قراءة في قانون حق الاطلاع على المعلومات
ویستند حق الاطلاع على المعلومات إلى فكرة أساسیة مفادها أن السلطات العامة هي وكیل عن الأفراد في إدارة الشأن العام، وبهذه الصفة تملك المعلومات العامة، وبالتالي لیس من حقها، كوكیل، منع الفرد من الحصول على المعلومة وهو صاحب الحق الأصیل فیها، باعتباره شریكا في التنمیة وطرفا أساسیا بها، فتمكین الفرد من الاطلاع یعزز العلاقة بین الإدارة والمواطن على أسس النزاهة والشفافیة المطلوبة لتحقیق الإدارة الرشیدة لأموال وموارد وممتلكات الدولة والاستخدام الأمثل لها.
وحظي هذا الحق باهتمام دولي، وأقرته العدید من الدول باعتباره حقا ذا قیمة دستوریة، فقد سمح مجلس الدولة الفرنسي في 12 یونیو الماضي لباحث بالاطلاع على الأرشیف الرئاسي في الفترة من 1990 إلى 1995، لمعرفة دور فرنسا في رواندا على اعتبار أن للباحث حق الاطلاع على المحفوظات الرئاسیة بعد مرور فترة من الزمن مع وجوب «الموازنة بین المصلحة بحمایة أسرار الدولة ومصالح إعلام الجمهور بهذه الأحداث التاریخیة»، فحق الاطلاع طبیعي للإنسان، وتم النص علیه في المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان والمواطن 1789، ویعتبر من الحالات التي تحمیها الاتفاقیة الأوروبیة لحمایة حقوق الانسان م10.
أما في الكویت فنجد أن القیمة القانونیة لهذا الحق مختلفة، فالدستور الكویتي لم ینص صراحة على هذا الحق، وتبنیه مؤخرا كان ترجمة لنص م10 من اتفاقیة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي وقعت علیها الكویت، ومن ثم دخلت حیز التنفیذ، وأصبحت جزءا من تشریعاتها، وبالتالي فالحق في الاطلاع بالكویت حق ذو قیمة تشریعیة.
ونظرا لأهمیة هذا الحق وحداثته بالنسبة للمنظومة التشریعیة في الكویت، نعرض بإیجاز وفي ضوء نصوص القانون رقم 12 لسنة 2020 – النقاط التالیة على التوالي: مفهوم حق الاطلاع وشروطه، ثم الجهات كمخاطب في هذا القانون، ثم الإجراءات المؤسسیة للاطلاع، ثم كیفیة الموازنة بین حق الاطلاع وحمایة المعلومات، والرقابة الإداریة والقانونیة، ونختم بالمسؤولیة الجنائیة والإداریة في هذا القانون.
أولا: مفهوم حق الاطلاع وشروطه
أ) المفهوم: حق الاطلاع هو حق كل شخص في الاطلاع على معلومات في حوزة الجهات، سواء كانت تلك المعلومات عامة متاحة للنشر ولا تخضع للسریة القانونیة، أو خاصة بطالب المعلومة، سواء كانت قرارات إداریة أو مستندات متعلقة به.
ب) الشروط: تنقسم شروط صدور القرار الإداري بالسماح بالاطلاع على المعلومة، وفقا لهذا القانون، إلى شروط متعلقة بمحل الحق وبطالب المعلومة:
- وتتمثل الشروط المتعلقة بمحل الحق في أن المعلومة محل حق الاطلاع غیر سریة بحكم هذا القانون أو قوانین أخرى، وبالتالي فإذا فرضت السریة على معلومات معینة تطبیقا لنصوص هذا القانون أو أي تشریعات أخرى نافذة فإن المعلومة تصبح غیر قابلة للاطلاع (كالمواد المحظورة النشر في قانون المطبوعات والنشر بنص م21).
- أما الشروط الخاصة بطالب المعلومة فتتمثل في شرط موضوعي، وهو أن یكون ذا مصلحة في الاطلاع على هذه المعلومة، سواء كان طالب المعلومة شخصا طبیعیا او اعتباریا، وشرط شكلي وهو اتباع الإجراءات المؤسسیة في هذا القانون ومذكرته الإیضاحیة.
ولم یفرق القانون بین طالب المعلومة الخاصة والعامة، ونرى أن طالب المعلومة الخاصة مصلحته الشخصیة مفترضة، على خلاف طالب المعلومة العامة التي یستحسن تحدید مصلحته هنا بضوابط، كتقدیر علاقة طالب المعلومة بهذه المعلومة، والفائدة من اطلاعه علیها، وبالتالي تمنح الإدارة سلطتها التقدیریة الأصیلة في السماح بالاطلاع من عدمه، ولكنها سلطة مقیدة بضوابط تحت نظر القضاء الإداري.
ثانیاً: «الجهات» كمخاطب في القانون
یقصد بالجهات في تطبیق أحكام هذا القانون (م 1) «هي الوزارات والهیئات والمؤسسات العامة وغیرها من الأشخاص العامة والشركات الكویتیة التي تساهم فیها الدولة أو إحدى الجهات العامة بنسبة لا تزید على 50 من رأسمالها، والشركات والمؤسسات الخاصة التي تحتفظ بمعلومات أو مستندات نیابة عن هذه الجهات».
وتلتزم هذه الجهات بالكشف عن المعلومة في التوقیت والكیفیة المنصوص علیها في هذا القانون، مع وجوب تعیین موظف مختص لتحقیق هذا الغرض، إضافة لذلك فإن المشرع ألزم الجهات بنشر دلیل على الموقع الإلكتروني یحتوي على قوائم المعلومات المتاح الكشف عنها، مع وجود التحدیث كلما دعت الحاجة، كنشر القوانین واللوائح المعمول بها، والهیكل التنظیمي والاختصاصات والوظائف ودلیل بأسماء رؤساء الجهات ووظائفهم وغیرها، خلال ثلاث سنوات من نشر هذا القانون.
ونرى أن التوسع في مفهوم الجهة، مع إلزام الجهات قانونا بإنشاء المواقع الإلكترونیة والنشر بها، الإلكترونیة، توجه تشریعي محمود فهو من ناحیة تأصیلیة تحدیث لافت في القوانین الحاكمة للمرافق العامة، فلم یعد المرفق العام یخضع لقوانین رولاند الثلاثیة «المساواة، الاستمراریة، التحولیة» فحسب، بل أضیف لها بحكم هذا القانون «مبدأ الشفافیة» كمتطلب تشریعي ملزم لجمیع الجهات، محققا «الأمن القانوني» المطلوب في التنظیم الإداري بالدولة. ومن ناحیة عملیة، هذا النشر الملزم قد یساهم في حل الكثیر من إشكالیات تشابك الاختصاص بین الجهات، أو في الجهات نفسها، مما ینتج عنه صدور العدید من القرارات الإداریة المعیبة بعیب عدم الاختصاص.
ثالثا: الإجراءات المؤسسیة
من أهم أهداف هذا القانون هو إتاحة المعلومات للاطلاع بالتوقیت والكیفیة المناسبة، ومن أجل تحقیق هذا الهدف حدد القانون الإجراءات الواجبة الاتباع من طالب المعلومة والجهة المختصة، فعلى طالب المعلومة أن یتقدم بطلب كتابي في النموذج المعد مرفق به المستندات المطلوبة، وعلى الجهة - ممثلة في الموظف المختص - اتباع بعض الإجراءات الشكلیة من تسلم الطلب مع إشعار یوثق المعلومات الأساسیة والمدة اللازمة للرد.
ومدة الرد على الطلب هي عشرة أیام قابلة للتمدید على ألا يتجاوز مجموع المدد ثلاثة أشهر، فإما القبول وتمكین الشخص من الاطلاع على المعلومة، أو رفض الطلب مع الالتزام بتسبیب قرار رفض الادلاء بالمعلومة.
ونعتقد أن تحدید الإجراءات المؤسسیة واشتراط الكتابة في طلب المعلومة والرد علیها، ومن ثم تحدید التوقیت، والإلزام بالتسبیب في قرار الرفض باعتباره قرارا إداریا یخضع لمبدأ المشروعیة ورقابة المحكمة الاداریة، توجه حمید من المشرع یضمن عدم تقاعس الإدارة في الرد على الطلبات وإحكام الرقابة على هذه القرارات باعتبارها إداریة.
رابعا: الموازنة بین حق الاطلاع وحمایة المعلومات
لكل شخص الحق في الاطلاع على المعلومات، في حدود وضوابط احترام مبدأ خصوصیة الحیاة الخاصة، وعدم الاضرار بالمصلحة العامة للدولة.
وفي محاولة للموازنة بین حق الاطلاع وحمایة المعلومات، عدد المشرع (في م12 من القانون) حالات حظر الاطلاع على المعلومات؛ إما لطبیعة المعلومات كأن تكون متعلقة بالأمن الوطني أو الأمن العام والقدرات الدفاعیة، أو لكون المعلومة سریة بحكم الدستور أو القانون أو بقرار من المحكمة أو النیابة أو جهة التحقیق، أو لكون المعلومة تتعلق بالحیاة الخاصة لغیر طالب المعلومة إلا إذا وافق صاحب الشأن على ذلك، وغیرها من الحالات.
إضافة إلى الحالات العشر المذكورة في م12 نجد أن البند 2 من ذات المادة یمنح مجلس الوزراء الحق في اعتبار الأوراق سریة بناء على عرض الوزیر، وللمدة التي یحددها المجلس، وبالتالي فإن السریة قد تمنح بقرار إداري صادر من مجلس الوزراء بناء على عرض الوزیر المعني أیا كانت طبیعة المعلومة المطلوب الكشف عنها، وذلك سیفتح الباب على مصراعیه للتوسعة من المعلومات غیر القابلة للاطلاع والسریة، وجعل تلك الحالات مجرد حالات ذكرت على سبیل المثال لا الحصر، فكل معلومة یمكن اعتبارها سریة بقرار صادر من مجلس الوزراء. اضافة لذلك فإن اعتبار المعلومات سریة لمجرد ارتباطها بالشأن العام أو الاقتصاد او الصحة هو توسع غیر مبرر قد یفرغ القانون من محتواه.
ونرى أنه كان أجدى بالمشرع تحدید الحالات على سبیل الحصر، وضبط المصطلحات الخاصة في هذه المادة، ووضع معیار عام لتحدید حالات الحظر وهو أن المعلومات غیر القابلة للإفصاح هي المعلومات التي یكون الضرر الناتج عن كشفها في المصلحة العامة یفوق الضرر الناتج عن منعها، على أن تثبت الإدارة من ثم أن الكشف عن المعلومة قد یحدث ضررا فعليا وجسیما بالمصلحة العامة، وبذلك یكون قد تم منح الادارة سلطة تقدیریة مقیدة بضوابط محددة لا مطلقة، وهو ما یحقق التوازن الحقیقي بین حق الاطلاع على المعلومات والكشف عنها.
خامسا: الرقابة الإداریة والقانونیة
قرار الجهة الصریح بالقبول أو الرفض، أو القرار الضمني بالرفض هو قرار إداري بطبیعة الأمر یخضع لمبدأ المشروعیة ورقابة المحكمة الإداریة.
وقد ألزم المشرع الجهة - كما رأینا - بتسبیب قرار الرفض، وإن كان لم یوجب على الجهة الرد خلال مدة معینة، فبالرجوع للقواعد الاداریة العامة، عدم الرد خلال 60 یوما من تقدیم الطلب یعتبر قرارا ضمنیا بالرفض.
والتظلم على هذه القرارات وجوبي بنص م13، فلا یجوز اتخاذ إجراءات التقاضي قبل البت في التظلم، ویجب الرد على التظلم خلال 60 یوما، وإن كان عدم الرد خلال هذه المدة على التظلم یعتبر بمنزلة رفض للتظلم.
وإلزام الإدارة بتسبیب قرارها هو توجه محمود یمنح المحكمة الإداریة تفعیل رقابتها على مشروعیة هذا القرار، ويسهم في إثراء الفقه الإداري بالأحكام القضائیة التي تضع المعاییر الواضحة في بیان المعلومة القابلة للتداول، من خلال الموازنة بین المصلحة العامة عن الكشف عن المعلومة وعدم الإفصاح عنها.
سادسا: المسؤولیة الجنائیة والإداریة
«قرر المشرع في الفصل السادس من هذا القانون، عقوبة الحبس مدة لا تزید على سنتین وغرامة لا تجاوز الثلاثة آلاف دینار أو بإحدى هاتین العقوبتین لكل موظف مختص امتنع عن تقدیم معلومة دون سبب، أو أعطى معلومة غیر صحیحة لمقدم الطلب، أو أتلف عمدا الوثائق والمستندات الخاصة بالمعلومات، أو أخل بسریة المعلومات المقدرة بموجب هذا القانون أو أي قانون آخر.
ورغم استقلال النظام التأدیبي للموظف العام عن النظام الجنائي من عدة جوانب، فإن ذلك لا یمنع قیام الصلة بین المسؤولیة الجنائیة والاداریة في بعض الحالات، فالقیام بأحد هذه الأعمال المحظورة من قبل الموظف العام قد يثیر المسؤولیة الجنائیة تطبیقا لهذا القانون أو المسؤولیة الإداریة باعتبارها إخلالا بواجبات الموظف العام كواجب الحفاظ على السریة».
ختاما، نخلص من هذا العرض الموجز إلى أن الاطلاع على المعلومة كان - قبل صدور قانون الاطلاع - مجرد إمكانیة مرتبطة برغبة الإدارة في منح المعلومة، وكانت تصطدم بفقر الأرشفة والفهرسة للمعلومات في الجهات بشكل عام وبالادارات الحكومیة بشكل خاص.
ولكن مع صدور قانون الاطلاع أصبح الاطلاع على المعلومة هو الحق، والاستثناء هو الامتناع عن تقدیمها، وبات التحدیث في المعلومات ونشرها وأرشفتها إلزاما تشریعيا بحكم هذا القانون، الذي یخضع الجهات لمبدأ الشفافیة.
القانون هو أداة تحقیق الإدارة الرشیدة، وفعالیة هذا القانون مرتبطة بتحقیق الغرض الذي صدر من أجله، وهذا یتطلب ابتداء تحدید شرط المصلحة بتحدید ضوابطها، واقتصاره على طلب المعلومات العامة لا الخاصة، ثم تضییق نطاق الحظر بوضع تعریف واضح شامل ومانع للمصطلحات الأساسیة في م12 لمنع التوسع في تفسیر المصطلحات، مع أهمیة وجود معاییر واضحة لتحدید حالات الحظر، فلا یكفي حجب المعلومة لمجرد تعلقها بالصحة العامة او البیئة أو حتى الأمن، بل یجب النص على أن المعلومة تحجب إذا كان في كشفها خطر جسیم قد یلحق بالمصلحة العامة، وبالتالي یحقق القانون الهدف من إصداره، فیغدو إضافة للمنظومة التشریعیة لا تزیدا علیها.
د. منیرة صالح النمش
أستاذ مساعد بقسم القانون العام كلیة الحقوق جامعة الكويت
الجريدة
- 08-12-2020
-
د. منیرة صالح النمش
ویستند حق الاطلاع على المعلومات إلى فكرة أساسیة مفادها أن السلطات العامة هي وكیل عن الأفراد في إدارة الشأن العام، وبهذه الصفة تملك المعلومات العامة، وبالتالي لیس من حقها، كوكیل، منع الفرد من الحصول على المعلومة وهو صاحب الحق الأصیل فیها، باعتباره شریكا في التنمیة وطرفا أساسیا بها، فتمكین الفرد من الاطلاع یعزز العلاقة بین الإدارة والمواطن على أسس النزاهة والشفافیة المطلوبة لتحقیق الإدارة الرشیدة لأموال وموارد وممتلكات الدولة والاستخدام الأمثل لها.
وحظي هذا الحق باهتمام دولي، وأقرته العدید من الدول باعتباره حقا ذا قیمة دستوریة، فقد سمح مجلس الدولة الفرنسي في 12 یونیو الماضي لباحث بالاطلاع على الأرشیف الرئاسي في الفترة من 1990 إلى 1995، لمعرفة دور فرنسا في رواندا على اعتبار أن للباحث حق الاطلاع على المحفوظات الرئاسیة بعد مرور فترة من الزمن مع وجوب «الموازنة بین المصلحة بحمایة أسرار الدولة ومصالح إعلام الجمهور بهذه الأحداث التاریخیة»، فحق الاطلاع طبیعي للإنسان، وتم النص علیه في المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان والمواطن 1789، ویعتبر من الحالات التي تحمیها الاتفاقیة الأوروبیة لحمایة حقوق الانسان م10.
أما في الكویت فنجد أن القیمة القانونیة لهذا الحق مختلفة، فالدستور الكویتي لم ینص صراحة على هذا الحق، وتبنیه مؤخرا كان ترجمة لنص م10 من اتفاقیة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي وقعت علیها الكویت، ومن ثم دخلت حیز التنفیذ، وأصبحت جزءا من تشریعاتها، وبالتالي فالحق في الاطلاع بالكویت حق ذو قیمة تشریعیة.
ونظرا لأهمیة هذا الحق وحداثته بالنسبة للمنظومة التشریعیة في الكویت، نعرض بإیجاز وفي ضوء نصوص القانون رقم 12 لسنة 2020 – النقاط التالیة على التوالي: مفهوم حق الاطلاع وشروطه، ثم الجهات كمخاطب في هذا القانون، ثم الإجراءات المؤسسیة للاطلاع، ثم كیفیة الموازنة بین حق الاطلاع وحمایة المعلومات، والرقابة الإداریة والقانونیة، ونختم بالمسؤولیة الجنائیة والإداریة في هذا القانون.
أولا: مفهوم حق الاطلاع وشروطه
أ) المفهوم: حق الاطلاع هو حق كل شخص في الاطلاع على معلومات في حوزة الجهات، سواء كانت تلك المعلومات عامة متاحة للنشر ولا تخضع للسریة القانونیة، أو خاصة بطالب المعلومة، سواء كانت قرارات إداریة أو مستندات متعلقة به.
ب) الشروط: تنقسم شروط صدور القرار الإداري بالسماح بالاطلاع على المعلومة، وفقا لهذا القانون، إلى شروط متعلقة بمحل الحق وبطالب المعلومة:
- وتتمثل الشروط المتعلقة بمحل الحق في أن المعلومة محل حق الاطلاع غیر سریة بحكم هذا القانون أو قوانین أخرى، وبالتالي فإذا فرضت السریة على معلومات معینة تطبیقا لنصوص هذا القانون أو أي تشریعات أخرى نافذة فإن المعلومة تصبح غیر قابلة للاطلاع (كالمواد المحظورة النشر في قانون المطبوعات والنشر بنص م21).
- أما الشروط الخاصة بطالب المعلومة فتتمثل في شرط موضوعي، وهو أن یكون ذا مصلحة في الاطلاع على هذه المعلومة، سواء كان طالب المعلومة شخصا طبیعیا او اعتباریا، وشرط شكلي وهو اتباع الإجراءات المؤسسیة في هذا القانون ومذكرته الإیضاحیة.
ولم یفرق القانون بین طالب المعلومة الخاصة والعامة، ونرى أن طالب المعلومة الخاصة مصلحته الشخصیة مفترضة، على خلاف طالب المعلومة العامة التي یستحسن تحدید مصلحته هنا بضوابط، كتقدیر علاقة طالب المعلومة بهذه المعلومة، والفائدة من اطلاعه علیها، وبالتالي تمنح الإدارة سلطتها التقدیریة الأصیلة في السماح بالاطلاع من عدمه، ولكنها سلطة مقیدة بضوابط تحت نظر القضاء الإداري.
ثانیاً: «الجهات» كمخاطب في القانون
یقصد بالجهات في تطبیق أحكام هذا القانون (م 1) «هي الوزارات والهیئات والمؤسسات العامة وغیرها من الأشخاص العامة والشركات الكویتیة التي تساهم فیها الدولة أو إحدى الجهات العامة بنسبة لا تزید على 50 من رأسمالها، والشركات والمؤسسات الخاصة التي تحتفظ بمعلومات أو مستندات نیابة عن هذه الجهات».
وتلتزم هذه الجهات بالكشف عن المعلومة في التوقیت والكیفیة المنصوص علیها في هذا القانون، مع وجوب تعیین موظف مختص لتحقیق هذا الغرض، إضافة لذلك فإن المشرع ألزم الجهات بنشر دلیل على الموقع الإلكتروني یحتوي على قوائم المعلومات المتاح الكشف عنها، مع وجود التحدیث كلما دعت الحاجة، كنشر القوانین واللوائح المعمول بها، والهیكل التنظیمي والاختصاصات والوظائف ودلیل بأسماء رؤساء الجهات ووظائفهم وغیرها، خلال ثلاث سنوات من نشر هذا القانون.
ونرى أن التوسع في مفهوم الجهة، مع إلزام الجهات قانونا بإنشاء المواقع الإلكترونیة والنشر بها، الإلكترونیة، توجه تشریعي محمود فهو من ناحیة تأصیلیة تحدیث لافت في القوانین الحاكمة للمرافق العامة، فلم یعد المرفق العام یخضع لقوانین رولاند الثلاثیة «المساواة، الاستمراریة، التحولیة» فحسب، بل أضیف لها بحكم هذا القانون «مبدأ الشفافیة» كمتطلب تشریعي ملزم لجمیع الجهات، محققا «الأمن القانوني» المطلوب في التنظیم الإداري بالدولة. ومن ناحیة عملیة، هذا النشر الملزم قد یساهم في حل الكثیر من إشكالیات تشابك الاختصاص بین الجهات، أو في الجهات نفسها، مما ینتج عنه صدور العدید من القرارات الإداریة المعیبة بعیب عدم الاختصاص.
ثالثا: الإجراءات المؤسسیة
من أهم أهداف هذا القانون هو إتاحة المعلومات للاطلاع بالتوقیت والكیفیة المناسبة، ومن أجل تحقیق هذا الهدف حدد القانون الإجراءات الواجبة الاتباع من طالب المعلومة والجهة المختصة، فعلى طالب المعلومة أن یتقدم بطلب كتابي في النموذج المعد مرفق به المستندات المطلوبة، وعلى الجهة - ممثلة في الموظف المختص - اتباع بعض الإجراءات الشكلیة من تسلم الطلب مع إشعار یوثق المعلومات الأساسیة والمدة اللازمة للرد.
ومدة الرد على الطلب هي عشرة أیام قابلة للتمدید على ألا يتجاوز مجموع المدد ثلاثة أشهر، فإما القبول وتمكین الشخص من الاطلاع على المعلومة، أو رفض الطلب مع الالتزام بتسبیب قرار رفض الادلاء بالمعلومة.
ونعتقد أن تحدید الإجراءات المؤسسیة واشتراط الكتابة في طلب المعلومة والرد علیها، ومن ثم تحدید التوقیت، والإلزام بالتسبیب في قرار الرفض باعتباره قرارا إداریا یخضع لمبدأ المشروعیة ورقابة المحكمة الاداریة، توجه حمید من المشرع یضمن عدم تقاعس الإدارة في الرد على الطلبات وإحكام الرقابة على هذه القرارات باعتبارها إداریة.
رابعا: الموازنة بین حق الاطلاع وحمایة المعلومات
لكل شخص الحق في الاطلاع على المعلومات، في حدود وضوابط احترام مبدأ خصوصیة الحیاة الخاصة، وعدم الاضرار بالمصلحة العامة للدولة.
وفي محاولة للموازنة بین حق الاطلاع وحمایة المعلومات، عدد المشرع (في م12 من القانون) حالات حظر الاطلاع على المعلومات؛ إما لطبیعة المعلومات كأن تكون متعلقة بالأمن الوطني أو الأمن العام والقدرات الدفاعیة، أو لكون المعلومة سریة بحكم الدستور أو القانون أو بقرار من المحكمة أو النیابة أو جهة التحقیق، أو لكون المعلومة تتعلق بالحیاة الخاصة لغیر طالب المعلومة إلا إذا وافق صاحب الشأن على ذلك، وغیرها من الحالات.
إضافة إلى الحالات العشر المذكورة في م12 نجد أن البند 2 من ذات المادة یمنح مجلس الوزراء الحق في اعتبار الأوراق سریة بناء على عرض الوزیر، وللمدة التي یحددها المجلس، وبالتالي فإن السریة قد تمنح بقرار إداري صادر من مجلس الوزراء بناء على عرض الوزیر المعني أیا كانت طبیعة المعلومة المطلوب الكشف عنها، وذلك سیفتح الباب على مصراعیه للتوسعة من المعلومات غیر القابلة للاطلاع والسریة، وجعل تلك الحالات مجرد حالات ذكرت على سبیل المثال لا الحصر، فكل معلومة یمكن اعتبارها سریة بقرار صادر من مجلس الوزراء. اضافة لذلك فإن اعتبار المعلومات سریة لمجرد ارتباطها بالشأن العام أو الاقتصاد او الصحة هو توسع غیر مبرر قد یفرغ القانون من محتواه.
ونرى أنه كان أجدى بالمشرع تحدید الحالات على سبیل الحصر، وضبط المصطلحات الخاصة في هذه المادة، ووضع معیار عام لتحدید حالات الحظر وهو أن المعلومات غیر القابلة للإفصاح هي المعلومات التي یكون الضرر الناتج عن كشفها في المصلحة العامة یفوق الضرر الناتج عن منعها، على أن تثبت الإدارة من ثم أن الكشف عن المعلومة قد یحدث ضررا فعليا وجسیما بالمصلحة العامة، وبذلك یكون قد تم منح الادارة سلطة تقدیریة مقیدة بضوابط محددة لا مطلقة، وهو ما یحقق التوازن الحقیقي بین حق الاطلاع على المعلومات والكشف عنها.
خامسا: الرقابة الإداریة والقانونیة
قرار الجهة الصریح بالقبول أو الرفض، أو القرار الضمني بالرفض هو قرار إداري بطبیعة الأمر یخضع لمبدأ المشروعیة ورقابة المحكمة الإداریة.
وقد ألزم المشرع الجهة - كما رأینا - بتسبیب قرار الرفض، وإن كان لم یوجب على الجهة الرد خلال مدة معینة، فبالرجوع للقواعد الاداریة العامة، عدم الرد خلال 60 یوما من تقدیم الطلب یعتبر قرارا ضمنیا بالرفض.
والتظلم على هذه القرارات وجوبي بنص م13، فلا یجوز اتخاذ إجراءات التقاضي قبل البت في التظلم، ویجب الرد على التظلم خلال 60 یوما، وإن كان عدم الرد خلال هذه المدة على التظلم یعتبر بمنزلة رفض للتظلم.
وإلزام الإدارة بتسبیب قرارها هو توجه محمود یمنح المحكمة الإداریة تفعیل رقابتها على مشروعیة هذا القرار، ويسهم في إثراء الفقه الإداري بالأحكام القضائیة التي تضع المعاییر الواضحة في بیان المعلومة القابلة للتداول، من خلال الموازنة بین المصلحة العامة عن الكشف عن المعلومة وعدم الإفصاح عنها.
سادسا: المسؤولیة الجنائیة والإداریة
«قرر المشرع في الفصل السادس من هذا القانون، عقوبة الحبس مدة لا تزید على سنتین وغرامة لا تجاوز الثلاثة آلاف دینار أو بإحدى هاتین العقوبتین لكل موظف مختص امتنع عن تقدیم معلومة دون سبب، أو أعطى معلومة غیر صحیحة لمقدم الطلب، أو أتلف عمدا الوثائق والمستندات الخاصة بالمعلومات، أو أخل بسریة المعلومات المقدرة بموجب هذا القانون أو أي قانون آخر.
ورغم استقلال النظام التأدیبي للموظف العام عن النظام الجنائي من عدة جوانب، فإن ذلك لا یمنع قیام الصلة بین المسؤولیة الجنائیة والاداریة في بعض الحالات، فالقیام بأحد هذه الأعمال المحظورة من قبل الموظف العام قد يثیر المسؤولیة الجنائیة تطبیقا لهذا القانون أو المسؤولیة الإداریة باعتبارها إخلالا بواجبات الموظف العام كواجب الحفاظ على السریة».
ختاما، نخلص من هذا العرض الموجز إلى أن الاطلاع على المعلومة كان - قبل صدور قانون الاطلاع - مجرد إمكانیة مرتبطة برغبة الإدارة في منح المعلومة، وكانت تصطدم بفقر الأرشفة والفهرسة للمعلومات في الجهات بشكل عام وبالادارات الحكومیة بشكل خاص.
ولكن مع صدور قانون الاطلاع أصبح الاطلاع على المعلومة هو الحق، والاستثناء هو الامتناع عن تقدیمها، وبات التحدیث في المعلومات ونشرها وأرشفتها إلزاما تشریعيا بحكم هذا القانون، الذي یخضع الجهات لمبدأ الشفافیة.
القانون هو أداة تحقیق الإدارة الرشیدة، وفعالیة هذا القانون مرتبطة بتحقیق الغرض الذي صدر من أجله، وهذا یتطلب ابتداء تحدید شرط المصلحة بتحدید ضوابطها، واقتصاره على طلب المعلومات العامة لا الخاصة، ثم تضییق نطاق الحظر بوضع تعریف واضح شامل ومانع للمصطلحات الأساسیة في م12 لمنع التوسع في تفسیر المصطلحات، مع أهمیة وجود معاییر واضحة لتحدید حالات الحظر، فلا یكفي حجب المعلومة لمجرد تعلقها بالصحة العامة او البیئة أو حتى الأمن، بل یجب النص على أن المعلومة تحجب إذا كان في كشفها خطر جسیم قد یلحق بالمصلحة العامة، وبالتالي یحقق القانون الهدف من إصداره، فیغدو إضافة للمنظومة التشریعیة لا تزیدا علیها.
د. منیرة صالح النمش
أستاذ مساعد بقسم القانون العام كلیة الحقوق جامعة الكويت
الجريدة
التعديل الأخير: