25/07/2015
خدمات لحماية مدخرات مرضى الخرف.. ومساعدتهم أثناء التسوق
اهتمام متنام للبنوك والشركات بالاقتصاد الفضي
اهتمام متزايد بالعملاء من كبار السن من قبل كبرى البنوك والشركات العالمية (أرشيفية)
">خلال زيارة إلى وطنه بريطانيا، سمع روبرت هيوز، الذي يعمل في الولايات المتحدة، والدته وهي تتحدث على الهاتف مع وكيل مبيعات للبضائع التي تُعرض عبر الهاتف. قالت إن البائع الذي تعاملت معه كان تاجر ألماس. لكن تبين لاحقاً أن الألماس الذي يبيعه مزيف، وأن البائع نفسه محتال، تمكن من سرقة كل مدخراتها المالية.
التجربة حفّزت هيوز – هذا ليس اسمه الحقيقي – لتركيب ما يعرف بـ «ترو كول»، وهو مصفاة (فلتر) تسمح له بإعاقة وصول جميع الاتصالات القادمة من الغرباء. «فالحفاظ على أي قدر من الاستقلالية التي تخلت عنها والدتي هو أمر أهم من أي أموال»، كما قال.
أليسيا كليغ -
مع وصول دورة الحياة إلى مراحل أفضل، بدأت الشركات التجارية تبدي اهتماماً متنامياً بالاقتصاد الفضي*، فخدمات العديد منها لم تعد تشمل العملاء الذين يتمتعون بصحة جيدة، لكن أيضا أولئك الضعفاء أو المستضعفين ممن يعانون من عاهات وأمراض مختلفة. برنامج ترو كول، على سبيل المثال، بدأ كشاشة اتصال متعددة الأهداف للاستغاثة من جميع الأشياء المزعجة، لكنه بات اليوم يسوّق خدماته لدعم الأشخاص الضعفاء الكبار في السن.
لقد أصبحت مراكز الاتصال بالعملاء، التي كانت مثل العملة النادرة في أوقات سابقة، متعودة على التعامل مع سلطة القانون التي يعتمد عليها الزبائن. ويتم تدريب طاقم العمل في بعض الشركات لمساعدة الزبائن الكبار في السن الذين يشعرون بالارتباك، وربما حتى إرسال الإشعارات إلى مقدمي الرعاية الذين يهتمون بهم. كما أن الشركات الأخرى تبحث عن أساليب لدعم المستهلكين الذين يعانون من إعاقات مختلفة مرتبطة بتقدّمهم في السن.
عدد الأشخاص الذين يعانون حالياً من مرض الخرف – والذي يقدّر وفق المنظمة الدولية لمرض ألزهايمر بحوالي 44.4 مليون شخص حول العالم – بات يخلق معضلات خاصة بالنسبة إلى الشركات. فمرض الخرف هو المصطلح الذي يظلّل الظاهرة المتمثلة بالفقدان التدريجي للقدرات العقلية، ويصيب الأشخاص الكبار في السن بما يعرف في غالبية الأحيان بمرض ألزهايمر.
إن إظهار الحرص قد يجعل المعاملات أسهل بالنسبة إلى الأشخاص الذين تتدهور مشاكلهم. جايمس وارنر، المدير الطبي لدى مؤسسة «ريد آند ييلو كير»، المتخصصة في توفير الرعاية الطبية للمصابين بالخرف، يقول في هذا السياق: «ليس بديهياً أن الأشخاص المصابين بالخرف يفتقدون القدرة على اتخاذ القرارات المالية، لكنهم قد يحتاجون إلى وقت أطول لاستيعاب المعلومات». ويقول دين لامبل مدير شركة «صانلايف» - وهي شركة تأمين لديها الكثير من الزبائن المتقدمين في السن – إنه يتم تدريب فرق العمل المكلّفة بالتواصل والاتصال مع الزبائن على رصد واستكشاف حالة المريض، بأن يتم التعرف على الشخص الذي يبدو مترنحاً خلال الحديث معه عبر الهاتف – ربما عندما يحاول الخلود إلى النوم قليلاً – وبالتالي يعرضون عليه معاودة الاتصال في وقت آخر عندما يكون لوحده أو عندما يأتي قريب له للتحدث بالنيابة عنه.
كما يجب على الشركات أن تسمح للزبائن بالتعبير عن حاجاتهم من دون أي حرج، كما تضيف ترودي هيلز، مديرة شؤون العملاء العاجزين لدى مجموعة لويدز المصرفية، والتي أصدرت بالتعاون مع جمعية المصابين بمرض ألزهايمر حزمة من الخدمات المالية الملائمة لهؤلاء المرضى.
لكن مهما فعلت تلك الشركات سيكون هناك دائما زبائن يفضّلون عدم الكشف عن إصابتهم بالخرف، بينما يكون هناك أشخاص لا يعرفون حتى أنهم مصابون به. وفي السياق تقول هيلز إنه عندما يضطر فريق العمل في مصرف لويدز لمواجهة طلب يبدو غريبا -مثل محاولة سحب مبلغ ضخم من المال- فإنه يعمل عادة على حث العميل المتقدم في السن للعودة في اليوم التالي، برفقة قريب له إن تسنى له ذلك. وكملاذ أخير قد يتصل أعضاء فريق العمل بالخدمات الاجتماعية- لكن ذلك يتم بطريقة مجهولة. «نقوم بالتعريف عن أنفسنا مثلا بالقول إننا المصرف الذي يهتم بحساب الزبون المعني، لكننا لا نكشف اسم المصرف.. فمن الناحية التقنية لا تسمح لنا قوانين حماية البيانات بالكشف عن أن الشخص المعني هو عميلنا».
لكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به. فقد كشف د. وارنر أنه تعرّف خلال عمله على مرضى كانوا يفتقدون بوضوح للقدرة العقلية كي يتمكنوا من إدارة شؤونهم، لكنهم تمكنوا من سحب جميع مدخرات حياتهم، نقدا، ومن دون أن يتعرضوا للمساءلة من قبل المصرف المعني.
وصدر توضيح حول القانون البريطاني الخاص بحماية البيانات، أكد أنه يحق للشركات تحذير ولفت نظر «الخدمات الاجتماعية»، في حال اعتقدت أن الزبون المعني قد يشكل خطرا معينا على نفسه، أو قد يكون ضحية لأحد التجار المحتالين. وقد يساهم هكذا توضيح في خفض عدد الحوادث المالية المؤسفة التي تحدث ارتباطا بتلك الحالات المرضية.
كمثال حول كيفية عمل ذلك، تسلّط هيلز الضوء على البروتوكول الذي صاغته بلدية منطقة هيفيرينغ في لندن (لندن بورو أوف هيفيرنغ) بهدف ردع التجار المحتالين المتربصين بالنسبة العالية من السكان الكبار في السن الذين يقيمون فيها. الاتفاقية التي وقعت عليها المصارف المحلية، تدعو لتدريب الموظفين حول كيفية طرح الأسئلة بحذر ودماثة أخلاق على الزبائن الكبار في السن، لا سيما في ما يتعلق بالكميات غير العادية من الأموال التي يرغبون بسحبها. وإذا اشتبهوا أن الزبون المعني قد وقع ضحية أعمال غش من أي نوع، أو أنه يشكّل خطرا معيّنا على نفسه، يقومون فورا بإبلاغ الشرطة، أو يتصلون بالمؤسسة الخيرية المحلية المعنية بمتابعة شؤون المتقدمين في السن، للاطمئنان على سلامتهم.
كما أن بعض تجار التجزئة يتوقون لمساعدة ودعم العملاء الذين يعانون من الخرف -رغم حرصهم مؤخرا على تكثيف صناديق الدفع ذاتية الخدمة. وقد أظهر بحث أجرته مؤسسة مرضى ألزهايمر، أن %23 من الأشخاص المصابين بالخرف قالوا إنهم قد توقفوا عن القيام بأعمال التسوق. ولم يكن ذلك بالضرورة لأنهم لم يكونوا بحاجة للتسوق، بل لأنهم كانوا بحاجة لوقت أطول لتنظيم وتوجيه أنفسهم، ولأنهم كانوا يخشون قلّة صبر الأشخاص الآخرين تجاههم.
مارتين بايتمان ينشط في الحياة الاجتماعية في منطقة والسال، حيث يحاول توطيد الروابط بين موظفيه في مركز التسوق (أسدا) والمدارس المحلية والجمعيات الخيرية. وبعد أن عمل ضمن برنامج المؤسسات الصديقة للمصابين بالخرف في بريطانيا، بات بإمكانه الآن أن يقول إن التدريب بخصوص الوعي حيال مرض الخرف قد شجّع فريق العمل على عرض وتقديم المساعدة في أمور كانوا يترددون سابقا بتقديمها. «نقول للزملاء ألا يخافوا أبدا من الاقتراب من أي شخص قد يبدو مرتبكا، حيث قد يعاني في تلك اللحظة من أحلام اليقظة أو أنه قد يكون بحاجة لقليل من العون والمساعدة».
وبعد تدقيق ومراجعة من قبل «باثوايز فور لايف»، وهي شركة مشتركة بين «آيج يو كي والسال» ومجموعة أكورد غروب، متخصصة في شؤون الإسكان والرعاية الاجتماعية، فإن متجر والسال قد حسّن من مظهر لافتاته وإعلاناته، ودرّب فريق العمل على مساعدة الأشخاص الذين يعانون من مسألة إيجاد الكلمات السليمة. ورغبة منها في تحقيق وإدخال مزيد من التحسينات، باتت المؤسسة تُشرك في هذا المشروع أشخاصاً يعانون من الخرف كمتسوقين سرّيين، كي تطّلع بشكل أفضل على ردة فعل الموظفين خلال التعامل معهم.
كما ان الابتكارات المختلفة في مجال ما يعرف بتكنولوجيا الإرشاد اللاسلكي – وهو تطبيق يجري تجريبه حالياً لدى مصرف باركليز لخدمة زبائنه من ذوي الإعاقة – قد تساعد تجار التجزئة مستقبلاً في تكييف الخدمات وفق احتياجاتهم الخاصة، من خلال إرسال إنذار من هاتف العميل المعني إلى فريق العمل عندما يدخل هذا الزبون المسجل في النظام إلى فرع من فروع المصرف. كما أن الميزات الأخرى الموجودة في العديد من أجهزة الهاتف الذكية، التلفزة والكمبيوترات اللوحية، مثل التحكم بالأوامر من خلال الصوت، تضخيم صوت جرس الهاتف، والنصوص المكبّرة، باتت جميعها تع.دُ بجعل تكنولوجيا المعلومات متوافرة للعديد من المستهلكين من ذوي العاهات المرضية المرتبطة بالتقدم في السن.
لكن هناك حاجة لإقناع المستهلكين الكبار في السن باستعمال هذه الميزات، وتالياً إقناع الباعة بالتسويق لها. في الولايات المتحدة على سبيل المثال اكتشفت شركة «إي تي آند تي» من خلال ورش العمل التي نظمتها في بعض مراكز السكن المستقلة، أن بعض الموظفين في متاجرها كانوا غير مدركين أبداً لوجود مثل تلك الميزات في العديد من أجهزة الاستهلاك، ولم يكونوا مدركين أيضاً لوجود مركزي اتصال تابعين للشركة نفسها، متخصصين في التعامل مع المستهلكين من ذوي الإعاقات. «لقد أصبحت مسألة التأكد من أن الموظفين يعلمون بوجود كل تلك الموارد حالياً، شيئاً أشبه بالرسالة»، كما تقول كيندرا كوكس المسؤولة عن سياسة التوعية في شركة إي تي آند تي.
في هذه الأثناء يأمل هيوز في أن جهاز إعاقة الاتصالات غير المرغوب فيها والذي ركّزه في هاتف والدته، سيساعدها على المضي قدماً في حياتها دون التعرض لأي مشاكل كبرى. ويقول في هذا السياق: «هناك أساليب عديدة قد تظن أن أهلك معرّضين للخطر عبرها. لكن إن حدث ذلك فعلاً، فإن التعرض للاحتيال التكنولوجي لن يكون واحداً منها».
* الاقتصاد الفضي هو مشروع يركز على تطوير وتعزيز ونشر استراتيجيات لمواجهة التحديات الجديدة المتعلقة بالشيخوخة السكانية، وذلك في ما يتعلق بالخدمات التكنولوجية المخصصة لرصد الرفاهية والصحة مثل المساعدة الروبوتية، والتنقل الكهربائي أو الرياضة الصحية، بما في ذلك السياحة وما يعرف بالرعاية الصحية والخضراء.
القبس