15 سبباً لضياع الوقت
كانَ الصالحونَ من هذه الأمةِ وعلماؤها رحمهم الله تعالى يقولون: من علامةِ المقتِ إضاعةُ الوقتِ. ولذا فقد كانوا يحرِصُون كلَّ الحرصِ على ألا تغرُب شموسُ أيَّامهم إلا وقد تزوَّدُوا منها بعلمٍ نافعٍ، أو عملٍ صالحٍ؛ حتى لا تنقضيَ الأعمار سدىً، وتضيعَ هباءً.
فإضاعةُ الوقتِ أشد عند الحكماءِ والنُّبهاءِ من الموتِ؛ فإضاعةُ الوقتِ تقطعُكَ عن اللهِ والدارِ الآخرةِ، والموتُ يقطعُك عن الدنيا وأهلِها، ولا شكَّ أن الثاني أهون، وهو محتومٌ لا مناصَ منه ولا مفرَّ.
قال ابن القيم رحمه الله
[1]: "جميعُ المصالحِ إنما تنشأُ من الوقتِ، فإنْ أضاعَه ضاعَتْ عليه مصالِحُه كلُّها، ومتى أضاعَ الوقتَ لم يستدركْه".
قال أحمد أمين رحمه الله
[2]: "إذا كان الزمنُ الذي نعيشُه هو المادةُ الخامة لاستغلالِ المالِ، وتحصيلِ العلمِ، وكسْبِ الصحةِ، فكم أضعْنا من كلِّ ذلك؟ وكم أعمارٍ تضيعُ في عبثٍ، لا في عملِ دنيا ولا آخرة؟".
قال محمد شحادة
[3]: "إنَّ بعضَ الناسِ يستصْغِرُ تضييعَ ساعاتٍ قليلةٍ، لكنَّه يغفَلُ عن أنَّ الساعاتِ تتبَعُها ساعاتٌ، فتُشكِّلَ أيَّامًا تضيعُ سُدى، جارفةً أمامَها العمرَ كلَّه. قال برادلي ماكري: إذا أضعْتُ دقيقةً فإنِّي أضيِّعُ ساعةً، وإذا أضعْتُ ساعةً فإنني أضيِّعُ يومًا، وإذا أضعْتُ يومًا فقد أضعْتُ الحياةَ".
ولا بد لك يا أخي أنْ تعلمَ أسبابَ ضياعِ وقتِك، فمعرفةُ الدَّاءِ بدايةُ العلاجِ، والوقوفُ على المشكلةِ بدايةُ الحلِّ، والوقتُ لا يضِيعُ من نفسِه، وإنما يضيعُ بسبَبنا أو بسببِ الآخرين، ويمكن معالجة كلِّ أسباب ضياعِ الوقتِ إذا أردْنا ذلك.
وأنا أذكرُ لك أكثرَ الأسبابِ التي تُضيِّعُ وقتَ أكثرِ الناسِ، فاقرأها بعنايةٍ وتركيزٍ شديدٍ، وفتِّشْ في حياتِك، فإذا وجدْتَ منها شيئًا تفعلُه فتخلَّصْ منها في أقربِ وقتٍ.
1- عدمُ إدْرَاكِ قيمة الوقْتِ:
الإنسانُ إذا عرَف قدرَ الشيءِ وقيمتَه بالغَ في الحِفَاظِ عليه والحرصِ عليه، أمَّا إذا كان جاهلاً بقدْرِه وقيمتِه فإنَّه يُضَيِّعُه ولا يهتمُّ به؛ إذ لا يُتَصور من عاقلٍ أن يعلمَ قيمةَ العمرِ، ثم هو يضيِّعُه في اللهو واللعب!! وكما قيل: "من عرف مقدارَ ما يطلبُ هان عليه مقدارُ ما يبذلُ".
2- عدمُ تحديدِ الهدف:
إذا نظرتَ بتأملٍ في سببِ ضياعِ الوقتِ على كثيرٍ منا تجد أنَّ السببَ الرئيس عدمُ وضوحِ الهدفِ، وعدمُ تحديدِهِ بدقةٍ؛ لأنَّ الإنسانَ إذا عرف هدَفه وغايتَه من الحياة فإنه يحافظُ على كلِّ لحظةٍ من عمره، ويستثمرُ كلَّ وقتِه لتحقيقِ هدفه.
فاسألْ نفسَك هذا السؤال: ماذا أريد من الحياة؟! ما هو هدفي من الدنيا؟! ما أغلي أمانيّ وأعظم رغباتي؟! هل تعيشُ لتحقيق أهدافك وطموحاتك أم أنك تسعى إلى طموحٍ ليس لك؟
3- ضعفُ التخطيطِ والتنظيمِ:
إنَّ الفوضى والحياةَ المرتبكة التي تفتقد إلى الانضباطٍ تستحقُّ منك وقفةً، فربما هي السبب الأكثر تضييعًا لوقتِك، تبدأ يومَك لا تدري ما الذي يجب عليك إنجازُه هذا اليوم، وربما يمرُّ يومُك وما فعلت شيئًا مفيدًا وأنت لا تدري؛ لأنَّ حياتَك غير مرتبةٍ ولا منظمةٍ. إنَّ عدمَ ترتيبِ الأولويات، ووجودَ إدارةٍ عشوائيةٍ لحياتك، وعدم التخطيط الجيد سبب قويُّ لضياع وقتك.
4- اتباعُ هوى النفس:
إنَّ اتِّباعَ الهوى يفوِّتُ علي صاحبِه إدراكَ الحقِّ واتباعَه، فيقضِي عمرَه متبعًا لهواه، ولا يُفيقُ إلا إذا بلغَتِ الروحُ الحُلقومَ، غير أنَّ الرَّجاءَ حينذاك ينقطعُ ولا ينفعُ، فيردَى المسكين في الهاوية، أعاذنا الله من ذلك، ﴿ فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾ [طه: 16].
فتجد الواحدَ من هذا الصِّنْف الذي يسير تبعًا لهواه يفعلُ ما أحبَّه وأمرَه به هواه، ويتجنَّب ما كرهه وعنه نهاه، فيَضيعُ عليه وقتٌ كثيرٌ في غير طاعة الله، وهو لا يشعر بذلك.
4- التَّسويفُ وطولُ الأملِ:
إنَّ طولَ الأملِ يضيِّعُ ساعاتِ عمر الإنسان النفيسة في اللَّهْثِ وراء الأحلامِ الزائفة، حتى يأتي الأجل الذي يقطع هذه الآمال، وتذهبُ نفسُ الإنسان حسراتٍ على ما فرَّط في عمره، وأضاعَ من وقتِه.
إنَّ طولَ الأملِ يدفعُك إلى التكاسلِ في فعل الطاعاتِ، والانغماسِ في الشهوات والملذات، وتسويفِ التوبة، والرغبةِ في الدنيا وتمكنِّها من القلبِ وفتكها به، ونسيانِ للآخرة، وإهمالِ العملِ والاستعداد لها.
فلا تؤجِّلْ عملَ يومِك إلى الغد؛ فيضيع يومُك وغدُك، بل ابذلْ وسعك في اغتنام كلِّ لحظةٍ من يومِك الحاضر، ولا تدعْ يومَك ينقضِي إلا وقد فرغتَ من جل أعمال هذا اليوم، أما إذا جعلت التسويف والتأجيل عادة لك فكن على يقينٍ أن عمرك سوف يضيع في "السين، وسوف".
5- رُفْقَةُ السُّوءِ:
إنَّك إذا جالستَ جلساءَ السوءِ أضاعُوا وقتَك فيما لا فائدةَ فيه ولا طائلَ من ورائِه، بل أنت بذلك تقتلُ وقتَك، وتهدِرُ عُمُرَك في الشهواتِ المهلكاتِ، والملذَّاتِ المحرَّماتِ.
فلا تعرفْ معهم طريقَ مسجدٍ، ولا برٍّ وصلةٍ، ولا علمٍ وفقهٍ، ولا خيرٍ وصلاحٍ، ولا نجاةٍ وفلاحٍ، بل تغرَقُ معهم في طريقَ الشَّر والفسادِ، والصَّد عن ذكر الله، ويضيعُ عمرك في لا شيء.
6- الكلامُ الفارغ:
إنَّ كثيرًا من الناس يتكلمون في حديث لا ينفعهم ولا يفيدهم وليس من شأنهم، ويمضون الساعات الطويلة في الحوارات العقيمةِ التي لا تنفع بل والله تضرُّ، فاحرصْ على ما ينفعُك، وتكلَّمْ فيما يعودُ عليك بالخير.
7- الاتصالات الهاتفية:
كثير من أوقاتنا تضيعُ في استخدامِ الهواتف المحمولة في اتصالاتٍ ليست ذات أهميةٍ، ومع كثرةِ العروض التي تقدِّمُها شركاتُ الاتصالِ ضيَّعَ كثيرٌ من الناس أوقاتَهم في القيلِ والقال، والكلامِ الفارغ، والحواراتِ التافهة، هذا بخلافِ شباب آخرين يستخدمونه في معاكسة الفتيات بالساعات.
والذي يعرفُ قدرَ لحظاتِه وشرفَ أيامِه لا يُضيِّعُ وقتََه، فاحرص ألا يكون هذا الجوال سببا في خسارة عمرك، وضياع أوقاتك، فلا تنتفع بوقتك لا في عمل دنيا ولا عمل آخرة.
8- مواقعُ التواصل وشبكاتُ الإنترنت:
انتشرت مواقعُ التواصل الاجتماعي بقوة في هذه الأيام، وضيَّع كثيرٌ من الناس أوقاتَهم في الدخولِ عليها ليلًا ونهارًا، وهي في الغالبِ لا تنفعُك في دينِك ولا دنياك، فينبغي لك ألا تكون فريسةً لها تلتهِمُ وقتَك، وتشغَلُك عن مهامِك الأساسية، ولا تُعطِها إلا دقائق من يومِك، ولهدفٍ مُحَددٍ.
وللأسف فإنَّ دخولَ كثيرٍ من المسلمين على مواقع الإنترنت إنما هو على المواقعِ التي تلوِّث العقولَ، وتضرُّ بالدينِ، وقد صار كثيرٌ من شبابِ المسلمين هذه الأيام فريسةً للمواقع الإباحية، فضيَّعت أعمارَهم، ودمَّرت حياتَهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
9- القنواتُ الفضائية:
لا تكاد تجد بيتاً إلا وفيه تلفاز، ومع كثرة القنوات الفضائية تشتَّت الناس وأصابتهم حيرة: أي قناة يشاهدون؟ وأي برنامج يتابعون؟ ومع كثرة البرامج غير الهادفة، وكثرةِ الإغراءات، وتفنُّنِ القنوات الفضائية في جذبِ عقولِ المشاهدين، ضاعتْ أوقاتُ كثيرٍ من الناس في مشاهدة أشياء لا تقدم لهم كثيرَ فائدةٍ. وبإمكانك أن تُطالِعَ بعضَ الإحصاءات لأعلى البرامج مشاهدةً لتعلم أنَّ أغلب الناس يتابعون إما مسلسلًا يُخرِّب عقولَهم، أو مباراةَ كرة لا تنفعُهم بشيء، أو برنامجًا تافهًا.
إن رصيد الناس من مشاهدة البرامج الجادة؛ كالبرامج الطبية والاقتصادية والتربوية والدينية قليلٌ جدًّا، فلا تغرقْ مع الغارقين، ولا تضيِّعْ حياتك مع العابثين.
10- كثرةُ الأكلِ والنومِ:
لِيَعْلمِ الذي يُكْثِرُ من النومِ أنَّه لن يبلُغَ هدفَه وغايتَه ما دام علي تلك الحالِ، فلن يحصِّلَ علمًا، ولن يحصِّلَ عبادةً وزهدًا، بل لنْ يُحَصِّلَ من الدنيا شيئًا، وسيضيعُ عليه وقتُه هباءً منثورًا.
11- كثرةُ الزياراتِ:
كثيرًا ما تضيعُ أوقاتُنا بسببِ المناسباتِ الاجتماعيةِ كعيدٍ، أو زيارةِ مريضٍ، أو عرسٍ، أو نزهةٍ، ونحو ذلك، فلْتُعدِ النظرَ مراتٍ ومراتٍ في هذه المناسبات؛ فمنها ما قد يمكنك الاعتذارُ عنه، ومنها ما قد تقضيه في وقت يسيرٍ، وهكذا.
12- البكاءُ على الماضي، والخوفُ من المستقبلِ:
كثيرٌ من الأوقاتِ تضيعُ علينا هباءً في البكاء على الماضي، والوقوفِ على الأطلال، والحزنِ على ما فات، وفي هذا ضياعٌ للعمر، إلا إذا كان هذا لأجل أخذِ العبرةَ مِمَّا مضى، ليكون حاضرُك أفضل من ماضيك، ولتتجنب تكرارَ أخطاءِ الماضي، أما مجرد تذكر الماضي لمجرَّدِ النَّوْحِ والبكاءِ فهو عمل البطَّالين العاطلين الفارغين.
أما المستقبل فدعْه لخالقك، فهو يختارُ ما فيه الخير لك، فلا تحمل هَمَّ أولادِك، ولا همَّ وظيفتِك، ولا همَّ معيشتِك، خطِّطْ لمستقبلِك، ورتِّبْ أوراقَك، وسِرْ على بركة الله، ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا﴾ [التوبة: 51].
13- التَّهويلُ من المشاكلِ:
إذا أصابتْك مشكلةٌ فلا تُعطِها أكبرَ من حجمِها، ولا تجعلْ الدنيا كلَّها في هذه المشكلة التي ألمَّتْ بك، ولا تُضيِّعْ وقتَك في الحزنِ والكآبةِ وضيقِ الصدرِ، بل كن قوِيَّ القلب، رابطَ الجأْشِ، وبدلا من ضياع الوقتِ في الحزن والبكاء ابحث عن حلٍّ لمشكلتك.
14- الانشغالُ بالتَّوافه:
لقد ضاع وقت كثير من الناس في الانشغال بالتفاهات، فهذه الجماهير الغفيرةُ من البشر قد تركوا أعمالَهم وفرَّغوا أوقاتَهم لمشاهدة مباراة كرة قدم، وهذا رجلٌ قد أمضى أثمن ساعاتِ عمره في متابعةِ أخبار العالم لأوقات طويلة لمجرَّد التسلية.
15- ضعفُ العزيمةِ
كثيرون هم الذين يريدون اغتنامَ كلِّ لحظةٍ من عمرهم في عملٍ يجلِبُ لهم الربح في دنياهم أو آخرتهم، يضَعون الخُططَ، ويُرتِّبون أوراقَهم، لكن سرعان ما تتلاشى أحلامُهم، وتتبعثرُ آمالُهم، وما ذلك إلا لضعفِ عزيمتِهم وإرادتِهم. إنَّ ضعفَ العزيمة يُهدِر وقتَك؛ لأنَّ قوِيَّ العزيمةِ لا يسمح بضياعِ لحظةٍ من عمره مهما كانت الظروفُ والأحوالُ.
رابط الموضوع:
https://www.alukah.net/social/0/126723/#ixzz6AuwN5A6B