


البريمل

عضو مميز
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,816

القبس
ولد في نيويورك ودرس في فرنسا وعاش في البرازيل جون إيلكان.. يقود ثورة هادئة في «فيات»

إعداد إيمان عطية
توصف عائلة أغنيلي بأنها عائلة كنيدي الايطالية. وفي المخيلة الشعبية تتشابه العائلتان من ناحيتين على الأقل. فكلتاهما تتمتعان بالبريق والثراء والنفوذ وتملأ أخبارهما صفحات مجلات الشائعات والفضائح. كما عانت كلتاهما من المآسي والأزمات التى طبعت ملحمة سلالتيهما بأجواء شكسبيرية.
جون ايلكان (34 عاما) عيّن أخيرا رئيسا لمجلس ادارة مجموعة صناعة السيارات الايطالية فيات،التي تأسست في 1899 على يد جده الأكبر جيوفاني أغنيلي، وهذا ليس سوى فصل جديد في حكاية أغنيلي. لكنه قد يشكل نقطة تحول في مسار مجموعة صناعية رائدة في ايطاليا في وقت تستعد لتقسيم نفسها الى جزأين وتبني ثقافة تعددية الجنسيات.
في السيناريو الأصلي، لم يكن من المفترض أن يتولى ايلكان زمام امبراطورية فيات بهذه السرعة. فالوريث المختار لهذه المهمة، كان جيوفاني ألبيرتو أنغيلي، ابن أومبيرتو أنغيلي، الذي أدار شركة العائلة القابضة بينما كان جياني الأخ الأكبر ذو الكاريزما والجاذبية يدير فيات، وبالنسبة إلى البعض، حاكم ايطاليا وملكها غير المتوج.
ادواردو، الابن الوحيد لجياني الذي سمي نسبة لوالد جياني الذي توفي في حادث تحطم طائرة، لم يبد أبدا أي اهتمام بأعمال العائلة. وقد انتحر اداوردو في عام 2000، لكن قبل ذلك الحادث بفترة، كان يجري العمل على اعداد جيوفاني البيرتو للمنصب، أولا في شركة بياجو سكوتر ثم في فيات. لكن وفي عام 1997، توفي فجأة في عمر الثالثة والثلاثين نتيجة اصابته بنوع نادر من سرطان المعدة. حينها تم اختيار ايلكان، المعروف بـ «جاكي» (اختصار اسمه الثاني جاكوب) باعتباره الرجل الذي سيتولى زمام مصالح وأعمال العائلة اضافة الى فيات.
قرارات وأحداث مصيرية
وبدأ ايلكان بالحصول على ما يستحقه عندما عين رئيسا لمجلس ادارة الشركات القابضة لعائلة أغنيلي قبل عامين. لكن الأمور لم تجر بيسر وسهولة، على الرغم من توطيد علاقة وثيقة بمارشيوني. فالرئيس التنفيذي لفيات كان قد بدأ بتحقيق معجزات لما من خلال احياء ما اعتبر في حينها شركة صناعية مدارة على نحو سيئ للغاية.
بداية كانت هناك أزمة في نادي يوفنتوس، نادي كرة القدم المهيب الذي تسيطر عليه عائلة أغنيلي، الذي كان متورطا في فضيحة كبيرة تتعلق بالتلاعب في نتائج المباريات. تحرك ايلكان بسرعة لنزع فتيل الأزمة، فسرح الادارة وعين رئيسا تنفيذيا جديدا. وهبط النادي الى أندية الدرجة الثانية لكنه عاد الى دوري الدرجة الأولي الايطالي، حيث يعاني في الموسم الحالي.
ثم جاءت محنة أخيه لابو، الذي كان حينئذ رئيس ادارة علامة فيات التجارية، حين كاد أن يفارق الحياة جراء جرعة زائدة من الكوكايين. في ذلك الحين، والدته مارغريتا، ابنة جياني، قررت مقاضاة منفذي وصية والدها فضلا عن والدتها، بدعوى اخفاء معلومات عنها تتعلق بملكية والدها العقارية.
حفل زفافه الأسطوري
ومع ذلك، كان لا يزال بمقدوره أن يجد متسعا من الوقت لاقامة حفل زفاف خرافي ووفق أفضل ما تقتضيه تقاليد عائلة أغنيلي. العروس أميرة ايطالية، وحفل الاستقبال أقيم في جزيرة عائلتها على بحيرة ماجيوري. كعكة العرس التي قدمت للضيوف ومن بينهم وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنغر وهو صديق قديم للعائلة وسيلفيو برلسكوني، رئيس وزراء ايطاليا، بلغ طولها 5 أمتار وغطيت بسيارات فيات 500 الصغيرة المصنوعة من الشوكولاتة.
كل هذا قد يوحي ربما بأن هذا الشاب البهي الطلعة الطويل القامة ليس سوى صورة نمطية عن أفراد عائلة أغنيلي. لكن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة. فان كان أي شيء، فهو شاب خجول جدا ويقدم نفسه بأقل مما تقتضيه حقيقته. كيسنغر الذي عرف وريث أغنيلي منذ أن كان في التاسعة من عمره، يصفه قائلا «ذكي للغاية ويتمتع بحس عال من المسؤولية. رأيته في السنوات السابقة كيف تمكن من التعامل مع العديد من الأزمات بوقار بالغ وحكمة».
رجل معولم
كما أنه عالمي الطابع منفتح على الآخر بأصالة حقيقية. فقد ولد في نيويورك ودرس في فرنسا وعاش في البرازيل (حيث، وللمصادفة، تبيع فيات اليوم سيارات فيها أكثر مما تبيع في ايطاليا). يتحدث الانكليزية مع مارشيوني، وهو نفسه كندي وسويسري بقدر ما هو ايطالي، ويتحدث الفرنسية مع أخيه لابو.
وعلى عكس جده، الذي كان معروفا في سنين شبابه بعشقه للهو والنساء، فان ايلكان شاب مجد في عمله ومجتهد. يتجنب الأضواء ولا يحب الانخراط في السلطة السياسية لروما. وتجد المؤسسة الايطالية صعوبة في فهمه.
تقليديا، ايطاليا بلد لا يحب التغيير طالما أن لا شيء يتغير. لكن ايلكان ومارشيوني يتجاهلان التحذير. اذ عمل ايلكان بالفعل على تنظيم وجمع أصول العائلة في شركة واحدة مدرجة في البورصة وهي أكسور. وهو يعد الآن لتخفيف السيطرة على شركتها التاريخية للسيارات، اذا كان هذا يعني أن ذلك سيؤدي الى سيطرته على حصة أصغر في شركة أكبر وأكثر قابلية للاستمرار والنجاح.
كما وافق أيضا على تجزئة الشركة الى اثنتين، وهو أمر لم يكن ليخطر على بال جده حتى. وفي الواقع، حين كان جياني أغنيلي يتفاوض على عملية اندماج مع فورد أوروبا في الثمانينات، فشلت المباحثات بسبب عدم اتفاق الطرفان على حصص السيطرة. وتعثرت مباحثات مماثلة اخيرا بين فيات ودايملر للأسباب نفسها.
وبالتالي وفي حين يواصل مارشيوني الاشراف على استراتيجية الاحياء الأطلسية والعالمية الطموحة لفيات، وهو الأمر الذي ما كان يمكن له تنفيذه والمضي قدما فيه لولا أن قدم له ايلكان المساحة اللازمة للمناورة، يعمل الشاب أغنيلي بهدوء خلف الكواليس محدثا ثورة في الشركة وفي أصول العائلة الواسعة الأخرى.
العمل المتخفي
في سن يافع وفتي (22 عاما)، عين في مجلس ادارة فيات، في حين كان يواصل دراسته لعلوم الهندسة في كلية تورين للبوليتيكنيك. أرسل للعمل خفية في مصنع لفيات في بريمينغهام في بريطانيا، حيث أقام لدى احدى العائلات البريطانية من دون أن يكون لديها فكرة عن هويته الحقيقية، وكان يقضي أمسياته بتناول العشاء أمام جهاز التلفزيون. ثم عمل لاحقا، ومتخفيا أيضا في مصنع للتجميع تابع لفيات في بولندا. وتاليا عمل في ادارة التدقيق لدى جنرال الكتريك في الولايات المتحدة تحت جناح جاك ويلش، رئيس مجلس الادارة والرئيس التنفيذي السابق لجنرال الكتريك الذي كان صديقا لجده جياني وعضوا في مجلس ادارة فيات. توفي جياني في 2003، وتولى شقيقه أومبيرتو رئاسة مجلس ادارة فيات بعده، لكنه ما لبث أن توفي بعد 16 شهرا، ليدفع الشاب ايلكان الى دائرة الضوء في وقت كانت فيه فيات على حافة الهاوية. اذ كانت الشركة على وشك الافلاس ولابد من انقاذها من قبل بنوكها. وتم تعيين سيرجيو مارشيوني، كرئيس تنفيذي لها لتنظيم الشركة وحل مشاكلها، في حين تابع الوريث تدريبه لتولي أعلى منصب تحت العين الساهرة لجيانلويجي غابيتي، أحد مستشاري العائلة الأكثر ثقة.
فايننشال تايمز
