه لا يقبل الدخول في اية مفاوضة قبل تنفيذ هذا الرأي، فأنكر ذلك وفد المجلس وقال ان هذا املاء واوامر وليس مفاوضة يرجى فيها التفاهم. فأصر الوفد الأول على رأيه ورفع الخلاف الى اللجنة المحكمة التي يرأسها الشيخ يوسف بن عيسى فقضت برأي وفد دسمان ولكنها عينت الشيخ عبدالله السالم رئيسا للجنة التي تشرف على السلاح وذهبت لجنة التحكيم مع وفد دسمان الى قصر دسمان حيث ابلغوا سمو الأمير قرار لجنة التحكيم فأظهر سموه موافقته على رئاسة عبدالله السالم للجنة التي تشرف على السلاح ثم رجعت لجنة التحكيم مع سعادة الشيخ عبدالله السالم الى أعضاء المجلس في ديوان آل الصقر للتبليغ بموافقة الأمير وطلبت اليهم السماح للجنة التحكيم السماح بالذهاب مع فريق من أعضاء المجلس الى قصر نايف وتسريح الشباب ومناصري المجلس وأفراد الشرطة ورئيس قوة نايف وان تبقى تلك الليلة وحدها بالقصر قصر نايف على ان تسلم مفاتيح مخازن السلاح لها وتبقى القوة القديمة وهي مجموعة مؤلفة من ستين فردا كلهم متحدرين من نجد ومشهورين بالشجاعة وحمل السلاح تحت أمرة لجنة التحكيم فقبل المجلسيون ذلك ولكنهم اظهروا عدم ارتياحهم من ترك قوة دسمان حرة بدون قيد كما طالبوا بالضمانات الكافية لعدم حل المجلس مباشرة قبل ان يصار الى تفاهم بين الطرفين. فرد الشيخ عبدالله السالم قائلا: "انه يتعهد بحجز قوة دسمان وبأن لا تستعمل للضغط على المجلسيين مطلقا"، وقال الشيخ يوسف بن عيسى: "انه يتعهد بألا يحل المجلس اذ ليست هناك اي فكرة من هذا القبيل وانه سيبقى وحده مع لجنة التحكيم في قصر نايف للمحافظة على السلاح الذي فيه مع أفراد قوة البادية كيلا يدنو احد من القصر".
وعند هذا انتحى أعضاء المجلس وحدهم ناحية للتداول في أمر هذه الوعود، فادركوا انها وعود خاوية ولكنهم عرفوا من المتصلين بالجانب الآخر ان الحركة مبررة من ايد اجنبية.. فلا ترجى فائدة من المكابرة التي قد تؤدي بالكويتيين جميعا الى الرزوح تحت نير الاجنبي المتربص لتركيز نفوذه الفعلي في الكويت كما حدث ذلك في مسقط والبحرين وغيرهما من امارات الساحل العربي، الا انهم وجدوا انهم لا يملكون أو لا يسعهم سوى التظاهر بالوثوق في الوعود المقطوعة لا سيما وانها تصدر من اناس لا يملكون القدرة على تنفيذها. وهكذا اظهر جميع المجلسيون الموافقة وخرج عضوان من أعضاء المجلس الى قصر نايف بصحبة الشيخ عبدالله السالم وأعضاء اللجنة المحكمة حيث تكلما الى من كان في قصر نايف من الشباب وغيرهم واخبراهم فيما انتهى اليه الاتفاق مع فريق دسمان فعارض بعض الشباب في نزع السلاح حذرا من ان تكون في الأمر خدعة.. فقال لهم السيد علي السيد سليمان: "لقد اقسم لنا هذا الرجل -واشار الى يوسف بن عيسى- ان ليس في الأمر خدعة فيجب ان نثق جميعا بما اقسموا عليه..". فالقى الشباب وباقي المتطوعين عندئذ اسلحتهم كما خرج أفراد الشرطة النظامية اللذين انضموا هم ورئيسهم الى قصر نايف ورجعوا بأمر الشيخ عبدالله السالم الى دائرة الشرطة للمحافظة على الامن كالمعتاد، وكانوا جميعا من عائلات الكويت المعروفين وقد خرج صالح العثمان الراشد رئيس قوة نايف مع زميليه عضوي المجلس تاركا أفراد فرقته فرقة البادية تحت أمرة لجنة التحكيم كما تم عليه الاتفاق ونام أعضاء لجنة التحكيم تلك الليلة في قصر نايف، اما سعادة الشيخ عبدالله السالم الصباح فغادر قصر نايف الى قصر دسمان لتبليغ الأمير بكلما حصل وما ان ادرك ذلك الشيخ علي الخليفة الصباح حتى خرج بعد نصف ساعة فقط مع رجاله المسلحين من قصر دسمان وجاء الى دائرة الشرطة النظامية وأمر أفرادها بنزع اسلحتهم والذهاب الى بيوتهم فلم يمانع رئيسهم بالنظر الى وقوفه على مجرى الامور، ثم خرجت قوة اخرى من دسمان مؤلفة من البدو الرشايدة والاتباع تطوف بالشوارع مهوسة "ان الحكم لله ثم للصباح" كأنما كان الحكم قبل ذلك لغير آل الصباح وذلك بالنظر لما صوره للعائلة الحاكمة اصحاب الاحقاد الدفينة من المغرضين والنفعيين ناسين أو متناسين ان جميع المصالح الرئيسية كان يرأسها في عهد المجلس اكابر أفراد عائلة الصباح فان صاحب الأمر الأول وهو سمو الأمير لا تصدر الاوأمر الجوهرية ولا القوانين الا بعد رضائه التام وتوقيعها بختمه تماما كما هو الحال في البلدان النيابية الاخرى. اما رئاسة المجلس التشريعي فإلى اكبرهم سنا ومقاما بعد سمو الأمير وهو سعادة الشيخ عبدالله السالم الصباح ولي العهد، كما كان يرأس جميع المحاكم ومجلسي البلدية والمعارف الشيخ عبدالله الجابر الصباح فأي أمر اوضح من هذا على تمسك المجلسيين بحكامهم وأفراد العائلة الحاكمة التي لم يسيئوا طوال مدة عملهم في المجلس الى اي فرد من أفرادها ان لم يكونوا قد احسنوا الى البعض منهم من الذين كانوا يضطرون الى التذلل الى الملا صالح الملا عله ينصفهم او يتوسط لهم حتى في اسباب معيشتهم، ان هي الا فتنة الذين لم يتقوا الله في انفسهم وفي اوطانهم (فحاقهم الله عذاب السوء والجور بما كانوا يكسبون).
وهكذا بعد ساعة او نصف ساعة خفر بالعهد وتوالى نكث العهود التي ما كان للمجلسيين ان يركنوا اليها لولا ان هنالك من الامور ما يضطر العقلاء الى ركوبها حذرا مما هو شر منها، وتربع الشيخ علي الخليفة على مقاعد الشرطة وحوله رجاله المسلحين ملثما بكوفيته كأنما كان خارجا من ساحة معركة كلل جبينه فيها بتاج النصر ترد اليه وفود المتزلفين والمنافقين يقبلون رأسه أو مارون انفه يهنؤونه بالنصر والفتح المبين (كانت جميع المواقع الحربية الواقعية التي اشترك فيها الشيخ على الخليفة لا تدل الا على خور ووهن في شجاعته وصحة عزيمته).
اما أعضاء المجلس وانصارهم فقد اجتمعوا في منزل آل الصقر الذي كان آنذاك بمثابة (بيت الأمة) وجاء سعاتهم يحملون اليهم انباء هذه المرائي.. ثم جاءهم رئيس شرطة الجمارك الشاب الشجاع المرحوم محمد عبدالعزيز القطامي (كان المرحوم عبدالعزيز القطامي يرأس شرطة الجمارك) يبلغهم ان قوة من الفداوية على رأسها احد من أفراد العائلة حاولوا اقتحام الدائرة التي هو فيها ولكني منعتهم، فغادروه وربما عادوا بأمر جديد فماذا يكون منهم؟
فشكره أعضاء المجلس على غيرته الوطنية وأمروه ان يخضع للأمر الواقع وان يمتثل لما يأمره به الحاكم دون ممانعة.
ثم قرر أعضاء المجلس الحضور غدا صباحا الى قاعة المجلس التشريعي كالعادة المتبعة دون ان يتخلف احد منهم، وفيما كانوا مجتمعين صباح يوم الاحد المصادف السادس والعشرين من شهر شوال 1357 هـ. حضر اليهم الشيخ يوسف بن عيسى وباقي رفاقه من أعضاء لجنة التحكيم اللذين باتوا البارحة في قصر نايف للمحافظة عليه. فلما ناقشه المجلسيون وسألوه عن رأيه في خرق العهود لا سيما وقد اقتحم الشيخ علي الخليفة قصر نايف وسرح القوة الموجودة فيه ثم عبث بجميع محتوياته اجاب الشيخ يوسف انه لم يحصل أي خلل بالعهود فالسلاح الذي اوتمن عليه ما زالت مفاتيح مخازنه بيده –واظهرها بهزها يريهم اياها- كأنما كان أمر الاستيلاء على السلاح مقصورا على الاحتفاظ بتلك المفاتيح التي يردد الشيخ يوسف انها ما برحت في جيبه (اطلق احد المنكتين من أعضاء المجلس على حركة الشيخ يوسف والتلويح لهم بوجود المفاتيح بيده قائلا : " سرقوا الصندوق يا محمد.. لكن مفتاحو معايا؟.."). اما هجوم الشيخ على الخليفة على دائرة الشرطة وتسريح أفرادها واحتلاله اياها فقد برره الشيخ يوسف بقوله: "انه انما كان ذلك بقصد المحافظة على الامن داخل المدينة".. فكأنما لا تكون المحافظة على الامن الا بتسريح أفراد قوة الامن.
فلما ثاروا في وجهه مستائين من هذه التبريرات والتحيزات منه لفريق دسمان الى ذلك الحد وسألوه كيف يعلل طوفان قوى دسمان بالمدينة واستيلائها على دائرة حرس الجمارك وهي القوة التي قيل لهم انها ستحجز في محلها فلا تبرح دسمان.. ضحك فيهم ساخرا وزاد بقوله: "انه قدم الآن من سمو الأمير وانه اي الأمير سأل منه قائلا: "الديكم كلام او اي شئ تقولونه"، واني اجبت الأمير: "انا ليس عندي شئ اني لست منهم بل اني من المتوسطين"، فان كان عندكم شئ تودون ان انقله الى الأمير فقولوه لي الآن"..
وهكذا تخلى الشيخ يوسف في احرج الاوقات عن صفته التمثيلية للامة وهو الذي كان يتوقع الناس ان يكون اكثر الأعضاء حماسا واصلبهم عودا في الدفاع عن حقوق مواطنيه لا سيما وقد كان في طليعة الحائزين على اكثرية اصوات الناخبين للمجلس النيابي بل ونائب الرئيس فيه.. فساء هذا الكلام الغريب والاسلوب العجيب أعضاء المجلس وصاحوا به: "كيف تريد منا المفاوضة بعد ان اقنعتنا على التجرد من سلاحنا وسلطت خصومنا علينا وماذا بقى لنا ان نقول الآن؟ ليس عندنا ما نقوله سوى اننا باقون هنا بثقة ناخبينا فلينزلنا من شاء كيف شاء بالقوة التي يملكها وليس عندنا ما نضيفه.."
وخرج الشيخ يوسف مستخفا بينما مرت تلك اللحظة قوى الشيخ علي الخليفة المسلحة من تحت المجلس تجوب شوارع المدينة بالسيارات العديدة هاتفة بسقوط المجلس قاذفة السباب على المجلسيين، اما رئيس المجلس فقد امتنع عن الحضور خجلا من رفاقه أعضاء المجلس لما حدث ولو صنع الشيخ يوسف مثلما صنع رئيس المجلس النبيل، لكفى المجلسيين شر تلك السخرية المرة ولانتحلوا له من الاعذار مثلما انتحلوا للرئيس الطيب، ولكنه جاء اليهم بروح كلها المغالطة والسخرية والتنكر فسامحه الله (الشيخ يوسف بن عيسى رجل خير وطيبة لا جدال في ذلك الا انه بطبيعة تفكيره الخاص كان كثيرا ما يختلف واركان المجلسيين في الوسائل والاساليب، من ذلك ان المجلسيين كانوا متزمتين في الحفاظ على كافة الحقوق غير متسامحين بينما كان الشيخ يوسف يرى ويصرح ان الحقوق التي نالها الكويتيين في قيام المجلس التشريعي ما هي الا منة وتفضلا من الانكليز او من الحكام فلا سبيل اذا الى مناقشة هؤلاء متى رغبوا عن ذلك . ومن هنا نشأ الخلاف بين الشيخ يوسف ورفاقه اركان المجلس، وفي ذلك تفسير لمواقف الشيخ يوسف الاخيرة من المجلسيين عندما اشتدت بهم الازمات . وفي رأيي ان الشيخ يوسف لعب في هذه الازمة دورا خطيرا وطيبا يؤهله اليه مقامه عند الكويتيين والحكام في تجنيب الكويت شر الاصطدام ولكنه عرض نفسه للملام بالتعليلات والتبريرات الضعيفة التي ساقها، ولو انه تحدث اليهم بالود والصراحة التامة لشكروه وقدروا مسعاه). وبعد نصف ساعة وصل أحمد بن خميس احد أعضاء لجنة الوساطة وهو يحمل كتابا من الأمير هذا نصه:
لحضرة رئيس المجلس التشريعي الاخ عبدالله السالم المحترم
بعد التحية
اعتمدوا بان قد أمرنا بحل المجلس التشريعي الحالي ولا نزال معتمدين تشكيل مجلس يقوم مقام المجلس المذكور فاعتمدوا ذلك ودمتم
حاكم الكويت
أحمد الجابــر الصباح
الكويت تحرير 25 شعبان 1357
وقد وضح من تاريخ كتاب حل المجلس ان نية الحل كانت مبيته بينما المفاوضات تدور والوعود تقطع للمجلسيين بعدم حل او التفكير بحل المجلس.
وبمثل هذا التدبير قضي على حياة ذلك المجلس العتيد الذي سيبقى تاريخه المجيد غرة في تاريخ الكويت لما نهض به من اصلاحات ومشاريع كبرى هيهات ان ينسى اثرها المتصفون لا سيما في وقت كان الناس فيه لا يفقهون من الحياة والنظم البرلمانية ما يفهمونه منها اليوم.
اما الاسباب الاصلية التي تسببت في سقوط المجلس وربما خفي أمرها على الكويتيين فهي قبل وبعد كل شئ تحول وجهة النظر الانكليزية لتخوف الانكليز من الوطنيين الكويتيين على النفوذ والمصالح البريطانية فضلا عن الذعر الذي اصابهم بعد ما شاهدوه من سرعة انتقال العدوى الى جميع شعوب الامارات العربية والهندية الخاضعة لنفوذهم كما اسلفنا.
صورة سريعة لرجال مجلس الأمة التشريعي الأول
ضم المجلس التشريعي الأول طائفة من ابرز شخصيات الكويت واكفأها على العمل المنتج الصحيح فقد تسنى لهم في امد وجيز الظفر بكافة الحقوق الشعبية والنهوض باكبر الاعمال والمشاريع النافعة التي يتوق اليها الكويتيون وتطمح اليها انظارهم، وقد اجتمع في المجلس الى جانب الرجال الذين سبق لهم التعاون والتآلف في الحركات الاصلاحية السابقة في مجالس البلدية وغيرها اخوان لهم آخرون من ابرز رجالات الكويت واكثرهم غيرة لخير الوطن ونفعه.
الشيخ يوسف بن عيسى وكان الشيخ يوسف بن عيسى زعيم القناعات من اشهر رجالات المجلس وابرزهم لدى الرأي العام نظرا لمكانته الدينية الطيبة ومواقفه الاصلاحية التي لا تنكر وهو شيخ دين درس في الاحساء وقضى الشطر الاكبر من حياته في خدمة معارف الكويت خدمة نزيهة متصلة لوجه الله والدين كما ساهم في اكثر الشئون الاصلاحية والخيرية التي قامت في الكويت وكان صاحب الفضل الكبير في رعاية المشاريع النافعة والاشراف عليها، بيد انه وللاسف زج نفسه في السياسة وكان معتدا بآرائه عنيدا فيها في الوقت الذي اشتهر فيه بالخور تجاه السلطة والانكليز فعرض نفسه لكثير من الشك والتجريح وكان يكابر المجلسيين ويأبى الرضوخ لقرارات المجلس الجوهرية التي تخالف رأيه حتى لو اجمعوا جميعا عليها، لا سيما تلك التي تتسم بالتصلب في الحقوق العامة تجاه السلطة لانه يعتقد ان الاصل في كافة الحقوق العامة هي ملك للحاكم وليس للشعب فما تنازل عنه الحاكم فهو منة وكرما منه وما منع او امتنع عنه لا تصح مطالبته او الالحاح عليه فيه.
وقاده هذا الرأي الى ان يكون داخل المجلس ملكيا اكثر من الملك كما يقولون، فلا تعرض حادثة او ينشب أمر يحاول الأعضاء اقناع سمو الأمير بتعديله او التساهل فيه لصالح الشعب حتى ينتصب فيهم مدافعا عن حق الحاكم ومثبطا العزائم في حجج واقاويل يلمسون الوهن والخور فيها، اما تجاه الانكليز ففي رأيه لا يصح مطلقا المناقشة معهم فما على المجلس اذا أمر الانكليز الا ان يطيعوا دون التشبت حتى في مراجعتهم واقناعهم بالحسنى، وقد سبب هذه المواقف والآراء الخائرة من الشيخ يوسف وهو زعيم قومه وذو المكانة المرموقة لدى الجميع مصاعب جمة لأعضاء المجلس لحرصهم اولا على توحيد وجهة المجلس امام المفاوضين ولرغبتهم على عدم اغضابه من ناحية اخرى ولكن ثمة من المواقف والامور التي عرضت للمجلس ما لا يصح التهاون فيه فاضطروا الى مخالفته مرارا كثيرة مرغمين. فغضب منهم وقدم استقالته من المجلس، لكنهم ذهبوا اليه واقنعوه بالاشتراك معهم على الاقل في الجلسات التي تعرض لشئون المعارف والقضاء فقبل وان كان قد كن في نفسه ما يكنه الغاضبون، فلم يسلموا من نقده وتجريح اعمالهم عند عامة الناس.
مشعان الخضير، سليمان العدساني، سيد علي سليمان، مشاري الحسن البدر وهناك ثلاثة بل اربعة من أعضاء المجلس قد آلفت بينهم ظروفا كثيرة سابقة في النضال الطويل للاصلاح والخدمات العامة وقد لقوا في ذلك عنتا كثيرا وتحديات قوية من رجال السلطة والحاشية احدهم الحاج مشعان خضير الخالد المشهور بنزاهته المنقطعة النظير وكان ميالا الى المسالمة واخذ الامور باللين والحكمة وقد فرض عليه ان يتولى رئاسة مالية الحكومة، فقام باعباء المالية خير قيام دون اي راتب او لقاء. وثانيهما سليمان خالد العدساني وهو من عائلة العدساني التي تولت القضاء في الكويت ما ينيف على المائتي عام، وقد اتصف بالدقة وسلامة التفكير وبعد النظر وحسن المعرفة، وثالثهما هو السيد علي السيد سليمان الرفاعي وهو تاجر كبير ووطني جرئ ذو همة ماضية وعزم لا يخور. اما السيد مشاري الحسن البدر فزميل هؤلاء الثلاثة في مجلس البلدية والمعارف قبل انشاء المجلس التشريعي ورفيقهم منذ القدم في النية والعمل والتدبير، وقد اندمج مؤخرا في مجموعة هؤلاء وتعاون معهم شابان من اقوي شباب الكويت نفوذا وامضاهم جرأة وعقيدة فكانا من العاملين الممتازين داخل المجلس التشريعي وخارجه، الأول هو:
عبدالله الحمد الصقر عميد بيت الصقر من آل الزايد اعرق عائلات الكويت وابرزها جاها وغنى، وكان على درجة حسنة من التثقيف والمعرفة يتوقد غيرة ونشاطا في سبيل انهاض الكويت ورفعه الى مستوى البلدان الناهضة وقد استطاع هذا الشاب ان يجعل من نفسه رغم حداثة سنه واشتغاله بشئون الكويت العامة، محورا للقضية الوطنية وصوتها المسموع وذلك لما توفر فيه من مؤهلات الزعامة حينذاك مع النزاهة والتجرد، اما الثاني فهو رفيقه وقريبه عبداللطيف نجل الحاج محمد الثنيان الغانم وهو شاب يتوقد همة ونشاطا شق لنفسه الطريق بجرأته وقوة عزيمته كان دائب الحركة كثير السعي قوى صلته بكتلة الشباب الوطني خارج المجلس حتى جعل منها آلة تسمع منه وتأتمر بأمره.
محمد الشاهين الغانم ومحمد الداود المرزوق رجلا صمت ووقار مع غيرة خالصة على الصالح الوطني وتأييدا مطلقا للوطنيين العاملين من اركان المجلس.
خالد العبداللطيف الحمد فكان اعذب المجلسيين روحا واجملهم بديهة ونكتة فما حمى وطيس النقاش يوما داخل المجلس الا وكان له من نكات (ابي سليمان) الرائعة فلتة مغلقة فيها الحل والدواء، وكان الى ذلك سديد الرأي بارع الحيلة والتفكير.
يوسف الصالح الحميضي فكان من الذين يشايعون الاصلاح عموما رغم روحه المسالمة التي اشتهر فيها وقد فاد المجلس بآرائه وخبرته بالشئون الادارية والمالية.
صالح العثمان الراشد من الأعضاء المتحمسين الثابتين على العقيدة والمبدأ كثير الصمت والسهوم الا فيما يتصل بالمهمة المناطة به وهي الاشراف على قوة البادية وحفظ السلاح.
يوسف المرزوق كان من الدعائم القوية التي قام عليها المجلس في بداية أمره وكان داخل المجلس مخلصا ومتعصبا للقضايا الوطنية، غير انه كان ذا مزاج عصبي سريع الاندفاع والانفعال، فاستغل المستغلون هذه الظاهرة فيه فجاءوا يستفزونه ذات يوم بقصة المظاهرة التي زعموا ان شباب الكتلة الوطنية ينتوون القيام بها ضد عبدالله الملا صالح فهاج يوسف المرزوق ونقل السلاح في سيارته وهدد وأوعد مما اضطر المجلسيون الى عقد جلسة طارئة لمناقشته ثم فصله كما شرحنا ذلك في الهامش.
سلطان ابراهيم الكليب من عائلة آل خالد العريقة في الكويت وكان من الدعاة الطويلي الباع في فهم عقلية الجمهور واثارته، ذا ارادة قوية وعزم وفير التصق بالمجلسيين قبيل حركة المجلس اذ كان ناقما على الملا صالح الذي تخلى عنه في انتخابات ادارة شركة الكهرباء (شركة الكهرباء تأسست في امتياز تحصل عليه المساهمون وكان من اكبر المساهمين الملا صالح وولده عبدالله وولوا عليها السيد سلطان الكليب في بداية تأسيسها كمدير ادارتها ثم لبعض الاسباب تخلوا عنه) واناطوا به الاشراف على شئون العمران وفي اواخر ايام المجلس عندما بدأ الخلاف يدب بين المجلسيين وبين السلطة كان المرحوم سلطان يثير عزيمة المجلسيين وينصح بالشدة والبطش فلم يستمعوا له، فلما وضح ضعف المجلسيين في نهاية ايام مجلس الأمة التشريعي الثاني التجأ سراً الى قصر دسمان طالبا العفو والمغفرة ومقدما استقالته من المجلس متبرءا من جماعته فكان نصيبه عند سقوط المجلس ودخول بعض جماعته السجن ان عينه الأمير مباشرة مدير بلدية الكويت.
قيام مجلس الأمة التشريعي الثاني
اعقب سقوط المجلس التشريعي الأول هجوم العائلة الحاكمة على كافة الدوائر والمصالح الكويتية كيفما اتفق ودون سابق انذار، فقد استلم الشيخ عبدالله الأحمد الجابر النجل الأول لحاكم الكويت زمام الأمر في قصر نايف وشكل داخله قوة دائمة من البدو والفداوية.
كما هيمن الشيخ علي الخليفة الصباح والشيخ فهد السالم الصباح على دائرة الشرطة التي اطلقوا عليها فيما بعد (مديرية الامن العام) وكان مقرها الجانب الشرقي من ساحة الصفاة وكانت تنظر في كافة القضايا الجنائية ثم لما تفرد بها الشيخ عبدالله المبارك الصباح ونقل مقرها الى قصر نايف وضم دائرة الجوازات اليها وجعلها تنظر في جميع الشئون الحكم دونما حد ولا تمييز.
كما ترأس دائرة الشرطة النظامية صباح السالم الصباح بينما تولى رئاسة امارة البحر الساحلية الشيخ محمد الجابر الصباح وهو غير محمد أحمد الجابر الصباح.
وقد جرت هذه الهيمنة دونما استصدار ارادة من الحاكم غير ان سموه لم تبدر منه اي معارضة ولا سواها بل كان في الغالب الشيخ فهد السالم الصباح هو الارادة الفعالة في غالبية التدابير المتخذة بعد سقوط المجلس التشريعي والتي تتميز افعاله بطابع الجرأة والاندفاع الشديد.
وبذلك اقتسم أفراد العائلة الحاكمة الكبير منهم والصغير رئاسة كافة الدوائر العامة باستثناء دائرة المالية التي بقيت تنتظر الاقدار، وبقى رئيسها السابق المعين من قبل المجلس التشريعي مشعان الخضير يديرها بالاستمرار بعد صدور أمر رئيس المجلس الشيخ عبدالله السالم كما كان الحال عليه سابقا. وقد تجلى من هذه التغييرات المرتجلة ان الاحوال في الكويت اصبحت غير طبيعية فالتضارب في الاحكام والتنازع على الصلاحيات اصبح أمرا شائعا صار صاحب الحق كيف وانى يعالج أمره. اما المعارضين من الناقمين وغيرهم فقد باشروا الاتصال بالحاكم ليتفقوا واياه على كيفية الاجراءات التي تتخذ لمباشرة الانتخابات الجديدة للمجلس التشريعي الثاني الذي يحاولون بكافة السبل والاساليب ان يفوزوا فيه وحدهم ما وسعهم العمل الى ذلك.
وفي ليل الاثنين السابع والعشرين من شوال سنة 1357 ارسلت ماية واربعة بطاقات دعوة لبعض الكويتيين تدعوهم للحضور صباح اليوم التالي في دار الحاج عبدالرحمن محمد البحر التاجر المعروف ليتداولوا معهم في انتخاب أعضاء المجلس التشريعي الجديد بعد ان اغفلوا دعوة كافة أعضاء المجلس التشريعي المنحل تعمدا، غير ان نفرا من المدعوين كبر عليهم الأمر وهم الشيخ أحمد بن خميس، الحاج على العبدالوهاب المطوع، الحاج فليج العلي الفليج، علي البنوان، اعترضوا على طريقة الدعوة محتجين على التحيز الصريح في اختيار الناخبين ونادوا بوجوب عقد اجتماع آخر بعيدا عن الغرض والتحيزات فكان لصيحتهم اثرها المحسوس في نفوس المجتمعين انتصر لها بعض الحاضرين الآخرين، فاضطرب حبل الاجتماع وساد الناس الهيجان والانفعال رغم المحاولات التي بذلها الداعون لتهدئة الاحوال ثم انفض الاجتماع على لا شئ.
وكانت هذه الثورة المفاجئة رغم تسلط القوى واستعراضات السلاح باعثا على تفكير بعض عقلاء البلد واعيانها في وجوب تدارك الفتنة فاتصلوا بزعماء الجانبين واقنعوهم بوجوب التفاهم على طريقة الانتخابات والاتفاق على توحيد الكلمة ونسيان الماضي ودعي الجميع الى دار شملان بن علي بن سيف عميد آل الرومي فحضر الى الدار غالبية أعضاء المجلس المنحل مع الفريق الآخر الذين يمثلون المعارضة وهم ثنيان الغانم وخالد الزيد الخالد ومحمد أحمد الغانم ويوسف عبدالوهاب العدساني ونصف يوسف آل نصف ويوسف مرزوق المرزوق وغيرهم، وبينما كانت الايدى تتصافح للتعاهد على توحيد الكلمة لخدمة الوطن خدمة مجردة من الاغراض والاحقاد قال عبدالله الصقر اني اعاهدكم بالتعاون على اساس الوثيقة الأولى التي وقعها سمو الأمير في صلاحيات مجلس الأمة والتي جاء في ديباجتها (الأمة مصدر السلطات ممثلة في هيئة نوابها المنتخبين) فصاح خالد الزيد قائلا: "كلا، تلك صلاحية انتهى أمرها ونحن لا نقرها". وقد كانت هذه الصرخة الناشزة من خالد الزيد فلتة لسان تورط فيها الرجل تزلفا الى الحاكمين اذ كان يظن ان السلطة تحاول الاسباب التي تؤدي الى الغاء تلك الوثيقة الشرعية التي فازت بها الأمة كيما ينفسخ المجال لرجال الحاشية وللمتنفذين التصرف المطلق كما كان الحال في ايام خلت.
وقد ادرك الباقون من زملاء خالد الزيد عاقبة هذه الصرخة المنكرة على شعبيتهم في اوساط الراي العام الكويتي وهم يتأهبون لخوض انتخابات جديدة يدعون لانفسهم فيها بشعارات خدمة الوطن والغيرة على مصلحة الكويتيين فصاحوا به: "اسكت.. اسكت"، ونادوا جميعا بوجوب التمسك بتلك الوثيقة وقالوا انها يجب ان تكون الدعامة الأولى للحكم الديمقراطي البرلماني في الكويت ثم تعاهدوا مع أعضاء المجلس الأول على الاستماتة في سبيل تلك الوثيقة والتبرأ من كل من يحاول الانتقاص منها. وحصل حماس وطني تقاربت فيه النفوس وتبخرت الاحقاد ومال المتخاصمون بالامس بعضهم على بعض يعانق كل منهم الآخر ويعاهده على التآزر في سبيل الخدمة المجردة لخير الكويت وجميع من فيها، وانفض الاجتماع بعد ان اتفق الجميع على تعيين لجنة مشتركة منهم للتفاهم على اختيار الناخبين الصالحين وطريقة الاشراف على سير الاجراءات للانتخابات المقبلة، ثم اجتمعت اللجنة المشتركة بعد ذلك وهيأت قوائم بأسماء ما يقارب اربعماية ناخب من كافة احياء الكويت وأُسرها من جميع الطوائف والمذاهب المختلفة وحدد يوم معين لدعوة الناخبين الى الحضور الى المدرسة المباركية وحدهم لانتخاب عشرين عضوا للمجلس التشريعي الثاني تحت اشراف اللجنة المختارة والمرضي عنها من كافة السكان.
وقد ارتأى الجميع زيادة أعضاء المجلس الى عشرين عضوا هذه المرة بدلا من الخمسة عشر عضوا في المجلس الأول كيما يتسنى لاكبر عدد ممكن من مختلف الجهات ان يمثل في المجلس الجديد وليتسنى لاكبر عدد ممكن التآزر والتعاون معا للدفاع عن مصالح الأمة التي تتطلب في هذه الفترة الحرجة التضحية والاخلاص من الجميع بعد ان وصلت الامور الى ما وصلت اليه من الانحلال والفوضى في عموم المصالح
والاحكام.
وقد صدرت في صبيحة يوم الانتخاب ووزعت نشرات مختلفة من جانب المعارضين السابقين تحتوي على عشرين مرشحا وفي كل نشرة مختلفة عن الاخرى يتصدرها اربعة او خمسة اسماء من البارزين فيهم بينما تغفل الاسماء الاخرى في نشرة اخرى لتحل محلها اسماء جديدة في نشرة ثالثة او رابعة ليكسب هؤلاء الأربعـة او الخمسة اصوات محبي هذه الهيئات المختلفة التي حشرت فيها اسماء زعماءهم المحليين في جهات وطوائف الكويت المختلفة.
اما المجلسيون السابقون فقد صدرت نشرتهم الواحدة محتوية على اسماء كافة أعضاء المجلس المنحل مع اضافة بضعة اسماء من انصارهم دون تغيير او تبديل في النشرات التي وزعوها وانعقد الاجتماع باشراف اللجنة المختارة في ساحة المدرسة المباركية ووضعت هناك قوة من أفراد الشرطة على الطرق المؤدية الى المدرسة المباركية لمنع اي كان من غير الناخبين المدعوين من الحضور الى مقر الاجتماع، ورغم ما ظهر من مناورات حاشية السلطة وتلويحاتهم فقد جاءت نتيجة الاجتماع بفوز سبعة عشر مرشحا من العشرين مرشحا الذين ضمت اسماءهم نشرة المجلسيين وبأغلبية الاصوات بالتسلسل الآتي بيانه فيما بعد وفاز فقط ثلاثة من الجانب الآخر وهم محمد أحمد الغانم، نصف يوسف النصف، يوسف عبدالوهاب العدساني، واليك النتيجة بالاسماء:
333 صوتا .. يوسف بن عيسى (1)
فكانت النتيجة هذه من اروع النتائج الدالة على ما للمجلسيين السابقين من مكانة وحب في قلوب غالبية الكويتيين كما انها جاءت صدمة قوية على عدد كبير من المعارضين الذين فشلوا في النجاح فلم يستطيعوا ترويض انفسهم على قبول عدم النجاح فبيتوا أمرهم للكيد سرا للمجلس الجديد بغض النظر عن المصلحة العامة لا سيما وقد كان الظرف دقيقا وحرجا على أعضاء هذا المجلس اذ طغى جانب من أفراد العائلة الحاكمة من الذين تولوا بعض المناصب على سلطة الرأس الاعلى للحكم وبدأوا يظهرون استخفافهم بالمجلس الجديد ومن فيه دون ان يبقى وزنا للاصول المتبعة او الانتظار لما قد تسفر عنه انظمة العهد الجديد لا سيما وقد جاءت الانتخابات هذه المرة بغير ما يتوخاها الحكام جميعا، فعاد الغموض يسود الكويت خلال هذه الفترة الحائرة المضطربة فلا الحاكم الاعلى يكاشف عما في نفسه ومعلنا الاتجاه الذي ينتوي السير فيه ولا القنصل الانكليزي وهو القوة الفعالة التي توحي بالخفاء يوضح من ميوله وحقيقة نواياه، وان كان الجميع يعلمون انها لا تبشر بالخير لا سيما وان نتيجة الانتخابات قد صدمته هو الآخر كما صدمت سواه من الحانقين.
وبقى المجلسيون الجدد يتلهفون على معرفة الحقيقة وتأدية الواجبات الملقاة على عواتقهم والتي يطالبهم الناس بها دونما حول ولا صول.
وقد اجتمع أعضاء المجلس الجديد لاول مرة فاجمعوا على انتخاب سعادة الشيخ عبدالله السالم الصباح رئيس المجلس السابق رئيسا لمجلس الأمة التشريعي الثاني من جديد، فحضر الرئيس والقى بضع كلمات شكر فيها الأعضاء على ثقتهم وابلغهم ان سمو الحاكم أمر بوجوب المباشرة باعداد دستور الكويت اولا ثم عرضه عليه وتوقيعه قبل ان يباشروا اي عمل آخر، ثم انسحب الرئيس من المجلس نزولا عند رغبة أمر سموه الذي الزم عليه بعدم ترأس جلسات المجلس الجديد قبل ان يتم الاتفاق على بنود الدستور واعلانه للعموم.
فحاول بعض الأعضاء الاعتراض على تجميد اعمال المجلس الذي تتركز عليه الاجراءات وتنبثق منه كافة الترتيبات في ادارة شئون البلاد طبقا للوثيقة اياها في صلاحية أعضاء مجلس الأمة الموقعة من حاكم البلاد وان الاوأمر والاحكام المتناقضة بدأت تصدر من جهات ومصادر كثيرة غير مسؤولة قانونيا، وطالبوا بوجوب مباشرة المجلس الاشراف على كافة الاعمال الحكومية كما كان الحال ايام المجلس التشريعي الأول متعهدين بالعمل الحثيث المتصل لاعداد مشروع الدستور، غير ان بعض الأعضاء الجدد في المجلس ممن كانوا يزعمون لانفسهم التكلم والتعبير عن وجهة نظر الأمير وايدهم في ذلك فريق آخر من المعتدلين اقنعوا الآخرين بوجوب التساهل في هذا الظرف الدقيق والنزول عند مقتضيات الحكمة والقبول بتجميد الاعمال الاخرى للمجلس ريثما يتم التفاهم مع سموه بشأن الستور وذلك حذرا من ان ينشب سوء فهم جديد بين المجلس والمرجع الاعلى للحكم قد يؤدي في نهاية الأمر الى خلاف ليس من مصلحة الجميع حدوث شئ منه، لا سيما في هذه الفترة الدقيقة التي يكتنفها الغموض بل والاستهتار في مشيئة الأمة من كل جانب، فقبل الجميع بهذه الملاحظات المهمة وأظهروا جميعاً رغبتهم في سرعة انجاز الدستور لرفعه الى سمو الأمير بأقرب فرصة ممكنة، وكلفت شخصياً بتحضير مواد دستور الكويت لعرضه على لجنة مختارة من المجلس مكونة من الشيخ يوسف بن عيسى، عبدالله الصقر، سليمان العدساني، نصف النصف، يوسف العدساني لمناقشتها وتنقيحها ثم عرضها على المجلس للبت فيها.
وهنا يجدر بي أن أورد ما جاء في مذكراتي اليومية التي كنت أدونها مساء كل يوم في بيتي إذ أن فيها صورة واضحة لتسلسل الأحداث فتعطي فكرة واضحة عن مراحل الأمور وتطوراتها.
يوم الثلاثاء الموافق 5 ذي القعدة 1357 هـ
حضر عندنا في غرفة السكرتارية عبداللطيف الصالح العثمان مأمور الجوازات وكان من الشباب الكويتي المتحمس وانبأني انه حضر له صباحا في دائرة الجوازات يوسف العبدالله النفيسي احد ابناء الحاج عبدالله النفيسي وكيل صاحب الجلالة الملك بن السعود ومعه بضعة موظفين تابعين للمملكة العربية السعودية طالبا منه التأشير على جوازاتهم مع اعفائهم من الرسوم المعتادة، ولكن عبداللطيف رفض اعفاءهم من الرسوم اذ لم تكن لديه تعليمات رسمية بهذا الصدد. ولما رد عليه يوسف النفيسي قائلا: "اني سأحضر لك أمرا من سمو الأمير"، قال عبداللطيف: "اني لا اعتبر الا الاوامر التي تصدر الي من المجلس كالعادة.."
وقد خطأت انا وزميلي أحمد السرحان الكاتب معي في شئون السكرتارية وصديق عبداللطيف على جوابه الاحمق هذا في هذا الظرف الدقيق، ووضحنا له ان هذا الحماس المتطرف يسئ الى القضية التي نخدمها جميعا بدلا من ان يفيدها وان جوابه هذا سوف يكون له عواقب غير طيبة ثم اقنعناه بوجوب تهذيب اقواله عندما يحقق معه بشأنها ولا بد لهم من ذلك.
يوم الاربعاء 6 ذي القعدة سنة 1357
بينما كان مجلس الأمة منعقدا للنظر في تأليف اللجنة الخاصة التي تنظر في شأن الدستور، حيث تم الاتفاق على جعلها من الشيخ يوسف بن عيسى، نصف بن يوسف، يوسف العدساني، عبدالله الصقر، سليمان العدساني.
جاءنا النبأ ان فهد السالم جاء الى دائرة الجوازات في سيارة مسلحة واخذ مأمورها عبداللطيف الصالح العثمان ووضع مكانه الشاب عبدالعزيز الجاسم البودي وقد تأثر الأعضاء من هذا الاجراء الكيفي بعزل احد الموظفين وتعيين غيره في مكانه دون مراجعتهم او تبليغهم بالاسباب، ورجوا من الشيخ يوسف الاستفسار من حقيقة الاسباب.
وبعد انفضاض الجلسة بلغنا ان مأمور الجوازات الأول اخذ الى الشيخ علي الخليفة من دائرة الامن العام وضرب هناك ضربا موجعا ثم جر الى السجن في شكل مظاهرة مسلحة، فخرجت الى السوق ونشطت الأعضاء على وجوب عقد اجتماع من اعيان الكويت للتداول في القضية ووضع حد لهذه الاساليب الهمجية المغايرة للنظم البشرية، واحضرنا مع العضو عبداللطيف الثنيان بعض السيارات لنقل كافة الأعضاء مع بعض الرجالات المتحمسين الى دار عبدالله الحمد الصقر حيث جرى هناك نقاش شديد واستفظاع للعمل الهمجي، وقد حاول الشيخ يوسف بن عيسى تلطيف القضية قائلا: "انه سأل من الشيخ علي الخليفة عن الباعث على ضرب المأمور بتلك الصورة الفظيعة"، فأجابه: "ان الولد تلكأ في رد التهمة، وتعلمون ان ابن السعود قويا ونحن ضعفاء وقد ضربنا الولد تطييبا لخاطر بن السعود".
والحقيقة انه أمر القاء الولد ارضا وضربه 35 ضربة قوية ثم هدد وجماعة شباب الكتلة الوطنية بتفريغ المسدسات في رؤوسهم، وقال الشيخ يوسف ما قاله عن كلام الشيخ علي محاولا تهدئة ثائرة الحاضرين ولكنه على العكس من ذلك زاد من ثائرتهم بذلك المنطق السليم من جواب الشيخ علي الخليفة اذ لم تحصل من الولد اية اهانة بحق صاحب الجلالة الملك بن السعود وانما هو تعليلات تعسفية يراد بها مجرد الارهاب والانتقام من كافة موظفي المجلس المنحل بالبطش او فصلهم وراء اتفه الاسباب، لذلك تواصى اكثر الحاضرين بالذهاب الى سمو الأمير لمخاطبته في ذلك ووضع حد لهذه الخشونة التعسفية ومظاهرات العداء التي كانت تطوف بها قوات الأمير المسلحة لارهابهم اذ لم يبدر من المجلس الجديد اية بادرة تدل على الاختلاف معه حتى يعرضوا الى مثل هذه التدابير العدائية، ولكن يوسف بن عيسى وقليل معه اصروا على عدم الذهاب الى الشيخ على تلك الصورة، واخيرا نزل الحاضرون على فكرة انتداب يوسف بن عيسى ونصف بن يوسف ويوسف العدساني وحدهم بصفتهم الفريق المرضي عنه عند سمو الأمير لعرض اقوال الجماعة على سموه على ذلك المنوال في الساعة التاسعة مساء من ذلك النهار، وفعلا ذهب الوفد بعد انضمام الحاج أحمد الحميضي اليه ثم رجع موضحا للحاضرين ان سمو الأمير لا يرضى بما حصل اما القوة المسلحة التي يرونها تطوف بالمدينة فهي لهم وليست عليهم.. وسيأمر بكفها وانه أمر باطلاق سراح مأمور الجوازات الخ ذلك من الكلمات الطيبة، وقد عرض الوفد على سمو الأمير بمناسبة ذلك اللطف الذي صدر منه ان يحضر اليه غدا كافة أعضاء المجلس الجديد بما فيهم أعضاء المجلس المنحل، عل ذلك يكون بادئة عهد تزول فيه آثار سوء الفهم الذي جرى في العهد المنصرم خلال انحلال المجلس الأول، وبعد مداولات يسيرة رحب الأعضاء جميعا بذلك الاقتراح الحسن وقد اتفق على عدم تطرق الحديث الى الشئون السياسية بل الاقتصار على الاحاديث والمجاملات العادية التي تقرب النفوس.
وفي مساء ذلك النهار وردت البرقيات العديدة من الملا صالح الى اصدقائه وغيرهم ينبأهم فيها عن عزمه على القدوم غدا الى الكويت وغايته من ارسال تلك البرقيات الكثيرة على تلك الصورة المعروفة حمل الاشخاص المرسلة اليهم على مواجهته خارج المدينة والدخول معه اليها بصورة الفاتح المنتصر.
فكان الايعاز البديهي الى الملا صالح الملا بالقدوم الى الكويت في ذلك اليوم الذي تقرر فيه اجتماع أعضاء المجلس بسمو الأمير خير دليل على عدم حسن النوايا المبتدئة من قبل سموه لايجاد حسن التفاهم المطلوب، خصوصا لمن يعرف حقيقة ماضي الملا واساليبه العديدة في الدسائس وايقاع الفتنة بين الأمير ورجال الكويت الاحرار.
وقد ذهب الى سمو الأمير يوسف العدساني ويوسف الأحمد الغانم اخو محمد الأحمد الغانم الاكبر وهو من اصدقاء الشيخ المقربين لمعالجته واقناعه في تأجيل قدوم الملا ريثما تستقر الاحوال بالكويت، غير ان سموه امتنع عن ذلك لانه سبق ان ابرق اليه بالسفر.
فتبرع يوسف الأحمد الغانم شقيق العضو محمد الغانم الاكبر ويوسف العدساني بصفتهما مقبولين من سمو الأمير وحادثاه في قدوم الملا صالح في مثل هذا الوقت الذي يعلق عليه الناس حسن الآمال للتفاهم والمحبة، وحاولا اقناعه بتأجيل قدوم الملا حيثما تستقر الاحوال وتهدأ النفوس الا ان سموه امتنع عن ذلك محتجا انه سبق الابراق اليه بالقدوم..
يوم الخميس 7 ذي القعدة 1357
اجتمع أعضاء المجلس في مجلسهم جميعا صباح اليوم كالعادة، وانفردت اللجنة المؤلفة لسن الدستور وبالاصح دراسة مسودته التي كانت مهيئة من ايام المجلس التشريعي الأول المنحل، واجل النقاش عليها اذ ذاك حذر الاصطدام مع الأمير الذي كان اذ ذاك يتشبت بحيادة حل المجلس، وزينها له المزيفون، واجراء ما يتطلب الظرف الحاضر من تعديلات او تغييرات تقتضي بها الظروف. وعند تمام الساعة الخامسة غروبية ذهب الجميع الى قصر الشيخ الكائن قرب بناية الجمرك حيث وجدوا سموه وصافحوه واحدا بعد آخر. وفتح الحديث يوسف بن عيسى ببعض مداعبات خرج منها سمو الحاكم الى مجاملة الأعضاء باسلوبه الودي المعروف، وكان مما قاله حرفيا: "يا جماعة انا اخوكم انا ابوكم انا خادمكم، اذا رأيتموني مخالفكم دوسوا على خناعي"، ثم تطرق الى مداعبة عبدالله الصقر وخالد العبداللطيف عن ولائمهم قائلا: "انه لايستغني عنها"، وقد خرج الجميع بعد ذلك من لدن سموه مرتاحين من هذا الكلام الطيب يسود بعضهم روح التفاؤل والامل.
وعند مبارحة أعضاء المجلس القصر الأميري علا ضجيج ابواق السيارات القادمة مع سيارة الملا صالح والتي ترافقه في استقباله، وكانت اكثرها مؤجرة من قبل ابنه عبدالله المشغوف بالدعاية والمظاهرات الكاذبة كأبيه، لتقل المستقبلين من الاعاجم والنكرات وفريق من الذين جبلوا على الاستخذاء للملا اعتقادا منهم في قوة سحره وطلاسمه او من الذين ظلوا اعداء لأعضاء المجلس السابق يريدون بهذا التزمير والتشييع بالابواق والسيارات كيد خصومهم على الشكل التهريجي الصبياني، وقد استهجن الجميع هذا العمل السخيف واعتبروه افتئاة على عواطف الأمة لمسايرتهم رجلا اشتهر بكيده للامة وخيانته لها طوال ايام حياته، ومن المضحك ان الملا نظم (عرضة) واستدعى شلة من المومسات والعبدات لاحياء ليالي الانس احتفاء بقدومه فكانت من اجلى المساخر التي فضحت للملأ عقلية هذا الرجل المستهتر والمحدود المدارك والتمييز.
يوم الاحد 11 ذي القعدة سنة 1357
بناء على قرار السلطة القاضي بتعطيل كافة الاعمال احتفاء بعيد رأس السنة الميلادية 1939، رأى أعضاء المجلس التشريعي ان يقضوا عطلتهم ذلك اليوم في قرية الدمنة الساحلية بمحل احدهم -خالد العبداللطيف الحمد- ليتباحثوا هناك في مواد الدستور نهائيا، وقد مروا في طريقهم بالقنصل الانكليزي لتهنئته بعيد رأس السنة، فكان الاستقبال فاترا وقصيرا ولم تتخله الا احاديث قصيرة ومتكلفة تناسب الوحشة الموجودة بين الطرفين. وقد اعتزل الأعضاء الحاضرون من اللجنة الدستورية وهم يوسف بن عيسى، سليمان العدساني، يوسف العدساني، نصف اليوسف، وحضرت بينهم لتسجيل المواد والملاحظات المطلوبة، وعرضت المادة الثانية القائلة: (الكويت ذات سيادة مستقلة الخ..) فحاول الشيخ يوسف الاعتراض على لفظة سيادة مستقلة، لانها في معرفته بلاد تحت الحماية، فأقتنع من الباقين ان الكويت وان كانت مرتبطة مع بريطانيا بمعاهدات ومكاتبات تخول بريطانيا ببعض الامتيازات السياسية الا ان ذلك لا يتعارض وذلك التعريف، اما الحماية فلها اوصافها وشروط في القانون الدولي لا تنطبق على الكويت فتساهل في ابقاء العبارة قائلا: "انه يقر بقاءها الآن ولكن متى اعترض عليها فإنه يقر رأي المعترضين"، فقبلوا منه هذا التحفظ وبقت العبارة كما هي.
ولما جاء دور المادة الثامنة القائلة : (سيادة الحكم للأمة وهي وديعة الشعب لذرية المغفور له الشيخ مبارك الصباح)، اعترض الشيخ يوسف ثانيا على لفظة (للأمة وهي وديعة الشعب) طالبا حذف هذه الالفاظ باعتبارها منافية للواقع، وقد حاول البعض مرارا اقناعه بان ذلك ليس فيه اية منافاة للاصول المتبعة في كافة دساتير العالم فالأمة في كل شعب له دستور واصول برلمانية هي صاحبة السيادة تودع سيادتها من تشاء وقد اتفق الكويتيون الأولون على جعل سيادة الحكم لآل الصباح وان هذه الالفاظ المعبرة عن الواقع ليست قابلة التأويل لغير هذا المدلول الطبيعي في نشوء الجماعات والشعوب، ولكن يوسف بن عيسى أبى الاقتناع بهذا الكلام وأصر على حذفها، فتساهل الأعضاء بدورهم معه على قبول حذفها وبقت المادة متصلة بدونها هكذا: (سيادة الحكم لذرية الشيخ الخ..)، ولما جاء الدور الى الباب الثاني المعنون بالحاكم، اقترح كل من الشيخ يوسف ونصف وضع مادة تمنح الحاكم حق حل المجلس التشريعي. وقد كانت هذه الفكرة متوخاة ومتوقعة من الجميع ولكن الحيرة كانت كبيرة تجاه وضع مثل هذه المادة التي تخول الحاكم في الكويت حق حل أي مجلس تشريعي كان وضعت فيه الأمة ثقتها مع معرفة الظروف والاحوال الشاذة التي يعلم الكويتيون حقيقتها وأولها التأثير الكبير التي تتمتع به حاشية الحاكم على إرادته وتفكيره فتقوده دائما الى الاستيحاش على الاقل من الرجال الاحرار المصلحين والنفور منهم، وان وضع مثل هذه المادة التي هي سلاح ماضي بيد ذلك النوع من الحكام الضعفاء بين نصوص الدستور فيه كل معاني الاستهتار والاستخفاف بارادة الأمة (وان وجود مثل هذه المادة في نصوص الدستور) سيجعل من كافة المجالس النيابية هزء هازئ اذ هي معرضة عند غضب الأمير للحل بأتفه واشنأ الاسباب عن مصلحة الأمة ورغباتها. وليس ذلك فقط بل وحتى في حالة غضب الأمير وسخطه بالذات، واذن فلا فائدة ترجى من قيام مجالس تشريعية مع وجود مثل هذه المادة الهادمة بالنظر الى هذه الاعتبارات، ولكن كيف يكون المخرج والشيخ يوسف نفسه وهو ذو المكانة المعروفة عند العامة بصفته رجل دين وورع في مثل هذا الوقت العصيب الدقيق أمر لا يقره العقل وليس ضمن حسن السياسة في شئ. واذن فليداور بقية الأعضاء هذا الشيخ يوسف ما يداورونه في تقييد مثل هذه المادة وتحديدها، وانهم ليفعلون ذلك بالكياسة والمنطق السديد الى ان يصلوا واياه الى وضع مادة الحل بهذه الصيغة فتكون المصيبة في نظرهم اهون وان كانت مصيبة على كل حال:
(للحاكم حل المجلس التشريعي متى نشبت باسبابه فتنة عامة في البلد استعصى حلها بالطرق السلمية، على ان تشمل الارادة القاضية بالحل الأمر باجراء الانتخابات للمجلس الجديد خلال اسبوع واحد من تاريخه).
وبعد ان استحدثت المواد 29 و 30 و 31 و 32 و33 الخاصة بالهيئة التنفيذية والتي لم تكن مسماة في المجلس التشريعي الأول، اقرت كافة المواد الاصلية كما وردت في المسودة القديمة الموجودة (..) المجلس الأول، وبعد اتفاق اللجنة على مواد الدستور بأجمعها ناول يوسف العدساني لفافة مسودة الدستور الاخيرة الى الشيخ يوسف العيسى وهو يقول:
- "الديك ما تقوله الآن عن هذه المواد وهل بقى في نفسك ما يستوجب التعديل منها؟".
- أجابه الشيخ قائلا: "لا ولم يبق في نفسي اي اقتراح جديد".
- "اذا فاننا نشهد عليك انك موافق على هذه المواد جميعها تمام الموافقة".
- "لكم ان تشهدوا علي بذلك" -وهو يبتسم-
- "ليس هذا ما نريده منك فحسب وانما نريد منك ان تعدنا بانك ستدافع عنها امام الأمير حيت تسلمها اياه كما تدافع عن نفسك".
- "نعم ولكم ذلك" -وهو يبتسم ثانية-
- "اذكر كلامنا هذا جيدا يا شيخ يوسف فقد نحتاج اليه".
وتنتهي المذاكرة بالدستور عند ذلك الحد ويرجع الجميع مساءً الى الكويت مرتاحين من هذه النتيجة، فقد كان الكثير يحاذر من حدوث خلاف يستعصي حله داخل اللجنة الموكول اليها تحضير الدستور الجديد.
يوم الاثنين 12 ذي القعدة 1357
قرأت على الأعضاء داخل المجلس مسودة الدستور الجديد في صيغتها الاخيرة وبعد نقاش بسيط اقرها الجميع وطلبوا مني تبييضها وتسليمها الى الشيخ يوسف بن عيسى بصفته نائب رئيس المجلس. وفعلا بيضت الدستور في دفتر لائق سلمته الى الشيخ يوسف، فذهب به هذا توا الى قصر الأمير وبعد ان ناوله اياه قال له ما يأتي: "هذا الدستور اخذنا مواده عن مواد الدستور العراقي مع بعض التصرف ليناسب احوالنا في الكويت، فإذا ابدى احد لسموكم وجه اعتراض عليه فأعضاء المجلس يقبلون ذلك من أي كان ما دام الاعتراض وجيها ومستندا على حجج قانونية". فرد عليه سموه قائلا: "سوف ادرسه خلال ثلاثة ولا بد من عرضه على القنصل الانكليزي لانه طالب مني ذلك.. ثم انبئك بما يبدو"، وخرج يوسف بن عيسى من لدن سموه على هذا الاتفاق.
واليك الدستور بجميع مواده كما رفع الى سمو الأمير لتوقيعه:
بسم الله الرحمن الرحيم
القانون الاساسي الكويتي
نحن حاكم الكويت بناء على ما قرره مجلس الأمة التشريعي صادقنا على قانوننا الاساسي وأمرنا بوضعه موضع التنفيذ.
المقــــــــدمة
1 ) يسمى هذا القانون (القانون الاساسي الكويتي) وأحكامه نفاذة في جميع انحاء الامارة الكويتية.
2 ) الكويت ذات سيادة مستقلة أراضيها لا تتجزأ ولا ينزل عن شئ منها وشكل حكمها نيابي.
3 ) تعتبر مدينة الكويت عاصمة الامارة الكويتية.
4 ) العلم الكويتي طوله ضعفا عرضه رقعته حمراء خالصة مكتوبا في وسطها على مجراً أفقي لفظة (كويت) بأحرف بيضاء، أما شعار الامارة وشاراتها الأخرى فتعين بقوانين خاصة.
5 ) جميع الاتفاقات والمعاهدات السابق ابرامها مع حكومة صاحب الجلالة البريطانية والمقترنة بتوقيع حاكم البلاد الحالي أو حكامها السابقين الى ما قبل صدور قانون صلاحية مجلس الأمة التشريعي تعتبر مصونة ونافذة في البلاد.
6 ) تعين الجنسية الكويتية وتكتسب وتفقد وفقا لقانون خاص.
الباب الأول
حقوق الشعب
7 ) لا فرق بين الكويتيين في الحقوق أمام القانون وان اختلفوا في المذاهب.
8 ) الحرية الشخصية مصونة لجميع سكان الكويت من التعرض والتدخل ولا يجوز القبض على احدهم أو توقيفه أو معاقبته أو اجباره على تبديل مسكنه أو تعريضه لقيود الا بمقتضى القانون. أما التعذيب ونفي الكويتيين خارج حدود الامارة فممنوع بتاتا.
9 ) المساكن مصونة من التعرض ولا يجوز دخولها والتحري فيها الا في الاحوال التي يعينها القانون.
10) لا يمنع أحد من مراجعة المحاكم المختصة ولا يجبر على حل عن غير طريق المحاكم.
11) حقوق التملك مصونة فلا يجوز فرض القروض الاجبارية على الأفراد كما لا يجوز حجز الأموال والأملاك إلا بمقتضى القانون. أما السخرة المجانية والمصادرة العامة للأموال المنقولة وغير المنقولة فممنوعة بتاتا ولا ينزع ملك أحد إلا لاجل النفع العام وبالطريقة التي يعينها القانون وبشرط التعويض عنه تعويضا عادلا.
12) لا تفرض ضريبة إلا بمقتضى قرار خاص.
13) للكويتيين حرية ابداء الرأي والنشر والاجتماع وتأليف الجمعيات والانضمام اليها ضمن حدود النظام.
14) الاسلام دين الامارة الرسمي.
15) تكون جميع المراسلات البريدية والبرقية مكتومة ومصونة من كل مراقبة وتوقيف إلا في الاحوال التي يعينها القانون.
16) العربية هي اللغة الرسمية في البلاد.
17) الكويتيون متساوون في التمتع بحقوقهم واداء واجباتهم ويعهد اليهم وحدهم بوظائف الحكومة بدون تمييز كل حسب اقتداره وأهليته ولا يستخدم في وظائف الحكومة غير الكويتيين إلا في الاحوال الاستثنائية التي تعين بقرار خاص.
الباب الثاني
الحاكــــــم
18) سيادة الحكم لذرية المغفور له الشيخ مبارك الصباح.
19) ولاية العهد لأكبر ذرية الشيخ المرحوم مبارك الصباح فالأكبر من الاحياء الذكور الصحيحي الادراك والتمييز.
20) يقسم الحاكم أمام مجلس الأمة التشريعي يمين المحافظة على أحكام القانون الاساسي والاخلاص للوطن والأمة على أثر توليه الحكم.
21) سن الرشد للحاكم تمام العشرين عاما قمريا، فاذا انتقل الحكم الى ما هو دون هذا السن يؤدى حقوق الحاكم (الوصي) الذي اختاره الحاكم السابق وذلك الى أن يبلغ الحاكم سن الرشد. ولكن ليس للوصي أن يتولى هذا المنصب ويؤدى شيئا من حقوقه ما لم يوافق مجلس الأمة على تعيينه فاذا لم يوافق المجلس على ذلك أو إذا لم يعين الحاكم السابق وصيا فالمجلس هو الذي يعين الوصي، وعلى الوصي اداء اليمين المتقدم بيانها أمام المجلس والى أن يتم نصب الوصي وادائه اليمين تكون حقوق الحاكم الدستورية لمجلس الأمة التشريعي يتولاها باسم الحاكم ويكون مسؤولا عنها ولا يجوز للمجلس ادخال تعديل ما في القانون الاساسي مدة الوصاية بشأن حقوق الحاكم ووراثته.
22) عندما تمس الحاجة الى اقامة الوصي يدعى مجلس الأمة التشريعي الى الانعقاد حالا فاذا كان المجلس منحلا ولم يتم انتخاب المجلس الجديد يلتئم المجلس السابق لذلك الغرض.
23) 1 - الحاكم راس البلاد الاعلى وهو الذي يصدق القوانين الرئيسية.
2 - الحاكم هو الذي يفتتح مجلس الأمة التشريعي لكل دورة (نيابية) جديدة.
3 - الحاكم يوقع المعاهدات التى يقرها ويصادق عليها مجلس الأمة التشريعي.
4 - لا ينفذ حكم الاعدام الا بتصديق الحاكم وللحاكم أن يخفف عقوبة الاعدام.
5 - الحاكم هو الذى يسوى جميع المنازعات الخاصة لعائلة الصباح على الوجه الشرعي. أما منازعاتهم المشتبكة مع حقوق الغير فتسويتها لدى المحاكم.
24) للحاكم حل مجلس الأمة التشريعي متى نشبت باسبابه فتنة في البلاد استعصى حلها بالطرق السلمية على أن تشتمل الارادة القاضية بالحل الأمر باجراء الانتخابات للمجلس الجديد خلال أسبوع واحد من تاريخها.
الباب الثالث
السلطة التشريعية
25) السلطة التشريعية منوطة بمجلس الأمة وله وحده حق وضع القوانين وتعديلها والغائها مع مراعاة أحكام هذا القانون.
26) في بداية كل دورة جديدة يفتتح الحاكم مجلس الأمة الجديد بذاته أو ينوب عنه في ذلك من يقوم مقامه.
27) مدة الدورة النيابية أربعة أعوام من تاريخ انعقاد أول جلسة قانونية.
28) لا يكون عضو في مجلس الأمة التشريعي:
1 - من لم يكن كويتيا.
2 - من كان مدعيا بجنسية أو حماية أجنبية.
3 - من كان دون الـ 25 من عمره.
4 - من كان محكوما عليه بالافلاس ولم يعد اعتباره قانونا.
5 - من كان محجورا عليه ولم يفك حجره.
6 - من كان محكوما عليه بالسجن لسرقة أو رشوة أو خيانة الامانة أو تزوير أو احتيال أو غير ذلك من الجرائم المخلة بالشرف بصورة مطلقة.
7 - من كان مجنونا أو معتوها.
8 - من كان من الاسرة الحاكمة.
9
- من كان أميا لا يقرأ ولا يكتب.
10- من كان موظفا يتقاضى الراتب من احدى الدوائر الحكومية من غير رجال الهيئة التنفيذية.
29) يتألف المجلس التشريعي من عدد لا يتجاوز العشرين عضوا بما فيهم رجال الهيئة التنفيذية.
30) ينتخب المجلس التشريعي من بين اعضائه هيئة قوامها ستة أعضاء وتسمى (بالهيئة التنفيذية).
31) تنحل الهيئة التنفيذية بانحلال المجلس التشريعي ويباشر اعضاؤها أعمال وظائفهم العادية حتى اذا التئم المجلس الجديد كان له الحق في اقالة أو اقرار من يرى ذلك منهم ولا يقر في الهيئة التنفيذية الا الفائزون بعضوية مجلس الأمة الجديد.
32) اذا قرر المجلس التشريعي عدم الثقة بالهيئة التنفيذية باكثرية الأعضاء الحاضرين فتعتبر مقاله واذا كان القرار المذكور يمس احد أعضاء الهيئة التنفيذية فيعتبر ذلك العضو مقالا وعلى المجلس في كلا الحالتين أن ينتخب بدل أعضاء الهيئة التنفيذية المقالة أو أحد اعضائها المقال من يخلفهم.
33) عضو الهيئة التنفيذية الذي يقال أو يستقيل منها يبقى على عضويته في المجلس التشريعي.
34) ينتخب المجلس رئيسا له ثم ينتخب من بين اعضائه وكيل الرئيس الأول ووكيله الثاني.
35) تعين طريقة انتخاب الأعضاء بقانون خاص يراعى فيه أصول التصويت السري الحر.
36) يجوز تجديد انتخاب النائب السابق.
37) للموظف الذي يفوز في انتخابات مجلس الأمة التشريعي حق الخيار بين قبول العضوية ورفضها والذي يقبل العضوية يجب عليه التخلي عن وظيفته.
38) يفصل مجلس الأمة التشريعي في المسائل المتعلقة بالصفات المؤهلة لانتخاب الأعضاء والطعن الموجه ضد انتخابهم وفي الاعذار والاستقالات المتعلقة بهم.
39) للعضو أن يستقيل من مركزه وذلك بأن يقدم استقالته كتابة الى الرئيس ولا تنفذ الاستقالة ما لم يقبلها مجلس الأمة.
40) العضو الذي يتغيب عن المجلس الى مدة شهر من غير اذن أو عذر مشروع يعد مستقيلا مع مراعاة المادة السابقة.
41) عند انحلال عضوية في مجلس الأمة بسبب وفاة أو استقالة أو فقد الصفات اللازمة أو تغيب عن المجلس يقضي بالاستقالة يجب أن يجرى انتخاب جديد بايعاز من المجلس.
42) على النواب قبل الشروع في أعمالهم أن يقسم كل منهم أمام المجلس يمين الاخلاص للحاكم والمحافظة على القانون الاساسي وخدمة الوطن وحسن القيام بواجب النيابة.
43) لا يباشر المجلس أعماله ما لم يحضر الجلسة أكثر من نصف الأعضاء بواحد.
44) تصدر القرارات باكثرية آراء الأعضاء الحاضرين ما لم ينص هذا القانون على خلاف ذلك واذا تساوت الآراء فللرئيس اذ ذاك صوت الترجيح ولا تحصل أكثرية ما لم يصوت نصف الأعضاء الحاضرين ويبدي كل من الأعضاء رأيه بذاته وتعين طريقة ابداء الرأي في النظام الداخلي للمجلس.
45) لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه الى أعضاء أو أحد أعضاء الهيئة التنفيذية اسئلة وايضاحات وعلى الموجه عليه السؤال أو الاستيضاح أن يحضر بنفسه ليدلي بالجواب المطلوب بعد أسبوع على الأقل من يوم توجيه السؤال وذلك في غير حالة الاستعجال أو موافقة العضو المسؤول.
46) يبت المجلس في اللوائح القانونية مادة مادة على حدة ثم يبت بها جملة.
47) لا يجوز لأي قوة مسلحة الدخول على المجلس ولا الاقامة على مقربة من أبوابه إلا بطلب من أكثرية المجلس المذكور.
48) لا يجوز لأحد دخول المجلس ولا التكلم فيه إلا للأعضاء أو من يدعوهم المجلس الى ذلك.
49) لكل عضو حرية الكلام التامة ضمن حدود نظام المجلس ولا تتخذ أي اجراءات قانونية ضده من أجل تصويت أو بيان رأي أو إلقاء خطبة في مداولات المجلس ومباحثاته.
الباب الرابع
السلطة التنفيذية
50) يعين مجلس الأمة التشريعي جميع القضاة العدليين ولا يعزلون الا في الاحوال المصرحة في القانون المخصوص المبينة فيه شروط أهليتهم ونصبهم ودرجاتهم وكيفية عزلهم.
51) تعين كيفية تأسيس المحاكم وأماكن انعقادها ودرجاتها وأقسامها واختصاصاتها وكيفية المراقبة عليها وتنفيذ أحكامها بقانون القضاء الخاص مع مراعاة نصوص هذا القانون.
52) المحاكم مصونة من تدخل أية سلطة في شئونها.
53) تؤلف حين الحاجة محكمة عليا لمحاكمة أعضاء الهيئة التنفيذية أو رؤساء الدوائر القضائية عن الجرائم الناشئة عن وظائفهم، وللبت في الأمور المتعلقة بتفسير القوانين وموافقتها للقانون الاساسي.
54) اذا اقتضى اجراء محاكمة كما جاء في المادة السابقة تجتمع المحكمة العليا بناء على قرار اتهامي صادر من مجلس الأمة بأكثرية الاصوات من الأعضاء الحاضرين على أن لا يقل الثلثان عن عشرة أعضاء.
55) تؤلف المحمكة العليا من خمسة أعضاء أثنان من الذين يعينهم حاكم البلاد وثلاثة يعينهم مجلس الأمة وتنعقد المحكمة برئاسة رئيس مجلس الأمة ويجب أن تحسم دعاويها وفقا للقانون وبأكثرية ثلثي المحكمة وقراراتها ليست تابعة للاستئناف.
56) الاشخاص الذين يصدر مجلس الأمة بحقهم قرار اتهامي بالاكثرية الواردة في المادة (54) يجب أن تكف يدهم عن العمل حالا وإذا استقالوا يجب دوام التعقيبات القانوينة بحقهم.
الباب الخامس
الامور المالية
57) يجب أن تجبى الضرائب من المكلفين من طبقات السكان بدون تمييز ولا يجوز أن يعفى عنها أحد منهم إلا بموجب القانون - قرار خاص.
58) لا يجوز بيع أموال الدولة أو ايجارها أو التصرف بها بصورة أخرى إلا وفق القانون - النظام المقرر.
59) لا يعطى انحصار أو امتياز لاستثمار مورد من موارد البلاد الطبيعية أو لاستعماله أو مصلحة من المصالح العامة كما لا تعطى الواردات الأميرية بالالتزام إلا بموجب القانون.
60) لا يجوز للحكومة أن تعقد قرضا أو تتعهد بما يؤدي إلى دفع مال من الخزينة العمومية إلا بموجب قانون خاص.
61) يجب أن تدفع جميع الأموال التي يقبضها موظفو الحكومة للخزينة العمومية الموحدة وأن يعطى حساب عنها بحسب الاصول المقررة قانونا.
62) لا يجوز تخصيص راتب أو اعطاء مكافأة أو صرف شئ من أموال الخزينة العمومية الموحدة لاي جهة إلا بموجب قرار خاص ولا يجوز انفاق شئ من المخصصات إلا بحسب الاصول المقررة (قانونا).
63) يجب أن يصدق مجلس الأمة الميزانية في اجتماعه السابق لابتداء السنة المالية التي يرجع اليها ذلك القانون.
64) يجوز لمجلس الأمة سن قانون لتخصيص مبالغ معينة لتصرف في سنين عديدة.
65) يجب أن يسن نظام لتأليف هيئة لتدقق جميع المصروفات وترفع بيانا الى مجلس الأمة مرة على الاقل في كل ستة أشهر اذا كانت تلك المصروفات طبقا للمخصصات التي صرفها المجلس وانفقت بحسب الاصول التي عينها القانون.
تبديل أحكام هذا القانون
66) يجوز لمجلس الأمة خلال عام واحد ابتداء من تنفيذ هذا القانون أن يعدل أيا كان من المواد في هذا القانون أو حذفها أو الاضافة اليها على شرط موافقة ثلثي اعضائه الحاضرين على أن لا يقل الثلثان عن عشرة أعضاء غير رئيس المجلس.
67) عدى ما نص عليه في المادة السابقة لا يجوز قطعيا ادخال تعديل ما على القانون الاساسي الى مدة اربع سنوات من تاريخ تنفيذه ولا بعد ذلك الا بموافقة ثلثي أعضاء المجلس الحاضرين ما لم يقل الثلثان عن عشرة أعضاء (غير الرئيس).
68) اذا انتخب مجلس جديد آخر فأول ما يعرض عليه النظر في المواد المعدلة أو المحذوفة أو المضافة من قبل المجلس السابق فاذا أقر المجلس الجديد عمل المجلس السابق في المواد المذكورة كل مادة على حدة بموافقة ثلثي اعضائه ما لم يكن الموافقون أقل من عشرة (غيرالرئيس) أقرت المواد التي حصلت على الموافقة. أما المواد التي لا تحوز الموافقة بالأكثرية المذكورة فتبقى كما كانت عليه قبل التعديل الاخير.
69) ينفذ هذا القانون من تاريخ اقترانه بتصديق الحاكم.
يوم الثلاثاء 13 ذي القعدة 1357 الموافق 3 يناير 1939
وصل الى السيد علي نبأ من عبدالله الخالد البدر التاجر المعروف في البصرة يبلغه فيه انه هبطت على يوسف المرزوق الموجود ذلك اليوم في البصرة برقية من الملا صالح يقول له فيها: "الدستور قدم اليوم توجه سريعا"، ومعنى ذلك ان الملا يحث يوسف المرزوق -الذي كان ناقما على المجلس الجديد لعدم نجاحه في الانتخابات الاخيرة- على القدوم الى الكويت ليكون في جملة المشاغبين ضد قبول الدستور المعروض، وقد وصل يوسف المرزوق فعلا في نفس اليوم.
ان هذا الملا قد آلا على نفسه ان يكون جرثومة فتاكة في جسم هذا الوطن النامي ولم تثنه شيخوخته الكبيرة ولا العبر القاسية التي مرت عليه من معاكسة الغيارى من الوطنيين.
وقد اشار الذين بلغهم السيد علي بهذا النبأ عليه بأن يذهب هو ومحمد الأحمد الغانم الى يوسف بن عيسى الموكول اليه مراجعة الأمير بشأن الدستور لتبليغه بدسائس الملا صالح كي يكون على حذر منها. وقد بدى من الجميع حماسة قوية لوضع حد تقف معه هذه الألاعيب التي تبلبل كيان الوطن.
يلة الخميس 15 ذي القعدة عام 1357
مساء هذا اليوم ارسل سمو الأمير على يوسف بن عيسى وقال له: "ان الدستور المقدم منكم طويل اكثر من الحاجة ويمكن اقتضابه"، فسأله يوسف بن عيسى: "أي المواد التي ترونها زائدة مثلا؟"، قال الأمير: "مادة وصف العلم الكويتي وما أشبه ذلك"، وقال ايضا: "ان القنصل الانكليزي ضحك منها.."، ويقول الشيخ يوسف: " اني اجبته قائلا بما معناه: هذه مواد شكلية فإذا كان لدى سموكم ملاحظات مهمة دونوها لنتباحث فيها". فأجابه الأمير: "لا بأس غدا اوضح لك ملاحظاتي".
وخرج الشيخ يوسف منه بهذا الرأي.
يوم السبت 17 ذي القعدة 1357
ذهب اليوم يوسف بن عيسى الى سمو الأمير وطلب منه الملاحظات التي وعده بها عن الدستور فرد عليه الأمير قائلا: "انه ما زال يدرس الدستور وسيوافيه بملاحظاته عنه".. وهكذا ابتدأ الأمير يمدد وعوده بابداء الملاحظات التي وعد بها يوما بعد آخر طبقا لعادته المعروفة وربما لغاية كان يكتمها.
يوم الاثنين 19 ذي القعدة 1357
اصبحنا هذا اليوم واذا باعلان يصدر من جانب مديرية الامن العام هذا فحواه:
"نعلن للعموم بما ان الدستور قيد البحث والتمحيص فعلى العموم ان يمتنعوا عن بث الدعايات والاجتماعات في هذه القضية للتضليل، وبما ان ذلك يؤدي الى الاخلال بالامن فكل من يتجاسر بمخالفة ذلك يعرض نفسه للعقاب الصارم"
مديـــري الامـــن العــــام
علي الخليفة - فهد السالم
ولم يكن الباعث على هذا الاعلان الغريب العجيب اللهم غير ورود مجلة السجل البصرية لصاحبها طه الفياض العاني وفيها مقال تناول اوضاع الكويت الاخيرة بالنقد، وعرج الى اطراء اعمال المجلس المنحل والظاهر ان المقال باجتهاد من صاحب المجلة نفسه وقد كان يجهل الظروف الحالية في الكويت لان نشر مثل هذا المقال في مثل هذه الظروف الدقيقة في نظر الوطنيين يخدم خصوم القضية الكويتية ولا ينفعها.
وقد صرح يوسف بن عيسى في جلسة المجلس هذا اليوم بما يأتي حرفيا:
"جاءني البارحة في منزلي فهد السالم الصباح وقال لي ان سمو الأمير أمرني ان ابلغك انه ما دام أمر الاجتماعات والدعايات متواصل فانه يضطر الى توقيف جميع الاعمال، وقد طلبت منه ان يبلغ سمو الأمير بما يأتي: "ما هي الاجتماعات التي تعنونها وماذا تظنون الغرض منها؟ اني اقول بلسان الجميع ان الحالة الماضية (هذا الرأي من الشيخ يوسف سبق لنا ان عللنا اسبابه في حينه) أي قبل عهد المجلس الأول لا ترضي الكويتيين كما ان اعمال المجلس في اواخر ايامه ليست مرضية، لذلك فاني بصفتي وسيطا (من سوء حظ الكويتيين ان الشيخ يوسف وهو اكثر الفائزين باصوات الناخبين كان لا يدرك انه جاء الى المجلس بثقة الناخبين للدفاع عن حقوقهم لا حقوق الذين ينازعونهم عليها، فاذا اشتدت الازم وضع نفسه موضع الوسيط ناسيا صفته التمثيلية للامة وهذا هو الضعف الذي كان رفاقه يحاولون بكل وسيلة تخليصه منه ولكنه يتغلب عليه في الملمات) لا اقبل ما يخالف الحق".
وزعت في هذا اليوم بالطرق عدة مناشير مخطوطة باليد تدعو الأمة الى الكفاح والمطالبة بالدستور بالفاظ عنيفة ولم يعرف مصدرها لان كافة أعضاء المجلس كانوا ينصحون الشباب من انصارهم بوجوب التزام السكوت والهدوء ريثما تتبين النتيجة.
يوم الثلاثاء 20 ذي القعدة 1357
تناول الأعضاء داخل المجلس في وجوب ذهاب يوسف بن عيسى الى الأمير ليعطيهم الكلمة الاخيرة عن الدستور، ولكن الشيخ يوسف حاول اقناعهم بالتريث ايضا فناشدوه الذهاب الى الأمير لانهم سئموا هذا التسويف المتكرر وجلوسهم كل يوم تاركين اشغالهم الخاصة على الكراسي الفارغة ومصالح البلاد يعبث بها المستبدون من الاطفال والجهلاء كأنهم خشب مسندة أمر لا معنى له فأولى بهم ثم أولى بهم ان يتخلون عن هذه الكراسي اذا كان هذا مدى نفعهم فيها للبلاد، وبعد تلكؤ شديد من يوسف بن عيسى واصرار منهم وافق المذكور على الذهاب الى سموه حالا وبعد مضي ربع ساعة رجع الى المجلس وهو يحمل هذا الجواب من سمو الأمير، "ليس لدي أي غرض من تأجيل الدستور وانما كنت ارغب في جلب صورة من دستور شرق الاردن لاني حسبما سمعت من رآه انه انسب الى اوضاع الكويت من سواه، وقد ابرق القنصل في طلب تلك الصورة من شرق الاردن".
ولم يعترض الشيخ يوسف بكلمة واحدة على هذا الرأي، وانما قال لهم انه قال للأمير انه لما كان تأجيل صدور الدستور ناشئ من سموكم وليس من المجلس فان الأعضاء يرون وجوب مباشرة المجلس اعماله الرسمية برئاسة رئيسه الأول، فرد عليه الأمير قائلا: "ارجوكم تتريثون مدة قليلة فقط".
هذا خلاصة ما رواه الشيخ يوسف الى الأعضاء عن نتيجة مسعاه مع الأمير وهو ينصحهم ايضا بالانتظار ريثما تصل النسخة المطلوبة من دستور شرق الاردن.
وقد استاء الأعضاء جميعا من هذه النتيجة وخصوصا ما ورد من الكلام عن دستور شرق الاردن، وقال اكثرهم نحن لا نقبل ان نفاتح في مضامين دستور شرق الاردن لاسباب اولا ان شرق الاردن تكاد تكون مستعمرة انكليزية خالصة والانكليز دخلوها محتلين بقواتهم العسكرية والكويت ليست كذلك. وثانيا اننا بصفتنا الهيئة التشريعية الأولى قد وضعنا دستور البلاد الذي طولبنا فيه كما رأيناه مناسبا لمصالح البلاد التي نمثلها فاذا كان ولا بد من حصول مناقشات من المرجع الاعلى على مواد الدستور فلتكن هذه المناقشات في حدود الدستور الذي تقدمنا به ونحن نقر الملاحظات المحقة عنه، اما دستور شرق الاردن فلا نقبل ان يرد له أي ذكر بيننا.
ولكن الشيخ يوسف وحده قال انه لا بأس من انتظار دستور شرق الاردن (فما كان فيه نافعا اخذناه وما كان غير ذلك ابيناه) وهذه العبارة كانت تتكرر من الشيخ يوسف في امثال هذه المناسبات بحيث اصبحت مشهورة عنه.
غير ان الأعضاء افهموه بعد لاي شديد قائلين: "اننا بقبولنا انتظار دستور شرق الاردن نقر مبدأ الاعتراف في مناقشته وهذه خطوة قد تجرنا الى اختلافات متكررة مع الأمير نحن في غاية الغنى عنها". ثم انتدبوا من بينهم محمد الأحمد الغانم ويوسف العدساني وكانوا الى ذلك اليوم من عداد المرضي عنهم من جانب الأمير (خصوصا لنصرتهم له في قصر دسمان) للذهاب الى سموه واقناعه بالعدول عن فكرة دستور شرق الاردن ومناشدته بسرعة تنجيز صدور الدستور المعروض.
وعادوا مساء يقولان انهما استطاعا التوضيح لسموه عن الفرق الكائن بين وضع الكويت ووضع شرق الاردن. وقال لهما انه لما لم يكن قد درس الدستور المقدم اليه درسا وافيا فلسوف يدرسه خلال اليومين المقبلين ثم يوضح لهما ملاحظاته حوله.
ملاحظة:
كما اظنه عن غاية الأمير من تطبيق دستور شرق الاردن هو ما نقل اليه من ان ذلك الدستور يعطي الحاكم الحق في تعيين نصف أعضاء المجلس التشريعي غير النصف الآخر الذين تنتخبهم الأمة، اما كلام الأمير الاخير عن عدم دراسته حتى الآن دراسة وافية للدستور المقدم اليه فأمر ظاهر البطلان.
يوم الاربعاء 21 ذي القعدة 1357
لم يحدث شئ ذو بال.
وصل الحاج محمد الثنيان الغانم الى الكويت قادما من الهند بالطائرة قبل نهاية موسم التمور لاهتمامه بتطورات الوضع الاخير في الكويت الذي كان يسأل عنه برقيا من الهند وكان المقرر الاحتفاء بقدومه حفاوة كبيرة من قبل الكويتيين لولا انه وصل نصف الليل من البصرة حيث انزلته الطائرة هناك.
يوم الاحد 25 ذي القعدة 1357
ذهب اليوم هذا بتفويض من المجلس كل من (محمد الأحمد الغانم ويوسف العدساني) بمؤآزرة يوسف الأحمد الغانم الى سمو الأمير، ولما قابلوه فاتحهم قائلا: "ماذا تريدون؟"
- "اننا قادمون بتفويض من المجلس لاستلام الدستور بناء على الوعد المتقدم من سموكم".
- فرد عليهم غاضبا: "لم يبق لكم عندي دستور ولا غيره".
ولما استوضحوا من سموه عن معنى هذا الغضب واسبابه، اجابهم قائلا: "اريد اولا ارى تلك المظاهرة التي ستقام غدا ونتائجها".
- "أي مظاهرة يعني سموكم، وليس ثمة ادنى عزم لدى الكويتيين من اقامة المظاهرات في الوقت الذي ما يزال ممثليهم يعلقون على سموكم احسن الآمال للوصول الى النتائج الحسنة، لا شك انما سمعتموه صادر عن اقوال المغرضين ودسائسهم وهم لا يهمهم الا احباط النتائج الطيبة ليستغلوا هم عواقب فشل الأمة في الاتفاق مع سموكم، واننا نؤكد لكم ان كل ما سمعتموه عن اقامة مظاهرة او غيرها ما هو الا محض افتراء".
وبعد ان اطمئن سموه الى كلام الوفد المرسل اليه قال لهم: "ان الدستور كان ناجزا اليوم صباحا ولكني سمعت بنبأ المظاهرة فأخرته عندي، ولكن اقول لكم الآن سأعرضه اولا على أفراد العائلة (يعني عائلة الصباح) ومتى فرغوا منه سأرسله الى المجلس".
- "هل نأتيك غدا؟"
- "لا سوف ادعوكم انا الى الحضور".
وقد كان ظاهرا من الاحتياطات المتخذة من جانبهم وتزويدهم كافة خدمهم ورجال الشرطة بالسلاح انهم كانوا مقتنعين من احتمال اقامة مظاهرة غدا احتجاجا على عدم انجاز الدستور، ولا شك ان ذلك كان ناشئا من دسائس المتربصين للامة بالشر ليفسدوا على الطرفين الجو الصالح للمفاوضات التي ربما واصلة الى نتائج يصح معها السكوت ولكن الصباح اصبح ولم ير الصباحيون شيئا.
كانت هذه حقيقة الحال الذي تردى اليه الوضع السئ بالكويت تسويفات عقيمة مستمرة من جانب الأمير وصمت مطلق مريب من قبل الانكليز وعبث مزري مشين بمقدرات البلاد على ايدي المهيمنين على دوائر الحكم في غير ما لياقة ولا حسن تورع، يسود كل ذلك جو من الوحشة والشكوك التي تغمر نفوس الجميع فلا سبيل الى التفاهم ولا حل صالح يرجى للبلاد.
ذلك ما كنا نستشفه نحن الخلان الثلاثة المتلاصقين عبدالله الصقر وعبداللطيف الثنيان وانا الذين كانت تجمع بيننا منذ دبيب الحركة الوطنية اواصر قومية متلاحمة من الالفة والثقة والتفاهم وكان هذا الاتحاد والتطابق النادر في الغايات والمثل القومية الصريحة بيننا نحن الثلاثة من الامور الملحوظة التي كنا وكان يطلق علينا من اجلها البعض بالثالوث وذلك بالنظر لشدة الروابط التي كانت تجمع بين ثلاثتنا في وحدة الرأي والغايات والمثل السياسية القومية يتمم بعضنا فيها نقص البعض الآخر ويستهدي بهديه في توافق والتئام تام.
كانت لنا طرقنا واساليبنا واجتماعاتنا الثالوثية الخاصة التي تتميز عما سواها من حركاتنا مع اصدقائنا الآخرين وتتمخض على الدوام بالغلبة والسيطرة في توجيه الافكار العامة مع التأثير المحسوس على آراء اصدقائنا من أعضاء المجلس وبالتالي على مقرراتهم الجوهرية لا سيما ما كان منها متصلا بالمبادئ والشئون القومية.
كنا نلتقي ثلاثتنا في دار احدنا، عبدالله الصقر على الأغلب، فنتداول في الامور الطارئة وغير الطارئة ونستعرض ما وصل اليه الوضع السئ في الكويت فلا نجد ثمة بارقة لحسن النية من جانب الأمير يصح ان نعلق عليها أي امل للوصول الى تفاهم محمود ينيل الأمة ما تصبو اليه نفوس الاحرار من بنيها ويفسح المجال للمخلصين ليواصلوا ما بدأوه في مجلسها الأول من اصلاح ونتاج محمود.
وانما كان كل ما في الأمر تسويفات ومماطلات صريحة مألوفة لا يتعلق بها الا الخائر الضعيف بينما كانت عناصر السوء والجهل والفوضى من الناحية الاخرى من الذين انيط بهم تصريف الامور تزداد عتوا وتطغى فيهم العنعنات الاستبدادية الكيفية يوما بعد آخر مما آل الى الاستخفاف المطلق بارادة الأمة والهزء من ممثليها بكافة دوائر الحكم ومالية الدولة يبعثرونها على مآكلهم واهوائهم هم وذلك الجيش الجرار من الخدم والاتباع الذين احاطوهم بانفسهم وجروهم لاذلال النفوس واهانة الاحرار حتى كان يتضاحك سفهاؤهم وهم يهمزون الطعام الدسم (كلوا من طعام الأمة لعن الله الذين لا عهد لهم في الأمة).
اما دوائر الدولة وموظفيها فاصبحوا جميعا هزء هازئ لا يعرفون كيف يسيرون مصالح الناس ولا الى من اليه يرجعون تسيرهم الرغبات الكيفية الخاصة من كل جانب ويتهددهم الطرد وربما الضرب في غير ما حق من كل جانب وقد دعى هذا الحال الشاذ بنفر من رفاقنا البارزين في المجلس التشريعي المشلول الى اليأس والنفور من الجلوس على الكراسي الخشبية دائبين كل يوم في انتظار الدستور الموعود في غير ما عمل مفيد ولا حل مرتجى في تقديم استقالتهم من عضويتهم فيه لا سيما وقد كانوا في شك من صراحة زملائهم الجدد الثلاثة الذين كانوا دعامة المعارضة في العهد الغابر، وعدم وضوح نواياهم معهم في العمل داخل المجلس وهم لهم صلتهم الوثقى بسمو الأمير منذ ايام المعارضة السالفة وانتصارهم له في دسمان.
أتراهم يؤثرون هذه الصلة الممتازة مع الأمير فلا يعرضوها للوهن بمهاجمة سموه في تلبية رغبات الأمة مترددين في الثبات مع اخوانهم متى اقتضى الحال ودعاهم داعي الوطن، ام تراهم يخلصون النية ويصرون على تأدية الواجبات المفروضة جادين غير هازلين ولا مترددين. ذلك ما كان يتشكك به بعض جماعتنا من أعضاء المجلس فيزيد في سئامتهم ويأسهم ويزهدون في ذلك الجو البغيض الذي حشروا فيه، ولكننا انا والصديق عبداللطيف الثنيان كنا نعرف عن هؤلاء الاخوان الثلاثة يوسف العدساني ومحمد الغانم ونصف اليوسف ما لا يعرفه غيرنا اذ كنا نتردد عليهم في منزل يوسف العدساني كل ليلة يجتمعون ونطيل الزيارة عندهم فنلمس فيهم من كثرة اختلاطنا بهم ومناقشتنا معهم حماسة طيبة للخدمة ورغبة خالصة في العمل ولو شابها في البداية شئ من التردد والغموض الا اننا كنا نلاحظ عليهم افراطهم الزائد بالثقة في اقوال الأمير وحسن نواياه ونحس انهم كانوا مخدوعين فيما يصفونه من قوة تأثيرهم على الأمير واستماعه لنصائحهم وحتى ليستطيعون توجيهه الى الوجهة التي يرونها بشئ من الكياسة وحسن التدبير. كنا نلاحظ فيهم هذا التوهم الذي عززه لهم حسن صلاتهم واخلاصهم الماضي منه ثم ما يظهره من حلاوة اللسان لهم وحرارة المجاملة وكثرة الايمان المغلظة التي لم يكن لها عند سموه من حد ولا ثمن. فكنا انا وعبداللطيف نلاحظ ذلك فلا نستطيع مصارحتهم فيه حذرا من جرح خواطرهم وتثبيط عزائمهم حتى اذا رجعنا الى اصدقائنا صارحناهم بما وصلنا اليه عن هؤلاء الثلاثة ثم جادلناهم بوجوب الصبر والتريث وارجاء استقالتهم الى الوقت الذي يحسن بهم تقديمها وقد كنا نلخص حجتنا اليهم في وجوب التريث بما يأتي:
1) ان هؤلاء الاخوان الثلاثة كانوا يعارضونكم في المجلس الأول لفشلهم في انتخاباته اما الآن وقد فازوا معكم بعضوية المجلس الجديد فانهم يطمعون ان يأتي اشتراكهم فيه بفائدة محسوسة يعتزون بها لدى الرأي العام. والا ثبت عليهم امام الناس انهم خلقوا للهدم ولم يخلقوا للبناء وهذا ما لا يحبونه لانفسهم.
2) ان هؤلاء الجماعة سادرون الآن بوعود الأمير وزخارف اقواله ولن يمضي عليهم طويل وقت حتى يتكشف لهم الأمر فيرتابون منه وتدب بينه وبينهم الوحشة كما ان الأمير من ناحيته مع مضي الايام سيضيق ذرعا بالحاحهم عليه ومطالبتهم اياه بانجاز الوعود فينفر منهم وتسوء بينهم الحال، فاذا قدر له ان ينكث فيما بعد بالعهود ويغدر فليكن غدره منصبا على الجميع لتصفى الأمة بعد ذلك وتبقى يد واحدة تسعى للجهاد ونيل الحقوق دون تخاذل ولا انقسام.
3) انكم اذا اسرعتم بنفض يدكم من العمل قبل ان تنفصم الروابط الحسنة القائمة بين الأمير وبينهم سارعوا الى ذب انفسهم في احضانه فيستعين بهم على ترقيع سير الاحوال من دونكم وبذلك تخسر الأمة غاياتها المثلي التي تظنونها لا تتحقق الا على ايديكم.
وبمثل هذه الحجج القوية كنا نجادل جماعتنا اغلب الليالي في جلساتهم الخصوصية غير الرسمية داخل المجلس الى ان عاد رفيقنا عبدالله الحمد الصقر من تغيبه في البصرة فكان رأيه بطبيعة الحال موافقا لرأينا واستطعنا اخيرا من القضاء على فكرة الاستقالة المختمرة لا سيما وان المفكرين بها ليس عندهم ما يعترضونه للعمل بعد تخليهم عن صفتهم التمثيلية اذ لم يكن بالكويت وهي البلدة الصغيرة الضعيفة الاهل سطوة بارزة من الرأي العام تهيب بالمسؤولين على احترام ارادته والحذر منه.
هذا ما وصلنا اليه داخل المجلس اما في خارجه فقد رأينا نحن الثلاثة فيما بيننا وجوب استصراخ من في العراق بعد ان قطعنا كل امل من اخلاص الأمير وحسن نواياه، وكانت حركتنا الوطنية في الكويت بطبيعة الحال متأثرة بالحركات القومية الاخرى المنبثقة من البلدان العربية الكبرى تستهدف مثلما تستهدف من غايات ومثل في سبيل انشاء الجامعة العربية الكبرى فمن المنتظر والحالة هذه ان يتتبع من في العراق حركات الكويت الاخيرة ويعطفون على جهاد الاحرار فيها ويؤازرونهم بما في مكنتهم من اساليب الدعاية والعمل التي سيكون لها ولا شك صداها العميق في آذان الانكليز والأمير مما قد يؤدي الى تقوية الصوت الوطني في داخل الكويت وتعزيز الحركة الوطنية وبذلك يعوض الوطنيون عن الضعف الذي في حالتهم ووضع بلادهم الشاذ. وهذا ما حدا بنا الى تحرير عدة رسائل الى كثير من المسؤولين وفيهم بعض أعضاء الوزارة السعيدية القائمة يومذاك وهم السادة طه الهاشمي وزير الدفاع والسيد رستم حيدر وزير المالية والسيد ناجي شوكت وزير الداخلية والذي كان يشغل يومذاك وزارة الخارجية ورئاسة الوزارة بالنيابة عن السيد نوري السعيد الذي كان متغيبا عن العراق في لندن لحضور مؤتمر فلسطين على رأس الوفد العراقي، وقد كان لهذه الرسائل وما تلاها من حركات اثرها البارز في تنبيه من في العراق الى ما يحسن بهم عمله كما سيأتي ذلك في حينه.
ولنعود الآن الى مذكرتنا اليومية كما جاءت.
يوم الاربعاء في 28 ذي القعدة سنة 1357
كانت الايام الماضية ايام شدة ووجوم، وكان رجال العائلة في حالة ضغط واذلال لنفوس الناس وبدأت بعض التهديدات والانذارات تسري الى بعض النواب الاضعف فالضعيف وارسل الأمير الى النائب خالد العبداللطيف الحمد يطلب منه تسديد اثمان التمور التي اشتراها من املاكهم في العام الماضي مع كلام قارص مهين. واخذ بعض الرسل وأذناب الحاشية يطوفون باشاعات الارهاب والتحذير ليخور من يخور من النواب فيؤثر الاستقالة حتى تتصدع جبهة المجلس ويتلاشى من فيه.
والانكى من كل ذلك ان منشورات بذيئة ضد بعض أفراد عائلة الصباح ومنهم الأمير نفسه اخذت تلقى في الشوارع بالظلام ولا شك ان كاتبوها من اسافل واخبث المفسدين الذين يريدون ايغار صدور العائلة الحاكمة على الغيورين من الكويتيين بحجة صدورها منهم وكنا نرجح ان محور هذه الدسائس الخبيثة هو ابن رجل كان رمز الفساد والافساد في الكويت ولكننا كنا نسخر من هذه الوسائل المنحطة مكتفين بالظن بان ليس من في الصباح من يصدق صدورها منا.
حضر المجلس هذا اليوم جميع الأعضاء ورجوا من يوسف بن عيسى الذهاب الى سمو الأمير ليأتي منه بالنتيجة الاخيرة عن الدستور، ولكن يوسف بن عيسى طلب منهم الانتظار ليومين آخرين، فاشمئز الأعضاء من هذا التماهل والضعف المستديم وزأر سلطان الكليب وقد وجدها فرصة محتجا على امهال يوسف بن عيسى طالبا الاستقالة وكان قد بدأ يظهر في الايام الاخيرة بمظاهرة مريبة وبدأ الأعضاء يتحفظون معه في اسرارهم، وبدر من خالد العبداللطيف الحمد كلاما يستشم منه الرغبة في الاستقالة ما دام هذا التماهل يتكرر، غير ان يوسف بن عيسى رد عليهما قائلا: "انتم في الحقيقة خائفين وترغبان في الاستقالة حبا في السلامة". وهنا حصل من بقية الأعضاء كلام واجبراهما على التريث.
ثم تكلم كل من يوسف العدساني ونصف آل نصف بكلام طويل لخصوه بان الأمر اليوم ليس أمر دستور وما الفائدة من الحصول على دستور في مثل هذا الجو المشبع بالشكوك والوحشة؟ وهل يمكن ان ينجز عمل ما دام سوء التفاهم قائم بين الأمير والمجلس؟.. اذاً فالأولى ازالة سوء التفاهم هذا قبل المطالبة بالدستور.. ورد الباقون مفندين هذا الرأي بان المجلس ليس مسؤولا عن سوء التفاهم هذا وما دام المحيطين بسموه اناس مغرضين مفسدين فلا يمكن احلال التفاهم المنتظر، وكلما صدر من المجلس الحالي أمر طلب اليه سن الدستور فنفذ المجلس هذا الطلب بمنتهى السرعة والاخلاص ولم يصدر منه ولا من واحد من اعضائه في هذا العهد الجديد اي عمل او قول يسئ الى التفاهم المطلوب وانما الأمير هو الذي يعد فيمهل ويتكلم فيخلف فمن الصالح توحيد الرأي والاصرار على المطالبة بالدستور اولاً وقبل كل شئ، وإلا تفرق رأينا وهان على غيرنا أمرنا. واخيرا اتفق الجميع على المبادرة بذهاب يوسف بن عيسى الى الأمير ويصحبه الحاج محمد الثنيان ليشد ازر الشيخ يوسف ويحصلوا على نتيجة قطعية بشأن اصدار الدستور. ولكن الشيخ يوسف ابى ان يذهب معه الحاج محمد الثنيان قائلا -على عادته المتكررة-: "اني اذا كنت وحدي تكون لي حرية وافية في الكلام" فوافقوه مضطرين وانفضوا على هذا الرأي.
يوم الخميس 29 ذي القعدة سنة 1357
بلغنا هذه الليلة ان (سلطان الكليب) ذهب فور انفضاض جلسة المجلس التشريعي يوم امس الى قصر دسمان وقدم الى الأمير استقالته التي كان يجب تقديمها الى رئيس المجلس التشريعي كل ذلك تزلفا الى الأمير، ولم يكن هذا الأمر غريبا من سلطان فتاريخه مملوء بالتقلبات، بيد انه في هذه المرة كشف سريرته للملأ واصبح مضغة في افواه الناس، اما أعضاء المجلس فقد تنفس جميعهم الصعداء بابتعاد رجل مريب محسوب منهم وهو عليهم، ولقد كان هذا الرجل في بداية تأسيس المجلس التشريعي الأول عندما كان هذا يهيئ نفسه لتولي احد الوظائف الرئيسية بواسطة أعضاء المجلس التشريعي والأعضاء يلاطفونه ويدارونه بغية استقرار الامور وكان يلتفت عليهم مهددا وهو يشير بيده الى سارية القنصلية البريطانية مرتين في مكانين مختلفين قائلا: "انا لي سند انظروه والله اهدمكم".
وقد تغاضى عنه الأعضاء في المرة الأولى حذرا من الانشقاق بينهم وهم في مستهل حياتهم الانشائية والمشاكل تزرع في طريقهم من كل جانب، بيد انه لما كررها في المرة الثانية صاح بوجهه عبدالله الصقر قائلا: "اتهددنا بالخيانة، ان توقيعاتك محفوظة لدينا". فخنس.
وحدثني ذات مرة في ايام المجلس التشريعي محمد الأحمد الغانم في معرض عتاب جرئ بيننا على موقف المعارضة الذي كانوا يتخذونه هو ورفاقه الآخرون قائلا: "ان سلطان الكليب الذي تظنونه منكم حاولني مرارا انا ويوسف العدساني في جلساتنا الخصوصية التي يحضرها عندنا متكتما عنكم ان نتحالف واياه مقسمين على هدم المجلس التشريعي، ولكننا قلنا له: ان غايتنا خدمة البلاد وحدها ولا شأن لنا بالاحقاد". وقد وضحت الى محمد اننا لا نجهل حركات سلطان وان كنا لم نشأ الجهر بذلك حرصا على سمعة المجلس ووحدته، اما الآن فأؤكد لكم ان سلطانه أو أقواله وأعماله لم يعودا بذا اثر في تقرير سير الامور.
هذا ما كان من شأن سلطان اما خالد العبداللطيف الحمد فكثرت عليه رسل الأمير طالبين منه اما الاستقالة من المجلس التشريعي او تسديد دين الأمير عليه البالغ (39) تسعة وثلاثين الف دفعة واحدة فورا، فكان جوابه الاخير لهؤلاء: "لقد قارنت في نفسي بين السجن او النفي بل وحتى المشنقة وبين تقديم استقالتي من المجلس والغدر برفاقي، فوجدت ان كل شئ هين ولا خيانة رفاقي". وسدد الطلب المذكور فورا وبذلك ابرز الرجل الابي في آخر لحظة منتهى الشرف والسمو.
اما العضو الجديد مشاري بن هلال المطيري وهو اكبر انجال مثري الكويت الكبير هلال بن فجحان المطيري صاحب القصة المشهورة مع الشيخ المرحوم مبارك الصباح، فقد ارسل الشيخ علي الخليفة الصباح احدهم اليه ناصحا اياه بالتخلي عن أعضاء المجلس لان روابطهم اي الصباح كما يقول الشيخ علي مع والده هلال قديمة وهو يعد ولدا لهم، غير ان الشاب الشهم مشاري رد عليهم قائلا: "انا مع الجماعة على الخير والشر ولا سيما وان الحق في جانبهم فليعمل علي ما يريد".
وبهذه الروح السامية ابرز الرجال الاحرار صحة عقائدهم ومتانة خلقهم الوطني. وعندما تكامل عقد الأعضاء في بناية المجلس التشريعي صباح اليوم طلبوا من يوسف بن عيسى الذهاب الى سمو الأمير كما كان متفقا عليه يوم امس فذهب المذكور الى قصر الأمير الساحلي بينما بقي جميع الأعضاء في مقرهم في انتظار النتيجة، غير ان يوسف بن عيسى لم يجد الأمير في قصره الساحلي وهذا خلاف المعتاد لان سموه عندما فهم ان يوسف بن عيسى سيواجهه هذا اليوم تعمد ترك مجلسه المعتاد وذهب الى (الصفاة) حيث يجلس قليلا عند محل آل الغانم التجاري كل يوم بعد انصرافه من مجلسه، ثم ذهب الى دسمان فاستقل يوسف بن عيسى سيارة اوصلته الى دسمان وبهذا طالت مدة الانتظار على الأعضاء فتفرقوا على ان يحضروا ثانية الى المجلس في الساعة التاسعة غروبية من ذلك اليوم ليسمعوا من الشيخ يوسف ما حصل بينه وبين الأمير.
وفي الوقت المعين تحدث الشيخ يوسف على الأعضاء قاصا عليهم ما حدث بينه وبين الأمير وهذا فحوى كلام الشيخ يوسف بالدقة آثرنا نقله بلهجته العادية:
(لما طلبت من الأمير الدستور اجابني: "ان الدستور حاضر غير ان دكوري (اي الكابتن دكوري قنصل بريطانيا في الكويت) كان طالبا مني عرضه عليه قبل اصداره لكم، والمذكور الآن راح الى القنص وسيرجع بعد يومين، وعندما اعرضه عليه سوف اعرضه عليك"، فسألته: "هل تعرضون علي الدستور الذي قدمناه لكم مع ملاحظاتكم عليه؟"، اجابني: "لا، كنت منتظر وصول دستور شرق الاردن ولكن لما وضح لي بعض الأعضاء ملاحظاتكم على دستور شرق الاردن وضعنا دستور جديد ليس فيه الا العدل، وحتما ستوافق عليه وسيوافق عليه غالبية أعضاء المجلس لان كلما فيه عدل كما بينت لك، ولكن الذي سيعترض عليه ثلاثة أعضاء (المرجح انهم سليمان العدساني، السيد علي السيد سليمان، مشعان الخضير الخالد) وانا اعرفهم وافيدك ان المجلس بوجود هؤلاء الثلاثة أعضاء سيكون كالمجلس السابق والعمل صعب معهم"، فاجبته: "الجوهر معروف الناس يريدون المالية يصرفونها على الوجه المطلوب، ثانيا توسيع المعارف، ثالثا صلاح الاحكام وان يكون الحكم دستوري، واما من جهة الثلاثة انفار افيدك انك بين ثلاث حالات ما هنالك رابع لها، الحالة الأولى: ان يرجع الحكم كما كان اولا قبل عهد المجلس الأول فهذا انا افيدك بلسان الجميع انه ما يوجد هنالك صغير ولا كبير يرضى بهذه الحالة الآن لان في القديم كان الصباح على عهد جراح عبارة عن رؤساء قبيلة وكان جراح من تواضعه ينطر شعير اهل الكويت بنفسه، اما الآن وقد شاعت المجالس في كل مكان فلا يمكن ان يرضى احد بالاستبداد السابق، واذا أحببت تنفيذ ذلك بالقوة فعواقب هذا الرأي، إما ثورة يتدخل فيها الأجنبي او تنتصر والناس يغادرون الكويت خصوص أصحاب المصالح الكبيرة وتتضرر البلاد . الحالة الثانية: اذا اعتمدت حل هذا المجلس واجراء انتخابات جديدة ثالثة فأعلم اني كنت اظن انه في الانتخابات الاخيرة هؤلاء المذكورين ما ينجحون ولكنهم نجحوا وحصلوا على اصوات كثيرة لهذا انا واثق انهم سينجحون في المرة الثالثة في الطليعة.
الحالة الثالثة: ان تعتمد اخراج هؤلاء من المجلس وتضع غيرهم محلهم فهذا ايضاً غير جائز لان هؤلاء انتخبتهم الأمة واصبح لهم حق بالعضوية ولا يمكن ان يرضى احد بهذا العمل إلا من ليس له ضمير (لقد قبل الشيخ يوسف مع الاسف الجلوس بعد ذلك مع اناس ليسوا على شئ من (..) في المجلس الشوري) ويعرض نفسه الى كره الناس واذا اعتمدت ان تأتي بناس ما لهم ضمير في المجلس فهؤلاء يكونون خراب على الكويتيين ولا يرتاح من وجودهم احد. فرد علي الأمير قائلاً: "على كل حال سأعرض الدستور على دكوري ثم اطلعك عليه"، وخرجت من عنده على هذا القول).
هذا هو عين كلام الشيخ يوسف دونته في مذكراتي كما جاء بلهجته العادية وتعليقي عليه:
أولاً ان الشيخ يوسف سامحه الله تناسى ما كان يجب عليه بل وما وعد به عن الدفاع عن الدستور الذي سنه المجلس وقدمه الى الأمير كما اكد عليه ذلك يوسف العدساني بوقته، بل انه لما سأله يوسف العدساني: "اين وعدك لنا حين اشهدت على نفسك انك ستدافع عنه دفاعك عن نفسك؟"، رد عليه قائلاً: "وماذا يضرنا ان نطلع على دستور الأمير فما كان منه نافعاً قبلناه وما كان غير ذلك رفضناه" -وهي عبارته الضعيفة المتكررة التي اصبحت مضرب المثل بين أعضاء المجلس-.
ثانياً حصر الشيخ يوسف مطالب الأمة بالمالية والمعارف واصلاح الاحكام وجعل الأمر شورى متعمداً اغفال حق المجلس في الاشراف على كافة المعاهدات السياسية والاتفاقات او الامتيازات الخارجية وابرامها كما نصت على ذلك المادة الثالثة من قانون صلاحية المجلس وهي الوثيقة الأولى التي فازت بها الأمة في مطلع حياتها التشريعية مجارياً بذلك رغبات خاصة لاحت نذرها من جانب الأمير، أما تعبيره بجعل الأمر شورى فأمر مفهوم في هذه المناسبة لان الحكم الشوري غير الحكم النيابي والفرق بين الاثنين ظاهر.
والأنكى من كل ذلك ان الدستور الأميري الجديد صيغ باجتهاد ومعرفة خالد الزيد المعروف، وعزت جعفر نفاية الفنادق في بيروت، ففي أي عرف من بلاد الدنيا يضع مثل هؤلاء الخارجين والمشبوهين دستور البلاد بينما يحرم من ذلك أعضاء المجلس التشريعي وهم اصحاب الحق الأول فيه، ويغفل الدستور الذي وضعوه بدون أي حجة مبررة.
يوم الجمعة 30 ذي القعدة سنة 1357
اليوم هذا كتب الأمير كتاباً الى عبدالله الحمد الصقر يطلب منه تسديد ما عليه من الديون القديمة لآل الصباح وهو يجاوز الثمانين الف ربية، والمراد بذلك احراج الأعضاء بكافة الطرق الممكنة ولكن ثبت ان روحية الأعضاء كانت أصلب منها في أي وقت مضى وان مثل هذه الامور العارضة لن تزيدهم من مطالب الأمة وكسب الحقوق إلا ثباتاً وتصلباً. فقد دفع عبدالله المذكور ديون الأمير في اليوم التالي فورا، والظاهرة العجيبة هذا اليوم ان سلطان الكليب على اثر انتشار خبر استقالته قاطعه اكثر الناس حتى ألصق أصحابه به، وهو يحاول الاتصال ببعض الشباب ليشكو إليهم هذه الجفوة التي لا يستحقها منهم، ويدافع أمامهم عن نفسه مبرراً تقديم استقالته بقوله: "انه كان يطالب بشدة بالمطالب الوطنية وعدم الصبر على التسويفات"، بينما ذهب من الناحية الثانية الى الشيخ علي الخليفة وقبل رأسه، وكان يجلس عند الذين لهم صلة بالأمير ويقول لهم: "اني استقلت من المجلس لعدم موافقتي لهم على التشدد الذي يبدونه مع الأمير"، فأي عقلية غريبة يحملها هذا الرجل المكشوف ويعتقد انه يستطيع اللعب فيها على الحبلين..
يوم الاحد 2 ذي الحجة سنة 1357
فصل الحاكم بأوامر شفوية الشاب النزيه (أحمد بن بشر الرومي) أمين صندوق جمرك البر المعين من قبل المجلس التشريعي الأول ومحمد بن عبدالعزيز القطامي رئيس حرس الجمرك النشيط، كما أمر مدير المالية بعدم دفع راتبينا عن الشهر المنصرم أنا وأحمد السرحان بدون ذكر الأسباب، وصدر كتاب أميري بتعيين حمود الجابر الصباح أخو الحاكم بدلاً من عبدالله الجابر لرئاسة البلدية.
يوم الثلاثاء 2/3 ذي الحجة سنة 1357
لما ذهبت الى المجلس كالعادة بلغت أنه ألقيت عليه من الساحل لفافة مكورة مشعولة ومبللة بالنفط وفي داخلها رصاصة حوالي منتصف ليلة البارحة، فبادرها فراش المجلس والحارس الخاص وأطفأوها ولم يستطيعوا ادراك الفاعل، وان كانو سمعوا دبكة هروب مما يدل على انهم كانوا اكثر من واحد.
قدمت شكاية هذا اليوم ضد الشاب سليمان نجل السيد علي السيد سليمان، وعبدالوهاب عيسى القطامي، مدير البلدية القائم من قبل خباز زعم انهم اعتديا عليه يوم المظاهرة الكبرى، والمفهوم ان الخباز حرض تحريضاً على الشكوى، غير أن رئيس المحكمة لم يجد دلائل للإدانة وبرأ المتهمين.
وعلى اثر توالي أمثال هذه الحوادث الدالة على التحدي، أصر أعضاء المجلس على وجوب ذهاب كل من يوسف العيسى، ومحمد الثنيان، ويوسف العدساني إلى الأمير واعطاء الكلمة الفاصلة، فإما مجلس معترف به ويسير في أنظمته لانتشال البلاد من هذا التخبط الذي تسير إليه، أو لا، ويصدر ارادته بحل المجلس. وبعد مضي ما يقارب الساعة رجع هؤلاء وهم يحملون حسب زعمهم وعوداً طيبة وأن المجلس لن يحل، وأن الأمير في انتظار عودة القنصل من القنص كي يعرض عليه الدستور ثم يبعث به الى المجلس. وقد فاتح محمد الثنيان سمو الأمير طالباً إليه موافقته على دعوة أفراد العائلة الحاكمة وأعضاء المجلس إلى وليمة تقام في بيته لإزالة سوء التفاهم الموجود بين الطرفين، غير أن الأمير أجابه: "اني أرى ان يكون ذلك بعد الاتفاق على الدستور.. وأنا أمثل جميع العائلة ولا حصل منهم شئ إلا بعلمي وبعد مراجعتي..".
وهكذا عاد الوفد الموفد بدون نتيجة مضمونة.
وحضر الى قاعة المجلس صباح السالم الصباح واستنطق خدم المجلس واخذ افادتهم حول اللفافة المشعولة.
يوم الاربعاء 3/4 ذي الحجة سنة 1357
كنت امس قد ذهبت بجوازي لأخذ الكتاب المعتاد من مأمور الجوازات المحلي الى دائرة القنصلية الانكليزية حيث كنت اتوسم حصولي على بعض الفرص للسفر الى البصرة بمناسبة ايام عيد الاضحى، وقد سلمني المأمور عبدالعزيز بودي جوازي مع الكتاب المطلوب، وقد فهمت البارحة ان المذكور جاء الى دارنا مرتين متواليتين يطلب مواجهتي، ولما جاء صباح اليوم عندي في مكتب المجلس أبلغني انه صدر إليه أمر
كتابي بتوقيع فهد السالم عن أمر الأمير بمصادرة جوازي، فطلبت إليه إبراز الأمر المذكور، فسألني أن أذهب معه إلى فهد السالم لأن الأمر تركه في المكتب، ولما قابلت فهد السالم وسألته عن حقيقة الأمر، أجابني بخشونة: "الأمر صحيح إذا عندك مراجعة راجع". فاكتفيت بهذا القول وسلمت الجواز الى المأمور.
وقد بلغني الشيخ يوسف بن عيسى أنه حادث فهد السالم بهذا الأمر فرد عليه المذكور قائلا: "ان خالد العدساني وأحمد السرحان مفصولان من سكرتارية المجلس بأمر سمو الأمير، أما مصادرة الجواز فبأمري ريثما ينتهي التحقيق بحادثة اللفافة المعلومة".
ومعنى هذا انهم يوجهون الينا التهمة بأمر اللفافة المشتعلة. ألا ليت شعري أي فائدة تراهم يظنون انها تعود علينا من تدبير مثل هذا العمل الاجرامي الصبياني؟
يوم الخميس 4/5 ذي الحجة سنة 1357
فتحت جلسة اليوم وتكلم يوسف بن عيسى قائلاً: "بلغني أمس الشيخ عبدالله السالم -رئيس المجلس- ان خالد العدساني وأحمد السرحان مفصولان من سكرتارية المجلس وان الاوراق الرسمية التي في حوزتهما يستلمها عبدالله السالم، وان الأمير يرى انه ما دام الدستور لم يعرض بعد فلا حاجة لمواصلة جلساتهم داخل المجلس خصوصاً وانه قد تحصل بأسباب جلوسهم فيه حوادث من قبيل ما حصل في حادثة اللفافة المعروفة.."
وقد اندهش الأعضاء لهذه الاوامر الشاذة الغريبة واستنكروا صدورها لانها تجاوز من الأمير لا يستند على اساس صحيح مبني على الحق، فقال يوسف بن عيسى: "إن الأمير يقول ان خالد العدساني هو المحرض علينا في حوادث قصر نايف، وأما أحمد السرحان فلأنه سكرتير لكتلة الشباب".. فزاد استنكار الأعضاء لهذه التبريرات الواهنة، وقال عبدالله الصقر: "أما حوادث نايف فاني أول المحرضين فيها، ثم لقد سمعنا منك يا شيخ يوسف انك تفاهمت مع الأمير على وجوب نسيان الماضي برمته، فكيف يُحاسب الآن هؤلاء على شئ أسدل عليه الستار، ولماذا يفرد هؤلاء بمسؤولية اشتركت فيه غالبية الأمة؟".
فكان رد الشيخ يوسف على ما تقدم: "يجب الخضوع للأمر الواقع".
وتكلم الأعضاء بعد ذلك وعلى رأسهم السيد علي قائلين: "ان أوراق المجلس باقية فيه وهي لا تخرج إلا بخروجنا منه، واما نحن فباقون هنا بحق الأمة وارادة الأمير الناطقة بانتخابات المجلس فإذا كان لدى الأمير أمراً آخر، فليصدر إلينا إرادته بحل المجلس أولاً فاننا هنا جالسون بحكم القانون". واقترح يوسف العدساني، ونصف اليوسف اتخاذ حل وسط وهو ان يكتب الأمير الى المجلس بتأجيل اجتماعات المجلس ريثما يصدر الدستور، غير ان الفريق الاكبر من الأعضاء نادوا بخطأ هذا الرأي، موضحين ان عاقبة التأجيل الغير مسمى سيكون أمراً سيئاً للغاية إذ هي مدعاة لاهمال دعوة المجلس بتأجيل عرض الدستور سنة أو سنتين كما تقضي بذلك سياسة المطل والتسويف المتوالية لا سيما وان الدلائل كلها تشير على عدم حصول الرغبة الحسنة في تلبية رغبات الأمة إلا باحتمال تضافر وحدة الرأي والاصرار من زعمائها. وان في تأجيل المجلس بعثرة لكيانه المعنوي، وتفرق الأعضاء كل إلى حال سبيله، وهيهات ان يقام لهم وزن أو يعتد بهم وهم متفرقين في الحين الذي يجابهون بالتسويفات والاعذار الواهية وهم مجتمعون دائبوا المطالبة والإلحاح على نيل الحقوق. فقال نصف اليوسف: "الذي أراه أن لا نفرط فيما هو جوهري بالتمسك فيما ليس بالجوهري إذا كان اصرارنا على مواصلة جلسات المجلس يضيع علينا المجلس بكامله فالأولى ان نتسامح فيها، يا جماعة ان القائد أو الرئيس في الحرب يتخذ لكل حالة لبوسها كراً وفراً".
وقال يوسف العدساني: "إني أقترح أن يكتب الأمير إلينا كتاباً بتأجيل الاجتماعات ريثما يعرض الدستور"، وتكلم مشعان الخضير مؤيدا اقتراح يوسف العدساني ولكنه دعى الى تحديد التأجيل لايام معدودة، ورد على كلام نصف في حديثه عن سياسة الكر والفر قائلاً: "نحن في الواقع منذ جلسنا في هذا المجلس ما كررنا قط بل كنا نفر على الدوام..".
وتكلم سليمان العدساني قائلاً: "إننا ما زلنا نتحدر عن حقوقنا وصلاحياتنا الشرعية درجة فأخرى باسم الحكمة والتريث حتى وصلنا الى القاع، كنا طولبنا بسن الدستور مع الاشتراط علينا ان لا نزاول أي عمل من صلاحياتنا قبل ذلك، فلما اعترضنا على قبول هذا الشرط الخطر اقنعتونا بالصبر واستعمال الحكمة، فجلسنا جلساتنا اللازمة لسن الدستور وقدمناه كاملاً معتدلاً كما طلب منا وطلبنا العمل فمنعنا عنه، فلما طلبنا مراجعة الأمير جميعاً في ذلك ابيتموها علينا (يشير الى يوسف بن عيسى الذي كان يشور عليهم بالتأني والاقتصار عليه وحده لمفاوضة الأمير) ثم اخذوا يتدرجون في سياسة المطل والتسويف، ثم إلى العبث بالمقدرات وشؤون الدولة وهاهم الآن قد بدأوا في سياسة فصل الموظفين البعيد فالقريب، حتى وصلوا إلينا في فصل موظفي المجلس، بل هاهم يطالبوننا الآن حتى بتوقيف جلساتنا المشلولة هذه، فإلى متى هذا التباله؟ نحن خاضعون لسلطان أحمد رضينا أم كرهنا ما في ذلك من شك فإذا كان أحمد يريد حل المجلس بالكتابة صراحة فإنا مقيمون هنا بحكم القانون".
وصاح عبداللطيف الثنيان منفعلاً: "يا شيخ يوسف نحن اقتفينا سيرك هذه المرة منذ حللنا في هذا المجلس وانقدنا إلى جميع آرائك ومقترحاتك لئلا يحدث بيننا وبينك أي انشقاق فتوجه إلينا اللوم وتشهر بنا أمام الناس كما جرى لنا معك في المجلس الأول، لقد سايرناك في سياسة التأني والاستسلام حتى جُردنا من كافة الحقوق والصلاحيات وأنا على يقين أنه ما دامت هذه خطتنا التي هي خطتك فاننا لن ننال شيئاً بل نخسر كل شئ وحتى كرامتنا فإلى متى نبقى على هذه الحال؟".. فاحتج عليه الشيخ يوسف لقوله (إننا نقتفي اثرك)، قائلا: "كلا انتم لا تقتفون اثري وانما هذه آراء وافكار نتراجع معكم فيها ونقررها بالاكثرية".
فاعترض اكثر الأعضاء على قول يوسف بن عيسى (بالاكثرية) وجعلوا يذكرونه بجميع اقواله وتهكماته فيهم وكيف انه في الاخير كان يفرض عليهم آراءه فرضاً ويأبى عليهم مواجهة الأمير مجتمعين بل يصر على الذهاب إليه وحده، وينذرهم أنه لن ينقل إلى الأمير من أقوالهم وآرائهم إلا ما يوافقه منها، أما التي يرونها بالاكثرية ولا تعجبه هو فانها على قوله لهم لا تهمه، وقد صرح لهم ذات مرة مهدداً انه إذا لم توافقه بعض آرائهم حتى ولو كانت صادرة بالاجماع فانه ينسحب منهم.
ثم حصل نقاش جديد لاخذ الاصوات حول الموضوع ثار خلاله فجأة كل من يوسف العدساني ونصف قائلين كمن يهددا بالانسحاب: "نحن نصارحكم القول بان رأيكم هذا -أي الاصرار على مواصلة الجلسات- لا نقبله ابدا (مما يلقي بعض الضوء لتفسير هذا الموقف ما رواه لي يوسف العدساني بعد هذه الحوادث عن ترجرج نصف خلال هذه الفترة وانهما أي يوسف ومحمد الغانم كانا يشدان عزم نصف على عدم التفريط بكرسيه في المجلس، فلما طلب إليه الأمير بعد ذلك تقديم استقالته من المجلس تردد في ذلك، كما روى لي أيضاً انه أي يوسف العدساني أراد ان يجس نبض الأمير خلال هذه الفترة من موقفه من المجلس، فقال له : "انه يضع استقالته من المجلس بين يديه"، ولكن الأمير اكتفى بشكره فقط).
واخيراً عادا الى الجلوس بعد ان هدأهما الباقون واتفق الجميع بالنظر الى غموض أقوال الأمير على أن لا يقبلوا بأي كلام شفهي من سموه، فاذا كان لدى الأمير ما يريد ان يطلبه منهم فليحرر اليهم ذلك كما تقضي به الاصول، وحتى موظفي المجلس فليصدر سموه ارادته كتابةً في فصلهم. ثم رأى الجميع ان من الصالح أن أسلم كافة أوراق المجلس إلى عبداللطيف الثنيان فسلمتها اليه وانفض المجلس بعدها.
استدراك:- جاء في اقوال يوسف بن عيسى في معرض الدفاع عن نفسه في جلسة هذا اليوم ما يأتي: "الفرق بيني وبينكم هو أني إذا لم يمكن الحصول على القرص (أي الرغيف) كله اكتفي بنصفه أما أنتم فتصرون على طلبه كاملاً".
وهذه أيضاً من الأقوال الدارجة على لسان يوسف بن عيسى والتي ربما كانت تصور جزءا من الحقيقة أما جزؤها الآخر ان نصفة رغيف الشيخ يوسف هذا أو قرصه كما يقول ليس له حد محدود، فهو إذا لم يتحصل على نصف القرص يكتفي بربعه أو بسدسه أو بثمنه، وهكذا إلى درجة الصفر، لأن الاصرار على طلب جزء من حق الأمة من صاحب السلطان ليس عنده من أصالة الرأي وانما في نظره ان أمثال هذه الأمور تنال فقط بالاستعطاء والتودد لأنها ليست حقاً من حقوق الأمة، بل هي منحة يتصدق بها صاحب السلطان، وهذا من أفدح وأنكى ما تصاب به جماعة تنقاد إلى رجل بهذا الرأي.
وأما أعضاء المجلس أو رجاله البارزون، فانهم لم يخامرهم الشك في خسارتهم للقضية وأنهم قد وصلوا أخيراً إلى حد من الهوان والضعف يستحيل معهما في الحصول على أية نتيجة يصح التسليم بها، غير أنهم وقد يئسوا من النتيجة تماماً، فضلوا الاستمرار على الجلوس لعلهم يصلوا بالشيخ يوسف إلى الحد الذي يغضب معهم فيه، فيثور واياهم على هذا العبث المتكرر ليخرجوا جميعا الى الأمة وهم كلمة واحدة ورأي موحد ولكن مع كل اسف فانهم قد اوصلوا بانفسهم الى الحضيض ولم يصلوا بالشيخ يوسف الى ما يتمنون، لأن المذكور لم يتلاشى قرصه بعد، والظاهر انه لن يتلاشى إلى ما شاء الله.
يوم الجمعة 5/6 ذي الحجة سنة 1357
اجتمع الأعضاء اليوم في ديوان الصقر لان اليوم كان يوم جمعة وقد بلغهم يوسف بن عيسى الذي قابل الشيخ عبدالله السالم أن الأمير أصدر كتاباً إلى الاخير بصفته رئيس المجلس يطلب فيه منه توقيف جلسات المجلس لحين صدور الدستور، ثانياً تسليم كافة الأوراق والدفاتر الرسمية الموجودة بالمجلس وارسالها إلى دائرة الأمير.
فاندهش غالبية الأعضاء من مضمون هذا الكتاب ووجدوا فيه ما يقضي على المجلس بالموت المؤكد فقد كانوا في الامس يمانعون من تسليم الاوراق الى عبدالله السالم وهو الرئيس الحقيقي للمجلس أما اليوم فانهم يطالبون بتسليمها إلى دائرة الأمير ومعنى هذا عدم التفكير في دعوة أي مجلس كان في المستقبل، فحاول بعضهم الاتفاق على مقابلة الأمير فلما لم يفلحوا نادوا بوجوب الرد على كتاب الأمير وتبليغه عدم وجود أي ضرر من مواصلة المجلس العادية مع بقاء اوراق المجلس فيه ما دامت النية معقودة على عرض الدستور عند رجوع القنصل الى الكويت، غير أن الشيخ يوسف كان يعترض ويمانع في كل شئ وأخيراً وبعد انفضاض الجلسة أوفدوا إليه محمد الأحمد الغانم فذهب اليه في بيته وحاول بكل لطف على الاقتناع بلزوم الاجابة على كتاب الأمير فلم يقبل ولم يقتنع محتجاً بقوله: "اننا كنا قد اتفقنا امس على ان يكتب لنا الأمير بما يريد وقد كتب لنا فوجب ان تنتهي المسالة عند هذا الحد..".
يوم السبت 6/7 ذي الحجة سنة 1357
حضر اليوم كافة الأعضاء الى المجلس وأخرج يوسف بن عيسى الكتاب الذي صدر من سمو الأمير يوم أمس وهذا نصه:
حضرة الاخ العزيز عبدالله السالم الصباح رئيس المجلس التشريعي
السلام عليكم ورحمة الله
بما ان القانون الاساسي لم يصدر حتى الآن فعليه نأمر بما يلي:
اولا - وقف اعمال المجلس التشريعي لحين صدور القانون موقعاً عليه منا.
ثانيا - تسليم جميع الاوراق الرسمية وكتب المعاهدات والامتيازات والدفاتر الرسمية الموجودة في المجلس وارسال كل ذلك الى دائرتنا.
ثالثا - عليكم العمل بتنفيذ أمرنا هذا حال استلامه ودمتم،
أخيكم
6 ذي الحجة سنة 1357
أحمد الجابــر الصباح
وبعد محاورات ومشاورات كثيرة اقتنع الجميع على تحرير الكتاب الوارد نصه فيما بعد والتمسوا من يوسف بن عيسى حمله الى الأمير جواباً على الكتاب الذي حمله منه اليهم فامتنع المذكور عن ذلك، فأخذه مشعان الخضير وسلمه الى عبدالله السالم، ولما قرأ الأخير فحواه أبى حمله إلى الأمير ولكن بعد محاولات وتشجيعات متعددة قبل ان يذهب به إلى الأمير وهذا نص الجواب المذكور:
رقم 220
صاحب السمو الشيخ أحمد الجابر الصباح المحترم،
إشارة الى كتابكم الذي باسم رئيس المجلس التشريعي الذي تأمرون به توقيف جلسات مجلس الأمة مع تسليم الاوراق، فاجابة نود أن نحيط سموكم علماً بأن معنى توقيف جلسات المجلس وتسليم السجلات هو حل المجلس، الأمر الذي لا نرى له مبرراً ولا داعياً اذ ليس هنالك أي ضرر ينتج من استمرار جلسات المجلس مع العلم بانه لن يزاول أي عمل إلا بعد الاتفاق على الدستور كما كان الاتفاق مع سموكم، الأمر الذي نؤمل الوصول اليه مع سموكم والله يحفظكم،
7 ذي الحجة سنة 1357 أعضاء المجلس التشريعي
وم الاحد 7/8 ذي الحجة سنة 1357
ليلة الاحد ارسل سمو الشيخ سيارة الى يوسف بن عيسى يطلب مقابلته في قصر دسمان بعد العشاء فذهب المذكور اليه وجرى بينهما كلام طويل خلاصته كما رواها يوسف بن عيسى للأعضاء:
(بادرني سموه: "ما معنى هذا الكتاب؟" -يشير الى كتاب أعضاء المجلس-، فأجبته: "هذا جواب كتابك".
- "حسبما فهمت منك انكم طلبتم مني أن اكتب لكم بما أريد، وقد حررت لكم أمس كتابا ضمنته ما سلف لك الكلام عنه، فالمسألة تكون منتهية".
- "الجماعة طلبوا مني فقط ان أوضح لك بان تكتب لهم جميعاً ما تريد ان انقله لهم لكيلا يحصل تحريف في الكلام الشفهي ولم ينصوا على ان تكتب لهم تلك الفحوى".
واخيراً بعد نقاش تحمس الشيخ يوسف قليلاً فيه، وافق الأمير على استمرار جلسات المجلس وبقاء اوراقه فيه).
يوم الاثنين 10 ذي الحجة سنة 1357 حيث عيد الكويتيون فيه قبل أهل مكة بيوم واحد .
في عصر هذا اليوم أخذت -العرضات- عادتها ولكن الغريب ان العجم فاضوا على الأسواق ومعهم بعض الأسلحة وكثير من المسدسات في شكل هوسة، وكانوا يهوسون ببعض هوسات ملقنة لهم وكانوا يطوفون بقصر نايف ومقر الشرطة فمديرية الأمن العام التي يشغلها الشيخ علي الخليفة الصباح وكانت بعض هوساتهم هكذا:
(غص بيها الما وقعها) (هدم العش لا يفرخ بيضه) (الله وأحمد والينا) (قل لحمد لا يمضيها) الخ.. هذه الهوسات الظاهر فيها التحدي وكانوا يفعلون ذلك في صلف وتيه.
يوم الثلاثاء 11 ذي الحجة سنة 1357
ازدادت اليوم هوسات العجم قوة وشدة وسلاحاً وكانوا يطلقون الرصاص من غير حساب وقد تبين انه موعز لهم في ذلك، وقد استاء الكويتيون جميعا من هذه البوادر السيئة، كيف ينتصر ذوي الأمر بالعجم أعداء العرب الطبيعيين على اخوانهم وبني جلدتهم، وقد حصل استياء شديد من بعض الشباب وتحمس احدهم وهو (عبدالله نجل ثنيان الغانم) فتشاجر مع فارسي فجاء خليفة الأحمد الغانم وهو من ابناء عم عبدالله ثنيان الغانم يؤنب عبدالله على تذمره ومظاهرته ضد العجم فاشتبك معه في عراك نال الاخير منه ضربة قوية في بطنه.
على اثر حملة الصحف العراقية جميعها على تصرفات آل الصباح وانتصارها للحركة الوطنية في الكويت ثم اذاعة قصر الزهور الملكي في بغداد -وهي اذاعة تصدر بوحي الملك غازي- منفصلة عن اذاعة الحكومة العراقية في بغداد، أرسل الشيخ أحمد على يوسف بن عيسى وقال له: "هل اطلعت على الجرائد؟"، قال: "نعم"، قال: "ما معنى هذه الحملات؟"، قال: "هذه صحف همها الوحيد تلقف الاخبار، واذا كنت تظن انها مدبرة من أعضاء المجلس فأعضاء المجلس جميعهم في الكويت والذي في غير الكويت يعملون حسب اجتهادهم وحدهم"، قال: "والراديو؟" -يعني اذاعة قصر الزهور-، قال: "هذا أمر حكومي ويمكنك مراجعة الحكومة فيه، ثم انك وعدت الناس بالدستور وما حصلت نتيجة حتى الآن"، قال: "والله العظيم انا ما عندي نيات.. نياتي كلها حسنة والدستور ما رجعه علي القنصل إلا أمس، وأنا معتمد أقدمه اليوم، ولكن انا ذاهب الى القنصل واذا رجعت اقدمه"، قال يوسف بن عيسى: "انت بين حالتين، اللي مجاورينك بن السعود وانت تعرف حكمه الاستبدادي، والعراق حكومته نيابية، فأيهما احسن؟"، قال: "أنا أعلم العراق أحسن، وأنا ما عندي نية".. وسار الكلام بينهما على رواية الشيخ يوسف على هذا المنوال.
السبت 28 ذي الحجة سنة 1357
ارسل الأمير على يوسف بن عيسى وعرض عليه الدستور الذي وضعته له حاشيته.
ليلة 29 ذي الحجة سنة 1357
اذاع راديو قصر الزهور برقية واردة إليه بامضاء خالد العدساني هذا فحواها (حضينا بالدستور أيد الله الملك) فاندهشت لذلك وعلمت أن الذي زورها علي أراد الايقاع بي لدى آل الصباح، فذهبت فوراً إالى مدير البرق والبريد أطلب منه اخباري عن الذي سلمهم البرقية فأفهمني انهم يعرفون الذي سلمها لهم، ولكن البوح باسمه من غير اذن رسمي أمر غير جائز قانونا، فاكتفيت بارسال برقية إلى اذاعة قصر الزهور انبئهم فيها ان البرقية التي وصلتهم باسمي مزورة علي.
وفي نفس الليلة اذاعة قصر الزهور اذاعت برقية استغاثة موقعة بـ (سكرتير كتلة الشباب) فيها وصف مؤثر للحيف الذي يقع على الشباب والضغط على الحريات جميعا وما إلى ذلك، وسكرتير كتلة الشباب هو الشاب أحمد زيد السرحان. وفي الصباح ارسل علي الخليفة الصباح مدير الامن علي أنا وأحمد السرحان وهناك تولى فهد السالم أخذ إفادتنا، وقد اقتنعوا بقوة حجتي وأما أحمد فانهم طلبوا منه ارسال برقية ينفي فيها البرقية المنسوبة اليه. وعندئذ برز عبداللطيف الثنيان واعترف لهم انه هو مرسل البرقية لانه (سكرتير كتلة الشباب الفخري) ولما خرج منهم بعثوا اليه يطلبون منه الحضور ثانية وتوقيع اعتراف كتابي بالارسال فلم يذهب وانما ارسل الاعتراف المطلوب.
وفي المساء ذهبت قوة كبيرة مسلحة على رأسها فهد السالم وعبدالله المبارك إلى بيت عبداللطيف للقبض عليه فلم يجدوه، فذهبوا الى بيت عمه أحمد الغانم ولما فهم منهم ان بيدهم أمر بالقبض عليه قال لهم: "أنا ذاهب إلى عبداللطيف وبعد العشاء أذهب إلى الأمير". وفي اثناء ذلك توافد اعيان الكويتيين على بيت أحمد الغانم ليحاولوا بالاقناع واللطف دون القبض على المذكور. وقد ذهبت انا وابن عمي محمد صالح العدساني الى يوسف بن عيسى فوراً لتبليغه بالواقع واقناعه بالذهاب الى فهد السالم لأنه بنفوذه المحسوس لديهم يستطيع تدارك القضية قبل ان يستفحل الأمر وبعد الحاح شديد منا ومن ابنه الكريم عيسى قبل الذهاب، ولما فهم من فهد السالم ان أمر القبض صادر من الأمير ذهب يوسف بن عيسى الى الأمير في سيارة، ولما فاتحه الشيخ يوسف بالموضوع قال الأمير: "الأمر هين انا ارسل الآن مرجان".. وفعلا ارسل عبده مرجان الى فهد السالم يستدعيه وبعد ذلك قدم حمود الجابر الصباح اخو الأمير الى بيت الغانم واعتذر للمجتمعين من الاعيان عن جلب القوة وكذلك علي الخليفة زعم انه ليس لديه علم بالأمر، وانتهى الموضوع عند هذا الحد.
وفي الصباح انعقدت الجلسة النيابية برئاسة الشيخ عبدالله السالم هذه المرة موفداً من الأمير ومعه الدستور لمناقشته وافتتح الكلام الرئيس عاتباً على هذه الحملة الصحفية ومستنكراً ارسال البرقيات المهيجة الى اذاعة قصر الزهور وقال نحن كويتيون يجب علينا ان نحصر جهادنا في حدود وطننا الكويت لا ان نلتجئ الى دولة اجنبية -يقصد حكومة العراق- فتوالت عليه الردود من يوسف العدساني وعبداللطيف الثنيان وآخرين قائلين: "انتم التجأتم الى الاعاجم وحرضتموهم على اهالي الكويت بالسلاح والهوسات والالفاظ النابية والبادي اظلم"، وكلام في هذا المعنى، ثم تدخل المعتدلون فتلافوا هذا الكلام وانتهت الجلسة على ان ينعقد للمجلس جلسات اخرى لمناقشة الدستور المعروض.
يوم الاثنين في 30 ذي الحجة 1 فبراير 1939
وصل المقيم البريطاني في الخليج -ترنجارد فاول- الى الكويت امس واليوم انكمشت جميع القوى المسلحة وظهر فتور في حركات معسكر الأمير.
كان الأمير قد انذر المجلسيون بعد برقية عبداللطيف الثنيان التي طيرها الى اذاعة قصر الزهور انه سيمنع المجلس حتى من مناقشة الدستور اذا كانت الامور ستجري على هذا المنوال وقد رأى بعض الأعضاء حيال ذلك ان يرسل المجلس برقية الى اذاعة قصر الزهور في بغداد بما معناه (ان أعضاء المجلس التشريعي يؤملون الوصول مع الأمير الى اتفاق بشأن الدستور لصالح البلاد) والمقصود بهذه البرقية ترضية الأمير لانها بمثابة تنبيه للاذاعة بتوقيف الحملات التي استمرت تشنها على الوضع السئ بالكويت. وقد تردد الأعضاء الآخرين في قبول ارسال مثل تلك البرقية لانها تسد المنفذ الوحيد الذي يأتيهم منه النصر غير ان الأولين اقنعوهم بالالزام. ولما عرض الأمر على الأمير طلب من المجلسيين ان يكذبوا في نفس البرقية جميعا اذاعة قصر الزهور عن تردي الحالة في الكويت ولمح لهم بحل المجلس ما لم يفعلوا ذلك وكان الوسيط في هذا سمو الشيخ عبدالله السالم، غير ان المجلسيين عند ذلك غضبوا واعلنوا انهم عدلوا عن ارسال اية برقية بأي معنى كان الى الاذاعة، فتطورت الحالة واستمرت اذاعة قصر الزهور تذيع البرقيات الحماسية الكثيرة من جميع نواحي العراق الداخلية وكلها تستصرخ الملك الفتى (غازي الأول) طالبة اليه أمر الجيش العراقي بالزحف على الكويت لضمها الى العراق بصفتها اللواء الخامس عشر من ألوية العراق الاقليمية. واذيعت قصائد ملتهبة كلها في هذا المعنى نضع هنا نموذجا منها:-
حلق بشعـرك في السمـــــاء وطر به به انى تشـاء
وصغ القريض فصاحــــــة هزت قلوب الفصحـاء
واصعد به نحوالمليك الحـــــــر يطفـح بالرجـاء
اعني به شبل الحسين ونسل خيـــــــر الانبيـــاء
غـــاز به سمت العروبة والنفوس له فـــــــداء
طـــــارت له الالبــــاب والهـة وحـن الاوفيـاء
من مبلغ النفر المريض بانهم خلقوا وبــــــــاء
آذوا الكويت وشردوا الاحــــرار واستنوا العــداء
يستسلمون الى الغريب وللقريب بهم جفــــــاء
للاجنبي محبة فيهم وذاك الى الفنـــــــــــاء
والحر شقي فيهموا امـــا اللئيم ففي هنـــــــاء
وكذا الذكي مضيع فيهـــم ويهنى الاغبيــــــــاء
دانوا الشباب بصدقهــــــم اتراهموا كشفوا الغطاء؟
ما للصراحة عندهم حضي ولكن للريـــــــــــاء
يا عصبة الطغيان انا من فعالكم بــــــــــــــراء
من ذا يجادل فيكم واليوم قد برح الخفــــــــــاء
هو العزيز بكم وعز الأدنيــــــــــــــــــاء
ما ترككم مجرى الامـــــور يسوسها نسل الامــاء
أو هكذا ترك البلاد يعيث فيها الادعيــــــــاء
اخيكم يعرب في الخطوب رجائها عند اللقاء
ان النفوس مريضة وعلى يديك لها الشفـــاء
بها يتـم عـــرى البنــــــــاء
وأكتب بسيفــك صفحــة غراء غالبها السناء
ما آلت الا المرتضى لبني العروبة والرجاء
جاءك النصر يا كويت فهبي واكسري قيد ذلة وهـــــــــوان
وارفعي راية العراق وقولي للرافدين طول زمـــــــــــــــان
واعلني ساعة الجهاد فيوم النصر آت لا ريب دانـــــــــــــي
عين غازي المليك ترعاك بالعطف وعين المليك رمز الحنان
لك في الرافدين في مهج الشعب شعور قد فاض بالتحنـــــان
خير جار لك العراق مغيث سند لنجــــــــــدة الجيـــــــــران
حـــــــــرم النوم مذ رآك تعانين رزايا فراح منها يعانــــــي
كل قلب يبغى اليك نجاة من سياط الأمير والخيـــــــــــزران
هو نمر مشت اليه الاماني يوم والى سياسة الافعــــــــــــوان
جعل الكسب بالحرام حلال ولقد زاغ عن هدى القـــــــــرآن
همه في الحياة جمع اللئالي من تقي جاءته أو شيطــــــــــان
عشق الجاه فاستبد وولى وجهه شطر ذلة الاوطـــــــــــــــان
أن شعب الكويت يا بن صباح شعب عــــزم وهمـــة وتفاني
عربي من الصميم ويأبى عيشة الذل أو يرى كالجبــــــــــان
فمن الحيف أنت تحكم شعب وتــــرى فوقه بأعلى مكــــــان
ومن الظلم أنت تظلم قومـــــــــــا لنبي قــد جاء بالايمـــــان
دك في سالف العصور عروشا يوم بالحق جاء في تبيـــــان
لم تزعزه بهرجان الدراري أو تخادعه جواهـــــر التيـــجان
يا بلاد الكويت كنت سجينا يشتكي من مظالــــــم السجـــــان
كان ينوى لك الأمير هــــــوانا خيب الله منه تلك الامــــاني
فابشري بالخلاص فقـد فرج الله بغاز كاشف الظلم والهـوان
ملك راح ينشــــد العـــــز للعرب جميعا قاصيهموا والـــداني
يرسل العطف بالأمير إلى مـــن عذبته سياســــة الطغيــــان
هو ذخر الكويت ذخر بلاد الضاد وذخر الملهوف من عدنان
يوم السبت 6 محرم سنة 1358
فتحت الجلسة برآسة الشيخ عبدالله السالم وطلب هو الشيخ يوسف بن عيسى مناقشة الدستور المعروض عليهم من الأمير فأظهر جميع الأعضاء تقريبا عدم قبولهم للدستور وقال البارزون فيهم انه غير صالح للمناقشة اصلا لانه خول الأمير كل الصلاحيات الهامة وبذلك جرد المجلس التشريعي من مهمته الاساسية وهي التشريع، كما انه نص على ان الكويت واقعة تحت الحماية البريطانية وهم لا يقرون ذلك لان الحماية في القانون الدولي ذات شروط ومقدمات اهمها اعلان الدولة الحامية عن حمايتها للدولة المحمية وهذا أمر لم يبلغهم عنه شئ، وتكلم يوسف العدساني فقال: "نحن لسنا محتاجين حماية من احد ولا نقبلها منه"، فرد عليه يوسف بن عيسى قائلا: "هذا كلام لا يصح الا مع القوة ونحن واقعين فعلا تحت الحماية البريطانية (اعترفت الدولة العثمانية في سنة 1901 بعلاقة بريطانيا بالكويت وتعهدت ان لا ترسل اليها قوة حربية على ان لا تحتلها انكلترا او تعلن عليها الحماية. تذكر الحكومة البريطانية في اوراقها الرسمية ان شيخها طلب الحماية البريطانية في سنة 1805 تخلصا من خطر الوهابيين فلم تجبه الى طلبه -مأخوذ من كتاب على طريق الهند- ص 52)،
فاعترض يوسف العدساني على كلام يوسف بن عيسى قائلا: "ونحن عندنا قوة الايمان والعقيدة".
واخيرا سأل الشيخ يوسف: "هل تريدون ابدي ملاحظاتي على الدستور؟"، فرأى الجميع ان لا حاجة لابداء أية ملاحظات ثم وقعوا كتابا الى الأمير هذا نصه:-
صاحب السمو الشيخ أحمد الجابر الصباح المحترم
بعد الاحترام
لما كانت القاعدة الاساسية في كافة البلدان النيابية ان (المجالس التشريعية هي المسؤولة وحدها عن وضع الدساتير وسن كافة القوانين المقتضية لحاجة البلاد لانها ما أسست إلا لاجل وضعها والمراقبة على تنفيذها) ولما كان المجلس بعد الحاح قد وضع بالاجماع (القانون الاساسي الكويتي) مستوحا من حاجة البلاد وموافقا لكافة القواعد والاصول الدستورية في البلاد النيابية فان المجلس ما يزال معتنقا انه هو الدستور الوحيد المطابق لاماني البلاد آملين الحصول من سموكم على تصديقه.
السبت 6 محرم 1358
وتقبلوا خالص الاحترام
حرر الشباب (كتلة الشباب) الى المقيم البريطاني بالخليج الموجود حاليا بالكويت رسالة تضمنت وصف الحالة السيئة بالكويت، ونوع الارهاب الغاشم المسلط على الأحرار الكويتيين، وبعثوا بها مع احدهم قاسم الحمد الصقر، ولما قابله القنصل (الكابتن ديكوري) أفهمه قاسم ان لديه رسالة يود تسليمها الى المقيم شخصياً، فطلب القنصل تسليمها اليه ليسلمها الى المقيم، غير ان قاسم اعتذر منه لأنه مفوض من قبل الشباب لتسليم الرسالة الى المقيم نفسه فقط، فتركه القنصل ساخطاً، وفي الغد ارسلوها بالبريد المسجل باسم المقيم البريطاني، ولما جاء الموزع الى دار القنصلية البريطانية -حيث يقيم المقيم البريطاني مؤقتا اثناء زيارته للكويت- قابله القنصل وطلب من موزع البريد تسليمها إليه، ولكن هذا اعتذر أيضا فغضب القنصل وبعث بسيارة احضرت مدير البريد - وكان هذا عراقيا لان دائرة البريد كانت اذ ذاك تابعة لمصلحة البريد العراقية، وساق الاثنين مدير وموزع البريد معاً الى الشيخ علي الخليفة في دائرة الامن العام حيث انتزع الشيخ علي الخليفة الرسالة من مدير البريد بالقوة، ولكن بعد بعد مضي ساعة ونصف رجعوها بأمر من سمو الأمير إلى البريد سليمة بختمها، وقد تركت هذه الحادثة اثرا بليغا في نفس القنصل إذ اعتبرها امتهانا لكرامته من قبل أعضاء المجلس مما دعاه يغري آل الصباح ويحرضهم على المجلسيين بالصورة التي تجلت عنهم فيما بعد. بينما أعضاء المجلس لا يعلمون شيئا عن رسالة الشباب هذه بل ان المتنفذين منهم خطؤوهم على الطريقة التي سلكوها مع القنصل.
يوم الاثنين في 8 محرم سنة 1358
على اثر تبادل برقية برموز اصطلاحية بيننا وبين رفاقنا الموجودين بالبصرة ذهب كل من السيد علي سيد سليمان ومشعان الخضير وخالد العبداللطيف وقاسم الصقر ويوسف العدساني وكاتب هذه السطور في سيارة الى الروضتين حيث التقينا هناك بعبدالله الحمد الصقر وعبداللطيف الثنيان قادمين من البصرة في سيارتهما خصيصا لمقابلتنا، وتغدينا معا وتبادلنا المعلومات والآراء التي تتصل بحوادث الكويت وموقف رجالات العراق وهيئاته العليا من القضية ثم رجع الطرفين كل من حيث اتى وقد طلب رفاقنا في العراق تحرير رسالتي شكر الى رئيس حكومة العراق السيد نوري السعيد وصاحب الجلالة الملك غازي على موقف العراق الطيب من قضية الحرية في الكويت.
يوم الثلاثاء في 9 محرم 1358
حرر أعضاء المجلس التشريعي الذين حضروا جلسته اليوم الرسالة الآتية:
الكويت في يوم 9 محرم 1358
حضرة صاحب الجلالة الملك غازي الأول ملك المملكة العراقية ادام الله بقاه
السلام عليكم ورحمة الله،
وبعد فان اول واجبات أعضاء مجلس الأمة التشريعي وممثلي البلاد الشرعيين ان يرفعوا للسدة الملكية اسمى عواطفهم الطافحة بالشكر والامتنان الخالص للمساعي الجليلة الفعالة المستوحاة من روحكم الهاشمية ونخوتكم العربية لتأييد قضية الكويت العربية ونصرة ابنائها الاحرار في سبيل تحقيق الاماني المشتركة للوصول الى الهدف الاكبر، ابقاكم الله رمزا خالدا لعز العرب وفلاحهم.
ويلي ذلك تواقيع ثلاثة عشر عضوا الذين حضروا الجلسة، أما السبعة الباقون فانهم كانوا متغيبين عن الجلسة وبعضهم خارج الكويت.
ثم حرروا الرسالة الثانية الآتية:
حضرة صاحب الفخامة السيد نوري السعيد رئيس الحكومة العراقية المحترم
بعد التحية والاحترام،
ان أعضاء مجلس الأمة التشريعي ليسرهم ان يرفعوا للحكومة العراقية في شخص فخامتكم اجمل عواطف الشكر والامتنان للمساعي المبرورة في تأييد قضية الكويت العربية ومؤازرة القوميين من ابنائها آملين مواصلة الجهود الفعالة لتحقيق الاماني المشتركة الرامزة الى الهدف الاكبر وتقبلوا فخامتكم خالص الاحترام،
وسلموا الرسالتين الى عبدالله الحمد الصقر في البصرة ليسلمها شخصيا في بغداد (يلي هذا رسالة الشباب الى الملك غازي المنشورة في دفتر رقم 6).
يوم الاحد 14 محرم سنة 1358 الموافق 5 مارس سنة 1939
اليوم هذا أقيمت في ساحة القصر حفلة كبيرة دعي اليها اعيان الكويتيين وذلك لمناسبة تقديم المقيم البريطاني في الخليج وسام (سي. آي. اي) الى الشيخ عبدالله السالم الصباح وقد القى فخامة المقيم خطابا هذه ترجمته موجها للأمير:
يا صاحب السمو، لي الشرف العظيم ان اقدم هذا اليوم بأمر جلالة الملك جورج السادس وسام (سي. آي. أي) الذي اوصى سموكم بتقديمه الى بن عمكم عبدالله بن الشيخ سالم بن مبارك الصباح تقديرا للخدمات التي اداها لسموكم ولبلاد الكويت باخلاص، واولئك الذين يخدمون بلادكم بدون انانية يكونون اعزاء عند ملكي وحكومتي لان بلاد سموكم من ايام مبارك العظيم كانت ولا تزال مرتبطة بروابط خاصة مع حكومتي وباقية تحت حمايتها.
واولئك الذين يخدمون بلادكم ويؤدون لكم الخدمات الطيبة فانهم بعملهم هذا يخدمون الملك العظيم ايضا لان خطتنا بفضل الله واحدة نرجو ان نسير عليها الى طريق الرقي على اساس المودة وحسن التفاهم التام وعلى هذا فان هذا التقديم دلالة على احترام حكومة جلالة الملك ليس للشيخ عبدالله السالم فحسب بل كذلك لكل فرد من أفراد اسرتكم البارزين واشراف الكويت على اختلاف طبقاتهم الذين يقدمون الخدمات الطيبة الصادقة لحكومتكم في سبيل صالح مواطنيهم العرب العام.
وبالختام ارجو ان يسود السلام الشامل الدائم والرقي المطرد في بلاد الكويت السعيدة تحت حكم سموكم وتحت حماية بريطانيا العظمى.
وعند ذلك نهض سمو الأمير ورد على سعادة المقيم البريطاني شاكرا للحكومة البريطانية ومؤيدا قول المقيم ان الكويت واقعة تحت الحماية البريطانية.
وهذه اول مرة في تاريخ الكويت يرد ذكر وقوع الكويت تحت الحماية البريطانية في الاقوال الرسمية قصدا بمناسبة عدم اعتراف غالبية أعضاء المجلس التشريعي بالحماية المذكورة، وقد استاء الاحرار من التصريح بالحماية على هذا الشكل فانعقد المجلس التشريعي في نفس اليوم وحرر لسمو الأمير الكتاب التالي الذي بعثوه الى سموه في اليوم التالي:
حضرة صاحب السمو الشيخ أحمد الجابر الصباح المحترم
بعد الاحترام،
لنا الشرف ان نفيد سموكم ان مجلس الأمة التشريعي بصفته ممثل الأمة الكويتية الناطق بلسانها وبالاستناد الى الصلاحيات القانونية السابقة والمكاتبات الرسمية المتبادلة يعلن لكافة من يعنيهم الأمر انه (عدى المعاهدات والاتفاقات السابق ابرامها من قبل حاكم الكويت الحالي وحكامها السابقين مع حكومة صاحب الجلالة البريطانية الى ما قبل اليوم الحادي عشر من شهر جمادي الأول 1357 هجرية فكل قانون أو معاهدة أو اتفاق أو تنازل يحدث بعد هذا التاريخ من أي كان ومع أي كان يمس حقوق أو شئون الكويت السياسية وغيرها، كل ذلك يعتبر غير جائز ولا نافذ ولا تتقيد به البلاد.
وختاما تفضلوا بقبول خالص الاحترام،،
ويلي ذلك تواقيع الأعضاء الحاضرين.
الكويت يوم الاحد شهر محرم 1358 الموافق 5 مارس 1939 وقد كان وقع الكتاب سيئاً جداً على الأمير فأصدر أمره في اليوم التالي بحل المجلس فأنقطع بذلك كل أمل في الوصول الى حل يطمئن النفوس ويقضي على طغيان التحكم الفردي الكيفي في الكويت، وأستطال بذلك جانب الاستخفاف والعبث بالشئون العامة من قبل أفراد العائلة الحاكمة واستهانتهم لكرامة الكويتيين ورجالاتهم لا سيما وقد بدأ صوت اذاعة (قصر الزهور الملكية) بالعراق يخفت شيئا فشيئا بعد ان كان يدوي عاليا كل ليلة في أرجاء الأثير ويتحدى محطة الاذاعة الانكليزية التي كانت على طريقتها الاستعمارية تدس على الوطنيين الكويتيين وتنعتهم بالاشرار والخارجين على النظام وتدس على حركتهم الاصلاحية وتهيج الملك عبدالعزيز السعود الذي كان يمقت حركة الاصلاح والقائمين بها في الكويت حذرا من تسربها وانتقال عدواها الى بلاده المفتقرة الى الاصلاح والمصلحين أضف الى ذلك ان انتصار الملك غازي لقضية الحرية في الكويت وهو الملك الهاشمي الاصيل وما يحتمل ان يسفر عن ذلك من ضم الكويت الى العراق، والكويت هي الميناء البحري العظيم المتصل في نجد منذ بداية منذ تأسيسه بروابط شتى من المصالح التجارية، وغالبية اهله وحكامه متحدرين من القبائل النجدية الخالصة هذا بالاضافة الى اليد الاجنبية التي كانت تلعب من وراء الستار. كل ذلك أهاب بالملك بن سعود على أخذ الحذر والحيطة من تغلغل النفوذ الهاشمي في شرق الجزيرة بعد ان كسحه عنها في الغرب فاخذ ينادي انه لا يرضى عن ضم الكويت الى العراق وان الكويت للكويتيين (في الواقع لا يهم الملك بن السعود ان تكون الكويت للكويتيين وان الذي يهمه فقط هو ان لا تنضم الكويت بمشيئة اهلها الكويتيين الى العراق، فكأنه بذلك ينادي فلتبقى الكويت للانكليز وحدهم لا للكويتيين ولا للعراقيين) واخذت جريدته أم القرى في الحجاز تعقد الفصول الطويلة معلنة عن سخطها على الحركة التحريرية في الكويت والمناصرين لها من العراقيين، ومحطة الاذاعة في لندن تنقل ذلك كله على لسان الملك بن السعود فتزيد في الاساءة والاثارة بين العاهلين في الرياض وبغداد مما حمل من في بغداد على التفكير والتروي لدرء هذا الاختلاف الذي قد يضر بمصالح القضية العربية جمعاء اذا توسع او استفحل أمره بين البيتين المالكين العربيين كما ان السيد نوري السعيد الذي كان من الموالين للسياسة الانكليزية الى حد بعيد طار من لندن عائدا الى بغداد بعد استفحال هذه الازمة ليقف في طريق المتحمسين العراقيين حكومة وشعبا وجيشا على رأسهم الملك الشاب المتحمس فأخذ باساليبه الثعلبية المعروفة وبصفته رئيسا للوزارة العراقية القائمة يداور المتحمسين يخوفهم تارة من عواقب الحركة المندفعة ويمني الملك اخرى بأن قضية الكويت من السهل حلها ولكن بالاصول الدبلوماسية السلمية مع الانكليز بدلا من الحركات العسكرية المجهولة النتائج حتى جاءت حركة المؤامرة من بعض الضباط الثائرين في الجيش على حياة الملك، وقيل ان نوري السعيد هو الذي اختلق وجودها -ليفل العزائم الثائرة في الجيش والبلاط عن نجدة الكويتيين- وبذلك صمتت اذاعة قصر الزهور عن قضية الكويت بالمرة، فتهدمت اعصاب الوطنيين الكويتيين واشتد ساعد خصومهم فكان حل المجلس اول اثر لهذه الظاهرة المثبطة لعزائم الوطنيين.