في عددها الاول الصادر في 3 يناير 2009، عدّدت مجلة التايم الاميركية «درزن العوامل القذرة المسؤولة عن الازمة المالية» الحالية، والتي حملتها المجلة مسؤولية ما يعانيه العالم حاليا من آثار مدمرة لتلك الازمة. وبحسب «التايمز» فان تلك العوامل الاثني عشر مرتبة تنازليا هي الآتي:
عدم تعرض الولايات المتحدة لازمة حادة منذ فترة طويلة
على الرغم من تعرض الولايات المتحدة للعديد من الازمات المالية المصغرة، منذ ازمة 1930، مثل ازمة سوق المال في السبعينات وبداية الالفية الثالثة، وازمة سوق العقار في الثمانينات وبداية التسعينات، والأزمة الاسيوية، فان الولايات المتحدة لم تمر منذ الكساد العالمي الكبير في 1929 بأزمة بهذا الحجم، ولم يكن اي شخص في الولايات المتحدة الاميركية يتوقع ان الامور سوف تسير على هذا النحو الذي كشفت عنه الازمة، وبحيث ان الجميع كان يتصرف كما لو ان مثل هذه الازمة لا يمكن ان تطال الاقتصاد الاميركي.
آلان غرينسبان
خلال فترة ولاية آلان غرينسبان رئيسا للاحتياطي الفدرالي استطاع كبح ازمة سوق المال في 1987، وازمة 1998 ، وانهيار الاسهم التكنولوجية في 2000-2001، ومنعها من ان تتحول على نحو اسوأ. غير ان هذا النجاح في مواجهة تلك الازمات ادى الى شيوع ثقافة تجاهل المخاطر في الولايات المتحدة والتي ادت الى نشوء الازمة، الى الحد الذي دعا المرشح الرئاسي رون بول الى القول ان الوضع في الولايات المتحدة ربما قد يكون افضل حالا اذا لم يكن لديها احتياطي فدرالي. معنى ذلك ان الاحتياطي الفدرالي كان يجب عليه ان يتدخل بشكل اوسع للحد من تضخم فقاعة سوق المال التي سبقت الازمة. وفي الواقع فان سياسة الاحتياطي الفدرالي خلال الربع قرن الماضي لم تكن على نسق واحد. فعلى الرغم من انه انقذ العديد من المؤسسات المالية من التعثر المالي، الا انه لم يتخذ الاجراءات اللازمة للحد من قدرات المؤسسات المالية على منح الائتمان خلال اوقات الرواج المالي.
لا تماثل اللوائح التنظيمية
ظلت الرقابة على البنوك التجارية في الولايات المتحدة كما هي من دون تخفيف، غير ان المؤسسات المالية الجديدة، مثل بنوك الاستثمار، وصناديق التحوط، وصناديق رأس المال الخاص وغيرها، التي قامت بالاقراض العقاري، وعقد القروض الاخرى، وصفقات صناديق الاستثمار، وهي الاعمال التي كانت تحتكرها البنوك التجارية، كان قد سمح لها بأن تنمو من دون رقابة تقريبا من الاحتياطي الفدرالي. وقد كان من المفترض ان يتم سن القوانين واللوائح التي تضع هذه المؤسسات تحت الرقابة الدقيقة للاحتياطي الفدرالي. ما حدث هو ان الاحتياطي الفدرالي قد منح الشركات القابضة للبنوك مزيداً من الحرية لدخول هذه الخطوط غير المنظمة من النشاط المالي. مما ادى إلى حصول تلك المؤسسات المالية الجديدة على مزايا غير عادلة في مقابل المؤسسات المصرفية التقليدية.
وول ستريت
شهدت الازمة ايضا تحول الانشطة المالية من انشطة تدرج في الميزانية الى انشطة تدرج خارج الميزانية، مثل التوريق والاشتقاق المالي. وقد كان من الممكن الا تحدث هذه الازمة لو ان بورصة الاوراق المالية في وول ستريت تصرفت كما هو متوقع منها – اي تنويع المخاطر، تشجيع الابتكارات المالية، وجلب افضل المهارات لمعالجة اكبر المشاكل المالية – على العكس من ذلك تمت مكافأة المتهورين من مديري المؤسسات المالية، وتوجيه رؤوس الاموال الى الاستخدامات الاقل انتاجية، وفي ذات الوقت سمح لهؤلاء المتهورين بالهروب من المسؤولية عن هذه الاخطاء، اكثر من ذلك دفعت لهم عشرات الملايين من الدولارات في مقابل تلك الاعمال.
هاجس ملكية المساكن
خلال عقود تسبب سياسات الحكومة في تشجيع ملكية المساكن من خلال قانون اعادة الاستثمار وعملاقي الاقراض العقاري المملوكين للحكومة (فاني ماي وفريدي ماك)، في حدوث ازمة سوق المساكن، وعلى الرغم من ان تملك المساكن يعد امرا جيدا، الا ان غض النظر عن سلوكيات الاقراض المجنون التي اتبعت باعتبار انها تشجع عملية تملك المساكن كان امرا خاطئا.
الكثير من المال
كان هناك قلق كبير لسنوات طويلة حول العجز التجاري الكبير للولايات المتحدة اولا مع اليابان، ولاحقا مع الصين، الذي أضر بشكل واضح بالمصنعين المحليين في الولايات المتحدة، غير ان الوجه الآخر لهذا العجز الهائل كان في صورة تدفقات ضخمة لرؤوس الاموال الى الداخل بصفة خاصة من الصين، ومن وجهة نظر التايمز، فان تدفقات رؤوس الاموال من الصين كان المسبب الرئيسي لتضخم فقاعة المساكن في العقد الاول من القرن العشرين.
أسطورة السوق الرشيد
لعقود طويلة من الزمن، كانت الاجابة الاكاديمية للقلق من ان الاقتصاد قد يسير على نحو غير سليم، ان السوق يعرف افضل، فالاسواق تعالج بكفاءة مذهلة المعلومات والآراء. غير ان تلك الاسواق ايضا، كما اتضح خلال الازمة، قد تنحرف في الاتجاهين الصعودي والنزولي من دون حدود.
المواطن الأميركي
مما لا شك فيه، ان الازمة التي حدثت لم تكن لتحدث لو ان الملايين من المواطنين لم يؤمنوا بقدرتهم على الحصول على عوائد مالية من دون مقابل من خلال الحصول على قروض لا يمكنهم اعادة سدادها، وقد عملت الشركات المقرضة للاموال والساسة على تشجيع مثل هذا المفهوم الخاطئ، ومما لا شك فيه ان ازمة 2008 قد اعطت درسا للمواطن حتى لا يقدم على مثل هذا الخطأ مرة اخرى، على الاقل لفترة زمنية طويلة في المستقبل.
جورج بوش
إن الكثير من القرارات الحكومية التي ادت الى الازمة الحالية كانت بموافقة الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ولكن لا يمكن للرئيس بوش ان يكون في موقع المسؤولية لفترتين انتخابيتين من دون ان يلقى عليه اللوم في انه الطرف المسؤول عن الكارثة، التي انفجرت عندما كان يستعد لمغادرة مكتبه، بصفة خاصة فان سياسات بوش التي اهملت الالتزام بالسياسة المالية السليمة، من خلال التخفيضات الضريبية والانفاق على الحرب قد ادت الى تحويل فوائض الميزانية الى عجز مزمن.
قانون تحديث أسواق المستقبليات
يعد قانون تحديث اسواق المستقبليات اكثر القوانين الحكومية التي ادت اكثر من غيرها إلى حدوث الازمة، الذي تم اقراره في عهد بيل كلينتون في ديسمبر 2000، حيث حظر القانون بشكل فعال المنظمين من التدخل في تنظيم المشتقات المالية مثل مقايضات مخاطر الائتمان، وقد ترتب على ذلك ارسال رسالة واضحة لاسواق المشتقات بإبرام اي انواع من العقود بغض النظر عن مدى سلامتها.
وكالات التصنيف الائتماني
ساهمت اخطاء وكالات التصنيف الائتماني في عجز سوق «وول ستريت» عن القيام بعمليات التوريق على النحو السليم، فقد ساهم استعداد وكالات التصنيف الائتماني مثل موديز وستاندارد آند بورز وفيتش، في منح تصنيفات ائتمانية مرتفعة للاوراق المالية الجديدة التي لم يتم اختبارها مثل «التزامات الدين المرهونة» في عقد الكثير من الصفقات في اوراق مالية، التي كان من الممكن الا ترى النور لولا هذه التصنيفات.
السماح بإفلاس بنك ليمان براذرز
على العكس من سلوك الاحتياطي الفدرالي في انقاذ المؤسسات المالية، على سبيل المثال بير ستيرنز، وفاني ماي، وفريدي ماك، فان السماح بإفلاس بنك ليمان براذرز بشكل عام غير منظم ادى الى حدوث صدمة هزت الاسواق المالية مما ساهم في حدوث الانهيار المالي الذي اعقب ذلك.
ويمكن القول إن درزن العوامل القذرة اعلاه الذي اوردته مجلة التايم يعد حصرا مكثفا لمجموعة العوامل المسؤولة عن الازمة المالية، سواء تلك المسؤولة بشكل مباشر او غير مباشر، سواء أكانت تلك العوامل ذات تأثير قصير الاجل او طويل الاجل، ومما لا شك فيه ان الدراسات التي ستكتب لاحقا عن الازمة المالية العالمية في 2008 لا يمكنها تجاهل تأثير هذه العوامل.
الدكتور محمد السقا
(قسم الاقتصاد – جامعة الكويت)
جمعية CFA عن الأرباح الناتجة عن معلومات داخلية: آفة تضرب مصداقية السوق
رنا عطالله من CFA الكويت
طفت على سطح الأحداث أخيراً التهم الجنائية التي رفعتها الهيئات التنظيمية الأميركية ضد الاستشاريين، ومديري الاستثمار، وخبراء الاستثمار الآخرين؛ وكذلك العقوبات طويلة الأمد في القضايا الشهيرة التي رفعتها هيئة الخدمات المالية في المملكة المتحدة، لتبرز مرة أخرى مسألة التداول غير المشروع المبني على المعلومات الداخلية. وفي دول مجلس التعاون الخليجي، تتسم اللوائح المنظمة للتداول المبني على المعلومات الداخلية بكونها لوائح ضعيفة في معظم الحالات، وغائبة في بعض الأسواق. فالأسواق المالية في مجلس التعاون الخليجي تهيمن عليها تداولات التجزئة مع سلوك تداولي يتسم في كثير من الأحيان باعتماده على الحدس أو بتأثره بالإشاعات الناتجة عن معلومات داخلية، ويعد التداول المبني على معلومات داخلية سرية بمنزلة آفة تتسبب بتآكل مصداقية السوق. ومما يثلج الصدر أن نرى أن هيئة سوق المال السعودية باشرت باتخاذ إجراءات ضد التداول المعتمد على معلومات داخلية من خلال فرض الغرامات، لكنها إجراءات لا تزال صغيرة نسبيا. ومع تواصل تودد أسواق دول مجلس التعاون الخليجي الى المستثمرين من المؤسسات في مواجهة المنافسة الحادة من الاسواق الأخرى فمن المهم لها أن تمتلك سياسات حازمة تحد من التداول المبني على المعلومات الداخلية، بل إن ذلك يمثل أيضا خطوة أساسية في تطوير أسواق الأوراق المالية في المنطقة.
وتعقيباً على مقال سابق نشرته صحيفة فايننشال تايمز (ملحق FTfm) تناقش رنا عطاالله من جمعية CFA الكويت مع مايكل ج. ماكميلان، محلل مالي معتمد CFA، جدوى تكهنات الأرباح في تحليل الأسهم، بهدف التمييز بين السلوك غير اللائق من جهة والتحليل الاستثماري المشروع من جهة أخرى.
ما المعلومات الداخلية؟
ــــ عموماً، إن المعلومات الداخلية، أو غير العلنية، هي معلومات لم تنشر على الملأ، من شأنها أن تؤثر على أسعار الأوراق المالية، أو المعلومات التي قد يسعى المستثمر الحصيف إلى معرفتها قبل اتخاذ قرار الاستثمار. وتتأتى الأهمية المادية للمعلومات من مضمونها وتحديدها، فضلاً عن مصدرها. فالمعلومات الغامضة، أو التي لا تمتلك سوى تأثير ضعيف على سعر الأوراق المالية، أو التي تأتي من مصدر غير موثوق، هي مواد أقل أهمية وأقل جوهرية.
ما هي بعض الأمثلة الشائعة؟
ــــ تضم الأنواع الأكثر شيوعاً من المعلومات الداخلية بالاستخبار عن صحة واستقرار الشركة مالياً (الأرباح، الإيرادات، الإفلاس، وما إلى ذلك)؛ وعن تغيرات هيكل الشركة الناجمة عن عملية استحواذ أو اندماج أو مشروع مشترك؛ وعن مستجدات الشركة من حيث منتجاتها وآليات عملها وتراخيصها وبراءات اختراعها، وغير ذلك.
ما الخطأ في التداول بناء على المعلومات الداخلية؟
ــــ صممت أنظمة أسواق الأوراق المالية لتعزيز عدالة وكفاءة ونزاهة أسواق الأسهم. فتداول الأسهم، أو تحريض الآخرين على تداولها بناء على معلومات غير علنية، يقوض ثقة المستثمرين في أسواق رأس المال عن طريق دعم فكرة أن من يمتلك معلومات داخلية وصلات خاصة يمتلك أفضلية عن غيره تمكنه من استغلال باقي المستثمرين.
وفي العموم، يميل المستثمرون إلى تجنب أسواق رأس المال التي ينظر إليها على أنها «مزورة»، بما يضعف بالتالي من سيولتها وكفاءتها. ولهذا فقد سنت أسواق رأس المال الأكثر تطوراً قوانين تحظر التداول المبني على معلومات داخلية.
من يحتمل أن ينفذ إلى المعلومات الداخلية؟
ــــ يحتمل لأي شخص له علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع الشركة أن يحظى بنفاذ خاص إلى المعلومات التي تتسم بأنها مهمة من جهة وغير علنية من جهة أخرى، أو يصبح على بينة منها. حيث يمكن لمقدمي الخدمات (كالاستشاريين مثلاً، أو مراجعي الحسابات، أو البنوك والشركات الاستثمارية) الوصول إلى معلومات غير علنية حول أنشطة الشركة على الصعيدين الداخلي والمالي. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لأولئك الذين لديهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة، أن يزودوا أناساً ليس لهم أي اتصال مع الشركة بمعلومات داخلية، إما عن قصد أو غير قصد.
هل يعتبر الاعتماد على «خبراء الصناعة» تداولاً بالاعتماد على معلومات داخلية؟
ــ ليس ثمة خطب في توظيف شركة تنظم المحادثات بين المحللين أو مديري صناديق التحوط، وبين أولئك الذين يمتلكون ويقدمون خبرة مشروعة لمساعدة المستثمرين في اتخاذ القرارات الاستثمارية. فالمعلومات المقدمة من الخبراء يمكن أن تكون جزءاً من فسيفساء المعلومات التي يجمعها المحللون أو مديرو الاستثمار لمساعدتهم في آلية اتخاذ القرارات الاستثمارية. ويمكن لهذا النوع من المعلومات أن يشمل التوقعات الاقتصادية أو القطاعيّة.
وحتى لو كانت ثمة معلومة غير معلنة وغير مهمة، لكنها اكتسبت مغزى وأهمية حاسمة عند إدراجها بالبحوث الأولية أو غيرها من المعلومات غير المعلنة وغير المهمة، فهي قد تحافظ على اعتبارها كمعلومة غير مهمة. ويعرف هذا المفهوم بنظرية الفسيفساء.
كيف يمكن للمرء استخدام «شبكات الخبراء» استخداماً شرعياً؟
ــ في الحالات الأخيرة لشبكات الخبراء، فإن سوء السلوك الذي زعمته النيابة الأميركية العامة شمل معلومات مهمة غير معلنة، كالمكاسب التفصيلية، والأرباح الإجمالية، وغيرها من المعلومات السرية التي تسربت من الداخل.
لذلك، وقبل توظيف شركة شبكة خبراء، ينبغي للمرء أن يتحلى بالحكمة للقيام بالعناية الواجبة لتحديد ما إذا كان موظفو الشركة العامة يشاركون كاستشاريين، وما إذا كانت شركة شبكة الخبراء تمتلك سياسات واجراءات كافية لضمان عدم تسريب المعلومات المهمة غير المعلنة أو تمريرها للعملاء.
ما بعض الاحتياطات التي قد يتخذها مديرو المحافظ؟
ــ قبل اتخاذ قرار استثماري أو تقديم توصية استثمارية، ينبغي أن ينظر خبراء الاستثمار في ما اذا كانت المعلومات معروفة على نطاق واسع أو متاحة للجمهور. وهل جرى الكشف عنها لعدد مختار فقط من الناس؟
فلكي تقيّم ما إذا كانت المعلومات مهمة، عليك النظر في ما إذا كان من المحتمل لها أن تؤثر على سعر السهم إذا كانت معروفة، أو إذا كان المستثمر الحصيف يسعى الى معرفتها قبل اتخاذ قرار الاستثمار. فمضمون المعلومات، وتحديدها، وموثوقيتها، هي عوامل تساهم في أهميتها.
وكذلك يتعيّن النظر في مصدر المعلومات، فإذا جاءت المعلومات من شخص يتمتع بإمكانية نفاذ خاص، أو مكلف بمهمة الحفاظ على سرية المعلومات، فمن المرجح أن تكون موثوقة، وبالتالي فهي معلومات داخلية.
شؤون القُصَّر
جاسم السعدون
يقف مواطن كويتي مرعوباً أمام إحدى 'السيطرات' أيام الاحتلال البغيض، بعد أن اعتقد الجنود العراقيون على 'السيطرة' أنهم اصطادوا صيداً ثميناً، فقد كانت هوية العمل التي يحملها تذكر منصبه في الهيئة العامة 'لشؤون القصَّر'، وقرأها الجنود على أنه مسؤول 'شؤون القصْر'، أي شؤون قصر الحاكم، واحتاج الأمر إلى كوكبة من الجنود ترافق المواطن المرعوب حتى منطقة شرق في مدينة الكويت ليريهم مقر عمله البعيد جداً عن هيئة القصور، وليشرح لهم أن مهمته هي حماية حقوق الورثة اليتامى من صغار السن، أو من هم دون الـ21 عاماً.
وفي الكويت، أغلبية السكان الكويتيين أو 51 في المئة منهم دون سن الـ21 سنة، أو قصَّر، وأضعافهم لم يولدوا بعد، ويبدو أننا نحتاج إلى جمعية أهلية لشؤون القُصّر لحمايتهم من جشع الأقلية من كبار الجيل الحالي، الذي يحاول اقتسام كل شيء، وعدم ترك أي شيء لهم.
إن من ينظر إلى مطالبات كبار الجيل الحالي بإسقاط قروضه وتعديل كوادره وإلغاء فواتيره ومنحه هبات وعطايا، حتى بلغ الأمر ببعضهم الطلب من محامين رفع قضايا لتحصيل نصيبهم مقدماً من النفط، يدرك كم هو البلد في حاجة إلى من يدافع عن شؤون القُصّر. ويفترض، أن تتولى الدولة الاهتمام بشؤون القُصّر على المستوى العام، كما هي حال هيئة شؤون القصر على المستوى العائلي، ولكن، ذلك ما لا يحدث ولا يبدو أن هناك أملاً في أن يحدث، لانحياز الإدارة العامة فترة طويلة لمصلحة مشروع الحكم على حساب مشروع الدولة، أو مشروع الاقتسام لشراء الولاء على مشروع البناء.
وربما من الأفضل استعراض مثال واقعي بشأن مسؤولية الدولة عن شؤون القصر، قبل الخوض في سيناريو الكارثة الذي تتبناه الكويت، وأفضل وأقرب الأمثلة هو المثال النرويجي. وأهم الوثائق التي تبنتها الحكومة والبرلمان النرويجي المنتخبان بالكامل لغرض تجنب 'نقمة النفط' و'تعظيم نعمته'، كان التقرير رقم 25 لسنة 1974، ومن أجل فهم مقاصده، لابد من استعراض مرتكزاته حتى نفهم كم هم متفوقون حضارياً. أول المرتكزات كان التحكم في منح حق البحث عن النفط في 200 رقعة من أصل 278 قطعة بما لا يزيد على 5 رقع سنوياً حتى تتم السيطرة على تدفق النفط بما يسمح باستيعاب آثاره تدريجياً، وثانيها الحفاظ على تنافسية الصناعات التقليدية وعدم السماح بإفراغها من عمالتها لمصلحة الصناعات النفطية، وثالثها، ولعله أهمها، التحكم في تدفق إيرادات النفط إلى قنوات الإنفاق، بحيث لا يفقد الاقتصاد النرويجي تنافسيته أو تصيبه تخمة النفط المؤقتة، أو ما يعرف في علم الاقتصاد بـ'المرض الهولندي' أو التأثير السلبي لتدفقات النقد الأجنبي السهلة والوفيرة في إنتاجية الإنسان وتكلفة الإنتاج للسلع والخدمات الحقيقية.
وحتى لا نطيل، حصَّنوا المالية العامة في النرويج لمنع ضرر تدفقات إيرادات النفط إلى أيادي السياسيين بحيث لا تستخدم إلا لمواجهة عجز لا يمكن اجتنابه، وبما لا يتعدى 4 في المئة من دخل الاستثمارات المتحصلة على دخل النفط، وليس من دخل النفط. وفي عام 1990 أسسوا صندوق النفط، وفي عام 1996 حولوا إليه كل الأموال من خزينة الدولة، وحددوا أسواق استثماره وبالنسب في 5 أسواق ليس ضمنها السوق المحلي منعاً للضغوط التضخمية أو التكسب السياسي، ووضعوا سقفاً بحدود 40 في المئة من استثماراته للأسهم، وغيروا اسمه إلى صندوق التقاعد في عام 2005، وزادوا سقف الاستثمار في الأسهم إلى 60 في المئة في عام 2007 ووضعوا حداً أقصى 5 في المئة للاستثمار في العقار في عام 2010، وأصبحت كل تفاصيل استثماراته منشورة ومتاحة للجميع، وحجمه كما في نهاية عام 2010 كما يقدره البنك المدير - Norges Bank Investment Management - يبلغ 453 مليار دولار أميركي أو نحو ضعفي حجم الصندوق السيادي الكويتي الذي تأسس في خمسينيات القرن الماضي، والنتيجة لذلك العمل الحضاري هي أن النرويج أصبحت خامس أفضل بلد في العالم وفق آخر الإحصاءات المقارنة، ليس في مستوى الدخل وعدالة توزيعه فقط، لكن في نوعية الحياة، أي الحرية وانحسار الفساد ونظافة البيئة والشفافية...الخ.
واضح جداً، لماذا لا يحتاجون في النرويج إلى جمعية أهلية لـ'شؤون القصَّر'، فإذا كان الرشد يكتسب ولا يورث، فلديهم فائض منه قابل للتصدير، ونتمنى لو استوردت بعضه حكومتنا الرشيدة بالوراثة. ودعونا نحكي مبررات حاجتنا في الكويت إلى بعض المهتمين بـ'شؤون القصّر' والأرقام قاطعة في قراءة مسارنا تاريخاً وحاضراً ومستقبلا، فالتاريخ كان أفضل، إذ تشير الوثائق البريطانية إلى انخفاض الإنفاق على التعليم من 43 في المئة من الإنفاق الجاري في عام 1950، إلى 13 في المئة للأعوام من 1966 إلى 1968 وارتفاع نصيب نفقات الأمن والدفاع من 12 في المئة إلى 20 في المئة من الإنفاق الجاري في الفترة نفسها، وارتفاع ما رصد للاستملاكات العامة إلى رقم قياسي -94.7 مليون دينار كويتي- عندما كان مجمل النفقات العامة نحو 132.15 مليون دينار كويتي، أو تردي نوعية الإنفاق مع الانتقال من مشروع الدولة إلى مشروع الحكم مع أول تزوير للانتخابات النيابية. وطبقاً للوثائق البريطانية أيضاً، ساهمت إيرادات النفط بنحو 90 في المئة في تمويل النفقات العامة للفترة من 1950 إلى 1967/1966، وساهمت إيرادات النفط بنحو 90.2 في المئة من تغطية النفقات العامة في آخر حساب ختامي عن السنة المالية 2010/2009، أي أن تنويع مصادر الدخل على مدى 60 عاماً كان مجرد مزحة.
لنترك الماضي البعيد، ولنرَ ماذا تعلمنا لاحقاً، لا شيء على الإطلاق هي الإجابة، فخلال عقد الثمانينيات، كان معدل الإنفاق العام السنوي نحو 2.92 مليار دينار كويتي، ومساهمة النفط في تغطيته بلغت نحو 92 في المئة، ارتفع ذلك المعدل في حقبة تسعينيات القرن الفائت شاملاً تكاليف بناء ما دمره الغزو إلى 4.2 مليارات دينار كويتي وانخفض نصيب إيرادات النفط في تغطيته إلى نحو 88 في المئة، وتولى احتياطي الأجيال القادمة تغطية الفرق، وتآكل نحو 65 في المئة من ذلك الاحتياطي، وارتفع ذلك المعدل في العقد الأول من القرن الحالي -من الحساب الختامي باستثناء السنة المالية 2010/2011 من الموازنة ناقصاً 5 في المئة إلى 9.5 مليارات دينار كويتي، وارتفعت مساهمة إيرادات النفط في تغطيته إلى 89.5 في المئة مع كل التدهور في نوعية الإنفاق وفساده ودوره في تقويض تنافسية الاقتصاد وتنافسية رأس المال البشري، ذلك يعني أن معدل الإنفاق العام السنوي ارتفع في عقد واحد من الزمن ما بين تسعينيات القرن الفائت والعقد الأول من القرن الحالي بنحو 2.3 ضعف.
ولنذهب إلى المستقبل القريب، أو عقد من الزمن فقط، أي حتى قبل تسليم الأمانة إلى قصَّر اليوم، وهي الحقبة أي العقد الذي ينتهي في السنة المالية 2021/2020 ويبدأ مع السنة المالية الحالية في 2011/4/1 بمشروع موازنة بحدود 19 مليار دينار كويتي لتغطية النفقات العامة، وإذا قدر للإنفاق العام أن ينمو بنفس المعدل خلال العقدين الفائتين، فسيعني ذلك أن مستوى النفقات العامة في آخر سنة من العقد أي في عام 2021/2020 سيبلغ 37 مليار دينار كويتي.
إنه سيناريو الكارثة، لقد حاولت فيه أن أكون أكثر تفاؤلاً من تقرير 'توني بلير'، ورغم ذلك، كانت النتيجة واحدة، وهي أن الاستمرار في هذا المسار يعني الضياع، ليس للجيل الذي يريد الاستيلاء على كل شيء، وإنما للقصَّر من هذا الجيل، أي أكثريته أو 51 في المئة من الكويتيين حالياً، ومن لم يولد منهم بعد.
عودة إلى النرويج، يقدر مدير الصندوق السيادي أن يبلغ حجم صندوقهم مع نهاية عام 2014 نحو 756 مليار دولار أميركي، يسمونه صندوق التقاعد لأنه حق مطلق للصغار ومن سيولد، لذلك هم قطعاً ليسوا في حاجة إلى هيئة أهلية ترعى شؤون القصر. ولدينا، سنتركهم بلا نفط يكفي، بلا رصيد أموال، بلا وظيفة أو سكن أو تعليم ملائم، ببساطة بلا مستقبل آمن، لأننا جيل يريد كباره الاستحواذ على كل شيء حالاً، يرحم الله صغارنا برحمته، ليس فقط لأننا لن نترك لهم شيئاً يفخرون به في دنياهم كما يفعل النرويجيون، وإنما سنورثهم مهمة في غاية الصعوبة، إذ لن يجدوا محاسن لموتاهم يذكرونها من أجل حسنات آخرتهم.
كلمة أخيرة، من حق الجميع الاجتهاد في أي اتجاه، ولمن يتهم من يكتب في اتجاه الحفاظ على مستقبل قصر الجيل الحالي، بأنه ليس أكثر من انحياز طبقي لعلية القوم، أقول، إنه انحياز طبقي مماثل لانحياز النرويجيين المنتخبين، وهو بعيد في مقاصده عن ذلك الاتهام، 'بُعْدَ هيئة شؤون القُصَّر' عن 'شؤون القَصْر'.
محمد العريان
محمد العريان *
بعد انقضاء ثلاثة اعوام منذ اندلاع الازمة المالية العالمية، يظل الاقتصاد العالمي مكانا مثيرا للارتباك والحيرة. ولأسباب وجيهة.
ولكن هل يجوز لنا ان نستمد شعورا بالارتياح من التعافي التدريجي في البلدان المتقدمة والنمو القوي في الاسواق الناشئة؟ ام هل ينبغي لنا ان نبحث عن ملاذ نحتمي به من اسعار النفط المرتفعة، والصدمات الجيوسياسية التي تجتاح الشرق الاوسط، واستمرار الشكوك النووية في اليابان صاحبة ثالث اضخم اقتصاد على مستوى العالم؟
يبدو ان العديد من الناس يختارون الركون الى الرؤية العالمية الاولى الاكثر بثا للطمأنينة. فبعد التغلب على اسوأ ما في الازمة المالية العالمية، بما في ذلك التهديد بانزلاق العالم اجمع الى حالة من الكساد، تشجع الناس بفعل شعور واسع النطاق باستعادة التوازن، ان لم يكن الثقة.
قطاعات قاطرة للنمو
وتستند هذه النظرة العالمية الى ديناميكيات نمو متعددة السرعات، مع نجاح القطاعات التي استعادت عافيتها من الاقتصاد العالمي في انتشال القطاعات المتأخرة بشكل تدريجي. وتتألف هذه الديناميكية من شركات متعددة الجنسيات عالية الربحية، والتي بدأت الآن في الاستثمار وتوظيف العمالة، وبنوك البلدان المتقدمة التي بدأت في سداد قروض الانقاذ الطارئة، والطبقة النامية المتوسطة والعليا في بلدان الاسواق الناشئة التي بدأت في شراء المزيد من السلع والخدمات، والقطاع الخاص الاكثر صحة الذي بدأ في دفع المزيد من الضرائب، والعمل بالتالي على تخفيف الضغوط عن الموازنات الحكومية، وألمانيا التي تمثل القوة الاقتصادية في اوروبا، والتي بدأت في جني ثمار سنوات من اعادة الهيكلة الاقتصادية.
إن جانباً كبيراً من البيانات الحديثة، وإن لم يكن كلها، يدعم هذه النظرة العالمية، والواقع ان العالم بدأ يسلك مساراً الى التعافي الاقتصادي التدريجي، ولو ان هذا المسار متفاوت واقل حيوية ونشاطاً مما كان ليوحي به التاريخ، ولو نجح العالم في الحفاظ على هذا المسار، لرأينا التعافي سيساعد في بناء الزخم الضروري الذي يسمح لهذه النظرة بالتوسع في كل من نطاقه وتأثيره.
عقبات ومخاوف
ولكن كلمة «لو» تقودنا الى النظرة الثانية الأقل وردية للعالم، فهي نظرة تحيط بها المخاوف بشأن انخفاض معدلات النمو وارتفاع معدلات التضخم، ورغم ان العقبات لم تبلغ من الخطورة حتى وقتنا هذا مبلغاً قد يسمح لها بعرقلة التعافي المستمر، فمن الغفلة والحماقة ان نحاول حجبها أو ان نتعامى عنها، واستطيع ان افكر في اربع قضايا رئيسية في هذا السياق، مرتبة وفق تأثيرها المباشر واهميتها بالنسبة لرفاهية الاقتصاد العالمي، والتي باتت تلوح اعظم اهمية وأصبحت اكثر تهديداً في طبيعتها.
اضطرابات المنطقة
في المقام الاول من الاهمية، لا يزال العالم ككل مضطراً للتعامل بشكل كامل مع العواقب الاقتصادية المترتبة على الاضطرابات التي تجتاح الشرق الاوسط والمآسي التي ابتليت بها اليابان، ورغم ان هذه الاحداث مستمرة منذ اسابيع او اشهر، فإنها لم تفرز بعد كامل تأثيرها المخرب في الاقتصاد العالمي، والواقع انه ليس من المعتاد ان يجد العالم نفسه في مواجهة خطر الركود التضخمي نتيجة لتدني مستويات الطلب والعرض في الوقت نفسه، والاغرب من ذلك ان يؤدي بنا الى مثل هذه النتيجة تطوران مستقلان مختلفان، ورغم ذلك فإن هذه هي الحال اليوم.
لقد دفعت الانتفاضات في الشرق الاوسط اسعار النفط الى الارتفاع، الامر الذي ادى الى تآكل القدرة الشرائية للمستهلكين في حين عمل على رفع اسعار المدخلات بالنسبة للعديد من المنتجين، وفي الوقت نفسه تسببت المأساة الثلاثية في اليابان، الزلزال المدمر، وموجة المد العارمة المخربة، والكارثة النووية المروعة، في تدمير ثقة المستهلك وتعطيل سلاسل الانتاج العابرة للحدود وخصوصأ في مجالات التكنولوجيا وصناعة السيارات.
ديون أوروبا
ويأتي الخطر العالمي الثاني الأعظم من أوروبا، حيث يتزامن الأداء الألماني القوي مع أزمة ديون، تعاني منها البلدان الواقعة على المحيط الخارجي للاتحاد الأوروبي. ففي الأسبوع الماضي، انضمت البرتغال إلى اليونان وأيرلندا، في السعي إلى عملية إنقاذ رسمية، في محاولة لتجنب العجز عن سداد الديوان، والذي قد يؤدي إلى تقويض النظام المصرفي في أوروبا بالكامل. وفي مقابل القروض الطارئة، شرعت البلدان الثلاثة في تنفيذ برامج تقشف واسعة النطاق، ولكن على الرغم من الآلام الاجتماعية الهائلة، فإن هذا النهج لن يحدث أثراً يذكر في تخفيف الآثار السلبية الضخمة والمتزايدة الناتجة عن أعباء الديون.
الإسكان الأميركي
وفي الوقت نفسه، عاد قطاع الإسكان في الولايات المتحدة إلى الضعف من جديد، وهذا هو ثالث أعظم المخاطر العالمية، فعلى الرغم من انخفاض أسعار المساكن بشكل حاد بالفعل، فإنها لم تشهد انتعاشاً ملموساً حتى الآن ، بل إن الأسعار باتت خاضعة الآن في بعض المناطق إلى ضغوط تدفعها إلى الهبوط من جديد، وهو الاتجاه الذي قد يتفاقم سوءاً إذا أصبح تمويل الرهن العقاري أقل توافراً وأكثر كلفة، وهو احتمال ممكن.
ونظراً لكون الإسكان مهماً لسلوك المستهلك، فإن أي هبوط آخر كبير في أسعار المساكن من شأنه أن يؤدي إلى استنزاف الثقة، وخفض معدلات الإنفاق. وهو ما من شأنه أيضاً يزيد من صعوبة وتعقيد عملية إعادة التوطين بالنسبة إلى الأميركيين، في أجزاء معينة من البلاد، فضلاً عن تفاقم مشكلة البطالة الطويلة الأجل.
وأخيراً، هناك مأزق مالي متزايد الوضوح في الولايات المتحدة، الدولة صاحبة الاقتصاد الأضخم على مستوى العالم، والتي توفر «المنافع العامة العالمية»، التي تشكل أهمية كبيرة فيما يتصل بالأداء السليم للاقتصاد العالمي، فبعد استخدام الإنفاق المالي، بقوة في محاولة لتجنب الكساد، يتعين على الولايات المتحدة الآن أن تلتزم بمسار جدير بالثقة في الأمد المتوسط لتدعيم النظام المالي، وهذا من شأنه أن يشمل اختيارات صعبة، فضلاً عن التنفيذ الدقيق، والنتائج غير المؤكدة بالنسبة لكل من الحكومة الفيدرالية، والاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
تحرّك سريع
وكلما أجلت الولايات المتحدة يوم الحساب، تعاظمت المخاطر المحيطة بالمكانة العالمية للدولار بوصفه العملة الاحتياطية العالمية الرئيسية، وجاذبية السندات الحكومية الاميركية باعتبارها المعيار المالي الحقيقي «الخالي من المخاطر».
لقد غير العالم الجهة الموفرة للمنافع العامة العالمية في الماضي.. كانت المرة الاخيرة التي شهدت مثل هذا التغيير بعد الحرب العالمية الثانية، حيث حلت الولايات المتحدة النشطة محل بريطانيا التي دمرتها الحرب. وعلى النقيض من ذلك، لا توجد اليوم دولة قادرة أو راغبة في شغل هذه الوظيفة في حال فشل الولايات المتحدة في استجماع قواها وتنظيم نفسها.
إن هذه المخاطر تشتمل على أبعاد مادية وتبعية، وكل منها يتزايد في الأهمية. ولكن مما يدعو إلى التفاؤل أن اياً منها لم يصبح بعد قادراً على تغيير طبيعة أو مظهر الاقتصاد العالمي، ولم تشكل هذه المخاطر مجتمعة الكتلة الحرجة الهدامة بعد. ولكن هذا لا يعني أن الاقتصاد العالمي في منطقة آمنة. بل إنه على العكس من ذلك، متورط في مبارزة مرهقة بين التعافي والتأثيرات الهدّامة، حيث لم يعد بوسعه ان يتحمّل المزيد من هذه التأثيرات.
* الرئيس التنفيذي لشركة بيمكو، ومؤلف كتاب «عندما تتصادم الاسواق». ويستند هذا المقال إلى محاضرة ألقاها في مركز جامعة برينستون لدراسات السياسات الاقتصادية.
بروجيكت سنديكيت
خاص بـ القبس
مساحة حرة الفجوة في الثقافة المالية بين المستهلكين في الشرق الأوسط
لعل الازمة المالية التي حلت اخيرا، والتي لا تزال تداعياتها ملحوظة حتى اليوم اتت بمكانة تحذير للمستهلكين في المنطقة. فقد جال الخبراء الماليون حول العالم وصالوا حول خطورة الوضع، وشبهوا الوضع المالي العالمي الحالي بظاهرة اقتصادية لا تحدث الا مرة واحدة في المائة عام، وذلك بسبب التأثيرات التي ما زالت تحدثها، مثل فقدان الوظائف، واغلاق الشركات، وسوق مالية باداء دون المستوى.
لا شك في أن الدروس التحذيرية التي يجب استقاؤها من هذه الكارثة كثيرة نذكر منها على سبيل المثال الطمع، وأسلوب العيش الباذخ الى الانفاق غير الواقعي، والكثير غيرها. ولكن علينا استخلاص عبرة أعمق من هذه الأزمة، عبرة لم تلق الكثير من الانتباه، ألا وهي أن الكثيرين ما زالوا غير مجهزين وغير حاضرين لتلقي ضربة مالية أخرى لأنهم يفتقرون الى المهارات المالية الأساسية.
فوسط موجة من التقارير التي تفيد عن ازدياد التضخم والمصاعب المالية، آن الأوان لتتدخل الشركات وتقدم يد المساعدة من خلال تشاطر خبراتها وتمكين الناس بمنحهم المعرفة اللازمة لادارة أموالهم بحكمة الافلاس المحتمل وتفاديه.
لهذه الغاية، دأبت فيزا على ترويج برامج الثقافة المالية العالمية كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية، وأطلقت برنامج ثقافة مالية اقليميا معدلا ليتناسب مع متطلبات المنطقة في عام 2010، وذلك لتحسين المهارات والقدرات المالية لدى المستهلك في المنطقة من أجل تخطي الأزمات المالية بنجاح، لا بل للادارة المالية اليومية.
فادارة الأموال تحتاج الى بعض المهارة والأدوات، وعلى عكس ما قد يخطر في بالنا، بعضها بسيط وسهل ولا يدعو الى الارتياب والخوف. وهذا ما نأمل معالجته بواسطة برنامج الثقافة المالية. فقد اعتمدت فيزا مقاربة تفاعلية لتعليم الناس المهارات المالية لأنها أدركت أن الكثيرين لا يرتابون منها فحسب بل يجدونها مملة أيضا. وكما سيقول لكم أي خبير في التدريس، الالتزام سر التعليم.
في الشرق الأوسط، نجد هذا البرنامج في موقع الثقافة المالية www.mymoneyskills.me، المصمم لتشاطر المهارات والمعارف المالية مع اناس من الأعمار كافة. علاوة على ذلك، صممنا لعبة كرة القدم المالية الفيديوية Financial Football التي تختبر المعرفة المالية في اطار مباراة كرة قدم ممتعة، وقد تم اختبار هذه اللعبة في عدد من مدارس دبي وتكللت النتائج بالنجاح.
وقد وجدت فيزا في المدرسين حليفا يدعو وبالحاح الى ادراج الثقافة المالية ضمن مناهج التعليم في المدارس. ففي مسح أجرته فيزا بين خبراء التعليم وممارسيه، أبدى السواد الأعظم (%92) اقتناعه بأن الثقافة المالية يجب أن تصبح الزامية في المدارس وأنها ستعلم الشباب المهارات اللازمة لادارة أموالهم بشكل أفضل في المستقبل.
بالطبع كل ذلك غير ممكن بدون تثقيف الكادر التعليمي في المنطقة الذي على الرغم من ابداء رغبته في تعليم الثقافة المالية يشعر بالارتباك حيال تعليمها بقدر ما يرتبك حيال تعلمها تلاميذهم.
باستهداف القطاع التعليمي، نأمل أن نمكن الشباب، وهم عنصر التغيير في العالم، ونمنح الجيل القادم المهارات والمعدات اللازمة لتفادي أخطاء ذويهم. وقد سبق لفيزا أن مدت يد التعاون الى عدد من المدارس في المنطقة وطورت عدة لمدرس الثقافة المالية باللغتين العربية والانكليزية. وتؤمن هذه العدة المعلومات المالية الشخصية الأساسية عن مواضيع مثل تعلم وضع الموازنات، والتحضر للمستقبل، واستخدام بطاقة الائتمان بحكمة، والانفاق الرشيد.
الثقافة المالية برنامج تعاون اجتماعي مهم لفيزا منذ أكثر من عشر سنوات، ونعتقد أن الأداة المالية الأهم ليست منتجا بل هي المعرفة. MyMoneySkills.meهو الخطوة الأولى في رحلة ستحتاج لا بد الى بعض الوقت والاستثمار، وستحتاج أيضا الى تغيير في العقلية لبلوغ غايتها.
ولكن في النهاية، وحده دعم الوزارة والحكومة وظهور النية على المستوى الوطني لمعالجة مسألة غياب الثقافة المالية بين شباب المنطقة سيحدث تغييرا بارزا في مقاربة المنطقة للتعليم المالي في السنوات القادمة.
لمى قباني
مديرة الشؤون الإعلامية في فيزا الشرق الأوس ط
رأي عالمي ارتفاع أسعار السلع.. الواقع الاقتصادي العالمي الجديد
ستيفن كينغ
ارتفاع أسعار السلع سمة جديدة ملازمة للمشهد الاقتصادي العالمي الجديد. وهو يعكس التحول العالمي في القوة الاقتصادية من الغرب الى الشرق. وقد حان الوقت لأن نعتاد على هذا الوضع الجديد.
الارتفاعات الأخيرة في الأسعار كانت غير عادية الى درجة أن حذر روبرت زوليك رئيس البنك الدولي من «الرياح السامة التي تتشكل من الألم الحقيقي». وكان يقصد الفقراء في معظم حديثه. لكن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بمقدار الضعف منذ عام 2000 وتضاعف أسعار النفط والمعادن ثلاث أو أربع مرات، فإن لا أحد محصن من تلك المعاناة.
هذه ليست حكاية تتعلق بالسياسة النقدية المتراخية في الولايات المتحدة الأميركية، أو بروز شركات سلع كبيرة مثل غلينكور. بل تتعلق بما نشهده الآن من تزايد الآلام الناجمة عن نجاح البلدان الناشئة. اذ ولت تلك الأيام التي كان ينظر فيها الى النمو السريع في الدول الآسيوية على أنه مؤشر على الطلب القوي من الولايات المتحدة أو أوروبا. فالمستهلكون الصينيون يساهمون الآن تقريباً بقدر مساهمة المستهلكين الأميركيين في نمو الانفاق الاستهلاك العالمي، في حين ان الاستثمار الصيني يتفوق على الاستثمار الأميركي منذ عام 2001. ان فك الارتباط بين الاقتصادات العالمية، الذي كان وهماً فيما مضى، هو الآن الواقع الاقتصادي الجديد.
لكن رغم كل التقدم الذي حققته الصين والهند، الا انهما لا تزالان حتى الآن من الدول الفقيرة. وهذا أمر مهم، ذلك ان النمو السريع عند مستويات الدخل الدنيا يعتبر مرادفا للزيادات الكبيرة في الطلب على المواد الخام. ففي البلدان الناشئة، نجد ان البنية التحتية القائمة أصلاً في البلدان المتقدمة، يجري بناؤها الآن فقط، في حين ان تحول الناس الى نظام غذائي قوامه اللحم ومنتجات الألبان يؤدي الى زيادة الطلب على المنتجات الزراعية.
ومن الطبيعي الا يقترن بالضرورة ارتفاع الطلب مع ارتفاع الأسعار. فعلى المدى الطويل، على الأقل، ينبغي أن يؤدي ارتفاع الأسعار الى زيادة في العرض، وان يتم استخدام الموارد النادرة بطريقة أكثر كفاءة. لكن لا يمكن إيجاد وخلق العرض في الموارد بمجرد كبسة زر، لا سيما حين تستغل الأراضي الزراعية التي كانت يوما تستخدم لإنتاج المحاصيل والمواد الغذائية في إنتاج الوقود الحيوي.
كما ان هناك قيودا أخرى. ولنأخذ مثلا حركة المسافرين جوا، إذ انخفضت تكلفة كل مسافر بالأميال بنسبة %75 منذ خمسينات القرن الماضي، الا ان أعداد المسافرين تضاعفت سبع مرات، كما زادت المسافات التي تقطعها الطائرات بصورة دراماتيكية، وهنا، كما هو الحال في مجالات اخرى، لم تكن مكاسب الفعالية والكفاءة كافية لتخفيف الضغط على استخدام الموارد النادرة.
والأسوأ من ذلك ان هذه المشكلة، وفي ظل ظروف السوق الطبيعية، لا تزداد الا سوءا، فمكاسب الانتاج السريعة في الصين والهند تدفع باتجاه زيادة المداخيل المحلية، مما يزيد من الطلب الاستهلاكي، كما ان البنود المتعلقة بالتجارة لكل من الهند والصين تشهد تحسنا: وفي المستقبل اما ان ترتفع قيمة الرينمينبي والروبية او ترتفع الاسعار والاجور المحلية في الصين والهند نسبة الى نظيرتها في الخارج.
وبغض النظر عن اي من الاحتمالين قد يسود، فان الصين والهند سيكون بمقدورهما شراء المزيد من السلع، مما سيضغط على الأسعار باتجاه الصعود اكثر. لكن يظل هذا جزءا من نمط اكثر رحابة واتساعا، وهو ان جميع الدول الصناعية بحاجة الى القدرة على الاستفادة من المواد الخام التي تعزز وتدعم النمو. وتاريخيا، كانت القوى الاوروبية تحل هذه المعضلة من خلال الاستعمار والاستعباد. ومع انتفاء هذا الحل هذه الايام واستحالته، فان الصين والهند بحاجة الى البحث عن خيارات اخرى.
وهذا هو السبب وراء انشغال الصين في التفاوض لابرام صفقات ثنائية مع البلدان الغنية بالسلع، خصوصا ايران وعدد من الدول في جنوب الصحراء الافريقية، وغالبا ما تكون بنود هذه الصفقات ضبابية، مما يعكس الضبابية وعدم الوضوح بين المصالح التجارية ومصالح الدول في تلك الصفقات. كما انها غالبا ما تكون على مسافة قريبة جدا من الحمائية، وفي الوقت الراهن، تستخدم دول ناشئة اخرى اعانات سخية وضوابط اسعار غاية في التشدد لحماية مواطنيها الاكثر تأثرا بارتفاع الاسعار، ومع بلوغ معدلات التضخم مستويات هي الأعلى منذ ما يزيد على العامين، فقد لجأت الصين مؤخرا، على سبيل المثال، الى وضع ضوابط على البنود الاستهلاكية. كما قد تجد نفسها قريبا مضطرة الى السماح بزيادة قيمة عملتها كذلك.
ومع ذلك، فان من شأن تلك الخطوات ان تفرض تكاليف اكبر على دول اخرى، التكاليف التي تزداد وضوحا في اماكن اخرى من العالم، فمع صعود الشرق، يجد الغرب انه يتحمل جزءا من الفاتورة، كون ارتفاع اسعار السلع يهدد على نحو خطير الانتعاش الاقتصادي الوليد والهش. ويستنزف التضخم على جانبي الاطلسي الدخول الحقيقي كما يهدد بالقاء اقتصادات تلك الدول في هوة الركود مرة أخرى.
بعد حدوث اكبر انهيار اقتصادي منذ الكساد العظيم، تفيدنا النظرية الاقتصادية بأنه لا ينبغي على أسعار السلع العالمية ان تصل الى هذا الحد من الارتفاع. لكنها كذلك، ويحتاج الغرب الى ان يستيقظ بسرعة على هذا الواقع الاقتصادي الجديد. فأسعار السلع الآن مرتفعة بصورة مستدامة. ونحن الآن ندخل مرحلة تقشف ليس بسبب ديون الماضي فحسب، بل ايضا بسبب التكاليف المرتفعة للزمن الحاضر.
وحتى نتجنب الوقوع في هذا الفخ، لا بد لنمو الاقتصاد في الدول الغربية في المستقبل ان يعتمد على بناء روابط تجارية جديدة مع البلدان الناشئة، وبينما تقترب الاقتصادات الناشئة من الهيمنة على الاقتصاد العالمي، فهي تحتاج الى منتجات وخدمات جديدة تتناسب وتطلعات مواطنيها الذين وضعوا قدماً واحدة فقط على سلم التنمية، فاذا ما تمكنت الدول المتقدمة من تقديم تلك المنتجات والخدمات، بدلا من تقديم المنتجات المعقدة والمكلفة التي يجرى عادة استهلاكها، يمكن لنا ايضا ان نستفيد من نجاح الدول الناشئة.
ليست هذه بلعبة يربح فيها طرف على حساب خسارة طرف آخر، فالاقتصاد العالمي رغم كل شيء، يتوسع بصورة سليمة في الوقت الراهن، لكنها لعبة يفرض فيها نجاح الدول الناشئة عبئا غير متوقع على التقدم الغربي، والاخفاق في ادراك هذا الواقع الجديد قد يهوي بالعالم الى الحمائية والفوضى المالية والصراعات التي شوهت النصف الاول من القرن العشرين. وحتى نتجنب هذا المصير فاننا جميعا بحاجة الى التوصل الى حل لنعرف كيف يمكن ان نعيش في حدود امكاناتنا الجديدة والمتواضعة على نحو متزايد.
ستيفن كينغ
كبير الاقتصاديين في اتش اس بي سي ومؤلف كتاب: Losing Control: The Emerging Threats of Western Prosperity
عليهم الوقوف ضد الانتهاكات مثل الاحتيال والتبديد وعدم الكفاءة دور نقابات الموظفين جزء من الحوكمة.. نحو إدارة سليمة
يقوم مفهوم الإدارة السليمة للشركات (الحوكمة) على إجراءات ونظم. وكما هو الوضع في أي نظام، يتكون نظام الإدارة السليمة من أجزاء كثيرة ويمكن تصنيفها إلى قسمين: داخلي وخارجي. على الرغم من أن كلا منهما له دور محدد، إلا أنهما لا يمثلان جزءاً من الهيكل التظيمي الداخلي للشركة. للمؤثرات الداخلية والخارجية دور مهم في نظام الإدارة السليمة، وسوف نلقي الضوء على جميع المؤثرات الداخلية في نظام الإدارة السليمة للشركات.
أعضاء مجلس الإدارة
يمثل أعضاء مجلس الإدارة في الشركة أبرز مجموعة مؤثرة في نظام الإدارة السليمة للشركات. وهؤلاء يمكن أن يكونوا إما مديرين تنفيذيين أو غير تنفيذيين؛ إن اعداد وتقسيم الأعضاء إلى مديرين تنفيذيين وغير تنفيذيين يعتمد جزئياً على النظام الرقابي بالدولة. ومن المسلم به أن المستثمرين والمنظمين يفضلون وجود كثير من المديرين غير التنفيذيين الذين يقومون بالمراجعة المستقلة لأدوات الرقابة والاستراتيجيات بالشركة، وهذا يؤدي إلى قوة وفاعلية منظومة الحوكمة. في نظام المجلس الموحد، تقع المسؤولية القانونية عن نشاطات الشركة أمام المساهمين على عاتق جميع الأعضاء. إن جميع الأعضاء في معظم الدول يتعرضون للتقاعد، حيث يتقدمون بالاستقالة أو يرشحون أنفسهم للانتخاب مرة أخرى (عن طريق المساهمين).
أعضاء مجلس الإدارة مسؤولون بصورة جماعية عن أداء الشركة وعن أدواتها الرقابية والتزامها وتصرفاتها وهذا يعني أن مجلس الإدارة يجب أن يناقش ويوافق على الاستراتيجيات الرامية إلى تحقيق أقصى قدر من العائدات لمساهمي الشركة على المدى الطويل. يجب الالتزام التام بالمتطلبات التنظيمية ذات الصلة التي تشتمل على الأطر القانونية والمحاسبية ومبادئ الإدارة السليمة.
سكرتير الشركة
إن تعيين سكرتير للشركة في معظم الدول يعد شرطا إلزاميا لتسجيلها وذلك لأن سكرتير الشركة عليه مسؤوليات مهمة تتعلق بالالتزام، وهذه تشمل المسؤولية عن حفظ ملفات الحسابات وغيرها من قضايا الالتزام الرقابي. بالإضافة إلى المسؤولية عن الالتزام بالقوانين ذات الصلة والأطر التنظيمية، يجب على سكرتير الشركة أن يقدم المشورة إلى المديرين حول واجباتهم ومسؤولياتهم التنظيمية والقانونية ويجب أن يكون ولاؤه الأساسي للشركة. وهذا يعني أنه في حالة أي صراع بين أعضاء بالشركة (عضو وعضو اخر على سبيل المثال) فإن سكرتير الشركة يجب أن يأخذ دائماً الجانب المؤيد لمصلحة الشركة (بدلاً من الوقوف بجانب أي عضو).
وعليه، تعتبر المعرفة الفنية جزءاً مهما من هذا الدور ولذلك فإن قانون الشركات في الكثير من الدول تفرض ذلك على الشركات العامة أن يكون شاغل هذه الوظيفة عضواً في احدى جمعيات المحاسبة أو السكرتارية المهنية (مثل جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين).
تتضمن الأدوار الرئيسية ما يلي:
الاحتفاظ بالسجلات القانونية (مثل سجل الأسهم).
ضمان تقديم الحسابات المدققة وغيرها من المستندات إلى الجهات الرقابية في الوقت المناسب (مثل الشركات والإدارات الحكومية والسلطات الضريبية).
تقديم إخطارات للأعضاء (المساهمين على سبيل المثال) والمديرين بخصوص الاجتماعات ذات الصلة.
تنظيم قرارات ومحاضر الاجتماعات المهمة للشركة (مثل الجمعية العمومية غير العادية) وحفظ السجلات الخاصة بهذه الاجتماعات وغيرها.
الإدارة المنبثقة عن مجلس إدارة
يشار إليها أحيانا (بصورة غامضة) بالإدارة «الوسطى» وهم المديرون تحت مستوى أعضاء المجلس وهؤلاء يعتبرون جزءا ضرورياً من نظام الحوكمة. يقوم الموظفون تحت قيادة الإدارة الوسطى بتنفيذ الاستراتيجيات والالتزام بالأهداف وجمع المعلومات والبيانات التي يتم بمقتضاها اتخاذ القرارات على مستوى مجلس الإدارة.
تعتمد فاعلية الإدارة الوسطى كجزء من نظام الحوكمة بصورة جزئية على مدى متابعة وتنسيق الأنشطة التنظيمية. وتظهر القيمة المضافة من تجمع مجلس الإدارة والإدارة الوسطى عندما يعمل المتخصصون على تحقيق الأهداف التنظيمية في إداراتهم وينسقها مجلس إدارة فعال يتكون من مديرين أوائل وأعضاء مجلس الإدارة. يتسع المجال «للانحراف عن الاستراتيجية» خاصة في المؤسسات الكبيرة عند عدم فاعلية الرقابة الحيوية والتنسيق.
ممثلو الموظفين
الطريقة الشائعة لتمثيل الموظفين (في مجلس الإدارة) تتم من خلال الاتحادات المهنية، حيث تقوم الاتحادات المهنية بتمثيل العاملين في موقع العمل وتكون العضوية طواعية. عادة يتناسب نفوذ الاتحاد حسب النسبة المئوية للوظائف التي يشغلها أعضاؤه في موقع العمل. على الرغم من الاتحادات العمالية غالباً ما تكون في علاقة تعارض مع الإدارة، إلا أنها يمكن أن تلعب دوراً مهماً للغاية في نظام الإدارة السليمة. إن افتراض التعارض قد لا يكون ذا فائدة في أحيان كثيرة، حيث يشترك أعضاء الاتحادات العمالية في تحقيق أهداف المؤسسة نفسها وفي القيم المهنية والأخلاقية مع الإدارة وذلك بهدف تنفيذ الاستراتيجية التنظيمية للشركة.
في ضوء الإدارة السليمة تستطيع الاتحادات المهنية ضمان التزام القوى العاملة. في حالة حاجة أي استراتيجية لمستوى عال من الالتزام تستطيع الاتحادات توحيد القوى العاملة وراء الاستراتيجية وضمان التزام الجميع بها. وهذا يعني أيضا ظهور الإدارة والقوى العاملة بصورة متحدة أمام المهتمين الخارجين عن الشركة مما يمكن من تحقيق الاستراتيجيات. من خلال التفاوض الجماعي حول الأجور وظروف العمل، عادة ما يدل الاتفاق على رغبة العاملين في بذل أقصى ما يمكنهم لتطبيق النشاط أو الاستراتيجية المتفق عليها.
يمكن للاتحادات المهنية أن تلعب دوراً رئيسيا في ضبط وتوازن القوى داخل هيكل الإدارة السليمة للشركات. عندما تقوم الإدارة بأي مخالفات، تكون الاتحادات المهنية في طليعة من يواجه هذه المخالفات وهذا يكون دائماً في مصلحة المساهمين، خصوصا عندما تكون المخالفة ذات تأثير على الإنتاجية. الاتحادات العمالية تسلط الضوء على انتهاكات الإدارة مثل الاحتيال والتبديد وعدم الكفاءة والجشع وجميعها صفات ضارة عندما يتصف بها أعضاء مجلس الإدارة.
يرتبط بما سبق أن الاتحادات المهنية تساعد على الاحتفاظ والسيطرة على واحدة من أكثر الأصول أهمية في المؤسسة ألا وهي الموارد البشرية. عندما تنشأ علاقة بناءة متبادلة ومفيدة بين الاتحادات المهنية وصاحب العمل، يتوافر مناخ أمثل من العلاقات الصناعية والكفاءة مما يعزز إنتاجية الموارد البشرية في المؤسسة. بالنسبة للدفاع عن مصالح الأعضاء والتفاوض بشأن شروط وظروف العمل، تساعد الاتحادات على ضمان قناعة وقدرة القوة العاملة على العمل بأقصى قدر من الكفاءة والفعالية.
جانب من الملتقى التركي العربي الذي عقد في اسطنبول الاسبوع الماضي وحصل فيه تكريم ابراهيم دبدوب
عرض الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني ابراهيم دبدوب (ابو شكري) رؤيته حول مدى امكانية تحول اسطنبول الى مركز مالي في مؤتمر عالمي نظمه مجلس العلاقات الخارجية التركية في مركز سابانجي في اسطنبول الاسبوع الماضي.
وكان دبدوب تحدث بصفته الشخصية وبصفته عضوا في المجلس الاستشاري الخاص بجعل اسطنبول مركزاً مالياً عالمياً، وكان العربي الوحيد المتحدث في المؤتمر الذي حاول ايجاد اجوبة حول «النموذج الانجح لاسطنبول مركز مالي عالمي»، الى جانب متحدثين ومشاركين من اكبر المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية.
وقال دبدوب ان عوامل عدة تجتمع في اسطنبول تؤهلها لكي تكون مركزاً مالياً، وعدد 15 عاملاً تساعد على بلوغ الهدف، موضحا ان بعضها قد يحتاج الى تطوير واسطنبول قادرة على ذلك، والعوامل هي:
الموقع، حيث تتمتع الدولة بموقع استراتيجي وممر بين آسيا الشرق الاوسط واوروبا.
الحجم، حيث بلغ الناتج المحلي الاجمالي الاسمي تريليون دولار ويوجد ما يقارب 80 مليون نسمة، وتحتل الرقم 7 في قائمة الاقتصادات الناشئة والرقم 15 كأكبر اقتصاد عالمي، وهي قوة عسكرية عضو في الناتو.
العمالة: هناك مستويات مهنية عالية وكفاءات جيدة جداً.
الشهرة: تتمتع اسطنبول بعلامة تجارية جيدة، وتحسنت كثيراً في الفترة الاخيرة.
البيئة القانونية: متطورة، لكن يمكن ان تكون افضل.
الاستقرار السياسي والاقتصادي: جيد جداً.
البيئة التشريعية: بالمقارنة مع المجتمع الدولي، تحتاج الى مزيد من التطوير.
سهولة ممارسة الاعمال: جيدة، لكن كذلك يمكن ان تظهر مزيداً من التقدم.
الصناعة الاعلامية: جيدة لكن تحتاج الى مزيد من التطوير.
البنية التحتية: قوية وهناك بنية تكنولوجية متطورة، ومطاران ممتازان.
نمط الحياة: ممتاز.
تكلفة ممارسة الاعمال التجارية: جيدة، لكنها تحتاج الى تحسين.
تكلفة العمالة: منخفضة نسبياً، وهذا امر ايجابي.
الخدمات والنقل: جميع الشركات العالمية لها حضور في تركيا، ما يسهل وجود كل الخدمات والتسهيلات في حركة الاموال والتجارة.
اللغة: الانكليزية هي لغة البيزنس في كل العالم، وعلى تركيا الاهتمام بهذا الجانب في انظمتها التعليمية.
وتطرق دبدوب لمركز تركيا الاقليمي، حيث اصبحت قوة اقتصادية وقصة نجاح بالنسبة لدول المنطقة، وتعتبر نموذجا بالنسبة للعالم العربي، وخلال 10 سنوات استطاعت تركيا ان تطور شراكتها التجارية مع العالم العربي، والعلاقات تسير نحو مزيد من التحسن والتشابك، وتعتبر تركيا مكانا جذابا للاستثمارات في سوق مفتوح وبيئة مناسبة لاقامة الاعمال، وهي منفتحة على الاستثمارات من العالم العربي.
وهذه السياسة المرحبة بالاستثمارات العربية رفعت حجم الاستثمار الاجنبي المباشر من العالم العربي كونها شكلت مكانا آمنا لها، حيث تركزت هذه الاستثمارات في القطاعات المالية والسياحية والعقارية والطاقة والاستشفاء والزراعة والانشاءات.
وهناك عوامل عدة ساعدت في تحسين العلاقات، منها المناطق الحرة مع دول الجوار، وفتح الحدود مع العراق وسوريا وتوطيد العلاقات التجارية مع مصر.
وبفضل ذلك نمت التجارة مع العالم العربي بمتوسط %18 منذ عام 2002، وبشكل متسارع مع دول الخليج بنسبة %21 وذلك بالمقارنة مع الاتحاد الاوروبي الذي لم يتجاوز %13 منذ 2002، وذلك يعود بالدرجة الاولى الى سياسة حزب التنمية والاصلاح الذي وطد العلاقات مع العرب منذ وصوله الى السلطة في هذه السنة.
وبفضل ذلك ايضا، هناك مليونا سائح عربي يقضون اجازاتهم في تركيا، وهناك فرصة لتركيا للدخول الى مشاريع التنمية المليارية في الخليج، خصوصا في مجال المقاولات والبنى التحتية.
وكل هذه العوامل تساعد تركيا على ان تكون نموذجا ومركزا للاقتداء به في المنطقة العربية التي تمر بثورات وتحولات مهمة، فنحن فخورون برؤية تركيا كدولة مسلمة شرق اوسطية اصبحت قوة اقتصادية عالمية، وهي لا تبني اقتصادها فقط، بل تطور شعوبها وترفع من مستواها العلمي والمهني وتعيد احياء دورها الاقليمي وتوطد الروابط مع العالم العربي في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة. وفي ختام كلمته، قال دبدوب انه واثق من قدرة تركيا على تجاوز التحديات، راجعا بالذاكرة الى ايام دراسته في الخمسينات في تركيا، حيث قارن الماضي بالحاضر، «ارى دولة تبدلت واصبحت اكثر عصرية وجاهزة لمستقبل افضل».
رأي عالمي عندما يتكلم المال تَفسُدُ السياسة والأسواق والأخلاق
لقد أصبح العالم غارقاً في احتيال الشركات، ولعل المشاكل أشد خطورة في البلدان الغنية، التي من المفترض أنها تتمتع بالحكم الرشيد. والواقع أن حكومات البلدان الفقيرة ربما تقبل رشى أكثر وترتكب عدداً أكبر من الجرائم في هذا السياق، ولكن البلدان الغنية هي التي تستضيف الشركات العالمية التي تنفذ أعظم الجرائم وأضخمها. إن المال يتكلم، وهو يفسد السياسة والأسواق في مختلف أنحاء العالم.
ولا يكاد يمر يوم واحد من دون أن نسمع قصة جديدة عن عمل محظور يرتكبه مسؤول. ولقد دفعت كل شركة في ووال ستريت غرامات كبيرة في السنوات العشر الماضية بسبب تزوير في العمليات المحاسبية، والمضاربة من الداخل، والاحتيال في بيع الأوراق المالية وشرائها، والعمليات الاستثمارية الاحتيالية. ولقد جاءت هذه الغرامات في أعقاب سلسلة من غرامات أخرى دفعتها أكبر البنوك الاستثمارية في أميركا بهدف تسوية اتهامات خاصة بمخالفات متنوعة في مجال تداول الأوراق المالية.
ولكن هذا يعكس حقيقة مفادها أن المساءلة القانونية هزيلة للغاية. فبعد عامين من أكبر أزمة مالية في التاريخ، والتي تغذت على سلوكيات عديمة الضمير من ق.بَل أكبر البنوك في وول ستريت، لم يصدر ولو حكما واحدا بالسجن على أي من كبار رجال التمويل. وحين يتم تغريم الشركات عن مخالفات فإن حاملي الأسهم، لا الرؤساء التنفيذيين والمديرين، هم من يدفعون الثمن. ولا تشكل الغرامات عادة سوى جزء ضئيل للغاية من المكاسب غير المشروعة، الأمر الذي يوحي لأباطرة وول ستريت ضمناً بأن الممارسات الفاسدة تدر عائداً أكيدا. وحتى يومنا هذا تتعامل جماعات الضغط المصرفية مع الجهات التنظيمية والساسة بمنتهى الصلف والغطرسة.
فائدة الفساد
ويعود الفساد بالفائدة أيضاً على السياسة الأميركية. كان الحاكم الحالي لولاية فلوريدا، ريك سكوت، مديراً تنفيذياً لإحدى الشركات الكبرى في مجال الرعاية الصحية والمعروفة باسم «كولومبيا/اتش سي ايه». ولقد اتُه.مَت هذه الشركة بالاحتيال على حكومة الولايات المتحدة من خلال المبالغة في تقدير الفواتير المستحقة على الحكومة كتعويضات، وفي النهاية أقرت الشركة بأنها مذنبة في 14 جناية، ودفعت غرامة قدرها 1.7 مليار دولار.
ولقد أرغمت تحقيقات مكتب التحقيقات الفدرالي سكوت على الاستقالة من وظيفته. ولكن بعد مرور عشرة أعوام من إقرار الشركة بالذنب، عاد سكوت، ولكن هذه المرة في هيئة «سياسي جمهوري مؤيد للسوق الحرة».
وعندما أراد باراك أوباما شخصاً ما للمساعدة في إنقاذ صناعة السيارات في الولايات المتحدة، لجأ إلى «متخصص الإصلاح» من وول ستريت، وهو ستيفن راتنر، رغم أن أوباما كان على علم بأن راتنر خاضع للتحقيق في ما يتصل بإعطائه رشى لمسؤولين حكوميين. وبعد أن أنهى راتنر عمله في البيت الأبيض، نجح في تسوية القضية بدفع غرامة قدرها بضعة ملايين من الدولارات.
ولكن لماذا نتوقف عند حكام الولايات أو المستشارين الرئاسيين؟ لقد وصل نائب الرئيس السابق ديك تشيني إلى البيت الأبيض بعد أن خدم كرئيس تنفيذي لشركة هاليبرتون. وأثناء عمله في «هاليبرتون»، قدمت الشركة رشى غير مشروعة لمسؤولين نيجيريين بهدف تمكين الشركة من الوصول إلى حقول النفط في نيجيريا، وبالطبع كان العائد مليارات الدولارات. وعندما اتهمت حكومة نيجيريا «هاليبرتون» بالرشوة، سارعت الشركة إلى تسوية القضية خارج المحاكم فدفعت غرامة قدرها 35 مليون دولار. وبطبيعة الحال لم يتعرض تشيني لأي عواقب على الإطلاق. بل إن الخبر لم يصل إلى وسائل الإعلام الأميركية إلا بالكاد.
لقد أصبح الإفلات من العقاب أمراً شائعاً على نطاق واسع، بل إن أغلب جرائم الشركات تمر دون أن يلتفت إليها أحد. والجرائم القليلة التي يُلتَفَت إليها تنتهي عادة بضربة رقيقة على المعصم، حيث تدفع الشركة، أعني حاملي الأسهم بالطبع، غرامة بسيطة. أما الجناة الحقيقيون على القمة في هذه الشركات فنادراً ما يلحق بهم أي ضرر. وحتى عندما تدفع الشركات غرامات ضخمة، فإن مديريها التنفيذيين يستمرون في مناصبهم. أما حاملو الأسهم فإنهم كُثُر وعاجزون إلى الحد الذي لا يسمح لهم بممارسة قدر كبير من الرقابة على الإدارة.
إن انفجار الفساد في الولايات المتحدة وأوروبا والصين والهند وأفريقيا والبرازيل، وغير ذلك يثير مجموعة من الأسئلة الصعبة حول أسبابه، وعن كيفية السيطرة عليه الآن بعد أن بلغ مستويات وبائية.
سببان للإفلات
لقد أفلت زمام الفساد المؤسسي لسببين رئيسيين. الأول أن الشركات الكبرى أصبحت الآن متعددة الجنسيات، في حين تظل الحكومات وطنية. والشركات الضخمة تتمتع بالقوة العاتية من الناحية المالية إلى حد تخشى معه الحكومات أن تتعرض لها بأي سوء.
والسبب الثاني أن الشركات تلعب دور الممول الرئيسي للحملات الانتخابية في أماكن مثل الولايات المتحدة، بينما قد يكون الساسة شركاء في ملكية هذه الشركات في الكثير من الأحيان، أو على الأقل المستفيدين المستترين من أرباح الشركات. والواقع أن ما يقرب من نصف أعضاء الكونغرس الأميركي من أصحاب الملايين، ويرتبط العديد منهم بصلات قوية بالشركات حتى قبل وصولهم إلى الكونغرس.
ونتيجة لهذا فإن الساسة كثيراً ما يغضون الطرف عندما يتجاوز سلوك الشركات كل الخطوط. وحتى إذا حاولت الحكومات فرض القانون فإن الشركات تستعين بجيوش من المحامين لحمايتها. والنتيجة الطبيعية لكل هذا نشوء ثقافة الإفلات من العقاب، استناداً إلى اعتقاد ثابت مفاده أن جرائم الشركات «تفيد».
وفي ظل الصلات الوثيقة بين الثروة والسلطة والقانون، فإن كبح جماح جرائم الشركات سيكون صراعاً هائلا. ولكن مما يدعو إلى التفاؤل أن سرعة تدفق المعلومات الغزيرة في أيامنا هذه من شأنها أن تعمل كوسيلة ردع أو تطهير. إن الفساد يزدهر في الظلام، ولكن كم المعلومات التي بات بوسعنا أن نطلع عليها عن طريق البريد الإلكتروني والمدونات، فضلاً عن مواقع مثل فيسبوك وتويتر وغيرهما من مواقع الشبكات الاجتماعية، أصبح اليوم أعظم من أي وقت مضى.
وسنحتاج أيضاً إلى نوع جديد من الساسة القادرين على حمل لواء الريادة في شن حملة سياسية من نوع جديد، حملة تستند إلى وسائل الإعلام الإلكترونية الحرة المجانية وليس الى وسائل الإعلام التقليدية المدفوعة الأجر. وعندما يتمكن الساسة من تحرير أنفسهم من هبات الشركات، فسيكون بوسعهم استعادة القدرة على وضع انتهاكات الشركات وفسادها تحت السيطرة.
ويتعين علينا فضلاً عن ذلك أن نسلط الأضواء على الأركان المظلمة من التمويل الدولي، وخاصة الملاذات الضريبية مثل جزر كايمان وسرية الحسابات في البنوك السويسرية. إن التهرب الضريبي، والعمولات غير المشروعة، والرشاوى، وغير ذلك من المعاملات غير المشروعة تشكل القسم الأعظم من هذه الحسابات. ومن الواضح أن السمات التي تميز هذا النظام المستتر، الثروة والسلطة وانعدام الشرعية، تنتشر الآن على نطاق واسع وتهدد شرعية الاقتصاد العالمي، وخاصة في وقت من التفاوت غير المسبوق في الدخول، والعجز الهائل في الموازنات بسبب عجز الحكومات سياسيا بل من الناحية العملية في بعض الأحيان عن فرض الضرائب على الأثرياء.
لذا، فإن سمعت في المرة القادمة عن فضيحة فساد في أفريقيا أو أي منطقة فقيرة أخرى، فعليك أن تسأل نفسك أين بدأت هذه الفضيحة، ومن لعب دور المفسد؟ ولا يجوز للولايات المتحدة أو أي دولة «متقدمة» أخرى أن تشير بأصابع الاتهام إلى البلدان الفقيرة، وذلك لأن الشركات العالمية الأعظم قوة هي التي تخلق مثل هذه المشاكل في أغلب الأحوال.
جيفري د. ساكس
أستاذ الاقتصاد ومدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا. وهو أيضاً المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الأهداف الإنمائية للألفية.
25/05/2011 القبس
دراسة اتحاد المصارف (1)
الموازنة العامة للدولة: تقييم الوضع الحالي واستشراف التحديات الرواتب تشرب النفط.. ماذا بعد؟!
الانفاق على المشاريع يميل إلى التقلب بصورة واضحة من سنة إلى أخرى تصوير حسن يونس
تنشر القبس على حلقتين دراسة أعدها اتحاد مصارف الكويت حول تقييم الميزانية والوضع المالي لدولة الكويت مع محاولة استشراف الأوضاع المستقبلية بافتراض سيناريوهات مختلفة لأسعار النفط والإيرادات العامة. وقد رصد اتحاد المصارف الآثار المتوقعة للاتجاه الحالي لرفع الأجور في الدولة ولإقرار الكوادر في مختلف التخصصات ومجالات العمل، والذي يتم حالياً على نحو لا يتناسب مع تطورات تكلفة المعيشة أو الإنتاجية الكلية في الدولة، وهو ما يتوقع ان يكون له العديد من الآثار على استدامة الاختلالات في المالية العامة للدولة، وعلى سوق العمل في دولة الكويت، وعلى جهود إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة، واتجاهات توظيف العمالة الوطنية في المستقبل، وفرص نجاح جهود رفع مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي للدولة لكي يلعب الدور الأساسي في عملية توليد الناتج والدخل والتوظيف وفقا لما تستهدفه الخطة الحالية للتنمية الاقتصادية الاجتماعية في دولة الكويت. وأمل اتحاد المصارف أن تلقي الدراسة الضوء على خطورة هذا الاتجاه السائد حاليا في الدولة، لما له من آثار سلبية وخطيرة على المدى الطويل، خصوصا في ظل الهيكل الحالي للمالية العامة لدولة الكويت، حيث تتركز الإيرادات العامة أساسا في الإيرادات النفطية، في ظل فشل جهود تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الكويتي حتى الآن بعيدا عن النفط، نظرا لضعف استراتيجيات التنمية البديلة، وعجز الحكومات المتعاقبة عن تنفيذ السياسات المناسبة لسوق العمل، التي تضمن أن يتم استيعاب المزيد من العمالة الوطنية خارج القطاع الحكومي المثقل حاليا بالبطالة المقنعة.
تقول دراسة اتحاد المصارف: قلما يخفى على أي مراقب اقتصادي ما يعتري المالية العامة لدولة الكويت من العديد من أوجه الخلل الهيكلي، حيث تكون المالية العامة للدولة في وضع مريح طالما أن أسعار النفط الخام مرتفعة، ولكن عندما تنعكس الأوضاع في السوق العالمي للنفط فإن ذلك يجعل المالية العامة للدولة في وضع حرج، نظرا لتركز الإيرادات العامة للدولة في مصدر شبه وحيد تقريبا هو إيرادات النفط، في الوقت الذي يتضاءل فيه الإسهام النسبي للضرائب وغيرها من مصادر الإيرادات غير النفطية. وقد لوحظ مؤخرا أن الفوائض التي تحققها الدولة في ماليتها العامة تفتح شهية البعض، وخاصة السياسيين أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية للمطالبة برفع الأجور للعاملين في الإدارات والهيئات الحكومية، وتطور الأمر إلى تبني معظم الفئات العاملة في الدولة تقريبا لفكرة الكادر، حيث أصبحت كل التخصصات في الدولة تقريبا تطالب بإقرار كوادر خاصة بها أسوة بالفئات الأخرى التي تم إقرار كادر خاص لها، وغالبا ما يترتب على إقرار الكوادر ارتفاع كبير في الرواتب والتعويضات التي تدفع للعاملين في الدولة، وهو ما يعمل على زيادة تكلفة باب الأجور في الميزانية العامة للدولة بشكل مبالغ فيه، وكذلك تعميق الهوة بين القطاعين العام والخاص بالنسبة لمستويات هذه التعويضات في القطاعين، بالطبع لمصلحة العاملين في الحكومة، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار مستوى الإنتاجية في كلا القطاعين، وتؤدي هذه الفجوة في المرتبات بين القطاعين إلى العديد من الآثار السلبية التي تحد من قدرة القطاع الخاص على استيعاب وتوفير فرص التوظيف للعمالة الوطنية، فضلا عن إجهاض خطط الحكومة لإحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة.
من ناحية أخرى، فإن استمرار الاستجابة لهذه المطالب يترتب عليه تحميل الدولة تكاليف يصعب تخفيضها لاحقا لعدم قدرة الحكومات بشكل عام على تخفيض مستويات الأجور متى تم رفعها، وهو ما يعني أن الحكومات المتعاقبة في الدولة تقوم بتمويل مصدر دائم ومتزايد للإنفاق العام من خلال مصدر للإيراد العام يتسم بالتقلب الشديد وعدم الاستقرار، وهو ما يخلق مشكلة هيكلية مزمنة للميزانية العامة للدولة.
اتجاهات المالية العامة
يميل إجمالي الإيرادات العامة لدولة الكويت إلى التقلب بصورة واضحة من سنة مالية إلى أخرى، بسبب تقلب الإيرادات النفطية أساسا، والواقع أن هذا النمط لاتجاه إجمالي الإيرادات العامة في دولة الكويت يضع صانع السياسة المالية في مأزق، ربما لا تبرز جوانبه طالما ان أسعار النفط مرتفعة والمالية العامة في وضع مريح، ولكن عندما تميل أسعار النفط نحو التراجع، فإن هشاشة وضع المالية العامة لدولة الكويت تتضح بصورة أكبر. فالإنفاق العام للدولة يميل نحو التزايد بصورة مستمرة، كما أنه يتركز أساسا في الإنفاق الجاري، الذي تصعب السيطرة عليه أو تخفيضه في أوقات تراجع الإيرادات العامة، مما يسبب مشكلة للمالية العامة للدولة في الأوقات التي تتراجع فيها الإيرادات النفطية، حيث تضطر الدولة إلى السحب من احتياطياتها العامة أو خفض المبالغ الموجهة نحو الإنفاق الرأسمالي أو كليهما، وتنبغي الإشارة إلى أن الكويت لم تلجأ إلى المصادر التقليدية لتمويل الإنفاق العام، مثل التمويل النقدي للعجز المالي في السنوات السابقة، غير أن السيناريوهات المطروحة في هذه الدراسة تشير إلى ان اللجوء إلى مثل هذه المصادر ربما يكون حتميا في المستقبل.
الإيرادات النفطية
عمود فقري
ويلاحظ أن الإيرادات النفطية تمثل العمود الفقري للإيرادات العامة في دولة الكويت كسائر الاقتصادات النفطية الأخرى ، وهذا هو مصدر الخطورة في الهيكل الحالي للإيرادات العامة لدولة الكويت لأسباب عدة، أهمها هو أن هذا المصدر ناضب، كما أن أسعار النفط تميل إلى التقلب الواضح، وفقاً لأوضاع السوق العالمي للنفط الخام، مما يضع المالية العامة للدولة برمتها تحت رحمة التطورات في هذا السوق. أكثر من ذلك، فإنه في ظل هذه المخاطر لم تتمكن الدولة، أو ربما لم تكن جادة حتى الآن من تطوير هيكل بديل للإيرادات يساعدها على إحداث قدر من الاستقرار في الإيرادات العامة في حال ميل الأوضاع في السوق العالمي للنفط الخام إلى التطور على نحو معاكس، ويمكنها من أن تضمن استقرار عمليات تمويل الإنفاق العام للدولة.
ضعف هيكل الإيرادات غير النفطية
على الجانب الآخر يلاحظ ضعف هيكل الإيرادات غير النفطية، بصفة خاصة الإيرادات الضريبية، والتي لم تتجاوز نسبتها في المتوسط إلى إجمالي الإيرادات العامة %10.8 خلال الفترة من 1988 - 2010، ويلاحظ أن نسبة الإيرادات غير النفطية إلى إجمالي الإيرادات العامة تميل نحو التناقص بصورة واضحة خلال السنوات الأخيرة ، وبالطبع مع ميل أسعار النفط نحو الارتفاع ومن ثم تزايد حجم الإيرادات النفطية، تميل نسبة الإيرادات غير النفطية نحو التراجع إلى إجمالي الإيرادات العامة حتى وصلت إلى نسبة %6.2 في عام 2010/2009، وهو ما يعكس تركز الإيرادات العامة للدولة في الإيرادات النفطية بشكل عام. من ناحية أخرى فإن رسوم السلع والخدمات الأخرى تتركز في إيرادات المياه والكهرباء، والتي يتم تسعيرها بصورة غير اقتصادية على الإطلاق، حيث تتسع الفجوة بين السعر الذي يدفعه المستهلك والتكلفة الحقيقية التي تتحملها الدولة، في سبيل تقديم هذه الإمدادات للمستهلك، بصفة خاصة مع تزايد أسعار النفط الخام، في الوقت الذي لم تحاول فيه الدولة تحميل المستهلك التكلفة الحقيقية للكهرباء والماء، أو على الأقل بخفض مستويات الدعم التي تتحملها في نظير تقديم هذه الإمدادات للمستهلكين ذوي الدخل المرتفع، أو قصر الدعم على المستحقين الحقيقيين له، وذلك لرفع إيراداتها من هاتين السلعتين الحيويتين، أو الحد من الإسراف في استهلاكهما .
زيادة الأجور في الميزانية العامة
- تعمق الهوة بين القطاعين العام والخاص.
- تحد من قدرة القطاع الخاص على توفير فرص للعمالة الوطنية.
- تجهض خطط الحكومة لإحلال العمالة الوطنية محل الوافدة.
توصيات
يقتضي الوضع الحساس للميزانية العامة للدولة من صانع السياسة المالية الآتي:
1- أن تكون عملية إقرار أي زيادة في الإنفاق الجاري للدولة مخططة على نحو جيد، حيث ينبغي ان يدرس أثر هذه الزيادات على قدرة الميزانية على المدى الطويل على استيفاء متطلبات تلك الزيادات، خصوصا أن الإيرادات المتوقعة لتمويل هذا الإنفاق تتسم بالتقلب، بينما نجد أن الإنفاق الجاري الذي تقوم به الدولة سيتسم بالاستدامة متى ما تم إقراره.
2- أن هذا التناقض بين طبيعة الإيرادات العامة وطبيعة الإنفاق العام في الميزانية العامة للدولة يضع الميزانية العامة للدولة في وضع حرج جدا مع ميل أسعار النفط نحو التراجع.
3- أن الدولة ينبغي ان تبحث بجدية اكبر قضية النفقات المخصصة للدعم بكل أشكاله، والذي يستهلك أكثر من نصف الإنفاق العام حاليا، حيث يتم تقديم الكثير من السلع والخدمات العامة، إما مجانا أو بتكاليف تقل بصورة كبيرة عن تكلفتها الحقيقية، بصفة خاصة الكهرباء والماء، الأمر الذي يؤدي إلى إفراط كبير في استهلاكها، ومن ثم هدر جانب مهم من الإنفاق العام للدولة.
4- أن الدولة ينبغي ان تبحث بجدية إعادة رسم الدور الذي تقوم به في النشاط الاقتصادي بحيث تقلص من ذلك الدور بصورة كبيرة وتفسح المجال بشكل اكبر للقطاع القطاع الخاص، لأن يلعب دورا اكبر في عملية إنتاج وتقديم السلع والخدمات العامة، حتى تتمكن من السيطرة على إنفاقها العام.
من 4 مليارات دينار في 1993 إلى أكثر من 11 ملياراً عام 2010 قصة نمو الإنفاق العام
تفيد دراسة اتحاد المصارف بأن الإنفاق العام في الكويت كان شبه ثابت بعد حرب تحرير الكويت، فيما عدا السنوات المالية 1993/ 1990، ومنذ عام 2002 تقريبا، أخذ الإنفاق العام في دولة الكويت في التزايد بصورة مطردة، بصفة خاصة في السنوات الأخيرة، من حوالي 4 مليارات دينار في 1993 إلى أكثر من 11 مليار دينار عام 2010، وذلك باستثناء السنوات المالية 2007/2006 و2009/2008، حيث ارتفع الإنفاق العام إلى مستويات استثنائية بسبب قيام الدولة بسداد أقساط العجز الاكتواري لمؤسسة التأمينات الاجتماعية الذي ينجم عن عدم قدرة المؤسسة على توفير الاعتمادات الكافية لمدفوعات التأمين الاجتماعي للمحالين إلى التقاعد في الدولة بسبب قيام الحكومة برفع مستويات الأجور، وهو ما يعني بالتبعية رفع مستويات المعاشات للعاملين في الحكومة عند التقاعد، وبما ان المؤسسة كانت قد حسبت أقساط التأمين الاجتماعي على أساس مستويات المرتبات المنخفضة، فإن إقدام الحكومة على رفع المرتبات وإقرار الكوادر، لا بد ان يصاحبه التزام من جانب الدولة بتمويل أي عجز ينشأ عن هذه العملية، وهو ما يطلق عليه العجز الاكتواري. من ناحية أخرى، تشير تقديرات الإنفاق العام في مشروع الميزانية العامة للدولة في السنة المقبلة إلى تزايد الإنفاق العام على نحو أكبر.
وقد ارتفعت النفقات العامة لدولة الكويت خلال السنوات القليلة الماضية على نحو مقلق، حيث تبرز المشكلة الأساسية في تركز هذه النفقات في الإنفاق الجاري للدولة، الذي ما إن يتم رفعه، فإنه يصعب تخفيضه لاحقا، في الوقت الذي اتسم فيه الإنفاق الرأسمالي إما بالتراجع أو التقلب على نحو كبير، وهو ما لا يقدم أساسا رصينا لعملية النمو في الدولة.
وفي المتوسط بلغ معدل النمو في الإنفاق العام خلال الفترة من 1989/1988 إلى 2010/2009 حوالي %12.3، ومن ناحية أخرى، فقد ارتبطت الزيادة الكبيرة في الإنفاق العام بالنمو الجوهري في الإيرادات العامة الناتج عن ارتفاع أسعار النفط، وبالنظر إلى هيكل الإنفاق العام يتضح أن المشكلة التي يواجهها صانع السياسة المالية تكمن في أن الزيادات التي تحدث في الإنفاق العام يصعب لاحقا تخفيضها إذا ما مالت الإيرادات العامة نحو التراجع، بفعل انخفاض أسعار النفط.
القبســــ الباب الثالث
بالنسبة للباب الثالث، يعد الإنفاق على وسائل النقل والمعدات أقل أبواب الإنفاق في الميزانية العامة للدولة من حيث القيمة المطلقة، فقد ارتفع الإنفاق على هذا الباب من 19.6 مليون دينار في السنة المالية 1989/1988 إلى 226.6 مليون دينار في السنة المالية 2010/2009، والواقع أن إفراد باب مستقل لوسائل النقل والمعدات هو أمر مثير للاستغراب. إذ يفترض أن الإنفاق على هذا الباب يدخل في إطار الإنفاق الاستثماري للدولة، ولذلك كان من المفترض ان يتم ضم الإنفاق في هذا الباب، أو معظم الإنفاق عليه، مع الباب الرابع (المشروعات الإنشائية والاستملاكات العامة)، حتى يكون تبويب الإنفاق العام أكثر موضوعية في التعرف على جوانب الإنفاق الجاري والإنفاق الرأسمالي في الميزانية العامة للدولة بصورة أكثر دقة من الناحية الاقتصادية. لذا يقترح إعادة توزيع هذا الباب على بقية أبواب الميزانية العامة للدولة لتبسيط هيكل الميزانية العامة للدولة ولتبويب الإنفاق على نحو أكثر دقة.
ويلاحظ أن هناك قفزة كبيرة في الإنفاق على هذا الباب مع زيادة الإيرادات النفطية في 2008/2007، وبالنظر إلى متوسط معدلات النمو في الإنفاق على هذا الباب يلاحظ أن هذا الباب يعد من أكثر أبواب الميزانية نموا، فخلال الفترة من 1989/1988 ـــ 2010/2009، بلغ معدل النمو السنوي المتوسط لهذا الباب %21.3، وهو أعلى معدلات النمو المتوسط في الإنفاق على الأبواب المختلفة في الميزانية العامة للدولة على الإطلاق.
4 ــــ الباب الرابع
يمثل الباب الرابع، الذي يحمل اسم المشاريع الإنشائية والاستملاكات العامة، معظم الإنفاق الاستثماري العام في الدولة، ومن هذا المنطلق فإنه يعد أهم أبواب الميزانية، حيث يعتمد معدل النمو بشكل عام على القرارات الخاصة بالإنفاق على هذا الباب. ويفترض في دولة غنية ذات فوائض مالية كبيرة مثل دولة الكويت أن يتركز الإنفاق العام في هذا الباب، فضلا عن ضرورة ضمان استقرار الإنفاق في هذا الباب، وضرورة اتجاهه نحو التزايد للتأكد من توفير أساس قوي لعملية النمو وتنويع مصادر الناتج والدخل في الدولة.
وقد تطور الإنفاق على المشاريع الإنشائية والاستملاكات العامة خلال الفترة من 478.9 مليون دينار في السنة المالية 1989/1988، إلى 1357.8 في السنة المالية 2009/2008، قبل أن تنخفض عمليات الإنفاق على هذا الباب في السنة المالية 2010/2009، إلى 1081.3 مليون دينار، نتيجة للأزمة المالية، ويلاحظ تقلب الإنفاق على هذا الباب بشكل واضح. من ناحية أخرى، يلاحظ أن الإنفاق على هذا الباب يتسم بالآتي:
أنه يميل إلى التقلب بصورة واضحة من سنة إلى أخرى، مما لا يوفر أساسا متينا لعملية التنمية الاقتصادية في الدولة. ولعل ذلك يعكس أيضا غياب الخطط التنموية في الفترة السابقة، حتى يمكن التخطيط للإنفاق من هذا الباب على أساس سليم يتسم بالاستقرار والنمو. ذلك أن احدى الخصائص الأساسية لخطط التنمية التي تتبناها الدول المختلفة تتمثل في ضرورة تخصيص إنفاق كبير على مشروعات التنمية الأساسية، مثل مشروعات البنية التحتية ومشروعات تقديم الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة وتوليد الكهرباء وتحلية المياه، وغيرها من المشروعات المهمة، لإرساء أساس مناسب لتحقيق تلك الخطط لمستهدفاتها الأساسية التي تسعى إليها. ومما لا شك فيه أن ضعف مستوى الخدمات المقدمة حاليا من جانب مؤسسات تقديم الخدمات العامة في الدولة يعكس ضعف مستويات الإنفاق الاستثماري العام المرصودة في الميزانيات العامة السابقة للدولة.
أن الإنفاق على هذا الباب يعد صغيرا بالنسبة للإمكانات المالية الكبيرة للدولة، حيث تراوح الإنفاق على هذا الباب ما بين %16.1 في السنة المالية 1989/1988 إلى %7.44 في السنة المالية 2009/2008 (إذا ما أهملنا سنتي العدوان العراقي وتحرير الكويت، والسنة المالية 2000/1999) من إجمالي الإنفاق العام للدولة، وهي نسبة محدودة جدا سواء بمقاييس الدول النامية أو بالمقاييس العالمية، خصوصا بالنسبة للدول التي تحقق فوائض مالية كبيرة في ميزانياتها مثل الكويت.
ان الإنفاق الاستثماري العام للدولة يتقلب بصورة واضحة وفقا للتقلبات في حصيلة الإيرادات النفطية، وإن كان ذلك بفترة تأخير، وقد كان من المفترض أن تستخدم الكويت احتياطياتها العامة لضمان استقرار الإنفاق على هذا الباب الحيوي.
أن مستويات الإنفاق الاستثماري العام في الدولة تفسر فشل الدولة حتى الآن في تنويع مصادر الإنتاج والدخل، وعدم القدرة على الفكاك من قيد النفط الذي يكبل انطلاق عملية النمو للقطاعات غير النفطية.
5 - الباب الخامس
بالنسبة للباب الخامس من أبواب الميزانية والذي يضم باقي المصروفات بالإضافة إلى بعض المخصصات المهمة. ويعد الباب الخامس أكبر أبواب الميزانية على الإطلاق، كما أن التطورات التي تحدث فيه مثيرة للقلق، حيث ان الإنفاق على المصروفات المختلفة والمدفوعات التحويلية قد تزايد من 1432.1 مليون دينار في السنة المالية 1989/1988 إلى 4576.5 مليون دينار في السنة المالية 2010/2009.
أما بالنسبة للسنوات المالية التي تحمل زيادة استثنائية في الإنفاق على هذا الباب وهما السنتان 2007/2006 و2009/2008، فإن ذلك يعكس سداد الدولة لالتزاماتها نحو العجز الاكتواري لمؤسسة التأمينات الاجتماعية، والناتج عن الزيادات التي تم إقرارها سابقا في المرتبات وإقرار الكوادر، وتتمثل أهم جوانب الإنفاق على هذا الباب في المصروفات المختلفة لوزارة الدفاع والصرف من قوانين التسليح والتعزيزات العسكرية والمؤتمرات والدورات الرياضية والمهمات الرسمية في الخارج والقنصليات الفخرية والبعثات والحملات الدينية والتدريب وإسكان الموظفين والمدفوعات التحويلية الداخلية للأفراد والمؤسسات والتحويلات لهيئات ومؤسسات عامة.
أرقام
%10.8 نسبة الإيرادات الضريبية في المتوسط إلى إجمالي الإيرادات العامة بين 1988 و2010
%12.3 متوسط النمو في الإنفاق العام خلال الفترة من 1989/1988 إلى 2010/2009
3700 مليون دينار الإنفاق على الأجور في 2011/2010 ارتفاعا من 846 مليونا في 1989/1988
21249 كويتيا متوقعا أن يدخل سوق العمل في 2012/2011 مقابل 41581 عاملا في 2030/2029
%17.3 سنويا نسبة النمو في الإنفاق على باب المستلزمات السلعية والخدمات
%21.3 سنويا نسبة نمو باب وسائل النقل.. وهو أعلى معدلات النمو في الإنفاق على أبواب الميزانية
478.9 مليون دينار الإنفاق على المشاريع في 1989/1988.. ارتفعت إلى 1081.3 مليوناً في 2010/2009
أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل تتضاعف
(25/05/2011) اغلاق أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل تتضاعف
اتجاهات المالية العامة
يميل إجمالي الإيرادات العامة لدولة الكويت إلى التقلب بصورة واضحة من سنة مالية إلى أخرى، بسبب تقلب الإيرادات النفطية أساسا، والواقع أن هذا النمط لاتجاه إجمالي الإيرادات العامة في دولة الكويت يضع صانع السياسة المالية في مأزق، ربما لا تبرز جوانبه طالما ان أسعار النفط مرتفعة والمالية العامة في وضع مريح، ولكن عندما تميل أسعار النفط نحو التراجع، فإن هشاشة وضع المالية العامة لدولة الكويت تتضح بصورة أكبر. فالإنفاق العام للدولة يميل نحو التزايد بصورة مستمرة، كما أنه يتركز أساسا في الإنفاق الجاري، الذي تصعب السيطرة عليه أو تخفيضه في أوقات تراجع الإيرادات العامة، مما يسبب مشكلة للمالية العامة للدولة في الأوقات التي تتراجع فيها الإيرادات النفطية، حيث تضطر الدولة إلى السحب من احتياطياتها العامة أو خفض المبالغ الموجهة نحو الإنفاق الرأسمالي أو كليهما، وتنبغي الإشارة إلى أن الكويت لم تلجأ إلى المصادر التقليدية لتمويل الإنفاق العام، مثل التمويل النقدي للعجز المالي في السنوات السابقة، غير أن السيناريوهات المطروحة في هذه الدراسة تشير إلى ان اللجوء إلى مثل هذه المصادر ربما يكون حتميا في المستقبل.
الإيرادات النفطية
عمود فقري
ويلاحظ أن الإيرادات النفطية تمثل العمود الفقري للإيرادات العامة في دولة الكويت كسائر الاقتصادات النفطية الأخرى ، وهذا هو مصدر الخطورة في الهيكل الحالي للإيرادات العامة لدولة الكويت لأسباب عدة، أهمها هو أن هذا المصدر ناضب، كما أن أسعار النفط تميل إلى التقلب الواضح، وفقاً لأوضاع السوق العالمي للنفط الخام، مما يضع المالية العامة للدولة برمتها تحت رحمة التطورات في هذا السوق. أكثر من ذلك، فإنه في ظل هذه المخاطر لم تتمكن الدولة، أو ربما لم تكن جادة حتى الآن من تطوير هيكل بديل للإيرادات يساعدها على إحداث قدر من الاستقرار في الإيرادات العامة في حال ميل الأوضاع في السوق العالمي للنفط الخام إلى التطور على نحو معاكس، ويمكنها من أن تضمن استقرار عمليات تمويل الإنفاق العام للدولة.
ضعف هيكل الإيرادات غير النفطية
على الجانب الآخر يلاحظ ضعف هيكل الإيرادات غير النفطية، بصفة خاصة الإيرادات الضريبية، والتي لم تتجاوز نسبتها في المتوسط إلى إجمالي الإيرادات العامة %10.8 خلال الفترة من 1988 - 2010، ويلاحظ أن نسبة الإيرادات غير النفطية إلى إجمالي الإيرادات العامة تميل نحو التناقص بصورة واضحة خلال السنوات الأخيرة ، وبالطبع مع ميل أسعار النفط نحو الارتفاع ومن ثم تزايد حجم الإيرادات النفطية، تميل نسبة الإيرادات غير النفطية نحو التراجع إلى إجمالي الإيرادات العامة حتى وصلت إلى نسبة %6.2 في عام 2010/2009، وهو ما يعكس تركز الإيرادات العامة للدولة في الإيرادات النفطية بشكل عام. من ناحية أخرى فإن رسوم السلع والخدمات الأخرى تتركز في إيرادات المياه والكهرباء، والتي يتم تسعيرها بصورة غير اقتصادية على الإطلاق، حيث تتسع الفجوة بين السعر الذي يدفعه المستهلك والتكلفة الحقيقية التي تتحملها الدولة، في سبيل تقديم هذه الإمدادات للمستهلك، بصفة خاصة مع تزايد أسعار النفط الخام، في الوقت الذي لم تحاول فيه الدولة تحميل المستهلك التكلفة الحقيقية للكهرباء والماء، أو على الأقل بخفض مستويات الدعم التي تتحملها في نظير تقديم هذه الإمدادات للمستهلكين ذوي الدخل المرتفع، أو قصر الدعم على المستحقين الحقيقيين له، وذلك لرفع إيراداتها من هاتين السلعتين الحيويتين، أو الحد من الإسراف في استهلاكهما .
زيادة الأجور في الميزانية العامة
- تعمق الهوة بين القطاعين العام والخاص.
- تحد من قدرة القطاع الخاص على توفير فرص للعمالة الوطنية.
- تجهض خطط الحكومة لإحلال العمالة الوطنية محل الوافدة.
توصيات
يقتضي الوضع الحساس للميزانية العامة للدولة من صانع السياسة المالية الآتي:
1- أن تكون عملية إقرار أي زيادة في الإنفاق الجاري للدولة مخططة على نحو جيد، حيث ينبغي ان يدرس أثر هذه الزيادات على قدرة الميزانية على المدى الطويل على استيفاء متطلبات تلك الزيادات، خصوصا أن الإيرادات المتوقعة لتمويل هذا الإنفاق تتسم بالتقلب، بينما نجد أن الإنفاق الجاري الذي تقوم به الدولة سيتسم بالاستدامة متى ما تم إقراره.
2- أن هذا التناقض بين طبيعة الإيرادات العامة وطبيعة الإنفاق العام في الميزانية العامة للدولة يضع الميزانية العامة للدولة في وضع حرج جدا مع ميل أسعار النفط نحو التراجع.
3- أن الدولة ينبغي ان تبحث بجدية اكبر قضية النفقات المخصصة للدعم بكل أشكاله، والذي يستهلك أكثر من نصف الإنفاق العام حاليا، حيث يتم تقديم الكثير من السلع والخدمات العامة، إما مجانا أو بتكاليف تقل بصورة كبيرة عن تكلفتها الحقيقية، بصفة خاصة الكهرباء والماء، الأمر الذي يؤدي إلى إفراط كبير في استهلاكها، ومن ثم هدر جانب مهم من الإنفاق العام للدولة.
4- أن الدولة ينبغي ان تبحث بجدية إعادة رسم الدور الذي تقوم به في النشاط الاقتصادي بحيث تقلص من ذلك الدور بصورة كبيرة وتفسح المجال بشكل اكبر للقطاع القطاع الخاص، لأن يلعب دورا اكبر في عملية إنتاج وتقديم السلع والخدمات العامة، حتى تتمكن من السيطرة على إنفاقها العام.
من 4 مليارات دينار في 1993 إلى أكثر من 11 ملياراً عام 2010 قصة نمو الإنفاق العام
تفيد دراسة اتحاد المصارف بأن الإنفاق العام في الكويت كان شبه ثابت بعد حرب تحرير الكويت، فيما عدا السنوات المالية 1993/ 1990، ومنذ عام 2002 تقريبا، أخذ الإنفاق العام في دولة الكويت في التزايد بصورة مطردة، بصفة خاصة في السنوات الأخيرة، من حوالي 4 مليارات دينار في 1993 إلى أكثر من 11 مليار دينار عام 2010، وذلك باستثناء السنوات المالية 2007/2006 و2009/2008، حيث ارتفع الإنفاق العام إلى مستويات استثنائية بسبب قيام الدولة بسداد أقساط العجز الاكتواري لمؤسسة التأمينات الاجتماعية الذي ينجم عن عدم قدرة المؤسسة على توفير الاعتمادات الكافية لمدفوعات التأمين الاجتماعي للمحالين إلى التقاعد في الدولة بسبب قيام الحكومة برفع مستويات الأجور، وهو ما يعني بالتبعية رفع مستويات المعاشات للعاملين في الحكومة عند التقاعد، وبما ان المؤسسة كانت قد حسبت أقساط التأمين الاجتماعي على أساس مستويات المرتبات المنخفضة، فإن إقدام الحكومة على رفع المرتبات وإقرار الكوادر، لا بد ان يصاحبه التزام من جانب الدولة بتمويل أي عجز ينشأ عن هذه العملية، وهو ما يطلق عليه العجز الاكتواري. من ناحية أخرى، تشير تقديرات الإنفاق العام في مشروع الميزانية العامة للدولة في السنة المقبلة إلى تزايد الإنفاق العام على نحو أكبر.
وقد ارتفعت النفقات العامة لدولة الكويت خلال السنوات القليلة الماضية على نحو مقلق، حيث تبرز المشكلة الأساسية في تركز هذه النفقات في الإنفاق الجاري للدولة، الذي ما إن يتم رفعه، فإنه يصعب تخفيضه لاحقا، في الوقت الذي اتسم فيه الإنفاق الرأسمالي إما بالتراجع أو التقلب على نحو كبير، وهو ما لا يقدم أساسا رصينا لعملية النمو في الدولة.
وفي المتوسط بلغ معدل النمو في الإنفاق العام خلال الفترة من 1989/1988 إلى 2010/2009 حوالي %12.3، ومن ناحية أخرى، فقد ارتبطت الزيادة الكبيرة في الإنفاق العام بالنمو الجوهري في الإيرادات العامة الناتج عن ارتفاع أسعار النفط، وبالنظر إلى هيكل الإنفاق العام يتضح أن المشكلة التي يواجهها صانع السياسة المالية تكمن في أن الزيادات التي تحدث في الإنفاق العام يصعب لاحقا تخفيضها إذا ما مالت الإيرادات العامة نحو التراجع، بفعل انخفاض أسعار النفط.
قد يتراكم بعشرات المليارات إذا انخفض سعر النفط عجز متعاظم ومخيف يبدأ بعد سنوات عدة
النواب يتسابقون لإرضاء ناخبيهم اليوم حتى ولو كان ذلك على حساب الأجيال القادمة
تتابع القبس نشر دراسة اتحاد المصارف عن تقييم الوضع المالي الحالي واستشراف تحديات المستقبل.
يتناول هذا الجزء من الدراسة السيناريوهات المتوقعة للمالية العامة لدولة الكويت خلال الفترة المقبلة حتى السنة المالية 2030/2029، وذلك وفقا لثلاثة سيناريوهات مستقبلية حول سعر البرميل من النفط الخام، وهو السيناريو الأساسي والذي يقوم على أساس سعر 100 دولار، وسيناريو الأسعار المنخفضة للنفط الخام، والذي يقوم على أساس سعر 75 دولارا للبرميل، وسيناريو الأسعار المرتفعة للنفط الخام، والذي يقوم على أساس سعر 150 دولارا للبرميل، ثم التنبؤ بفائض أو عجز الميزانية العامة في ظل كل سيناريو من هذه السيناريوهات للتعرف على الأوضاع المستقبلية للمالية العامة للدولة في ظل كل سيناريو.
تم التنبؤ بتقديرات المصروفات بأبوابها الخمسة باستخدام دالة الاتجاه العام لكل باب من أبواب الميزانية على حده استنادا إلى البيانات الفعلية للإنفاق خلال السنوات 2002/2001 ــــ 2011/2010، وذلك بفرض استمرار الاتجاه الحالي لأوجه الإنفاق العام للدولة، وفي ظل افتراض عدم قيام الدولة بأي خطوات لترشيد الإنفاق، مثلما هو الحال حاليا، ويوضح الجدول رقم (2) تنبؤات الإنفاق العام لدولة الكويت في المدى الزمني 2012/2011 حتى السنة المالية 2030/2029. ومن الجدول يتضح الآتي:
ــــ يتوقع حدوث زيادة كبيرة في الإنفاق على الباب الأول (الأجور) بسبب النمو في إعداد العاملين في الدولة في ظل الالتزام الحالي للدولة بتوفير فرصة للداخلين الجدد في سوق العمل من المواطنين من ناحية، وكذلك الزيادات التي تقرها الدولة من وقت لآخر في هذا الباب فضلا عن إقرار العديد من الكوادر من ناحية أخرى، ووفقا للجدول يتوقع ان يتزايد الإنفاق على الأجور من 3667 مليون دينار في السنة المالية 2012/2011 إلى 8150 مليون دينار في السنة المالية 2030/2029.
ــــ يتوقع ان يحدث تطور مماثل في الإنفاق على الباب الثاني (المستلزمات السلعية والخدمات) والذي ينتظر ان يتزايد الإنفاق عليه من 3055 مليون دينار في السنة المالية 2012/2011 إلى 8207.7 ملايين دينار في السنة المالية 2030/2029.
ــــ بالنسبة لوسائل النقل والمعدات يتوقع ان يتزايد الإنفاق على هذا الباب بصورة محدودة من 219.6 مليون دينار في السنة المالية 2012/2011 إلى 633.1 مليون دينار في السنة المالية 2030/2029.
ــــ بالنسبة للباب الرابع (المشاريع الإنشائية والاستملاكات العامة) يتوقع ان يتزايد الإنفاق على هذا الباب من 1801.0 مليون دينار في السنة المالية 2012/2011 إلى 4556.3 مليون دينار في السنة المالية 2030/2029.
ــــ أما أكبر أبواب الميزانية المتوقع تضخمه في المستقبل فهو الباب الخامس والذي يتوقع ان يتزايد الإنفاق عليه من 6453.9 مليون دينار في السنة المالية 2012/2011 إلى 15056 مليون دينار في السنة المالية 2030/2029.
ــــ واستنادا إلى هذه التنبؤات يتوقع ان يتزايد الإنفاق العام للدولة بصورة كبيرة من 15207 ملايين دينار في السنة المالية 2012/2011 إلى 36603 ملايين دينار في السنة المالية 2030/2029.
بالنسبة لتقدير الإيرادات النفطية تم استخدام 3 سيناريوهات مستقبلية لأسعار النفط الخام في ظل الفروض الآتية:
ــــ السيناريو الأساسي وهو سيناريو الأسعار المتوسطة للنفط الخام: سعر البرميل المتوقع هو 100 دولار للبرميل.
ــــ السيناريو البديل الأول وهو سيناريو الأسعار المنخفضة للنفط الخام: سعر البرميل المتوقع هو 75 دولارا للبرميل.
ــــ السيناريو البديل الثاني وهو سيناريو الأسعار المرتفعة للنفط الخام: سعر البرميل المتوقع هو 150 دولارا للبرميل.
ــــ أن كمية الإنتاج من النفط الخام في سنة الأساس تساوي 2.2 مليون برميل يوميا، وهي حصة الكويت في منظمة الأوبك، وتفترض الدراسة زيادة حصة دولة الكويت بشكل مستمر خلال الفترة حتى تصل إلى 2.65 مليون برميل يوميا في السنة المالية 2030/2029.
- أن تكلفة استخراج البرميل في سنة الأساس تساوي 1.5 دينار، وتتزايد بنسبة %5 سنويا حتى تصل إلى 3.61 دنانير في السنة المالية 2030/2029.
- أن معدل صرف الدولار بالدينار الكويتي هو 285 فلسا لكل دولار.
وتجدر الإشارة إلى ان جميع الأسعار المقترحة في هذه الدراسة للنفط الخام، بما في ذلك الأسعار المنخفضة للبرميل من النفط الخام، تزيد بصورة جوهرية عن تلك الأسعار التي غالبا ما يتم إجراء تقديرات الميزانية العامة للدولة على أساسها من جانب وزارة المالية، والتي بلغت 43 دولارا في مشروع ميزانية 2012/2011.
بالنسبة للتنبؤات المستقبلية للإيرادات غير النفطية سوف يتم باستخدام دالة الاتجاه العام للإيرادات غير النفطية عن السنوات 2002/2001 - 2011/2010، كأساس لعملية التنبؤ، وذلك في ظل افتراض استمرار السياسات الحالية في تسعير السلع والخدمات العامة على ما هي عليه دون تغيير وعدم لجوء الدولة إلى خيارات قاسية في المستقبل مثل اللجوء إلى خفض قيمة الدينار الكويتي، وقد توصلت الدراسة إلى الآتي:
بالنسبة للسيناريو الأساسي يفترض وفقا لهذا السيناريو أن أسعار النفط الخام سوف تكون عند مستوى 100 دولار للبرميل، ويتضح من الجدول رقم (3) أن الإيرادات العامة يتوقع أن تتزايد من 22969.4 مليون دينار في السنة المالية 2012/2011 إلى 26410.2 مليون دينار في السنة المالية 2030/2029، وباستخدام تنبؤات الإنفاق العام يتضح أن الميزانية وفقا لهذا السيناريو ستحقق فائضا في السنة المالية 2012/2011 يساوي 5464.6 ملايين دينار. غير أنه بدءا من السنة المالية 2018/2017 يتوقع ان تبدأ الميزانية العامة للدولة في تحقيق عجز يبلغ 416.7 مليون دينار، ثم يأخذ هذا العجز في التصاعد بصورة مستمرة حتى يصل إلى 12834.6 مليون دينار في السنة المالية 2030/2029، وخلال الفترة من 2018/2017 حتى 2030/2029 يبلغ العجز المتراكم 85060 مليون دينار، وهو عجز كبير جدا، يهدد الاحتياطي العام للدولة إذا لم يتم السيطرة على الإنفاق العام وتنويع مصادر الإيرادات العامة.
بالنسبة لسيناريو الأسعار المنخفضة للنفط الخام، يفترض وفقا لهذا السيناريو أن أسعار النفط الخام سوف تكون عند مستوى 75 دولارا للبرميل، وهو ما يمثل سيناريو الأسعار المنخفضة للنفط الخام، ويوضح الجدول رقم (4) تنبؤات الإيرادات العامة وفقا لهذا السيناريو، ووفقا للجدول فإن الإيرادات العامة للدولة يتوقع ان تتزايد من 17248.1 مليون دينار في السنة المالية 2012/2011 إلى 20621.2 مليون دينار في السنة المالية 2030/2029، وفي ظل هذه الأسعار المنخفضة لبرميل النفط الخام يتوقع أن تبدأ الميزانية في تحقيق عجز في السنة المالية 2013/2012 يبلغ 712.5 مليون دينار، ثم يأخذ هذا العجز في التصاعد بصورة مستمرة حتى يصل إلى 18044.7 مليون دينار في السنة المالية 2030/2029، وخلال الفترة 2013/2012 حتى 2030/2029 يتوقع أن يبلغ العجز المتراكم 172596 مليون دينار، وهو عجز ضخم جدا، وتحت أي سيناريو لنمو الاحتياطيات العامة للدولة في ظل الفوائض المحققة في سنوات الدراسة، لا يتوقع ان تكفي الاحتياطيات العامة للدولة لتغطية هذا المستوى المرتفع جدا من العجز.
بالنسبة لسيناريو الأسعار المرتفعة للنفط الخام، يفترض، وفقا لهذا السيناريو أن أسعار النفط الخام سوف تكون عند مستوى 150 دولارا للبرميل، وهو ما يمثل سيناريو الأسعار المرتفعة للنفط الخام، ويوضح الجدول رقم (5) تنبؤات الإيرادات العامة، وفقا لهذا السيناريو، حيث يتوقع ان تتزايد الإيرادات العامة من 33123.8 مليون دينار في السنة المالية 2012/2011 إلى 37025.3 مليون دينار في السنة المالية 2030/2029. يلاحظ أن وضع الميزانية العامة، وفقا لهذا السيناريو يتحسن بعض الشيء، حيث من المتوقع في ظل سيناريو الأسعار المرتفعة أن تستمر الميزانية العامة للدولة في تحقيق فوائض حتى السنة المالية 2027/2026، ثم تبدأ الميزانية العامة في تحقيق عجز في السنة المالية 2028/2027 يبلغ 903.7 ملايين دينار، ثم يأخذ هذا العجز في التصاعد بصورة محدودة حتى يصل إلى 3281.0 مليون دينار في السنة المالية 2030/2029، وخلال الفترة من 2028/2027 حتى 2030/2029 يتوقع أن يبلغ العجز المتراكم 6277 مليون دينار، وهو عجز يعد محدودا مقارنة بالسيناريوهات المتوقعة للعجز، وفقا لسيناريوهات أسعار النفط البديلة، وعلى الرغم من تحسن وضع العجز التراكمي أثناء المدى الزمني للدراسة، فإن المشكلة الأساسية التي يواجهها التنبؤ، وفقا لهذا السيناريو هي أنه لا يوجد ضمان بتحقق هذه المعدلات المرتفعة من الأسعار للنفط في المستقبل.
إن أهم الخلاصات التي يمكن التوصل إليها من التحليل المقدم أعلاه هي أنه في ظل جميع السيناريوهات المتوقعة لأسعار النفط، فإن الميزانية العامة سوف تحقق عجزا في سنة مالية ما في المستقبل، بسبب الضغوط التي ستواجهها نتيجة ارتفاع مستويات الإنفاق العام التي يمثل الإنفاق على الأجور أحد أهم جوانبها.
آثار زيادة المرتبات وإقرار الكوادر
في هذا الجزء نقدم تصورا للآثار المتوقع حدوثها نتيجة استمرار الاتجاه الحالي نحو رفع مستويات الأجور وإقرار الكوادر للفئات المهنية والوظيفية المختلفة في الدولة، وسنفرق في هذا الجزء بين الآثار على المدى القصير والآثار على المدى الطويل، نظرا لاختلاف طبيعة الآثار المتوقعة وفقا لهذين المديين.
تتمثل أهم الآثار القصيرة والمتوسطة المدى لزيادة المرتبات وإقرار الكوادر فيما يلي:
1 - تزايد الضغوط على الإيرادات العامة للدولة
تعاني المالية العامة بالكويت من مشكلة أساسية تتمثل في تباين اتجاهات النمو بين أبرز عنصرين على جانبي النفقات والإيرادات، ففي الوقت الذي يتسم فيه باب المرتبات بتسارع وتيرة النمو فيه نتيجة للزيادات السنوية في هذا البند وتزايد أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل سنويا، مع التزام الحكومة بتوفير وظيفة للمواطنين الذين لم يتمكنوا من الحصول على فرصة عمل في القطاع الخاص، نجد أن مصادر تمويل هذه المرتبات (الإيرادات النفطية) تميل إلى التقلب الشديد وفقا لاتجاهات أسعار النفط الخام في السوق العالمي للنفط، كما سبق أن أشرنا. من جانب آخر، فإن ما تعانيه المالية العامة للدولة من تركز الإيرادات العامة في مصدر شبه وحيد تقريبا وهو الإيرادات النفطية وعدم استقرار هذه الإيرادات، يشكل عقبة أساسية في عملية التخطيط للتنمية في الكويت، حيث لا يمكن ضمان استمرار تدفقات الإيرادات النفطية عند مستوى محدد، يضمن استمرار تغطية هذه النفقات على نحو آمن، وعليه، فإن النمو المتزايد في الباب الأول (الأجور والمرتبات) سيؤدي إلى تزايد الضغوط على الإيرادات العامة لتمويل باقي أوجه الإنفاق العام للدولة.
بمقارنة نسبة المرتبات إلى إجمالي الإيرادات العامة للدولة وإجمالي الإيرادات النفطية، يتضح أن الإيرادات النفطية خلال السنوات 1994/1993ــــ 1999/1998 كانت محدودة بسبب تدني أسعار النفط، وبالتالي استحوذ الباب الأول في المتوسط على حوالي %41.2 من الإيرادات النفطية، وعلى نسبة %35.8 من إجمالي الإيرادات العامة. غير أن ميل أسعار النفط نحو الارتفاع بعد ذلك أدى إلى انخفاض نسبة الباب الأول لكل من الإيرادات النفطية وإجمالي الإيرادات، حتى بلغت %14 من إجمالي الإيرادات النفطية في السنة المالية 2008/2007، و%13 من إجمالي الإيرادات العامة في السنة نفسها، الأمر الذي أغرى الحكومات المتعاقبة على زيادة المرتبات وإقرار الكثير من الكوادر للعاملين في الدولة دون أن تأخذ في الاعتبار الآثار السلبية طويلة الأجل لمثل هذه الزيادات على المالية العامة للكويت في حالة تراجع الإيرادات النفطية لأي سبب في المستقبل.
2 - رفع تكلفة القطاع الخاص وانخفاض تنافسيته
إن عمليات إقرار الكوادر ستدفع القطاع الخاص الذي يقوم بتشغيل العمالة الوطنية، مثل القطاع المالي، حيث تتركز العمالة الوطنية في القطاع الخاص، إلى ضرورة مواكبة هذه الارتفاعات غير المبررة في المرتبات للكوادر المختلفة للعاملين في القطاع الخاص، وذلك ليتمكن من الاحتفاظ بما لديه من مهارات وجذب المزيد من المهارات المناسبة من العمالة الوطنية، ومن المعلوم، من الناحية الاقتصادية، أن أي زيادة في المرتبات، لكي تكون غير ضارة على المستوى الكلي، لا بد أن تكون ناتجة عن زيادة في الإنتاجية الكلية للعمال، على النحو الذي يبرر رفع مستويات التعويضات المدفوعة لهم، وإلا فإن أي زيادة في التعويضات المدفوعة للعمال ستؤدي إلى رفع مستويات التكاليف، دون ان يقابل هذه الزيادة في التكاليف زيادة في الإنتاجية، الأمر الذي يؤدي إلى العديد من الآثار الضارة على المستوى الكلي، أهمها ارتفاع تكاليف إنتاج السلع والخدمات في القطاعات التي يعمل بها العمال، ومن ثم ارتفاع مستويات الأسعار للسلع والخدمات المنتجة، خصوصا أن التعويضات المدفوعة للعمال تشكل جانبا كبيرا من التكلفة، وهو الأمر الذي يمهد للتضخم المدفوع بالتكلفة Cost push inflation.
يترتب على ارتفاع تكاليف القطاع الخاص بسبب زيادة التعويضات المدفوعة للعمال أن يؤثر ذلك على القطاع الخاص بصورة سلبية ويخفض من قدرته التنافسية في مواجهة المشروعات المثيلة في الخارج، حيث سيؤدي ارتفاع التكاليف إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات المنتجة محلياً في مقابل تلك التي يمكن أن يتم استيرادها أو تقديمها في الخارج، الأمر الذي سيؤثر سلباً على قطاعات النشاط الإنتاجي في الاقتصاد الكويتي. على سبيل المثال بالنسبة لقطاع الصناعة، يؤدي ارتفاع التكلفة إلى التأثير سلبا على القدرة التنافسية لهذا القطاع في منافسة السلع الصناعية المستوردة من الخارج، وهو ما يجهض سياسات الدولة الرامية إلى تنمية هذا القطاع ورفع درجة تنافسيته، وبالتالي ستزداد الواردات المصنعة في الخارج على حساب المنتج الصناعي الوطني.
كما سيواجه جانبا كبيرا من المؤسسات في القطاعات الخدمية ارتفاعا واضحا في تكلفة استخدام الكوادر الوطنية، مثل القطاع المالي، والقطاع الصحي، وقطاع التعليم الخاص.. إلخ نتيجة اضطرار هذه القطاعات لدفع تعويضات أعلى للعمالة الوطنية على نحو غير مبرر، سوى أن السياسة الحكومية ترغب في رفع تلك التعويضات، ولا شك أن هذا الوضع يضع قطاع الأعمال الخاص أمام خيارين لا ثالث لهما، فهو إما أن يستمر في تشغيل العمالة الوطنية ذات التكاليف المرتفعة، ويشهد بالتالي ارتفاعا في تكاليف إنتاجه وأسعار السلع والخدمات التي يقوم بإنتاجها، ومن ثم تتراجع تنافسيته، وبالتالي معدلات الأرباح التي يحققها، وإما أن يستبدل العمالة الوطنية ذات التكاليف المرتفعة بعمالة وافدة من الخارج ذات تكاليف أقل، حتى يستمر في الحفاظ على تنافسيته ومعدلات الأرباح التي يحققها، ويخفض مستويات تكاليفه، والأمر المؤكد أنه في ظل هذه الأوضاع سيجد قطاع الأعمال الخاص نفسه مجبرا على الحد من عمليات توظيف العمالة الوطنية واستبدالها بالعمالة الأجنبية المثيلة، كحل أمثل لمواجهة ارتفاع التعويضات المدفوعة للعمالة الوطنية.
3 - تراجع الإنفاق الاستثماري للدولة
سبق أن رأينا ان العلاقة بين الإنفاق الجاري والإنفاق الاستثماري علاقة سلبية، ففي الأوقات التي تتراجع فيها الإيرادات العامة للدولة فإن صانع السياسة المالية لن يجد أمامه من بد سوى خفض مستويات الإنفاق الاستثماري باعتباره الأسهل في الخفض، مقارنة بالإنفاق الجاري الذي يتسم بالجمود وصعوبة تخفيضه، ويؤدي ارتفاع مستويات الإنفاق الجاري نتيجة إقرار الكوادر المختلفة إلى رفع مستويات هذا الإنفاق، وبالتالي مع أي تراجع يحدث في الإيرادات النفطية، ونظرا لصعوبة عمليات السحب من الاحتياطيات العامة في الأجل القصير، فإن صانع السياسة المالية لن يجد أمامه من سبيل سوى خفض الإنفاق الاستثماري، ويترتب على عدم استقرار الإنفاق الاستثماري تقلب معدلات النمو على المستوى الكلي، كما سبقت الإشارة.
4 - الهجرة العكسية للعمالة الوطنية
لقد كانت الزيادات التي تمت في مرتبات العاملين بالحكومة والقطاع العام، وكذلك الكوادر التي تم إقرارها لمعظم الفئات العاملة في الدولة سخية للغاية كما سبق أن اشرنا أعلاه، وقد ترتب على ذلك ان أصبحت تكلفة توظيف العامل في القطاع الحكومي مرتفعة للغاية، خصوصا بالنسبة للكوادر، وبما أن هذه الزيادات في الأجور لم تكن شاملة العاملين في القطاع الخاص، فقد ترتب على ذلك اتساع واضح للفجوة بين هيكل الرواتب في القطاعين العام والخاص، وذلك لمصلحة القطاع الحكومي والعام، ولا شك ان مثل هذا الوضع سينعكس في تزايد الإقبال من جانب العمالة الوطنية على هجر العمل بالقطاع الخاص والتوجه نحو القطاع الحكومي، نظرا لأن الأخير يضمن للعاملين فيه الكثير من المزايا أهمها؛ ضمان الحصول على تعويضات أكبر من تلك التي يحصلون عليها في القطاع الخاص، خصوصا أنه بالإضافة إلى ذلك فإن العمل في القطاع الحكومي يتسم بأنه أسهل بشكل كبير من القطاع الخاص، واقل عبئا، وأكثر راحة، وأسهل في الترقي إلى المناصب الأعلى، والتي تجري وفقا للوائح قد لا تلعب الإنتاجية فيها الدور الحاسم، ولا شك أن هذه الهجرة للوظائف من القطاع الخاص إلى القطاع الحكومي والعام تجهض خطط الحكومة بتوسيع نطاق القطاع الخاص كموظف للعمالة الوطنية وكمولد أساسي للناتج، كما أنه يضع المخطط في دولة الكويت أمام معضلة أساسية، فمن ناحية تؤكد الخطة الخمسية للدولة ضرورة أن يلعب القطاع الخاص الدور الرائد في عملية التنمية، وأن يضطلع بالدور الأساسي كمنتج وكمولد للدخل وكموظف للعمالة الوطنية، وفي الوقت ذاته تضع السياسات المالية في الدولة عقبات شديدة أمام هذا التحول بسبب سياسات التعويضات السخية للعاملين في القطاعين الحكومي والعام.
فمن ناحية، ستجهض هذه التعويضات المرتفعة خطط قطاع الأعمال الخاص في التوسع استنادا إلى توظيف العمالة الوطنية، ومن ناحية أخرى، يتوقع أن تواجه خطط تخصيص مشروعات القطاع الحكومي والعام مقاومة شديدة من جانب العاملين نظرا لهذه الفروق الواضحة بين تعويضات القطاعين العام والخاص، ولعل تجربة تخصيص شركة الكويتية للطيران خير مثال على ذلك. من ناحية أخرى سيصبح من الصعب إقناع القطاع الخاص بالحرص على استمرار توظيف العمالة الوطنية في ظل توافر فرص تشغيل العمالة الوافدة ذات التكلفة الأقل.
مما لا شك فيه ان هذه الهجرة المعاكسة للعمالة الوطنية من القطاع الخاص إلى القطاع الحكومي والعام ستحرم قطاع الأعمال الخاص من المهارات التي تتمتع بها بعض فئات العمالة الوطنية، من ناحية أخرى فإن هذه الهجرة ستؤثر سلبا على قدرة الطاقات الوطنية في إظهار إبداعاتها، باعتبار أن القطاع الحكومي بشكل عام لا يوفر مناخا مناسبا للإبداع، ومن ثم فإن هجرة الكفاءات الوطنية إلى القطاع الحكومي سيترتب عليها دفن تلك المهارات وطاقاتها الإبداعية في مناخ غير مناسب لذلك بشكل عام.
دراسة اتحاد المصارف: بزيادة الرواتب .. تصب الحكومة الزيت على نار البطالة!
القطاع الخاص أكبر المتضررين من زيادة رواتب الموظفين في القطاع العام
تنشر القبس اليوم الحلقة الأخيرة من دراسة اتحاد مصارف الكويت عن تقييم الوضع المالي الحالي، واستشراف تحديات المستقبل. ويتناول الجزء الأخير من الدراسة الآثار البعيدة المدى لإقرار الكوادر وزيادات الرواتب المستمرة والمتكررة في القطاع الحكومي. وقالت الدراسة، أهم تلك الآثار تتمثل في الآتي:
1- تحجيم قدرة القطاع الخاص على خلق فرص عمل جديدة ومناسبة لاستيعاب العمالة الوطنية
تعد تكلفة عنصر العمل احد العوامل الأساسية في تحديد اتجاهات الطلب على العمالة في القطاع الخاص، حيث يحاول القطاع الخاص رفع مستويات كفاءته الفنية من خلال خفض التكاليف المتوسطة للإنتاج إلى أدنى مستوى، وبما أن تكاليف عنصر العمل تمثل عاملا حاسما في التكاليف المتوسطة، فإن الطلب على عنصر العمل يعتمد على مستويات الأجور من جانب، والإنتاجية الحدية لعنصر العمل من جانب آخر. وعندما تقوم الحكومة برفع الأجور وبفرض كوادر للفئات المختلفة من العمال، فإن تكلفة عنصر العمل من المواطنين سوف ترتفع، وبما ان القطاع الخاص يسعى دائما إلى ضغط التكاليف، فإن مثل هذه الزيادات في التعويضات المدفوعة للعمالة الوطنية سوف تؤدي إلى خفض الطلب على الكوادر الوطنية، ومن ثم ضعف قدرة القطاع الخاص على استمرار الاحتفاظ بالكوادر الوطنية التي تعمل حاليا في هذا القطاع أو استيعاب الداخلين الجدد من العمالة الوطنية إلى سوق العمل، نظرا لارتفاع تكلفة تشغيل هذه الكوادر بالنسبة للقطاع الخاص.
مما لا شك فيه أن هذه النتيجة تعقّد من أوضاع سوق العمل المحلي. فمن ناحية يصعب إجبار القطاع الخاص على تشغيل الكوادر الوطنية مادامت تكلفتها مرتفعة بالمقارنة بالعمالة البديلة لها في سوق العمل، وهي العمالة الوافدة، ومن ناحية أخرى سوف يقل إقبال العمالة الوطنية على التوظف في القطاع الخاص، نظرا للفجوة الكبيرة في التعويضات المدفوعة بين القطاعين العام والخاص، وعلى فرض أنه حتى لو كانت الكوادر الوطنية ترغب في العمل لدى القطاع الخاص، فإنها لن تجد إقبالا من القطاع الخاص على تشغيلها بسبب ارتفاع تكاليفها، ولا شك في ان الوضع الطبيعي في ظل هذه الأوضاع هو:
-زيادة معدلات البطالة بين الداخلين الجدد إلى سوق العمل، نظرا لعدم رغبة القطاع الخاص في توفير وظائف لهؤلاء العاطلين.
-استمرار الطلب على العمالة الوافدة مرتفعا.
-وجود تناقض بين السياسات التنموية للدولة، وسياسات التعويضات التي تنتهجها الحكومة نحو العمالة الوطنية.
-عدم القدرة على تحقيق المستهدفات الأساسية للخطة بتحويل القطاع الخاص إلى الموظف الرئيسي للعمالة الوطنية.
2- إجهاض خطط الحكومة نحو إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الأجنبية
منذ وقت طويل تتبنى الحكومة في دولة الكويت سياسات للتشغيل تهدف إلى إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة في كل قطاعات الدولة، سواء القطاع الحكومي والعام، أو القطاع الخاص، وقد نجحت الحكومة إلى حد كبير في إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة في الجهات الحكومية، نظرا لتحكمها في تدفقات الموظفين الجدد إلى مكاتب العمل في القطاع الحكومي، ومن ثم قصرها على الكوادر الوطنية، إضافة إلى إحلال جانب من العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة التي تعمل في تلك المكاتب بصورة سنوية.
هناك دلائل واضحة على ان الطاقة الاستيعابية للقطاع الحكومي للعمالة قد بلغت حدودها القصوى، وان البطالة المقنعة بدأت في الانتشار في مكاتب الحكومة، الأمر الذي يعني عدم قدرة القطاع الحكومي على استيعاب مزيد من العمالة الوطنية، وهو ما ينبغي معه ضرورة العمل على توجيه فوائض الكوادر الوطنية في سوق العمل نحو القطاع الخاص من خلال إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الأجنبية في هذا القطاع.
غير أن تطبيق مثل هذه السياسات سوف يواجه مستوى مرتفعا من المقاومة من قبل القطاع الخاص، نظرا للزيادات الهائلة في التكاليف التي ستقع على عاتق القطاع الخاص من اجل تنفيذ السياسات الحكومية الخاصة بالإحلال، وهو ما يعني ان خطط الحكومة نحو إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة سوف تجهض، الأمر الذي ينعكس في ارتفاع معدلات البطالة المفتوحة بين الداخلين الجدد من العمالة الوطنية في سوق العمل، وهي إحدى الظواهر التي يعاني منها سوق العمل حاليا. حيث يضطر الداخلون الجدد إلى سوق العمل من العمالة الوطنية إلى الانتظار لفترة طويلة من الزمن للحصول على فرصة عمل، والتي غالبا ما تكون في القطاع الحكومي المضطر إلى استيعاب هؤلاء. وقد يقال إنه من الممكن ان تشجع الحكومة القطاع الخاص على تشغيل العمالة الوطنية من خلال تحمل الفرق في التعويضات التي يدفعها القطاع الخاص، وتلك التي تدفعها الحكومة. غير أن مثل هذه السياسات سوف تزيد من الضغوط على الميزانية العامة للدولة، ولا تؤدي إلى تحقيق أي منافع مالية من استيعاب القطاع الخاص للعمالة الوطنية، فضلا عن أنها تؤثر في كفاءة القطاع الخاص، مادام لا يدفع التكلفة الحقيقية للعاملين فيه.
3- تزايد الضغوط على تسييل استثمارات الدولة والسحب من صندوق الاحتياطي العام
تشير سيناريوهات الميزانية العامة في دولة الكويت في المستقبل إلى تحول الميزانية العامة في دولة الكويت من تحقيق فوائض إلى تحقيق عجز. يعتمد ذلك على السيناريو المقترح لأسعار النفط الخام.
ونظرا لاعتماد الميزانية العامة بصورة كاملة على الإيرادات النفطية، وتركز هيكل الإيرادات العامة في تلك الإيرادات، وضعف قاعدة الإيرادات البديلة للنفط، فإنه مع تحقيق عجز في الميزانية لن تجد الحكومة بدا من بدء السحب من صندوق الاحتياطي العام لسد هذا العجز المتصاعد في الميزانية العامة للدولة، وهو ما يترتب عليه تناقص الأصول الخارجية للدولة، والتي تم تكوينها عبر سنوات طويلة من الزمن في غضون فترات قصيرة.
4- ارتفاع متوسط سعر النفط المطلوب لتوازن الميزانية العامة للدولة
مع تزايد حجم الإنفاق العام يتقلص بالتالي الفرق بين الإيرادات والنفقات العامة للدولة، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع الحد الأدنى لسعر النفط المطلوب لتوازن الميزانية العامة للدولة، ووفقا للحسابات التي تم إجراؤها في هذه الدراسة حول الاتجاهات المستقبلية للمالية العامة في دولة الكويت، يتضح ان سعر البرميل لابد ألا يقل عن 74 دولارا في السنة المالية 2011/2012، حتى تتوازن الميزانية العامة للدولة، وفقا لسيناريو الأسعار المنخفضة للنفط الخام، وألا يقل عن 146دولارا في السنة المالية 2029/2030 حتى تتوازن الميزانية العامة للدولة، وفقا لسيناريو الأسعار المرتفعة للنفط الخام. وبما أنه ليس هناك أي ضمانة لتحقق مثل هذه الأسعار في السوق العالمي للنفط الخام في أي وقت، فإن وضع الميزانية العامة للدولة يصبح حرجا جدا، في ظل هذه الاتجاهات الحكومية لرفع تعويضات العاملين.
5- تزايد معدلات البطالة المقنعة في القطاع الحكومي وتردي مستوى الإنتاجية
في ظل عدم قدرة القطاع الخاص على استيعاب الكوادر من العمالة الوطنية بسبب ارتفاع تكلفتها، نتيجة للقرارات الحكومية الخاصة برفع المرتبات وإقرار الكوادر للفئات المختلفة في الدولة، وأخذا في الاعتبار ارتفاع درجة عزوف قطاع الأعمال الخاص عن توفير فرص عمل للعمالة الوطنية، في ظل هذه المستويات المرتفعة للتعويضات المدفوعة لهم.
وفي ظل التزام الدولة بتوفير فرص عمل كريمة للمواطنين، كما يقضي بذلك دستور دولة الكويت، فإن الحكومة سوف تكون مضطرة دائما إلى استيعاب مزيد من الداخلين الجدد من العمالة الوطنية في القطاع الحكومي، وتوفير أي فرصة عمل لهؤلاء الخريجين، حتى ولو لم تكن هناك حاجة لتوفير هذه الوظائف في القطاع الحكومي. وأخذا في الاعتبار معدلات النمو في أعداد السكان الكويتيين، واتجاهات النمو المستقبلي في أعداد الخريجين من كل المؤسسات التعليمية سنويا، فإن ذلك سوف يعني ضرورة استيعاب أعداد هائلة سنويا من العمالة الوطنية في القطاع الحكومي المثقل أساسا بالعمالة. ومما لا شك فيه أن ذلك سوف يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة المقنعة في القطاعين الحكومي والعام، بما لها من آثار مدمرة على المدى الطويل، بصفة خاصة تردي مستويات الإنتاجية، ومن المعلوم وفقا للنظرية الاقتصادية أن تزايد أعداد العمال في وحدة الإنتاج عن الحد الأمثل يترتب عليه انخفاض في الإنتاج، المتوسطة (الإنتاجية) لهم.
المايسترو» بعد 19 عاماً لم يكن قائدا جيدا لأوركسترا المجلس 1-3 «فقاعات غرينسبان.. عصر الجهل في مجلس الاحتياطي الفدرالي» الأميركي
ترجمة: رزان عدنان
خلّف خروج آلان غرينسبان من مجلس الاحتياطي الفدرالي بعد 19 عاما من رئاسته، جدلا واسعا، بسبب سياساته خلال تلك المدة وما نتج عنها أخيرا من فقاعات وأزمات اقتصادية.
في حين يرى البعض أن الفترة التي تولى فيها غرينسبان رئاسة مجلس الاحتياطي، الفدرالي كانت محاطة بالرفاهية، يعارض البعض الآخر بالقول ان قراراته أدت نوعا ما إلى القضاء على النظام المالي الأكبر في العالم.
يتناول كتاب «فقاعات غرينسبان.. عصر الجهل في الاحتياطي الفدرالي» للمؤلف ويليام فليكنشتاين ومساعده فريدريك شيهان ابرز الأخطاء التي ارتكبها غرينسبان خلال عهده وما نتج عنها من فقاعات لا يزال أثرها حاضرا وبقوة إلى الآن في الأسواق الأميركية والعالم.
فمنذ نهاية الثمانينات وحتى اليوم، يبدو أن «المايسترو» كما يفضل أحد الصحافيين تسميته، لم يرتكب أي خطأ. فقد وضع معدلات الفائدة عند مستوياتها الصحيحة، كما يصر مناصروه على قول هذا، كما اشرف على اقتصاد نادرا ما يتعرض للانزلاق نحو الركود أو الأزمات، وعندما يجنح الاقتصاد عن الطريق الصواب، فإن مجلس الاحتياطي الفدرالي برئاسة غرينسبان سرعان ما يتصدى للأزمة عبر طبع الدولارات أو تخفيض معدلات الفائدة.
لقد بدا المستقبل براقاً في عهده، واستطاعت الدولارات المطبوعة الجيدة ومعدلات الفائدة المنخفضة تحفيز الاصول الاستثمارية والعقار.
لكن الحقيقة تقول ان معظم قرارات غرينسبان كرئيس مجلس ادارة للفدرالي منذ الحادي عشر من اغسطس من عام 1987 وحتى الحادي والثلاثين من يناير من عام 2006 لم تكن جميعها في مصلحة المستثمر، وحتى الولايات المتحدة. وسيعيش معظم الاميركيين اياماً اسوأ لاحقاً بسبب ادارة غرينسبان.
ويتساءل البعض قائلا: «كيف يمكن لرئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي ان يكون مخطئاً لهذه الدرجة؟» والاجابة هي ان غرينسبان اخطأ باستمرار عندما كان يصر على ابقاء معدلات الفائدة عند مستويات منخفضة جداً، وعندما تقع مشكلة يقوم بحلها من خلال تخفيض معدلات الفائدة مرة اخرى. والنتيجة انه خلال فترة رئاسته، شهدت الولايات المتحدة فقاعة في الاسهم تبعتها فقاعة اخرى في القطاع العقاري. ومنذ تسلمه منصبه لم تشهد البلاد فقاعات كهذه منذ خمسين عاماً.
لم يكن غرينسبان مخططاً مركزياً دائماً. فقبل ان يتسلم منصب رئاسة مجلس الاحتياطي الفدرالي، كان يترأس شركته الاستشارية «تاونسيند غرينسبان» من عام 1954 ولغاية عام 1987. كما عمل غرينسبان في مؤسسات حكومية عديدة. على سبيل المثال، كان يشغل منصب عضو في لجنة الضمان الاجتماعي.
لكن من ابرز المناصب التي تبوأها هي رئاسة مجلس ادارة مجلس المستشارين الاقتصاديين CEA، والتي عمل فيهامنذ 1974 حتى بداية عام 1977.
وقد تتساءل بعض العقول الحائرة عن الارث الذي خلفه هذا الرجل وراءه، وربما من المثير ان نبدأ بالحديث الذي دار بين غرينسبان والسيناتور ويليام بروكسماير في الحادي والعشرين من يوليو من عام 1987. اذ يبدو ان الاخير كان على اطلاع تام على التوقعات التي صدرت عن مجلس المستشارين الاقتصاديين من عام 1976 ولغاية 1986، فقد وجد السيناتور بروكسماير ان التوقعات التي صدرت في حقبة غرينسبان لم تصب الهدف. فعندما يتعلق الامر بمعدلات الفائدة المتوقعة، لاحظ السيناتور ان غرينسبان والذي سيصبح المسؤول عن تحديد معدلات الفائدة لأكبر اقتصاد في العالم قد اخطأ في تقديراته، وبحسب رأي بروكسماير فان اخطاء غرينسبان تتركز في انها تجاوزت كل الارقام القياسية ابان تلك الفترة.
توقع غرينسبان ان تبلغ معدلات الفائدة على سندات الخزينة 4،4 في المائة في عام 1978، بيد انها لم تكن سوى 9،8 في المائة، ولم يفلح عندما تنبأ بأن يصل معدل التضخم للعام ذاته الى 4،5 في المائة، في حين ان المعدل السنوي بلغ آنذاك 9،2 في المائة. وما كان من غرينسبان الا ان رد على كلام بروسكماير قائلاً: «ذاكرتي لا تسعفني على استرجاع هذه الارقام». حينها قرأ بروكسماير التوقعات امام غرينسبان واجبره على الاعتراف، لكن الاخير قال له ان هناك اختلافا كبيرا بين ان تتوقع شيئا وانت في الادارة وبين ان تتوقع وانت خارج نطاقها».
ولم يكن امام السيناتور سوى ان يصرخ قائلاً: «كل واحد من الذين تناوبوا على رئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين ارتكب الاخطاء ذاتها، لكن فشلهم لم يصل الى الدرجة التي كنت عليها».
وفي نهاية الحديث، قال بروكسماير: «اتمنى عندما تتسلم مهام مجلس الاحتياط الفدرالي، ان تكون جميع الامور وردية، اذ لا يمكن ان تكون دائما على خطأ».
وهنا رد عليه «المايسترو»: «كل ما استطيع قوله ايها السيناتور انني كنت اكثر من ناجح في بقية المناصب التي توليتها في حياتي».
لعل غرينسبان يكذب عند هذه النقطة، او يحاول تعديل تاريخه.
تاريخ حافل بالمصائب
دعونا نراجع بعض الأمثلة من سجل غرينسبان قبل تعيينه كرئيس للاحتياطي الفدرالي في السابع من يناير من عام 1973.
ففي حديث مع صحيفة نيويورك تايمز دعا غرينسبان الى التفاؤل بشأن اوضاع السوق وقال: «انه من النادر جدا ان تجد شخصا متفائلا في هذه اللحظة».
لكنه كان مخطئا الى درجة بعيدة، اذ انه بعد اربعة ايام فقط من كلامه، ارتفع متوسط مؤشر داو جونز الى 1051 نقطة، ثم انخفض بعد ذلك بنسبة 46 في المائة، وكان اسوأ ركود تتعرض له البلاد منذ الكساد العظيم. لكن خطأ غرينسبان لم يكن الوحيد ابان تلك الفترة، ففي الخامس من سبتمبر من عام 1974، وبعد يوم واحد على تأديته القسم في مجلس المستشارين الاقتصاديين، صرح غرينسبان قائلا: «لن يتعرض النشاط الاقتصادي في البلاد لأي انخفاض دراماتيكي». غير ان ما حصل بدقة هو تعرض هذا النشاط لانكماش بنسبة 5،8 في المائة منذ منتصف عام 1974 وحتى الفترة ذاتها من العام الذي تلاه. ولم يكتف «المايسترو» عند هذا الحد، فقد عاد مرة اخرى ليصرح بأن الاسوأ لم يأت. بعد وهذا ما لم يحدث، اذ انتهت فترة الركود منذ بداية مارس من عام 1975.
يكفي أن نقول ان الانكماش الاقتصادي خدع غرينسبان سواء في تلك الفترة او بعدها.
الأمثلة كثيرة ولعل أحد أبرزها الحكم الخاطئ الذي أطلقه عندما كان مستشارا في «تاونسند غرينسبان»، ولم يتضح هذا الخطأ الا عندما اصبح رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي، والذي كان يدور حول وجهةنظره المتزمتة عن العمليات التجارية للقروض والمدخرات في منتصف فترة الثمانينات.
ونشأت عن هذه العمليات أزمة قروض ومدخرات أدت الى حدوث ركود في بداية فترة التسعينات. إذ قادت السياسات المتهورة وعلى رأسها ما يخص المدخرات والقروض الى انهيار تلك الصناعة بأكملها.
انعدام فهم
إن انعدام فهم غرينسبان لما يتعلق بعمليات الاقراض الخارجة عن السيطرة في تلك المؤسسات، كان سببا في الانكماش الاقتصادي، ولم يدرك الاخير مدى خطورة الوضع الا عندما استفحل الأمر، رغم أنه ادعى لاحقا أنه لم يتوقع حدوث أزمة قط، بل انه اتخذ تدابير صارمة للحد مما هو أسوأ.
لكن بطريقة أخرى، كانت أزمة القروض والمدخرات بادرة لعمليات الاقراض غير المنظمة والسهلة والتي أدت الى أزمة السكن عام 2007.
وفي شهادته التي قدمها أمام هيئة المصارف التابعة لمجلس الشيوخ الاميركي، قال غرينسبان في شرحه لما قام به الفدرالي وأسباب القيام بذلك: «في ربيع عام 1989، بدأنا بتخفيف الشروط النقدية عندما لاحظنا أن آثار القيود في الموازنة العامة أفرزت الانفاق، كما بدأ المقترضون بمعارضة فكرة توسيع الائتمان، وهي ظاهرة غالبا ما يشار اليها بـ «الازمة الائتمانية». وفي مسعى لتخفيف هذه القيود المالية، قمنا بتخفيض معدلات الفائدة على المدى القصير في سلسلة طويلة من الخطوات في صيف عام 1992، وابقينا على المعدلات ضمن مستويات منخفضة على غير العادة حتى نهاية عام1993».
بغض النظر عما اذا كان ما قام به الفدرالي تقييما دقيقا للموقف ام لا، فان غرينسبان لم يذكر ابدا في تفسيره اعلاه ان الخطوات التي اتخذها الفدرالي كانت مرتكزة بشكل جزئي على توقعات غرينسبان، وبدا ذلك واضحا من خلال شهادته السابقة قبل اربع سنوات من تلك الحادثة.
وفي يناير من عام 1990، قدم غرينسبان شهادته امام اللجنة الاقتصادية المشتركة.
مراجعة
قام غرينسبان بتخفيض معدل الفائدة بشكل كاف عندما كان لا يزال واثقا بان الاقتصاد سيعود للنمو مجددا.
الا انه وبسبب عدم ادراكه للانتعاش، تماما كما غاب عنه الانكماش الاقتصادي، خفض معدلات الفائدة بدرجة كبيرة جداً، وابقى على ذلك لمدة طويلة، وبذلك حفز الاسواق المالية بطريقة مبالغ فيها.
ومن خلال ذلك، نجح في تحويل اهتمام كبار المستثمرين من الاستثمار في شهادات الايداع والسندات الى الاسهم في محاولة يائسة لاسترجاع عوائدهم التي فقدوها في السابق.
ان خطوات غرينسبان في ما يتعلق بمعدل الفائدة يعزز تقييما ناقداً لفهمه للبيئة الاقتصادية في الفترة ما بين 1989 وبداية عام 1994.
ففي العام 1994، تبرز نقاط كثيرة حول آلان غرينسبان. اولا دعونا نلقي نظرة على الظروف الاقتصادية كما وصفها في شهادته امام مجلس الشيوخ في السابع والعشرين من مايو من عام 1994: «منذ بداية الربع الاخير من عام 1993، ورغم ان التأثيرات الممتدة للسياسة النقدية في الاعوام القليلة الماضية قد زادت بشكل واضح، فان اجمالي الناتج المحلي ارتفع، واصبحت القوة دليلا خاصا في القطاعات التي لديها حساسية اتجاه الفائدة، واصبح الاستثمار التجاري قوياً جداً.
وبدأت المساكن بالارتفاع في الاشهر الثلاثة الاخيرة من ذلك العام الى اعلى مستوياتها منذ اربع سنوات، وعلى الرغم من انها عادت للانخفاض في الاونة الاخيرة، الا انها بقيت عند معدل 18 في المائة في العام الماضي، كذلك تميز الطلب على المركبات بالقوة ووصل انتاج الكثير من السيارات والشاحنات الخفيفة الى الذروة، علاوة على ذلك مع تحسن الشروط الاقتصادية في بلدان اقتصادية اخرى، ارتفع نمو الصادرات التجارية بشكل ملحوظ، كما زاد استخدام الطاقة الصناعية بشكل عام الى 83،5 في المائة، وهو اعلى معدل منذ اواخر الثمانينات، كما تم خلق اكثر من مليوني وظيفة خلال الاشهر الاثني عشر الاخيرة، وانخفض معدل البطالة بنحو كبير، ونظرا الى الظروف المالية والاقتصادية التي باتت اقوى، فانه اصبح واضحا مع بداية عام 1994 ان مهمة السياسة النقدية في الاعوام القليلة الماضية قد انجزت».
وبعد ان اعلن انتصاره في النهاية على الانخفاض الاقتصادي الذي ارّقه في نهاية عام 1989، بدا غرينسبان جاهزا لمناقشة افكاره المتعلقة برفع الفائدة بقوله: «بما اننا وصلنا الى هدفنا، واجهنا سؤالا فيما اذا كان هناك هدف مقبول في الحفاظ على المستوى التحفيزي لمعدلات الفائدة في عام 1993، والجواب لا، لكن السؤال الذي بقي راسخا هو كيفية تطبيق هذا التحول».
أزمة التوليب الهولندية
من النادر حدوث الفقاعات، حتى في ظل غياب ضمان البنك المركزي. ولعله من الجدير بالذكر الاستشهاد بأزمة التوليب التي حدثت في أوائل القرن السابع عشر ومقارنتها بفقاعات غرينسبان، إذ شهد الهولنديون خلال تلك الحقبة انتعاشا اقتصاديا عزز ازدهار تجارة الأقمشة، ووصلت خلالها اسعار السكن والانشاء إلى أعلى مستوى لها. وكانت بذور التوليب رمزا خاصا بأصحاب الثروات. وكان من يملك بذور هذه الزهرة يعد رمزا للقوة و«البريستيج».
ومع انتشار بذرة التوليب، أدركت الطبقة المتوسطة حجم الثروات التي تنفق على هذه البذور وحجم الثروات التي يجنيها أصحابها من بيعها وشرائها. وفي ذلك الوقت، وصل متوسط الدخل السنوي للفرد في امستردام إلى حوالي 150 فلورين، لكن البذرة الواحدة كانت تباع بستة اضعاف هذا المبلغ.
وآنذاك اصبحت الحانات كأسواق الاسهم لتداول تجارة التوليب، وكانت العامة تتجمع هناك من أجل البيع والشراء.
وتهافت المزارعون واصحاب المخابز وصانعو الأحذية على هذه التجارة التي رأوا فيها طريقة سهلة لجني الأموال دون مخاطرة. وباعوا محالهم ومزارعهم ومنازلهم للتداول ببذور التوليب.
وفي قمة الفقاعة ارتفعت الاسعار عشرين ضعفا في شهر واحد. وفي فبراير من عام 1673، انهار سوق التوليب فجأة وانهارت معه أسعار بعض أكثر البذور غرابة في ستة اسابيع من 75 الف دولار الى دولار واحد. وعندها هب الذعر، وأفلس آلاف المواطنين الهولنديين.
وتوضح لنا أزمة التوليب أنه أحيانا عندما تكون أحوال السوق مناسبة، يهيمن جنون المستثمرين وتلي ذلك نتائج غريبة. لكن عندما تواجه الأحوال الاقتصادية السليمة بنكا مركزيا يميل لطبع الأموال، لا بد ان تنتج فقاعة كبيرة ومدمرة. وهذا ما حدث بالفعل في الولايات المتحدة في نهاية العشرينات من القرن الماضي، إذ أدت آثار الفقاعة إلى الكساد العظيم.
صب الزيت على النار
في نهاية التسعينات، اتخذ غرينسبان دورا أكثر فاعلية في العملية من أي عضو آخر عمل في الفدرالي.
إذ انه ومن خلال صب الزيت على النار الذي جاء على شكل اموال رخيصة التكلفة او من خلال ارشاد الناس للمضاربة، كان غرينسبان المتهم الرئيسي في تطور الفقاعة.
ومع أنه لم يكن السبب الوحيد في حدوث تلك الفقاعة، الا انه لولا رعايته لما نمت المشكلة بالدرجة والحجم اللذين وصل كلاهما إليه في زمنه.
لقد ساهمت مجموعة عوامل الى جانب سعي غرينسبان باستمرار لصب الزيت على النار في شكل أموال رخيصة التكلفة بإقناع المستثمرين ان الخطر الحقيقي الوحيد الذي يصاحب الأسهم هو عدم امتلاكها.
باختصار، لقد كانت حقبة خصبة بشكل لا يصدق بالنسبة للمضاربة، وبما أن غرينسبان يتحكم بمركز القوة، فإنه من السهل ان تعرف سبب المضاربة.
لكن ما ليس واضحا هو سبب تصرف غرينسبان على ذلك النحو، لكنه في الإمكان القول ان السبب في ذلك هو ان «المايسترو» كان مفتونابمفهوم الانتاجية.
الكاتبان من هما؟
ويليام فليكنشتاين
يعمل ويليام فليكنشتاين كرئيس لشركة ادارة الاموال «فليكنشتاين كابيتال» ومقرها في سياتل، ويكتب عمودا يوميا في موقعه الالكتروني www.fleckensteincapital.com حول السوق، اضافة الى انه يكتب عمودا معروفا لمصلحة موقع «إم إس إن توديه» بعنوان «كونتراريان كرونيكليز».
فريدريك شيهان
يعمل فريدريك شيهان مديراً لقسم خدمات توزيع الاصول في شركة «جون هانكوك» للخدمات المالية في بوسطن، كما يعمل على اعداد سياسات استثمارية وخطط لتوزيع الاصول لمصلحة صناديق تقاعد مؤسساتية.
واعتاد شيهان اعداد تقارير شهرية تتناول مراجعة فصلية للسوق ونظرة عامة عنه لمصلحة عملاء منذ عام 1990 وحتى 2001.
كما كان يكتب مقالات عديدة في جهات مختلفة وساهم في الفترة الاخيرة بكتابة مقالات كثيرة لمصلحة ويسكي آنذ غانباودر» وموقع «برودينت بير» الالكتروني.
غرينسبان يصف التكنولوجيا بـ«الصلصة السرية» للاقتصاد الأميركي (2-3) ملك الفقاعة يتحول من مكافحها إلى نافخ فيها
ترجمة: رزان عدنان
خلّف خروج آلان غرينسبان من مجلس الاحتياطي الفدرالي بعد 19 عاما من رئاسته، جدلا واسعا، بسبب سياساته خلال تلك المدة وما نتج عنها أخيرا من فقاعات وأزمات اقتصادية.
في حين يرى البعض أن الفترة التي تولى فيها غرينسبان رئاسة مجلس الاحتياطي، الفدرالي كانت محاطة بالرفاهية، يعارض البعض الآخر بالقول ان قراراته أدت نوعا ما إلى القضاء على النظام المالي الأكبر في العالم.
يتناول كتاب «فقاعات غرينسبان.. عصر الجهل في الاحتياطي الفدرالي» للمؤلف ويليام فليكنشتاين ومساعده فريدريك شيهان ابرز الأخطاء التي ارتكبها غرينسبان خلال عهده وما نتج عنها من فقاعات لا يزال أثرها حاضرا وبقوة إلى الآن في الأسواق الأميركية والعالم.
فمنذ نهاية الثمانينات وحتى اليوم، يبدو أن «المايسترو» كما يفضل أحد الصحافيين تسميته، لم يرتكب أي خطأ. فقد وضع معدلات الفائدة عند مستوياتها الصحيحة، كما يصر مناصروه على قول هذا، كما اشرف على اقتصاد نادرا ما يتعرض للانزلاق نحو الركود أو الأزمات، وعندما يجنح الاقتصاد عن الطريق الصواب، فإن مجلس الاحتياطي الفدرالي برئاسة غرينسبان سرعان ما يتصدى للأزمة عبر طبع الدولارات أو تخفيض معدلات الفائدة.
لقد بدا المستقبل براقاً في عهده، واستطاعت الدولارات المطبوعة الجيدة ومعدلات الفائدة المنخفضة تحفيز الاصول الاستثمارية والعقار.
لكن الحقيقة تقول ان معظم قرارات غرينسبان كرئيس مجلس ادارة للفدرالي منذ الحادي عشر من اغسطس من عام 1987 وحتى الحادي والثلاثين من يناير من عام 2006 لم تكن جميعها في مصلحة المستثمر، وحتى الولايات المتحدة. وسيعيش معظم الاميركيين اياماً اسوأ لاحقاً بسبب ادارة غرينسبان.
ويتساءل البعض قائلا: «كيف يمكن لرئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي ان يكون مخطئاً لهذه الدرجة؟» والاجابة هي ان غرينسبان اخطأ باستمرار عندما كان يصر على ابقاء معدلات الفائدة عند مستويات منخفضة جداً، وعندما تقع مشكلة يقوم بحلها من خلال تخفيض معدلات الفائدة مرة اخرى. والنتيجة انه خلال فترة رئاسته، شهدت الولايات المتحدة فقاعة في الاسهم تبعتها فقاعة اخرى في القطاع العقاري. ومنذ تسلمه منصبه لم تشهد البلاد فقاعات كهذه منذ خمسين عاماً.
يعتبر عام 1995 بداية لأكبر فقاعة سوق أسهم شهدتها البلاد. لقد فُت.نَ كبار المستثمرين حينئذٍ بشبكة الإنترنت والشبكات المالية الجديدة مثل «سي إن بي سي»، وكانوا يثقون بأنهم يملكون المعرفة في كيفية الاستثمار لمصلحتهم، وأن لديهم الحق في أن يكونوا أثرياء.
إضافةً إلى هذا، صب غرينسبان الزيت على النار عندما خفض من معدلات الفائدة بشكل مستمر.
وسجل شهر يوليو من عام 1995، بداية أكبر فقاعة يشهدها سوق الأسهم في الولايات المتحدة. وقد يسأل أي عاقل في الدنيا عن سبب تحول غرينسبان من موقع المكافح للفقاعة إلى النافخ فيها في فترة وجيزة من الزمن. والإجابة الوحيدة على ذلك هي «خياله».
إذ خفض «المايسترو» من معدل الفائدة من دون وجود دوافع كبيرة لذلك، كما لم يقدم غرينسبان دليلاً واحداً ضرورياً في نسخة أعدها آنذاك لتخفيض معدل الفائدة من 6 في المائة إلى 5.75 في المائة.
واعترف غرينسبان في أحد نصوص النسخة التي قدمها خلال لقاء عقد في يوليو من عام 1995 يقول فيها: «وصلت الى نتيجة مفادها انه مع تقلص المخاطر، فانه لا ضرورة للتعجل، وان كنت اعتقد بوجوب التحرك حتى يتسنى لنا الدفاع عن فكرة البقاء على الوضع الحالي، الا اذا كانت ضغوط التضخم ما زالت تتفاقم».
لكن ماذا عن الفقاعة التي لم يكافحها غرينسبان إلا من خلال الكلام، وادعى في وقت لاحق أنه ناضل ضد الأمر هذا بجدية. إنه لم يذكر الفقاعة أبداً في كلامه هذا. مما يجعلنا نعتقد أن غرينسبان لم يكن جاداً في مكافحتها.
وبعد مناقشة تلت مطالبته بتخفيض معدلات الفائدة، يبدو أنه لا يوجد أحد في مجلس الاحتياط الفدرالي قد سمع بكلمة فقاعة أو كان مهتماً بها.
وبعد التصويت على موضوع تخفيض معدل الفائدة في المجلس، سأل أحدهم إذا كان هناك بيان صحفي. إلا أن غرينسبان أجاب: أنا آسف، المسودة ستكون كما يلي: «أعلن رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي آلان غرينسبان أن اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح قد قررت تخفيض درجة الضغوط على مراكز الاحتياط بعض الشيء، نتيجة لتقييد الضغوط التضخمية بما يكفي لمواءمة التعديل البسيط في الظروف النقدية».
لقد كان واضحاً أن غرينسبان حضّر النص مسبقاً، واعترف بهذا لاحقاً في اللقاء.
وقرر تخفيض المعدلات، وبدا واضحاً أنه لا يوجد هناك من سيوقفه. بل إن أحدهم لم يحاول إيقافه حتى.
في هذه الفترة من ذلك العام، ارتفع سوق الأسهم تقريباً بنسبة 20 في المائة مقارنة مع بداية العام السابق.
ويبدو أنه وبشكل غير قابل للتوضيح عند نهاية عام 1995، لم يكن هناك حديث جديد من قبل غرينسبان عن الفقاعة، حتى ان السوق ارتفع تقريباً بنسبة 35 في المائة مقارنة بأول مرة، تم الحديث فيها عن الفقاعة.
عصر الاضطراب
في السادس من سبتمبر 2007، وقبل فترة قصيرة من إطلاق غرينسبان سيرته الذاتية بعنوان «عصر الاضطراب»، ألقى خطاباً في «واشنطن دي سي»، ذكرت على هامشه صحيفة وول ستريت جورنال أن رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي ادعى أنه لم يكن بالإمكان إيقاف الفقاعات عن طريق القيود المتزايدة ما بين عامي 1994 و1995، لكنه عندما أوقف القيود، بدأت الأسعار في التصاعد.
وذكر غرينسبان أيضاً قائلاً: «لقد حاولنا القيام بذلك مرة أخرى في عام 1997 وحدثت الظاهرة ذاتها».
ويبدو من خلال الأحداث أنه بالكاد حاول إيقاف القيود، وكانت النتائج أوسع من محاولاته في عام 1995، لكن الظاهر أنه حقاً لم يهتم لذلك.
فقد كان يؤمن بعصر جديد. وما بين عصره الجديد ومهارته لم يكن هناك ما يخفيه، إذ إنه وفي لقاء اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح في الخامس والعشرين من مارس 1997، لم يكن خطابه سوى عظة يتحدث فيها عن روعة الاقتصاد بعيداً عن أي نقاش جدي يتناول حل الفقاعة التي حدثت.
وعقب ذلك الاجتماع، ارتفعت معدلات الفائدة إلى 5.5 في المائة للمرة الأولى منذ عامين، وكانت المرة الأخيرة لمدة 15 شهراً تبعها ثلاث عمليات لخفض الفائدة.
هبوط الروبل
تسبب هبوط العملة الروسية (الروبل) وحدة انهيار إدارة رأس المال على المدى الطويل في عام 1998، في انخفاض مؤشر استاندرد آند بورز 500. وخفض غرينسبان من معدلات الفائدة في سبتمبر من ذلك العام إلى 5.25 في المائة. وبرأ الأخير نفسه في كتابه» عصر الاضطراب» من التهمة التي يستحقها بسبب إجراءاته غير المسؤولة – والمتهورة بالفعل- في الأعوام الأخيرة، التي تسببت في فقاعة أصابت سوق الأسهم.
ويفسر في كتابه قائلاً: «لقن المستثمرون مجلس الاحتياطي الفدرالي درساً. في الوقت الذي كان وزير الخزانة بوب روبن على حق. إذ لا يمكنك إخطار المستثمرين في حال تعرضت قيمة السوق للمبالغة، كما أنه لا تمكنك السيطرة على قوى السوق. واتضح في ما بعد أن هذا الازدهار هو نتيجة ثروة الأوراق المالية، في الوقت الذي كانت تشغلنا قضية الإنتاجية واستقرار الأسعار والأوجه الأخرى لما بات يسميه الناس الاقتصاد الحديث. لقد أخذنا نبحث عن طرق أخرى للتعامل مع مخاطر الفقاعة. لكننا لم نرفع من معدلات الفائدة، ولا حاولنا حتى كبح اسعار الأسهم مجددا».
النقاط المتنوعة التي جاءت على لسان غرينسبان.
1ــ من المضحك جداً القول ان المستثمرين لقنوا الفدرالي درساً. إذ إن ما قاموا به لم يكن سوى ردة فعل على السياسات التي كان الفدرالي يواصلها والمتمثلة بالسعي الحثيث لخفض معدلات الفائدة.
2ــ إن اقحام اسم بوب روبن كسبب في حدوث الفقاعة، ومحاولة إلقاء جزء من اللوم عليه أمر غير مبرر، إذ لم يكن روبن يملك شيئاً للتدخل في السياسة النقدية.
3ــ لم تشهد أواخر فترة التسعينات مبالغة بسيطة في تقييم السوق، إذ لم تعش الولايات المتحدة فقاعة كبيرة بحجم تلك التي حدثت إبان عهد غرينسبان.
4ــ ذكر غرينسبان أنه لا يستطيع محاربة قوى السوق، لكن كما سنرى فإن الأخير فعل ذلك على نحو متواصل.
على سبيل المثال، سمح رئيس مجلس الفدرالي السابق بول فولكر برفع معدلات الفائدة إلى 20 في المائة، في محاولة منه لإعاقة عودة معدلات التضخم المتضاعفة في بداية الثمانينات. غير أن غرينسبان قام بخفض معدل الفائدة.
وحتى لو لم يكن الأخير يعرف ان الإجراءات التي اتخذها ستؤدي في نهاية المطاف إلى أزمة، فإنه ساهم من دون أدنى شك في حدوث فقاعة، كلما سنحت الفرصة.
5ــ ذكر غرينسبان أنه اتخذ طرقاً أخرى للتعامل مع مخاطر الفقاعة، إلا أنه لا توجد بيانات تدعم صحة مزاعمه.إذ إنه لم يقم باتخاذ أي خطوات فاعلة في هذا الصدد، وحتى عندما تضخمت الفقاعة، لم يرها.
فلو كان هذا صحيحاً وأنه قام بكبح الفقاعة، لكان رفع معدلات الفائدة بشكل حاد، ومتطلبات هوامش الربحية أو أحد منهما.
إضافةً إلى ذلك، كان بإمكان غرينسبان تقييد المخاطر التي أفرزتها الفقاعة أو استخدام بعض الأدوات الأخرى التي يمكلها الفدرالي.
6ــ لعل الجملة الأخيرة التي ختم بها تصريحه هي أكثر ما يغيظ، فعندما قال:» لم نحاول أبداً إطلاق العنان لأسعار الأسهم مرة أخرى»، بدا غرينسبان وكأنه يروي قصة قصيرة، مفادها أن الثراء عم على الجميع وأننا من دون استثناء عشنا في سعادة بعد إجراءاته المتخذة.
في الحقيقة، ان جميع ما ذكره غرينسبان عار عن الصحة. فكما نعرف أن فقاعة الأسهم انهارت وأن الأخير دفع معدلات الفائدة للانخفاض عند واحد في المائة على ضوء الانهيار، الأمر الذي صعّد من فقاعة العقار التي لا تزال منتشرة في الولايات المتحدة حتى تاريخ كتابة هذا الكتاب.
عمليات الاكتتاب العام
يبدو أن هناك من لاحظ أزمة عمليات الاكتتاب العام من مجلس الاحتياطي الفدرالي أخيراً. ففي الحادي والعشرين من ديسمبر، وفي لقاء لللجنة الفدرالية للسوق المفتوح، لاحظ عضو الفدرالي مايك بريل أن الفقاعة الخطيرة في الطريق. ووصف الوضع بدقة خلال اللقاء.
الا أن تقييمه الدقيق لبيئة عمليات الاكتتاب العام لقي آذاناً صماء.
ولم يزعج أي عضو من أعضاء اللجنة بمن فيهم رئيس المجلس بالسؤال عما وصفه بريل، وكأنه كان يقرأ لائحة مشتريات.
وأعتقد أن سياسة غرينسبان غير المسؤولة، أثارت عمليات المضاربة الهائلة التي أدت الى صعود أسعار أسهم شركات الانترنت الى مستويات مرتفعة، وكانت مبهمة بالكامل.
واستطاعت أسعار الأسهم المرتفعة والثروة التي تراكمت بين ايدي أصحاب تلك الأسهم وما نتج عن تلك الثروة ايهام الناس أنهم يرون المستقبل جيداً.
في الحقيقة، لم يكن أحدهم يعرف ما سيؤول اليه جنون الانترنت.
وفي عام 2000، ذكرت دراسة أعدتها الأكاديمية الوطنية للمهندسين أنه تم تصنيف الانترنت في المركز الثالث عشر من أصل عشرين مرتبة من حيث أعظم الأعمال الهندسية الفذة خلال القرن العشرين، وجاء بعد الكهرباء والسيارات والطائرات والحاسوب والتلفونات.
ومع الصخب الذي رافق الفقاعة، بدا غرينسبان وكأنه أصبح مفتوناً بشكل أكبر بالتكنولوجيا، وتأثيرها على الانتاجية، وامكانية دخول عصر جديد.
وتطوعت «وول ستريت جورنال» باطلاق مسمى «الاقتصاد الجديد» على هذه المرحلة.
وفي الثالث عشر من يناير من عام 2000، قال غرينسبان في خطاب له بعنوان: «التكنولوجيا والاقتصاد»: «ان تكنولوجيا المعلومات هي التي تحدد هذه الفترة المميزة. والسبب في ذلك أن الابتكار المعلوماتي ينطوي في جذور الانتاجية والنمو الاقتصادي. وان مساهمة التكنولوجيا الرئيسية تكمن في تخفيض عدد ساعات العمال المطلوبة لخلق الناتج الوطني».
وذهب غرينسبان بعيداً ليشرح سبب وصفه التكنولوجيا بالصلصة السرية في هذه العملية بقوله: «قبل توافر ثورة المعلومات هذه، كانت معظم القرارات التجارية في القرن العشرين مكبلة بعدم استقرار شامل، لكن التطورات الأخيرة أكدت على أهمية تكنولوجيا المعلومات»، ومن ثم قال رئيس الاحتياطي أن اسعار الأسهم المرتفعة كانت مجرد مكافآت لأولئك الذين خاضوا مخاطر استثمار رأس المال.
انفجار الفقاعة
عزز الحماس المنتشر للتكنولوجيا وخاصة أسهم شركات الإنترنت من فقاعة سوق الأسهم التي انفجرت فيما بعد على نحو كبير.
وبعد طباعة الفدرالي المزيد من الأموال، والمحافظة على معدلات الفائدة عند مستويات منخفضة، بدا أنه لا توجد حدود لارتفاع أسعار الأسهم، غير أن الرخاء الذي عاشته أميركا لم يكن سوى وهم.
ففي نوفمبر من العام 1999، وصل معدل الفائدة إلى 5.50 في المائة، ولم يكن لهذا الارتفاع أي تأثير على المضاربين الذي سرعان ما اكتشفوا أن الفدرالي لا يشكل أي تهديد لهم.
ومع توجس الجميع من مشكلة الألفية وهي المخاوف التي أثيرت من عدم قدرة أجهزة الحاسوب في نهاية عام 1999 على التحول تلقائياً من ألفية إلى ألفية جديدة، كان الوضع العام مضطرباً للغاية.
وفي مقالة لي نشرت في تاريخ العاشر من نوفمبر من العام 1999 على موقع «سي إن بي سي ماركت ووتش»، ذكرت نماذج بسيطة تصف كيف سيكون عليه شكل الاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة، ووصفت ارتفاع اسهم شركات الإنترنت، التي انخفضت فيما بعد بنسبة 90 في المائة عندما انكمشت الفقاعة.
وفي الفترة ما بين 10 سبتمبر ولغاية 20 سبتمبر من عام 1999، طبع الفدرالي أموالاً كانت تكفي لانفجار الإجمالي الواسع للعرض النقدي بنحو 147 مليار دولار والذي كان معدل نموه السنوي يبلغ 14.3 في المائة.
في الحقيقة، جاءت هذه الأموال المطبوعة لتفسر على نحو واضح سبب تشكل الفقاعة.
فمنذ فبراير عام 1996 ولغاية أكتوبر من عام 1999، توسع العرض النقدي حسب معيار واحد بحوالي 6.1 تريليونات دولار أو 20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وعند ذلك المعدل، قد يتضاعف العرض النقدي كل ثماني سنوات.
ومن السهل جداً معرفة سبب سخرية المساهمين في الفقاعة من رفع معدل الفائدة في السادس عشر من نوفمبر.
إذ أفرزت سياسات غرينسبان التي تتمثل في ضخ الأموال لتبديد مخاوف مشكلة الألفية وما يتعلق بمعدلات الفائدة ذعراً خارجاً عن السيطرة.
كذلك قفزت عمليات الاكتتاب العام بمقدار كبير في اليوم الأول إن يكن في الساعات الأولى من التداول.
وقفز سهم شركة كوبالت نيتورك إلى 482 في المائة، كذلك قفز سهم شركة «فاوندري نيتورك» إلى 525 في المائة، وحلق سعر سهم «أكاماي تكنولوجيز» إلى 458 في المائة.
م يعترف بأخطائه أو يصلحها بل كررها مرات عدة خلال 19 عاما (3-3) غرينسبان سيد انزلاق الولايات المتحدة والعالم.. نحو الأزمة المالية
ترجمة: رزان عدنان
خلّف خروج آلان غرينسبان من مجلس الاحتياطي الفدرالي بعد 19 عاما من رئاسته، جدلا واسعا، بسبب سياساته خلال تلك المدة وما نتج عنها أخيرا من فقاعات وأزمات اقتصادية.
في حين يرى البعض أن الفترة التي تولى فيها غرينسبان رئاسة مجلس الاحتياطي، الفدرالي كانت محاطة بالرفاهية، يعارض البعض الآخر بالقول ان قراراته أدت نوعا ما إلى القضاء على النظام المالي الأكبر في العالم.
يتناول كتاب «فقاعات غرينسبان.. عصر الجهل في الاحتياطي الفدرالي» للمؤلف ويليام فليكنشتاين ومساعده فريدريك شيهان ابرز الأخطاء التي ارتكبها غرينسبان خلال عهده وما نتج عنها من فقاعات لا يزال أثرها حاضرا وبقوة إلى الآن في الأسواق الأميركية والعالم.
فمنذ نهاية الثمانينات وحتى اليوم، يبدو أن «المايسترو» كما يفضل أحد الصحافيين تسميته، لم يرتكب أي خطأ. فقد وضع معدلات الفائدة عند مستوياتها الصحيحة، كما يصر مناصروه على قول هذا، كما اشرف على اقتصاد نادرا ما يتعرض للانزلاق نحو الركود أو الأزمات، وعندما يجنح الاقتصاد عن الطريق الصواب، فإن مجلس الاحتياطي الفدرالي برئاسة غرينسبان سرعان ما يتصدى للأزمة عبر طبع الدولارات أو تخفيض معدلات الفائدة.
لقد بدا المستقبل براقاً في عهده، واستطاعت الدولارات المطبوعة الجيدة ومعدلات الفائدة المنخفضة تحفيز الاصول الاستثمارية والعقار.
لكن الحقيقة تقول ان معظم قرارات غرينسبان كرئيس مجلس ادارة للفدرالي منذ الحادي عشر من اغسطس من عام 1987 وحتى الحادي والثلاثين من يناير من عام 2006 لم تكن جميعها في مصلحة المستثمر، وحتى الولايات المتحدة. وسيعيش معظم الاميركيين اياماً اسوأ لاحقاً بسبب ادارة غرينسبان.
ويتساءل البعض قائلا: «كيف يمكن لرئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي ان يكون مخطئاً لهذه الدرجة؟» والاجابة هي ان غرينسبان اخطأ باستمرار عندما كان يصر على ابقاء معدلات الفائدة عند مستويات منخفضة جداً، وعندما تقع مشكلة يقوم بحلها من خلال تخفيض معدلات الفائدة مرة اخرى. والنتيجة انه خلال فترة رئاسته، شهدت الولايات المتحدة فقاعة في الاسهم تبعتها فقاعة اخرى في القطاع العقاري. ومنذ تسلمه منصبه لم تشهد البلاد فقاعات كهذه منذ خمسين عاماً.
رغم أوامره المماثلة السابقة، فإن مجلس الاحتياط الفدرالي رفع معدلات الفائدة بمعدل ربع نقطة مئوية الى 5.75 في المائة في الثاني من فبراير من عام 2000، بذلك عادت معدلات الفائدة الى مستوياتها ذاتها قبل نحو خمسة أعوام أي في بداية يوليو 1995.
ومع أن اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح رفعت من معدلات الفائدة، فإنها قامت بذلك بسبب مخاوف التضخم.
ولم يؤثر هذا الاجراء على سوق الأسهم، اذ وصل الى أعلى مستوى مرتفع له منذ 25 عاماً، وبلغ معدل الارتفاع 9 في المائة.
وبعد أسبوع واحد من ارتفاع معدل الفائدة، ذكرت شركة «سيسكو» في تقريرها الفصلي أنها سجلت أداءً جيداً خلال ربع واحد وتوقعت أن يتجه سعر سهمها نحو الصعود. الذي بلغ 10 دولارات. وفي تلك اللحظة كان يمكن تقييم السهم باكثر من 150 ضعفا من حيث الارباح واكثر من 40 ضعفا من حيث العائدات.
لكن السؤال الذي يطرح نقاطاً عدة هو هل يمكن لسهم أن يصل الى ذلك المستوى المرتفع من السعر؟
لقد قالت محطة «سي ان بي سي» تلفزيون الفقاعة كما أسميها بأن «سيسكو» قد تكون أول شركة تصل قيمتها السوقية الى تريليون دولار.
على أي حال، كل شيء ممكن في ظل هذا الصخب. لكن دعونا نمحص قليلاً في الأرقام الموجودة، ان القيمة السوقية لشركة سيسكو في ذلك الوقت بلغت 500 مليار دولار، لكن اجمالي الناتج المحلي للعالم ككل يبلغ أكثر من 30 تريليون دولار.
اذاً، هل يمكن أن تبلغ القيمة السوقية لشركة تريليون دولار، وعوائدها تصل الى 12 مليار دولار أو لنقل 15 مليارا أو 20 مليار دولار، أي حوالي 3 في المائة من اجمالي الناتج المحلي العالمي؟
ان اجمالي الناتج المحلي الأميركي هو 9 تريليونات فقط ، فهل يمكن لشركة واحدة بتلك العوائد أن تبلغ عُشْر اقتصاد أميركا؟ وكيف يمكن لأي أحد تخيل ما جرى؟
ان أحد العوامل التي دفعت الأسعار نحو الارتفاع الكبير هو الزيادة المفرطة في الديون الناتجة عن هوامش الربحية وساهم الفدرالي بتعزيزه بشكل خاص حتى يصل تأثيره الى ذلك المدى.
وكان بند لجنة الأوراق المالية و الصرف الصادر في عام 1934 قد خَّول الفدرالي تشريع قروض الوسطاء أو المعروفة باسم»ديون هوامش الربحية» والمستخدمة لشراء الأسهم.
وسمحت تلك القوانين لمدة 25 عاماً للمضاربين باقتراض أكثر من 50 في المائة من قيمة الأسهم التي اشتروها.
ووصل اجمالي ديون هوامش الربحية في فبراير من العام 2000 الى 265 مليار دولار.
وتبعاً لاجمالي الناتج المحلي، فان ديون هوامش الربحية كانت الأعلى في ذلك العام وذلك منذ عام 1929، وأعلى بمعدل ثلاثة أضعاف عما كانت عليه في أكتوبر من عام 1987.
الى هذا، طفا موضوع ديون هوامش الربحية على السطح في السابع عشر من فبراير عام 2000 عندما قدم غرينسبان شهادته أمام لجنة الاسكان التابعة لمجلس الشيوخ، كما فعل قبل ثلاثة أسابيع أمام اللجنة ذاتها في مجلس الشيوخ.
وعلى الرغم من أنه تم استجوابه على خلفية ذلك الموضوع من قبل السيناتور تشارلز شومر في السادس والعشرين من يناير، لكن غرينسبان ظل يكرر الرؤية التي سبق وتحدث عنها في شهادته السابقة والتي تقول ان متطلبات هوامش الربحية المرتفعة قد لا يكون لها أي تأثير على أسعار الأسهم.
وذكر غرينسبان في شهادته ان هذه المتطلبات قد تراعي المستثمرين الصغار ، علاوة على أن الدراسات قالت ان مستوى أسعار الأسهم لا يمكن أن يؤثر على متطلبات هوامش الربحية.
في الحقيقة، ليست لدي أي فكرة عن الدراسات التي أشار اليها في جملته السابقة. اذ لم تتم مناقشة أي دراسة خلال اجتماع اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح.
الا أنه قد يعني تلك الورقة الوحيدة الموجودة على موقع الفدرالي الالكتروني والمكتوبة بتاريخ 22 ابريل عام 1997 بوساطة بول كيوبيك بعنوان»
متطلبات هوامش الربحية، التذبذب،وسلامة السوق: ماذا تعلمناه منذ الأزمة؟».
على أي حال، لم تتم مناقشة تلك الورقة في أي من اجتماعات اللجنة.
علاوة على هذا، هناك أمثلة كثيرة تشير الى أن آراء رئيس المجلس الفدرالي عن فعالية متطلبات هوامش الربحية لم تتم مناقشتها من قبل مجلس التدقيق التشريعي.
21 مارس 2000
كان لقاء اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح في الحادي والعشرين من مارس من عام 2000، مشابهاً لغيره من الاجتماعات التي عقدت مسبقاً. وتم ذكر كلمة» سوق الأسهم» 20 مرة على الأقل. لكن من دون اشارة لتحذير ما.
ولاحظ أعضاء عدة في اللجنة الترابط غير العادي أو عدم وجوده أحياناً بين مؤشري ناسداك وداو جونز.
ولم يحفز التذبذب بين المؤشرين أحداً على مناقشته بجدية. كما أن غرينسبان لم ينبث ببنت شفة عن أسعار الأسهم أو علق حتى على قضية الترابط غير الطبيعي بين المؤشرين.
وبدا واضحاً أنه لا يملك أدنى فكرة أنه أحد الأسباب الرئيسية وراء ما يحصل.
وخلال تلك الجلسة لم ترد كلمة فقاعة ولا حتى كلمة متطلبات هوامش الربحية.
وكما لاحظت سابقاً لقد أعمت التكنولوجيا غرينسبان عن الفقاعة التي كانت واضحة أمام أعين الكل.
ومن جهة أخرى، وخلال اجتماع اللجنة الفدرالية في السادس عشر من مايو عام 2000، رفع الفدرالي معدل الفائدة نصف نقطة مئوية ليصل الى 6.5 في المائة ، وها هو الاجتماع ينتهي كسابقه، لكن مايك بريل قرع جرس الانذار وحذر من الفقاعة المضاربية. وكما كان حال تحذيراته السابقة، لم تلق سوى آذان صماء.
وأثناء الاجتماع، استخدم غرينسبان كلمة «سوق الأسهم» مرة واحدة لكنه مررها مرور الكرام. ورفع معدل الفائدة عند نصف نقطة مئوية لانه، وبحسب قوله: «تشير الدلائل الى أن الانتاجية لا تزال في تصاعد»، وقال رئيس الفدرالي بثقة: «أعتقد أن الزخم الحقيقي في الاقتصاد لا يزال قويا».
الأزمة السكنية
بعد أكذوبة «الاقتصاد الجديد»، وانفجار فقاعة التكنولوجيا، ها هو غرينسبان يتبنى مسألة السكن كمعجزة اقتصادية جديدة.
اذ انه بفضل معدلات الفائدة المنخفضة التي هي أقل من واحد في المائة، وبسبب الشروط السكنية المتساهلة، ازدهر العقار في السوق الأميركي. وعند هذه النقطة ولدت الفقاعة الجديدة.
من جانب آخر، لم تكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر في عام 2001 السبب الرئيسي في انخفاض سوق الأسهم أو ضعف الاقتصاد في أواخر عام 2001 و2002، رغم أنهما تأثرا بشكل سلبي وواضح من الهجمات الارهابية على الولايات المتحدة والنتائج التي تلت عنها.
وصحيح أنه بعد ذلك اليوم، وضعت جميع المشاكل المالية والاقتصادية اللوم على ما جرى، وان 11 سبتمبر فاقم من المشاكل الموجودة أصلاً، لكنه ليس أصل البلاء.
وعندما عاد التداول في سوق الأسهم في السابع عشر من سبتمبر من ذلك العام، ركزت في مقالتي على طبيعة المشاكل المالية التي تعاني منها البلاد والموجودة مسبقاً.
وشعرت بانه من الضروري أن يفهم الناس السبب الحقيقي وراء هذه المشاكل خصوصا أنهم يحاولون معرفة نتائج الهجمة الأخيرة.
ومما ورد في مقالتي آنذاك: «ان حقيقة الضغط الذي يمر به الاقتصاد وسوق الأسهم ما هو الا نتيجة الفقاعة التي امتدت طويلاً منذ نهاية التسعينات. وعلى عكس ما ذكرته وسائل الاعلام، فان الهجمات لم تقم سوى بمفاقمة اتجاهات كانت موجودة أصلاً. حتى ان الناس الذين بدأوا الاستفاقة من وهم امتلاك الأسهم بدأوا - لكن ببطء - استخلاص نتيجة مفادها أن سوق الأسهم قد يكون أخطر مما يعتقدونه».
فسوق الأسهم يتعرض للضغط منذ أعلى مستوى وصل اليه في مارس من عام 2000، كما ان آلان غرينسبان انزلق في أكثر من مناسبة وبدا واضحاً أنه لا يسيطر على الاقتصاد. ان الأحداث الأخيرة التي شهدناها سوف تفاقم من تلك العملية وستفرز انقسامات اجتماعية اقتصادية ستتضح ابعادها مع مرور الوقت.
في غضون ذلك، لم يجتمع أعضاء اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح سوى مرات قليلة في الأشهر الأخيرة من عام 2001، وناقش خلالها لبعض الوقت غرينسبان التكنولوجيا أو الانتاجية. وفي الاجتماع الذي عقد في السادس من نوفمبر من عام 2001، عّبر رئيس الفدرالي عن قلقه ازاء الاستقرار الاقتصادي في البلاد وقال: «ما زلنا نتوقع الاستقرار، لكن لا يوجد دليل عليه، واليوم نشهد وجهاً للتصاعد غير العادي الذي حدث في اقتصادات العالم في أواخر التسعينات نتيجة لانتشار العولمة، وأصبح التطور سيفا ذا حدين».
ان ما قاله غرينسبان أعلاه يشير الى أن العولمة هي السبب في خلق سنوات المجد التي عاشها العالم أواخر فترة التسعينات وليست التكنولوجيا أو الانتاجية كما كان يزعم سابقاً، وأننا في الولايات المتحدة نشهد حالياً انحدار هذا الاتجاه.
فقاعة العقار
مع بداية عام 2002 كانت لا تزال فقاعة العقار بعيدة. وفي السابع والعشرين من فبراير من العام ذاته، ظهر غرينسبان أمام لجنة الخدمات المالية السكنية. وبدأ شهادته بالحديث عن جهوده الجادة الأولى تجاه مراجعة التاريخ الذي اتضح في الأعوام الثلاثة السابقة. وعند مناقشته للمشاكل الاقتصادية، ركز على هبوط الطلب الذي حدث نتيجة زيادة الطاقة الاستيعابية التي تطورت اخيراً. وفشل غرينسبان في لفظ كلمة واحدة عن الفقاعة التي تسببت في زيادة العرض. وساعد على خلق الزيادة في العرض سوء توزيع رأس المال الذي جاء نتيجة مطاردة شركات الاتصالات والأنشطة التجارية المتعلقة بالانترنت.
وفي اللقاء ذاته، تطرق غرينسبان الى السبب المهم في الضعف الاقتصادي في ذلك الوقت بحسب رايه وقال: «ان انخفاض انفاق راس المال خلال العام والنصف المنصرم كان سبباً في التباطؤ الحاد الذي شهدناه في النشاط بشكل عام، كما ان الزيادة المفرطة في الانفاق على التكنولوجيا المتطورة التي حدثت في الأشهر ما بعد الألفية الجديدة لم تكن مستمرة. ومع أن الطلب على الكثير من شرائح التكنولوجيا الأحدث سريع النمو، لكن الطاقة الاستيعابية ازدادت بوتيرة أسرع».
في الحقيقة، ان الانفاق قبل وبعد الألفية الجديدة كان غير مستمر. ومع ذلك، يشير كلام غرينسبان الى أنه لا يرى أو لا يفهم.
والجدير بالذكر هنا أنه وخلال اللقاء قال غرينسبان: «ان جميع المنتجات المالية الجديدة والتي تشمل المشتقات والأوراق المالية المدعومة بأصول، والتزامات القروض المرهونة، والتزامات الرهون العقارية الاضافية،وما الى ذلك من تنوع الفرص أمام المقرضين،واعتماد المقترضين بشكل أقل على مؤسسات محددة من أجل التمويل بات يساهم في تطوير نظام مالي أكثر كفاءة ومرونة».
أنا لا أريد اقحام أنفي في هذا، لكن ألا تبدو هذه المصطلحات مألوفة؟ ان الأوراق المالية المدعومة بأصول والتزامات الرهون العقارية الاضافية والقروض المرهونة هي الأدوات ذاتها التي قادت الى أزمة السوق المالية في أواخر عام 2007، حيث تعرضت الكثير من المؤسسات المالية الضخمة لخسائر.
انه غرينسبان حقاً الذي يمجد فضائل أفكاره التي لا يفهمها كلها، ويمنحنا شعوراً بأنه سيأخذنا الى الأرض الموعودة، لكن بدلاً من ذلك، يتسبب لنا بذرف الدموع.
وفي الرابع والعشرين من نوفمبر من عام 2007، ادعى غرينسبان في أوسلو في النرويج بأنه لم يكن له دور في الفقاعة السكنية، وقال: «أصبحت الأسواق أكثر وعياً تجاه حقيقة انخفاض أسعار السكن من دون توقف، وليس لدي أي اعتذارات خاصة أقدمها. ففقاعة السكن ليست انعكاساً لما قمنا به، بل هي ظاهرة عالمية».
وكان غرينسبان قد زعم في وقت سابق أن الولايات المتحدة لن تتعرض لفقاعة سكنية لان العقار عبارة عن سوق محلي. وكأنه من خلال كلامه هذا يريدنا تصديق البعد العالمي لفقاعة السكن كبرهان على براءته. ان ماقاله غرينسبان كالعادة لا يعبر عن المنطقية ولا الدقة.
والنظر عبر انجازاته الخاصة من خلال نظارات وردية يعتم على الواقع الأليم الذي أجبرنا على معايشته حالياً.
لكن، مع ذلك، ان عيب غرينسبان الرئيسي الذي ارتكبه ليس أخطاءه، بل رفضه الاعتراف بها. اذ انه لم يتعلم من أخطائه طوال 19 عاماً، بل حاول تكرارها أكثر من مرة.
ان العالم المالي الذي خلفه غرينسبان وراءه من الخطورة بمكان لا يستطيع أحد الابحار فيه، اذ ان خوضه سيترك الكثير من الجرحى.
ومن دون أدنى شك لم يكن غرينسبان مايسترو، بل كان سيد انزلاق الولايات المتحدة نحو أزمة مالية. والدليل يتحدث عن نفسه.
انهيار معجزة التكنولوجيا
كان المشهد تراجيدياً في عام 2000 بالنسبة للمستثمرين الذين استثمروا مدخراتهم في أسهم الشركات المتخصصة بالتكنولوجيا.
ورغم انفجار ازدهار ثورة التكنولوجيا، لكن غرينسبان لم يره. وبقي مصراً على وعده بنمو الانتاجية واستمر بالتعبير عن شغفه بالتكنولوجيا في عام 2000.
وهاهو الوجه الآخر لما وعد به غرينسبان من خلال هذه الرسالة التي تقول: «أنا أكتب بقلب مثقل والدموع في عيني، لقد عملت بجد طوال حياتي، وحاولت دائماً تقديم كل ما هو جيد لعائلتي ولأصدقائي.ولم أصعد على ظهر أي أحد . وادخرت لسنوات ولم أكن أملك راتباً تقاعدياً أو خطة تقاعد حتى. لكني بدأت استثمر الأموال في شركة «سايبر» بعد أن اقتنعت بأدائها من خلال اعداد بحوث عنها، وصرت اشتري اسهمها. لكن بعد فترة، فقدت كل شي كنت أعمل على ادخاره طوال حياتي».
لقد اتصلت بي امرأة هذا الصباح تخبرني هذه القصة عن زوجها الذي بحسب قولها سيقتل نفسه.
أضافت هذه السيدة على لسان زوجها أنه ارتكب حماقة كبيرة بشراء الأسهم على هامش الربحية، اذ كان عليه تسييل الأسهم مرات عدة وظن أن الكابوس قد انتهى.لكنه حصل هذا الأسبوع. ان قصة هذا الرجل ليست الوحيدة من نوعها، فقد تكون هناك الكثير من القصص المالية المخيفة التي لا تعد ولا تحصى ستظهر في الأعوام الثلاثة المقبلة على خلفية انهيار سوق الأسهم.
المضاربة في رامبوس
لدي صديق يعمل مستشاراً في احدى الشركات المتخصصة بقطع الكمبيوتر قرر عدم دفع الضرائب الفصلية للفدرالي، بل استثمارها في سوق الأسهم. لقد قال لي ان قيمة مخالفة ذلك الأمر هي 9 في المائة فقط، وأن باستطاعته المراهنة بسهولة في البورصة، وبالفعل راهن الأخير بأمواله كلها على سهم شركة «رامبوس».
انها قصة مثيرة، لكن السؤال ما هو عدد الذين فعلوا الشيء ذاته؟ وبعد أن راهن صديقنا بماله لم تكن نهاية قصته سعيدة، اذ انخفض سعر سهم الشركة 50 في المائة، ولعل الكثيرين سيتعلمون أن المضاربة ممتعة عندما تجدي نفعاً، لكنها مدمرة عندما لا تكون في محلها.
ومع ذلك، لم يكن كثير من الناس يعلمون أن مايقومون به ليس سوى مضاربة.
لقد كانوا كالحملان التي تساق الى المذبح.
وحتى ذلك الوقت، لم يبد. سوى القليل قلقه ازاء تبعات المضاربة وسوء توزيع رأس المال في السوق. ورغم أن أقلام بعض النقاد أشارت الى هذا الأمر، الا أن اياً من أصحاب مراكز القوى لم يحاول تأكيد هذه المخاطر وبالتأكيد كان غرينسبان منهم.
حتياطي الأجيال لا يغطي سوى 4.1 سنوات إنفاق فقط غريبٌ شعور الحكومة بالارتياح تجاه المالية العامة للدولة!
لا بد من مسؤول بالأصالة عن خطة التنمية بدل الفهد
تناول تقرير الشال الأسبوعي الحالة المالية للدولة، وقال في هذا الإطار: كشفت معلومات صحفية، تسربت من جلسة سرية لمجلس الأمة، الأسبوع قبل الفائت، ويفترض أنها تغطي السنة المالية2011/2010، أي كما في نهاية مارس 2011، عما يسمى بملخص الوضع المالي للدولة، ونُسب لمجلس الوزراء ارتياحه لذلك الوضع. وتشير الأرقام، في الملخص المسرّب، إلى أن صافي الموجودات المالية للدولة بلغ نحو 81.2 مليار دينار، بعد طرح نحو 21.6 مليار دينار، تمثل الالتزامات على الدولة.
ويخص احتياطي الأجيال القادمة، منها، نحو 69 مليار دينار، أي نحو 250 مليار دولار، وهو ما يمثل صلب الاهتمام، لأن الاحتياطي العام - في معظمه - يتكون من رأسمال مؤسسات أو استثمارات محلية، مثل الخطوط الجوية الكويتية وبنك التسليف والادخار والاستثمارات في سوق الأسهم المحلية وغيرها.
توزيع الاستثمارات
والأرقام – كما درجت العادة - تعرض في جلسة سرية وعلى نحو إجمالي، أي اننا لا نعرف توزيع تلك الاستثمارات طبقاً لنوع الاستثمار، أي إن كانت استثمارات مباشرة أو غير مباشرة، ولا طبقاً للقطاعات، ولا طبقاً للتوزيع الجغرافي - بينما نعرفها بالتفصيل وباليوم، بالنسبة إلى الصندوق السيادي النرويجي - ولكننا نعرف، ولا نؤكد، أنها زادت بنحو 5.4 مليارات دينار عما كانت عليه خلال السنة المالية السابقة، أي انها حققت نمواً بما نسبته %7.1، دون أن نعرف ما إذا كان ذلك هو العائد على الاستثمار، فقط، أم انه ناتج عن تحويل فائض الموازنـة العامة إلى الاحتياطي، في حين أن معرفة كل ذلك متاحة بالنسبة إلى الصندوق السيادي النرويجي. وهنا، لا بد أن نعيد التأكيد أننا لا نرى سبباً لعدم نشر التفاصيل، فالمعرفة حق لكل الناس، والسياسة العامة للاستثمار تحتاج إلى نقدها، إيجابياً وسلبياً، حتى يتم إصلاحها وتطويرها. كما إننا لسنا مع شعور مجلس الوزراء بالارتياح حول الوضع المالي للدولة - إن كان هذا شعوره - فمجلس الوزراء لم يذكر مبررات ذلك الشعور، ولكن يمكن أن نتوقع أنه أتى من ذلك النمو الموجب في احتياطي الأجيال القادمة البالغ %7.1.
قياس مفصل
إلا أن القياس بالزيادة المطلقة، وفي سوق رائج للنفط، لا يفترض أن يستخدم كتبرير لإصدار موقف إيجابي ومرتاح من قبل مؤسسة مثل مجلس الوزراء الكويتي. إذ يفترض، أولاً، أن يبني حكم الارتياح على مراجعة التطور في سياسات الاستثمار ومستوى الحوكمة وإعادة توزيع الاستثمارات، بما أدى إلى نموها في حقبة ما بعد أزمة العالم المالية. ويفترض، ثانياً، أن يقاس حجم الاحتياطيات بقدرتها على تغطية النفقات العامة، فعلى سبيل المثال، بلغ احتياطي الأجيال القادمة 213 مليار دولار، وبلغت النفقات العامة 10.3 مليارات دينار، أي 37 مليار دولار، مما يعني أن الاحتياطي كان يغطي نفقات 5.76 سنوات من الإنفاق العام، بينما بلغ حجم ذلك الاحتياطي، في عام 2011، نحو 250 مليار دولار اميركي، في حين بلغت النفقات العامة نحو 17 مليار دينار، أي نحو 61 مليار دولار، مما يعني أن الاحتياطي يغطي 4.1 سنوات إنفاقا، فقط، وأن تطور الحالة المالية للدولة غير مريح.
ولأننا لا نعرف تفاصيل مكونات الزيادة في الرقم المطلق، حتى، فإننا لا نستطيع دعم موقف مجلس الوزراء، فإن كانت معظم الزيادة قد أتت من مجرد تحويل فائض الإيرادات النفطية فالصحيح أن الوضع المالي غير مريح. وفي القياس المقارن، بدأت النرويج صندوقها التقاعدي – احتياطي الأجيال - بعد نحو 40 سنة من انطلاقة الصندوق الكويتي، وبلغ ذلك الصندوق، في تحديث لأرقامه إلى الأعلى، في 2010/12/31، نحو 525 مليار دولار، وكما هو واضح، فإن المقارنة لا تجيز لأحد ذلك الشعور بالارتياح.
مشروع تنمية حقيقي المخرج الوحيد لتجنب كارثة الكويت بحاجة إلى خلق 100 فرصة عمل مع كل طلعة شمسفي موضوع استقالة الشيخ أحمد الفهد من الحكومة، قال الشال: لسنا بصدد إعلان موقف من استقالة نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ففي زمن الاحتقان السياسي، نحاول عدم التدخل بالتعليق حتى لا يُجرح حياد تقريرنا، ولكننا بصدد النظر إلى الاستقالة من زاوية استقرار الإدارة العامة وفرص نجاح تنفيذ خطة التنمية. وفي التعليق على الإدارة العامة، كانت الاستقالة خلاصة ما ذكرناه، في كل تقاريرنا، والمتمثلة بأن الإدارة التي تشكل على أساس مكافأة الأشخاص بالمناصب ــــ وليس مكافأة البلد بقدراتهم ـــــ لا يمكن إلا أن تنتهي بالفشل، ومعه كل أنواع الصراعات من داخلها ومع الخارج، ونحن نقصد هنا التشكيل الحكومي.
وأثبتت الاستقالة أن ما يبنى على باطل فهو، حتماً، باطل، فمنذ عام 1981، عندما تم تفتيت الدوائر الانتخابية لم تعد هناك محرمات، فالسيطرة على مخرجات الانتخابات النيابية، لا تدخر جهداً أو وسيلة في تفتيت الدولة إلى عصبياتها الصغيرة، ولا تتحرج من شراء ذمم بعض النواب، بخرق القانون ومباشرةً بالمال، فالموالاة للأكثر قدرة وكرماً، ومن هو برسم البيع لا بد أن ينشد أعلى الأسعار، لأن الخلاف ليس على المبدأ، كما في حكاية الفيلسوف البريطاني الساخر برنارد شو، وإنما على السعر. ذلك يعني أن أزمة كبيرة طالت جناحي الإدارة العليا، أي السلطتين التنفيذية والتشريعية، ومن غير المقدر لأي خطة تنموية أن تقلع نحو أهدافها من دون جناحين.
شراء الود
وتحول الإدارة العامة، بجناحيها، إلى شراء الود السياسي، عن طريق تعميق الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد، لا يترك هامشاً كبيراً ومؤثراً يجعلنا نشعر بتغيير ملحوظ ناتج عن استقالة المسؤول المباشر عن الخطة أو تعيين أحد مكانه. وصحيح أن الاهتمام بالخطة ونفاذها سيكون أكبر بوجود مسؤول متفرغ لها، ولكن، حتى تعيين مسؤول بالوكالة، لا يعني أنه سيستمر، إذ لا بد، لاحقاً، أن يأتي مسؤول، بالأصالة.
لقد كتبنا، في تقريرنا، مراراً، أن أهداف الخطة في اتجاه، والسياسات على أرض الواقع في الاتجاه المعاكس، وأصبح الأمل هو مجرد إبطاء السير في الاتجاه الخطأ، ويبدو أن تلك هي حدود التأثير، أما حالياً، فقد يتحقق مزيد من التسارع في الاتجاه المعاكس نتيجة الاستقالة. ومصدر هذا التسارع سيكون تعدد جبهات المعارضة للحكومة، فمن المؤكد أن استقالة نائب رئيس الحكومة ـــ ونتيجة خلاف ضمن الحكومة ـــ سيفتح جبهة معارضة أخرى، بما يدفع الحكومة إلى الإمعان في مسار شراء الولاءات. ولعل أول الغيث هو تلك الموافقة السريعة على تمرير زيادة الخمسين دينارا، وبأثر رجعي منذ عام 2008، رغم قرار سابق للحكومة بضبط النفقات، امتدحناه في فقرة أخرى من هذا التقرير.
لقد تجنبت الكويت عنف «الربيع العربي»، والسبب الرئيس كان في قرار استراتيجي حكيم، اتخذته في بداية ستينات القرن الفائت، بالتحول من «مشروع حكم» إلى «مشروع دولة». وفي السنوات العشر الأخيرة، تبنت الكويت مساراً معاكساً وفي غاية الخطورة، سيفقدها، تماماً، القدرة على توفير فرص عمل لصغارها، فقد زادت نفقاتها العامة نحو 5 أضعاف، في 11 سنة، بما يستنزف كل قدرة لها على الاستمرار في الإنفاق، ويقتل تنافسية اقتصادها، ومعهما لا يمكن تجنب مرحلة العنف في المستقبل.
ويذكر صندوق النقد الدولي، في تقرير قدمه إلى الثمانية الكبار G8 في اجتماع لهم في فرنسا بتاريخ2011/5/27 ـــ 26، أن عنوان الربيع العربي سياسي، ولكن سببه البطالة، وعلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلق بين 50 و75 مليون فرصة عمل، في 10 سنوات، أي 20 ألف فرصة عمل، كل مطلع شمس، ونصيب الكويت منها نحو 350 ألف فرصة عمل، أي نحو 100 فرصة عمل حقيقية، كل يوم، ومشروع تنمية حقيقي هو فقط، مخرجنا لتجنب كارثة.
قضايا تثير التفاؤل في السلطات الثلاث
ألقى الشال الضوء على 3 قضايا مضيئة أخيرا في السلطات الثلاث، وقال حول السلطة التنفيذية: رغم أننا لم نعتد التفاؤل بأداء السلطة التنفيذية فإن من واجبنا الحياد، فكما نذكر ما عليها لا بد من ذكر ما لها، أيضاً. الأسبوع قبل الفائت، أصدرت الحكومة إعلان نوايا -تظل نوايا- لضبط السياسة المالية، فبعد اجتماع لمجلس الوزراء، صدر تصريح عنها يؤكد قلقها من انتفاخ رقم النفقات العامة -وهو أمر يستدعي ما هو أكثر من القلق- وأعلنت عزمها على خفض تلك النفقات، وإن لم تذكر آليتها لتحقيق ذلك الخفض، وأعلنت، أيضاً، عن نيتها تحصيل مستحقاتها من المواطنين، مثل فواتير الخدمات الباهظة التكاليف. والواقع أن دعم الكهرباء والماء بلغ مرحلة غير محتملة، فهو ليس استنزافاً من جانب المصروفات، فقط، ولكنه، بمرور الزمن، سوف يستهلك من الوقود ما يستنزف قدرة البلد على تصدير النفط ومنتجاته، ولهذا فإن إجزال الشكر إلى السلطة التنفيذية سوف يتضاعف لو وضعت آلية لتنفيذ نواياها، ولو نشرت، بين الحين والآخر، مستوى التنفيذ ضمن تلك الآلية، أي نسبة ضغطها لمصروفاتها ونسبة تحصيل مستحقاتها.
السلطة التشريعية
في اجتهاد غير موفق، وافقت اللجنة التشريعية في مجلس الأمة على زيادة رواتب النواب للدورة القادمة بنحو %150 رغم عدم توفر أي مقياس للمقارنة فيما إذا كان ذلك عادلاً أو غير عادل. وقد أوردنا، في فقرة سابقة، أننا لا نوافق على المبدأ في الظروف السائدة، فما يحدث في البلد أمر في غاية الخطورة على استقرارها وعلى حياة صغارها، إذ بلغت عملية استنزاف مواردها حدودها القصوى، وأصبح من الصعب جداً، نهوضها للمنافسة في أي إنتاج سلعي أو خدمي، وزيادة رواتب النواب سوف تفتح «باب جهنم»، من جديد، على المالية العامة، والشكر مستحق للجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الأمة، التي رفضت الزيادة من حيث المبدأ وبإجماع الحاضرين، فنحن نحتاج إلى بعض الأمل بأن القدوة مازالت موجودة.
السلطة القضائية
السلطة القضائية هي الملاذ الأخير والحصن الذي يحفظ أساسات الدولة، وما يحدث في مصر، حالياً، مفخرة، لأن كل فساد النظام السابق، لم يستطع إفساد ثالث السلطات، وهي تساهم، حالياً، بوضع أساسات الدولة الحديثة. وتم في الكويت، في الفترة الأخيرة، تداول احتمال استقالة ركن فاضل من أركان السلطة القضائية، ولكن الأسبوع قبل الفائت حمل خبراً طيباً، إذ ان الخلاف كان إصلاحياً، والتعيينات العليا الأخيرة صاحبها حديث حقيقي عن إعادة استكمال بنية السلطة القضائية وملء شواغرها، وباكتمال بنائها تبدأ، من داخلها، عملية مراقبة ومراجعة أدائها، وهي تحتاج إلى تلك المراجعة والمراقبة. ونأمل أن تحصل السلطة القضائية على كامل استقلالها، وأن تكون قاسية في مراجعة أدائها، فليس هناك أهم وأجمل من سلامتها، ولا أخطر من شك – ولو كان بسيطاً - في الثقة بها.
مخاطر
1- استنزاف موارد الدولة وصل حدوده القصوى.
2-دعم الكهرباء والماء بلغ مرحلة غير محتملة.
3- زيادة رواتب النواب قد تفتح «باب جهنم» على المالية العامة.