الأكاديمي السعودي د. محمد الخرعان: تجديد الخطاب الديني هو طوق النجاة من الإرهاب
AddThis Sharing Buttons
Share to طباعةShare to FacebookShare to TwitterShare to Google+Share to PinterestShare to ارسال ايميلShare to WhatsApp
محمد الخرعان
الرياض – عبد الحي يوسف |
أكد الداعية والاكاديمي السعودي في الفكر الاسلامي الدكتور محمد الخرعان اهمية تجديد الخطاب الديني في العالم الاسلامي، وعدّه مطلبا عاجلا وشرطا للخروج من حالة الضعف الراهنة.
قال د. الخرعان الاستاذ في جامعة الامام محمد بن سعود بالرياض في حوار مع القبس، ان تجديد الخطاب الديني ليس مجرد تغيير في لغة الخطاب بما يجعلنا مستجيبين للواقع، فالتجديد في الخطاب مرتبط بحالة التجديد في الأمة، والأمة اليوم تعيش في مجملها حالة شديدة من الضعف والتفكك، وبالتالي فالتجديد في الخطاب الديني لا يمكن أن يكون بمعزل عن هذه الحالة، ولا يمكن كذلك أن يكون تجديداً كاملاً في كل جوانب هذا الخطاب، وأشار الى ان الجانب الاقتصادي حقق انجازات واجتهادات ملموسة، حيث استطاعت بعض النماذج في الاقتصاد الإسلامي أن تستقطب اهتمام المؤسسات الاقتصادية العالمية، وأصبحت العديد من عواصم الدول الغربية تتسابق في احتضان برامجه وتطبيقاته.
مطلب طبيعي
◗ كيف تنظر الى الدعوات المتكاثرة التي ترى ضرورة اجراء تجديد سريع وحاسم في الخطاب الديني الإسلامي؟
– التجديد مطلب طبيعي في حياة الناس، وتغيرات الحياة وظروفها تتطلب خطاباً يتفاعل معها ويتناسب مع طبيعتها.
والإسلام دين أنزله الله عز وجل للناس كافة، وختم به النبوة إلى يوم القيامة، وجعله تبياناً لكل شيء، وهذا يقتضي أن يكون الإسلام بعقيدته وشريعته وقيمه، ليس خاصاً بزمن النبي (ص)، ولا بزمن الصحابة فحسب، بل للبشرية إلى قيام الساعة.
لكن التجديد يطلق ويراد به معنيان، المعنى الأول: تجديد الخطاب الديني بمعنى جعله موافقاً للآراء والأفكار السائدة في العصر، فعندما تظهر الرأسمالية، نتحدث عن الرأسمالية في الإسلام، وعندما تأتي الاشتراكية نتحدث عن الاشتراكية في الإسلام، وعندما تأتي العولمة نتحدث عن الفكر العولمي الإسلامي، وعندما تطرح الأمم المتحدة قضايا الأسرة والسكان والجندر، يأتي الخطاب لتبرير هذه الأفكار ومسايرتها.
المعنى الآخر لتجديد الخطاب: أن نعيد الخطاب الإسلامي الذي نعرض من خلاله الإسلام في مصادره النقية من الكتاب والسنة، وما فهمه الصحابة رضي الله عنهم من وحي الله تعالى، وهدي النبي (ص).
وهذا المعنى هو المعنى الصحيح للتجديد، لأن التجديد هو معالجة ما بلي من الشيء وتلف بحيث يعود جديداً كما كان من قبل، أما المعنى الأول، فهو تغيير وتحريف وليس تجديداً.
جماعات العنف
◗ هل ترى ان هذه الدعوات انطلقت مما يحيط بالدين الاسلامي الان من هجوم بسبب العنف والإرهاب الممارس من قبل جماعات محسوبة على الإسلام؟
– الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني ليست وليدة الساعة، فالحديث في موضوع التجديد في الخطاب الإسلامي، ينطلق من حديث النبي: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها»، وتكلم العلماء في شرح هذا الحديث، وألفوا فيه مؤلفات كذلك، قبل ظهور جماعات التكفير والإرهاب.
◗ هل مشكلات التطرف والعنف في جوهرها تمثل ازمة في الخطاب الديني ام ماذا؟
– جماعات الإرهاب والعنف ليست خاصة بهذا الزمن، فقد وجدت في زمن الصحابة رضي الله عنهم، ومشكلة هذه الجماعات في خطابها الخاص بها، وفي فهمها هي، وليس في الخطاب الإسلامي، فجماعات العنف يعدون بالآلاف، أو إذا بالغنا بعشرات الآلاف مثلاً، لكن الخطاب السائد في الأمة، يتبعه مئات الملايين من المسلمين، وماذا يعني عشرة آلاف أو حتى مئة ألف متطرف أو مغالٍ، في مقابل أكثر من مليار وخمسمئة مليون مسلم؟
كما أن العنف والإرهاب والتطرف ليست خاصة بالأمة الإسلامية، وأسوأ الإرهاب هو إرهاب الدول، فلو كان الأمر كذلك لكانت إسرائيل وأميركا والغرب أولى بتجديد خطابهم الديني والسياسي، فهم قد قتلوا ملايين البشر، ومازالوا.
عن المعتزلة
◗ هناك من يرى ان تجديد الخطاب الاسلامي لو كان قد تواصل مثل ما كان عليه ابان ظهور المعتزلة والمدارس الفكرية الاخرى التي ظهرت في القرن الرابع الهجري، لكان هناك تاريخ اخر مختلف اكثر نصاعة للفكر الإسلامي كيف تنظر لذلك الرأي؟
– الخطاب المعتزلي، والمدارس المشابهة له في تلك الفترة، تقوم على شيئين: أن نصوص الوحي «الكتاب والسنة» لا تفيد علماً. أو أن نصوص الوحي «الكتاب والسنة» تخالف العقل وتناقضه، ولذا لابد حينئذ من تأويل النص، بمعنى حمله على المعنى الذي يقتضيه العقل، ومقتضى العقل هذا هو قانون يضعه كل من يدعي ذلك، ويحاكم النص على مقتضاه.
وهذه المذاهب بهذا التصور لا تختلف عن العلمانية المعاصرة، التي تقوم على إلغاء دلالة نصوص الوحي وقيمتها في حياة الناس.
ولذا لو أن هذا الخطاب المعتزلي وأمثاله ساد في الأمة وهيمن، لانتهى الإسلام واختفى، لكن الله تعالى تكفل بحفظ دينه، وبمن يجدد ما اندرس من معالمه، ووهى من حواشيه، فلم تقبل الأمة تلك الأفكار والآراء، ولم تنصرها، بالرغم مما حفّ بها من دعم وإرهاب سياسي، كما حصل من امتحان للناس في زمن المأمون، وتعذيب للعلماء، ومنهم الإمام أحمد رحمه الله.
ضغوط وضعف عام
◗ ما المفهوم الصحيح لعملية التجديد في الخطاب الديني؟
– المفهوم الصحيح لتجديد الخطاب الديني، هو ما ذكرته في إجابة السؤال الأول في المفهوم الثاني لمعنى التجديد، أي بمعنى معالجة قضايا العصر، بما يتفق مع حقيقة الوحي والشرع، وبما يوافق ما ترك النبي أصحابه عليه، كتاب الله والسنة.
◗ هل ترى ان هناك جوانب في الخطاب الاسلامي هي في حاجة ماسة اكثر من الجوانب الاخرى لتشملها عملية التجديد؟
– نعم، الخطاب الإسلامي اليوم يعيش كثير منه حالة من التشتت والاضطراب، بسبب عدد من العوامل، خاصة السياسية، والعسكرية، فالحالة السياسية المتردية اليوم في كثير من دول عالمنا الإسلامي، والحروب التي شتتت كثيراً من الشعوب في فلسطين، والعراق وسوريا وأفغانستان، وعودة الاستعمار بصور ومبررات كثيرة في هذه الدول وما تشكله من ضغط حضاري وفكري وسياسي، وغيرها، إضافة إلى حالة الضعف العام، والخلافات التي تلقي بظلالها على كثير من نواحي الحياة العلمية والاجتماعية والسياسية، كل هذه وغيرها تجعل الحاجة ملحة لأن تجدد الأمة عهدها بدينها ووحي ربها، وسيرة نبيها وسلفها الصالح، في كل نواحي حياتها.
◗ ما مدى الاتفاق الذي تحظى به عملية تجديد الخطاب الديني لدى المدارس الفكرية الاسلامية المختلفة؟
– لكل مدرسة فكرية رؤيتها في تجديد الخطاب الديني، واختلاف المدارس الفكرية يعني بالتأكيد اختلاف الرؤى في الصورة النموذجية لما ينبغي أن يكون عليه التجديد، لكن ينبغي أن يكون من البدهي لدى أي مسلم، أن العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله، ووفق فهم الصحابة رضي الله عنهم، هو القدر الذي لا يمكن القبول بأقل منه، لأن ما عداه ليس في الحقيقة تجديداً، وإنما هي رؤى وتصورات، وإن حسنت نية أصحابها في الأخذ بها، لكنها لا تمثل حقيقة تجديد الخطاب الديني في الإسلام.
◗ الخوف من التجديد الذي يظهر لدى بعض التيارات الاسلامية هل هو مبرر؟
– هناك من المدارس والتيارات في الإسلام من يكتفي بالتقليد لمن سبق، ويعطي لآرائهم واجتهاداتهم منزلة تعادل منزلة كلام الله، وكلام رسوله، دون أن يكلف نفسه مهمة التمحيص والنظر ومحاولة الوصول إلى الحق بدليله، والتفريق بين الاجتهاد الراجح، والاجتهاد المرجوح، والنظر كذلك في متغيرات العصر، وما استجد من أحوال وصور تتطلب اجتهاداً خاصاً، ونظراً جديداً يساعد على تنزيل الحكم الشرعي عليها بعلم.
◗ هل هناك صورة بعينها يمكن أن نقول إنها هي التي يجب أن يكون عليها الخطاب الديني بعد تجديده؟ أو هي الشكل المأمول لهذا الخطاب؟
– تجديد الخطاب الديني ليس مجرد تغيير في لغة الخطاب بما يجعلنا مستجيبين للواقع، فالتجديد في الخطاب مرتبط بحالة التجديد في الأمة، والأمة اليوم تعيش في مجملها حالة شديدة من الضعف والتفكك، وبالتالي فالتجديد في الخطاب الديني لا يمكن أن يكون بمعزل عن هذه الحالة، ولا يمكن كذلك أن يكون تجديداً كاملاً في كل جوانب هذا الخطاب، لكن يمكن أن يتم في جوانب معينة، فمثلاً في الجانب الاقتصادي، استطاعت بعض النماذج في الاقتصاد الإسلامي أن تستقطب اهتمام المؤسسات الاقتصادية العالمية، وأصبح العديد من عواصم الدول الغربية يتسابق في احتضان برامجه وتطبيقاته.
وفي الجانب الاجتماعي والأسري، تغلغلت منظمات الأمم المتحدة في خصوصيات المجتمعات الإسلامية ونظمها الاجتماعية، ولا يزال الخطاب الإسلامي في هذا المجال متماسكاً، ونشطاً في مواجهة تلك الطروحات التي تريد تلك المنظمات فرضها في واقع المسلمين، وتفكيك قيمهم الاجتماعية والأسرية.
القبس