21-09-2011, 12:47 AM
البريمل
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768
القبس
لعنة كنعان الإنكليزية: عندما أباد الإنكليز أكثر من 18 مليون هندي أحمر في الولايات المتحدة!
كتب جهاد فاضل:
على مدى الاربعمائة سنة التي أباد فيها الانكليز في المنطقة التي تسمى اليوم الولايات المتحدة أكثر من 18 مليون هندي أحمر، ومحوا من ذاكرة التاريخ مئات الأمم والشعوب (كما فعلوا بعد ذلك بسكان استراليا ونيوزيلندة وعشرات الجزر التي كانت تعجّ بالحياة) لم يغب عن بالهم ان احتلال الأرض والابادة الجسدية ليست كل شيء، وانه لا بد من كسر العمود الفقري لضحاياهم، الا وهو لغتهم وثقافتهم وتراثهم الروحي. هذه الابادة الثقافية، أو «المحرقة الأخيرة للوجود»، بتعبير رسل ميتز أحد زعماء الحركة الهندية، هي موضوع كتاب منير العكش: «أميركا والابادات الثقافية».
يقول الباحث وهو مختص بالدراسات الأميركية انه امضى سنوات طويلة في دراسة اخلاق هذه الابادة الثقافية وايديولوجيتها واسلحتها وتقنياتها وابطالها، وابواتها المحليين، ووقائعها المخيفة، اعتمادا على مراجعة مئات المصادر العامة، وعلى البحث والتنقيب في صناديق الوثائق الحكومية التي تضم آلاف الأوراق التي ترى النور لأول مرة في صفحات هذا الكتاب: سجلات مفوضي المحفوظات الوطنية ووزارة الداخلية، أو وثائق قرن ونصف القرن من وثائق الشؤون الهندية، أو محفوظات الكونغرس والمنظمات التاريخية وغيرها. انها شريط مصور من مأساة تعجز كل مخيلات الرعب عن محاكاتها، مأساة ابطالها ملايين من البشر كانوا كما يقول زعيم هندي في إحدى هذه الوثائق: كشجرة تساقطت اوراقها فكنستها الريح إلى الأبد!
الانجليز الاكثر عدوانية
على مدى خمسماية سنة تعرض هنود أميركا لحملات غزو اسبانية وبرتغالية وفرنسية وهولندية وإنكليزية سلبتهم انسانيتهم، وأنزلت بهم فنونا عجيبة من القتل والتدمير، ونظرت كلها إلى حياتهم ولغاتهم وأديانهم باحتقار. لكن الإنكليز وحدهم كانوا الأكثر عنجهية وعدوانية واصرارا على تدمير الحياة الهندية واقتلاعها من الذاكرة الانسانية. وحدهم جاؤوا بفكرة مسبقة عن أميركا نسجوها من لحم فكرة اسرائيل التاريخية: فكرة احتلال أرض الغير، واستبدال شعب بشعب، وثقافة بثقافة وتاريخ بتاريخ. فاستنسخوا بذلك احداثها، وتقمصوا أبطالها وجعلوها قدرهم المتجلي.
هذه الفكرة - في الكتاب - هي التي أرست الثوابت التاريخية الخمسة التي رافقت كل تاريخ أميركا:
- المعنى الاسرائيلي لأميركا.
- عقيدة الاختيار الالهي والتفوق العرقي والثقافي.
- الدور الخلاصي للعالم
- قدرية التوسع اللانهائي
- حق التضحية بالآخر.
وقد سلخت هذه الفكرة جلدها من حقبة الى حقبة، وجددت لغتها من جيل الى جيل، وطورها معاذيرها مع كل تطور جديد كالثورة الصناعية، ومع كل نظرية علمية جديدة كنظرية التطور. لكن جوهرها ومعناها وأهدافها لازمت المستعمرين الانكليز وقناعاتهم وتاريخهم وسياساتهم، واستحوذت على ألبابهم وعقولهم. كذلك ظلت حوافز هذه الفكرة وحروبها «الخيرية»، ورسالتها الحضارية واحدة لا تحول ولا تزول: انعاش الاسطورة، اسطورة «لعنة كنعان» التي نسجها بدو رعاع شيبون حاقدون على كل حضارات عصرهم. نسجوها من هاجس نهب هذه الحضارات باهلها وارضها وسمائها، واورثوا الزنابير الذين يرضعون هذه الاسطورة قبل حليب امهاتهم، عنجهية «الجلاد المقدس»، وأبلغ آداب «مسخ الآخر»، و«عبادة الذات»، وتقديس الجريمة.
القداسة الزائفة
الحضارة - وما أكثر تردادها واستهلاكها وابتذالها وتكني الانكليز بها - لم تستعر معناها من الاسطورة المؤسسة وحسب، بل انها نسجت منها كذلك تصوراتها ومعاييرها ونظامها القيمي والاخلاقي. فالفكرة، بلغتها الأم، تزعم فيما تزعم: - ان احتلال أرض الغير واستبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة وتاريخ بتاريخ، عمل مقدس أمر به الله. وبالتالي فانه يسمو على اخلاف البشر، وأمرائهم وقوانينهم وحياتهم وحرياتهم.
- ان فكرة أميركا تجسد مشيئة الله في أرض كنعان الجديدة (أي أميركا) وأهلها وثقافتها، كما جسدت فكرة اسرائيل مشيئة الله في أرض كنعان القديمة (فلسطين) وأهلها وثقافتها.
- ان المستوطنين الانكليز كالاسرائيليين التاريخيين استثناء وجودي يحتكر لنفسه الاضطلاع بارادة الله ويختص وحده بتنفيذها.
- ان معاملة السكان الأصليين لا تخضع للقوانين الاخلاقية أو الانسانية أو المبادئ العقلية، بل يحكمها ما نسجه العبرانيون من أساطير عن تجربتهم مع الكنعانيين. وهذا ما جعل المستعمرين الانكليز الذين يعتبرون انفسهم شعبا مختارا يطلقون اسم الكنعانيين على كل الشعوب التي أبادوها.
- ان نجاح فكرة أميركا في العالم الجديد يشكل مثالا طيبا يمكن تكراره حيثما اشتهى شعب الله. فالأرض «صحن من اللحم موضوع على المائدة، يقطع منه الانسان الأبيض ما يشتهي». وما تحقق في كنعان المجاز ليس الا خطوة على طريق كنعان الحقيقية: فلسطين والعالم العربي.
على مدى هذه المسيرة الطويلة من كنعان المجاز إلى كنعان الحقيقة، لم يغب عن أنبياء فكرة أميركا وجنرالاتها ان احتلال الأرض والابادة الجسدية ليست كل شيء، وانه لا بد من كسر العمود الفقري لضحيتهم، ألا وهو «لغتهم وثقافتهم وتراثهم الروحي».
حضارة الصابون والتعليم
ينقل الباحث من محاضر جلسات الكونغرس 33، الجلسة 23 ما يلي: «يجب مساعدة الحضارة على ابادة الهنود كما أمر الله يشوع ان يبيد الكنعانيين الذين لم يكونوا يختلفون عن جنود اليوم. ثم انه عوتب على تقاعسه عن الانصياع لأمر الله».
وعن مارك توين في عام 1867: «وقفت بجانب وزير الحرب وقلت له ان عليه ان يجمع كل الهنود في مكان مناسب ويذبحهم مرة وإلى الأبد. وقلت له: اذا لم توافق على هذه الخطة فان البديل الناجح هو الصابون والتعليم. فالصابون والتعليم انجح من المذبحة المباشرة، وادوم واعظم فتكا. ان الهنود قد يتعافون بعد مجزرة أو شبه مجزرة. لكنك حين تعلّم الهندي وتغسله، فانك ستقضي عليه حتما، عاجلا ام اجلا. التعليم والصابون سينسفان كيانه ويدمران قواعد وجوده. وقلت له: سيدي! اقصف كل هندي من هنود السهول بالصابون والتعليم، وَدَعْه يموت»!
ويبدو ان اضطهاد الهنود الحمر ما زال ساريا إلى اليوم في أميركا. فالباحث يشير في كتابه إلى حادثة تفيد ذلك: «لم يكن لفرحي حدود وأنا أرى بين طلاب الفصل الدراسي الجديد فتاة من سكان أميركا الأصليين لا تخطئ العين ملامحها «الهندية» برغم شعرها القصير ومظهرها «الأبيض» المبالغ فيه. كانت في السادسة عشرة وكان اسمها الأول «سنغ سوك». ولدهشتي، فانني حين ناديتها باسمها لم تجب. ولم ينفع النداء الثاني، بل زاد وجهها شحوبا واضطرابا وزادني حرجا. ومع انتهاء المحاضرة دنت مني وقالت وشفتاها ومنخراها يرتجفان: أرجو ان تناديني «جنيفر».هل يزعجك ان تناديني جنيفر؟ لا أريد أحدا ان يناديني «سنغ سوك»!
التطهر من الذات
ثمة اذن ما يسميه الباحث: ظاهرة الخوف من الذات، وكراهية الذات، والعنصرية ضد الذات، والارهاب الثقافي والنفسي «الأبيض» الذي جعل بعض السكان الأصليين يعتبر هويته كابوسا، ويجاهر بالقول: اتمنى لو انني لم اخلق هنديا. «لكن وجه الفتاة وهي تدعوني إلى ان اناديها باسم إنكليزي وليس باسمها الهندي، كان ابلغ من أي كتاب. انه سرد حي من فصل مأساوي آخر من فصول «فكرة أميركا»، فكرة احتلال أرض الغير واستبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة. حتمت على هؤلاء الاشقياء الذين نجوا بأعجوبة من اطول حرب وأدمى ابادة في التاريخ البشري ان يتطهروا من اسمائهم واخلاقهم وثقافتهم واجسادهم ويمثلوا دور الموتى»!
بل ان هناك شعوبا هندية لم تفقد اسماءها الحقيقية وحسب، بل صارت لا تُعرف ولا تعرّف عن نفسها الا بالاسم الذي شنعه به غُزاتها. في عام 1712 اطلق غزاة الشمال الأميركي على عنقود كبير من الشعوب الناطقة بلغة اوجيبوا اسم «الافاعي المخاتلة»، وأجبروهم ان يعرّفوا عن انفسهم به، ويكرهونهم رسميا على ان يلقنوه لأبنائهم واحفادهم، إلى ان صارت التسمية علما عليهم، أي ابرازا لخصائص هويتهم!.
البريمل

عضو مميز
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,768

القبس
لعنة كنعان الإنكليزية: عندما أباد الإنكليز أكثر من 18 مليون هندي أحمر في الولايات المتحدة!

كتب جهاد فاضل:
على مدى الاربعمائة سنة التي أباد فيها الانكليز في المنطقة التي تسمى اليوم الولايات المتحدة أكثر من 18 مليون هندي أحمر، ومحوا من ذاكرة التاريخ مئات الأمم والشعوب (كما فعلوا بعد ذلك بسكان استراليا ونيوزيلندة وعشرات الجزر التي كانت تعجّ بالحياة) لم يغب عن بالهم ان احتلال الأرض والابادة الجسدية ليست كل شيء، وانه لا بد من كسر العمود الفقري لضحاياهم، الا وهو لغتهم وثقافتهم وتراثهم الروحي. هذه الابادة الثقافية، أو «المحرقة الأخيرة للوجود»، بتعبير رسل ميتز أحد زعماء الحركة الهندية، هي موضوع كتاب منير العكش: «أميركا والابادات الثقافية».
يقول الباحث وهو مختص بالدراسات الأميركية انه امضى سنوات طويلة في دراسة اخلاق هذه الابادة الثقافية وايديولوجيتها واسلحتها وتقنياتها وابطالها، وابواتها المحليين، ووقائعها المخيفة، اعتمادا على مراجعة مئات المصادر العامة، وعلى البحث والتنقيب في صناديق الوثائق الحكومية التي تضم آلاف الأوراق التي ترى النور لأول مرة في صفحات هذا الكتاب: سجلات مفوضي المحفوظات الوطنية ووزارة الداخلية، أو وثائق قرن ونصف القرن من وثائق الشؤون الهندية، أو محفوظات الكونغرس والمنظمات التاريخية وغيرها. انها شريط مصور من مأساة تعجز كل مخيلات الرعب عن محاكاتها، مأساة ابطالها ملايين من البشر كانوا كما يقول زعيم هندي في إحدى هذه الوثائق: كشجرة تساقطت اوراقها فكنستها الريح إلى الأبد!
الانجليز الاكثر عدوانية
على مدى خمسماية سنة تعرض هنود أميركا لحملات غزو اسبانية وبرتغالية وفرنسية وهولندية وإنكليزية سلبتهم انسانيتهم، وأنزلت بهم فنونا عجيبة من القتل والتدمير، ونظرت كلها إلى حياتهم ولغاتهم وأديانهم باحتقار. لكن الإنكليز وحدهم كانوا الأكثر عنجهية وعدوانية واصرارا على تدمير الحياة الهندية واقتلاعها من الذاكرة الانسانية. وحدهم جاؤوا بفكرة مسبقة عن أميركا نسجوها من لحم فكرة اسرائيل التاريخية: فكرة احتلال أرض الغير، واستبدال شعب بشعب، وثقافة بثقافة وتاريخ بتاريخ. فاستنسخوا بذلك احداثها، وتقمصوا أبطالها وجعلوها قدرهم المتجلي.
هذه الفكرة - في الكتاب - هي التي أرست الثوابت التاريخية الخمسة التي رافقت كل تاريخ أميركا:
- المعنى الاسرائيلي لأميركا.
- عقيدة الاختيار الالهي والتفوق العرقي والثقافي.
- الدور الخلاصي للعالم
- قدرية التوسع اللانهائي
- حق التضحية بالآخر.
وقد سلخت هذه الفكرة جلدها من حقبة الى حقبة، وجددت لغتها من جيل الى جيل، وطورها معاذيرها مع كل تطور جديد كالثورة الصناعية، ومع كل نظرية علمية جديدة كنظرية التطور. لكن جوهرها ومعناها وأهدافها لازمت المستعمرين الانكليز وقناعاتهم وتاريخهم وسياساتهم، واستحوذت على ألبابهم وعقولهم. كذلك ظلت حوافز هذه الفكرة وحروبها «الخيرية»، ورسالتها الحضارية واحدة لا تحول ولا تزول: انعاش الاسطورة، اسطورة «لعنة كنعان» التي نسجها بدو رعاع شيبون حاقدون على كل حضارات عصرهم. نسجوها من هاجس نهب هذه الحضارات باهلها وارضها وسمائها، واورثوا الزنابير الذين يرضعون هذه الاسطورة قبل حليب امهاتهم، عنجهية «الجلاد المقدس»، وأبلغ آداب «مسخ الآخر»، و«عبادة الذات»، وتقديس الجريمة.
القداسة الزائفة
الحضارة - وما أكثر تردادها واستهلاكها وابتذالها وتكني الانكليز بها - لم تستعر معناها من الاسطورة المؤسسة وحسب، بل انها نسجت منها كذلك تصوراتها ومعاييرها ونظامها القيمي والاخلاقي. فالفكرة، بلغتها الأم، تزعم فيما تزعم: - ان احتلال أرض الغير واستبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة وتاريخ بتاريخ، عمل مقدس أمر به الله. وبالتالي فانه يسمو على اخلاف البشر، وأمرائهم وقوانينهم وحياتهم وحرياتهم.
- ان فكرة أميركا تجسد مشيئة الله في أرض كنعان الجديدة (أي أميركا) وأهلها وثقافتها، كما جسدت فكرة اسرائيل مشيئة الله في أرض كنعان القديمة (فلسطين) وأهلها وثقافتها.
- ان المستوطنين الانكليز كالاسرائيليين التاريخيين استثناء وجودي يحتكر لنفسه الاضطلاع بارادة الله ويختص وحده بتنفيذها.
- ان معاملة السكان الأصليين لا تخضع للقوانين الاخلاقية أو الانسانية أو المبادئ العقلية، بل يحكمها ما نسجه العبرانيون من أساطير عن تجربتهم مع الكنعانيين. وهذا ما جعل المستعمرين الانكليز الذين يعتبرون انفسهم شعبا مختارا يطلقون اسم الكنعانيين على كل الشعوب التي أبادوها.
- ان نجاح فكرة أميركا في العالم الجديد يشكل مثالا طيبا يمكن تكراره حيثما اشتهى شعب الله. فالأرض «صحن من اللحم موضوع على المائدة، يقطع منه الانسان الأبيض ما يشتهي». وما تحقق في كنعان المجاز ليس الا خطوة على طريق كنعان الحقيقية: فلسطين والعالم العربي.
على مدى هذه المسيرة الطويلة من كنعان المجاز إلى كنعان الحقيقة، لم يغب عن أنبياء فكرة أميركا وجنرالاتها ان احتلال الأرض والابادة الجسدية ليست كل شيء، وانه لا بد من كسر العمود الفقري لضحيتهم، ألا وهو «لغتهم وثقافتهم وتراثهم الروحي».
حضارة الصابون والتعليم
ينقل الباحث من محاضر جلسات الكونغرس 33، الجلسة 23 ما يلي: «يجب مساعدة الحضارة على ابادة الهنود كما أمر الله يشوع ان يبيد الكنعانيين الذين لم يكونوا يختلفون عن جنود اليوم. ثم انه عوتب على تقاعسه عن الانصياع لأمر الله».
وعن مارك توين في عام 1867: «وقفت بجانب وزير الحرب وقلت له ان عليه ان يجمع كل الهنود في مكان مناسب ويذبحهم مرة وإلى الأبد. وقلت له: اذا لم توافق على هذه الخطة فان البديل الناجح هو الصابون والتعليم. فالصابون والتعليم انجح من المذبحة المباشرة، وادوم واعظم فتكا. ان الهنود قد يتعافون بعد مجزرة أو شبه مجزرة. لكنك حين تعلّم الهندي وتغسله، فانك ستقضي عليه حتما، عاجلا ام اجلا. التعليم والصابون سينسفان كيانه ويدمران قواعد وجوده. وقلت له: سيدي! اقصف كل هندي من هنود السهول بالصابون والتعليم، وَدَعْه يموت»!
ويبدو ان اضطهاد الهنود الحمر ما زال ساريا إلى اليوم في أميركا. فالباحث يشير في كتابه إلى حادثة تفيد ذلك: «لم يكن لفرحي حدود وأنا أرى بين طلاب الفصل الدراسي الجديد فتاة من سكان أميركا الأصليين لا تخطئ العين ملامحها «الهندية» برغم شعرها القصير ومظهرها «الأبيض» المبالغ فيه. كانت في السادسة عشرة وكان اسمها الأول «سنغ سوك». ولدهشتي، فانني حين ناديتها باسمها لم تجب. ولم ينفع النداء الثاني، بل زاد وجهها شحوبا واضطرابا وزادني حرجا. ومع انتهاء المحاضرة دنت مني وقالت وشفتاها ومنخراها يرتجفان: أرجو ان تناديني «جنيفر».هل يزعجك ان تناديني جنيفر؟ لا أريد أحدا ان يناديني «سنغ سوك»!
التطهر من الذات
ثمة اذن ما يسميه الباحث: ظاهرة الخوف من الذات، وكراهية الذات، والعنصرية ضد الذات، والارهاب الثقافي والنفسي «الأبيض» الذي جعل بعض السكان الأصليين يعتبر هويته كابوسا، ويجاهر بالقول: اتمنى لو انني لم اخلق هنديا. «لكن وجه الفتاة وهي تدعوني إلى ان اناديها باسم إنكليزي وليس باسمها الهندي، كان ابلغ من أي كتاب. انه سرد حي من فصل مأساوي آخر من فصول «فكرة أميركا»، فكرة احتلال أرض الغير واستبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة. حتمت على هؤلاء الاشقياء الذين نجوا بأعجوبة من اطول حرب وأدمى ابادة في التاريخ البشري ان يتطهروا من اسمائهم واخلاقهم وثقافتهم واجسادهم ويمثلوا دور الموتى»!
بل ان هناك شعوبا هندية لم تفقد اسماءها الحقيقية وحسب، بل صارت لا تُعرف ولا تعرّف عن نفسها الا بالاسم الذي شنعه به غُزاتها. في عام 1712 اطلق غزاة الشمال الأميركي على عنقود كبير من الشعوب الناطقة بلغة اوجيبوا اسم «الافاعي المخاتلة»، وأجبروهم ان يعرّفوا عن انفسهم به، ويكرهونهم رسميا على ان يلقنوه لأبنائهم واحفادهم، إلى ان صارت التسمية علما عليهم، أي ابرازا لخصائص هويتهم!.