مذكرات خالد العدساني سكرتير المجلس التشريعي

12-11-2012, 07:43 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,782

icon1.gif


ولقد حفز هذا الفشل المنتظر بالانتخاب لهؤلاء الناس الى تناسي المصلحة العامة في هذه الظروف الدقيقة التي تجتازها الأمة من اجل الفوز باغلى امانيها،

فنصبوا انفسهم لمناهضة اخوانهم الفائزين ومناصبتهم بالعداء وزرع كل المشاكل في طريقهم رغم بياض صفحة بعضهم وحسن تفكيرهم فارتأوا اول ما ارتأوا الطواف بالاسواق لحمل الناس على توقيع عريضة اعدوها لرفعها الى صاحب السمو الأمير يطالبون فيها باعادة اجراء الانتخابات بعد ان اشتركوا هم فيه وفي الاشراف عليه، ولكن تصدي لهم الشباب الوطني المتحمس فشل حركتهم ونفر الناس منهم اذ لم يوقع على عريضتهم الا بضعة اناس لا قيمة لهم.

وقد اسف الناس ان يتمادى امثال محمد الغانم ويوسف العدساني وامثالهم من الغيارى والمفكرين في التطويح بمكانتهم للوقوف في صف المعارضة جنبا الى جنب مع النفعيين والحاقدين لا لشئ سوى التشفي من اخوانهم الذين فازوا ولم يفوزوا هم بكراسي المجلس،

وكان ذلك منتظرا بسبب اتصالهم بالملا صالح وتعاونهم معه بسبب بعض المصالح التجارية وغيرها.

تلك هي اذا طبيعة المعارضة الكويتية نشأت منذ البداية على اساس المنافسات الشخصية عند قوم وعند آخرين بسبب الخوف على مصالحهم ومنافعهم المادية،

فتعاهدوا جميعا في الوقوف جنبا الى جنب رغم اختلاف آرائهم وتباين اغراضهم على معاكسة مشاريع المجلس منذ قيامه بغير برنامج ولا لخدمة وطنية، بقصد الهدم والتخريب كما قال سبحانه وتعالى {يخربون بيوتهم بأيديهم}.

وقد تآلب آل أحمد الغانم (محمد الغانم واخوانه) على الضغط على قريبهم ونسيبهم محمد ثنيان الغانم لحمله على الاستقالة من المجلس قبل اول اجتماع له ليفتوا من عزيمة المجلسيين ويثلموا من قوتهم، فانصاع غير مرتاح الى الاستقالة فحل محله بالتسلسل الرجل القوي محمد بن شاهين الغانم بن عم المستقيل، وبذلك عوض المجلسيون ما فقدوه من خسارة في استقالة الحاج محمد الثنيان.
 
21-12-2012, 06:24 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,782

icon1.gif

كان الحكم في الكويت الى ما قبيل عهد المجلس التشريعي محصورا في جميع مظاهره واشكاله في يدي الحاكم الفرد الذي يتعلق على كفائته وحسن اختياره لموظفي الحكومة ورجال القصر من الحاشية والتابعين مصير البلد والناس جميعا.

أما الواردات فانها كانت تجبى دون ان يخصص منها ولو نصيب يسير للخدمات الضرورية، لا في الصحة ولا في المعارف ولا في العمران أو في أي منفعة عامة اخرى.

وكان القضاة وغيرهم يعينون بارادة الحاكم التي يكيفها دائما اقرب المشيرين اليه من رجال الحاشية والمتنفذين، فكان من غير المتوقع ان يشيروا على سموه بانتقاء الرجال الاكفاء المشهود لهم بالنزاهة وطهارة الضمير بل كانوا ينتقون الضعفاء والخائرين للتعاون معهم في كسب الاموال الحرام وتهيئة الوسائل العجيبة لابتزاز الخزينة والتحكم في رقاب الناس وقضاياهم.


ولقد كان الملا صالح رئيس كتاب الأمير بل وزيره الأول صاحب النفوذ الأول والكلمة المسموعة في بلاط الأمير وبالتالي في كافة شئون الامارة ودوائر الحكم فيها.

وكان من المتعذر في الكويت ان تنجح اية قضية او يصدر حتى حكم عادل في دوائر القضاء او في سواها ما لم يكن لها سند الملا ومصلحته نصيب. فالقضايا الشرعية والاحكام الجنائية والاتفاقيات والامتيازات والاحتكارات النافعة والضارة تكيف اولا وتهيأ في دار الملا او دائرة اعماله (مكتبه في السوق الداخلي) حتى اذا تم الاتفاق عليها مقدما ودفع الثمن المطلوب سارت في طريق النجاح فائزة بتوقيع الأمير غير حافلة بالاعتراضات والانتقادات العامة.


أما الشئون الخارجية والمكاتبات السياسية فانها تسوى ايضا على يد هذا الرجل وبقلمه ايضا رغم قصوره العلمي وجهله التام بالسياسة، حتى لقد اضطر رئيس كتاب القنصلية البريطانية في الكويت الى الحضور الى دائرة الملا كيما يملي فقط صورة الجواب التي تتطلبه دائرة القنصلية من سمو الحاكم لعجز الملا وحيرته في كتابة في كتابة الجواب المطلوب.


ذلكم هو حقيقة الحال عن نوع الحكم القائم قبيل المجلس التشريعي صورة واضحة من تحكم الحاشية وعبثها واستهتارها بالناس والحقوق، فكيف يتسنى لرجال المجلس معالجة الاحوال وتنظيم شئون الامارة دون ان يستندوا الى قاعدة واضحة ونظام مرسوم.


بدأوا أول ما بدأوا بانتخاب الشيخ عبدالله السالم الصباح ولي العهد للمجلس التشريعي توقع كافة القرارات والرسائل التي تصدر من المجلس باسمه لتكون لها حرمتها المبتغاة بصفته ابرز أعضاء العائلة الحاكمة بعد سمو الأمير، ثم تواصوا على وضع قانون صلاحية مجلس الأمة ورُشح الشيخ يوسف بن عيسى نفسه لوضع القانون المذكور، بينما اوعز الي جماعة الكتلة الوطنية من أعضاء المجلس ان اهيئ مسودة الدستور المطلوب.


وفي جلسة تالية تلا الشيخ يوسف على أعضاء المجلس صورة ما أعده فاذا به يشمل على بعض الآيات القرآنية والاحاديث النبوية والنصائح الاخرى مما لا يتصل والموضوع المطلوب، فشكروا الشيخ يوسف على اجتهاده ولكنهم اعتذروا منه عارضين مسودة القانون الذي اعددته فوافق عليه الجميع،

وارتأوا ان يحمله سعادة رئيس المجلس ليطلب من سمو الحاكم التفضل بتوقيعه. ولكن رئيس المجلس رجع اليهم ليلا وهو يقول: "ان الأمير يوافق مبدئيا على القانون ولكنه متردد في توقيعه، لانه يقول لا حاجة الآن الى ذلك والافضل ان تسير البلاد تدريجيا في هذا الشأن".
 
05-01-2013, 12:40 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,782

icon1.gif

فكان ذلك صدمة كبيرة للمجلسيين وانصارهم اوشكت ان تنقلب الى ازمة حادة بينهم وبين القصر لا يعلم الا الله ماذا ستكون نتائجها حيث كان المجلسيون في عنفوان حماسهم وتراصصهم للمغامرة في الفوز بالحقوق الدستورية كاملة غير منقوصة.

وكان على رأس كل ذلك رئيس المجلس ولي العهد والعديل الأول لحاكم الكويت تشجعهم مكانته المرموقة من العائلة الحاكمة ومقامه لدى الرأي العام. واذكر ان ذلك اليوم كان من الايام الفاصلة في تاريخ الكويت.

فقد كان الناس في شبه ذهول ينتظرون ماذا يكون موقف نوابهم وشجاعتهم بعد تلك الصدمة التي كانوا يتوجسون من ورائها الغدر والخديعة من الحاشية التى تآلبت على سمو الأمير تنصحه بعدم التساهل واستخفاف أمر المجلسيين.


اما الشباب الوطني فقد توافد ليلا حول بناية المجلس ليتلقى من نوابه التعليمات الاخيرة التي تطوع أفراده للقيام بها من امور الدعاية وتنوير الرأي العام.

وجاءتني سيارة الصقر في الساعة الرابعة بعد الغروب ليلا وكانت من ليالي الصيف القصيرة يدعونني النواب الى الحضور عندهم لمهمة لا اعرف ما هي،

ولما صعدت الى النواب في قاعة المجلس الذي كان مقره (الكشك البحري من بيت آل صقر) على ساحل البحر، وجدتهم قد انهوا مداولاتهم وتناثروا في غرف المجلس يتحدثون ويطغي على حديثهم روح الحماس والتشدد.

وقابلوني جميعا وهم يقولون لي :

"اكتب الى الشيخ (الأمير) كتابا قويا فحواه كذا وكذا "، وأردت ان اتملى واتدبر في الأمر لألمس روحية النواب جميعا كيما يكون كتابي معبرا عن رغبة الجميع فلا اعود ثانية للحذف والتعديل

ولكني حينما وجدت حتى الشيخ يوسف بن عيسى يؤكد علي بشدة اللهجة، لم اعد بعد ذلك في حاجة الى تأكيد، فرجوتهم ان يتركوني وحدي لأتفرغ الى نفسي في كتابة ما يريدون.
 
ولقد حفز هذا الفشل المنتظر بالانتخاب لهؤلاء الناس الى تناسي المصلحة العامة في هذه الظروف الدقيقة التي تجتازها الأمة من اجل الفوز باغلى امانيها، فنصبوا انفسهم لمناهضة اخوانهم الفائزين ومناصبتهم بالعداء وزرع كل المشاكل في طريقهم رغم بياض صفحة بعضهم وحسن تفكيرهم فارتأوا اول ما ارتأوا الطواف بالاسواق لحمل الناس على توقيع عريضة اعدوها لرفعها الى صاحب السمو الأمير يطالبون فيها باعادة اجراء الانتخابات بعد ان اشتركوا هم فيه وفي الاشراف عليه، ولكن تصدي لهم الشباب الوطني المتحمس فشل حركتهم ونفر الناس منهم اذ لم يوقع على عريضتهم الا بضعة اناس لا قيمة لهم.
وقد اسف الناس ان يتمادى امثال محمد الغانم ويوسف العدساني وامثالهم من الغيارى والمفكرين في التطويح بمكانتهم للوقوف في صف المعارضة جنبا الى جنب مع النفعيين والحاقدين لا لشئ سوى التشفي من اخوانهم الذين فازوا ولم يفوزوا هم بكراسي المجلس، وكان ذلك منتظرا بسبب اتصالهم بالملا صالح وتعاونهم معه بسبب بعض المصالح التجارية وغيرها.
تلك هي اذا طبيعة المعارضة الكويتية نشأت منذ البداية على اساس المنافسات الشخصية عند قوم وعند آخرين بسبب الخوف على مصالحهم ومنافعهم المادية، فتعاهدوا جميعا في الوقوف جنبا الى جنب رغم اختلاف آرائهم وتباين اغراضهم على معاكسة مشاريع المجلس منذ قيامه بغير برنامج ولا لخدمة وطنية، بقصد الهدم والتخريب كما قال سبحانه وتعالى {يخربون بيوتهم بأيديهم}.
وقد تآلب آل أحمد الغانم (محمد الغانم واخوانه) على الضغط على قريبهم ونسيبهم محمد ثنيان الغانم لحمله على الاستقالة من المجلس قبل اول اجتماع له ليفتوا من عزيمة المجلسيين ويثلموا من قوتهم، فانصاع غير مرتاح الى الاستقالة فحل محله بالتسلسل الرجل القوي محمد بن شاهين الغانم بن عم المستقيل، وبذلك عوض المجلسيون ما فقدوه من خسارة في استقالة الحاج محمد الثنيان.


..,
 
ولقد حفز هذا الفشل المنتظر بالانتخاب لهؤلاء الناس الى تناسي المصلحة العامة في هذه الظروف الدقيقة التي تجتازها الأمة من اجل الفوز باغلى امانيها، فنصبوا انفسهم لمناهضة اخوانهم الفائزين ومناصبتهم بالعداء وزرع كل المشاكل في طريقهم رغم بياض صفحة بعضهم وحسن تفكيرهم فارتأوا اول ما ارتأوا الطواف بالاسواق لحمل الناس على توقيع عريضة اعدوها لرفعها الى صاحب السمو الأمير يطالبون فيها باعادة اجراء الانتخابات بعد ان اشتركوا هم فيه وفي الاشراف عليه، ولكن تصدي لهم الشباب الوطني المتحمس فشل حركتهم ونفر الناس منهم اذ لم يوقع على عريضتهم الا بضعة اناس لا قيمة لهم.
وقد اسف الناس ان يتمادى امثال محمد الغانم ويوسف العدساني وامثالهم من الغيارى والمفكرين في التطويح بمكانتهم للوقوف في صف المعارضة جنبا الى جنب مع النفعيين والحاقدين لا لشئ سوى التشفي من اخوانهم الذين فازوا ولم يفوزوا هم بكراسي المجلس، وكان ذلك منتظرا بسبب اتصالهم بالملا صالح وتعاونهم معه بسبب بعض المصالح التجارية وغيرها.
تلك هي اذا طبيعة المعارضة الكويتية نشأت منذ البداية على اساس المنافسات الشخصية عند قوم وعند آخرين بسبب الخوف على مصالحهم ومنافعهم المادية، فتعاهدوا جميعا في الوقوف جنبا الى جنب رغم اختلاف آرائهم وتباين اغراضهم على معاكسة مشاريع المجلس منذ قيامه بغير برنامج ولا لخدمة وطنية، بقصد الهدم والتخريب كما قال سبحانه وتعالى {يخربون بيوتهم بأيديهم}.
وقد تآلب آل أحمد الغانم (محمد الغانم واخوانه) على الضغط على قريبهم ونسيبهم محمد ثنيان الغانم لحمله على الاستقالة من المجلس قبل اول اجتماع له ليفتوا من عزيمة المجلسيين ويثلموا من قوتهم، فانصاع غير مرتاح الى الاستقالة فحل محله بالتسلسل الرجل القوي محمد بن شاهين الغانم بن عم المستقيل، وبذلك عوض المجلسيون ما فقدوه من خسارة في استقالة الحاج محمد الثنيان.


..,
 
كان الحكم في الكويت الى ما قبيل عهد المجلس التشريعي محصورا في جميع مظاهره واشكاله في يدي الحاكم الفرد الذي يتعلق على كفائته وحسن اختياره لموظفي الحكومة ورجال القصر من الحاشية والتابعين مصير البلد والناس جميعا. أما الواردات فانها كانت تجبى دون ان يخصص منها ولو نصيب يسير للخدمات الضرورية، لا في الصحة ولا في المعارف ولا في العمران أو في أي منفعة عامة اخرى. وكان القضاة وغيرهم يعينون بارادة الحاكم التي يكيفها دائما اقرب المشيرين اليه من رجال الحاشية والمتنفذين، فكان من غير المتوقع ان يشيروا على سموه بانتقاء الرجال الاكفاء المشهود لهم بالنزاهة وطهارة الضمير بل كانوا ينتقون الضعفاء والخائرين للتعاون معهم في كسب الاموال الحرام وتهيئة الوسائل العجيبة لابتزاز الخزينة والتحكم في رقاب الناس وقضاياهم.
ولقد كان الملا صالح رئيس كتاب الأمير بل وزيره الأول صاحب النفوذ الأول والكلمة المسموعة في بلاط الأمير وبالتالي في كافة شئون الامارة ودوائر الحكم فيها. وكان من المتعذر في الكويت ان تنجح اية قضية او يصدر حتى حكم عادل في دوائر القضاء او في سواها ما لم يكن لها سند الملا ومصلحته نصيب. فالقضايا الشرعية والاحكام الجنائية والاتفاقيات والامتيازات والاحتكارات النافعة والضارة تكيف اولا وتهيأ في دار الملا او دائرة اعماله (مكتبه في السوق الداخلي) حتى اذا تم الاتفاق عليها مقدما ودفع الثمن المطلوب سارت في طريق النجاح فائزة بتوقيع الأمير غير حافلة بالاعتراضات والانتقادات العامة.
أما الشئون الخارجية والمكاتبات السياسية فانها تسوى ايضا على يد هذا الرجل وبقلمه ايضا رغم قصوره العلمي وجهله التام بالسياسة، حتى لقد اضطر رئيس كتاب القنصلية البريطانية في الكويت الى الحضور الى دائرة الملا كيما يملي فقط صورة الجواب التي تتطلبه دائرة القنصلية من سمو الحاكم لعجز الملا وحيرته في كتابة في كتابة الجواب المطلوب.
ذلكم هو حقيقة الحال عن نوع الحكم القائم قبيل المجلس التشريعي صورة واضحة من تحكم الحاشية وعبثها واستهتارها بالناس والحقوق، فكيف يتسنى لرجال المجلس معالجة الاحوال وتنظيم شئون الامارة دون ان يستندوا الى قاعدة واضحة ونظام مرسوم.
بدأوا أول ما بدأوا بانتخاب الشيخ عبدالله السالم الصباح ولي العهد للمجلس التشريعي توقع كافة القرارات والرسائل التي تصدر من المجلس باسمه لتكون لها حرمتها المبتغاة بصفته ابرز أعضاء العائلة الحاكمة بعد سمو الأمير، ثم تواصوا على وضع قانون صلاحية مجلس الأمة ورُشح الشيخ يوسف بن عيسى نفسه لوضع القانون المذكور، بينما اوعز الي جماعة الكتلة الوطنية من أعضاء المجلس ان اهيئ مسودة الدستور المطلوب.
وفي جلسة تالية تلا الشيخ يوسف على أعضاء المجلس صورة ما أعده فاذا به يشمل على بعض الآيات القرآنية والاحاديث النبوية والنصائح الاخرى مما لا يتصل والموضوع المطلوب، فشكروا الشيخ يوسف على اجتهاده ولكنهم اعتذروا منه عارضين مسودة القانون الذي اعددته فوافق عليه الجميع، وارتأوا ان يحمله سعادة رئيس المجلس ليطلب من سمو الحاكم التفضل بتوقيعه. ولكن رئيس المجلس رجع اليهم ليلا وهو يقول: "ان الأمير يوافق مبدئيا على القانون ولكنه متردد في توقيعه، لانه يقول لا حاجة الآن الى ذلك والافضل ان تسير البلاد تدريجيا في هذا الشأن".
فكان ذلك صدمة كبيرة للمجلسيين وانصارهم اوشكت ان تنقلب الى ازمة حادة بينهم وبين القصر لا يعلم الا الله ماذا ستكون نتائجها حيث كان المجلسيون في عنفوان حماسهم وتراصصهم للمغامرة في الفوز بالحقوق الدستورية كاملة غير منقوصة. وكان على رأس كل ذلك رئيس المجلس ولي العهد والعديل الأول لحاكم الكويت تشجعهم مكانته المرموقة من العائلة الحاكمة ومقامه لدى الرأي العام. واذكر ان ذلك اليوم كان من الايام الفاصلة في تاريخ الكويت. فقد كان الناس في شبه ذهول ينتظرون ماذا يكون موقف نوابهم وشجاعتهم بعد تلك الصدمة التي كانوا يتوجسون من ورائها الغدر والخديعة من الحاشية التى تآلبت على سمو الأمير تنصحه بعدم التساهل واستخفاف أمر المجلسيين. اما الشباب الوطني فقد توافد ليلا حول بناية المجلس ليتلقى من نوابه التعليمات الاخيرة التي تطوع أفراده للقيام بها من امور الدعاية وتنوير الرأي العام. وجاءتني سيارة الصقر في الساعة الرابعة بعد الغروب ليلا وكانت من ليالي الصيف القصيرة يدعونني النواب الى الحضور عندهم لمهمة لا اعرف ما هي، ولما صعدت الى النواب في قاعة المجلس الذي كان مقره (الكشك البحري من بيت آل صقر) على ساحل البحر، وجدتهم قد انهوا مداولاتهم وتناثروا في غرف المجلس يتحدثون ويطغي على حديثهم روح الحماس والتشدد. وقابلوني جميعا وهم يقولون لي: "اكتب الى الشيخ (الأمير) كتابا قويا فحواه كذا وكذا "، وأردت ان اتملى واتدبر في الأمر لألمس روحية النواب جميعا كيما يكون كتابي معبرا عن رغبة الجميع فلا اعود ثانية للحذف والتعديل ولكني حينما وجدت حتى الشيخ يوسف بن عيسى يؤكد علي بشدة اللهجة، لم اعد بعد ذلك في حاجة الى تأكيد، فرجوتهم ان يتركوني وحدي لأتفرغ الى نفسي في كتابة ما يريدون.
وبعد ساعة وقع الجميع على الكتاب دون ان يتردد منهم او يتريث، ثم حمله سعادة رئيس المجلس ليعرضه بعد ذلك صباح الغد على سمو الأمير واليك نصه:
حضرة صاحب السمو الشيخ أحمد الجابر الصباح دام بقاه
يا صاحب السمو، تقدم اليكم مجلس الأمة التشريعي هذا اليوم بقانون وافق عليه أعضاء المجلس بالاجماع موضحا الصلاحيات الاساسية لمجلس الأمة وقد أحاطنا سمو الشيخ عبدالله السالم بما دار بينكم وبينه اثناء عرض القانون عليكم لتوقيعه الا اننا لمسنا صراحة ان جوابكم لم يكن مقنعا فسموكم تقولون انكم موافقون على القانون ولكنكم تريدون ان يكون العمل به تدريجيا ولذلك لا ترون حاجة الى امضائه في الوقت الحاضر وجوابا على بيانات سموكم نفيدكم ان أعضاء المجلس جميعا لم يرتاحوا ولم يقتنعوا بهذه البيانات الشفهية ففي الظروف التي توليتم بها الحكم قطعتم ايضا على انفسكم ان تجعلوا الحكم بينكم وبين الأمة شورى ومضت الايام ولم تر الأمة تحقيقا لما وعدتم.
ان نواب الأمة يا صاحب السمو حينما وطدوا عزائمهم على خدمة الشعب والبلاد كانوا جادين غير هازلين ولا مترددين وقد اقسموا ان لا يحول بينهم وبين خدمة الأمة والاصلاح اية عقبة كانت ولعل هذه اللحظة في تاريخ البلاد تكون من اللحظات الفاصلة فاما الى الخير وانت على رأس الأمة يحيط بك الاجلال ويحفك التقدير والحب من كل حدب وصوب، واما الى ضده وهؤلاء نحن قد تهيأنا لكل أمر متوقع كتلة واحدة في صف البلاد لا نتردد ولا نتقهقر . ففي هذه اللحظة التي نرفع اليك فيها كتابنا هذا نقف جميعا في انتظار جوابكم التحريري الحاسم بالموافقة والله تعالى نسأل ان يوفق الجميع الى ما فيه السداد.
الكويت تحريرا في 12 جمادى الأولى 1357هـ تواقيع جميع الأعضاء
أما الشباب الذي كان محتشدا خارج المجلس ينتظر التعليمات ليبثها عن طريق المناشير والكتابة بالحيطان -وهي اعمدة الجرائد المعوضة في الكويت- فقد أُوعز اليه ان يكتب امثال هذه العبارات في طريق سمو الأمير:
(حب الشعب يرفعك الشعب) (اخلص للامة تخلص اليك) (عاش النواب المطالبون بحقوق الوطن) وغير ذلك من العبارات المهذبة.
بيد ان هنالك مع الاسف الشديد من شوه الموضوع، فقد كتبت ايضا كتابات قاسية جارحة ربما كان مصدر بعضها بعض الشباب المتهور، الا انه من الثابت ايضا ان اكثر هذه العبارات الجارحة موعز به من قبل رجال الحاشية والمفسدين وذلك لاستفزاز شعور الأمير وغضبه، فكنا ننصح شبابنا بمحوها حلا.
وفي الصباح عندما اجتمع سعادة الرئيس بسمو الأمير الذي كان قد تسرب اليه فحوى الكتاب المنوى تقديمه بادر سموه الرئيس بقوله: "انه مقتنع بالقانون وليس لديه ثمة اعتراض عليه وطلب فقط استبدال كلمة (نحن أمير الكويت) المصدر بها القانون بكلمة (نحن حاكم الكويت) ثم يوقعه مصححا".
وبعد صلاة العصر حمل الرئيس القانون بصيغته النهائية الى سموه حيث تم التوقيع عليه ورجع سعادته به الى أعضاء المجلس الذين كانوا قد هيأوا النشرات العديدة من القانون لتوزيعها على كافة الناس، فتقاطر الكويتيون يتخاطفونها منهم ويتلوها بعضهم على بعض في الطرق والاسواق في شبه مظاهرات متعددة وقفت اثناءها كافة الاعمال وانقطعت حركة المرور، وأمست الكويت في ذلك اليوم تعج بالافراح وكأنها في احد الاعياد الكبيرة.
واليك نص القانون المذكور :
 
بسم الله الرحمن الرحيم

نحن حاكم الكويت

بناء على ما قرره مجلس الأمة التشريعي صادقنا على هذا القانون في صلاحية المجلس التشريعي وأمرنا بوضعه موضع التنفيذ:

المادة الأولى - الأمة مصدر السلطات ممثلة في هيئة نوابها المنتخبين.

المادة الثانيـة - على المجلس التشريعي ان يشرع القوانين الآتية:

1- قانون الميزانيــــة - "أي تنظيم جميع واردات البلاد ومصروفاتها وتوجيهها بصورة عادلة الا ما كان من املاك (الصباح) الخاصة فليس للمجلس حق التدخل فيه"

2- قانون القضــــــاء - "والمراد به الاحكام الشرعية والعرفية بحيث يهيئ لها نظاما يكفل تحقيق العدالة بين الناس"

3- قانون الامن العـام - "والمراد به صيانة الامن داخل البلاد وخارجها الى اقصى الحدود"

4- قانون المعـــــارف - "والمراد به سن قانون للمعارف تنهج فيه نهج البلاد الراقية"

5- قانون الصحـــــــة - "والمراد به سن قانون صحي يقي البلاد واهاليها اخطار الأمراض والاوبئة ايا كان نوعها"


6- قانون العمــــــران - "وهو يشمل تعبيد الطرق خارج البلاد داخلا وخارجا"

7- قانون الطـــــوارئ - "والمراد به سن قانون في البلاد لحدوث أمر مفاجئ يخول السلطة حق تنفيذ الاحكام المقتضية لصيانة الامن في البلاد" (جميع هذه التفسيرات الواردة بين قوسين للقوانين وضعت باجتهاد واصرار الشيخ يوسف بن عيسى حيث لم تكن موجودة في الاصل)

8- كل قانون آخر تقتضي مصلحة البلاد تشريعه.

المادة الثالثــة - مجلس الأمة التشريعي مرجع لجميع المعاهدات والامتيازات الداخلية والخارجية وكل أمر يستجد من هذا القبيل لا يعتبر شرعيا الا بموافقة المجلس واشرافه عليه.

المادة الرابعـة – بما ان البلاد ليس فيها محكمة استئناف فان مهام المحكمة المذكورة تناط بمجلس الأمة التشريعي حتى تشكل هيئة مستقلة لهذا الغرض.

المادة الخامسة - رئيس مجلس الأمة التشريعي هو الذي يمثل السلطة التنفيذية في البلاد.

تحرر يوم الجمعة الحادي عشر من جمادي الأولى عام الف وثلاثمائة وسبعة وخمسين هجرية الموافق الثاني من جولاي عام الف وتسمعائة وثمانية وثلاثين ميلادي



حاكم الكويت
أحمد الجابر الصباح




بعد هذا النصر الحاسم لم يتجاسر احد على الوقوف في طريق المجلسيين فقد انكمشت الوجوه الصفيقة وخرست الالسنة الناعقة بالفساد، وخشى على كرامته من كانت له كرامة، ولو ان بعض المعارضين مال على بعض يتعاهدون سرا ويبيتون دسائسهم ليوم تتوافر فيه عناصر الكيد وتسنح اسباب التشفي والانتقام. اما الوطنيون فانهم ساروا شوطا قصيا في طريق الاصلاح الشامل مواصلين الليل بالنهار حتى اتموا في خمسة شهور قصيرة ما لا يمكن اتمامه في سنين. وقد وزعوا انفسهم على انجاز المهام المطلوبة والاشراف على سير الاعمال والمصالح العامة على طريقة لجان اختصاصية. فلجنة للشئون السياسية واخرى للمالية وثالثة للعمران ورابعة للمعارف وغير ذلك من اللجان التي تتطلبها حاجة الكويت وتشكيلاتها الجديدة. وجعل للمجلس مجتمعا الكلمة الاخيرة والقول الفصل في المصادقة على قرارات اللجان. ومن الاصلاحات الكثيرة التي انجزها المجلسيون في الدورة الأولى:
فصل الموظفين المرتشين وعديمي الكفاءة من تراث العهد الخامل واحلال الشباب النزيه بدلا منهم، كما التفتوا الى القضاء والمحاكم فاصلحوا من انظمتها وقننوا مجلة الاحكام الشرعية لتكون وحدها مصدرا لكافة الاحكام الشرعية ليس للقاضي ان يتأول فيها ويجتهد الآراء والفتاوى المتناقضة طبقا لميوله والمؤثرات الخاصة تلك التي ضج الكويتيون منها في عهد بعض القضاة المنحرفين، وعينوا الوجيه (مرزوق البدر) مستشارا عرفيا ومعاونا لحاكم المحكمة العامة. ثم عطفوا على المعارف فوسعوا نطاقها واضافوا الى ايرادها نصف واردات مصلحة النقل والتنزيل التي امموها والتي يعلم الكويتيون كيف طبخ امتيازها في مكتب الملا صالح قبل عهد المجلس لنفر قليل من الذين عرفوا استغلال الظروف بعد ان كانت اسهمها جميعا قد اكتتب بها كافة الراغبون من الكويتيين فاحتكروا لانفسهم جميع اسهمها واعادوا للكويتيين المكتتبين اوراق المساهمة وكانت تدر عليهم وحدهم من الارباح ما ليس يحصى.

..
 
الغاء الاحتكارات الضارة
لم تعرف الكويت حتى اول عهد المرحوم الشيخ أحمد الجابر الصباح اي نوع من انواع الاحتكارات او الامتيازات التي تحد من حركات التجارة او تقيد مزاولة اي عمل حر. ولكن بعض المرتزقة من اصحاب النفوذ زينوا لأولياء الامور في منتصف عهد المرحوم الشيخ أحمد فتح هذا الباب الموصد غير المعروف على غير اساس صالح، سعيا وراء الحصول على اتاوات سرية توازي عادة حصة الحكومة الرسمية او تزيد، وذلك لقاء ما يبذلونه من معاونة للمحتكرين واصحاب الامتياز وتمكينهم من الفوز بالاحتكارات المتنوعة باثمان وشروط زهيدة تتعارض اصلا ومصلحة الكويتيين.
وكانت اول هذه المحاولات المضرة منح احتكار (صنع مشروب النامليت) لصاحب معمل اجنبي لقاء رسم زهيد يدفعه للحكومة سنويا، الأمر الذي جعل لصاحب الامتياز وحده حق التحكم في الاسعار والاستخفاف بجودة النوع ونظافته، ولكن المجلس التشريعي عندما درس ظروف الحصول على هذا الامتياز قرر بتاريخ 5 رجب 1357 الغاء الامتياز وتنازل عن رسم الحكومة فترك بذلك الباب مفتوحا للمتنافسين والمتزاحمين ترقية لنوع اصناف المشروبات وتطمينا لصالح المستهلكين.
اما الاحتكار الثاني وهو احتكار (المصارين) ولعله من اعجب واغرب انواع الاحتكارات اذ تنص اتفاقيته المعقودة مع السلطة على الزام كافة الجزارين وبائعي المصران بيع كافة ما لديهم منها لمشتر واحد هو صاحب الاحتكار، مهما شح معهم او تحكم في زهد الثمن.. ويكفي معرفة مقدار الغبن النازل بهؤلاء من اضطرارهم بيع كل مصير واحد بآنه واحده او نصف آنه (الآنه الهندية تساوي تقريبا او تقل عن الخمسة فلوس) بينما يبيع المحتكر نفسه على مقاول آخر معه في ارض الكويت بما يترواح بين الاثني عشر والثمانية عشر ضعفا.. فكان لزاما على رجال العهد النيابي انصاف هؤلاء الجزارين الوطنيين الفقراء من تحكم هذا الرجل الغريب ايضا والغاء هذه الاتفاقية المجحفة التي اقر صاحبها انه فاز بها لقاء المخصصات المعروفة، وترك الناس احرارا يبيعون اشياءهم كيفما شاؤوا.
وهناك بعض الامتيازات الاخرى التي فاز بها بعض الكويتيين كاحتكار صنع الثلج لقاء مبلغ سنوي للحكومة وتصدير الرمل خارج الكويت، وقد عرض احد اصحابها محمد الغانم وهو من رجال المعارضة استعداده لالغائهما متى وجد المجلس ان فيهما اي حيف على احد، غير ان المجلس لم ير فيهما شيئا من ذلك فابقاهما.
اما قضية الاحتكار الذي منح لاصحاب (شركة النقل والتنزيل) الاربعة في احوال مريبة فلها قصة يطول شرحها ولكنا نلخصها فيما يأتي (عن رسالة نصف عام للمؤلف):
كانت مهمة النقل والتنزيل للبضائع الواردة بالبواخر عملا مشاعا يحترفه كثير من اصحاب السفن الشراعية المسترزقين، فلما تم التوقيع على امتياز شركة زيت الكويت المحدودة اشير على سمو الأمير ان يمنح مهمة النقل والتنزيل الى شركة قوية منظمة ذات رأس مال كبير يكون في امكانها بالاضافة الى نقل وتنزيل البضائع التجارية التعهد الى شركة الزيت بنقل وتنزيل كافة معدات الشركة ايا كان حجمها وثقلها بسفن ووسائط مأمونة وافية بالمرام، فعرض سموه حقوق هذا الاحتكار (النقل والتنزيل) على الكويتيين جميعا ليؤلفوا شركة واحدة يساهمون فيها كل حسب رغبته وعرضت اسهم هذه الشركة للبيع على الكويتيين وحدهم فاكتتبوا بجميع اسهمها البالغ قيمتها مائة الف ربية (سبعة آلاف دينار ونصف)، بل زاد اقبالهم على الاكتتاب بما يزيد على الضعفين، وانتدبوا عنهم بعض كبار الاغنياء المساهيم لمفاوضة سموه على وضع شروط الاحتكار وتعيين رسم الحكومة. بيد ان بعض الانانيين من الذين اوكل اليهم التفاوض مع السلطة على شروط الامتياز لما تبينوا سهولة تكاليف هذه الشركة وعظم الارباح المتوخاة منها اتفقوا مع طباخي الصفقات الاحتكارية المعلومين وانهوا سرا اتفاقهم مع الملا صالح النافذ الأول المعروف ليسهل لهم شروط الامتياز ويضمن لهم وحدهم امكانية الفوز فيه، ثم انذروا بقية المساهمين بفسخ ارتباطهم وارجعوا عليهم اوراق الاكتتاب بالاسهم قائلين انهم يتركون من شاء كيف شاء ليتقدم ويأخذ الامتياز.
فكانت لعبة سافرة تبرأ منها من المساهمة فيها كل من الشيخ يوسف بن عيسى والحاج محمد ثنيان الغانم وغيرهم وكانوا من اكبر المنتدبين ترفعا منهم عن القبول بمخادعة الناس، ولقد احتمل الكويتيون هذه الضربة البليغة على مضض وبقيت مدى الايام تحز في نفوسهم، ولكن كل من عرف حالة الكويت والكويتيين ذلك الوقت ادرك انهم سكتوا مضطرين ورضخوا للأمر الواقع مغلوبين على أمرهم.
ولقد فاز الابطال الاربعة وهم خالد الزيد الخالد، عبدالرحمن محمد البحر، عبدالمحسن الناصر الخرافي، (الأسم الرابع غير موجود في النسخة الأصلية)، بالتواطؤ مع الملا صالح الملا على اهون وايسر سبيل. فلما جاء دور العهد النيابي وتنفس الكويتيون الصعداء كان لزاما على المتصدرين ارجاع الحقوق لاصحابها. ففي يوم 1 شوال عام 1357هـ رفعت عريضة موقعة من اعيان الكويتيين وكافة طبقاتهم مطالبة بحل (شركة التنزيل والنقل) القائمة، وبعد يومين تناقش أعضاء المجلس التشريعي مناقشة طويلة ارتأى على اثرها بعض المعتدلين اتخاذ حل وسط للتفاهم مع اصحاب الشركة الاربعة بصورة ودية لتخصيص قسم محدود من اسهم الشركة يبقى لهم والباقي يرصد للمشاريع الخيرية. ولقد اظهر ثلاثة منهم استعدادهم لقبول العرض، اما الرابع فقد ابى التنازل عن شئ واستطاع اقناع زملائه بفادة الاصرار على رفض اي تسوية كانت. ولما ابدى سمو الأمير رغبته في التوسط وكان الامل معقودا على قبول وجهة نظر سموه في التوسط حدث ان الحاج عبدالرحمن البحر وكان اكثر اصحاب الشركة ميلا للاتفاق بعث بعد ذلك بكتاب الى احد أعضاء المجلس يبلغه فيه عدوله عن فكرة الاتفاق ورفضه كل موافقة لتعديل عدد الاسهم على اي اساس كان، فاسقط في ايدي المعتدلين ولم يبق بعد هذا الكتاب مجال لهم باقناع زملائهم الآخرين بالانتظار، فاصدروا بالاجماع هذه المرة قرارا يقضي بالغاء امتياز شركة النقل وتأميمها لمصلحة دائرتي الصحة والمعارف محتجين بالظروف والاساليب المريبة التي أُخذ فيها الامتياز، فأكبر عموم الكويتيين هذا العمل النافع والعزم الاصيل من اهله.
اما اصحاب الشركة المنحلة فقد اعيد اليهم جميع اثمان ممتلكاتها ومنشئاتها التي كانت جميعا من صافي الارباح، وصدر قرار المجلس بحرق اوراق الاتفاقية لقطع دابر كل اخذ ورد في هذا الأمر.

في المعارف
سارت المعارف في عهدها الحديث بعد تولي الاساتذة الفلسطينيين امور التدريس سيرا حثيثا اثنى عليه الجميع، ولكن كاد شيطان الجهل حرماننا من كفائة ونشاط بعض هؤلاء المدرسين الغيورين، اذ كانت النية مبيتة على ابعاد هؤلاء، بيد ان نزوغ العهد النيابي درأ عن المعارف تلك الدسيسة الذميمة.
وطرح الأعضاء التشريعيون أمر المعارف على بساط البحث في قاعة المجلس التشريعي فاجمعوا على وجوب توسيع نطاقها والسير بها الى اوج التقدم والنهوض، فقرروا زيادة جلب المدرسين الفلسطينيين الذين برهنوا على دماثة اخلاقهم وحسن سلوكهم ومتانة مبادئهم، فضلا عما يبذلونه من جهد كبير للاصلاح الشامل الصحيح، فازداد بذلك عدد المعلمين الفلسطينيين من اربعة الى ثمانية، وتقرر جلب مدرستين فاضلتين من فلسطين لفتح الصفوف الابتدائية لتعليم الفتيات الكويتيات، فكان ذلك من اجمل مآثر العهد النيابي الميمون، اذ تسنى للفتاة الكويتية لاول مرة ان تشق طريقها الأول الى معرفة الحياة الصحيحة مزودة
 
بفضائل المعرفة والعلم.
كما قرر المجلس التشريعي وجوب ارسال بعثات الى خارج الكويت، فخاطب في ذلك وزارة المعارف العراقية في بغداد ثم مشيخة الازهر بالقاهرة، وتم بعد ذلك قبول خمسة تلاميذ يحملون شهادة الابتدائية الكويتية وتم لهم الانخراط فعلا في سلك طلاب مدرسة المعلمين الريفيين في بغداد، واما مشيخة الازهر فقد قبلت اربعة من الطلاب الكويتيين يدرسون في جامعتها وعلى نفقتها الخاصة.
ولقد ارصد المجلس التشريعي نصف واردات مصلحة النقل والتنزيل المؤممة لحساب دائرة المعارف اذ كان العزم معقودا على زيادة التوسع في نطاقها وترسيخ عمادها حيث كان رجال العهد المسؤولين يرون في هذه المؤسسة مثوى الاماني ورمز الآمال الكبار.

مزيد من الاصلاحات
هذا ولقد دفع رجال المجلس عجلة الاصلاح في الكويت الى جميع المجالات، في دوائر القضاء والامن العام والمالية والجمارك والعمران. ولقد شرحنا كل ذلك عام 1947م بعنوان (نصف عام للحكم النيابي في الكويت) فمن اراد زيادة الاطلاع فليرجع الى رسالتنا تلك.

الماليـــــــة
لم تكن هنالك قبل قيام المجلس التشريعي مالية مستقلة للدولة تنفق على وجوه الاصلاح والخدمات العامة، بيد انه عندما تأسس المجلس التشريعي فاز اعضاؤه من سمو الحاكم بتلك الصلاحية التي تنص المادة الثانية فيها على تخويل المجلس التشريعي حق الاشراف على تنظيم الميزانية العامة وصرفها وفقا لاغراض البلد ومنافعه.
منذ ذلك الحين حدث اكبر انقلاب في تاريخ الكويت، اذ اصبحت للامة مالية مستقلة عن مالية الحاكم تستعمل لمعالجة شئون الاصلاح وتجديد دواوين الحكومة وفقا لما يتطلبه المنهاج المطلوب من التقدم والرقي.
وكان بديهيا ان الاصلاح المطلوب احداثه في شئون الامارة يتطلب ميزانية واسعة واموالا كثيرة قد لا تجود بها موارد الخزينة المحدودة، لا سيما اذا كان معروفا ان الاوضاع والبنايات الحكومية في الكويت بقيت على ما هي عليه دون توسع ولا تجديد منذ عهدها السحيق الأول، فاصبح من الضروروي تجديدها على نسق مقبل يتناسب وذهنية العصر مع ما طرأ على البلاد من تقدم وتوسع في جميع المجالات.
اضف الى ذلك ان الكويت لا تتحمل وضع ضرائب جدبدة او زيادة الضريبة الجمركية القديمة بالنظر الى وضعها الجغرافي الخاص الذي مكنها من الصمود لسهولة تعريفتها الجمركية وخلوها من كافة الضرائب الاخرى المعروفة في البلدان المجاورة، فاذا ما مس هذا الركن الاصيل من يسرها وسهولة التعامل فيها دون قيد ولا شرط بارت تجارتها وهجرها اهلوها.
فعالج المجلسيون الوضع اولا بانشاء (دائرة المالية) للاشراف الدقيق على تنظيم جباية الضرائب والواردات وطرق صرفها كيلا يتمكن المتلاعبون والمرتشون من بعثرتها واللعب فيها، وانيطت رئاسة (دائرة المالية) باحد اعيان الكويت المشهود لهم بالنزاهة وحسن التدبير وهو السيد مشعان الخضير آل خالد والذين عرفوا هذا الرجل من اصدقائه او خصومه يدركون جيدا ان المالية في الكويت فازت بخير الرجال واحرصهم على تنمية مال الخزينة العامة والاقتصاد والتدبير في صرفه ما امكن الحال.
وذلك وقد كانت ميزانية الامارة في عهد المجلس التشريعي هكذا على وجه التقريب:

الواردات العامة لسنة كاملة:


a865863d63.jpg



يقابل ذلك مصروفات ثابتة لسنة كاملة (بالدينار)


b620fe0654.jpg






فيكون المتبقي من الواردات لاعمال الاصلاح والعمران وتشييد وفتح الدوائر الجديدة المقتضية والمصاريف الحكومية الطارئة حوالي الف وسبعمائة دينار لمدة سنة كاملة فقط.
وهناك خمسة وتسعين الف ربية (اي سبعة آلاف ومائة وخمسة وعشرين دينارا) حصة الحكومة السنوية من امتياز شركة نفط الكويت لم يتم استلامها.
تلك هي المشكلة التي كان على أعضاء المجلس التشريعي معالجتها بحكمة ونزاهة دون اللجوء الى فرض الضرائب او الحد من اعمال الاصلاح الضروري التي حرمت منه البلاد فترة طويلة والتي يتلهف الكويتيون جميعا على سرعة انجازها دون اللجوء الى فرض الضرائب.
بدأوا اول ما بدأوا بحرمان انفسهم من تعيين اي راتب لقاء قيامهم باعمال النيابة رأفة منهم بحال الميزانية الضعيفة باستثناء ثلاثة أعضاء منهم كانوا يتقاضون رواتب شهرية لا بصفتهم النيابية وانما لقيامهم بمهام اضافية انيطت بهم خارج نطاق اعمال المجلس.


وقد استنوا في اعمال الاصلاح خطة في غاية الحكمة والاقتصاد وحسن التدبير مع الهمة الزائدة والنشاط المتواصل، واذا تذكر العارفون ما انجز من اعمال كبيرة وتشييد بنايات عديدة وافتتاح ما لا يقل عن عشرة دوائر حكومية جديدة كدائرة المالية ودائرة الشرطة ودائرة الامن والقضاء والجوازات.. الخ، خلال خمسة شهور وبضعة ايام لم يتيسر لهم فيها الحصول على كثير من الواردات الرئيسية من ابواب الميزانية ادركوا اي عمل رائع وجهد كبير كانوا قد انجزوه.
فمن النائب الكبير حتى الموظف الصغير في العهد النيابي كان العمل يجري بهدوء ونشاط وغيرة لانجاز المشاريع المطلوبة بالسرعة اللازمة وبأتفه وأيسر ما يكون من النفقات والاموال، ذلك ان الكل كان يدرك ان المال مال الأمة منها يستمد واليها يؤول، فليتواصوا اذا جميعا على الرفق به والتدبير في صرفه كما يتواصون على اموالهم الخاصة ونعم اجر العاملين.



..
 
المعاكسات والمعاكسون
تولدت بطبيعة الحال منذ قيام المجلس التشريعي في الكويت وسيره على سنن جديدة بايد وآراء جديدة راغبة في العمل منصرفة الى خدمة الوطن بشجاعة منتجة وتجرد من الشهوات والاغراض عدة معاكسات مبعث بعضها الحذر على المصالح القومية عند بعض وعند قوم آخرين الحقد والحسد لعدم نجاحهم في الانتخابات.
وقد اجتمع هؤلاء وهؤلاء جماعة اطلقوا على انفسهم اسم المعارضين وما كانوا من المعارضين المخلصين الصادقين، فقد اختلفت بين فئاتهم المذاهب وتنافرت الاهداف إلا في أمر واحد هو العمل لخلق الشكوك وبث العراقيل لمجرد الهدم والتخريب مهما آلت النتيجة وساء المصير. وفي طليعة هؤلاء جماعة الحاشية وأذناب السلطة وعلى رأس كل ذلك (ملا صالح الملا) الكاتب والوزير الأول الذي تحسرت عنه اسباب النفوذ وتقلصت مراسم السلطة وانقطع عنه دابر الرزق المشين، فحاول المستحيل للحيلولة دون تأسيس او نجاح المجلس النيابي، فلما باءت معاكساته بالفشل انتصب من جديد لبث الدسائس واثارة النعرات القبلية والعنصرية لبلبلة المجلسيين واثارة المشاكل في وجوههم. ولقد كان المجلسيون من قوة الشكيمة وحكمة التجاريب القاسية اصلب من ان تفلهم هذه المناورات الزائفة، واستغلوا من جهل صاحبها وتخبطه في الاكاذيب والدسائس فرصة ضربوه منها في الصميم، حتى جاء اليوم الذي بات فيه الرجل يتمرغ على اعتاب المسئوولين ليشفعوا له برضاء المجلسيين، ثم اذا به اخيرا يلوذ بالهرب من الكويت ليلا لينجوا بنفسه من سخط الشعب وسورة غضبه الرهيب، واليك القصة بالتفصيل:

هروب الملا صالح الملا من الكويت

بعد صدور القانون الأول في صلاحية (مجلس الأمة التشريعي) تفاهم اعضاؤه مع سمو الأمير على استلام كافة المصالح والدوائر التي كان يهيمن على اداراتها والاشراف عليها الجهلة واللصوص من حواشي العهد القديم -تنفيذا للقانون المذكور- وقد ارتأى هؤلاء ضرورة انشاء دوائر لحفظ الامن داخل مدينة الكويت وخارجها في البادية. ولما كان يعوز أفراد هذه المديرية السلاح اللازم وهو مخزون في الاقبية المهملة عرضة للتلف والسرقات المتعددة المشهورة من قبل المؤتمنين عليه انفسهم فاوض المجلسيون أميرهم لاستلام صناديق السلاح المودعة عند الملا صالح او بعضها. ولما كان الملا يدرك ما سيكتشف نتيجة تسليم السلاح من فضيحة في هذا الأمر بسبب السرقات المتعددة اتخذ من هذا الطلب المشروع وسيلة للتشويش حول نوايا المجلسيين ومقاصدهم، مما كان صداه حتى في آذان القنصلية البريطانية في الكويت، فاجتمع القنصل اثر ذلك بسعادة رئيس المجلس وبلغه ان أمر السلاح يهم الحكومة الانكليزية وانها لا ترتاح ان يبقى خارج قبضة حاكم الكويت الفعلية ما لم يوافق المقيم البريطاني في الخليج على ذلك.. ولهذا فانه يود من رئيس المجلس ان يطمئنه في ذلك باعادة السلاح الى مقره الاصلي، فرد عليه رئيس المجلس بمباحثة الأعضاء غدا واقناعهم بالأمر. وقد بعث القنصل ديكوري بعد ذلك رسالة الى سمو أمير الكويت هذه ترجمتها الرسمية (حرصنا على نقل هذه الترجمة الرسمية كما وردت بحروفها رغم الاخطاء اللغوية وغيرها):
(بخصوص العلائق الخارجية فمن المؤكد لم يجر اي تغيير ولا عندي شك ان سموكم قد رتبتم على ان لا يجري شئ يمس بالعلائق المذكورة من قبل اي احد في "المملكة" الا بموافقة سموكم التامة وان سموكم توافقون ان جميع علائق سموكم الخارجية تكون بواسطة صاحب الجلالة ولكني سأكون مسرورا بأن تؤكدون لي ان الامتيازات والضمانات الاجنبية لا تعتبر بدون موافقة سموكم من قبل اي احد في المملكة ولا يوافق عليها نهائيا ويمضيها الا سموكم وان العلائق مع اصحاب الامتيازات والضمانات الاجنبية تبقى وستكون باقية كما في الماضي مع سموكم وبموجب المقاولات. ولا شك انه لم يجر تغييرا في امور الدفاع ولا شك من ان المواد الدفاعية وسلاحكم معا سموكم قد استحصلتوه بواسطة حكومة صاحب الجلالة ومع ما قد ستحصلونه منها في المستقبل يبقى تحت قبضتكم او بقبضة احد منتخب من قبلكم وليس بقبضة اي احد لاي سبب ما لم يوافق عليه فخامة رئيس الخليج "اهـ").
وقد بعث القنصل هذه الرسالة الى مكتب الملا جريا وراء العادة المتبعة سابقا لترفع الى سمو الأمير وبطبيعة الحال فقد سر الملا بهذه الرسالة سرورا كبيرا وخيل اليه ان مكائده قد اثمرت سريعا فلم يتمالك نفسه من فضــــح سرية تلك الرسالة الرسمية وجعل يطنطن في مجلس بها عند جلسائه ومخالطيه ويدلل بها على اندحار المجلسيين وخيبتهم فراجت الشائعات الكثيرة وتقولت في المجلسيين الظنون، وقد حصل في الكويت هرج ومرج سبب جزع المخلصين واستياءهم اذ تبينوا ان مصدر تلك الشائعات وباعثها الأول هو الملا صالح فحنق عليه الناس عموما وقد بيتها له شبابهم. فبينما كان المجلس منعقدا في صباح اليوم التالي وسعادة رئيس المجلس ينتظر من الأعضاء اعطاءه الجواب النهائي عن قضية السلاح لينقله الى القنصل الذي كان معه على موعد في مجلس الأمير ارتفع بغتة الضجيج المتعالي واقبل الشباب المتحمس في شكل مظاهرة امام بناية المجلس هاتفين بحياة سمو الأمير وأعضاء المجلس ومنادين بسقوط الخونة واللئام مطالبين بمقاصصتهم واخذهم بالشدة والحزم المطلوب.
وكانت هذه الظاهرة مفاجئة من الشباب لم يعرف خبرها المجلسيون ولا رئيسهم فقام سعادته وأطل عليهم مهدئا خواطرهم راجيا منهم العودة بالهدوء والسكينة، فانصرفوا بعد ان هتفوا بحياة المجلس التشريعي ورئيسه.
ولقد حانت الفرصة للمجلسيين الذين كانوا في حيرة من أمرهم حتى ذلك الوقت لأن الموافقة على رد السلاح واعادته الى مخازن الملا صالح بهذه الصورة الجبرية على ملأ من الناس فيه خذلان كبير لسمعة المجلس ونصر للملا، كما ان عدم الموافقة على طلب القنصل أمر لا يريد المجلسيون ان يتورطوا فيه فيتعرضوا بذلك الى شكوك الانكليز وسخطهم وهو في اول مرحلة من مراحل الطريق الشاق الطويل للاصلاح الداخلي، خاصة وقد علق بفضل اشاعات الملا وترويجاته في ذهن القنصل ما علق فما العمل اذا؟
تلك كانت حالة المجلس ابان هذه الازمة الطارئة، فلما جاءت مظاهرة الشباب وتعالي سخطهم اوحت الى بعضهم بخاطر سريع اسر به الى السيد علي السيد سليمان الرفاعي سرعان ما تقبله وعرضه همسا على الأعضاء الآخرين وهم يتداولون في خلوتهم دون الرئيس الذي كان جالسا وحده مستندا على كرسي الرئاسة في القاعة الرسمية ينتظر ويستعجل الرد.
تقاطر المجلسيون عندئذ الى القاعة الرسمية والتفوا حول الرئيس على المائدة البيضاوية الشكل وتكلم السيد علي مخاطبا الرئيس بالنيابة عن باقي الأعضاء -باستثناء الشيخ يوسف بن عيسى القناعي الذي كان رأيه التسليم والموافقة على طلب القنصل البريطاني دون اي تردد- قائلا:
"اننا نطالب اولا باقصاء الملا صالح من وظيفته (سكرتارية حاكم الكويت) وهي الوظيفة التي يتحصن فيها الملا ويستغلها على الدوام لعرقلة اعمال الاصلاح واثارة الاوهام والشكوك واحداث القلاقل والفتن وبلبلة الخواطر متخذا من هذا المنصب درعا يقيه القصاص والمحاسبة، وبعد ان يتنحى الملا عن منصبه نتفاهم واياكم في أمر السلاح ولن نختلف معكم في شئ".
ضربة بضربة ولكن اي الضربيتين اقسى واحكم؟ ذلك ما لا يخفى علمه على الفطن اللبيب. اذا كان الملا قد نصب نفسه حتى الآن عدوا للمجلس يثير حول نيات اعضائه الشكوك ويضع العراقيل فهيهات ان تصفو بينهم وبين سمو الحاكم بل وكافة أفراد العائلة الحاكمة العلائق الودية المطلوبة، واذا كان الملا صالح يبيح لنفسه كشف المكاتبات الرسمية السرية للنكاية بالمجلسيين والتشهير بهم فليس هو بالرجل الصالح للبقاء قي هذا المنصب الخطير من بلاط الأمير. اذاً فان فصله عن وظيفته واقصائه عن الاعمال الرسمية مدعاة للطمأنينة وتهدئة للنفوس.
ذلك هو المنطق السوي الذي ركب حجة المجلسيون وقذفوه في وجه الرئيس سهما بسهم، انهوا لنا قضية الملا ونحوه عن طريقنا معكم نتفاهم واياكم بعد على جميع ما تحبون وتشتهون..
 
حاول الرئيس ان يجادل في قضية الملا وان يفرق بينها وبين قضية السلاح للحصول منهم على جواب مقنع يرضى به القنصل، ولكن الأعضاء اصروا على رأيهم وتمسكوا به (لولا الملا صالح وترويجاته الكاذبة لما اعترض احد على حيازة المجلس للسلاح والتشكك في أمره، ولولا الملا صالح لما اتصل في علم الناس حقيقة الرسالة السرية ولكان من السهل عليهم التفاهم بهدوء مع القنصل على اعتماد رجل مختار يثق به سمو الأمير لتسليمه مواد الاسلحة دون ما تفريط بكرامة المجلس واثارة الخواطر). هذا هو الرأي الاخير عند المجلسيين وليس عندهم رأي سواه.
نهض الرئيس يائسا او حائرا فقد كان في طلبه رسول الأمير يدعوه الى موافاته في مجلسه الرسمي لمقابلة القنصل وهو لا يدري كيف يتصرف في الجواب مع حضرته.
- "ماذا صنعتم سعادتكم مع المجلس لاعادة السلاح؟"
- "ان المجلس مستاء يا سعادة القنصل من الملا صالح لانه ينسب اليه جميع الاسباب في اثارة هذه القضية وزرعها في طريقهم لتشويش الاذهان وبلبلة الخواطر، ولذلك فانهم طلبوا مني اقناع الأمير اولا في وجوب تنحية الملا صالح عن قصر الأمير حتى لا تتأثر علائقهم الطيبة مع سموه الى مثل هذه الريب والاكدار، ثم هم بعد ذلك لا يختلفون مع سعادتكم في التفاهم على أمر السلاح بكل طريقة مرضية".
استاء الأمير من هذا الطلب المفاجئ واعاد الرئيس ليعاود المجلسيين رأيهم في هذا الأمر قائلا انه يعدهم بانه سيوقف الملا عند حده ويكفه عن كل ما من شأنه تكدير المجلسيين او الاثارة ضدهم، ولكن المجلسيين قالوا انه لا فائدة من ذلك وانهم لا يحسبون للملا في شخصه اي حساب بيد انه ما دام هذا الرجل الدساس قابعا في القصر ملتصقا بسمو الأمير ومتصلا بمجرى الحوادث الرسمية فهو لا ينسى ابدا حقده على رجال المجلس وسيعمل جهده سرا لاثارة صدر الأمير عليهم في كل فرصة مناسبة كلما رغب هؤلاء بأمر او هموا بمسعى مفيد. واذا فان في اقصائه راحة للبلاد والعباد.
رجع الرئيس يحمل النهائي الى سمو الأمير فما فك معضلة ولا حل مشكلا.
تعصب الأمير ببقاء الملا لانه كان المستشار الوحيد في كافة الشئون، والرجل قد خدم في هذه الوظيفة ما يقارب من ربع قرن كامل فتولد في ذهن سموه استحالة ادارة الشئون العامة من غير الرجوع الى رأي الملا واستشارته، خاصة وان الملا قد احاط اعماله واساليبه من الطلاسم والرموز في مكاتباته واساليبه مما لا يتكهنها المتكهنون. اضف الى هذا ان الملا عندما ادرك قوة اصرار المجلسيين على فصله اسرع الى الأمير وطرح نفسه على قدميه باكيا ومستغيثا بسموه ان يقدر له تلك السنين الطويلة في خدمة آبائه واجداده، فاستدر بذلك عطف الأمير ووعد بالدفاع عنه.
ولكن المجلسيين مصرون على رأيهم في اقصاء الملا خصوصا وقد عرضوا كرامتهم في ذلك على ملأ من الناس، فان فشلوا فستفشل كل جهودهم المقبلة في تقويض اركان الفساد والطغيان، وستزداد قيمة الملا واهميتة في عيون انصاره ومريديه من الذين كانوا يرون في الملا داهية الدواهي في السياسة وتصريف الامور مهما عصفت الرياح واكفهرت الانواء . اذا ليس لهم الا طريق الصمود والاصرار. فصمدوا على مطلبهم واصروا على وجوب قلع الملا. اما القنصل البريطاني فانه رجا الجميع امهاله الى يوم الاثنين القادم ليجتمع الجميع عندهم في دار القنصلية بحجة احلال روح التفاهم بين الطرفين، ولعله اراد بذلك ان يستوحي برقيا رأي المقيم البريطاني الذي مقره ميناء ابوشهر من ساحل ايران على الخايج، ليستنير برأيه ويعمل بأوامره. ولما حان الاجل الموعود اجتمع سمو الأمير وسعادة رئيس المجلس واعضائه في دار القنصلية البريطانية. ولما حاول القنصل التوصل الى تفاهم بين سموه وأعضاء المجلس قال الأعضاء انه ليس من سبب يدعوهم الى التشبت بفصل الملا صالح وتنحيته عن مركزه الملتصق بسمو الأمير الا رغبتهم في تقوية اواصر التفاهم بينهم وبين سموه وان لا تحول دسائس واحقاد رجل اشتهر بكيده لرجال الاصلاح طول عمره عن التعاون بين أعضاء المجلس وأميرهم لخدمة الكويت والكويتيين خدمة سداها الاصلاح ولحمتها التجرد من الاغراض.
وبعد حوار طويل في هذا تبين ان القنصل لا يعنيه بقاء او عدم بقاء الملا صالح في وظيفته وانما الذي يهمه مسألة السلاح. فاستفهم من أعضاء المجلس عن رغائبهم من تشكيل القوة المسلحة بينما ان أمر الدفاع عن الكويت منوط بالحكومة البريطانية، ولذلك فانه يهمه الوقوف على قصد المجلسيين من تأسيس هذه القوة وما هو عدد اعضائها وكيفية تدريبهم؟ فوضح له الأعضاء ان الأمر لا يخرج عن تأسيس دائرة لحفظ الامن الداخلي في المدينة وخارج المدينة بين البادية، وليس كما اشاعوا عن تأسيس قوة للدفاع الخارجي عن الكويت، الأمر الذي لم يفكروا فيه خاصة وان ميزانية الامارة لا يمكن ان تتحمله. فاطمأن القنصل من هذا الجواب واتفق على ان يكون الشيخ عبدالله السالم الصباح ولي العهد ورئيس مجلس الأمة التشريعي هو المشرف الرئيسي على حرز السلاح، وعهد الى صالح عثمان الراشد احد اصدقاء المجلس ان يكون الرئيس المباشر لقوة البادية. وخرج الجميع بهذه النتيجة الحسنة وان لم يكن قد بت نهائيا في أمر الملا. وقد خرج الأمير من الاجتماع دون ان يتفوه بموافقته على فصل الملا، فذهب اليه بعد ذلك الحاج محمد الثنيان الغانم بصفته احد وجهاء الكويت البارزين ليحاوله في قبول وجهة نظر المجلسيين، غير ان الأمير اقنعه بالرجوع اليهم لاقناعهم بالابقاء على الملا صالح في وظيفته الحالية فان لم يقتنعوا فان سموه يتنازل عن الحكم!
بهت المجلسيون لهذه المفاجئة الخطيرة يدلي بها الأمير من اجل الملا، ولكنهم ما لبثوا ان تمالكوا روعهم، فتكلم مشعان الخضير قائلا: "لقد جعل الأمير حفظه الله عموم الكويتيين في كفة والملا صالح المتلبس الدجال في كفة اخرى فرجحت لديه كفة الملا على الجميع. لماذا كل هذه الحمية من اجل الملا وحده؟ الا انه قضى عمره في خداعكم آل الصباح وتلاعبه في شئونكم وشئون رعاياكم حتى اهلك الحرث والنسل؟!".
وقال سليمان العدساني: "ابدا نحن لا يمكننا قبول تنازل أميرنا عن الحكم ولن نقر لنا حاكم سواه، اما قضية الملا فلا سبيل الى اعادة النظر فيها".
وقال ثالث: "من المؤسف ان يعرض الأمير بمنصبه السامي من اجل شخص كالملا بعد ان تكشفت للملأ سرقاته المالية المتعددة وفضائحه التي لا نظير لها، اننا نعز سمو الأمير ونكرمه عن مثل ذلك ولا نقبل ان نسمع منه مثل هذا الرأي".
فرجع محمد الثنيان بعد ان سمع هذه الثورة العاتية من أعضاء المجلس الى قصر الأمير ينقلها اليه. وامسى مساء ذلك اليوم وقد توترت اعصاب الكويتيين جميعا. وقد ضاقوا ذرعا لعدم البت في قضية الملا مما جعل بعض الشباب يفكر بوضع حد لها من ذات نفسه..
غير ان الحاج محمد الثنيان جاء ليلا وهدأ اعصاب الجميع اذ بلغهم انه فهم من سمو الأمير ان الملا صالح رفع اليه الآن استقالته.
وما ان استيقظ الكويتيون صباحا حتى فهموا ان الملا صالح استقل سيارته الخاصة فجرا وفر بها الى الزبير خشية بطش الشباب وسورة غضبهم. وقد فهم بعد ذلك انه ذهب الى دار القنصل يبكي ويستعطف الكابتن ديكوري قنصل بريطانيا في الكويت اذ ذاك كيما يعمل على تثبيته في مركزه. غير ان القنصل افهمه انه لا يتمكن من التدخل في قضية داخلية خارجة عن حدود صلاحيته، فبيت عند ذلك أمره للهرب الى الزبير فجرا ونزل عند آل محمد الصباح. ثم بعد ان رأى استحالة العودة سريعا الى الكويت استكرى له منزلا صغيرا بالاعظمية احدى ضواحي بغداد واكمل مدة غربته فيه.
هذه هي حقيقة الفريق الأول من الناقمين على المجلسيين اعني الملا صالح واعوانه من رجال الحاشية والمتنفذين الذين تقطعت بهم الارزاق وشلت ايديهم عن التلاعب في دوائر الدولة ومواردها كالقضاء والجمارك وغير ذلك من المصالح والمنافع التي كانوا يتقاسمونها جهرا وعلانية دون خوف ولا خجل.



..,
 
لفريق الثاني من الناقمين
وهناك فريق ثان يتزعمه التاجر خالد الزيد الخالد الذي خذل في الانتخابات النيابية فترأس نفر من الاحتكاريين اصحاب شركة النقل والتنزيل التي تحصلوا على امتيازها بالتواطؤ مع الملا صالح فتفردوا بخيراتها وخصوا انفسهم دون سائر الكويتيين ممن ساهموا معهم في الاكتتاب لأسهمها، غير ان هؤلاء بعد ان انهوا صفقتهم سرا مع الملا صالح بما برطلوه من اسهم مجانية ثبت تسجيلهم لها باسمه في صلب دفاتر الشركة القوا باوراق الكويتيين جميعا في اوجههم قائلين للناس هذه اوراقكم دبروا انفسكم بانفسكم، ولكن كيف يكون التدبير وقد ضمن هؤلاء الملا صالح طابخ الصفقات ومنظم الامتيازات الى جانبهم.
لقد حذر خالد الزيد وشركاؤه على مصالحهم فناصبوا المجلسيين العداء وقد صدق حذرهم اذ ان المجلس التشريعي بعد ان درس ملابسات هذا الامتياز وظروفه المريبة وتعذر عليه التفاهم بالحسنى مع اصحابه اضطر الى تأميم هذه الشركة وسماها بـ (مصلحة النقل والتنزيل) وخصص ارباحها لمنفعة المعارف والصحة وحدهما بعد ان عوض اصحابها الأولين اثمان جميع ممتلكاتها التي كانت جميعا من صافي الارباح بحزم. فشحذ هذا العمل الحازم اوار الحقد في نفس خالد الزيد بالدرجة الأولى ثم شركائه، فكرسوا انفسهم وجهودهم لمعاكسة المجلسيين ومحاولة اثارة الرأي العام ضدهم بالكلمات والدعايات المنمقة، من ذلك ترويج فكرة المطالبة بسن دستور الكويت وتحديد صلاحية المجلس رغم ان وثيقة صلاحية المجلس قد بت فيها ووقعها حاكم الكويت اول ما وقع.
وصحيح ان تلك الوثيقة التاريخية الخطيرة اقتصر فيها على ذكر صلاحية المجلس التشريعي وحدها بسبب الظروف العاجلة التي احاطت بأعضاء المجلس ابان قيامه، الا ان المروجين الآن لسن دستور كامل يحدد الصلاحيات ويصون حقوق الشعب في جميع النواحي كانوا ينادون بكلمة حق اريد بها باطل، لان هؤلاء كانوا في ماضيهم وحاضرهم انأى الناس عن الاخلاص للشعب او المطالبة بحقوقه، ولكنهم كانوا يرمون المجلس من وراء سن الدستور في هذا الوقت المتأزم احداث ازمة اما بين المجلسيين والأمير او بين المجلس والانكليز يذكون اوراقها ويستغلون حصادها وغايتهم هدم المجلس ومن فيه.
ذلك هو المأرب الأول والاخير من هذه المناورات الاثيمة. ولما كان جمهور الكويتيين خبيرا من التجارب الماضية باسرار هذه النفسيات النفعية والمخاتلة ومدركا انها انأى ما تكون عن السعي لصالح الشعب والاخلاص له فقد قابل جميع تلك الدعايات المنمقة بالسخط والنفور وصاح شبابهم قائلين: "ان في ضمائر نوابنا خير ضمان للدستور الكامل والعدالة المطلقة". وكوفئ صاحب هذه الترويجات من الشباب المتحمس بنبشهم للملأ صحيفته المنطوية على الجشع والمطامع المادية، بواسطة مناشير وزعها الشباب في جميع ارجاء الكويت وساحاتها. ولما يئس الرجل من التمويه على جمهور الكويتيين بهذه الاساليب المفضوحة جعل يحرض أفراد العائلة الحاكمة وسمو الأمير على المجلسيين بشتى الاقاويل والاكاذيب.

الفريق الثالث
ذلك هو النوع الآخر من فريق الناقمين واساليبه ووسائله. اما الفريق الثالث منهم فلا يقلون اثرا وأهمية عن سواهم، بضعة أفراد كان لهم في تاريخ الكويت اثرا محمودا من المؤازرة والمساهمة في المناداة للاعمال والمشاريع الوطنية، ولكنهم بعد ان سقطوا في الانتخابات لدخول المجلس وقفوا ذلك الموقف من اخوانهم المجلسيين رغم ان هؤلاء لا يد لهم في سقوطهم فقد دعوهم كغيرهم الى جلسة الانتخابات واشتركوا فيها بانفسهم راضين غير مكرهين وساهموا في اللجنة التي اشرفت على الانتخابات وفرز الاصوات مؤملين بالفوز فيها، غير ان الرأي العام الكويتي كان غير مرتاح الى كل من له علاقة موطدة مع الملا صالح فنقم عليهم لعلاقتهم المتينة معه والتي كان بعضهم مضطرا عليها مداراة لاعماله ومصالحه الكبيرة في وقت كان فيه الملا صاحب الأمر والنهي في البلاد فصدف الناس عنهم لهذا السبب وحده وسقطوا في الانتخابات، فحفزهم ذلك السقوط على الحقد والكيد لاخوانهم الذين نجحوا، فجعلوا يناهضونهم منذ اليوم الأول من التئام المجلس التشريعي كما اشرنا الى ذلك عند الكلام على الانتخابات النيابية واندفعوا في ذلك الى معاكسة كافة اعمال المجلس ومشاريعه الاصلاحية بل والتآمر مع المتآمرين على هدم المجلس رغم ما اكتسبه للامة من حقوق تعود منفعتها وخيراتها الى كافة الكويتيين.
اما اساليب هذا الفريق الناقم وفي طليعته ثنيان ثنيان الغانم ومحمد أحمد الغانم ويوسف عبدالوهاب العدساني فلا تقل شططا واندفاعا عن سواهم من الناقمين والهدامين وان كانت تتسم في ظاهرها بطابع المجاملة للرأي العام ويجرون فيها بشئ من الكياسة ومداراة السمعة، ولكنهم بالرغم من كل ذلك لم يصادفوا اي نجاح في صفوف الكويتيين فارتبطوا كما ارتبط الذين قبلهم برجال القصر لتحريض الاسرة الحاكمة على المجلس بحجة منافسته لهم في الحكم والنفوذ. وقد كان هذا هو الوتر الحساس الذي يصلح للنقر عليه، خاصة وان أفراد العائلة الحاكمة لم يألفوا قيام مجالس نيابية كانت تصور لهم بانها افتئات على الحكم تحد للسلطان (لم يذكر التاريخ في الجزيرة العربية قبل قيام مجلس الأمة التشريعي أي اثر للحياة النيابية). وقد انضم الى المعارضين عضو المجلس يوسف مرزوق المرزوق في آخر الأمر بعد حادث
 
انفصاله (كان يوسف المرزوق شخصية وطنية غريبة الاطوار متقلب الاحوال وكان ذا مزاج عصبي سريع الغضب والاندفاع حتى في الامور التي لم يتبين مدى صحتها فاستغل المستغلون هذه الظاهرة فيه فجاؤوا يستفزونه ضد مظاهرة قيل ان شباب "الكتلة الوطنية" ينتوون القيام بها غدا للهجوم على مكتب عبدالله نجل الملا صالح المعروف ولما كان عبدالله المذكور زوج ابنة اخت يوسف ثار يوسف وهاج وابرق وارعد دون ان يتأكد من صحة الزعم او يراجع بقية أعضاء المجلس لتلافي تلك المظاهرة المنتظرة، بل انه في فجر اليوم الموعود احضر سيارته الخاصة مشحونة بالسلاح لحراسة مكتب الملا ثم اخذ يتحرك في السوق طولا وعرضا يمطر الشباب غير الموجود بتهديده ووعيده ولم يخل كلامه من غمز بعض أعضاء المجلس لانهم كما يرى يتهاونون في ردع الشباب وزجره، فساء هذا الشذوذ والتصرف الفاحش أعضاء المجلس وقرروا في جلسة صاخبة حضرها يوسف المرزوق نفسه فصله من المجلس ومصادرة السلاح الذي جلبه لقمع تلك المظاهرة التي لم يدر حتى الشباب من أمرها شيئا) من المجلس فاندفاعه بغير حد الى معاكسة اعمال المجلس الذي تعاون هو وزملائه على تشييده بدافع السخط والانتقام، فكان لخروج يوسف المرزوق من المجلس وانضمامه الى صفوف الناقمين دفعة واحدة اثرا واضحا في تدعيم صفوف المعارضة وتجديد عزائمها (روي عن يوسف المرزوق انه بعد فصله قص على صاحب السمو الأمير وبقية أفراد العائلة ان المجلسيين وقد كان يوسف منهم ينوون الغاء رواتبهم جميعا وروي انه قال اكثر من ذلك . كما انه ذهب الى مدير شركة الزيوت المستر سكوت يقوده عبدالله نجل الملا صالح الذي كان حسب اتفاقية النفط يمثل سمو حاكم الكويت لدى الشركة وهناك اقسم يوسف لمستر اسكوت ان المجلس ينوي الغاء امتياز شركة النفط جريا وراء عادته في الغاء الامتيازات السابقة وبالطبع فقد كان لكلام يوسف المرزوق هذا اثرا سيئا عند العائلة الحاكمة من ناحية وعند الانكليز من ناحية اخرى، لا سيما وان يوسف كان عضوا سابقا في المجلس يعرف نوايا الأعضاء ويعلم اسرارهم رغم ان شيئا من هذا الذي قاله يوسف لم يكن صحيحا ابدا ولم يفكر به المجلسيون اطلاقا ولكنها سورة الحقد والغضب والتهور التي اشتهر بها يوسف في جميع ادوار حياته رحمه الله).
تلك هي حقيقة أمر الجماعة التي اطلقت على نفسها بالمعارضة والتي دئبت فقط على معاكسة اعمال المجلس منذ اليوم الأول من تشكيله، ولكنهم جميعا لم يستطيعوا التأثير على الرأي العام الواعي لمفارقة اهدافه لاهدافهم فسخر منهم ونأي عنهم لانهم سخروا انفسهم آلات صماء استغلها المستغلون في الجانب الآخر حتى اذا قضى منهم الوطر وبلغ المأرب سخر منهم ونبذهم مع المنبوذين.

الانكليز والمجلس
كان القنصل البريطاني الكابتن ديكوري يتصور ان الكويتيين ليس فيهم من يملك زمام الرأي او يحسن التصرف في الامور ولذلك فان الأعضاء الذين سيجيئون الى المجلس النيابي لن يستغنوا عن مشورته والتصرف حسب هواه فهم ابدا مضطرون الى النزول عند ارادته والانصياع لحكمه، بيد ان تلك الصلاحية الأولى التي فاز بها المجلسيون من براثن الاسد ثاني يوم جلوسهم على كراسي المجلس التشريعي في صلاحية مجلس الأمة كشفت للقنصل عن حقيقة ما كان ليفهمها من قبل عن طريق استخباراته ورجال مكتبه فادرك عندئذ انه امام رجال اشداء يحسن به ان لا يستخف بأمرهم او يستهونهم. ثم لما بدت له تلك الروح الاستقلالية من جانب المجلسيين وحرصهم على السير بشئون الكويت سيرا مستقلا نزيها حازما لا تردد فيه ولا وجل بدأ يتحفظ معهم ويحذر جانبهم فأخذ يتحوط لنفسه ويبالغ في تأكيده لحقوق الحكومة الانكليزية المكتسبة في الكويت تارة بالاقوال واخرى بالرسائل الرسمية المتكررة التي يعنونها باسم صاحب السمو حاكم الكويت، ومن ذلك تلك الرسالة الأولى التي اكد فيها على حقوق الحكومة الانكليزية في معالجة الامور الخارجية والدفاعية لامارة الكويت واليك نصها:
الى حضرة حميد الشيم صاحب السمو السر أحمد الجابر الصباح المحترم
كي . سي . أس . آي حاكم الكويت

بعد التحية والاحترام
قد اوعزت الي حكومة صاحب الجلالة ان اخبر سموكم ان قد بلغهم بعين الرضى عن تأسيسكم المجلس. وقد علموا ان باتخاذكم هذه الخطة التي يؤملون ان تتقدم بها اهم مصالح الكويت سموكم كنتم متحمسين برغبة لاشراك ممثلي شعبكم بادارة احكام سموكم.
2- حكومة صاحب الجلالة واثقة على الاستمرار في المستقبل كما كان في الماضي للعلائق الحسنة التي كانت مستمرة لتلك المدة الطويلة بينهم وبين حاكم الكويت ولا شك بعدم حدوث اي تغيير بالترتيبات الحالية التي بمقتضاها حكومة صاحب الجلالة تدير شئون الكويت الخارجية.
5 اكتوبر 1938
المقيم السياسي في خليج فارس

وقد تصرف المجلس التشريعي تصرفا حسنا في الجواب على تلك الرسالة الرسمية دون ان يعرض نفسه لارتياب الانكليز وهو في بداية أمره كما تقضي بذلك الحكمة مع عدم تسليمه شفويا بالحقوق التي ورد ذكرها برسالة المقيم البريطاني في ممارسة الشئون الخارجية قبل ان يتيسر له الوقوف على أمر المعاهدات او الاتفاقات الرسمية المكتوبة التي عارض القنصل في السماح للأمير باطلاع المجلس عليها بحجة انها كانت سرية. وهذا هو نص الجواب الذي حرر من قبل أعضاء الديوان الأميري ووقعه سموه:

حضرة صاحب الفخامة المقيم السياسي في الخليج
بعد التحية والاحترام

سرني كتابك المرقم س/731 المؤرخ 5 اكتوبر 1938 المتضمن ايعاز حكومة صاحب الجلالة البريطانية لكم لتبليغها من ارتياحها من تأسيسنا مجلس الأمة التشريعي واقتناعها بان اتخاذ مثل هذه الخطة سوف تكون لها نتائجها المحسوسة في تقدم اهم مصالح الكويت .

(1) اني اشكر لحكومة صاحب الجلالة البريطانية تقديرها واستحسانها عن رغبتي الاكيدة التي نفذتها في تأسيس هذا المجلس بعد ان احسست من شعبي رغبة واستعدادا قويين لادارة شئون البلاد وتحمل جميع مسؤولياتها .

(2) كما اني اؤكد لحكومة صالحب الجلالة البريطانية ثقتها بان العلائق الحسنة المستمرة فيما بيننا كل تلك المدة الطويلة ستبقى في المستقبل -كما كانت في الماضي- مصونة في حدود كافة الاتفاقات والمعاهدات المبرمة مني او من حكام الكويت السالفين.

هذا وتقبلوا فائق الاحترام
11 اكتوبر 1938
17 شعبان 1357

حاكم الكويت

.
 
وقد كان القنصل قد ابلغ أعضاء المجلس بدء قيامه انه لا يستطيع التراسل معهم التراسل معهم مباشرة في الشئون الرسمية التي تجري بين حكومته وامارة الكويت، واقترح عليهم انتداب عضوين منهم ليكونا واسطة نقل الاتصال الرسمي الذي يتم بينه وبين سمو الأمير الى أعضاء المجلس. وقد وافق المجلسيون على ذلك وانتدبوا منهم العضوين سليمان العدساني ومشاري الحسن البدر لهذه المهمة وليقوما ايضا بمهمة رئاسة الديوان الأميري في الشئون الرسمية وحدها بقصر السيف المقر الرسمي لحاكم الكويت بالنظر لتفرغهما ومعرفتهما بهذه الامور.
وذات يوم التقى بي السكرتير الشرقي للقنصل البريطاني وحدثني قائلا: "ان القنصل عاتب بعض الشئ على أعضاء المجلس لانهم يبتون في بعض الامور التي قد تتصل بالشئون الخارجية دون الرجوع الى اخذ رأيه او تبليغه على الاقل، من ذلك انه بلغه انهم قرروا جلب مفوض شرطة عراقي لتدريب أفراد الشرطة في الكويت كما انهم كاتبوا وزير المعارف العراقي لقبول بعثة من تلاميذ المدارس الكويتية في مدارس العراق وعلى نفقة الحكومة العراقية، بينما امثال هذه الامور تدخل في الشئون الخارجية التي لا يمكن معالجتها بغير توسط الحكومة البريطانية، ولكن حيث ان هذه القضايا عادية وانها من اجل العلم فان القنصل غير مهتم جديا بها، ولهذا فقد أمرني ان اخاطبك انت بها شفاها لانه لا يرغب ان يجعل منها قضية رسمية".
فقلت للكاتب: "ان شاء القنصل فاني ارفع لأعضاء المجلس هذا الأمر وابلغكم بالجواب".
قال الكاتب: "لا حاجة لذلك فان القنصل لم يقصد سوى التنبيه وانه يقول انه كان يتمنى على أعضاء المجلس ولو من باب المجاملة ان يحيطوه مقدما بامثال هذه الامور كيلا يتأأأتى سوء فهم في غير محله".
فأجبته قائلا: "ان الذي اعلمه ان أعضاء المجلس لم يقرروا او يفكروا بجلب مفوض شرطة من العراق لتدريب أفراد الشرطة الكويتيين وقد يكون هذا الزعم دسيسة دست على سعادة القنصل لاثارة شكوكه وارتيابه لتعكير صفو التفاهم بين الجانبين. كما ان أعضاء المجلس لم يكونوا يتصورون ان الاتصال بوزارة المعارف في العراق أو مشيخة الازهر بمصر يسبب جزع القنصل او يمس بمهمته اذ قد سبق لرجال معارف الكويت في عهد قريب مضى ان خاطبوا وزارة الاوقاف العراقية لقبول بعثة من تلاميذ في كلية الامام الاعظم في بغداد وكنت انا احد أفراد تلك البعثة، وقد تبودلت عدة رسائل مع وزارة الاوقاف العراقية كون ان يسبب ذلك جزع القنصل البريطاني الموجود او اعتراضه، هذا بالاضافة الى ان أعضاء المجلس ليسوا مطلعين على الاتفاقيات والمكاتبات القائمة بين أمراء الكويت والحكومة الانكليزية حتى يتسنى لهم التمييز بما يسئ وما لا يسئ الى حقوق الانكليز لانهم حرموا من ذلك من قبل سمو الأمير بحجة معارضة سعادة القنصل نفسه وانهم يكونون ممتنين لو وضحت لهم حقيقة تلك الاتفاقيات كيلا يحدث منهم بحسن نية ما لا يرغبون في حدوثه..".
وذهب الكاتب مقتنعا من قولي ليقنع القنصل فيه بينما وافق أعضاء المجلس على جميع اجوبتي ولكنهم قرروا تكليف العضوين عبدالله حمد الصقر وسليمان خالد العدساني بزيارة القنصل اسبوعيا او كل اسبوعين مرة واحدة من باب المجاملة ولتوضيح حسن نوايا المجلسيين.
 
وحدث ذات مرة ان القنصل نبه ذينك العضوين في احدى الزيارات الخاصة انه لا يحسن بالمجلس ان يكاتب مباشرة شركة نفط الكويت (وهي شركة انكليزية أمريكية وصاحبة اكبر امتياز للنفط في الكويت) وطلب حصر التخاطب معها بسمو الأمير نفسه.. فاستغرب المجلس هذا الرأي تجاه شركة تجارية محضة حكمها كحكم الشركات الاجنبية الاخرى الموجودة في الكويت، بينما ليس من المتبع ان يمارس الحاكم شخصيا حتى الامور العادية التي تتكرر مرارا، اما في الامور الجوهرية فاقروا انه لا يمكن التصرف بها دون معرفة الأمير وقالوا ان الرأي الذي اشار اليه القنصل يعطي الشركة صفة حكومة اجنبية داخل اراضي الكويت لا يجوز التخاطب معها الا بواسطة الرأس الاعلى في البلاد وهو بحكم التقاليد لا يمكن مباشرة اي عمل الا بواسطة المسؤولين.
وبقيت هذه المسألة بغير حل الى ان وصل المقيم البريطاني الى الكويت واجتمع مع فريق من أعضاء المجلس واتفق واياهم ان يستمر عبدالله الملا صالح ممثل سمو حاكم الكويت لدى شركة نفط الكويت على التكاتب معها ويرسل للمجلس صورا من تلك الرسائل المتبادلة ومتى رأى المجلس وجهة نظر معينة أوعز الى المذكور ان يكتب بها الى الشركة كما يرون، وانتهى الأمر بسلام.
ان توحش مدير شركة نفط الكويت الانكليزي المستر سكوت من حزم وعزم أعضاء المجلس الذين جدوا في الغاء كثير من الامتيازات والاحتكارات الضارة التي منحت في العهد الغابر بالطرق المشبوهة المعروفة فخشى ان يأتي دور امتياز شركة النفط الذي أُخذ ايضا بطرق واساليب ارغامية معروفة. وقد تكاثر هذا الوهم لديه من دسائس عبدالله الملا صالح والكولونل داكسن قنصل بريطانيا الاسبق في الكويت والذي اصبح ممثل شركة الزيت تجاه حاكم الكويت، اما الأول فلأنه كان يخشى ان يحرمه المجلسيون من مركزه الخطير (ممثل سمو حاكم الكويت لدى شركة نفط الكويت) كما حرموا اباه من وظيفته من قبل، واما الثاني فلكونه يكره المجلسيين منذ قيامهم لانهم جردوا وظيفته من ميزتها الممتازة في عهدهم حيث اصبح المجلس هو المسير الحقيقي لكافة الشئون التي تتصل باعمال الشركة. وقد استطاع هذان الممثلان بالتكرار والمبالغات الكثيرة ان يسمما افكار المستر سكوت تجاه نوايا المجلسيين ومقاصدهم مما حدى به الى الذهاب مرارا الى القنصل وطرح تلك الشكوك وتجسيمها امامه مما اضطر القنصل الى مصارحة عضوي المجلس بمخاوف سكوت وشكوكه، فأكد له ذينك العضوين عدم وجود شئ من تلك النوايا حول الغاء امتياز شركة النفط وشرحا له ان هذه الوساوس تتسرب الى نفس المستر سكوت من الرجال الذين يتصلون به ولا تخفى اغراضهم ضد المجلس. وقد اطمأن القنصل في بداية الأمر الى تأكيدهم ولكن مع التكرار ثم ادعاءات يوسف المرزوق الذي ورد ذكر فصله من المجلس وقد جعل القنصل شيئا فشيئا يحاذر من المجلسيين لا سيما وقد رأى من اقدامهم وجرأتهم في امور الاصلاح ما يوحي بالحذر فخشي ان يأتي يوم ويفاجئه المجلسيون بما ليس في الحسبان فتفشل سياسته وتسوء سمعته تجاه حكومته التي اخذت بنصحه وعملت برأيه في تأييدها مطلب الوطنيين بمشاركة الكويتيين في ادارة شئون امارتهم . زد على ذلك انه لم يجد ما يتوقعه من أعضاء المجلس من الخضوع والرجوع اليه في المشاريع والاعمال الاصلاحية التي يسنونها بجرأة وصلابة فيئس منهم ثم عمد الى الحيلة لتحديد نفوذ المجلسيين وصد تيارهم فبدأ يتقرب من الأمير ويكثر من التردد عليه -بعد ان كان يقلل من ذلك- ليحرك من ساكنه ويثير من همته ليوجد لنفسه كفة توازن بين الجانبين اذا رجح نفوذ احدها ما الى الآخر فتكون له بذلك الكلمة النافذة والرأي المسموع (وبلغني ان القصر ايضا او من فيه جعلوا يتقربون من القنصل وقدموا له بعض الهدايا عقد من اللؤلؤ وغير ذلك).
اما أعضاء المجلس فقد كانت خطتهم ترمي الى التفاهم التام مع الأمير واكتساب وده ما امكنهم ذلك لانه لا خطر بعد التفاهم واياه على المصالح الجوهرية الكويتية، اما القنصل فكانوا يظنون انه لن يعترض سبيلهم في الاصلاح ما داموا بعيدين عن التفكير بالاحتكاك بالمصالح البريطانية لا سيما التعرض لامتياز شركة النفط. غير ان الواقع خطأ تقديرهم. فالقنصل بالاضافة الى الشكوك التي زرعها المغرضون والحاقدون في نفسه فانه يسيئه ان يغفله المجلسيون من حسابهم وعدم مراجعتهم له حتى في الشئون الاصلاحية المحلية، واذا فمن حقه ان يغضب لعدم مراجعة المجلسيين له بمكاتبتهم وزارة معارف العراق ثم مشيخة الازهر بشأن قبول التلامذة الكويتيين وهو من حقه ان يغضب لجلب المجلسيين مهندسا معماريا من العراق لاستشارته في وضع تصميم للمستشفى الأميري المنوى اشادته في شرقي مدينة الكويت وبعض البنايات الحكومية المستجدة دون الرجوع الى اخذ رأيه مقدما كما ان من حقه ان يغضب لاتخاذ المجلس بعض القرارات الشديدة لتوقيف تيارات الهجرة الايرانية الماحقة قبل ان يسألوه رأيه فيها، كل ذلك وغيره في نظره مما يمس من قريب او بعيد في الشئون الخارجية التي من اختصاص حكومته التمرس فيها.
اما المجلسيون فقد كانت وجهة نظرهم ترمي الى صيانة الشئون الداخلية للامارة من التدخل الاجنبي الذي يؤول حتما في آخر الأمر الى السيطرة التامة وحرمان الوطنيين من ادارة شئونهم الذاتية طبقا لميولهم ومنافع قومهم، فالتساهل مثلا في أمر المعارف واختيار المعلمين وارسال البعثات الى المدارس الخارجية بغير تدبير الكويتيين واختيار المعلمين وارسال البعثات الى المدارس الاستعمارية، كما حدث ذلك في مصر والبحرين وغيرهما. اما انتخاب الرجال الفنيين من قبل السلطة الاجنبية فمعناه جلبهم من الانكليز والهنود الذين لا يتحركون الا طبقا لما توحيه لهم السلطة التي جلبتهم فضلا عما تكلفه رواتبهم ومخصصاتهم الضخمة من تكاليف تنوء بها مرافق الامارة الضئيلة.
تلك كانت وجهة نظر المجلسيين ومبلغ حرصهم على الامانة التي اؤتمنوا، لن نتعرض للانكليز ولا لمصالحهم المكتسبة في حدود المكاتبات والاتفاقيات المبرمة ولكننا لا نرى لزاما علينا الرجوع الى رأي القنصل واستشارته في الشئون الخاصة التي تتصل بامورنا واحوالنا الداخلية خاصة وقد كان يكرر على الكويتيين القول حتى من جانب كبار المسؤولين الانكليز "ان الكويتيين مستقلون تمام الاستقلال في امورهم الذاتية".


..
 
وقد جاءني ذات يوم احد الشباب المتحمسين وسألني وهو يرتجف غضب: "ما بالكم وكل هذا التردد والتخوف في مواجهة الأمير وقد بدى منه ما بدى في التمنع والتلكأ في توقيع القوانين؟"، قلت: "ان أعضاء المجلس يا صاحبى بين أمرين، اما التفاهم مع الأمير ومداراته في الشئون التي لا تمس جوهر الاصلاح فيسلموا على بلادهم وكيانهم من تدخل الانكليز الذين لا سبيل لهم اليه ما دام الراعي والرعية على وفاق، او التفاهم التام مع الانكليز ولو ضيعوا في ذلك استقلالكم وكيانكم، وعندها يسلمون على انفسهم وكراسيهم الى ابد الآبدين، وقد اختار المجلسيون التفاهم مع أميرهم فان وفقوا في ذلك وفقنا جميعا الى ما فيه سعادة الكويت واهلها اما اذا فشلوا فقد برئوا ضمائرهم وأدوا الامانة التي في اعناقهم وحسبكم منهم ذلك".
ذلك هو المنهج الذي اختاره أعضاء مجلس الأمة في بداية أمرهم وقد عملوا كل جهد من جانبهم للتفاهم مع الأمير على تقدم شئون بلادهم والسير بها حثيثا في مضمار الاصلاح والرقي ولكن سموه جاملهم في بداية الأمر مسايرة للظروف ولكنه كان يكن في نفسه ما يكن ولا سيما وقد كان يصور اليه ان قيام المجلس وهيمنته على شئون الادارات مساً لكرامته ومزاحمة لسلطانه ناهيك بالشئون المالية التي كانت فيما مضى ملكا لفرد واحد يتصرف بها كيفما يشاء. هذا بالاضافة الى ان سمو الأمير كان في نفسه ما فيها من اثر كامن ضد مواقف بعض أعضاء المجلس ممن كانوا أعضاء في مجالس البلديات ومجالس المعارف السابقة التي فصلنا شرحها فيما مضى.
كل ذلك كان يعتلج في نفس سموه طوال ايام المجلس ويثيره ويستفزه فيه رجال السوء الذين تخربت اعمالهم المريبة في العهد النيابي النزيه. حتى اذا واتت الفرصة وبدأ القنصل يتبرم من المجلسيين ويتقرب من سموه برز تدريجيا الاثر القديم الكامن فبدأ يتلكأ اولا في الموافقة على مقترحات المجلسيين وينتقد تصرفاتهم ثم جعل يتعنت معهم في الامور ويمتنع عن التوقيع على القوانين العادية دونما سبب ولا تعليل ففشلت سياسة المجلسيين التي استهدفوها لصالح الكويت وسعادة ابنائه. وان مسؤولية ذلك لتقع اولا وبالذات على اولئك الذين كانوا لا يعرفون من حقوق الوطن الا التشبت بتحقيق نوازعهم واغراضهم الخاصة مما لم تخف خافيتهم على الكويتيين.
وبينما كانت الامور تجري على هذا المنوال شجرت فتنة بين شاب (هو منصور موسى المزيدي) من مناصري المجلس وشاب آخر احسائيا جعفريا اشتهر بدسائسه الكثيرة ضد المجلسيين لانه كان شريكا لعبدالله في بعض المصالح المادية العديدة فاتخذ هذا الشاب الجعفري من المشاجرة الشخصية التي وقعت بينه وبين الشاب السني وسيلة لتحريض بني مذهبه ضد المجلسيين وجعل يتباكى على عادته المعروفة عند الجعفرية من الايرانيين والاحسائيين المستوطنين قديما في الكويت مدعيا ان اعتداء وقع عليه بسبب مذهبه، وقد صادف هذا التحريض الباطل هوى في نفوس الايرانيين الذين طغت عليهم نفحة القومية العربية في عهد المجلس وحمسهم المهيجون فتوافدوا الى الحسينية كيما يجمعوا أمرهم على رأي ويطالبوا بحقوقهم المهضومة حسب زعمهم. اما الاحسائيون وهم الجماعة الذين ينتمي اليهم الشاب الجعفري فقد تبينوا حقيقة المشاجرة التي حصلت ولم يجدوا فيها وجهاً للتعصب المذهبي المزعوم كما انهم كانوا يعلمون حقيقة الشاب المذكور وصلاته بعبدالله الملا صالح فتبرأوا من تلك الحركة الانتهازية التي اريد لهم التورط فيها لا سيما وقد كانوا يدركون مكانتهم المحمودة عند باقي اخوانهم الكويتيين اذ كانوا من العرب الاقحاح.
اما الايرانيين فركبوا شيطان العنصرية وعلت اصواتهم بالهتافات والتصفيق داخل الحسينية لخطبائهم الذين كانوا يحرضونهم على المظاهرات والاضراب، واخيراً حرر احد علمائهم المعروف كتابا الى المجلس التشريعي يتضمن مطالبة هؤلاء بتخصيص بعض المقاعد لهم في مجلسي البلدية والمجلس التشريعي كما طالبوا مساواتهم بالوظائف الحكومية جميعها، وكانت هذه اول بادرة من بوادر الحذر التي يخشاها الكويتيون من استفحال أمر الهجرة الايرانية الى الكويت، وقد عرف من نية هؤلاء انهم يبيتون القيام بمظاهرة كبيرة واضراب شامل ما لم ينالوا كافة مطالبهم.
لكن المجلسيون غضبوا لهذا الاستغلال الشائن بدافع النعرة العنصرية وتناسي هؤلاء عاطفة الاخوة الاسلامية وحقوق البلاد التي آوتهم فآمنتهم من خوف واطعمتهم بعد جوع وادركوا ان التساهل مع هؤلاء واكثرهم من الحمالين والغوغاء قد يؤدي الى نشوب (..) عنصرية تكون لها نتائجها البعيدة في تاريخ الكويت لذلك اجمعوا أمرهم الى اهمال الكتاب المذكور واصدروا أمرهم الى بعض رجال القوة بالطوفان في الشوارع بالسيارات المسلحة لارهاب من تحدثهم انفسهم بالقيام بالمظاهرات والاعمال العدائية بينما ذهب فريق من أعضاء المجلس الى العالم الديني الذي تطوع بعرض تلك المطالب يناقشونه في رأيه وأمر تلك المطالب التي عرضها اذ كان يدرك ان الايرانيين القدماء في الكويت قد دعوا كسائر الكويتيين الى الانتخابات والتصويت فيها فلم يعترض احد منهم في شئ لا قبل الانتخابات ولا بعدها، فماله اليوم يخرج من صفته الدينية للولوج في مثل هذه الامور التي قد تجر الى تفرقة وبلايا ليس من صفة اهل الدين التورط فيها؟
غير ان العالم المذكور وقد ادرك لهجة الجد اعتذر متنصلا من الحركة وقال انه انما طلب اليه ان يعبر بكتابه عن رغبة المجتمعين المحتشدين في الحسينية فقط وليس له من رأي خاص في هذا الأمر. اما المهيجون فقد انكمشوا في اماكنهم لما شاهدوه من حزم سريع واعتذر بعضهم بينما زعم آخرون انهم انما زج بهم في هذه الحركة بايعازات خارجية معروفة.
وقد طاف بعد ذلك خدم القنصلية البريطانية وكانوا جميعا من الايرانيين على جماعتهم يرغبونهم بالتجنس بالجنسية (الانكليزية الهندية) طالبين منهم رفع عرائض اجماعية الى دار القنصلية في الكويت. وقد فهم الناس ان هؤلاء الخدم لا يمكن لهم القيام بمثل هذا العمل لو لم يكونوا بطبيعة الحال مدفوعين الى ذلك من القنصل نفسه وهو الذي كان يعتمد عليهم ويصغي الى كثير من تقولاتهم ضد المجلسيين، وتهافتت العرائض بعد ذلك الى دار القنصلية البريطانية بالمئات فالالوف من هؤلاء الايرانيين طالبة التجنس بتلك الجنسية التي قيل لهم عنها انها تمكنهم من نيل كثير من الامتيازات في المعاملات التجارية والحقوقية في الكويت.
ولما كان في تجنس هؤلاء جميعا وهم يبلغون ما يوازي ثلث سكان الكويت بجنسية واحدة (هي الجنسية الهندية الانكليزية) خطر عظيم على كيان الكويت والكويتيين خاصة وان تلك الجنسية تمثل الحكومة ذات النفوذ الفعلي في الكويت، فقد اثار ذلك اهتمام الكويتيين اجمع وجزعهم بما فيهم الفئة الغيورة من المعارضين انفسهم.
لهذا تداول أعضاء المجلس طويلا في هذا الأمر ووجدوا انهم لا يسعهم الجمود اثر هذا الخطر الداهم فقرروا علاج الأمر بوسيلتين، الأولى انهم اصدروا هذا القرار الجرئ واعلنوه في كل جانب من جوانب الكويت:
"كل من تثبت عليه محاولة التجنس بجنسية اجنبية يجب عليه الاستعداد لمغادرة الكويت خلال شهرين من تاريخ تلك المحاولة مع حرمانه كليا من حقوق امتهان اية مهنة او تملك اي عقار داخل حدود امارة الكويت"
رئيس مجلس الأمة التشريعي
عبدالله السالم الصباح


والثانية هو ذهاب فريق من أعضاء المجلس الى دار القنصلية ومقابلتهم القنصل فيها حيث كشفوا له مبلغ جزع عموم الكويتيين من محاولة هذا الفريق الكبير التجنس بجنسية تمكنهم من الامتياز على الكويتيين الاصليين داخل بلادهم في كثير من الحقوق والمعاملات وان هذه المحاولات ربما ادت الى نشوب فتن وحوداث ليس من صالح احد اثارتها في مثل هذا اليوم، وانهم من جهتهم معتمدين عدم التساهل مع هؤلاء الذين يجب عليهم الرحيل عن البلد الذي لا يرون الانسجام مع اهله الاصليين وحسن التفاهم معهم.

وقد ناقش القنصل هؤلاء الأعضاء في المطالب التي تقدم بها الايرانيين ولماذا لا يجابون الى ما طالبوا في المساواة؟ (لا يخفى على القارئ ان قانون الجنسية الكويتي لم يكن قد صدر حينذاك فليس يعرف الكويتي من سواه بقانون معين وانما كان التعارف ان الكويتي هو من سكن الكويت قبل الحرب العالمية الأولى، ولما صدر قانون الجنسية الحالي عام 1960 حدد الكويتي الاصلي انه الساكن او المتحدر من ساكن للكويت عام 1920 أو قبل ذلك).

ف
 
لما قيل له: "ان الكويتيين لا يعترفون بحق الذين نزحوا الى الكويت بعد الحرب العالمية في اكتساب الجنسية الكويتية اما اولئك القدامي فلهم ما لنا وعليهم ما علينا من حقوق وواجبات".
قال: "انه لم يشجع احد على طلب التجنس بالجنسية الهندية ولكنه لا يسعه ان يرفض اي طلب او عريضة او كتاب يتقدم به صاحبه الى دار القنصلية مهما كان موضوعه، اما الحصول على الجنسية الهندية فانه يعتقد ان ذلك ليس من السهل الحصول عليه الا لمن تتوفر فيه الشروط الخاصة التي ينص عليها القانون الهندي". وانتهى الأمر عند هذا الحد ولكن هذا الحادث بل والتحدي زاد بطبيعة الحال من فتور العلاقات بين القنصل وأعضاء المجلس اذ انه كان الاحتكاك المباشر الأول بين الطرفين.
فلما جاء المقيم البريطاني عقيب هذه الحوادث الى الكويت طلب ان يجتمع بلجنة تمثل المجلس بحضور سمو الأمير وسعادة رئيس مجلس الأمة فأنتدب المجلس كل من سليمان العدساني ومشاري الحسن والسيد علي السيد سليمان واجتمع الجميع بقصر الأمير الساحلي (قصر السيف) يوم 15 اكتوبر 1938 الموافق 21 شعبان 1357 وحضر الاجتماع الكابتن دكوري قنصل بريطانيا في الكويت وكان يتولى مهمة الترجمة بين المقيم البريطاني وباقي المجتمعين. وقد جرت عدة محادثات عامة كان اهمها البحث في أمر شركة الزيت إذ طلب المقيم ان يكون اتصال الشركة مع سمو الأمير مباشرة ولا صلة للمجلس بها، ولكن المجلسيين تشبتوا في حجتهم محاولين اقناع المقيم بصورة منطقية شذوذ هذه الخطة عن الاصول السليمة. ولما حاول المقيم اقناعهم ان يجربوا هذا الأمر لمدة شهرين فقط حتى اذا وجدت صعوبة يرجع الى رأيهم، غير انهم رجوا منه ان تكون التجربة الأولى على الوجه المستقيم الذي يرونه هم فاذا حدث ما يستوجب التغيير كان للجانب الاقوى وهم الانكليز ان يعدلوا في الخطة.. وسكت المقيم عند هذه النقطة وفهم ان سكوته كان سكوت الاقتناع.
ثم تحدث المقيم عن مقام سمو الأمير فاشار الى ضرورة اعتباره الحاكم الاعلى الذي تجرى معه او بواسطته جميع المخابرات السياسية وغيرها من الامور الجوهرية في البلاد. فرد أعضاء المجلس قائلين: "ان ذلك هو الدعامة الأولى التي ترتكز عليها سياسة المجلس طبقا للاصول الملكية النيابية وليس فيهم من يتصور غير ذلك".
ثم جاء الكلام عن الايرانيين المقيمين في الكويت وما هو تقدير عددهم والتدابير المتخذة من جانب المجلس معهم، فتكلم أعضاء المجلس قائلين: "ان هذه الهجرة التي استفحل أمرها ليس لها ما يماثلها في بلدان العالم بالنسبة الى كثرتها وانطلاقها من غير شروط"، فقال المقيم ان لا يعنيه الآن اتخاذ المجلس بعض التدابير لتسفير المهاجرين الجدد الى خارج الكويت ولكنه ينصحهم ان يتم ذلك بصورة تدريجية وهادئة كيلا يؤدي هذا الأمر الى تذمر الحكومة ذات الشأن فيضطر هو الى التدخل. فافهمه أعضاء المجلس ان التدابير التي اتخذت حديثا ليست الا لتوقيف الهجرة الغير مشروعة اما تسفير المهاجرين فلم يتقرر شئ منه حتى الآن.
وانفض الاجتماع بكثير من التفاهم والهدوء ولو انه كشف للمقيم البريطاني عن قوة معنوية المجلسيين وحرصهم على التمسك بالامور التي يرونها حقا لهم ولو ان ذلك كله جرى بلهجة ودية ملؤها الحكمة والتعقل.
وقبل سفر المقيم البريطاني من الكويت بعث الى سمو الأمير هذه المذكرة المهمة:

ادارة رئيس الخليج الفارسي
مركز الكويت 20 اكتوبر 1938

الى حضرة حميد الشيم صاحب السمو السر أحمد الجابر الصباح المحترم
كي. سي. آي. اس. آي. حاكم الكويت
بعد التحية والاحترام

كما تعلمون سموكم في 15 اكتوبر 1938 قد عقد اجتماع بين سموكم والشيخ عبدالله السالم ولجنة من المجلس (كان الانكليز يتحاشون تسمية المجلس بمجلس الأمة التشريعي)وانا والكابتن دكوري وقد ذلك الاجتماع قد ابلغت اللجنة شفاهيا عن رسالة من حكومة صاحب الجلالة التي ارفق بطيه نسخة منها للاحتفاظ بها في دائرة سموكم.
2) سموكم تذكرون ان اللجنة قد ابدت تقديرها للرسالة وسأكون مسرورا بوقته ان ابلغ حكومة صاحب الجلالة بذلك.
تفضلوا بقبول فائق الاحترام


خطاب ترنجارد فاول الشفوي الى المجلس الكويتي:

أ) حكومة صاحب الجلالة قد بلغها مع الارتياح عن قرار الشيخ على تأسيس مجلس بقصد اشراك ممثلين اهل الكويت مع نفسه في شئون حكومته. حكومة صاحب الجلالة تؤمل ان مثل هذه الخطوة ستقدم بها اهم مصالح الكويت.

ب) ولحتى على كل حال تتحقق هذه النتيجة فالمجلس يدرك ضرورة الاحتياج للتعاون برغبة الى اقصى حد ممكن بين المجلس والحاكم.

ج) وكذلك المجلس يدرك انه اي تغييرات داخلية في الكويت مثل تأسيس المجلس لا تؤثر على المركز الذي به حكومة صاحب الجلالة تعتبر الشيخ انه رئيس المملكة الذي معه ستستمر علائقهم الرسمية.

د) علاوة المجلس لا شك يدرك ان مثل تلك التغييرات لا تؤثر على الترتيبات الحالية المستندة على المعاهدة والممارسة الطويلة والتي بموجبها حكومة صاحب الجلالة تدبر شئون الكويت الخارجية مع غيرها من الحكومات والممالك وتدير بواسطة الشيخ الامور التي تمس بتلك العلائق او الاجانب بالكويت.


.
 
وقد عرض سمو الأمير بواسطة عضوي الديوان الأميري هذه الرسالة على أعضاء المجلس التشريعي وطلب رأيهم في الجواب عليها وقد كانت العادة فيما مضى ان سكرتير القنصلية البريطانية في الكويت يحضر الى مكتب الملا صالح الملا سكرتير سمو الأمير الأول ليتولى بنفسه صياغة جواب سمو الأمير، فلما انتدب سليمان العدساني ومشاري الحسن عضوي مجلس الأمة ليكونا في الديوان الأميري اتفق سموه معهم وحررا الجواب بهذا النص:

6/1092
6 رمضان 1357
29 اكتوبر 1938
حضرة صاحب الفخامة السر ترنجارد فاول المقيم البريطاني في الخليج
بعد التحية

بالاشارة الى رسالتكم المؤرخة 20 اكتوبر 1938 والمرفق معها صورة من خطاب فخامتكم الشفوي الى مجلس الأمة التشريعي التي بعثتها اليكم بتاريخ 11 اكتوبر 1938، يهمني ان اوضح لكم ما يأتي:-
1) بعد ارادتي التي اصدرتها بتاريخ 11 جمادي الأولى في شكل قانون في صلاحية مجلس الأمة التشريعي والتي جاء في المادة الأولى منها (الأمة مصدر السلطات ممثلة في هيئة نوابها المنتخبين) اصبح بديهيا ان البلاد جعلت تسير حسب القانون وفق نمط ديمقراطي ولكي تكون جميع الاوامر والاحكام والاتفاقات الناطقة باسم "حكومة الكويت" شرعية ومعتبرة لا بد من موافقة المجلس المذكور عليها في جلسة قانونية.
2) ان أعضاء اللجنة الموفدة من المجلس المذكور والتي اجتمعت بي وبفخامتكم وبالشيخ عبدالله السالم والكابتن دكوري قد اوضحوا لي ان المجلس بعد وقوفه على خلاصة المحادثات التي دارت خلال ذلك الاجتماع يقرر ما يأتي:
أ) ان المجلس معتمد جد الاعتماد على ان يبقى الشيخ أحمد الجابر الصباح هو رئيس البلاد الاعلى ولكي يسهل الاتصال بين حكومة صاحب الجلالة البريطانية وحكومة الكويت بدون مساس في الصلاحيات الممنوحة لمجلس الأمة التشريعي حسب ارادة سموه الصادرة بتاريخ احدى عشر من جمادي الأولى 1357 قد انتخب بعد محادثات سابقة مع الكابتن ديكوري عضوين من اعضائه لكي يكونا واسطة نقل ذلك الاتصال بين سموه والمجلس.
ب) ان المجلس مقتنع حتى الآن انه ليس في النية اجراء اي تعديل جديد لا من قبل حكومة صاحب الجلالة البريطانية ولا من قبل حكومة الكويت على العلاقات والاتفاقات الكائنة بين الحكومتين حسبما رسمته المعاهدات والاتفاقات السابقة المبرمة من قبل حاكم الكويت الحالي وحكامها السابقين.
ج) ان المجلس مقتنع باهمية وفائدة الصداقة والمؤازرة الانكليزية التي ستبقى دائما هدف المجلس التشريعي في كافة الشئون السياسية.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
حاكم الكويت
أحمد الجابـــر الصباح

والملاحظ في أمر هاتين الرسالتين المتبادلتين هو ان المقيم البريطاني رغم تعبيره عن اعتراف الحكومة الانكليزية بشرعية المجلس اراد ايضا ان يؤكد احتفاظ حكومته بحق ادارة شئون الكويت الخارجية ومصالح الاجانب في الكويت وذلك كما قال استنادا على المعاهدات والممارسات الطويلة.
اما المجلس التشريعي فقد صيغ جوابه بغاية الدقة والحكمة مؤكدا حسن نوايا اعضائه وتقديرهم للصداقة الانكليزية وفائدتها ولكنه معترف فقط بحرمة المعاهدات والاتفاقات السابقة المبرمة بين حكام الكويت وممثلي الحكومة البريطانية، اما ما عدى ذلك من الحقوق التي ورد انها تستند على (الممارسات الطويلة) فلم يفرطوا بالاعتراف بها او الاشارة الى ذكرها. وهي حكمة سديدة دلت على حرص المجلسيين وبعد نظرهم بعدم التورط بالاعتراف فيما لا وجه للاعتراف به رغم حرصهم على عدم التعرض لما يسئ الى الانكليز او يريبهم. وفي هذا التدبير الحكيم غاية السداد وحسن التدبير.


عرض "مشروع" اتفاقيات مع الملك عبدالعزيز السعود
والكويت على المجلس
تكررت المحاولات لعقد اتفاق بين نجد والكويت لاعادة (السابلة) (السابلة تطلق على قوافل التجارة التي كانت تجري على ظهور الجمال بين نجد والكويت وكان لها شأن كبير في ازدهار التجارة لدى الكويتيين) بينهما كما كان عليه الشأن قبل ان يمنع "بن السعود" رعاياه عن مسابلة الكويت عام 1340 هـ. ولذلك لاسباب وشروط كان يشترطها الملك بن السعود في حينه، وقد ارسل الملك مندوبه حمزة غوث الى أمير الكويت ثم انتدب سمو الأمير ولي عهده الشيخ عبدالله السالم الصباح الى الرياض ثم بعد ذلك قدم وفد من المملكة السعودية الى مدينة الكويت من اجل التفاهم على رفع ذلك المنع، ولكن جميع هذه المحاولات اخفقت لتصلب كل من الطرفين على وجهة نظره اذ كان السعوديون يطلبون السماح لمرور بضائعهم عبر الاراضي الكويتية حسب نظام الترانزيت المعمول به عالميا. بينما يرى الكويتيون في هذا قضاء على اهم
 
عوامل تجارتهم التي تستمد حياتها من مشتروات السعوديين في اراضي الكويت.
ويقول أمير الكويت انه طلب الى الانكليز بعد ذلك ليفاوضوا الملك عبدالعزيز السعود علهم يصلوا معه الى اتفاق نظرا لصداقته معهم وقد تركت هذه القضية الجوهرية بين يدي الانكليز قرابة خمسة عشر عاما كانوا خلالها يبشرون الكويتيين بالوصول مع بن السعود الى اتفاق لاعادة المسابلة بين نجد والكويت واخيرا ارسل المقيم البريطاني لما كان في الكويت الى مكتب سمو الأمير صورة لثلاث اتفاقيات طلب عرضها جميعا على مجلس الأمة واخد رأيه فيها، الأولى اتفاقية الصداقة وحسن الجوار بين نجد والكويت، والثانية اتفاقية (المسابلة)، والثالثة اتفاقية تسليم المجرمين.
وقد تدارس أعضاء المجلس كل من هذه الاتفاقيات على حدة وبعد ايام ابلغوا سمو الأمير انهم قد درسوا الاتفاقيات الثلاث فاستحسنوها جميعا على وجه التقريب غير انهم لاحظوا انها جميعا كانت مصدرة بهذا النص:
"حكومة المملكة العربية السعودية وحكومة المملكة المتحدة بريطانيا العظمى وشمالي ايرلندا عاملين باسمهم وبالنيابة عن شيخ الكويت"
ومذيلة هكذا:
"عن حكومة المملكة العربية السعودية ............... "
"عن حكومة المملكة المتحدة .............."
فليس لحكومة الكويت او أميرها الا اسما جاء عرضا بحكم الظروف في محتويات الاتفاقيات وانهم يرغبون في جعل التصدير والتذييل باسم أمير حكومة الكويت ولا بأس ان يكون معتمد الحكومة البريطانية في جدة وكيلا عن حكومة الكويت او أميرها وواسطة للاتصال بشأن هذه الاتفاقيات بين الطرفين، وقد عارض الشيخ يوسف بن عيسى احد أعضاء المجلس كافة الأعضاء في ايراد تلك الملاحظة محتجا بأنه يجوز شرعا للوكيل تسجيل العقد وتوقيعه باسمه بدلا من الاصيل وقد فعل الانكليز في رأيه ما هو من حقهم لما وكلهم الأمير بمفاوضة بن السعود نيابة عنه وانه لا حذر مطلقا من ذلك لانه يجوز (شرعا) عزل الوكيل عن الوكالة وقتما شاء الاصيل..
فلما قيل له: "ان العقود السياسية غير العقود الشرعية وان هذه في عرف السياسة تعتبر سابقة يتمسك بها القوي ويحتج بها عند كتابة اي اتفاقيات اخرى -وقد تكون دون علم الاصيل- وانه لا طاقة للضعيف على عزل القوي لا سيما وقد سبقت له الدالة"، لم يأبه الشيخ يوسف لذلك واصر على رأيه قائلا: "انتم تجهلون اصول العقود فتخلقون من تصوراتكم اوهاما لا ضل لها من الحقيقة".
قالوا: "وما الذي يحرجك انت ان ترانا شديدي الحرص والحذر على صيانة حقوقنا وتلافي ما يمكن تلافيه من اخطار محتملة للامة امورنا في الامور السياسية، انه اذا كان الأمر مثلما تذكر من امكانية انهاء وكالة الانكليز فلماذا لا ننهيها منذ الآن وقد انتهى دورهم الموكل لهم في المفاوضات التي تدور منذ خمسة عشر لا نعلم ولا يعلم احد سبب تمديدها كل هذه المدة الطويلة، ولماذا تجادلنا في كتابة صيغة سليمة تصاغ وتوقع باسم ملك السعودية وأمير الكويت؟".
ثم دفعوا الى مكتب الأمير صورا جديدة اجروا عليها بعض التعديلات لتسلم الى المقيم البريطاني الذي اخذها دون ان يعلم احد بعد ذلك ماذا كان تعليقه عليها.
هذه بعض الامثلة من الاحوال والقضايا التي كانت تجري بين المجلس وممثلي الحكومة البريطانية في تلك الظروف الذين كان رجال الكويت يكرسون فيه جهودهم واوقاتهم للنهوض بالكويت وجعله مثالا طيبا تحتذي به الامارات العربية على ساحل الخليج تلك التي اعاقها الجهل والخمول عن مسايرة النهضات العربية الاخرى.
وقد لمس الانكليز ان هذه الحركة الوطنية الصاعدة في الكويت كانت تستهدف بعثا قوميا وروحا عربية وثابة لم يروضوا انفسهم على احتمالها وتقبل عواقبها خاصة وانها تقتدي بالنهضات العربية في البلاد المجاورة. اضف على ذلك الى تبرم القنصل الانكليزي واستيائه من حرص الكويتيين الشديد وعدم فسحهم المجال لتدخله المألوف في شئونهم وقضاياهم الاصلاحية المحلية فأسرها في نفسه حتى واتت الفرصة تجلت الحقيقة الصريحة التي ليس لاحد ان يتشكك فيها وهي ان غالبية قناصل الانكليز في الخليج ومعتمديهم كانوا من الطراز الاستعماري القديم الذي لا يفقه من التعامل الا اذلال الروح الوطنية المحلية والتحكم الصريح في مقاليد الشعوب التي تقع تحت نفوذهم حتى ولو لم يكن لهم من ذلك اي فائدة او جدوى.
فاذا اضفنا الى كل ذلك ان قادة الرأي في الامارات العربية المجاورة كدبي والبحرين بل وحتى بعض من في امارات الهند بدأوا يفتحون عيونهم على ما يجري في الكويت وتستهويهم حركتها الوطنية النشيطة فبدأوا يلمون شعثهم ويرصون صفوفهم للمطالبة بانشاء مجالس نيابية اسوة لما جرى في الكويت وغيرها في امارات الهند ادركنا ان ممثلي الانكليز وقد هالتهم هذه العدوى الوطنية السريعة التي اخذت تمتد خارج الكويت بدأوا يغيرون افكارهم ويبدلون خططهم نحو رجال الكويت الوطنيين وينظرون اليهم نظرة الحذر والتربص، وبالتالي اخذوا يتوددون -مع وسائل وهدايا الحاشية- الى الأمير بل ويثيرون في نفسه عوامل الاستفزاز والتحدي.
وقد صارح القنصل ذات يوم رجال المجلس الذين يزورونه الى ان يحسن بهم جعل السلاح المنقول الى قصر نايف تحت اشراف وحوزة رجل مختار يعينه سمو الأمير، فكانت هذه اول بادرة من بوادر ايقاظ الفتنة والتحول لهدم المجلس من جانب الانكليز.
وفي جلسة ثانية عندما كان في زيارته سليمان العدساني وعبدالله الصقر يتحدثان اليه في موضوع قانون غرفة التجارة وكيف ان سمو الأمير يؤجل توقيع القانون يوما بعد آخر دون ابداء اية ملاحظة مما يعرقل حركة الاصلاح ويشل اعمالهم، رد عليهما قائلا: "الحل الوحيد في نظري ان تبادروا الى طلب مستشار انكليزي يوازن بينكم وبين الأمير"، فاستغرب العضوان من هذا الرأي المفاجئ وقال سليمانالعدساني: "هذه مسألة لم نفوض في الكلام فيها ولا يفوت سعادة القنصل ان الكويتيين جميعا مسلمون متعصبون ويرون اي كويتي يتقدم بطلب جلب رجل ليس من ديانتهم ليكون مستشارا لهم في امورهم انما يعتبر خارجا عن الدين وليس منهم".
وقال عبدالله الصقر: "انكم يا سعادة القنصل تمثلون هنا المستشار المطلوب فان كافة الشئون الجوهرية نتشاور مع سعادتكم فيها".
وقد اراد هذان العضوان من هذا الكلام التخلص بلطف من موضوع المستشار الذي تبين ان القنصل كان يبيته منذ حين، غير ان القنصل وقد ادرك حقيقة ذلك رد عليهما قائلا: "يظهر انكما لا ترغبان بالمستشار هذه مسألة تعود لكم انتم أعضاء المجلس وانا اقترحت جلب المستشار بصورة شخصية لهذا ارجو عدم تسرب شئ من هذا الحديث حتى الى زملائكم لانه مجرد اقتراح شخصي من عندي".
وقد حرص العضوان المذكوران على كتم هذا الحديث عن كل احد في بادئ الأمر كيلا يتسرب الوهن الى صفوف أعضاء المجلس ولكن عندما تطورت الامور وظهرت النتيجة سريعا لهذا الأمر بالموقف الذي وقفه من في قصر دسمان بعد زيارة القنصل للأمير ابان المفاوضات الجارية بين المجلس والأمير في قضية خالد الزيد الخالد ادرك العضوان بعد اشتداد الازمة وتصلب من في القصر اي سند قوي كانوا سيستندون اليه وكشفا لزملائهما حقيقة ما حصل من القنصل وان هذا التصلب نتيجة لذلك الحديث فلا فائدة ترجى اذا من المقاومة والتشدد ما دام الانكليز هم المحرضين والدافعين الى ذلك.
هذه اذا حقيقة الوقائع التي جرت في الكويت فأدت الى سقوط المجلس التشريعي الأول بقيت خافية على كثير من الناس، حذر الانكليز وتخوفهم وتوجسهم من رجال الكويت المتشددين المتصلبين ثم رفضهم وجود مستشار انكليزي يتحكم في الكويتيين ويذلهم كما هو جار في البحرين، وليس كما يتصور بعضهم ان سقوط المجلس كان نتيجة لتلك الامور الظاهرية الصغيرة كحادث خالد الزيد الخالد او ما سبق او ما تلى ذلك من مشاغبات عادية هزيلة لم تكن لتغير من الأمر شيئا وانما جاءت هذه لتكون بعض الذرائع التي استغلها رجال الاستعمار لنحر جهود شعب صغير وادع ينشد الاصلاح والتقدم.
"حرر هذه الكلمات في مدينة الزبير 30 شعبان 1359 1 سبتمبر 1940"
 
كيف سقط المجلس التشريعي الأول
الاسباب المباشرة والاسباب الاصلية لسقوط المجلس
كان ضمن الامور التي يشكو منها الكويتيون منها هو عدم وجود غرفة تجارة في الكويت تشرف على احوال التجارة وتقنن لها الانظمة والاصول التي تضبط معاملاتها وتحد من كثرة الخلافات التي تنشب بين التجار، وقد حاول الكويتيون قبل المجلس تلافي هذا النقص وذلك بتقنين انظمة تجارية او تشكيل غرفة يناط بها امثال تلك الامور، بيد انه لم يكن بين المسؤولين حينذاك من يعني بمثل هذه الامور الضرورية فكان نصيب جميع تلك المحاولات الاهمال والفشل المحقق، وعندما استقر المجلس التشريعي وشرع في الاصلاحات الكبرى توجهت اليه تلك الرغبة الملحة من التجار انفسهم، فسن اعضائه مشروع قانون بتأسيس غرفة تجارية ينتخب التجار من بينهم أعضاءها وفوض القانون أعضاء الغرفة المنتخبين بسن الاصول والقواعد التي تضبط التجارة ومعاملاتها كما منحهم حق تقرير الاحكام التجارية وتقديم المقترحات التي تنهض بتجارة الكويت وتقومها.
وقد رفع المجلس مشروع القانون المذكور الى سمو الأمير لتوقيعه تبعا للاصول النيابية غير ان الأمير بتحريض من الناقمين تلكأ عن توقيعه بحجة درسه ولما لم يكن هنالك ما يستحق الدرس في قانون تأسيس الغرفة التجارية اذ كان الأمر فيه مقتصرا فقط على قيام غرفة التجارة وتحديد صلاحية اعضائها، دل ذلك على وجود رغبة مبيتة لعرقلة القوانين وقد تجلى هذا الأمر جليا عندما طاف بعد ذلك التاجر عبدالمحسن الناصر الخرافي احد الناقمين المعارضين للمجلس بسبب حل شركة النقل والتنزيل التي كان هو احد اصحابها الاربعة على التجار وبيده عريضة يستمضيها منهم مرفوعة الى سمو الأمير يتوسلون فيها عدم قبول التوقيع على اي قانون يصدره المجلس ما لم يسن (الدستور).
وبديهي ان هؤلاء المعارضين لم يتجاسروا على تحدي اعمال المجلس بهذه الصورة العلنية لو لم يكن لهم من هوى القادرين سند او نصير.. ورغم ان كافة التجار البارزين رفضوا التوقيع على تلك العريضة الا ان بعض اركان المجلس استصوبوا مقابلة الأمير والتحدث معه لاقناع سموه بتوقيف هذه الحركة وشلها في البداية فذهبوا اليه في مكتبه الرسمي ولما حادثوه في ذلك اقسم كعادته المألوفة.. انه يجهل اي من تلك العريضة وارسل في الحال كاتبه الخاص الى عبدالمحسن الخرافي يأمره بالتوقف في بالتوقف في أمر العريضة، ولما سألوه بشأن التوقيع على قانون تشكيل الغرفة قال انه لم يتفرغ بعد على درس القانون وانه سيجيبهم الى ذلك السبت المقبل المصادف 25 شوال عام 1357.
غير انه حدث يوم الجمعة السابق لذلك اليوم ان عاد الى المدينة صالح العثمان الراشد عضو المجلس التشريعي والمشرف على قوة البادية من احدى جولاته في البادية وهو يتأبط كعادته الدائمة مسدسه بحكم الوظيفة التي يشغلها فذهب الى زيارة صديقه عبدالمحسن الخرافي في مقره التجاري بالسوق وكان كل منهما صديق للآخر وينتميان في الاساس الى قرية الزلفي من قرى نجد وبينهما صِلاة وثقى فلما لم يجده في مقره ووجد هناك كل من خالد الزيد ويوسف العدساني وهما من الناقمين كما اسلفنا سألهما عن عبدالمحسن وأين هو فرد عليه خالد الزيد بلهجة استفزازية قائلا: "ماذا تريد منه؟"، قال صالح: "اريده في شئ"، فرد خالد بحدة: "ماذا تريد منه؟" فلما رأى صالح هذا التمنع العناد ركبته طبيعته المداعبة التي كثيرا ما ألفوها منه وقال: "اريد اقبض عليه".
فاهتبلها خالد الزيد فرصة العمر ونهض متكلفا الحماسة والصياح على ملأ من الناس: "اقبض علينا كلنا نحن جميعا شركاء". فانكر صالح العثمان وقد ادرك الغاية من لهجة خالد الاستفزازية وصاح به بلهجته النجدية الخالصة: "يا رجًّال تعوذ من ابليس انا مالي معاك كلام جيت انشد عن خوي لي.."
ولكن اين لخالد من الاقتناع وهو يحاول تهييج الناس واثارتهم فخرج على عتبة الباب وجعل يصرخ عاليا: "اقبض علينا كلنا -ثم اندفع وسط السوق وهو يهوش- يا جماعة ان صالح العثمان يهددنا بالمسدسات هذه حالة لا نصبر عليها، اما نحن او انتم يا أعضاء المجلس"، وخرج على اثره يوسف العدساني يقلده ويقتفي طريقته.
فتجمهر بطبيعة الحال جمع غفير من الناس لاستطلاع الحقيقة ولما تبين لهم الأمر على وجهه الصحيح وعرفوا غاية خالد الزيد من وراء هذا التهريج الذي يحاول احداث الفتنة وخلق الاضطرابات اوشك بعضهم على الفتك به ولكنه لاذ بدكان اقربائه آل الخالد وجعل يصرخ من هناك، وقد تدارك العقلاء من انصار المجلس الشباب المتحمس فامسكوهم عن خالد وهدأوا نفوسهم راجين منهم كبت عواطفهم كيلا يؤول الأمر الى فتن بين العائلات الكويتية فتردى الحال وتسوء العقبى، ومسكت انا بدوري ابن عمي يوسف العدساني وسحبته جانبا اتوسل اليه ان يكف عن امثال هذه الصيحات التي لا تليق بمثله اذ كان له من ماضيه الطيب ما ليس لسواه من المهرجين والنفعيين، فاخجله هذا الكلام وانسحب.
وقد نشبت معركة على اثر ذلك بين الفتى المتحمس عبدالحميد نجل الشيخ يوسف بن عيسى المناصر للمجلس وبين زيد نجل خالد الزيد الذي كان يدافع عن ابيه ولكن العقلاء فرقوا بينهم سريعا كيلا تتوسع الفتنة التي يوشك ضرامها ان يندلع وقد جلبت قوة من الشرطة للمحافظة على الامن ثم سحبت سريعا.
اما أعضاء المجلس فقد تنادوا الى عقد جلسة استدعوا اليها رئيس المجلس للمداولة فيما حصل وقرروا هذه المرة وجوب وضع حد لمثل هذه الاستفزازات والتهريجات التي يلجأ اليها فريق من الحاقدين استخفافا منهم بشأن المجلس او اطمئنانا الى سلمه واعتداله، وقد رأوا جميعا ان الحادث الاخير كان نتيجة منتظرة للتساهل الكلي والتسامح العريض في غير محله، وقال العضو حمد الداود المرزوق: "يا جماعة الحقيقة كما يقول المثل (المقام اللي ما يشور ما ينزار) نحن منذ جلسنا على هذه الكراسي ما عاقبنا احد من المشاغبين او الهدامين فلا عجب ان يطمع فينا كل من تسول له نفسه بث الفتنة واثارة الدسائس.. ان كنتم حريصين على حفظ كيانكم والتفرغ الى الاصلاحات الكثيرة فلا تغفلوا في اموركم الحزم والعزم اللائقين يا اولياء الامور..".
وقال عضو آخر: "نعم لقد اطمعنا هؤلاء المشاغبين بحلمنا وتسامحنا فاساءوا فهم تقديرنا للحرية الفكرية التي نحترمها. وتجاوزا الى التحريض والدسائس والمفتريات، ان خالد الزيد كان صادقا حينما عبر عن قصده الحقيقي بقوله (اما نحن او انتم يا أعضاء المجلس). وهذا هو الغرض الحقيقي من مشاغبات خالد الزيد.. التبوء على الكراسي التي خسرها في الانتخابات الشرعية فلجأ الى الهدم والتخريب، ليكن لهذا الرجل الباغي ما يريد فاما نحن او هو".
وطرح في المجلس رأيين للترجيح بينهما، اما القبض على خالد الزيد ومحاكمته بتهمة التحريض على معاداة
الحكومة والحجج متوفرة والادلة قاطعة، او ابعاده خارج الكويت لمدة شهرين تسلم البلاد فيهما من دسائسه ومشاغباته وليكون عبرة لسواه من الهدامين.
ولقد اجمع الجميع على ترجيح الرأي الاخير اذ لم يكن ثمة عند المجلسيين قصد شخصي للانتقام من الرجل، وانما كانت رغبة الجميع على توفر الطمأنينة والهدوء للانصراف الى اعمال الاصلاح والانشاءات الكثيرة التي تفتقر اليها البلاد.
فوقع رئيس المجلس أمرا تحريريا الى مدير الشرطة بالقبض على خالد الزيد وابعاده الى قرية الجهراء مؤقتا ريثما ينقل الى مكان آخر، فذهب مدير الشرطة وعاد بعد برهة اذ لم يجد خالدا في دكانه، ولكن حضر الى المجلس (مرجان) تابع سمو الأمير يدعو سعادة رئيس المجلس الى سمو الأمير في قصره دسمان، فاوقف سعادته الجلسة ريثما يعود، ثم عاد بعد نصف ساعة وهو يقول: "ان خالد الزيد بقصر الأمير دسمان وان سموه لما بلغه قرار المجلس في ابعاد خالد الزيد رجى مني ان اطلب منكم اعادة النظر في ذلك "، ولكن المجلسيين اصروا على ابعاد خالد وقالوا: "ان هي الا مؤامرة حيكت لهدم المجلس وقد سبق لنا ان نبهنا الرئيس لينصح خالدالزيد ورفاقه بالكف عن هذه المعاكسات ولكنهم تمادوا واستفحلوا في غيهم فيجب ان يكون لكي شئ حدا".
وعاد الرئيس الى الأمير يبلغه اصرار المجلس على ابعاد خالد الزيد غير ان الأمير قال: "ان خالدا سيبقى محجوزا لديه بالقصر حتى يتفق على حل آخر..".
وعاد الرئيس الى المجلس لابلاغهم رأي الأمير فوافق أعضاء المجلس على ذلك بشرط ان لا يبرح خالد الزيد مقره في قصر الأمير دون رضاهم، وعاد الرئيس ينقل الى الأمير رأي المجلسيين هذا.
وظن ان القضية قد انتهت عند هذا الحد ولكن حدث خلال هذه المراجعات ان تآلب المعارضون المتصلون بأفراد العائلة من كل فج كل على من يقربه يحرضونهم ضد المجلسيين ويصورون لهم اعمالهم بصورة التحدي لنفوذ العائلة الحاكمة ويهيجونهم بالاقاويل والمفتريات التي يزجونها اليهم باساليب ووسائل شتى.
وجاء بعد ذلك القنصل البريطاني ليعرض على سمو الأمير مساعدته فيما يريد من قوى انكلترا بحرا او جوا.. فتكاملت الصورة واشتدت عناصر الاثارة والتشجيع وحان الاوان لتبريد الغليل من هؤلاء المجلسيين المكابرين.. وعاد الرئيس وهو يحمل الى أعضاء المجلس طلب المجتمعين في قصر دسمان بتسليم جميع السلاح الذي في قصر نايف، وادرك المجلسيون ان الامور قد بلغت غايتها وان هذا الطلب المفاجئ هو نهاية المطاف في تقليص نفوذ المجلس ثم حله بالقوة الجبرية، فأبوا قبول رد السلاح وبدأ الجانبان يستعدان كل من جانبه لتحقيق وجهة نظره.
المجلسيون في قصر نايف الذي كان فيه السلاح لحماية السلاح والآخرون في قصر دسمان يخططون للهجوم.
فأما من في قصر دسمان فقد تزعم الجمع الشيخ علي الخليفة الصباح فأرسل على كافة الاتباع والبدو الرشايدة ورجال القرى المجاورة وجلهم من البدو المتحضرين وسلحهم بما كانوا يملكونه في دسمان وغيره من السلاح وشكلوا هناك (عرضة) رقص حرب كبيرة على الطريقة البدوية المعروفة للحماس والارهاب واما من في المجلس فأرسلوا الى رئيس قوة نايف ليهيئ أمره ويكون على حذر من هجوم مباغت كما بعثوا الى انصارهم ومؤيديهم من جمهور الكويت ليوضحوا لهم حقيقة المؤامرة ويتداولوا معهم في وجوه الرأي.
فطالب الشباب اصدار الأمر بتسليحهم حالا وارسالهم الى قصر دسمان لملاقاة القوة هناك، غير ان أعضاء المجلس طلبوا من الجميع الحضور غدا الى ساحة الصفاة الواسعة التي تقع في مداخل المدينة برا ورجوا من العموم الامتناع غدا من كافة الاعمال التجارية وغيرها بمثابة احتجاج صارخ من الأمة حتى تضمن المحافظة على حقوقها، وقد حضر جمهور غفير من الكوينتيين الى الساحة المذكورة في صباح السبت الخامس والعشرين من شهر شوال 1357 هجري، فخطب فيهم نفر من الشباب وتكلم كل من السيد علي السيد سليمان ومشعان الخضير الخالد وعبدالله الحمد الصقر من أعضاء المجلس موضحين حقيقة التآمر على حقوق الأمة للعودة بها الى عهود الرجعية واستبداد رجال الحاشية وتحكمهم الكيفي، وناشدوا الجميع الكف عن كافة المعاملات حتى تضمن للامة حقوقها.
وقد تحركت تلك الجموع الغفيرة في شكل تظاهرة كبرى تضم الشباب والشيوخ والتجار والعمال والاعيان كلهم ينادون بحياة الأمة وتحقيق مطاليبها العادلة متجهين الى الساحل مخترقين السوق العام في اتجاه قصر الأمير الساحلي ثم مالوا شمالا الى دار المجلس التشريعي حيث كان هناك بعض من أعضاء المجلس يتداولون بينهم فطلب البعض توزيع السلاح عليهم في الحال ولكن من كان هناك شكروهم ورجوهم ا
 
عودة
أعلى