0 12
الكثير من المتداولين يتورطون بشراء أسهم «سيئة» | أ ب
«السبب هو أنني شخص غبي جداً.. في كل مرة أفكر أنه قد حان الوقت للتخلي عن ذلك السهم وأهم ببيعه أتراجع في اللحظة الأخيرة قائلاً لنفسي إنه سيعكس اتجاهه ويرتفع قليلاً. وفي الحقيقة أنا لا أحتاج إلى مستشار مالي بقدر حاجتي إلى طبيب نفسي».
العبارات السابقة وردت على لسان ملفين كلاهر أستاذ الرياضيات بكلية بروارد في ولاية فلوريدا الأميركية في معرض إجابته على سؤال وجه إليه حول سبب عدم قيامه ببيع حيازاته في صندوق «ستيدمان أميركان أندستري» الذي استمر في تسجيل نتائج كارثية على مدار سنوات.
وبداية من الخمسينيات ومرورا بالستينيات ووصولا إلى مطلع السبعينيات، قام كلاهر باستثمار ما مجموعه ألف دولار في صندوق ستيدمان أميركان أندستري. وآخر عملية شراء لأسهم الصندوق من جانب كلاهر كانت في عام 1974. ومن وقتها والسهم ينحدر من سيئ إلى أسوأ رغم أن صناعة الصناديق بشكل عام كانت تحقق نتائج جيدة في ذلك الوقت.
وفيما يستمر السهم في التراجع والتدهور، كان لا يزال كلاهر على الجانب الآخر مقتنعاً بأنه تورط في سهم سيئ ويجب أن يتخلى عنه، ولكنه في نفس الوقت يخشى أن يبيعه فيرتفع سعره بعد ذلك ويفوت تلك الفرصة. واستمر كلاهر على هذه الحال المترددة حتى يونيو 1997، ليجد نفسه خسر أكثر من نصف استثماره الأصلي الذي لم يبق منه سوى 434 دولارا.
والطريف أن كلاهر لو تخلى عن ذلك السهم في 1974 وقام بوضع تلك الألف في صندوق آخر متوسط الأداء لبلغت قيمة ذلك الاستثمار نحو 29 ألف دولار في يونيو 1997. لكنه عاند ولم يقدر على أن يحمل نفسه على بيع ذلك السهم مبكراً.
لكن هل تذكرك قصة كلاهر بشيء؟ الخطأ الذي وقع فيه هذا الرجل شائع جدا في سوق الأسهم، ويقع فيه الهواة والخبراء على حد سواء. فالكثير من المستثمرين يجدون صعوبة كبيرة في تقبل الخسارة، وهو ما يدفعهم إلى الاحتفاظ بأسهمهم الخاسرة لفترات أطول من اللازم.
وسبب التورط في هذا الفخ ينبع من عدم رغبتك في الاعتراف بأنك كنت مخطئاً حين استثمرت بذلك السهم. وأثناء قيامك بالمماطلة تُمنّي نفسك بآمال كاذبة وتعمى عن الواقع. وفي غياب أي سبب منطقي تقنع نفسك بأن السهم سيتمكن بطريقة ما من استعادة عافيته والعودة إلى مستواه السابق. ولكن حتى لو حدث ذلك فعلاً بعد سنوات، فهل لديك فكرة عن كم الفرص التي ضيعتها أثناء جلوسك إلى جانب ذلك السهم؟
الأمل يقتلهم!
قبل 20 عاماً وتحديداً في 1998، نشر تيرنس أودان أستاذ الاقتصاد بجامعة بيركلي الأميركية دراسة تحت عنوان «هل يتردد المستثمرون في الاعتراف بخسائرهم؟»، خلصت إلى أن المستثمرين يميلون إلى بيع الأسهم الرابحة ولاحتفاظ بالأسهم الأضعف أداء.
وميل المستثمرين للاحتفاظ بالأسهم الخاسرة يسمى بـDisposition effect أو «تأثير تصفية المركز» وهو مصطلح صاغه أستاذ الاقتصاد هيرش شيفرين وأستاذ التمويل مائير ستاتمان أثناء محاولتهما تطبيق العلوم السلوكية على سوق الأوراق المالية.
ووجد الاثنان أن قرارات المستثمرين تمر بسلسلة من الحسابات الذهنية حين يتعلّق الأمر ببيع الأسهم، وذلك لخوفهم من القيام بحركة خاطئة وبيع السهم في وقت غير مناسب. وهكذا يستمرون في الاحتفاظ بتلك الأسهم وبيع نظيرتها الرابحة، وهو ما يؤثر في النهاية بالسلب على جودة المحفظة.
ولكن لماذا يفعل المستثمرون ذلك؟ ببساطة سبب وقوع الأغلبية في هذا الفخ هو اقتناعهم بأن هناك دائماً احتمالا بأن يرتد السهم، وإذا حدث ذلك فسيتمكنون من تحقيق ربح صغير أو بيعه على الأقل بنفس السعر الذي اشتروه به.
ولكن ما يتناساه البعض هو أنه يوجد هناك احتمال أيضاً بأن يستمر السهم في الانخفاض. ولكن حتى في ظل وجود هذا الاحتمال وجد الباحثون أن المستثمرين حين يخيرون بين التخلي عن السهم والتخارج منه بخسارة بسيطة وبين الاستمرار في الاحتفاظ به يختار أغلبهم الاحتفاظ به.
والأمل الكاذب ربما هو أكثر شيء لديه قدرة على تدمير المحافظ الاستثمارية. فبينما يجلس المستثمر واضعاً يده على خديه في انتظار أن يسترد السهم عافيته ويعكس خسارته، يستمر السهم في التدهور ويتآكل رأسماله.
وفي بعض الأحيان من الممكن أن يتسبب رفض المستثمر تقبل الخسارة في دفعه إلى الدخول في مغامرات غير محسوبة قد تكون لها نتائج مدمرة لا تطاله هو فقط بل تمتد لتصيب من حوله. وربما أحد أشهر الأمثلة على ذلك، حادثة وقعت في عام 1995، تسبب خلالها موظف بأحد البنوك في خسارة البنك لأكثر من مليار دولار وخسارة رئيس البنك لمنصبه.
وكان نك ليسون يعمل كتاجر عقود مشتقات يقوم بأنشطة تداول غير مصرح بها على تلك العقود. ومع مرور الوقت بدأ يخسر المال، ولكن بدلاً من أن يضع حداً لتلك الخسائر امتنع عن بيع العقود – أي ظلت الخسارة على الورق – وأخفى تلك المعاملات عن رئيس البنك ودخل في سلسلة معقدة من الرهانات محاولاً تعويض خسائره.
وبعد أن خسر تلك الرهانات أيضاً فر ليسون إلى سنغافورة في فبراير 1995، تاركاً المعبد ينهار فوق رأس رئيس البنك الذي تم إعفاؤه من منصبه بعدها بأيام على خلفية خسارة البنك 1.4 مليار دولار. بعد عدة أسابيع تم القبض عليه، وفي معرض دفاعه عن نفسه أمام المحققين، قال ليسون: لقد راهنت في سوق الأسهم لتدارك أخطائي وإنقاذ البنك.
جزء من اللعبة
كمستثمر في سوق الأسهم، فأنت في أمس الحاجة لأن تكون عقلانياً، لا تأخذ الأمر على نحو شخصي. فلنفترض مثلاً أنك قررت شراء سهم الشركة «س» الذي ظل يحقق ارتفاعات جيدة لفترة، ولكنه بعد ذلك عكس طريقه وبدأ يتدهور. هذا التراجع ليس بالضرورة مؤقتاً فربما يكون انعكاساً لتدهور أساسيات الشركة. افحص الأمر وإذا كان السبب فعلاً له علاقة بأساسيات الشركة، فقد يكون هذا وقتاً مناسباً لوضع حد لخسائرك. بهذه البساطة.
وفي الحقيقة، إن علاج هذه المشكلة يبدأ بإدراك المستثمر أن الخسارة جزء لا يتجزأ من اللعبة، وأن الاستثمار في الأساس ما هو إلا نشاط احتمالي. كمستثمرين في سوق الأسهم، نحن نحاول أن نبذل قصارى جهدنا في الفحص والتدقيق لبناء محفظة احتمال المكسب فيها أكثر من احتمال الخسارة. ولكننا في نفس الوقت ندرك جيداً أننا نواجه مخاطر.
وحين تشير الكثير من الشواهد إلى أننا ربما كنا غير موفقين في اختياراتنا من البداية، يحاول بعضنا أن يعاند السوق وهو في الحقيقة لا يعاند أحداً سوى نفسه من خلال الاستمرار في الاعتقاد بأنه سيأتي اليوم الذي سيفهم فيه السوق نظرياته، وذلك بسبب رفضه لقبول فكرة أن اختياره الخاطئ كلفه المال.
وفي الحقيقة، إن السؤال الذي من الممكن أن نطرحه على هؤلاء هو: تريدون أن تكونوا على صواب أم تريدون كسب المال؟
ويوجد اليوم في أسواق الاسهم المختلفة الكثير من الفرص الواعدة التي تظهر كل لحظة، وليس من الذكاء أن يقوم المستثمر بتفويت تلك الفرص بسبب أنه يحاصر نفسه بمجموعة من الأسهم الخاسرة التي يعتقد أنها ضلت طريقها الذي ستعود إليه يوماً. لماذا يجب أن تكون فرص المستقبل رهينة لقرارات الماضي السيئة؟
أخيراً، فكر في الأموال التي خسرتها بسبب قراراتك الاستثمارية الخاطئة التي اتخذتها في الماضي، باعتبارها تكاليف رسوم دراسية باهظة دفعتها لكي تتعلم درساً لا يعلمونه في الجامعات، وأصبحت بفضلها مستثمراً أفضل. ومرة أخرى، تحلَّ بروح رياضية وتقبل الخسارة في سوق الأسهم. (أرقام)
القبس