الفصل الحادي والأربعون: الأخطاء القيادية الجسيمة* أطالب بإلغاء منصب القائد العام للقوات المسلحة. هذا المنصب الذي لا نجد له مثيلا إلا في دول العالم الثالث المتخلفة.
* لو أن السادات لم يرتكب أي جريمة في حق الوطن سوى أنه عين أحمد اسماعيل قائدا عاما للقوات المسلحـة وهو يعلم انه كان مريضا بالسرطان، لكان ذلك دليلا كافيا لإدانته بارتكاب جريمة الخيانة العظمى في حق الوطن.
* إن القائد الذي يخشى أن يسحب جزءا من قواته من القطاعات الغير مهددة للزج بها في القطاعات المهددة بحجة أن ذلك قد يؤثر على الروح المعنوية. هو قائد انهزامي ولن ينجح قط في تحقيق أي نصر في أي معركة.
* لقد عارض السادات واحمد إسماعيل اقتراح الشاذلي بسحب الفرقة الرابعة المدرعة واللواء 25 المدرع من الشرق إلى الغرب يوم 16، ولكنهما قاما بسحب الفرقة الرابعة المدرعة يوم 18. وعارضا اقتراح الشاذلي بسحب أربعة ألوية مدرعة من الشرق إلى الغرب يوم 20، ولكنهما قررا الأخذ بهذا الاقتراح يوم 28 أكتوبر. وفي الحالتين جـاء القرار متـأخرا ولم يحقق الهدف من هذه المناورات.
* لماذا لم تشكل لجنة قضائية عليا حتى الآن لتقصي الحقائق عن حرب أكتوبر، كـما حدث في إسرائيل، وكما يحدث في جميع الدول المتحضرة في أعقاب كل حرب؟.
* لماذا يخشى السادات قبول دعوة الشاذلي إلى مناظرة علنية كبديل مؤقت للجنة تقصي الحقائق؟
التستر على الخطأ جريمةفكرت كثيرا قبل أن اختار عنوان هذا الفصل "الأخطاء القيادية الجسيمة". وكان العنوان الذي في رأسي أول الأمر هو "أخطاء أحمد اسماعيل والسادات" ، حيث انهما هما اللذان ارتكبا تلك الأخطاء دون غيرهما. غير أن المناقشات والتصريحات التي أدلى بها بعض القادة وبعض المحللين العسكريين بعد الحرب كان بعضها يؤيد هذه الأخطاء. وحيث أن تلك الأخطاء التي سوف اسردها تتعارض مع أصول العلم العسكري وما نقوم بتدريسـه لأبنائنا في الكليات والأكـاديميات العسكرية، فقد خشيت أن يقتنع بعض القادة الحاليين وبعض طلاب العلوم العسكرية بتلك الأخطاء فتكون مصيبة كبرى بالنسبة لمستقبل مصر والبلاد العربية.
ولذلك فقد اخترت العنوان الذي ذكرته ليكون في نفس الوقت ردا لكل من يؤيد تلك الأخطاء بالصمت أو بالكلمة.
عدم المحافظة على الغرضالمحافظة على الغرض مبدا أساسي من مبادئ الحرية بل أنها هي المبدأ المحوري الذي تتأثر به جميع مبادئ الحرب الأخرى. ولذلك فإن المهمة التي تخصص للقوات المسلحة يجب أن تكون واضحـة، وان تكون في حدود إمكـاناتها. وحيث أن الحرب هي امتداد للسياسة بوسيلة أخرى، فإن القيادة السياسية هي التي تخصص المهمة التي تكلف بها القوات المسلحة.
ولكن القيادة السياسية تلجأ عادة إلى مناقشة هذه المهمة مع القادة العسكريين قبل إصدارها حتى تضمن إمكان نجاح القوات المسلحة في تنفيذها. ومنذ اليوم الأول لميلاد أول خطة هجـوميـة "المآذن العالية" في شهر أغسطس 1971، كانت القيـادتان السيـاسيـة والعسكرية على قناعة بحقائق ثلاث: هي تفوق العدو الساحق في مجال القوات الجوية. تفوق العدو علينا في مجال الحرب البرقية خفيفة الحركة BLITZ KRIEG كنتيجـة حتمية لتفوقه في القوات الجوية وفي وسائل الاتصال المؤمنة في الجو والأرض.والثالثة و الأخيرة هي أن أمريكا تؤيد إسرائيل تأييدا مطلقا سياسيا واقتصاديا وعسكريا. وفي ظل هذه الحقائق كـان يجب أن يكون الهدف متواضعا. حـتى أن الرئيس السادات كان يقول في مؤتمرات القادة قبل الحرب "أريد منكم أن تنجحوا في احتلال عشرة سنتيمترات على الضفة الشرقية وان تحتفظوا بها. وسوف يؤدي ذلك إلى تعديل كبير في موازين القوة سياسيا وعسكريا".
وفي ظل هذه الحقائق وضعت خطة المآذن العالية التي كان هدفها هو عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف واحتلال من 10-12 كيلومتراً شرق القناة وفي خلال الفترة من أغسطس 71 حتى أكـتوبر 73، زاد حجم ونوعية قواتنا المسلحة، ولكن كانت تقـابلها أيضا زيادة في حـجم ونوعية قوات العدو. وبالتالي فإن الحـقائق الثـلاث التي أدت إلى الخطة الهجومية بقيت كما هي، وبالتالي فإن الهدف المحدد للقوات المسلحة بقي كما هو. كان كل ذلك يتم شفويا بين القيادتين السياسية والعسكرية، ولكـن أحمد إسماعيل بطبيـعته الحذرة طلب من القيادة السياسية أن تحدد مهمة القوات المسلحة في وثيقة مكتوبة. فأصدر السادات في الأول من أكتوبر 73 توجيها إلى القائد العام يحدد له مهمة القوات المسلحة والتي كانت كما يلي "تحـدي نظرية الأمن الإسرائيلي، وذلك عن طريق عمل عسكري حسب إمكانات القوات المسلحة، يكون هدفه إلحاق اكبر قدر من الخسائر بالعدو، وإقناعه أن مواصلة احتلاله لأراضينا تفرض عليه ثمنا لا يستطيع دفعه. وبالتالي فإن نظريته في الأمن- على أساس التخويف النفسي والسياسي والعسكري- ليست درعا من الفولاذ يحـميه الآن أو في المستقبل".
وكـان هذا يتماشى تماما مع جوهر خطة "المآذن العـالية" التي تغير اسـمها ليصبح "جرانيت-2" ثم "بدر". وبحلول يوم 9 من أكتوبر عام 1973 كـانت القوات المسلحـة قد حققت المهمة التي كلفت بها. فقد نجحت في خلال 18 ساعة في عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف. وفي خـلال ألـ 48 ساعة التاليـة كانت قد نجحت في صـد جميع الهجمات المضادة التي قـام بها العدو. واعتبـارا من يوم 10 من أكتوبر كـان العدو يقف يائسـا أمام قواتنا الصامدة. لقد كانت خطتنا تهدف إلى وضع العدو أمام خيارين، كلاهما مر بالنسبة له وكلاهما حلو بالنسبة لنا. كان الخيار الأول :هو أن يقوم بهجمات مضـادة على قواتنا، وقد اتبع هذا الخيار يومي 8 و 9 ولكنه فشل في تحقيق أي نجاح. واعتبارا من يوم 10 بدأ يلجأ إلى الخيـار الآخر وهو التوقف عن شن هجـمات مضادة قوية. كانت المبـادأة بأيدينا، وكان العدو يتصرف كما نريد له أن يتصرف طبقا للخطة.
ولو أن القائد الـعام تمسك بمبدأ المحـافظة على الغرض لكان في إمكاننا أن نبقى في هذا الوضع عدة اشهر، بينما لا يستطيع العدو أن يتحمل هذا الوضع بضعة أسابيع، فلم يكن من الصـواب إذن أن ننسى تفوق العدو علينا في القوات الجـوية وفي أسلوب الحـرب البرقية (الحقيقتان الأولى والثانية) وان ندفع بقواتنا في عمق سينـاء ولم يكن من المقبول أن يبرر السادات أخطائه بالقول "إني لا أستطيع أن أحارب أمريكا" . فقد كنا نعلم مسبقا أن أمريكا سوف تؤيد إسرائيل سياسيا وعسكريا كما فعلت في الحروب السابقة (الحقيقة الثالثة). ولو أننا التزمنا بمبدأ المحافظة على الغرض لما استطاعت إسرائيل أن تزحزحنا عن مواقعنا شرق القناة مهما تحصل على مساعدات أمريكية.
عدم المناورة بالقواتالمناورة بالقوات أيضا مبدأ مهم من مبادئ الحرب فلو افترضنا وقوع اصطدام بين جيشين متساويين في الحجم وفي المعدات وفي النوعية وفي الروح المعنوية وفي كل شيء آخر. فإن الغلبة ستكون للجيش الذي يطبق قائدة مبدأ المناورة بالقوات. تماما كما يحدث بين لاعبي الشطرنـج اللذين يبدآن المباراة بقطع متساوية في العدد والنوعية والمواصفات. ومع ذلك فإن النصر يكون دائما لمن يحسن تحريك قطعه ونقلها من مكان إلى مكان. فيخلق بذلك لنفسه حشدا متفوقا في الاتجاه الذي يهاجم فيه إذا كـان يشن هجوما. وإذا كان اللاعب في الدفاع فعليه إن يسـتقرئ نوايا خصمه وان يسرع بتحريك قطعه إلى الأماكن المهددة حتى يكون على أهبة الاستعداد لإفشال هجوم خصمه.
ومادمنا نقوم بتعليم أبنائنا في معاهدنا العسكرية، أن تطبيق مبدأ المناورة بالقوات هو مفتـاح النصـر في كل الحـروب على المستوى الاستراتيجي، وفي كل المـعارك الكبرى والصغرى على المستويين التعبوي والتكتيكي. فلكي تكون هناك مصداقية لما نقوله لهم، فإنه يجب علينا أن نعترف بان القائد العام للقوات المسلحة في حرب أكتوبر لم يطبق هذا المبدأ فحسب، بل إنه كان أيضا يرفض النصائح التي كـانت تقترح عليه ضرورة المناورة بالقوات. كان أحيانا يبدي تخوفا شديدا من تأثير سـحب قوات من قطاع ما على أمن وسـلامة هذا القطاع. وكان أحيانا يبدي تخوفه من أن يؤثر هذا السحب على الروح المعنوية للجند وكان أحـيانا يقول: إن الموقف العسكري العام لا يستدعي ضـرورة القيـام بهذا الإجـراء. وفي الحالات النادرة التي استجاب فيها إلى تلك النصائح فإنه كان يقوم بها بعد تردد كبير، وبعد مضي بضعة أيام تكون فيها تلك المناورة قد أصبحت عديمة القيمة. وأن واجبي الوطني يحتم على أن أوضح لأبنائنا وأحفادنا من قادة المستقبل، ما سببته لنا مواقف احمد إسماعيل المتخاذلة من مصائب مازلنا نقاسي منها حتى يومنا هذا.
- إن عدم المناورة بالقوات هو الذي أدى إلى ثغرة الدفرسوار. إن عدم المناورة بالقوات هو الذي سمح لثغرة الدفرسوار أن تتسع. إن عدم المناورة بالقوات هو الذي أدى إلى حصار الجيش الثـالث ومدينة السويس. وأن تطبيق العدو لمبدأ المناورة بالقوات، وإحجامنا عن تطبيقه، هو الذي أدى إلى أن يحقق العدو كل هذا النجاح، رغم أن قواتنا البـرية بالجبهة كانت تتفوق في الحـجم ولا تقل في النوعيـة عن القوات الإسرائيلية التي في مواجهتها. وسوف أذكر فيـما يلي تلك السلوكيات الخاطئـة التي ارتكبها أحمد إسمـاعيل... والتي أدعو قادة المستقبل إلى ضرورة تفاديها.
الحذر الشديد
كان الحـذر الشديد يدفع أحمد إسماعيل إلى زيادة حجم القوات المكلفة بالدفاع بشكل يفوق كثيرا متطلبات الدفاع، وعلى سبيل المثـال فإن الخطة الهجومية الأصلية "المآذن العالية" لم تكن تتضمن تدعيم فرق المشاة الخمس المكلفـة بالهجوم بأية ألوية مدرعة. حيث إن فرقة المشاة بما لديها من أسلحة عضوية قادرة على صد فرقة مدرعة إسرائيلية تضم ثلاثة ألوية مدرعة. وكان في تقديراتنا أن أقصى ما يمكن للعدو أن يدفعه في اتجاه الجبهة المصرية هو 8 ألوية مدرعة و 4 ألوية من المشاة الميكانيكية. وبالتالي فإنه لن يستطع تدمير قواتنا التي تعبر إلى الشرق والتي كـان قوامها 5 فرق مشاة. إن أقصى مـا يستطيع العدو أن يفعله هو أن يركز هجومه على فرقة واحدة أو اثنتين. وقد ينجح في تدمير إحدى الفرق ولكن بعد أن يكون قد فقد نصف مدرعاته وبالتالي يفقد القدرة على متابعة الهجوم، ويهيئ لنا الظروف للقيام بهجوم مضاد نستعيد به الموقف. ومع كل ذلك فقد أمر أحمد اسماعيل بتدعيم كل فرقة مشاة بلواء مدرع. وهكذا قمنا بتخـصيص 5 ألوية مدرعة للفرق المشـاة، وكان ذلك بالتأكيد على حساب الاحتياطات التعبوية والاستراتيجية التي كان يتحتم علينا الاحتفاظ بها غرب القناة. كما انه كان يتعارض مع الأسلوب الأمثل في استخدام القوات المدرعة، والذي يحذر من تفتيت القوات المدرعة، ويدعو إلى استخدامها في حشود كبيرة في المكان والوقت المناسب لحسم المعركة.
وقد كان من الممكن إصلاح هذا الخطأ المؤقت لو أننا قمنا بسحب هذه الألوية المدرعة من الشرق واعدناها إلى وحداتها الأصلية المكلفة بواجبات الاحتياطات التعبوية والاستراتيجية. وقد كـان من الممكن تحقيق ذلك اعتبارا من يوم 10 أكتوبر بعد أن تحطمت هجمات العدو المضادة يومي 8 و 9 أكتوبر. ولكن الحذر الزائد من جانب احمـد إسماعيل دفـعه إلى الإبقاء على هذه الألوية مع الفرق المشاة بل انه عندما اتخذ يوم 12 قرارا بالتطوير-رغم المعارضة الشـديدة من جـانب رئيس الأركان وقـائدي الجـيشين الثاني والثـالث- فإنه دفع بلواءين مدرعين إضافيين ولواء مشاة ميكانيكي إلى الشرق. ومرة أخرى كان من الممكن إصلاح هذا الخطأ بعد أن فشلت عملية التطوير يوم 14، وذلك بإعادة الفرقتين المدرعتين الرابعـة والحادية والعشرين إلى مواقعهما الأصلية إلى الغرب. ولكنه رفض ذلك أيضا.
* لو أن السادات لم يرتكب أي جريمة في حق الوطن سوى أنه عين أحمد اسماعيل قائدا عاما للقوات المسلحـة وهو يعلم انه كان مريضا بالسرطان، لكان ذلك دليلا كافيا لإدانته بارتكاب جريمة الخيانة العظمى في حق الوطن.
* إن القائد الذي يخشى أن يسحب جزءا من قواته من القطاعات الغير مهددة للزج بها في القطاعات المهددة بحجة أن ذلك قد يؤثر على الروح المعنوية. هو قائد انهزامي ولن ينجح قط في تحقيق أي نصر في أي معركة.
* لقد عارض السادات واحمد إسماعيل اقتراح الشاذلي بسحب الفرقة الرابعة المدرعة واللواء 25 المدرع من الشرق إلى الغرب يوم 16، ولكنهما قاما بسحب الفرقة الرابعة المدرعة يوم 18. وعارضا اقتراح الشاذلي بسحب أربعة ألوية مدرعة من الشرق إلى الغرب يوم 20، ولكنهما قررا الأخذ بهذا الاقتراح يوم 28 أكتوبر. وفي الحالتين جـاء القرار متـأخرا ولم يحقق الهدف من هذه المناورات.
* لماذا لم تشكل لجنة قضائية عليا حتى الآن لتقصي الحقائق عن حرب أكتوبر، كـما حدث في إسرائيل، وكما يحدث في جميع الدول المتحضرة في أعقاب كل حرب؟.
* لماذا يخشى السادات قبول دعوة الشاذلي إلى مناظرة علنية كبديل مؤقت للجنة تقصي الحقائق؟
التستر على الخطأ جريمةفكرت كثيرا قبل أن اختار عنوان هذا الفصل "الأخطاء القيادية الجسيمة". وكان العنوان الذي في رأسي أول الأمر هو "أخطاء أحمد اسماعيل والسادات" ، حيث انهما هما اللذان ارتكبا تلك الأخطاء دون غيرهما. غير أن المناقشات والتصريحات التي أدلى بها بعض القادة وبعض المحللين العسكريين بعد الحرب كان بعضها يؤيد هذه الأخطاء. وحيث أن تلك الأخطاء التي سوف اسردها تتعارض مع أصول العلم العسكري وما نقوم بتدريسـه لأبنائنا في الكليات والأكـاديميات العسكرية، فقد خشيت أن يقتنع بعض القادة الحاليين وبعض طلاب العلوم العسكرية بتلك الأخطاء فتكون مصيبة كبرى بالنسبة لمستقبل مصر والبلاد العربية.
ولذلك فقد اخترت العنوان الذي ذكرته ليكون في نفس الوقت ردا لكل من يؤيد تلك الأخطاء بالصمت أو بالكلمة.
عدم المحافظة على الغرضالمحافظة على الغرض مبدا أساسي من مبادئ الحرية بل أنها هي المبدأ المحوري الذي تتأثر به جميع مبادئ الحرب الأخرى. ولذلك فإن المهمة التي تخصص للقوات المسلحة يجب أن تكون واضحـة، وان تكون في حدود إمكـاناتها. وحيث أن الحرب هي امتداد للسياسة بوسيلة أخرى، فإن القيادة السياسية هي التي تخصص المهمة التي تكلف بها القوات المسلحة.
ولكن القيادة السياسية تلجأ عادة إلى مناقشة هذه المهمة مع القادة العسكريين قبل إصدارها حتى تضمن إمكان نجاح القوات المسلحة في تنفيذها. ومنذ اليوم الأول لميلاد أول خطة هجـوميـة "المآذن العالية" في شهر أغسطس 1971، كانت القيـادتان السيـاسيـة والعسكرية على قناعة بحقائق ثلاث: هي تفوق العدو الساحق في مجال القوات الجوية. تفوق العدو علينا في مجال الحرب البرقية خفيفة الحركة BLITZ KRIEG كنتيجـة حتمية لتفوقه في القوات الجوية وفي وسائل الاتصال المؤمنة في الجو والأرض.والثالثة و الأخيرة هي أن أمريكا تؤيد إسرائيل تأييدا مطلقا سياسيا واقتصاديا وعسكريا. وفي ظل هذه الحقائق كـان يجب أن يكون الهدف متواضعا. حـتى أن الرئيس السادات كان يقول في مؤتمرات القادة قبل الحرب "أريد منكم أن تنجحوا في احتلال عشرة سنتيمترات على الضفة الشرقية وان تحتفظوا بها. وسوف يؤدي ذلك إلى تعديل كبير في موازين القوة سياسيا وعسكريا".
وفي ظل هذه الحقائق وضعت خطة المآذن العالية التي كان هدفها هو عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف واحتلال من 10-12 كيلومتراً شرق القناة وفي خلال الفترة من أغسطس 71 حتى أكـتوبر 73، زاد حجم ونوعية قواتنا المسلحة، ولكن كانت تقـابلها أيضا زيادة في حـجم ونوعية قوات العدو. وبالتالي فإن الحـقائق الثـلاث التي أدت إلى الخطة الهجومية بقيت كما هي، وبالتالي فإن الهدف المحدد للقوات المسلحة بقي كما هو. كان كل ذلك يتم شفويا بين القيادتين السياسية والعسكرية، ولكـن أحمد إسماعيل بطبيـعته الحذرة طلب من القيادة السياسية أن تحدد مهمة القوات المسلحة في وثيقة مكتوبة. فأصدر السادات في الأول من أكتوبر 73 توجيها إلى القائد العام يحدد له مهمة القوات المسلحة والتي كانت كما يلي "تحـدي نظرية الأمن الإسرائيلي، وذلك عن طريق عمل عسكري حسب إمكانات القوات المسلحة، يكون هدفه إلحاق اكبر قدر من الخسائر بالعدو، وإقناعه أن مواصلة احتلاله لأراضينا تفرض عليه ثمنا لا يستطيع دفعه. وبالتالي فإن نظريته في الأمن- على أساس التخويف النفسي والسياسي والعسكري- ليست درعا من الفولاذ يحـميه الآن أو في المستقبل".
وكـان هذا يتماشى تماما مع جوهر خطة "المآذن العـالية" التي تغير اسـمها ليصبح "جرانيت-2" ثم "بدر". وبحلول يوم 9 من أكتوبر عام 1973 كـانت القوات المسلحـة قد حققت المهمة التي كلفت بها. فقد نجحت في خلال 18 ساعة في عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف. وفي خـلال ألـ 48 ساعة التاليـة كانت قد نجحت في صـد جميع الهجمات المضادة التي قـام بها العدو. واعتبـارا من يوم 10 من أكتوبر كـان العدو يقف يائسـا أمام قواتنا الصامدة. لقد كانت خطتنا تهدف إلى وضع العدو أمام خيارين، كلاهما مر بالنسبة له وكلاهما حلو بالنسبة لنا. كان الخيار الأول :هو أن يقوم بهجمات مضـادة على قواتنا، وقد اتبع هذا الخيار يومي 8 و 9 ولكنه فشل في تحقيق أي نجاح. واعتبارا من يوم 10 بدأ يلجأ إلى الخيـار الآخر وهو التوقف عن شن هجـمات مضادة قوية. كانت المبـادأة بأيدينا، وكان العدو يتصرف كما نريد له أن يتصرف طبقا للخطة.
ولو أن القائد الـعام تمسك بمبدأ المحـافظة على الغرض لكان في إمكاننا أن نبقى في هذا الوضع عدة اشهر، بينما لا يستطيع العدو أن يتحمل هذا الوضع بضعة أسابيع، فلم يكن من الصـواب إذن أن ننسى تفوق العدو علينا في القوات الجـوية وفي أسلوب الحـرب البرقية (الحقيقتان الأولى والثانية) وان ندفع بقواتنا في عمق سينـاء ولم يكن من المقبول أن يبرر السادات أخطائه بالقول "إني لا أستطيع أن أحارب أمريكا" . فقد كنا نعلم مسبقا أن أمريكا سوف تؤيد إسرائيل سياسيا وعسكريا كما فعلت في الحروب السابقة (الحقيقة الثالثة). ولو أننا التزمنا بمبدأ المحافظة على الغرض لما استطاعت إسرائيل أن تزحزحنا عن مواقعنا شرق القناة مهما تحصل على مساعدات أمريكية.
عدم المناورة بالقواتالمناورة بالقوات أيضا مبدأ مهم من مبادئ الحرب فلو افترضنا وقوع اصطدام بين جيشين متساويين في الحجم وفي المعدات وفي النوعية وفي الروح المعنوية وفي كل شيء آخر. فإن الغلبة ستكون للجيش الذي يطبق قائدة مبدأ المناورة بالقوات. تماما كما يحدث بين لاعبي الشطرنـج اللذين يبدآن المباراة بقطع متساوية في العدد والنوعية والمواصفات. ومع ذلك فإن النصر يكون دائما لمن يحسن تحريك قطعه ونقلها من مكان إلى مكان. فيخلق بذلك لنفسه حشدا متفوقا في الاتجاه الذي يهاجم فيه إذا كـان يشن هجوما. وإذا كان اللاعب في الدفاع فعليه إن يسـتقرئ نوايا خصمه وان يسرع بتحريك قطعه إلى الأماكن المهددة حتى يكون على أهبة الاستعداد لإفشال هجوم خصمه.
ومادمنا نقوم بتعليم أبنائنا في معاهدنا العسكرية، أن تطبيق مبدأ المناورة بالقوات هو مفتـاح النصـر في كل الحـروب على المستوى الاستراتيجي، وفي كل المـعارك الكبرى والصغرى على المستويين التعبوي والتكتيكي. فلكي تكون هناك مصداقية لما نقوله لهم، فإنه يجب علينا أن نعترف بان القائد العام للقوات المسلحة في حرب أكتوبر لم يطبق هذا المبدأ فحسب، بل إنه كان أيضا يرفض النصائح التي كـانت تقترح عليه ضرورة المناورة بالقوات. كان أحيانا يبدي تخوفا شديدا من تأثير سـحب قوات من قطاع ما على أمن وسـلامة هذا القطاع. وكان أحيانا يبدي تخوفه من أن يؤثر هذا السحب على الروح المعنوية للجند وكان أحـيانا يقول: إن الموقف العسكري العام لا يستدعي ضـرورة القيـام بهذا الإجـراء. وفي الحالات النادرة التي استجاب فيها إلى تلك النصائح فإنه كان يقوم بها بعد تردد كبير، وبعد مضي بضعة أيام تكون فيها تلك المناورة قد أصبحت عديمة القيمة. وأن واجبي الوطني يحتم على أن أوضح لأبنائنا وأحفادنا من قادة المستقبل، ما سببته لنا مواقف احمد إسماعيل المتخاذلة من مصائب مازلنا نقاسي منها حتى يومنا هذا.
- إن عدم المناورة بالقوات هو الذي أدى إلى ثغرة الدفرسوار. إن عدم المناورة بالقوات هو الذي سمح لثغرة الدفرسوار أن تتسع. إن عدم المناورة بالقوات هو الذي أدى إلى حصار الجيش الثـالث ومدينة السويس. وأن تطبيق العدو لمبدأ المناورة بالقوات، وإحجامنا عن تطبيقه، هو الذي أدى إلى أن يحقق العدو كل هذا النجاح، رغم أن قواتنا البـرية بالجبهة كانت تتفوق في الحـجم ولا تقل في النوعيـة عن القوات الإسرائيلية التي في مواجهتها. وسوف أذكر فيـما يلي تلك السلوكيات الخاطئـة التي ارتكبها أحمد إسمـاعيل... والتي أدعو قادة المستقبل إلى ضرورة تفاديها.
الحذر الشديد
كان الحـذر الشديد يدفع أحمد إسماعيل إلى زيادة حجم القوات المكلفة بالدفاع بشكل يفوق كثيرا متطلبات الدفاع، وعلى سبيل المثـال فإن الخطة الهجومية الأصلية "المآذن العالية" لم تكن تتضمن تدعيم فرق المشاة الخمس المكلفـة بالهجوم بأية ألوية مدرعة. حيث إن فرقة المشاة بما لديها من أسلحة عضوية قادرة على صد فرقة مدرعة إسرائيلية تضم ثلاثة ألوية مدرعة. وكان في تقديراتنا أن أقصى ما يمكن للعدو أن يدفعه في اتجاه الجبهة المصرية هو 8 ألوية مدرعة و 4 ألوية من المشاة الميكانيكية. وبالتالي فإنه لن يستطع تدمير قواتنا التي تعبر إلى الشرق والتي كـان قوامها 5 فرق مشاة. إن أقصى مـا يستطيع العدو أن يفعله هو أن يركز هجومه على فرقة واحدة أو اثنتين. وقد ينجح في تدمير إحدى الفرق ولكن بعد أن يكون قد فقد نصف مدرعاته وبالتالي يفقد القدرة على متابعة الهجوم، ويهيئ لنا الظروف للقيام بهجوم مضاد نستعيد به الموقف. ومع كل ذلك فقد أمر أحمد اسماعيل بتدعيم كل فرقة مشاة بلواء مدرع. وهكذا قمنا بتخـصيص 5 ألوية مدرعة للفرق المشـاة، وكان ذلك بالتأكيد على حساب الاحتياطات التعبوية والاستراتيجية التي كان يتحتم علينا الاحتفاظ بها غرب القناة. كما انه كان يتعارض مع الأسلوب الأمثل في استخدام القوات المدرعة، والذي يحذر من تفتيت القوات المدرعة، ويدعو إلى استخدامها في حشود كبيرة في المكان والوقت المناسب لحسم المعركة.
وقد كان من الممكن إصلاح هذا الخطأ المؤقت لو أننا قمنا بسحب هذه الألوية المدرعة من الشرق واعدناها إلى وحداتها الأصلية المكلفة بواجبات الاحتياطات التعبوية والاستراتيجية. وقد كـان من الممكن تحقيق ذلك اعتبارا من يوم 10 أكتوبر بعد أن تحطمت هجمات العدو المضادة يومي 8 و 9 أكتوبر. ولكن الحذر الزائد من جانب احمـد إسماعيل دفـعه إلى الإبقاء على هذه الألوية مع الفرق المشاة بل انه عندما اتخذ يوم 12 قرارا بالتطوير-رغم المعارضة الشـديدة من جـانب رئيس الأركان وقـائدي الجـيشين الثاني والثـالث- فإنه دفع بلواءين مدرعين إضافيين ولواء مشاة ميكانيكي إلى الشرق. ومرة أخرى كان من الممكن إصلاح هذا الخطأ بعد أن فشلت عملية التطوير يوم 14، وذلك بإعادة الفرقتين المدرعتين الرابعـة والحادية والعشرين إلى مواقعهما الأصلية إلى الغرب. ولكنه رفض ذلك أيضا.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: