سوء إدارة الحكومة لأزمة «كورونا» والعجز المالي وانتهاك المادة 39 من الدستور
عبدالكريم الكندري يستجوب رئيس الوزراء في 3 محاور
الخميس 2020/8/27
المصدر : الأنباء
عدد المشاهدات 12976
A+
A-
استمعالإستماع مع ويبريدر
د.عبدالكريم الكندري
النص الكامل لصحيفة استجواب النائب عبد الكريم الكندري لسمو رئيس الوزراء (اضغط هنا)
- تخبط في القرارات التنفيذية وتناقض حكومي خلال أزمة كورونا
- هل سيكون سبيل الحكومة في التصدي للعجز الاتجاه لجيب المواطن؟.. و لا يجوز للسلطة أن تراقب المراسلات أو المخابرات أو غيرهما تحقيقا للحرية الشخصية
قدم النائب د.عبدالكريم الكندري استجوابا لسمو رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد جاء في 3 محاور. وجاء نص الاستجواب كالتالي:
قال تعالى:
(قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون (47) ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون (48) ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون 49) سورة يوسف: الآيات 47 - 49.
إعمالا للأدوات الرقابية التي منحها الدستور لممثلي الأمة بموجب المادة 100 منه والتي نصت على أن «لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء استجوابات عن الأمور الداخلة في اختصاصاتهم».
عندما تقدمت بتاريخ 30/4/2019 باستجواب لسمو رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ جابر مبارك الصباح كانت خاتمة صحيفة الاستجواب بمنزلة خاتمة لعهده في إدارة الحكومة والتركة التي أورثها لخلفه والمدخل لإدارته.
«مرت 8 سنوات على تولي سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح دفة رئاسة مجلس الوزراء، أعلن خلالها العجز في الميزانية العامة، وتم استنزاف الاحتياطي العام، تراجعت الكويت في جميع المؤشرات العالمية على جميع الأصعدة، غاب عن الشعب وغاب عن جلسات مجلس الأمة، حقبة لم يسجن فيها فاسد وهجر فيها المصلح».
عهد كان يفترض به أن تستثمر الفوائض المالية التي أنعم الله علينا بها بسبب الطفرة في أسعار البترول منذ 2011، وتعمل الدولة على تحقيق رؤية صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله بتحويل الكويت لمركز مالي ينقلها من دولة مصدرة للنفط إلى دولة مصدرة للاستثمار والإدارة ومركزا عالميا لجذب الأعمال.
ذهب هذا العهد وتبخرت معه الآمال واستنزفت به الفوائض المالية لأسباب كثيرة ذكرت في صحيفة الاستجواب في وقتها والتي قدمت لرئيس الوزراء السابق وعلقنا بها الجرس وحذرنا بأن الاحتياطي العام للدولة قارب على النضوب ولابد من إنقاذه قبل أن نصل إلى صندوق الأجيال القادمة.
ذلك تاريخ مضى تاركا تداعياته على الحكومة الأولى لسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح وانعكاساته المرتقبة على الشعب الكويتي ومستقبله.
الأساس الدستوري لمسؤولية رئيس مجلس الوزراء
«الاستجواب يحمل معنى المحاسبة، وقد ينتهي بتوجيه الاتهام إلى من قدم بحقه. ولذلك يعتبر وسيلة من أهم الوسائل التي تملكها السلطة التشريعية وأخطرها في مواجهة أعضاء الحكومة».
نظم الدستور الكويتي في نصوصه سبل المحاسبة والرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية عن طريق تبني إثارة المساءلة السياسية لرئيس مجلس الوزراء والوزراء بتبني أداة الاستجواب التي حدد المشرع لها شروطا شكلية وأخرى موضوعية وفقا للدستور الكويتي والمذكرة التفسيرية بالإضافة إلى القرارات التفسيرية الصادرة من المحكمة الدستورية، فقد نصت المادة 100 من الدستور أن «لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء استجوابات عن الأمور الداخلة في اختصاصاتهم ولا تجري المناقشة في الاستجواب إلا بعد ثمانية أيام على الأقل من يوم تقديمه، وذلك في غير حالة الاستعجال وموافقة الوزير وبمراعاة حكم المادتين 101 و102 من الدستور يجوز أن يؤدي الاستجواب إلى طرح الثقة على المجلس».
لكن على خلاف الاستجوابات الموجهة للوزراء والتي قررت المادة 101 من الدستور أنها قد تنتهي بقرار من المجلس بعدم الثقة بالوزير واعتباره معتزلا من تاريخ قرار عدم الثقة به، فقد حدد الدستور الكويتي مسارا خاصا للتعامل مع استجواب رئيس مجلس الوزراء، حيث جاء في نص المادة 102 من الدستور «لا يتولى رئيس مجلس الوزراء أي وزارة، ولا يطرح في مجلس الأمة موضوع الثقة به. ومع ذلك إذا رأى مجلس الأمة بالطريقة المنصوص عليها في المادة السابقة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، رفع الأمر إلى رئيس الدولة، وللأمير في هذه الحالة أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة، أو أن يحل مجلس الأمة».
أوضحت المذكرة التفسيرية أسباب التمايز بين الاستجواب المقدم لرئيس مجلس الوزراء والوزراء من ناحية النتيجة أثناء شرح تحديد معالم دستور الكويت الذي تخير موضعا وسطا بين النظامين البرلماني والرئاسي بعدم النص على إسقاط الوزارة بكاملها بقرار عدم الثقة يصدره مجلس الأمة، والاستعاضة عن ذلك الأصل البرلماني بنوع من التحكيم يحسمه الأمير بما يراه محققا للمصلحة العامة، وذلك إذا ما رأى مجلس الأمة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء كما جاء بالمادة 102.
وبينت المذكرة التفسيرية أيضا أنه إذا صدر قرار المجلس بعدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء لم يترتب على ذلك تنحيته عن الوزارة كما هو مقرر بالنسبة للوزير، وإنما يكون الأمير حكما في الأمر، إن شاء أخذ برأي المجلس وأعفى الوزارة، وإن شاء احتفظ بالوزارة وحل المجلس.
وأرجعت المذكرة هذا الأسلوب في التعاطي مع استجواب رئيس مجلس الوزراء بأنه يمثل ضمانة تكفل الاستقرار للوزارة في مجموعها. كما أن رئيس مجلس الوزراء الذي يصل برمي مجلس الأمة به ومعارضته لسياسته حد تعريض المجلس نفسه للحل، وتعريض أعضائه أنفسهم لخوض معركة انتخابية مريرة ليس من الصالح العام تحصينه أكثر من ذلك أو كفالة بقائه في الحكم إلى أبعد من هذا المدى.
أما عن الطبيعة القانونية المساءلة، تبنى الدستور الكويتي فكرة المسؤولية السياسية لرئيس مجلس الوزراء حيث نصت المذكرة التفسيرية «ما أثبتته التجارب الدستورية العالمية من أن مجرد التلويح بالمسؤولية فعال عادة في درء الأخطاء قبل وقوعها أو منع التمادي فيها أو الإصرار عليها، ولذلك تولدت فكرة المسؤولية السياسية تاريخيا عن التلويح أو التهديد بتحريك المسؤولية الجنائية للوزراء، وقد كانت هذه المسؤولية الجنائية هي الوحيدة المقررة قديما».
لذلك تجد أن المسؤولية السياسية التي يثيرها عضو مجلس الأمة تأخذ طابعا خاصا يتمثل في التلويح والتجريح وإحراج رئيس مجلس الوزراء أو الوزير وهذا ما نصت عليه المذكرة التفسيرية صراحة «أن تجريح الوزير، أو رئيس مجلس الوزراء بمناسبة بحث موضوع عدم الثقة أو عدم التعاون، كفيل بإحراجه والدفع به إلى الاستقالة، إذا ما استند هذا التجريح إلى حقائق دامغة وأسباب قوية تتردد أصداؤها في الرأي العام، كما أن هذه الأصداء ستكون تحت نظر رئيس الدولة باعتباره الحكم النهائي في كل ما يثار حول الوزير أو رئيس مجلس الوزراء، ولو لم تتحقق في مجلس الأمة الأغلبية الكبيرة اللازمة لإصدار قرار (بعدم الثقة) أو (بعدم التعاون) كما أن شعور الرجل السياسي الحديث بالمسؤولية الشعبية والبرلمانية، وحسه المرهف من الناحية الأدبية لكل نقد أو تجريح، قد حملا الوزير البرلماني على التعجيل بالتخلي عن منصبه إذا ما لاح له أنه فاقد ثقة الأمة أو ممثليها».
أما فيما يتعلق بحدود المسؤولية السياسية، فنصت المادة 102 على أن «لا يتولى رئيس مجلس الوزراء أي وزارة..» وهذا يعني أن رئيس مجلس الوزراء مفرغ لما هو أكبر من تولي حقائب وزارية متخصصة، أوعزت المذكرة التفسيرية للدستور ذلك لضخامة أعباء رئاسة الوزراء «ألا يتولى مع الرئاسة أي وزارة، وهو أمر له أهميته من ناحية سير عمل الحكومة، وبمراعاة ضخامة أعباء رئاسة الوزارة في التوجيه العام للحكم، والتنسيق بين الوزارات واتجاهاتها، وتحقيق رقابة ذاتية يمارسها رئيس مجلس الوزراء على الوزارات المختلفة، ما يضاعف أسباب الحرص على الصالح العام والتزام هذه الوزارات للحدود الدستورية والقانونية المقررة».
ووفقا لأحكام المادة 127 من الدستور «يتولى رئيس مجلس الوزراء رئاسة جلسات المجلس والإشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة. وحددت المادة 123 من الدستور الدور الذي يمارسه مجلس الوزراء مجتمعا بأنه «يهيمن مجلس الوزراء على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية».
لم تجر العادة أن يقوم مقدم الاستجواب في مجلس الأمة على تأكيد دستورية صحيفة استجوابه، لكن وبعد إسراف الحكومات المتعاقبة بمحاولة تعطيل أداة الاستجواب حماية لمن قدم في مواجهته تحت عدة أعذار كان أهمها إسقاط القرارات التفسيرية للمحكمة الدستورية بشكل جزافي على أي استجواب حتى لو كان قد حقق الضوابط دون نقاش أو إثبات، لذلك نستعرض قبل الدخول في محاور الاستجواب الضوابط التي اعتاد البعض استخدامها لمحاولة هدر المسائلات السياسية للتأكيد على أنها محترمة سلفا أثناء صياغة صحيفة الاستجواب.
من أهم قرارات المحكمة الدستورية تلك التي جاءت في طلبات التفسير رقم 8 لسنة 2004 «الاستجواب البرلماني» وطلب التفسير رقم 10 لسنة 2011 «المسؤولية السياسية لرئيس مجلس الوزراء».
ومنها ضوابط تتعلق في الاستجواب ذاته:
«أن الاستجواب يجب أن يكون موضوعه واضحا، محددا بوقائع تحصر أسانيدها، حتى يتخذ المستجوب عدته، ويستعد للمناقشة، ويتمكن من الإدلاء بحجته، ولا يجوز إقحام موضوعات جديدة أخرى على طلب الاستجواب أثناء مناقشته إلا ما كان متعلقا بوقائع تفصيلية ترتبط بحكم اللزوم بموضوع طلب الاستجواب».
ضوابط تتعلق في مسؤولية رئيس مجلس الوزراء:
- «أن كل استجواب يراد توجيهه إلى رئيس مجلس الوزراء، ينحصر نطاقه في حدود اختصاصه في السياسة العامة للحكومة.
- إن استعمال عضو مجلس الأمة لحقه في استجواب رئيس مجلس الوزراء فيما يدخل في اختصاصه، منوط بأن تكون السياسة العامة للحكومة المراد استجوابه فيها، قائمة ومستمرة.
فقد جاء هذا الاستجواب واضحا جليا في الموضوع بثلاثة محاور مستندة الى وقائع محددة داخلة في اختصاص سمو رئيس مجلس الوزراء كونها تمثل سياسة عامة للحكومة قائمة ومستمرة حتى الآن أو قامت في عهد سلفه ومازالت آثارها موجودة على الأرض، مؤكدين بنفس الوقت أن الدفع بعدم دستورية الاستجواب كاملا أو أحد محاوره هو دفع يملكه الموجه له الاستجواب بعد اعتلاء المنصة تاركا تقييم رأيه هذا وحججه للنواب، أما استخدامها بتقدير شخصي من قبل المستجوب قبل قبوله صعود منصة الاستجواب هو عبث بأداة الاستجواب ذاتها والتفاف على المادتين 100 و101 من الدستور وجوهر المساءلة بالسماح للمسائل أن يشرك الحكومة بالتصويت في الاستجواب بشكل غير مباشر.
المحور الأول
سوء إدارة الحكومة لأزمة «كورونا»
شهد العالم تحديا لم يشهده منذ زمن بعيد بخلاف الحروب، وهو اجتياح وباء فيروس كورونا المستجد لجميع الدول، جائحة لم تعرفها الدول والحكومات في العصر الحديث من قبل وآثار لم تشهدها المجتمعات انعكست على جميع جوانب الحياة، حيث وصلت الإصابات بالعالم إلى أكثر 23 مليون إصابة أدت إلى وفاة ما يفوق 800 ألف نسمة بالعالم.
أعلنت المنظمات الصحية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية WHO ضرورة أخذ أقصى الإجراءات الاحترازية والوقائية من أجل مكافحة انتشار هذه الجائحة وهو ما دفع جميع الدول لاتخاذ قرارات قاسية لمقاومة هذا الوباء العالمي.
وعليه أقدمت الكويت على إقرار حزمة إجراءات استثنائية تمثلت بتعطيل المرافق العامة والعمل في القطاعين العام والخاص وصولا إلى حظر التجول الجزئي ثم الكلي ووقف كافة أنشطة الدولة.
لا بد أن نسجل اعتزازنا وفخرنا بكوادرنا الوطنية الذين تواجدوا بالصفوف الأمامية ابتداء من الكوادر الطبية والأمنية والإدارية مرورا بالموظفين في جميع القطاعات الحيوية الرئيسية التي عملت دون توقف لتسيير أمور الحياة وصولا للمتطوعين الأفراد من كل الفئات ومؤسسات المجتمع المدني واللجان الخيرية والعمل التعاوني. وكذلك نسجل الشكر والامتنان للمواطنين الذين التزموا بالإجراءات الصحية وساندوا الحكومة في تنفيذها.
لا شك أن جائحة كورونا لم تكن متوقعة، ومن توقعها لم يتوقع أن تكون تداعياتها بهذا الشكل المخيف، لذلك كانت بدايات التصدي لهذا الوباء متفاوتة في كل الدول، فهناك من اتخذ أقصى الإجراءات الوقائية كنيوزيلندا وهناك من تدرج كفرنسا وألمانيا وهناك من استهان بها حتى وقعت عليه الكارثة ومثال على ذلك انهيار إيطاليا وايران والمملكة المتحدة.
في الكويت لم تكن تقارير أزمة كورونا وتفشيها في الصين غائبة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، ففي اجتماع مجلس الوزراء بتاريخ 27/1/2020 «تابع مجلس الوزراء الأنباء المتعلقة بانتشار فيروس (كورونا) في الصين وخارجها، وضمن إطار حرص الحكومة على اتخاذ الإجراءات الوقائية والخطوات الاحترازية للحد من انتقال فيروس (كورونا) في الكويت، فقد استمع المجلس إلى شرح قدمه وكيل وزارة الصحة الدكتور مصطفى رضا حول التدابير والإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة وبالتنسيق التام مع منظمة الصحة العالمية وجميع المنظمات العالمية والإقليمية المعنية وكذلك الجهات المحلية المعنية بالتعامل مع مثل هذه الأمراض والأوبئة، للحد من انتشار هذا المرض ومنع العدوى واتخاذ كافة الإجراءات الوقائية والاحترازية لمجابهة هذا الفيروس، مؤكدا خلو الكويت من أي إصابة بحمد الله، منوها بجاهزية العيادات الصحية وغرف العزل الموجودة في مطار الكويت الدولي وتزويد المنافذ بالكاميرات الحرارية وتعميم الإقرارات الصحية على القادمين إلى الكويت من الدول المعلن عن ظهور المرض فيها وتجهيز القطاع الصحي بالمعدات والأجهزة اللازمة لمنع انتشار العدوى.
وقد أكد مجلس الوزراء اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير العملية اللازمة من قبل كافة الجهات الحكومية المعنية في مواجهة الاحتمالات المتعلقة بانتشار هذا الفيروس».
كما ناقش مجلس الأمة في جلسته بتاريخ 4 فبراير 2020 استعدادات الحكومة لهذه الأزمة، واستمرت هذه المتابعات حتى تم الإعلان عن أول ثلاث حالات في الكويت بتاريخ 24 فبراير 2020 وهي من قبل العائدين من إيران، حينها وجه سمو رئيس مجلس الوزراء بتكليف «فريق برئاسة وزير الصحة وعضوية ممثلين من كل من (وزارة الخارجية، وزارة الداخلية، الإدارة العامة للجمارك، وزارة المالية، وزارة الإعلام، وزارة التجارة والصناعة، الهيئة العامة للغذاء والتغذية، مركز التواصل الحكومي) لمتابعة تطورات هذا الوباء واتخاذ كافة الإجراءات والتدابير والخطوات اللازمة للحد من انتشار المرض في البلاد، ويكون الفريق في حالة انعقاد دائم لتولي متابعة آخر مستجدات انتشار هذا المرض على المستويين المحلي والخارجي وتوفير كافة المستلزمات والأدوية الوقائية والعلاجية».
منذ هذا التاريخ دخلت الكويت على خط الدول التي تسرب لها الوباء والظهور على جدول الإعلانات اليومية لتزايد الإصابات، ومنذ هذا اليوم بدأت الحكومة بإصدار القرارات الاستثنائية لمواجهة هذه الجائحة وأولها وقف وإلغاء فعاليات الاحتفال بالعيد الوطني وعيد التحرير.
ولأن رئيس مجلس الوزراء لا يساءل عن الأعمال التنفيذية التي يقوم بها الوزراء، حيث يقتصر عمله على وضع السياسة العامة للحكومة وتوجيه الوزراء لتنفيذها، والإشراف والتنسيق بينهم، وحسم القرار في حالة وجود تعدد في الآراء، والتأكد من عدم تضاربها، فان إدارة الأزمة تقع على عاتقه بحيث يظهر جليا مدى التزام الوزراء بالإطار العام الذي يضعه لهم، ولا مجال للحديث عن ما تعارف عليه البعض بمصطلح «السلطات الصحية»، فان كانت هذه التسمية جاءت بسبب انتشار التقارير الصحية التي أطلقتها المنظمات وتداولها الإعلام، فلا يعدو استخدامها أن يتعدى معنى القرار، لذلك لا يعرف الدستور الكويتي إلا ثلاث سلطات وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال تصوير بأن وزير الصحة هو من يدير الدولة، نعم قد يكون الرأي والتقرير الصحي يشكل أساسا في صياغة القرار الحكومي لكن السلطة التنفيذية وعلى رأسها رئيس مجلس الوزراء هي من تدير الحكومة ويشرف رئيسها على عمل الوزراء، ويظهر هذا حيث أديرت الأزمة من مجلس الوزراء الذي كان يجتمع بشكل دوري «اجتماعه العادي، والاستثنائي».
تضارب القرارات
إن الإدارة الحصيفة للدولة ومؤسساتها تتطلب الحكمة والدراية والاطلاع وحسن اتخاذ القرار، وما حصل في أزمة كورونا من تخبط واضح في القرارات التنفيذية والتناقض بين الجهات الحكومية الذي شهده جميع المواطنين، يؤكد أن الحكومة قبل أن تدير الأزمة بشكل سيئ كانت تعاني سوء التنسيق بين الجهات الحكومية وتوحيد الرؤى والقرار. وبموجب المادة 127 من الدستور «يتولى رئيس مجلس الوزراء رياسة جلسات المجلس والإشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة».
بدأ مجلس الوزراء بعقد اجتماعات بشكل دوري لمتابعة تطور انتشار فيروس كورونا بالكويت ولاتخاذ الإجراءات المناسبة لمكافحة الوباء وفقا للمعطيات المتغيرة التي تناقش من قبل رئيس فريق متابعة تطورات فيروس كورونا المستجد وباقي الوزراء.
ولا يجب أن ننسى بأن إدارة الأزمات بالكويت ليست أمرا مستجدا، فقد شهدت الكويت قبل عامين أزمة الأمطار وغرق الشوارع والمناطق السكنية، والتي كانت يفترض أن تهيئ الحكومة للحالات الاستثنائية وتضع لها خطة واضحة لطريقة التنسيق وإدارة الأزمات، ومع الفارق بين الأزمتين لكن المشترك بينهما بأن الأعذار الحكومية كانت واحدة للرد على سوء الإدارة، بأن هذا ظرف استثنائي لم نشهده من قبل، متناسية بأن الأزمات قد لا تتشابه ولن تحذر أحدا إن ضربت، لكن وضع استراتيجية تجاوزها والتصدي لها هو ما يميز القادرين على إدارتها.
إن الفيصل في اتخاذ القرار هي توجيهات رئيس مجلس الوزراء وسياسته في هذا الشأن، فمن الطبيعي أن يعمل كل وزير وفقا لتوجيهات مكلف بها ويقوم بتنفيذها على أرض الواقع، ولا يعفي رئيس مجلس الوزراء من المسؤولية أن القرارات المتخذة كانت بناء على رأي الوزراء، فرئيس مجلس الوزراء غير مسائل عن أعمالهم التنفيذية التي تدخل في اختصاصاهم لكن يسائل على سوء التنسيق بين هؤلاء الوزراء، أو تبني رأي أحد الوزراء وترجيحه ثم التراجع عنه دون محاسبة أو تبرير على الأقل خصوصا أن إدارة أزمة كورونا في مجلس الوزراء كانت جماعية وليست فردية.
«غياب السياسة العامة للتعامل مع الكوارث الطبيعية أو عدم متابعة تنفيذها يمكن استنتاجه من الحجم غير المعتاد للأضرار في مثل هذه الحالة مقارنة بغيرها من الحالات المماثلة أو من تضارب القرارات التنفيذية نتيجة عدم وجود هذه السياسة أو لعدم متابعة تنفيذها».
وللتدليل على مسؤولية رئيس مجلس الوزراء عن سوء التنسيق بين أعمال الوزراء بالمخالفة لنص المادة 127 من الدستور نورد على سبيل المثال لا الحصر بعض القرارات المتضاربة التي اتخذها مجلس الوزراء أو الجهات التي يشرف عليها بعض الوزراء وعلم عنها مجلس الوزراء ولم يتخذ موقفا واضحا اتجاهها.
وقف دخول الأجانب إلى الكويت
فيروس كورونا ليس مصدره الكويت، ومنذ بداية شهر يناير ومجلس الوزراء يتابع التقارير العالمية التي تفيد عن سرعة انتشار وتفشي هذا المرض، ومع ذلك لم يكن هناك توجيه واضح من قبل رئيس مجلس الوزراء حول هذا الشأن، والقول بأن الأمر يعود للقرار الصحي هو هروب من المسؤولية، فمنع دخول الأجانب إلى الكويت على سبيل المثال قرار يتخذ على أعلى المستويات وبتوجيه من رئيس مجلس الوزراء لوزرائه بذلك، إلا أن ذلك لم يحصل، فقد استمر تدفق الأجانب إلى الكويت دون تطبيق إجراءات الحجر الإلزامي المؤسسي عليهم حتى بدأ الضغط الشعبي يتصاعد نتيجة الهلع الذي أصاب المواطنين.
ومع ذلك فتحت الأجواء لمدة أيام للطيران وسبقها إصدار قرار بضرورة حصول من يريد الدخول للكويت على شهادة اجتياز فحص «PCR» على بعض الدول من ثم تم إلغاء هذا القرار بشكل مفاجئ، وتدفق الآلاف إلى الكويت دون أن يكون هناك موقف واضح من الحكومة أو تبرير لما حصل، وهنا تثور مسؤولية رئيس مجلس الوزراء أولا هل كان هناك توجها منه بوقف دخول الأجانب إلى الكويت كونه استمع بشكل موسع للرأي الصحي من قبل وزير الصحة؟ وهل خالف أحد هذا التوجه؟ ولماذا لم يحاسب من قام بفتح الأجواء لإدخال الآلاف إلى الكويت الأمر الذي تسبب بالضغط على الكوادر الصحية والمحاجر وتسبب بحالة من الهلع الشعبي؟
ومع هذا كله ساند الشعب الحكومة ووقف بجانبها مدركا بأن من يعمل قد يخطئ، لكن أن يكرر هذا الخطأ، ويسمح للطيران التجاري بالعمل دون السيطرة على الجائحة بالكويت، وفي ظل إعلان وزارة الصحة عن احتمالية تعرض الكويت لموجة ثانية من الفيروس، نجد قرار منع الأجانب لدخول الكويت ينهار وكأن هناك ضغطا تجاريا أو دوليا مورس علينا في هذا الشأن، فلا يقبل العقل ولا المنطق أن يحذر وزير الصحة من موجه ثانية، ومجلس الوزراء يمدد الحظر، ولا ينتقل إلى مرحلة متقدمة من مراحل عودة الحياة بسبب التقارير الصحية ثم يسمح بعودة الأجانب.
ومرة أخرى يتدخل الضغط الشعبي الذي أصابه الهلع والذهول من هذا القرار لتقوم الحكومة بتغييره في ساعات. إن كان رئيس مجلس الوزراء سيتحجج بأن في المرة الأولى كان هناك خطأ، فهل له تبرير لتكرار هذا الخطأ مرة أخرى والتراجع عنه؟ وهل سنشهد فتح المطار للقادمين مرة أخرى قريبا في ظل عدم تراجع معدل الإصابات بشكل كبير والتقارير التي تفيد بوجود موجة ثانية من الوباء؟
التعاقدات المباشرة
أعلن ديوان المحاسبة أن قيمة التعاقدات الحكومية، التي أقرها الديوان منذ بداية أزمة كورونا في 12 مارس وحتى 29 يونيو الماضي، بلغت 1.101 مليار دينار، وإن إجمالي الموضوعات المعروضة خلال الفترة المذكورة بلغ 849 موضوعا، 37% منها مرتبطة بالفيروس، و63% موضوعات طارئة.
وأشار تقرير ديوان المحاسبة أن قيمة التعاقدات الطارئة المرتبطة بمكافحة كورونا بلغت 405 ملايين دينار، في حين وصل إجمالي التعاقدات الطارئة الأخرى المرتبطة بشكل غير مباشر بمكافحة تداعيات الفيروس إلى 696 مليونا.
ولفت التقرير إلى أن قيمة تعاقدات وزارة الصحة خلال تلك الفترة مثلت 32% من إجمالي تلك التعاقدات، بـ274 موضوعا بقيمة 267 مليون دينار، في حين كان 7% من تلك المواضيع تعاقدات خاصة بوزارة الدفاع بـ 58 موضوعا بـ87 مليونا، و5% منها لوزارة الكهرباء والماء بـ 46 موضوعا بقيمة 174 مليونا، وشملت مناقصة أعمال صيانة وإصلاح محطات التحويل الرئيسية بنحو 84 مليونا.
لا يستطيع أحد أن ينكر أن جميع الدول لم تتوقع ما حصل منذ بداية ظهور فيروس كورونا المستجد في الصين، ومع ذلك أكدت الحكومة في مجلس الأمة أثناء مناقشتها للاستعداد لمكافحة هذا الوباء جاهزيتها، وبسبب الاضطراب العالمي الذي حصل، وارتفاع حجم الإصابات، قامت الحكومة بجملة تعاقدات من أجل توفير ما تحتاجه لرفع جاهزيتها لمكافحة الوباء، وما قد تحتاجه في المستقبل لتأمين مخزونها الاستراتيجي، خصوصا مع بداية اقفال الأسواق العالمية واحتفاظ الدول بمنتجاتها سواء الصحية أو الغذائية أو حتى بما يتعلق بالمعدات، لكن ظهرت في بداية الأزمة تساؤلات حول شفافية التعاقدات المباشرة وخصوصا حول ما أثير على بعض مناقصات وزارة الصحة، وهو ما أثار غضبا شعبيا قوبل بقمع من الحكومة بتقديم البلاغات ضد سياسيين والأطباء والمواطنين كان كل ذنبهم بأنهم لا يريدون لتجار الأزمات أن يستغلوا وضع البلد.
وكانت أمام رئيس مجلس الوزراء أمثلة لتقاذف المسؤولية الوزارية أهمها ما اشتهرت بتسميته بأزمة «أين الكمامات»، هذا المنتج الذي له أهميه قصوى في هذه الأزمة بل يكاد يكون أهم إجراء وقائي عالمي للحماية من الإصابة بفيروس كورونا، فأمام عين رئيس مجلس الوزراء تقاذف بالبداية كل من وزير التجارة ووزير الصحة مسؤولية تحديد أسعاره، ثم الصراع على من يفترض به أن يسلمه إلى الجمعيات التعاونية، وما تكشفت عنه المعلومات بأن الكميات الموجودة في ذلك الوقت بالكويت قدرت بـ 13 مليون كمام في حين أن الحاجة الفعلية تتجاوز ذلك بأضعاف للاستخدام الشهري. بالإضافة الى خلو مخازن الكويت من باقي المعدات الطبية كالقفازات وأدوات الوقاية للعاملين في الصفوف الأمامية.
إذا لم يكن لرئيس الحكومة كلمة في توفير أهم أسلحة الحرب ضد مكافحة فيروس كورونا فما هو دوره إذن؟ كيف غاب سمو الرئيس عن حالة الفوضى التي حدثت بين وزرائه والحرب الإعلامية التي شهدتها البلاد بينهم في ظل الحاجة الماسة لزرع الثقة بين حكومته وبين المواطنين لكي نتجاوز الأزمة؟ وكيف يبرر رئيس مجلس الوزراء هذا الحجم من الانفاق دون أن تتوافر أهم احتياجات الصفوف الأمامية والمواطنين؟ كيف يصدر مجلس الوزراء قرارا بإلزام الجميع بارتداء الكمامات وهي غير موجودة؟
هل كان فعلا الحل هو تقديم شكوى ضد المواطنين والسياسيين بدلا من إجراء تحقيق مواز لمعرفة ماذا كان يدور خلف الكواليس؟ ألم يكن سموه ومجلسه في حالة اجتماع دائم وعلى دراية بأن التعاقدات المباشرة مع موردين؟ ألم يثر هذا المبلغ المصروف تساؤلات عن مدى الحاجة الفعلية لما أنفق عليه؟ لسنا أطباء لكي نحكم على القرارات الصحية التي اتخذتها الحكومة أثناء مكافحة جائحة كورونا، لكن جميع المواطنين شاهدوا مجموعة من الأطباء الأكفاء وأصحاب الاختصاص أبدوا رغبتهم في العمل مع الدولة ضمن مجموعات استشارية للاستفادة من طاقاتهم الوطنية أو على الأقل الالتفات لوجهة نظرهم، كما هو حاصل في كثير من الدول، فلم تكن المعلومات حكرا على أحد، بل كان الاجتهاد الطبي سيد الموقف، لكن هذا لم يحصل بالكويت، فبالرغم من النصائح والإرشادات التي كانت تهدف للمصلحة العامة، تم تجاهلها بل كانت هناك ردود من قبل وزارة الصحة معاكسة لهذه الآراء حتى وصلت لدرجة الإحالة إلى التحقيق، ومنها على سبيل المثال استخدام الوزارة لجهاز فحص الدم للكشف عن كورونا، حيث ثبت بعد أن قامت الحكومة بشرائه والترويج له بأنه لا يصلح لتشخيص الإصابة بفيروس كورونا بالإضافة إلى الكثير من الدراسات والتوصيات التي أكدت على عدم جدواه. وكذلك تجاهل مطالبات المختصين بتوسعة دائرة المسحات لكي تكون الأرقام المعلنة عن الإصابات تعكس الواقع.
تطبيق الحجر المؤسسي والمنزلي
وهذا مثال آخر يؤكد تضارب القرارات التي كانت أمام مرأى ومسمع رئيس مجلس الوزراء حتى يومنا هذا، فقد أكدت الحكومة على جاهزيتها للأزمة قبل وصول أولى الحالات المصابة إلى الكويت، وأعلنت بأنها خصصت أجنحة عزل في المستشفيات للحجر المؤسسي، لكن ورغم التقارير التي قام وزير الصحة بمناقشتها مع مجلس الوزراء عن وضع فيروس كورونا بالمنطقة، سمح لأول القادمين إلى الكويت من دول أعلنت عن انهيار منظومتها الصحية وخروج الوباء فيها عن السيطرة لمغادرة مطار الكويت والتوجه إلى منازلهم، وبعد أيام قررت وزارة الصحة تطبيق قواعد الحجر المؤسسي على العائدين إلى الكويت من جميع الدول.
لو افترضنا أن هذا القرار يعود لوزير الصحة، فأين توجيهات رئيس الحكومة الذي يدير الأزمة مما حصل؟ لماذا طبق العزل المنزلي رغم عدم معرفة جميع المواطنين بكيفية تنفيذه على القادمين من دول موبوءة؟ ولماذا بعدها تحول الجميع إلى العزل المؤسسي إذا كان القرار الأول صحيحا؟ ألم يكن هذا الخطأ أحد أسباب تسرب الفيروس فعليا إلى المواطنين بعد مخالطة من لم يحجر مع الأصحاء؟
وحتى لحظة صياغة صحيفة الاستجواب، يتم تشخيص المواطنين بإصابتهم بفيروس كورونا ويطلب منهم البقاء بالمنزل، فلماذا كل هذا الإنفاق إذن على الفنادق والمنتزهات والمحاجر المتنقلة إذا لم تستخدم؟
التركيبة السكانية
سنوات ونحن نطالب بإصلاح التركيبة السكانية المختلة في الكويت لأسباب ترجع إلى:
1- توفير الفرص الوظيفية للمواطنين.
2- تخفيف الضغط على الدعم الذي تقدمه الدولة للسلع والخدمات والذي يتسبب في إرهاق الميزانية.
3- القضاء على الظواهر السلبية والمشكلات الاجتماعية التي ظهرت بسبب تزايد عدد الوافدين بالدولة من مختلف الجنسيات.
وقد تفجر تأثير اختلال التركيبة السكانية خلال أزمة كورونا بشكل لا يدع معه المجال للمماطلة في حل القضية حلا جذريا نهائيا دون تأخير، فبسبب عدد الوافدين بالدولة الذي تجاوز ثلاث ملايين ومائتي ألف نسمة مقابل مليون وأربعمائة ألف كويتي، وبنسبة مواطن يقابله 3 وافدين، وبسبب سوء توزيع العمالة، وتكدسها في مناطق معينة غابت عنها الرقابة لسنوات، كانت هذه التجمعات بؤرا لانتشار فيروس كورونا بشكل كبير وسريع منذ بداية الأزمة، وهو ما أرهق الكوادر الطبية والصحية والعاملين في المحاجر وعرض الدولة لضغط كبير ماليا وصحيا، بالإضافة إلى مراكز الإيواء التي تم اعتمادها لمخالفي الإقامة وما نتج عنها من ضغط على العناصر الأمنية والمتطوعين نتيجة امتناع كثير من الدول عن استقبال رعاياها.
بالإضافة إلى الجهد البشري الذي أهدر، فهناك التكلفة المالية التي ذهبت على المحاجر التي أنشئت والمستشفيات الميدانية التي نصبت إضافة إلى مصاريف الإيواء والإعاشة، وما فات الدولة من غرامات ألغيت لتشجيع المخالفين على المغادرة. هنا فقط تنبهت الحكومة لهذه المشكلة جديا، مدركة أنها تواجه خلال جائحة كورونا انتشار الوباء وحالة الفوضى التي تركتها سنوات من عدم الالتفات لمطالباتنا بضبط التركيبة السكانية، وعدم التصدي الحقيقي لهذا الملف.
ومع وجود فرصة لا تعوض لاتخاذ قرارات حازمة سيادية تصب في صالح إعادة التوازن لأرقام العمالة بالكويت، والتخلص من الهامشي منها، ومن هم خارج نطاق العمل لتجاوزهم السن، والقيام بإجراءات كتلك التي قامت بها دول المنطقة بتنفيذ سياسة التوطين كسلطنة عمان، وبمجرد العودة التدريجية للحياة، تلاشت الوعود الحكومية التي قطعتها على نفسها، وعدنا للمربع الأول من المماطلة في حل هذه القضية، بتشكيل اللجان والدراسة وغيرها من الوسائل الحكومية التقليدية لكسب الوقت.
لن نكون حالمين بمطالبة الحكومة بأن تقوم بعكس النسبة بين المواطنين والوافدين، كما صرح سمو رئيس مجلس الوزراء أمام رؤساء الصحف والإعلاميين ولن نتمسك حرفيا بما أعلنه بأن التحدي القادم لحكومته هو عكس التركيبة السكانية لتكون 70% كويتيين و30% لغير الكويتيين.
لكن وحتى وقت قريب لم يصدر أي إجراء عملي يدعم هذا التوجه على أرض الواقع، بل جاءت الرؤية الحكومية لمعالجة الاختلالات في سوق العمل وأثرها على التركيبة السكانية والتي استعرضتها وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية في اجتماعات لجنة تنمية الموارد البشرية في مجلس الأمة مخيبة للآمال والتي كانت أبرز ملامحها:
- توطين القطاعين الخاص والعام بالإحلال والتحفيز التدريجي لـ 160 ألف وظيفة وتقليص التدفق للقطاع الحكومي.
- من الممكن تقليص 370 ألفا من العمالة ذات العائد السلبي على الاقتصاد والمخالفة للقانون بأدوات قصيرة المدى.
- الحد من العمالة الهامشية ورفع جودة العمالة بنظام الاستقدام الذكي والمتوقع بتقليص حتى 25%.
- المتوقع بتفعيل التحول الرقمي تقليص عقود العمل المؤقتة في القطاع الحكومي بنسبة تتجاوز 30% وباستخدام نظام إدارة المرافق تقلص عدد العمالة بما لا يقل عن 25% ورفع جودتها.
إن القرار الحازم بهذه القضية التي برزت على سطح أزمة «كورونا» وستظل ترهق الدولة طالما استمر المرض في الانتشار، وحتى ان تواجد العلاج مستقبلا، لا يكون بترديد الكلام النظري والذي ينتهي بكلمات التدرج والمدد الزمنية غير محددة، أو بتشكيل لجان تنبثق عنها لجان أخرى كما جرت العادة، فلا حل للتركيبة السكانية إلا بقرارات ذات بعد سيادي والتي تتمثل بإصلاح الخلل بشكل مباشر، خصوصا أن الظروف التي كانت تمر بها الكويت لا تحتمل التسويف. هل تمثل هذه الرؤية سياسة رئيس مجلس الوزراء العامة لضبط التركيبة السكانية؟ هل من منظور سمو الرئيس ضبط نسب الجاليات في الدولة خصوصا مع تقارب بعض الجاليات لأرقام المواطنين؟ إذا كانت هذه رؤية الحكومة فلماذا يكلف مجلس الوزراء بتشكيل لجنة لذلك؟
انكشاف الأمن الغذائي الذاتي
مثال آخر لسوء التخطيط للأزمات، وغياب السياسات الحكومية لمواجهة آثارها، فبعد سنوات من توزيع الحيازات الزراعية بهدف تأمين السلة الغذائية محليا أو الوصول لمرحلة الأمان الغذائي، وسنوات من الدعم الذي يقدم لمربي الماشية، وسنوات من الميزانيات الضخمة التي تقدم لهيئة الزراعة والثروة السمكية، كل هذه السنوات والمبالغ انكشفت نتائجها أثناء أزمة كورونا، حين تبين أن إنتاجنا المحلي لا يغطي السوق لأشهر ولن نقول بشكل دائم رغم أن الأصل هو العمل على تأمين ذلك.
بل أكثر من ذلك تم التضييق على المزارعين الحقيقيين القلة الذين جلسوا يندبون رمي محاصيلهم بسبب تمكن الوسطاء وتجار السلع المستوردة من الأسواق، وبدلا من تعزيز ودعم المزارع الكويتي وجدنا حروبا تشن عليه، بخسارة تعود على الدولة التي تصرف مئات الملايين على ما يفترض أن نسميه الأمن الغذائي وعلى المواطن الذي اجتهد وعمل ووجد نفسه في سوق محتكر من الأجانب لا يستطيع من خلاله ترويج منتجاته بسعر عادل.
لا يختلف أحد على أن الحيازات الزراعية بالكويت أكثرها تحول إلى منتزهات واستراحات وخرجت عن الهدف من توزيعها، وبتصريح خلال الأزمة أعلن الوزير المعني أن الحيازات التي تستغل بغير الأغراض المخصصة لها ستسحب ولم نشاهد أي شيء من ذلك.
فما سياسة رئيس مجلس الوزراء العامة لحكومته من أجل توفير الأمن الغذائي في الكويت؟ وإذا كنا نتذرع بالوضع الإقليمي الملتهب دائما، وهو ما يضع الكويت في أسخن بقعة سياسية بالعالم، وبعد ما شهدناه من أزمة صحية لم تكن في الحسبان؟ هل فعلا يستطيع المواطن الكويتي أن يأمن توفير الغذاء محليا أثناء الأزمات؟ لماذا لم يوجه سموه لحل قضية المزارعين الكويتيين؟
مراحل عودة الحياة وجدوى الحظر
نسلم أن الإجراءات القاسية التي اتخذتها الحكومة والتي وصلت إلى حد تطبيق الحظر الكلي في البلاد هي إجراءات للحفاظ على سلامة الجميع ومحاولة لتطويق انتشار كورونا بين المواطنين، وهو إجراء اتخذته أغلب دول العالم حتى أن البعض سمى ما حصل بالإغلاق الكبير. إن تقدير تطبيق الحظر الجزئي من ثم تعديل ساعاته فالانتقال إلى الحظر الكلي هي بكل تأكيد إجراءات تعود للقرار الصحي ومعدل انتشار العدوى بالكويت، لكن ما حصل من اختلالات أثناء تطبيق الحظر هو ما يدفعنا للتوقف عنده وسؤال رئيس مجلس الوزراء عنه، عندما انتقلت الكويت من مرحلة الحظر الجزئي إلى مرحلة الحظر الكلي والاغلاق التام للدولة، فهذا يعني أن الإجراء المتخذ ذهب إلى هذه الدرجة من القسوة بسبب تزايد حالات الإصابة بالكويت والتي لاحظها الجميع حيث بدأت الأرقام بالقفز بشكل كبير، وهو إلى الآن أمر لا غرابة فيه، لكن أن يتخذ قرار بالسماح للتنقل وتغيير أماكن
السكن إلى الشاليهات والمنتزهات قبل عيد الفطر، لم يجد تفسيرا له حتى اليوم؟ فكيف تسمح الدولة التي أعلنت أقصى اجراء يتخذ بسبب تزايد حالات انتشار الفيروس بسبب المخالطة وتطبيق خطة الاجلاء بالسماح بالتجمعات بهذا الشكل؟
حتى تاريخ صياغة صحيفة الاستجواب المقدمة لسمو رئيس مجلس الوزراء، تخضع الكويت لحظر جزئي بعد رفع الحظر الكلي عنها بتاريخ 30 مايو، بهذا تكون الكويت التي أعلنت أولى خطوات تطبيق حظر التجول الجزئي بتاريخ 22 مارس قد قاربت على إكمال 5 أشهر متتابعة من تطبيق الحظر.
بخلاف الارتباك في تطبيق وتداخل مراحل العودة الخمسة التي أعلن عنها مجلس الوزراء، يتساءل الجميع عن الجدوى من تطبيق الحظر الجزئي؟ خصوصا من الساعة 9 مساء حتى الـ 3 فجرا.
فما كانت الحكمة من استمرار الحظر إذا؟ هل هو صراع داخلي ما بين القرار الطبي والقرار الإداري بمجلس الوزراء؟ نعلم تماما بأن القرار الطبي يكون عادة الأقسى في التقدير ليواجه بالقرارات الأخرى الاقتصادية والإدارية للدولة، لكن من المرجح في هذا الشأن؟ وما هي رؤية رئيس مجلس الوزراء المناط به بموجب الدستور التنسيق بين الوزراء؟
إن كان سبب استمرار الحظر الجزئي بهذه الساعات هو استمرار انتشار الوباء؟ لا مجال للتندر على قرارات الدولة فهي محل احترام لكن الجميع يتساءل ماذا يحصل؟ عندما أعلنت الدولة عن مراحل العودة التدريجية للحياة بأن الحظر سيلغى مع دخول المرحلة الثالثة، وهو ما لم يحصل فقد استمر الحظر مع الانتقال من المرحلة الثانية إلى الثالثة والرابعة؟
اعتمد مجلس الوزراء خطة العودة التدريجية للحياة بمراحلها الخمسة بتاريخ 28 مايو وأعلن عنها للمواطنين الذين أنهكتهم الإجراءات المشددة منذ بداية الأزمة، وفي انتظار الانتقال المبرمج الذي أعلن عنه مجلس الوزراء وفق تواريخ محددة، وبالأخذ بالحسبان ملاحظة مجلس الوزراء بأن بالإمكان مراجعة الخطة بالرجوع بين المراحل أو تعديلها للتوافق مع التقارير الصحية، لكن كان واضحا بأن الخطة لم تطبق وفق ما تم الإعلان عنه، فكان التردد الواضح في الانتقال بين المراحل والتأخير المتواصل، وإن سلمنا بأن العودة التدريجية للحياة تحتاج إلى تدرج حذر، فهذا يفرض عليه أن تكون مكونات المراحل منسجمة مع أعداد الإصابات ومدى التزام الأفراد بالاشتراطات الصحية، لكن الواقع العملي أثبت أن ما حصل ينم عن ارتباك في صفوف الحكومة التي بدأت تقدم وتأخر بعض الأنشطة بين المراحل بشكل غير مفهوم.
إن سلوك الحكومة مع الأزمة وبالتحديد مع انطلاق مراحل عودة الحياة التدريجية يشير بما لا يدع مجال للشك بأن التعايش مع الوباء هو توجه الحكومة، لكن مع التأكيد على تطبيق الاشتراطات الصحية، هذا الارتباك والتأخير أصاب المواطنين بخيبة أمل، خصوصا بعد أن بدأت جائحة كورونا بإلقاء ظلالها على الأنشطة الاقتصادية والحياتية والاجتماعية بشكل ينبئ بأننا سننتقل من أزمة صحية إلى أزمات أخرى لا تقل وطأتها على المواطنين من أزمة كورونا.
قد يرد البعض بأن هذا شأن صحي ليس للحكومة دخل به، لكن بالحقيقة ومن تسلسل الأحداث وطريقة إدارة الأزمة من الواضح بأن الأمر لا يمت للقرارات الصحية بصله، ففوضى فتح بعض الأنشطة ذات التجمعات الكبيرة في البداية وتغيير ساعات الحظر تؤكد بأن ما يحصل خارج حدود التخطيط.
فهل كانت هناك توجيهات من قبل رئيس مجلس الوزراء بضرورة تسريع مراحل العودة للحياة؟ هل كان يدرك مدى انعكاس التأخير في تنفيذ المراحل على المواطنين؟ هل كان لهذا التأخير تأثير على عدد الإصابات؟
المبادرون وأصحاب المشاريع المتوسطة والصغيرة
منذ أولى الخطوات الاحترازية الصحية التي اتخذتها الكويت لمكافحة جائحة كورونا كنا نطالب رئيس مجلس الوزراء بعدم اغفال التداعيات الاقتصادية التي ستصاحب تفشي هذا الوباء، لكن صوت المعركة الطبية كان أعلى من مطالباتنا بضرورة تحقيق التوازن بين الملفين، ونحن هنا لا نشكك بأن صحة الناس كانت ولازالت هما لسمو رئيس مجلس الوزراء والذي كرر في أكثر من مناسبة بأنه مؤتمن على صحة الناس.
لكن هو حسن التدبير والإدارة الرشيدة التي تجعل قائد الفريق ينتبه لقراراته ويحاول بشتى الطرق الوصول لحلول مقبولة دون تضحية بقطاع من قطاعات الدولة الحيوية، وهذا ما لم يحصل واستمرت سيادة قرارات مجلس الوزراء المتطرفة في الجانب الصحي والمبالغ بها بعد رفع الحظر الكلي للدولة، لتخنق اقتصاد الدولة وبالتحديد أصحاب المشاريع المتوسطة والصغيرة الذين تحملت مشاريعهم تبعات الاغلاق واستمرار الحظر وتضارب خطط العودة التدريجية للحياة.
مرة أخرى نؤكد أن الأزمة التي عصفت بالعالم لم تستبعد الكويت، لكن مثلما تبادل العالم جميع الخبرات في المجال الصحي فقد كانت هناك أمثلة عالمية للإنقاذ الاقتصادي، بل كانت لدول تعاني من ضائقة مالية على مستوى كبير لكنها تؤمن بأن معركة التصدي لفيروس كورونا لا تعني تحطيم الاقتصاد، وبمعنى آخر لم يكن هناك داعي لبتر الساق في حين يمكن معالجة الجرح بالرأس.
شكل المبادرون وأصحاب الأعمال فريقا لمحاولة إيصال صوتهم للحكومة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وهم يرون بأن حلم العمر ينهار لأسباب ليس لهم بها دخل، وشكل مجلس الوزراء لجنة لتحفيز الاقتصاد، ولكن للأسف تأخر تنفيذ قراراتها التي لم تكن أيضا هي الأخرى على المستوى المطلوب.
فما حصل يمكن تلخيصه بالتالي، الحكومة خنقت الاقتصاد بقرارات ذات الطابع الصحي كانت لدواعي الحاجة في البداية من ثم تم المبالغة باستمرارها، وتم إلقاء أصحاب المشاريع والمبادرين بين فك البنوك والقروض.
اقتصر الدعم الحكومي الفعلي للمواطنين العاملين في القطاع الخاص على مضاعفة صرف بدل دعم العمالة الوطنية للباب الثالث والخامس، ولا نبخس هذا الاجراء حقه، لكن صرف مبالغ للعامل لا يعني بالضرورة انقاذ العمل ذاته، فبعد توجيه أصحاب المشاريع إلى الاقتراض من البنوك، قدمت الحكومة مشروعا بقانون أسمته قانون معالجة الآثار الناجمة عن أزمة كورونا وهو بالحقيقة تعديل على قانون العمل الأهلي يسمح بتخفيض رواتب الموظفين وقد أسقط البرلمان هذا المشروع كونه يحمل تبعة قرارات الحكومة نتيجة تباطئها في علاج الجانب الاقتصادي المصاحب لجائحة كورونا المواطن العامل في القطاع الخاص.
المستغرب بأن جميع توجهات الحكومة ودعواتها وخطابها يصب في تشجيع المواطنين للعمل بالقطاع الخاص وهي سياسة عامة حكومية ليست بجديدة، لكن جميع أفعالها تسهم في فقدان الثقة والأمان الوظيفي للمواطنين في هذا القطاع لتشهد الكويت هجرة معاكسة ستزداد قريبا من القطاع الخاص إلى القطاع الحكومي.
فما الضير من دعم المبادرين الشباب وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة ماديا بدلا من تحميلها قروضا مشروطه بالحجز على أرباح؟ أولم يكن الأولى بضبط مصاريف جائحة كورونا التي تجاوزت المليار دينار كويتي وصرف المتوفر منها لمعالجة هذا القطاع لحمايته من الانهيار؟
لجان التحفيز الاقتصادي واللجان الاقتصادية في مجلس الوزراء عملت بشكل خجول ولم تجد توجيها واضحا من رئيس مجلس الوزراء بإعطاء هذا الملف أولوية قصوى، بل ساهمت قرارات مجلس الوزراء المترددة في إطالة أمد الحصار على أصحاب المشاريع بأن وصل بهم الحال إلقاء مفاتيح محلاتهم أمام مجلس الأمة بالإشارة إلى أن مشروعاتهم وأحلامهم قد تحطمت.
كويتيون بلا رواتب
مع بداية تعطيل الوزارات والجهات الحكومية، وجد مجموعة من المواطنين أنفسهم عالقين بين الإيقاف المفاجئ لجميع المعاملات الرسمية للدولة، من هؤلاء من لم يستطع إنهاء إجراءات تعيينه أو تقاعده، أو من كان ينتظر صدور قرار وإعلان قبوله في بعض الوظائف، ومن قدم استقالته وانتهى به المطاف دون القدرة على البحث على عمل، وغيرهم من المواطنين الذين تكتلوا تحت ما يسمى بـ«كويتيون بلا رواتب».
وضع مأساوي عاشه هؤلاء المواطنون في ظل الحاجة فعلا لوجود مصدر للدخل من أجل تسيير أمور حياتهم المعيشية أثناء فترة الحظر الجزئي والكلي، لكن ومنذ بداية الأزمة والحكومة تصد وجهها عنهم، وهو أمر يتحمل مسؤوليته رئيس مجلس الوزراء الذي وجه له الحديث في أكثر من مناسبة عن ضرورة إنهاء مأساتهم، وما كان من حكومته إلا وبعد رفع الحظر الكلي أن قامت بعمل منصة لتسجيل أسمائهم لحصرهم دون حل أزمتهم إلى الآن، رغم وجود كشوف سلمت لمسؤولين خلال فترة الأزمة كانت نتاج عمل جماعي من هؤلاء المتضررين، آملين أن تتدخل الدولة لرفع الضرر الذي وقع عليهم.
الهلع الذي عاشته إدارة الحكومة في تركيز انتباهها على إجراءات مكافحة كورونا جعلها تتناسى كل شيء، وهنا تكمن أصل المشكلة في عدم موازنة قرارات الدولة. ما توجيهات سمو رئيس مجلس الوزراء لوزرائه لحل قضية هؤلاء المواطنين وهل قام بالتنسيق بدوره بين الجهات الحكومية لإيجاد الحلول؟ وهل يعلم سموه أنها حتى هذه الساعة لم تحل؟
تجار الأزمات وارتفاع الأسعار
لكل أزمة تجارها، ولكل كارثة هناك من يحاول أن يتغذى منها، ولم تكن الكويت محصنة من ذلك، بل إن البيئة كانت مهيئة لهؤلاء للانقضاض ومحاولة الاستفادة القصوى من ما يحصل، وكان ذلك ظاهرا بارتفاع أسعار كل شيء بالكويت، الأدوية والسلع والخدمات، أصبح المواطن محاصرا بين تلبية حاجاته الضرورية التي تعينه على قضاء فترات الحجر وبين ذلك الجشع الذي استغل نفوذه في الأسواق لكي يرفع الأسعار.
وكأن واقع حال بعض التجار قد وقعت عينه على ما تم تأجيل تحصيله من قروض شخصية على المواطنين وأنه وفق مفهومهم الجشع لا يجب أن يوفر هذا المواطن هذه المبالغ أو يحاول إصلاح أوضاعه الاقتصادية بها، فها نحن اليوم بالمرحلة الرابعة من مراحل إعادة الحياة ولازالت الأسعار بارتفاع جنوني دون وجود توجيهات واضحة من رئيس مجلس الوزراء بالضرب على يد مستغلي الأزمات أو تحرك جاد أمام ضعف وزرائه من تفعيل القوانين التي يفترض أن تطبق على من سولت له نفسه استغلال حاجات المواطنين.
تجاهل الملف التعليمي
الأزمة جاءت على كل شيء في الدولة، ولم تستثني التعليم، فبعد القرارات الحكومية بتعطيل المدارس والجامعات والمعاهد، بدأت الفوضى التعليمية تظهر على السطح، دون وجود توجيه واضح وسياسة حكومية صريحة في هذا الشأن، بل رهن مجلس الوزراء هذا الملف بيد وزير التربية، وانتظر رئيس الحكومة مثلما انتظر الشعب الحلول، بل غابت الخطط التعليمية وعودة الدراسة عن خطط مجلس الوزراء أثناء اعداد مراحل العودة التدريجية للحياة الخمسة.
بين فوضى التعليم عن بعد بين التعليم العالم والخاص، وكيفية إنهاء العام الدراسي، ومصير البعثات الحكومية، والرغبة في عدم تعطيل التعليم وضرورة التحول من التعليم التقليدي إلى الحديث، ضاعت الأسر الكويتية في معرفة مستقبل أبنائها، فبعد 6 أشهر من اللا قرار، يعود التعليم العام إلى العمل بخطوات خجولة مرتبكة كان بالإمكان القيام بها منذ الأيام الأولى للأزمة، بل إن الوقت الذي استغرقته الحكومة في أخذ هذه القرارات الهزيلة كان يمكن معه إعادة رسم السياسة التعليمية بشكل جديد والدخول في تنفيذها، لكن من الواضح أن الملف التربوي والتعليمي لم يكن من أولويات حكومة سمو رئيس الوزراء حتى هذا الوقت.
كيف لمجلس الوزراء أن يبحث طرق تنويع مصادر الدخل، والخطط الاقتصادية، دون أن يضع خططا لتنمية العنصر البشري؟ لماذا أغفل رئيس مجلس الوزراء عن الملف التعليمي؟ هل كانت له توجيهات في هذا الشأن؟
غياب الوزراء عن المشهد
في أول جلسات مجلس الأمة أثناء جائحة كورونا وجهت خطابي مباشرة لرئيس مجلس الوزراء بأن نزول الوزراء إلى الشارع بين المواطنين كان له أثر بليغ محاولة بناء جسر من الثقة في الأزمة، لكن ودون سابق إنذار وبشكل مفاجئ يختفي الوزراء المعنيين في الأزمة من الظهور الإعلامي ويتراجعون جميعهم خلف اجتماعات مجلس الوزراء بعدما كان بعضهم يتسابق على نشر الأخبار والقرارات من حساباتهم الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي.
بداية الأزمة أعلنت الحكومة انتصارها المبكر على المرض، بل روج بعض المسؤولين بأن الكويت قد تصبح مثالا لجميع الدول في إجراءات مكافحة كورونا كوننا سباقين في اجراءاتنا الاحترازية، لكن ماذا حصل؟ هل تساءل رئيس مجلس الوزراء عن سبب اختفاء الوزراء؟ أم كان هذا توجيها منه؟ هل انتهت فترة العمل وعادت الحكومة إلى سابق عهدها؟
إن إدارة الأزمة تحتاج نفسا طويلا لا ردودا للأفعال، وإن المسؤولية الملقاة على عاتق الحكومة تحتم عليها التعامل بشفافية مع المواطنين، فما حصل من ظهور إعلامي مكثف من قبل الوزراء، من ثم انسحابهم من على الأرض، أوحى للناس بأن الحكومة لا يمكنها العمل خلال الأزمات الطويلة، مع الإشارة الى أن الأزمة مازالت مستمرة.
خاتمة
أشهر مرّت على جائحة كورونا وجميع التقارير تشير إلى أنها أزمة مستمرة، بل قد تجتاح العالم موجه ثانية من هذا الوباء الذي لن يتوقف إلا بإيجاد اللقاح. لذلك وإن خمدت النار اليوم فهي قد تستعر مستقبلا، وقد أكد مجلس الوزراء بإعلانه عن خطط العودة التدريجية للحياة إمكانية العودة إلى الوراء في أي وقت، لذلك تبرز أهمية المساءلة البرلمانية بهذا الوقت لمحاولة تصحيح مسار إدارة الأزمة لتفادي تكرار الأخطاء مستقبلا، وتسليط الضوء على مكامن التقصير.
لذلك الحديث بشفافية أو الاعتراف بالخطأ إن لم يتوج باستقالات أو إقالة لمن كرر الخطأ لا يعفي النائب من ممارسة أدواته الدستورية لتقويم الاعوجاج، والوقوف على مكامن الخلل فإن الخطأ الأول قد يكون مقبولا في الأزمات من باب التعاون وعلى فرض بعدم وجود سوء النوايا، لكن تكراره يفترض بأن الخطأ جاء إما عن تهاون أو عمد وفي كلا الحالتين يوجب المساءلة.
ونحن إن أثرنا مسؤولية رئيس الحكومة عن إدارة البلاد خلال أزمة كورونا، فنحن نعي بنفس الوقت وندرك حجم هذه الأزمة لذلك كان التعاون عنوانا عريضا ترجم على أرض الواقع منذ بدايتها، حينما تضامنت المؤسسة التشريعية مع الحكومة، لكن ولأن الحكومات السابقة التي أمعنت بسوء إدارة الدولة كانت محصنة من المساءلة، لذلك وصل حال البلد بأن تقبع في أسفل جميع المؤشرات، وباحتياطي نقدي قارب على النفاد، وبانتشار أخبار جرائم الفساد التي ارتكبت بالكويت في جميع العالم، فالاستجواب أداة رقابية تصحيحية تذكر المسؤول بالرقابة الشعبية على أعمال الحكومة.
ولأن حكومة سمو رئيس مجلس الوزراء جاءت في أجواء مضطربة، فقد شكلت في بداية الدور الرابع من الفصل التشريعي الخامس عشر على نهاية عمر مجلس الأمة، ولدخولها المعركة التصدي لفيروس كورونا، فقد التزم رئيس مجلس الوزراء بتقديم برنامج عمل لحكومته مقتضبا يتماشى مع المدة المتبقية من عمر المجلس، لكن دون تضمينه خطة حكومته لمواجهة تفاقم عجز الميزانية، وبعد ما شهدته الكويت خلال الأيام الماضية من حديث عن الإصلاح الاقتصادي، أصبح واجبا وطنيا أن يوضح لمجلس الأمة سياسته العامة المالية وما هي توجيهاته لتعزيز موارد الميزانية، وبنفس الوقت ليعي ويدرك أن أي سياسة مالية تبدأ أو تصل إلى جيب المواطن لن تلاقي تعاونا منا مع الحكومة، بل تصديا ودفاعا عمن لا يملك حق الإدارة، ولم يكن يوما من الأيام سببا بتدهور حال البلد وهو المواطن البسيط.
وأخيرا لا مجال بالقبول بالعبث بالحريات العامة وحقوق الأفراد التي كفلها لهم الدستور والتي يجب أن تكون مصانة من قبل السلطة التنفيذية بالتحديد وعلى رأسها رئيس مجلس الوزراء، ولا مجال للتساهل مع انتهاك المؤسسات الأمنية وبعض المتنفذين لسرية الاتصالات بالتجسس على المواطنين بعلم الدولة، فإن فقد المواطن الثقة في الأجهزة الأمنية فهذا يعني بداية انهيار المنظومة القانونية للدولة، وميلا لميزان العدالة بها، وطريقا لها إلى الفوضى
المحور الثاني: السياسة العامة للحكومة بشأن العجز المالي
إصدار قرار 728: أوضحنا في بداية صحيفة الاستجواب أن حكومة سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح ورثت تركة الحكومات المتعاقبة التي سبقته برئاسة سمو الشيخ جابر المبارك الصباح في عدة ملفات على رأسها عجز الميزانية واستنزاف الاحتياطي العام وقضايا الفساد، فمنذ منتصف عام 2014 حين فقد النفط أكثر من 75% من سعره، سجلت الكويت على صعيد المالية العامة للدولة عجزا سنويا في الميزانية مستمرا ومتفاقما حتى يومنا هذا، وبعد أن وصل سعر برميل النفط الكويتي في شهر أبريل الماضي إلى أدنى مستوى له منذ سنوات، ودخول العالم في حالة ركود اقتصادي نتيجة تداعيات أزمة كورونا، حيث أوضحت تقارير أوروبية أن معدل انخفاض الناتج المحلي سيتجاوز ما مر به العالم أثناء الأزمة الاقتصادية في سنة 2008، بل إن دولا مثل فرنسا وبريطانيا ترى أن ما حصل لم تشهده دولهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في 1945.
وفي ظل اعتماد الكويت على النفط كمصدر أساسي رئيسي للدولة حيث يمثل العائد من صادرات النفط للميزانية ما نسبته 87.3%، في حين تمثل العائدات غير النفطية 12.6%.
وفي حين أن تركيبة المصاريف في الميزانية تتمثل في 71.3% للرواتب والدعوم، والمتبقي من المصروفات يذهب للمصروفات الرأسمالية والمصاريف الحكومية الأخرى.
أصبح من الضروري أن يقوم رئيس مجلس الوزراء بشرح سياسته عمل الحكومة وتوجيهاتها والحلول التي ستأخذها حكومته لمواجهة هذا العجز.
قرار مجلس الوزراء رقم 1410: رفعت الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2014 عندما تم إعلان أول عجز حقيقي للميزانية شعار ترشيد الانفاق وضبط المصروفات كسياسة عامة تحكم عمل الوزارات والجهات الحكومية وأسلوبا في تنفيذ برامجها وخططها، وكان قرار مجلس الوزراء بتاريخ 10/11/2014 رقم 1410 الذي أقره مجلس الوزراء بشأن ترشيد الإنفاق العام عبارة عن اللبنة الأولى لما سمي بعد ذلك بوثائق الإصلاح الاقتصادي، وقد تضمن هذا القرار عدة إجراءات منها:
التأكيد على مراعاة عدم الموافقة على أي تعديلات في كوادر المرتبات الحالية أو منح مزايا نقدية أو عينية إضافية.
عدم الموافقة على إنشاء أي هيئات عامة أو مؤسسات عامة جديدة ويمكن إضافة مهامها المطلوبة إلى الجهات الحكومية القائمة حاليا، نظرا لما يترتب على إنشاء جهات جديدة من أعباء مالية كبيرة على الميزانية العامة للدولة.
توجيه ديوان الخدمة المدنية وجميع الجهات الحكومية بعدم النظر في أي توسع في الهياكل التنظيمية الحالية تجنبا لتحميل الميزانية العامة للدولة أعباء مالية إضافية.
قصر التعيينات الجديدة لغير الكويتيين في الجهات الحكومية على بعض المهن كالأطباء والمدرسين والمهندسين وبعض المهن الفنية الضرورية مثل هيئات التمريض، وتأجيل التعيين في الوظائف الأخرى.
بحث التوقيت المناسب لطرح أو تنفيذ البديل الاستراتيجي للمرتبات نظرا لما يتضمنه من أعباء مالية إضافية وما لها من مزايا على المدى البعيد.
تأجيل النظر في أي مقترحات جديدة تخص زيادة مكافآت المدنيين أو العسكريين.
- توجيه لجنة المناقصات المركزية بمراعاة عدم طرح مناقصات دون التحقق من كفاية الاعتمادات المالية.
- التوجيه بعدم تقدم الجهات الحكومية إلى مجلس الوزراء لاستصدار قرارات أو قوانين ترتب أعباء مالية على الميزانيات العامة إلا بعد أخذ رأي وزارة المالية.
- إصدار ما يلزم من قرارات لتخفيض الدعومات تدريجيا مع مراعاة عدم المساس بأصحاب الدخول المحدودة.
- قصر المهمات الرسمية والمؤتمرات على ما سبق الالتزام به مع جهات خارجية أو ما يمثل تحقيقا لمصلحة عامة ضرورية سياسية أو اقتصادية بموافقة الوزير المختص.
- تخفيض الاعتمادات المالية التقديرية لبنود المصروفات المختلفة كالضيافة والهدايا والرحلات.
هذا القرار وما صاحبه من خطة أطلق عليها بالبداية «وثيقة الإصلاح الاقتصادي» الذي اعتمدها مجلس الوزراء بتاريخ 14 مارس 2016 من ثم تم التراجع عنها وتبني بعدها وثيقة أطلق عليها «البرنامج الوطني للاستدامة» الذي ناقشته الحكومة بجلسة مجلس الأمة بتاريخ 6 مارس 2018، واليوم بعد تكليف سمو رئيس مجلس الوزراء بتشكيل حكومته الأولى يثور النقاش من جديد حول السياسة المالية العامة للحكومة التي سينتهجها سموه ويوجه به حكومته لتنفيذها.
دستوريا، لا يمكن تحميل رئيس الوزراء إخفاقات الماضي على الرغم من أنه كان أحد أعمدة الحكومات المتعاقبة لرئيس مجلس الوزراء السابق، وبنفس الوقت لا يمكن القبول بظهوره بمظهر المتفاجئ أيضا بكل ما يحصل في الكويت، فالعجز في الميزانية كان دائما أمام عينه على طاولة مجلس الوزراء، لكن الذي اختلف أنه في السابق كان منفذا للسياسات العامة لرئيس الوزراء بحكم موقعه كوزير، أما اليوم فهو من يشكل هذه السياسات ويسائل عنها ويعمل على توجيه وزرائه لتنفيذها.
قرار مجلس الوزراء رقم 728: ليس بعيدا عن قرار 1410 الذي كان محلا لاستجواب رئيس مجلس الوزراء السابق، أصدر مجلس الوزراء قرارا وزاريا رقم 728 بجلسته المنعقدة بتاريخ 4/6/2020 بعد عرض لجنة الشؤون الاقتصادية ورقة الإصلاحات ومقترحات تمويل الميزانية والمعدة من قبل وزارة المالية والمتضمنة جدولا بالإصلاحات المالية المطلوب إقرارها بأدوات تشريعية أو تنفيذية، وقرر المجلس تكليف وزارة المالية بالتنسيق مع كافة الجهات ذات الصلة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإصدارها بالأداة القانونية المناسبة وموافاة مجلس الوزراء بما ينتهي إليه الأمر خلال أسبوعين من تاريخه.
كما قرر مجلس الوزراء الموافقة على مقترح وزارة المالية بشأن عدم زيادة رؤوس أموال الجهات ذات الميزانيات المستقلة مثل الهيئات والمؤسسات والصناديق لمدة خمس سنوات، وقرر كذلك تكليف وزارة المالية بالتنسيق مع كافة الجهات الحكومية لتخفيض ميزانية كل منها للسنة المالية 2020/ 2021 وذلك بحد أدنى (20%) والتنسيق مع كافة الجهات الحكومية لإعادة دراسة السلع والخدمات العامة وقيمة الدعومات، وموافاة مجلس الوزراء بتقرير شامل يتضمن جدولا زمنيا لتطبيقه والأدوات القانونية اللازمة، والجهات المسؤولة عن إصدارها، والمردود المالي المتوقع من ذلك على الميزانية العامة للدولة، وذلك خلال شهر من تاريخه.
وفي ذات الاجتماع، حث سمو رئيس مجلس الوزراء كافة الجهات المعنية على تفهم الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد في هذه المرحلة، وما تتطلبه من عمل لتقليص الإنفاق والالتزام بالتنفيذ الدقيق للتدابير المقترحة والتعاون الجاد من أجل تجاوز هذه المرحلة بأقل الأضرار.
بالمقارنة بين قرار 1410 الذي كان الأساس الذي انطلقت منه وثيقة الإصلاح الاقتصادي ووثيقة البرنامج الوطني للاستدامة اللتين قدمتا لمجلس الأمة وتم تجميدهما بعد الضغط النيابي والذي كان أحد محاور استجواب رئيس الوزراء السابق سمو الشيخ جابر مبارك الصباح المقدم منا، فإن قرار 728 يأتي مشابها له في مضمونه وروحه ولكن بتفاصيل مختلفة، فكلاهما تناول اقتراحات تخفيض الدعومات، وكذلك الميزانيات، لكن القرار الأخير جاء بصيغة تشاورية بحيث طلب من جميع الجهات تقديم مقترحاتها التي تصب في هذا التوجه العام.
لذلك فمثلما كان قرار 1410 يمثل السياسة العامة المالية لرئيس الحكومة السابق، فان القرار الجديد 728 الذي جاءت به حكومة سمو رئيس مجلس الوزراء يمثل السياسة العامة المالية لها، ونهجها الذي ستسير عليه وربما أساسا لوثيقة اقتصادية ستطرح لمجلس الأمة ليناقشها كما فعل سلفه.
لا ننكر أن الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد من عجز في الميزانية نتيجة استمرار تراجع أسعار البترول منذ سنة 2014 حتى الآن لا يحاسب عليه رئيس الحكومة دستوريا لكن التصرف مع هذا العجز وسياسته تجاهه هي محل استجوابنا اليوم.
فإن كنا نرى أن رئيس الوزراء السابق قد زاد بإدارته السيئة للحكومة الوضع في الدولة، باستنزاف الاحتياطي العام دون تنميته وتنوع مصادر الدخل عندما كانت الكويت تنعم بوفرة مالية، وعدم التصدي للفساد الذي استنزف هو الآخر مقدرات الدولة، فإننا اليوم نراقب إدارة سمو رئيس مجلس الوزراء لأداء حكومته وكيفية تصديها لعجز الميزانية وما السياسات التي تتبناها حكومته لتنمية الإيرادات دون أن يكون المواطن هدفا لذلك، وكيفية تصديه لملفات الفساد التي كانت سببا رئيسا فيما وصل إليه حال الدولة من تراجع في شتى المجالات.
اليوم نقف كلانا على المنصة لكي يطلع الشعب على سياسة سموه لحل هذه الأزمة، وما سياساته وتوجهاته لانتشال البلاد من عجز متنام بالميزانية في ظل استمرار تراجع أسعار البترول وعدم اعتماد الدولة على مصادر أخرى للدخل.
هل سيكون سبيل الحكومة في التصدي للعجز الاتجاه لجيب المواطن الذي ليس له شأن في إدارة مقدرات الدولة ورسم سياساتها ولم يكن سببا في يوم من الأيام لما وصلت له الحالة المالية للدولة؟ وبعد إعلان مجلس الوزراء في اجتماعه بتاريخ 24 أغسطس عن تشكيل لجنة لمراجعة الخطط والإجراءات المقترحة لمعالجة الاختلالات التي يعانيها الاقتصاد الوطني هل هذا الحل الذي يراه رئيس مجلس الوزراء لانتشال الدولة من العجز بتشكيل لجنة؟
هل سيوقف رئيس مجلس الوزراء المنح الخارجية ويوجه هذه الأموال إلى داخل الكويت؟
نضع لسموه نبذة عن هذه المنح وهو بكل تأكيد ليس ببعيد عنها كونه كان يشغل منصب وزير الخارجية:
السنة المالية إجمالي المصروف بالدينار الكويتي
2014/2013: 113.057.135.519.
2015/2014: 419.639.962.147.
2016/2015: 125.541.613.970.
2017/2016: 54.434.013.768.
2018/2017: 3.621.181.922.
2019/2018: 112.621.084.000.
مع الأخذ بعين الاعتبار وسموه يعلم أن هذه المنح لا تشمل تلك التي يقدمها الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية.
لم يكن في يوم من الأيام مفهوم ترشيد الإنفاق وضبط أوجه الصرف التي تعلنها الدول بسبب حالة العجز بهذا التضييق على المواطنين بحرمانهم من الزيادات المالية ومراجعة الرواتب والأجور التي يجب أن تكون بشكل دوري كما هو معمول به في الكثير من الدول، ولا يتصور أن تطول سياسة ترشيد الإنفاق القطاعات الحيوية في البلاد كقطاع الخدمات الصحية والتعليم والوظائف العامة وقطاع الخدمات، فلا يمكن أن يتم تبني سياسة ضبط المصاريف تحمل تبعاتها المواطنين بشكل مباشر أو غير مباشر بسبب فشل إدارة الحكومات السابقة لملف الفوائض المالية حين وصل الاحتياطي العام حوالي 46.8 مليار دينار كويتي في نهاية مارس 2014 ثم فقد نحو 22.6 مليار دينار كويتي في أربع سنوات ليصل رصيد الاحتياطي العام نحو 24.3 مليار دينار في 30/06/2018، هذه الفوائض تبخرت بسبب العجز دون استفادة حقيقية منها من ثم تأتي الحكومة لتتباكى على حال الدولة وكأن المواطن هو السبب في كل ذلك.
في أكثر من مناسبة، أوضح محافظ البنك المركزي أن أحد الأدوات التي تحتاج اليها الدولة على المدى القصير جدا هو إقرار مشروع السماح للدولة بالاقتراض «الدين العام» لكن كذلك أكد أن أقصى ما يمكن جمعه في أفضل الظروف قد لا يتجاوز 6 مليارات دينار بسبب أوضاع السوق العالمي، فهل تملك الحكومة رؤية أخرى؟ وهل فعلا تصر الحكومة على الاقتراض من أجل سداد العجز؟ وما رؤيتها إن تكرر العجز في السنوات القادمة؟ هل ستقترض لسد القرض ومن ثم ندور في دوامة الدين؟
هل سيكون مشروع الجزر أو مشروع الشمال أحد الحلول القادمة؟ أم أن هذا المشروع خرج عن دائرة الاهتمام؟
التحدي الذي يواجه سمو رئيس الوزراء اليوم ليس بكيفية تغطية العجز السنوي في الميزانية بل بضرورة المصارحة والمكاشفة، إذا استمرت أسعار البترول بالنزول كيف سيتم سداد عجز السنوات القادمة؟
هل فكرت الحكومة بإقرار ضريبة الثراء؟ أم أنها تراهن على تمرير ضريبة القيمة المضافة والدخل في المجلس القادم؟ هل من منظور الحكومة إعادة تقييم أسعار أملاك الدولة المؤجرة بأسعار رمزية؟
المحور الثالث: انتهاك المادة 39 من الدستور
نصت المادة 39 من الدستور على أن «حرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية مصونة، وسريتها مكفولة، فلا يجوز مراقبة الرسائل، أو إفشاء سريتها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبالإجراءات المنصوص عليها فيه».
وجاء في المذكرة التفسيرية للدستور على أن «من وراء التنظيم الدستوري لمسؤولية الوزراء السياسية، توجد كذلك وبصفة خاصة رقابة الرأي العام التي لا شك في أن الحكم الديموقراطي يأخذ بيدها ويوفر مقوماتها وضماناتها، ويجعل منها مع الزمن العمود الفقري في شعبية الحكم. وهذه المقومات والضمانات في مجموعها هي التي تفيء على المواطنين بحبوحة من الحرية السياسية، فتكفل لهم - إلى جانب حق الانتخاب السياسي - مختلف مقومات الحرية الشخصية (في المواد 30،31،32،33،34 من الدستور) وحرية العقيدة (المادة 35) وحرية الرأي (المادة 36) وحرية الصحافة والطباعة والنشر (مادة 37)، وحرية المراسلة (المادة 39) وحرية تكوين الجمعيات والنقابات (المادة 43) وحرية الاجتماع الخاص وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات (المادة 44) وحق تقديم العرائض إلى السلطات العامة (المادة 45) وفي جو مليء بهذه الحريات ينمو حتما الوعي السياسي ويقوى الرأي العام، وبغير هذه الضمانات والحريات السياسية، تنطوي النفوس على تذمر لا وسيلة دستورية لمعالجته، وتكتم الصدور آلاما لا متنفس لها بالطرق السلمية».
كما جاء في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان أنه «لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته. ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات».
إن حرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية وما عرفه العالم من وسائل للتواصل الاجتماعي حديثا هي حريات كفلتها المواثيق الدولية وأكد عليها دستور الدولة عندما أوردها نصا وصراحة في الباب الثالث - الحقوق والواجبات العامة من الدستور ضمن مجموعة نصوص تتعلق بالحقوق والحريات المرتبطة بالشخصية.
«فلا يجوز للسلطة أن تراقب المراسلات أو المخابرات أو غيرها تحقيقا للحرية الشخصية»، بل يكاد هذا الحق يطغى في أهميته على باقي الحقوق كونه الأكثر تأثيرا في وقتنا الحالي بعد الثورة التكنولوجية التي شهدها العالم واعتماد الأفراد على ما يسمى التواصل الاجتماعي اعتمادا كليا في التعاطي مع شؤون الحياة والتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم.
لذلك حماية هذا الحق أصبح مضاعفا على السلطات فلم تعد الرسائل البريدية والبرقيات والاتصالات الهاتفية تحمل أخبارا اجتماعية فحسب، بل صنع المحتوى الإلكتروني في عصرنا الحالي طفرة في المعرفة وسبلا لتناقل المعلومات بكل حرية.
لقد شهدت الكويت في الأيام القليلة الماضية سلسلة من التسريبات لتحقيقات قام بها جهاز أمن الدولة مع أبناء رئيس مجلس الوزراء السابق، جزء من هذه التحقيقات كان بمناسبة استدعاء أحد أبنائه للتحقيق في بلاغ وحدة التحريات حول ما يسمى بقضية الصندوق السيادي الماليزي، وتسريبات أخرى لابنه الثاني والتي احتوت فحواها تباهيا من أحد قيادات وزارة الداخلية مع ابن رئيس مجلس الوزراء السابق حول كيفية الاختراق والتجسس على المواطنين والمغردين.
كان وقع هذه التسريبات على المواطنين صادما، خصوصا وأنها كشفت حجم انتهاك خصوصية المواطنين من جهاز أمني يفترض بأنه معني بأمن الكويت، ومن شخص متنفذ سولت له نفسه أن يتباهى باختراقه وتتبعه لحسابات تويتر للمواطنين وأسرهم بانتهاك واضح وبجريمة مشهودة يفترض أن يتم إيقافه عليها وتحويله للنيابة عنها بتهم مخالفة قانون إنشاء هيئة تنظيم الاتصالات وإساءة استخدام الهاتف وقانون الجزاء.
لكن كل هذا لم يحدث، وتعاملت الحكومة بوزيرها المختص بتعامل أشبه بالتستر على هذه الفضيحة من التصدي لها، وذلك بتشكيل لجان تحقيق في الواقعة، رغم أن مثل هذا الحدث كفيل بإقالة وزير الداخلية تحملا للمسؤولية السياسية فمن غير المعقول أن يشرف على التحقيق في القضية من علم عنها وأغفلها حتى ثارت، بل ساهم بترقية القيادي الأمني وتثبيته على جهاز أمن الدولة بدلا من محاسبته.
إن نهج المراقبة والتجسس لا ينسجم من دولة الدستور والمؤسسات، ولو كنا قد شهدنا سنوات من التراجع لكن هذا لا يصل إلى مرحلة القبول والسكوت عن انتهاك خصوصية الأفراد بعلم من الدولة، فهذا يمهد لما هو أخطر من ذلك إن لم يتم التصدي له وبقوة.
أما القول بأن الوزير المختص قد أمر بتشكيل لجنة تحقيق في واقعة التسريبات هو إجراء مناسب، فهذا مردود عليه بأن الوزير كان يعلم بالتسريبات وبفحواها وهو ما ذكره صراحة، ولكن هذا لم يدفعه لتطهير المؤسسة الأمنية من تلقاء نفسه، وكذلك القول بأن الوقائع محل التسريب لا تعود لعهد فهو الآخر مردود عليه بأن قرارات المحكمة الدستورية تثير مسؤولية الوزير عن الأعمال التي لم تكن في عهده ما دامت مستمرة بآثارها، إضافة إلى علم الوزير بها منذ توليه الوزارة ولم يتخذ إجراء واحدا بها، ومن يريد الاستمرار في تبسيط قضية انتهاك خصوصية الأفراد فليضع نفسه محل من تم التجسس عليه ويقرر هل انتهاك هذا الحق الذي أكد عليه الدستور يعالج بلجنة تحقيق؟
ولما كانت مسؤولية رئيس مجلس الوزراء متمثلة برسم السياسة العامة للدولة، فان إبقاء الوزير المختص في منصبه بعد هذه الفضائح هو قبول بهذا الفعل أو تبسيط لهذه القضية التي تعد انتهاكا دستوريا، وهو ما ينعكس على سياسة الحكومة التي لا تعتبر التجسس على المواطنين وانتهاك خصوصيات الأفراد، وسوء استغلال السلطة والنفوذ فسادا يستدعي التصدي له ومحاربته بمخالفة السياسة العامة المعلنة لرئيس مجلس الوزراء برفع راية محاربة الفساد وهو ما يستدعي معه إثارة مسؤوليته السياسية عن هذا الفعل.
إن مكافحة الفساد لا تعني إحالة القضايا إلى النيابة أو هيئة مكافحة الفساد أو التحقيق الإداري بها فقط، إن الإدارة الحازمة تتطلب اتخاذ قرارات غير اعتيادية في مثل هذه القضايا من تطهير للمؤسسات وإقالة المتسببين بها، ولابد أن يعي رئيس مجلس الوزراء أن التضامن الوزاري وحماية الوزراء هي إجراءات في سبيل الدفاع عن سياسة الحكومة لكن ليس لإنقاذ الوزراء المقصرين أو الفاسدين أو الضعفاء بالأداء، وحتى إن قبلنا برأي الأغلبية البرلمانية بمنح الثقة في الوزراء أثناء الاستجوابات فهذا لا يعفي رئيس مجلس الوزراء من إقالة أحد منهم متى ما رأي أن سياسات حكومته تتأثر بوجودهم، أو على وشك فقد ثقة الشعب بنهجه نتيجة التمسك بهم، أو أن المسؤولية السياسية والتي هي جوهر العمل السياسي بتحمل تبعة القرار أصبحت واجبه التطبيق.
النص الكامل لصحيفة استجواب النائب عبد الكريم الكندري لسمو رئيس الوزراء (اضغط هنا)