لسلطة القضائية ترد على مشروع قانون مخاصمتها:
البيت القضائي يطهر نفسه بنفسه
• قصر العدل
طرح في بداية العام موضوع تقدمت به جمعية المحامين إلى مجلس الأمة وتمت مناقشته، وقد يرى البعض انه موضوع حساس وخطير، وهو الذي كان يتحدث عن مشروع قانون لمخاصمة القاضي، بهدف مواكبة الدول المتقدمة حسب ما ذكره المتقدمون بالمشروع، بحيث يكون أي خصم يرى أنه وقع عليه خطأ جسيم يتقدم بدعوى مدنية ضد القاضي.
وفي هذا الصدد يرى البعض أن هذا المشروع مرفوض، لأن القاضي في الكويت يتمتع بثقة وحصانة لا يتمتع بهما أي موظف أو أي مستشار، لذلك فإنه لا حاجة الى مثل هذا القانون أن يكون، كما أنه ليس كل ما يطبق في الدول المتقدمة يجب أن يطبق في الكويت، بحيث ان الأمور تختلف كثيرا، وفي النهاية لا حاجة لوجود قانون يوضع على الرف ولا يستخدم.
لكن في المقابل فإن مايراه المطالبون بهذا القانون هو أن إقراره يساهم في الحفاظ على هيبة الأحكام القضائية، ومصلحة المتقاضين، كما أنه يزيد من هيبة القضاء ودقة أحكامه.
مابين هذا وذاك فإن الموضوع في هذه الأيام تطور كثيرا وترتب عليه طلب مجلس الأمة من السلطة القضائية أن تبدي رأيها في هذا الموضوع.. وحسبما أكدته مصادر مطلعة لـ «القبس» فإن السلطة القضائية ردت على هذا الطلب بالرفض.
وأكدت المصادر أن المجلس الأعلى للقضاء أكد خلال رده على طلب مجلس الأمة «لقد اطلعنا على مشروع القانون ونرفضه بكامل بنوده»، موضحا أن القاضي إذا أخطأ في حكم فهناك ثلاث درجات للتقاضي، ويحق لأي خصم أن يستأنف الحكم متى ما رأى أنه خالف القانون، وسوف تقدر الهيئات القضائية الحكم، إما بالإلغاء أو التعديل، أو الرفض، أو إعادة ملف القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم.
وأشارت المصادر إلى أن السلطة القضائية كان موقفها ثابتا بعد طلب رأيها بالمشروع القانوني، حيث أكدت في ردها لمجلس الأمة أن القضاء نهر جارٍ ويطهر نفسه بنفسه، وهذا ما أكده رئيس محكمة الاستئناف وعضو المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية المستشار فيصل المرشد لـ«القبس».
أسباب الرفض
وبعد طرح الموضوع وسؤال المستشار المرشد رد قائلا: نعم لقد قدمنا مذكرة أوضحنا فيها أسباب رفضنا لهذا المشروع، ورأينا أنه لا يتناسب معنا، خصوصا أن السلطة القضائية لديها مجلس تأديب وتفتيش.
وأضاف: أن تضع رقابة خارجية على القاضي فذلك معناه أنه سيكون تحت سيف مصلت من الخصم، ويبقى على القاضي بدلا من أن يتابع القضايا المعروضة أمامه أن يتابع قضايا المخاصمة.
وتابع: من ناحية أخرى فإن قضاءنا لا يمكن أن يقارن مع القضاء في الدول الأخرى، ولو نظرنا إلى الدول الأخرى فإننا نجد أن مثل هذه القضايا «الخصومة» نادرا ما تعرض أمام القضاء، وبالتالي لا حاجة إليها!
وأكمل: نطبق مثل هذه الحالات الضيقة عندما يصل الخطأ إلى أنه لا يغتفر، لكنه غير صحيح أن تتم محاسبة قاض لأنه قام بتأجيل القضية التي يرى فيها الموكل أنها لم تكن في وقت قريب، وبالتالي التدخل في صلاحيات وأعمال القاضي، وفي هذه الحالة سيصبح القاضي بلا حصانة ولا ثقة ولا يملك الحيادية من وجهة نظر الخصم.
وقال انه في هذه الحالة سينقلب الوضع، وهنا سيكون تفريغا لمحتوى القضاء، ولمصداقيته، ولا يجوز إطلاق مثل هذا المشروع، فما يتناسب مع الغرب أو بعض الدول لا يتناسب معنا، ولا نأخذ كل قانون ونطبقه بحذافيره، وانما نطبق ما يتناسب معنا.
واستطرد قائلا: إذا وجدت أي مشكلة فإننا نقوم بحلها، والمحاكم العليا تراقب القاضي الأدنى، ويتم علاج أي مشكلة، موضحا أن مثل هذه الأمور تطبق في أضيق نطاق ونادرا، ولا يجوز أن نقلب الوضع ونضع القاضي كمتهم.
واستشهد المرشد بالقضايا التي خسرها بعض القضاة أمام المحاكم عندما أقاموا دعاوى شخصيه لهم، قائلا: أنت صديقي والحق صديقي وإن اختلفنا فأنت مع الحق، فخسارة أو كسب القاضي لمختلف الدعاوى المعروضة أمام المحاكم يعتبر وساما على صدر السلطة القضائية، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح.
ضمانة للمتقاضين
من جانبه، رأى رئيس جمعية المحامين عمر العيسى أنه من الضروري أن يكون هناك قانون من قبل الحكومة، على أن يتبناه أعضاء مجلس الأمة، يتحدث عن مخاصمة القاضي من باب الشفافية، وأن يعطي ضمانة أكثر للمتقاضين.
وقال ان هذا القانون معمول به في الدولة العربية، والحكم في مثل دعوى الخصومة يكون أمام قاض آخر، وبالتالي ليس هناك أي تخوف من هذا الجانب.
وأضاف: يلجأ المتقاضي إلى هذا الاسلوب عندما تكون هناك أحكام غير مدروسة، وتكون هناك سرعة في تطبيقها، وبالتالي فإن هذا المتقاضي من الممكن أن يلجأ إلى محكمة خاصة ويخاصم القاضي الذي أصدر هذا الحكم ليضمن حقه، وهذا الإجراء يكون استثنائيا، وبالتالي ليس هناك خوف من المحكمة أو أي شخص، لأن المحكمة هي التي تنظر ذلك.
وزاد: نحن على علم بأن هناك تخوفا، والبعض لديه موضوع مخاصمة القضاء حساس، وأنا أعتقد أنه ليس فيه أي حساسية ومعمول به في الدول العربية، لأن رقابة القاضي تكون أمام قاض، ونضمن الحق للجميع.
وذكر العيسى أن مشروع القانون يطالب بالتعويض المادي وذلك لأنه يجبر الضرر الذي أصابك من خطأ القاضي، وهذا القانون موجود في مصر، ولكن تجد أن الدعاوى المختصة به تختصر في حالة أو حالتين طوال عام كامل. ونحن لا نتخوف منه وإنما نطالب بوجوده من باب الشفافية.
الخطأ المهني
وبدوره، انتقد المحامي مزيد اليوسف دعوة جمعية المحامين لإقرار مشروع قانون مخاصمة القضاة مدنياً، متى وقع من القاضي أو عضو النيابة في عملهما خطأ مهني جسيم.
وقال اليوسف ان القضاء يظل سائغا للشاربين، وإذا كان مجتمع القضاء ليس بالملائكي إلا أنه مجتمع نقي يزكي بدنه من الجراثيم التي تتسلل إليه.
وأضاف ان الاقتراح يتحدث عن تعويض مدني فقط يقابل جرما خطيرا، فالقاضي أو عضو النيابة المخطئ خطأ جسيماً، تكون عقوبته البتر من جسم الجهاز القضائي النزيه، صوناً لثقة الأفراد في قلاع عدالتهم، لا مجرد مقابل مالي يحصل عليه صاحب المصلحة.
وقال ان هذا المقترح سيفتح الباب على مصراعيه للتشهير بالقضاة، متى لم يصادف حكمهم هوى أحد منا، علاوة على أثره البالغ في إرباك القاضي أثناء أداء مهمته، تحت الخوف من كيد أحد الخصوم له بدعوى مخاصمه، بينما الواجب في منح القاضي فسحة من السكينة كي يؤدي دوره في خدمة العدالة بنفس مطمأنة، لا يعوقها سوى ضميره وحده، ورقابة لاحقه عليه من مجلس القضاء الأعلى، فالقاضي ليس بموظف عام كي يحاسب على اجتهاد أخلص فيه وأخطأ، وإنما هو صاحب أمانة عظيمة، كونه خليفة الرحمن عز وجل في أرضه يقيم القسط بين الناس بالحق.
وشدد على أن إرباك القاضي بمثل هذه المقترحات يشكل بحد ذاته تعطيلاً للعدالة، لأنه يشكك في نزاهة القضاء ويضعف من هيبته، ويدفعه إلى الارتباك، وهو ما سينعكس في النهاية على حسن أدائه لأمانة ناءت بحملها الجبال.
وبيّن أن قانون تنظيم القضاء يحتوي على نصوص تغني عن مثل هذا الاقتراح، فالمادة 35 تنص على أنه «لوزير العدل حق الإشراف على القضاء.. لرئيس كل محكمة ولجمعيتها العامة حق الاشراف على القضاة التابعين لها»، إضافة إلى المادة 38 «يختص المجلس الاعلى للقضاء بالنظر في حبس القاضي وعضو النيابة احتياطيا وتجديد حبسه او ان يأمر باتخاذ اجراء آخر». أيضا فإن المادة 39 تنص على أنه «يترتب حتما على حبس القاضي او عضو النيابة العامة بناء على امر او حكم وقفه عن مباشرة اعمال وظيفته مدة حبسه، ويجوز للمجلس الأعلى للقضاء ان يأمر بوقف القاضي او عضو النيابة العامة عن مباشرة اعمال وظيفته اثناء اجراءات التحقيق عن جريمة وقعت منه، وذلك من تلقاء نفسه او بناء على طلب النائب العام او رئيس المحكمة التابع لها او بناء على قرار من جمعيتها العامة ويخطر وزير العدل بذلك».
وتابع قائلا: إذن هذه كلها مواد كفيلة بتحقيق غاية صون العدالة، وكل ما هو مطلوب منا هو فقط تفعيلها إن مسنا من أحد القضاة جور متعمد، بشرط أن نحسن استغلالها ونكون أمناء فيها، وليس لمجرد أننا خسرنا قضية كنا نظن أن الحق في جانبنا.
وقال إن الشفافية التي تنشدها جمعية المحامين يمكن ان تكون مع كل أحد إلا القاضي، فهمته ليست كمثل مهمة غيره، فهو مجتهد يخطئ ويصيب، ويُؤجَر على الحالتين، ومتى أخطأ في اجتهاده كان لنا الطعن على رأيه أمام محاكم أعلى منه درجة، فالتقاضي كما هو معلوم على درجتين، تتدارك الأعلى خطأ الأدنى منها مرتبة، ثم الكلمة الفصل تكون لمحاكم التمييز التي تراقب سلامة تطبيق المحاكم الأدنى لنصوص القانون وروحه.
بلا منفعة
واشار المحامي علي الواوان إلى أنه لا يوجد هناك ضرر من عدم تطبيق قانون مخاصمة القضاة، لأن قانون تنظيم القضاء وضع نظاما لتأديب القضاة منها اذا اخل القاضي بواجبات وظيفته او افشى سر المداولات او باشر عملا من الاعمال التي يحظر قانون القضاة مداولتها او ارتكب عملا يمس بنزاهته.
وأضاف: اما بالنسبة للأخطاء التي يرتكبها القاضي فإنه يقدم للمحاكمة التأديبية واحاط المشرع بان تكون هناك ضمانات وفيرة وتقدم الشكوى التأديبية من النائب العام بناء على طلب من وزير العدل بإحالة القاضي للمحاكمة طبقا للمادة 45 من قانون القضاء ويتكون مجلس تأديبي من مستشارين في محكمة الاستئناف على ان تكون الجلسات سرية حفاظا على كرامة القاضي.
وأوضح أن العقوبات التي جاءت في قانون تنظيم القضاة بحق القاضي هي اللوم والعزل، كما أن ضمانات استقلال القضاء منع القانون في المادة 43 من القانون المذكور رفع الدعوى الجزائية في جناية الا بإذن من القضاء فليس هناك ضرر من عدم تطبيق قانون مخاصمة القضاة.
وبين أنه اذا كانت وظيفة القاضي هي الحفاظ على المراكز القانونية فان طبيعة هذه الوظيفة تفرض علية مقتضيات لا بد من وجوبها ككفاءة القاضي الذهنية والخلقية، وان يكون القضاء مستقلا فالقانون وضع ثقته بذكاء القاضي وضميره، مشيرا إلى أن حسن سير العدالة يتطلب رقابة على أعمال القضاة لكن هذا لا يتعارض مع استقلالهم الوظيفي، بالإضافة الى حياد القاضي بمعنى تجرده من اي مصلحه ذاتية له.
فوائد منظمة
قال الواوان: اذا كان هناك خطأ فليطبق قانون تنظيم القضاء. فنصوصه كافية لتأديب القضاة في حالة إخلالهم بعملهم مع حفاظ الاستقلالية لهم وعدم العزل، فالفوائد من تطبيق قانون مخاصمة القضاة لن تكون اكثر من فوائد قانون تنظيم القضاء، وبالنسبة لمشروع القانون فيرجع لأعضاء مجلس الأمة الرأي في إقراره من عدمه، وهم اصحاب الرأي في حالة تطبيقه على ان يلتفتوا الى القانون بتمعن ومعرفة ماذا سيحدث مستقبلا، كما أنه يجب مناقشة هذا الموضوع قبل اقراره في مجلس الامة لأنه يمس نزاهة وحيادة القضاء، فالقضاء مستقل لا سلطان عليه الا بضميره، وهذا ما اوجبه الدستور.
سيل من الدعاوى
أجمع أغلب القانونيين على الرأي بأنه لا يجوز طرح هذا المشروع نهائيا، لأنه ليس هناك حاجة لتطبيقه، كما أن إخضاع القضاة للقواعد العامة للمسؤولية، كما حال الموظفين العاديين، قد يجعلهم أمام سيل من الدعاوى، وسوف يتعرضون من قبل أي شخص يحاول النيل من كرامتهم أو المساس بشخصهم.
تنظيم القضاء
تساءل أحد القانونيين: لمن يريد أن يخاصم القضاء لماذا لم يلتفت إلى المادة 42 من قانون تنظيم القضاء الذي نص على أن ترفع الدعوى التأديبية بصحيفة تشتمل على التهمة والادلة المؤيدة لها، وتقدم لمجلس التأديب ليصدر قراره باعلانها للقاضي للحضور امامه اذا ما رأى وجها للسير في اجراءات المحاكمة التأديبية؟!
مضيفا: وللمجلس في هذه الحالة ان يقرر وقف القاضي عن مباشرة اعمال وظيفته او يقرر باعتباره في اجازة حتمية حتى تنتهي المحاكمة، له في كل وقت ان يعيد النظر في امر الوقف او الاجازة المذكورة.القبس
قانونيون يؤكدون أن الإحساس بالمسؤولية لا يأتي إلا بالتشريع مطلوب قانون يعالج مظاهر الطائفية
إعداد: مبارك العبدالله
يؤكد استاذ القانون في جامعة الكويت المحامي د. فايز الظفيري أن إثارة الفتنة الطائفية تعتبر من الظواهر الحديثة على المجتمع الكويتي.
ويضيف: قد تكون وسائل النقل الإعلامي ساهمت في إشعال شرارة الطرح الطائفي، خاصة بين طالبي الشهرة في فترات أو مواسم الانتخابات، أو من يرغب من بعض أفراد المجتمع في إظهار نفسه بمظهر الحامي لطائفة أو لتيار أو لطبقة، فيطرح هؤلاء جميعهم أفكارا تتسم بالحدة أو الطيش أو الرعونة من أجل أخذ مكانة بين أفراد تلك الطائفة.
درء الفتنة
وعن التشريع الجنائي وعلاقته بالفكر الطائفي يرى الظفيري ان القانون الجزائي لعام 1960 كان المشرّع يحاول من خلاله أن يطرح فكرة الطمأنينة وعدم إشاعة البغضاء في جانب كان يعتقد أنه الجانب الذي من الممكن أن تثار منه الفتنة، وهو الجانب الديني.
ويقول إن المشرع تدخل فقط في درء الفتنة في الجوانب الدينية، حيث جاء بمجموعة نصوص حاول فيها حماية المعتقد الديني، ولم يكن لدى المشرع هاجس سوى حرية الأديان، وقد ذكر في نص المادة 109 الذي يكرس حماية الأماكن المعدة لإقامة الشعائر الدينية بألا تُدنَّس حرمتها بأي عمل يعتبر مخلا بواجب الاحترام لهذا المكان.
واضاف: كذلك في نص المادة 110 حاول المشرع أن يحمي حرمة الأماكن المعدة لدفن الموتى أو المخصصة لإقامة مراسم الجنازة، وكذلك في المادة 111 وهي المادة الجوهرية التي خصصها لحماية العقائد، فحرم كل ما يذاع بطرق العلانية من آراء تتضمن سخرية أو تحقيرا أو تصغيرا لدين أو مذهب ديني.
وتابع: كما أننا نجد في نص المادة 113 تجريم نشر الكتب المقدسة والتحريف العمدي فيها، وهذا ما حاول المشرع أن يكرسه لحماية الأديان، ولا ننسَ أن المشرع أجاز البحوث العلمية والمناقشة فيها.
واستطرد الظفيري قائلا: وقد تدخل المشرع ورأى أن هناك جوانب تستحق الحماية، حيث جرّم السب والقذف، لأن من حق أي إنسان أن يكون مُصان الكرامة والسمعة بشكل متساو مع الآخرين.
واشار إلى أن ما سمح به المشرع هو حق النقد، موضحا أنه كان يهدف من ذلك السماح بانتقاد بعض الأشخاص الى تحقيق مصلحة للمجتمع نفسه، وكان ذلك من باب الاستثناء، لأن المشرع رأى أولوية النقد بشروط، لكن هذه الشروط تناساها الكثير الآن وأصبح يعتقد أنه يجوز انتقاد أي شخص، معتبرا ذلك من الحقوق المطلقة.
وأوضح أن تلك الحقوق مقيدة لأن فيها شروطا، فمثلا نجد المشرع في نص المادة 215 قد أشار إلى هذه الشروط بألا تتوافر الإباحة المنصوص عليها إلا إذا ثبت حسن نية الفاعل، باعتقاده صحة ما أسنده وبيان اعتقاده، وهذا على أسباب معقولة بعد البحث والتحري، وباتجاهه إلى مجرد حماية المصلحة العامة وباقتصاره في ما صدر عنه بالقدر اللازم لحماية هذه المصلحة.
وبين الظفيري أن القانون ناقص إزاء التحريض على الكراهية، لأنه وبعد صدور المواد التي أشرنا لها استجدت أمور لم تكن في الحسبان نتيجة الصراعات الدينية ونقل الأفكار بسهولة، ودخل الأفراد الآن في أمر هو شبيه بصراع لفظي له جوانب طائفية، وهذا الأمر يهدد أي مجتمع أمنيا.
تدخل المشرّ.ع
وشدد على ضرورة تدخل الدولة في الوقت الحالي، لأن الموضوع وصل الى الخطوط الحمراء مع عدم الإحساس بالمسؤولية من قبل البعض، حيث أصبحوا يهددون المجتمع أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وقد تكون هناك مصالح تتوخاها الطائفية حتى تأخذ مكانها في المجتمع.
واشار إلى أن الحل يكمن في صياغة قواعد تشريعية، وعدم الاعتماد على فرضيات غير موجودة، فالإحساس بالمسؤولية لا يتوافر إلا من خلال التشريعات.
وتطرق في حديثه إلى تشريعات فرنسية جاءت تحت عنوان «التمييز الطائفي»، حيث جرمت كل تمييز موجه ضد فئة من أفراد المجتمع بسبب أصولهم أو جذورهم أو جنسهم أو حالتهم العائلية أو الصحية أو الأخلاقية أو مذهبهم السياسي أو انتمائهم النقابي.
وقال إن هذا القانون غير موجود في التشريع الكويتي، ما سمح للكثير بإثارة الطائفية والبغضاء من قبل بعض الأفراد ضد آخرين بالطعن في انتمائهم الوطني أو السخرية من الفئات الاجتماعية التي ينتمون إليها أو طرح آراء ذات صلة بهم بشكل ساخر وتهميش من شأنه أن يقلل بأشخاص بين أفراد آخرين.
وبين أن جميع التشريعات التي جرمت التمييز العنصري قصدت محاربة الطائفية واستخدمت مصطلحا مهما جدا، حيث ذكرت كلمة الإنسان ولا يجوز التمييز بين المواطنين بمصطلح عنصري.
وزاد قائلا: إن المشرع قرر نصا دستوريا، حيث أكد أن الناس سواسية أمام القانون وليس الكويتيين فقط، فهذا النص حكيم، لكنه فرغ من محتواه، فالمشرع الجزائي لم يتدخل لتقوية هذا النص لأنه لم يضع عقوبات لتحقيق مبدأ السواسية.
ما الفتنة؟
بدوره، أوضح المحامي علي العصفور أن الفتنة الطائفية هي كل ما من شأنه إثارة البغضاء والشحناء بين شرائح المجتمع سواء مذهبيا او عرقيا او طبقيا.
وقال إن إثارة مثل هذه النعرات من شأنها أن تمزق المجتمع وتثير الضغائن والعداوة بين افراده، وذلك بعدم احترام المعتقدات والاعراف والاجناس التي ينحدر منها افراد المجتمع، ما يجعل مجتمعنا عرضة للانتقال الى مرحلة العنف لفرض الآراء على الآخرين وهي مرحلة خطيرة.
واضاف العصفور قائلا: للأسف، نحن نسير اليها من حيث لا نشعر ولعل سمو أمير البلاد في خطابه الاخير قد نبه الى هذا الامر وخطورته وهو المتابع لكل ما يحدث، ولا أعتقد أن هناك تحذيرا أبلغ أثرا من التحذير بأنه يجب علينا العمل على تجنب اثارة الفتن من باب طاعة ولي الأمر أولا والحرص على بلدنا ثانيا.
وتابع: على الرغم من وجود قوانين لدينا مثل قانون الجزاء وكذلك قانون جرائم أمن الدولة الداخلي والخارجي لتغطي مثل هذه الافعال، لكنني أعتقد أن هناك مطلبا ملحا بأن يكون هناك تغليظ للعقوبة لكل من يثير الفتنة الطائفية حتى يكون القانون سياجا حقيقيا يحمي المجتمع من ايدي العابثين ويكون استجابة لخطاب سمو الامير وترجمة واضحة لمخاوفه من الفتن التي قد تعصف بالبلاد.
واشار إلى أن الفتنة الطائفية خطيرة ولا يمكن التهاون بها ويجب ان تكون العقوبة صارمة ورادعة بقدر خطورة الفعل، فالتاريخ مليء بالقصص والعبر، ومن العار ان نكون من المساهمين في تدمير بلدنا ويجب علينا ان نتبنى قانونا يبين الافعال المجرمة والعقوبات التي تقابل هذه الجرائم.
وختم العصفور قائلا: لو رجعنا بالذاكرة للخلف، فاننا نحمد الله على أننا لا نجد هناك قضايا صدرت فيها أحكام حول موضوع الفتنة الطائفية فهي تكاد ألا تذكر، ولكن هذا لا يعني عدم حاجتنا للقوانين، فالمؤشرات الموجودة خطيرة وسُحُب الفتن -مع الاسف الشديد- راحت تتراكم في سماء الوطن، ويجب العمل على تبديد هذه السحب المظلمة حتى ننعم بسماء صافية تظل هذا الوطن الصغير الذي اثبت مدى تلاحم أفراده على مر السنين وبأنه نسيج متين لا يمكن لسكين الفتنة ان تمزقه.
معنى الطائفية
أما المحامي محمد الخالدي فبدأ قائلا: نود أولا إلقاء الضوء على معنى الطائفية عامة، فهي باختصار شديد شَرْذَمة المجتمع أو الدولة إلى فئات وطوائف أو مجموعات تضم كل منها مجموعة من المواطنين الذين يجمعهم أصل أو شيء مشترك أو مصلحة مشتركة يلتفون حولها ويسعون إلى الحفاظ عليها.
واضاف الخالدي ان ذلك يعتبر من أوجه التمييز أو الطائفية غير المشروعة أو المبررة، وهو شيء مخالف لتعاليم الإسلام ومحظور دستوريا بنص المادة 29 من الدستور الكويتي الصادر عام 1962 التي يجري نصها على أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين.
وبيّن أن الدستور الكويتي اتخذ الأساس الإسلامي لمحاربة الطائفية غير المشروعة وفتنها، فأكد بموجب مادته الثانية أن دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، ولمحاربة أسباب الطائفية نص الدستور في مادته السابعة في سبيله للقضاء على أسبابها أن «العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين».
وقال ان الطائفية بالمعنى السابق والمحظور دستوريا -وحيث إن من صور الطائفية ما هو غير محظور- تشكل خطرا لا يستهان به ليس على الكويت فقط، وإنما على أعتى الدول في العالم، ولذلك فقد سعى القانون الوضعي الكويتي مرتكزا على الدستور، الذي مرجعه الشريعة الإسلامية الغراء لإيجاد حلول ووضْع أوامر ونواهٍ تحدّ من حجم الفئوية والطائفية في المجتمع وتحبط من شرها الفتاك.
وخلص الخالدي إلى أن القوانين الحالية وصياغتها تكفي وتتسع لمعاقبة مثيري الفتن الطائفية أو الشغب وأعمال التخريب، مستدركا: لكننا نفضل أن يتم تنظيم تلك المسائل بتشريع منفصل مثل قانون حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي رقم 33 لسنة 1978 في مصر، أو مشروع القانون الذي يزمع اليمن تشريعه وإصداره.
تنمية الفتن
أشار الخالدي إلى أن المتابع للأحداث الأخيرة في البلاد يستشعر بأن ما أثير من مسائل، هي بالأصل دخيلة علينا نحن شعب الكويت، ولا بد أن يدعونا ذلك إلى التفكير والتأمل العميق، وتجب محاربة جميع ما يحدث من محاولات لتنمية الفتن.
نصوص قانونية
سألنا الظفيري: هل الدعوى لفرض نصوص قانونية لمحاربة الطائفية تحمل طابع الانتقاص من الحرية؟ فأجاب قائلا: لا بد أن نفهم ان الحرية نسبية في أي مكان في العالم ولا توجد حرية مطلقة، ولا يرجع في تحديد مفهوم الحرية للأفراد، فالمشرع هو من يحدد ذلك، كما أنه لا بد من إيجاد نصوص قانونية تسد أي فراغ تشريعي.
ازدراء الأديان
نصت المادة 111 من قانون الجزاء بشأن جريمة ازدراء الأديان أو تسفيه العقائد، على أنه كل من أذاع بإحدى طرق العلنية آراء تتضمن سخرية أو تحقيرا أو تصغيرا لدين أو لمذهب ديني، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز ألف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين.
الأحكام القضائية
أكد العصفور أن نشر الأحكام القضائية يعتبر من أنواع المعالجة التشريعية التي تلجأ لها معظم الدول في العالم، باعتبارها عقوبة على كل شخص مثير للفتنة الطائفية، موضحا أنه يجب تطبيق هذه العقوبة كما هو مطبق في عقوبة سارقي المال العام.
تخفيف العقوبة من جناية إلى جنحة جعلها الرقم الصعب! جرائم «الشيكات».. تصيب المحاكم بـ«تخمة القضايا»
الشيك في بعض الأحيان سبب لدخول السجن
إعداد: مبارك العبدالله
أصبحت جرائم «الشيكات بدون رصيد» تشكل الرقم الصعب في نسبة الجرائم التي تشهدها محاكمنا من خلال عرض المتهمين عليها وأنواع الاتهامات المسندة إليهم، فلو اطلعنا على عدد الجرائم التي تعرض بشكل يومي، وخصوصا في قصر العدل، فإننا وبدون أي شك سنجد أن جرائم الشيكات هي المتصدرة.
هذه الجريمة التي أصبحت تشكل خطرا في أسواق المال والتجارة نوقشت سابقا وتم وضع العقوبات على الطاولة لبحث ما إذا كانت تحتاج إلى تغليظ لتكون أحد الحلول الرادعة لمرتكبيها، لكن القانون خفف العقوبة لهذه الجريمة، فبعدما كانت تصنف ضمن جرائم «الجنايات» أصبحت «جنحة»، ويعاقب عليها القانون بحبس مرتكبيها أقل من 3 سنوات، وهو ما يثير تساؤلا في هذا الجانب: ما الذي رآه المشرع من فائدة في تقليل العقوبة؟ وهل هو حل لتقليص الجرائم التي أصبحت تشكل أرقاما مخيفة في المحاكم؟
القانونيون الذين استطلعت «القبس» رأيهم أكدوا أن جرائم الشيكات أصبحت ظاهرة تهدد الاستقرار التجاري والاجتماعي، كما أشاروا إلى أن تحويل العقوبة إلى «جنحة» أدى إلى زيادة نوعية مثل هذه الجرائم، موضحين أن أهم الأسباب التي جعلت المتهم يستهين بالعقوبة أن قانون الجنحة لا يستلزم حضور المتهم أمام المحكمة، وإنما يوكل الدفاع للحضور نيابة عنه، وهذا ما قد يهون على المتهم العقوبة التي ستقع عليه ومن ثم لا يبالي بها.
والأمر الطريف الذي ينم في نفس الوقت عن ازدياد ظاهرة جرائم الشيكات أن أحد المحامين الذين تحدثوا لـ«القبس» قال إنه تعرض لمثل هذه الجرائم عندما ترافع عن أحد المتهمين في تهمة تقديم شيك بدون رصيد، وبعد الانتهاء من القضية، قدم المتهم أتعابا للمحامي، وكانت عبارة عن شيك بدون رصيد تم اكتشافه لاحقا بعد تقديمه للبنك. وفيما يلي التفاصيل:
في البداية يقول المحامي هيثم العون: شاع انتشار استعمال الشيك في الكويت شأنها شأن بلدان العالم، ولم يعد استعمال الشيكات قاصرا على فئه معينة، بل تستعملها فئات الدولة كافة من مواطنين ومقيمين في المعاملات المدنية والتجارية على السواء، حتى أصبحت الشيكات دارجة في معاملات مراكز أوراق النقد أو لكونها أداة سهلة التناول للوفاء بالديون وتحصيل الحقوق بين الأفراد.
حماية المشرع
واضاف العون قائلا: ونظرا لأهمية الشيك ومكانته البارزة في تسيير النشاط الاقتصادي للدولة، ولكونه شريان الحياة الاقتصادية في التداول فقد عني المشرع بحمايته فوضعه في بروج مشيدة تجعله يحقق الغاية المنشودة منه في التداول وقبوله في المعاملات على أساس أنه يجري مقام النقود، فجعل الاختصاص بنظره وإصدار العقوبة لقضاء الجنايات.
وتابع: وحسنا ما فعله المشرع إذ أضفى بهذا الاختصاص نوعا من الهيبة والوقار للشيك كأداة وفاء تقوم مقام النقود، وجعل العقوبة عن إصداره دون أن يكون له مقابل وفاء قائم ومقابل للسحب لمصلحة المستفيد بمجرد الإطلاع وتقديمه للبنك تصل إلى ما لا يزيد على الحبس ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز خمسمائة دينار بالمادة 237 من قانون الجزاء الكويتي.
وأكمل: ومنذ أن عقد المشرع الاختصاص بنظر جريمة الشيك لمحكمة الجنايات ووضع العقوبة التي تناسب أهميته ودوره البارز في تنشيط الحياة الاقتصادية شاهدنا دعاوى قليلة لا تذكر تنظرها محكمة الجنايات عن إصدارات لشيكات لا يقابلها رصيد أو مقابل للوفاء بالبنك المسحوب عليه، واستقرت المعاملات التجارية وأصبح الشيك له الحماية الخاصة المميزة في التداول بالسوق الكويتي.
واستطرد: وبعد أن حاز الشيك هذا الوضع المرموق الذي يتناسب مع أهميته البالغة في تنشيط وتفعيل المعاملات التجارية، تراجع المشرع الكويتي بإفقاد الشيك هيبته ومكانته حين جعل الاختصاص بنظره أمام محكمة الجنح وأدرجه ضمن نصوص مواد القانون التجاري باعتباره ورقة تجارية.
واشار إلى أنه ومنذ ذلك التاريخ ونحن نشاهد تزايدا هائلا في أعداد قضايا الشيكات التي تنظرها محكمة الجنح، موضحا أن هذه الظاهرة لها أسباب متعددة أهمها تعديل الاختصاص بنظر الشيك من محكمة الجنايات لما لها من رهبة وهيبة في النفوس إلى محكمة أقل درجة وهي محكمة الجنح لما لطبيعة التقاضي أمام هاتين المحكمتين من فروق يستشعرها المتقاضون بأنفسهم.
وقال العون: لذا فإننا نرى وجوب إعادة الحال إلى ما كان عليه سابقا من اختصاص محكمة الجنايات بنظر الشيك مع تغليظ العقوبة، وهذا التشديد لن يكون له أثر سلبي في النشاط الاقتصادي لأن الحكمة منه تبدو بازغة في عدم إقدام كل حائز لدفتر شيكات على تحرير الشيك لا يقابله رصيد لعلمه مسبقا بالعواقب الوخيمة التي تنظره.
وختم بقوله: ومن هنا سيكون محررو الشيك أشد التزاما من الحالة التي هم عليها الآن في ظل هذا التغيير الذي أفقد الشيك هيبته وتوازنه ونزل به إلى حافة الهاوية.
تشديد العقوبة
ومن جانبه يشير المحامي عبدالوهاب الرفاعي إلى ضرورة تشديد العقوبة، لأنها الحل، حيث اكد أن للشيك دورا بالغ الأهمية في النظام الاقتصادي، ويعتبر أداة وفاء وقد أدخل عليه القانون الجديد بعض الالتزامات لكي يكون أداة ضمان.
واستدرك الرفاعي قائلا: إلا أن ذلك غير كاف، وسبب ازدياد جرائم الشيك يعود إلى شريحتين وهما التجار ومن يحسنون النية، فهذه الفئة قد تعثرت في السداد لأسباب عدة وأهمها الازمات الاقتصادية، إضافة إلى عدم وجود السيولة، وكذلك من استخدمها كأداة ضمان إلى أن تعثر بالسداد في الوقت المتفق عليه.
واضاف: أما الشريحة الثانية فقد استغلت تخفيف العقوبة وفق القانون الجديد، واستخدمتها كوسيلة للنصب والاحتيال، إما بأسماء غير موجودة أو شركات وهمية وعدة أمور أخرى.
وتساءل عن أسباب تخفيف العقوبة قائلا: لماذا تخفيفها من جناية إلى جنحة؟ فإذا كنا قد رحمنا الشريحة الأولى من التجار والمتعثرين بالسداد والأشخاص الذين يحسنون النية، فإننا نكون قد ظلمنا أصحاب الحق المجني عليهم؟ ولم نردع من قام بالنصب والاحتيال!
وتابع: يجب أن نشدد العقوبة، ولكن بالتدريج أي أن تكون من جنحة وتتدرج إلى جناية وتستند الى عامل القصد الجنائي، فلا يستوي حسن النية وسيئ النية في نفس العقوبة، فضلا عن وجود عامل آخر هو قيمة المبلغ، فلا يستوي من كتب شيكا بعشرة آلاف دينار ومن كتب شيك بمليون دينار.
وخلص إلى أنه وبهذا التدرج نكون قد أنصفنا المجني عليهم، وقمنا برد كل من تسول له نفسه النصب والاحتيال.
الرغبة المالية
وعلق المحامي عادل قربان على موضوع الشيكات وتزايدها أمام المحاكم من وجهة نظر أخرى، موضحا أن للكويت وضعاً خاصاً على اعتبار أنها بلد تجاري، وفي طريقها لتكون مركزاً مالياً، تحقيقاً لرغبة أميرية سامية، وتسعى الحكومة جاهدة بكل ما أوتيت لتحقيق هذه الرغبة.
وأضاف قربان: وحيث ان المعاملات التجارية تتطلب السرعة في الوفاء بالالتزامات المالية لتحريك دوران عجلة النشاط التجاري في الحياة الاقتصادية، مما استلزم أن يكون للشيك وضع خاص لكونه يقوم مقام النقود في الوفاء بهذه الالتزامات التجارية، فكثر الالتجاء إلى استخدامه ليقوم مقام النقود على اعتبار أنه أداة وفاء بمجرد الاطلاع عليه.
وأوضح أن المشرع الكويتي بسط حمايته عليه، بل توسع في بسط تلك الحماية وجعلها حماية مزدوجة، الأولى حماية مدنية وتجارية من حيث المطالبة بقيمة الشيك أمام المحاكم المدنية والتجارية بواسطة استصدار أمر أداء بقيمة الشيك ضد الساحب، والحماية الثانية وهي التي تعنينا في مقامنا هذا وهي الحماية الجزائية حيث أوقع على محرر الشيك عقوبة الحبس في حال عدم وجود رصيد أو مقابل للوفاء بقيمته عند تقديم الشيك للبنك لتحصيله باعتباره جريمة يعاقب عليها الساحب، وذلك رغبة من المشرّع الجزائي في حماية الأوضاع الظاهرة، رعاية للاستقرار المالي والتجاري بالبلد.
وقال: ومن هنا يستطيع طالب الحماية ولوج الطريق الجزائي، وهو طريق سريع ومحمي بترسانة عقابية تردع المخالفين وتهددهم بسلب الحرية.
العبث بالشيكات
وأشار قربان إلى أن صور العبث بالشيك التي يعاقب عليها القانون الجزائي تتمثل في جريمة إعطاء شيك دون أن يكون له رصيد قائم وقابل للسحب، طبقاً للقانون رقم 84/2003، إضافة إلى تزوير الشيك، كذلك يعاقب من أؤتمن عليه موقعاً على بياض، فخان الأمانة وكتب في البياض الذي فوق الإمضاء أو الختم خلافاً للمتفق عليه، وإن فعل ذلك دون أن يكون مسلماً إليه تكون العقوبة أشد، أيضا يعاقب التاجر الذي يتمادى في إصدار شيكات تهريباً لأمواله وهو في حالة اضطراب مالي يتبعه إفلاس يعاقب على جريمة الإفلاس بالتدليس.
واستدرك قائلا: ولكن بالرغم من الحماية الجزائية التي أوجدها المشرع للشيك فإن هناك ازديادا في جرائم الشيكات إلى أن أصبحت ظاهرة بالكويت تهدد الاستقرار التجاري والاجتماعي، والسبب يرجع في ذلك إلى القانون رقم 84/2003 الخاص بتعديل بعض أحكم قانون الجزاء رقم 16/1960 بشأن المادة 237 والمتعلقة بجريمة الشيك بدون رصيد.
وأوضح أن هذا التعديل وإن كان إيجابياً في بعض النواحي، من حيث عدم قبول الدعوى الجزائية إذا لم يتقدم المستفيد من الشيك بشكواه ضد الساحب خلال أربعة شهور من تاريخ الشيك إذا كان مسحوباً في الكويت من التاريخ الموضح على الشيك أو خلال ستة شهور إذا كان الشيك مسحوباً خارج الكويت، حتى لا يكون الشيك كالسيف المسلط على رقبة الساحب مدى الدهر، كما كان في السابق.
وأكمل: كما أن الايجابية الثانية للتعديل بأن الشكوى الجزائية لا تقبل ولا تحرك أمام النيابة العامة إلا في تاريخ استحقاق الشيك المدون والموضح على الشيك نفسه حيث كان القانون قبل التعديل يسمح بتقديم الشيك للنيابة وتحريك الشكوى الجزائية متى ما شاء المستفيد حتى وإن لم يحل موعد استحقاقه، فكان المستفيد يستغل هذه النقطة بتقديم الشيك للنيابة قبل موعد استحقاقه رغبة منه في ابتزاز الساحب.
ازدياد الجريمة
واستدرك قربان قائلا : إلا أن المشرع الجزائي في تعديله رقم 84/2003 قام بتجنيح جريمة إصدار الشيك بدون رصيد من جناية إلى جنحة، الأمر الذي ساعد على ازدياد ظاهرة جريمة الشيك حيث كما هو معروف أن المتهم لا يستلزم حضوره في الجنحة أمام القاضي الجزائي فيستطيع أن يوكل الساحب من يشاء للحضور أمام القضاء، كما يستطيع أن يقوم بالمعارضة والاستئناف في الحكم الجزائي الصادر ضده بالحبس دون حضور الجلسة شخصياً بعكس السابق (قبل تعديل القانون) عندما كانت الجريمة جناية فإن المتهم يستلزم حضوره شخصياً أمام القاضي الجزائي عند معارضته أو استئنافه للحكم الجزائي الصادر ضده، وإلا فلن يقبل استئنافه، فكان الساحب في هذه الحالة يخشى من الحضور خوفاً من تنفيذ حكم الحبس الصادر ضده فيقوم بسداد قيمة الشيك فوراً قبل جلسة المعارضة أو الاستئناف.
وقال: أنا أنادي شخصياً بضرورة العودة إلى تغليظ العقوبة والرجوع إلى عقوبة الجناية مع ضرورة حضور الساحب «المتهم شخصياً» أمام المحكمة الجزائية عند قيامه بالمعارضة أو الاستئناف للحكم الصادر ضده، كما كان في السابق قبل التعديل لسنة 2003 في مسألة العقوبة والحضور أمام المحكمة كجريمة الجناية تماماً.
وتطرق قربان خلال حديثه إلى موقف شخصي في جريمة الشيكات بدون رصيد قائلا: تعرضت لموقف حيث قمت بالدفاع والحضور عن شخص متهم بعدة جرائم لشيكات بدون رصيد، وبعد قيامي بعمل معارضة للأحكام الصادرة ضده بالحبس وحصولي على أحكام مخففة لمصلحته، وعند مطالبتي بأتعابي قام بإعطائي شيكا وعند تقديمه للبنك تبين أنه بدون رصيد فقمت بتقديم شكوى جزائية ضده ويتضح من موقف هذا الشخص أنه استهان بالحكم الجزائي المخفف غير الرادع.
وخلص إلى أن هذا بالضبط ما أدى إلى ازدياد ظاهرة جريمة الشيك بدون رصيد، فأنا مع التغليظ والتشديد في العقوبة حفاظاً على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
أبرز متهم نائب سابق
من أبرز قضايا الشيكات من دون رصيد التي تشهدها المحاكم وسوف تنظرها بجلسة 11 الجاري المتهم فيها نائب إسلامي سابق بإعطاء المجني عليه شيكا من دون رصيد بقيمة 5 ملايين دينار.
وقد استند دفاع المجني عليه في القضية وفق مصادر مطلعة إلى المادة 111 من قانون الإجراءات التي نصت على أنه يجوز لكل من أصابه ضرر بسبب الجريمة أن يرفع دعوى بحقه المدني أمام المحكمة التي تنظر الدعوى الجزائية في أي حال كانت عليها الدعوى إلى أن تتم المرافعة.
كما طالب دفاع المجني عليه بإلزام المتهم (النائب السابق) بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ 5001 دينار على سبيل التعويض المؤقت، إضافة إلى تطبيق عقوبة الحبس بحقه.
وقد تكون هذه القضية مؤشرا خطيرا يتمثل في أن التلاعب بالشيكات من دون رصيد أصبح بيد المسؤولين والعمال العاديين.
الحبس أسبوعاأوضح القانونيون أن العقوبة في جريمة الجنحة تكون مخففة مقارنة مع جريمة الجناية، واشاروا إلى أن العقوبة الحالية لجرائم الشيكات تصل في بعض الأحيان إلى إصدار حكم الحبس لمدة أسبوع أو شهر على عكس عقوبة الجناية التي لا تقل عن ثلاث سنوات.
أسباب الزيادة
أكد القانونيون أنه حرصا على الاستقرار المالي للمعاملات التجارية لكون الشيك أداة وفاء يجب حمايته، وحتى لا يكون التجنيح سبباً في ازدياد ظاهرة جريمة الشيك من دون رصيد.
بيانات الشيك وفق ما استقر عليه العرف
الشيك عبارة عن صك مكتوب وفق أوضاع شكلية حددها العرف، بموجبه يأمر الساحب المسحوب عليه بدفع مبلغ معين من النقود بمجرد الاطلاع لشخص معين أو لأمره أو حامله، ويحتوي الشيك وفق ما تقتضيه ظروف المعاملات التجارية، وما استقر عليه العرف على البيانات الآتية:
1 - أمر غير معلق على شرط بدفع مبلغ معين.
2 - اسم البنك الذي يجب عليه الدفع (المسحوب عليه)
3 - بيان تاريخ إنشاء الشيك ومكانه.
4 - توقيع من أصدر الشيك (الساحب).
5 - اسم الشخص أو الجهة التي سيصرف لها الشيك (المستفيد).
يعقوب عبدالعزيز الصانع
بقلم : المحامي: يعقوب عبدالعزيز الصانع
بين نظرية «الفاعل المعنوي» والقصد الاحتمالي ظهرت نظرية الفاعل بواسطة «الفاعل المعنوي» في الفقه الألماني تحت ضغط الضرورات العملية في موضعين، الأول الفكرة الضيقة للفاعل الأصلي والتي كانت تقتصر على من قام بنفسه مباشرة بتنفيذ الجريمة، أما الثاني فهو التبعية المطلقة للشريك.
فوفقا لهذا المبدأ يرتبط حظ الشريك بحظ الفاعل الأصلي فلا يعاقب الشريك إلا إذا كان الفاعل الاصلي مسؤولا عن الجريمة، فمثلا إذا قام بالجريمة فاعل غير مسؤول جنائيا لعدم أهليته الجنائية (كالمجنون) أو لعدم توافر القصد الجنائي لديه كان الشريك غير مسؤول جنائيا لا بوصفه فاعلا لأنه لم يقم بتنفيذ الجريمة ولا بوصفه شريكا لأن مسؤوليته تتوقف على مسؤولية الفاعل طبقا لمبدأ التبعية المطلقة، ولعلاج النتائج غير المنطقية التي يؤدي إليها هذا الوضع كان لابد من اللجوء لنظرية الفاعل المعنوي إلى أحد الحلين، الأول: التوسع في فكرة الفاعل الأصلي واعتبار أن كل من سخر شخصا غير مسؤول جنائيا فاعلا أصليا للجريمة، وبهذا الحل أخذ الفقه والقضاء في ألمانيا ونص عليه القانون الإيطالي (المادة 11).
الثاني: العدول عن مبدأ التبعية المطلقة للشريك إلى مبدأ التبعية المقيدة الذي لا يشترط سوى أن يكون الفعل في حد ذاته غير مشروع بغض النظر عن مدى مسؤولية الفاعل عنه، هو ما يؤدي إلى مساءلة الشريك ولو كان الفاعل المنفذ للجريمة غير مسؤول جنائيا.. وبهذا الحل أخذ الفقه والقضاء في فرنسا.
المقصود بالفاعل بالواسطة: يراد بالفاعل بالواسطة كل من سخر شخصا غير مسؤول جنائيا على تنفيذ الجريمة. وتفترض الجريمة في هذه الحالة وجود فاعلين أحدهما فاعل مادي قام بتنفيذ الجريمة دون أن تتوافر لديه المسؤولية الجنائية، وثانيهما فاعل معنوي قام بتسخير الأول نحو القيام بهذا التنفيذ واستعمله كأداة لتحقيق هذا الغرض. ويتم هذا التسخير إما بطريق التحريض أو بتقديم المساعدة إليه. وقد عرض الفقه الألماني لعدة صور للفاعل المعنوي وتتضمن هذه الصور ثلاث حالات:
الأولى: عدم توافر الركن المعنوي لدى الفاعل المادي.
الثانية: مشروعية الفعل الذي ينفذه الفاعل المادي.
الثالثة: انتفاء الصفة الخاصة أو القصد الخاص لدى الفاعل المادي.
أولا: عدم توافر الركن المعنوي لدى الفاعل المادي، ويتحقق ذلك في الصورتين الآتيتين:
1ــ انتفاء الأهلية الجنائية لدى المنفذ: كالمجنون والصغير الذي لم يبلغ سن التمييز، فيعتبر فاعلا معنويا، وعلى سبيل المثال من يعطي مجنونا قنبلة لإلقائها على المجني عليه، ومن يطلب من صغيرا «لم يبلغ السابعة أن يسرق له مال الغير».
2ــ انتفاء القصد الجنائي لدى المنفذ:
قد لا تتوافر المسؤولية الجنائية للمنفذ للجريمة العمدية بسبب انتفاء القصد الجنائي لديه ثم يثبت ان هذا القصد كان متوافرا لدى من حرضه على الفعل الذي وقعت به الجريمة او ساعده على القيام به، مثال ذلك مدير المسرح الذي يسلم الممثل مسدسا به رصاص حقيقي لاستعماله اثناء التمثيل موهما اياه بأن به خرطوش، ما يؤدي الى قتل بطلة المسرحية به وكذلك من يسلم شخصا زجاجة بها سم لكي يقدمها الى المجني عليه موهما اياه انها تحتوي على دواء، في هذين المثالين كان الفاعل المادي مجرد اداة بشرية سخرها الفاعل المعنوي لتحقيق قصده الجنائي واختلف الفقه اذا ما ترتب على انتفاء القصد الجنائي لدى الفاعل المادي مساءلته عن جريمة غير عمدية بسبب توافر الخطأ غير العمدي لديه، هل يسأل الفاعل المعنوي بوصفه شريكا معه في جريمة غير عمدية وكانت محل بحث لدى الفقه الالماني؟
وبعجالة، نتحدث عن عناصر اخرى في نظرية الفاعل المعنوي:
1 ــــ مشروعية الفعل الذي ينفذه الفاعل المادي في حالة ارتكاب الفاعل المادي، الجريمة في حالة دفاع شرعي بناء على تحريض الفاعل المعنوي.
أ ــــ التحريض على الدفاع.
ب ــــ التحريض على الاعتداء.
2 ــــ انتفاء الصفة الخاصة او القصد الخاص لدى المنفذ.
أ ــــ جرائم خاصة من الناحية الموضوعية.. مثل ذلك جريمة الرشوة التي لا تقع الا من موظف عام.. وجريمة التموين التي لا تقع الا من تاجر.
ب ــــ جرائم خاصة من الناحية الشخصية، مثل ذلك جريمة التزوير، اذ يتطلب فيها قصد خاص، هو «نية استعمال المحرر المزور في ما زور من اجله» وجريمة البلاغ الكاذب، اذ يتطلب القانون فيها قصدا خاصا «الاضرار بالمبلغ ضده».
وتؤدي الصفة الخاصة او القصد الخاص للفاعل في الجرائم دورا مزدوجا:
1 ــــ كعنصر في نموذج الجريمة مثل صفة الزوج عند قتل الزوجة وعشيقها عند تلبسهما بالزنى.
2 ــــ كظرف في الجريمة وقد يكون ظرفا مشددا مثل صفة الخادم في السرقة او القصد الخاص في بعض جنايات الاعتداء على امن الدولة من جهة الخارج مثل قصد الاضرار بمركز البلاد او بمصلحة قومية لها في الجناية المنصوص عليها في المادة 77 عقوبات، مصري.
نظرية الأداة البشرية: يرى معظم الفقه الالماني والسويسري انه اذا تتوافر هذه الصفة او هذا القصد لدى المنفذ ولو كان اهلا للمسؤولية الجنائية، فإن الاخير يعتبر بمنزلة اداة بشرية عمدية في يد المحرض الذي يعتبر فاعلا بالواسطة اي فاعلا معنويا.
رأي العلامة الدكتور احمد فتحي سرور يقول:
نحن لا نسلم بتطبيق نظرية الفاعل بالواسطة في القانون المصري الحالي بناء على الحجج الآتية:
أولا: انتفاء الفائدة والضرورة القانونية بينما ان نشأة نظرية الفاعل بالواسطة ترجع الى التضييق من فكرة الفاعل الاصلي والى الاخذ بنظرية الاستعارة المطلقة للشريك، وكلا السببين غير متوافرين في القانون المصري.
اتجاهات القضاء المصري
أخذت محكمة النقض المصرية في قضاء قديم لها بنظرية الفاعل بالواسطة فقضت بأنه اذا حصل البلاغ الكاذب بواسطة شخص ما فعل ذلك بإرشاد المتهم ولم يكن الا آلة، فالمسؤولية الجنائية في ذلك تقع على المتهم الذي هو الفاعل الحقيقي للجريمة.
وقد رفضت محكمة النقض تطبيق نظرية الفاعل بالواسطة على جريمة التزوير التي يرتكبها موظف عمومي حسن النية اذا املاه الغير بسوء نية بيانات كاذبة فكتبها الموظف بحسن نية، وبهذا نختتم الجزء الاول من دراسة «نية ازهاق الروح» نظرية الفاعل المعنوي.
قضية «الشيك» تفتح جدلا قانونيا واسعا حول هذه القضية هل حصانة النائب في قاعة عبد الله السالم مطلقة ؟
تعتبر قضية «الشيك» الذي قدمه النائب د. فيصل المسلم في جلسة مجلس الأمة الأسبوع الماضي قد أشبعت جدلا ومناقشات ومشادات بين الناشطين سياسيا.
لكن القضية، من ناحية قانونية، لم تشبع ويبقى موضوع الطرح فيها واسعا، ويحتاج إلى نقاش قانوني طويل يستبعد أن ينتهي في الفترة الحالية.
فهناك قانونيون يؤكدون أن ما حصل من طرح موضوع الشيك فيه مخالفات قانونية يستوجب عقاب فاعلها، معتبرين الأسرار الشخصية يجب ألا تظهر، وإن كانت داخل مجلس الأمة، كما أن بعضهم لوح بالدفع بعدم دستورية القانون في حال تم الاعتداد بأن عضو مجلس الأمة غير محاسب على كل ما يقوله في قاعة «عبدالله السالم».
في المقابل كانت هناك آراء قانونية مغايرة لما سبق، مؤكدة أن هذا الموضوع يجب ألا يشبع جدلا في مسألة المعاقبة القانونية من عدمها، وذلك لأن المادة 110 من الدستور أوضحت صراحة بأن عضو مجلس الأمة لا يعاقب قانونا على كل أفعاله سواء داخل مجلس الأمة أو داخل لجانه.
وثارت أفكار قانونية أخرى في هذا الموضوع الذي طرحته «القبس»، حيث أشار القانونيون الذين طالبوا بمعاقبة كشف وفضح الأسرار داخل مجلس الأمة إلى وجود ضعف في الثقافة القانونية لدى عضو مجلس الأمة، مطالبين بأن يكون هناك واحد أو اثنين يفقهون قانونيا وينصحون النائب بدلا من وجود 15 سكرتيرا يساعدونه على أمور أخرى.
ولأن موضوع الشيك كانت له أبعاد أخرى، ويحتاج إلى دراسة مواد الدستور وتوضيحها، وبيان ما إذا كان عضو مجلس الأمة غير محاسب على كل ما يقوله داخل المجلس أم لا، كانت لنا وقفة مع بعض القانونيين وإليكم ماجاء فيها:
يعلق المحامي علي الجبر في البداية على مسألة محافظة البنوك على سرية ما لديها من معلومات وبيانات خاصة بعملائها من الأفراد والمؤسسات والبنوك الأخرى.
ويؤكد الجبر أن ذلك يعتبر ركنا أساسيا في أعمال المهنة المصرفية، قصد به تحقيق مصلحة عامة، وهي توفير الثقة في الجهاز المصرفي، واطمئنان الناس إلى أن معاملاتهم مع البنوك لن تكون عرضة للإفشاء إلا في الأحوال التي يصرح فيها القانون بذلك.
ويقول إن هذا ما نصت عليه المذكرة الإيضاحية شرحا للمادة 85 مكرر من القانون رقم 28/2004 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 32/1968 بشأن النقد وبنك الكويت المركزي.
تجريم
ووفق الجبر، فإن هذه المادة جرمت إفشاء أي عضو مجلس إدارة في بنك ما، أو مدير أو موظف أو مستخدم لأي معلومات أثناء عمله وبعد تركه للعمل، تتعلق بشؤون البنك أو العملاء أو بشؤون البنوك الأخرى، تكون قد وصلت إليه بسبب أعمال وظيفته، وذلك فيما عدا الأحوال التي يصرح فيها القانون بذلك.
وأوضح أن المشرع عاقب بموجب هذه المادة من يرتكب جرم الإفشاء بالحبس مدة لا تزيد على 3 أشهر وبغرامة لا تجاوز 225 دينارا أو بإحدى هاتين العقوبتين، مع الحكم على الجاني بالعزل في جميع الأحوال.
وأشار إلى أن القانون يعاقب أيضا في مواده العامة من يشترك مع من ارتكب جرم الإفشاء بالمساعدة، سواء كانت مساعدة للجاني قبل ارتكاب الجريمة، أو أثناء ارتكابها أو بعد ارتكابها بالاستفادة من نتيجة ارتكاب الفعل المجرم.
واستطرد الجبر قائلا: وهنا يتعرض من ساعد وعاون مرتكب جريمة إفشاء المعلومات، للمساءلة الجنائية، وينص القانون على أن الشريك يعاقب بنفس عقوبة الفاعل الأصلي للجريمة.
وأكمل: وبهذا يكون عضو مجلس الأمة الذي ساهم في نشر المعلومات الناتجة عن ارتكاب فعل إفشاء المعلومات المصرفية، شريكا مع الفاعل الأصلي، سواء بعد ارتكاب الجريمة أو قبل ارتكابها، إذا كان قد حرض على ذلك.
وانتهى إلى أنه يحق للبنك الآن أن يقدم بلاغا ضد الموظف الذي أفشى تلك المعلومة والشريك معه في تلك الجريمة.
الثقافة القانونية
وبدوره، علق المحامي نجيب الوقيان من ناحية أخرى على مسألة الثقافة القانونية لعضو مجلس الأمة، مشيرا إلى أن هناك قلة من الأعضاء لديهم ثقافة قانونية، وبالتالي يقع كثير منهم في مطبات الإخلال بالقوانين، وعليهم في الحقيقة أن يحسبوا ألف حساب بالحرص على تعيين مستشارين قانونيين لإعانتهم في اتخاذ موقف معين أو في تصريح ما، وبدل أن يكون لديهم 15 سكرتيرا لا حاجة اليهم، يضعون على الأقل واحدا أو اثنين يعينانهم في قانونية ما يقومون به من أعمال.
واستدل الوقيان على هذا القصور القانوني الذي قد يؤدي بالنائب إلى دخول محكمة الجنايات، بموضوع الشيك الذي قدمه أحد النواب دون أن يعلم أنه بعد قيامه بالتلويح بهذا الشيك قد خالف عدة قوانين وأهمها قانون الجزاء، وقانون المصارف والنقد.
وتابع قائلا: وبالنسبة الى قانون الجزاء لا يتصور أن يصرح نائب بأنه قد علم بجريمة قتل مثلا، وعلم بتفاصيل أدوات الجريمة ومرتكبها، وأنه يكتفي فقط بالتصريح، فهذا الأمر فيه مخالفة صريحة لقانون الجزاء ومن الممكن أن يدخل مع المتهم كشريك في الاتهام، لأن هناك واجبا قانونيا لدى أي شخص سواء كان عضو مجلس أمة أو موظفا في إحدى الوزارات أو مستخدما في أي مؤسسة فان قانون الجزاء الذي ينطبق عليهم هو قانون واحد.
وزاد الوقيان: وبالتالي سيكون من ضمن لائحة الاتهام اسم هذا العضو في تلك الجريمة، لأنه علم بها وتستر على المتهم وراءها، وبالتالي يكون شريكا لاحقا.
وقال: ان هناك مواضيع أخرى كثيرة أتمنى في الحقيقة أن يتجنب أعضاء مجلس الأمة مطباتها، لأنها قد تؤدي إلى التهلكة، وليس كل ما يعرف يقال، ولكل مقام مقال.
استثناءات
وفي رأي الوقيان، قد يكون هناك لبس لدى بعض الأعضاء بأن ما يصرح به النائب في المجلس هو في طور الحصانة، فهذا صحيح ولكن لكل قاعدة استثناءات، فلا يمكن له أن يمتد بهذه التصريحات إلى ندوة عامة، ولا يمكن أن يعتقد بعض أعضاء مجلس الأمة أن التجريح بالأشخاص مبرر ومباح، لأن المتضرر يستطيع اللجوء الى القضاء ومحاكمة العضو مصدر تلك الاتهامات الشخصية.
وبين أن المفروض حينما يكون في الوضع مساس بأبنائي وأشقاء بصورة شخصية أن يطلب النائب سرية الجلسة، لأن سمعة الأشخاص ليست بالأمر الهين، فالثقافة القانونية إذا لم تكن موجودة لدى عضو مجلس الأمة فهي مصيبة، إذا لم يستعن بمستشار قانوني يعينه.
مساءلة الأعضاء
أما أستاذ القانون بجامعة الكويت المحامي د. فايز الظفيري فعلق على الموضوع قائلا: لنسأل في البداية عن مدى مساءلة عضو مجلس الأمة القانونية عن الأفكار والأقوال التي يبديها تحت قبة البرلمان؟ وكنموذج لهذا الأمر ماحصل من النائب الذي أظهر الشيك في مجلس الأمة الأسبوع الماضي.
وأضاف الظفيري: وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نعرف أن عضو مجلس الأمة من الأشخاص الذين لايساءلون بسبب إعفاء مستند من القانون المحلي الوطني، فهناك سبب من أسباب الإباحة التي تناولها المشرع الدستوري من خلال نص المادة 110، حيث تقرر أن عضو مجلس الأمة حر فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال.
وتابع قائلا: إذا الحصانة المشار إليها بنص المادة المذكورة بنص الدستور الكويتي هي حصانة مطلقة، ولا يجوز رفع دعوى جزائية أو مدنية على عضو مجلس الأمة لأي كلام أو ألفاظ تخرج من تحت قبة البرلمان أو إحدى اللجان في المجلس.
واشار إلى أن المادة 19 من قانون اللائحة الداخلية 12/63 أكدت على ما ورد بنص المادة 110 من الدستور، فقررت أن عضو مجلس الأمة حر فيما يبديه من الآراء والأفكار في مجلس الأمة ولجانه، ولا تجوز مؤاخذته في حال من الأحوال، موضحا أنه لابد أن نعي حقيقة هذا النص وما قرره من حصانة.
مواد الدستور
واستدرك الظفيري: أما الجرائم التي ترتكب خارج مجلس الأمة أو لجان المجلس، فإن العضو يسأل عنها بشرط أن ترفع الحصانة عنه من قبل مجلس الأمة بالإجراءات التي رسمتها المادة 21 من اللائحة الداخلية للمجلس، وبخصوص موضوع الشيك أو غيره فإنه ينطبق عليه نص المادة 110 من الدستور، ومن ثم يجب على كل من يعطي رأيا بهذه المسألة أو يدلي بدلوه أن يعي الحقيقة، إذ لا مجال للاجتهاد، لأن الحصانة التي يتمتع بها النائب هي حصانة مطلقة غير قابلة للمناقشة ولا تخضع لسلطة مجلس الأمة التقديرية بشأن رفع الحصانة من عدمه، ولا يتبقى لمن يريد أن يقاضي بشأن قضية الشيكات إلا المسؤولية المدنية إن وجدت على من قام بتسريب الشيك او غيره.
• أنور المطيري
تحتل الرقابة القضائية على أعمال الإدارة المرتبة الأولى من حيث فعاليتها المباشرة في الحفاظ على مبدأ الشرعية عن طريق احترام القانون من قبل الإدارة، ويقوم بهذه الرقابة رجال السلطة القضائية الذين تتوفر فيهم كل المزايا التي يتصف بها القضاء، وبالتالي يكون لهذه الرقابة اثر فعلي ملموس يؤدي الى الغاء القرار الإداري غير المشروع، أو الى تقديم تعويض لمن اصابه ضرر من جراء فعل الإدارة، أو تصحيح القرار. ومن المزايا التي تمتاز بها الرقابة القضائية يمكن أن نذكر:
• ان السلطة القضائية مستقلة عن الإدارة، والعاملين في القضاء لا يأتمرون بأوامرها ولا يخضعون لتوجيهاتها، وبالتالي فأحكامهم ترتكز بالضروة على تطبيق القانون ومراقبة شرعية قرارات الإدارة.
• ان طبيعة العمل الذي يمارسه القضاة يجعل منهم أناساً مختصين في القضايا المعروضة عليهم للبت فيها باعتبار أنهم ملمون بأحكام القانون وأنهم متتبعون للتطورات التي يتم فيها تطبيقه، وذلك من خلال النوازع المعروضة عليهم والتي لها علاقة بالحياة اليومية التي تجعل من القاضي الحريص على حسن تطبيق القانون وفق الظروف المستجدة خاصة في ميدان نشاط الإدارة المتطورة والمتجدد بتجديد وتطور مفهوم المصلحة العامة الموكول الى ادارة العمل على تحقيقه.
• ان القاضي اذ يصدر قرارته، فهي ليست مجرد التماسات او رغبات موجهة الى الادارة، بل هي احكام قضائية تتمتع بقوة الشيء المقضي به ويلتزم جميع الاطراف بما فيهم الإدارة بضرورة العمل على تنفيذها وعدم عرقلة تحقيق غاياتها والا تعرضت للمسؤولية.
الى جانب هذه المزايا يمكن، نبين الانتقادات الموجهة الى هذه الرقابة.
• انها لا تتوجه بصفة مباشرة الى الادارة لإلغاء او تعديل قراراتها او تعويض الأضرار الناتجة عن اعمالها، بل تتم بناء على دعاوى يتقدم بها ذوو المصلحة.
• لا يمكن للقضاء ان يمارس هذه الرقابة بصفة تلقائية، فلا بد من وجود دعاوى تقدم وفق شروط معينة.
• تتسم شروط الدعاوى والاجراءات التي تتم فيها الدعوى عادة بالبطء ومتابعة الدعاوى الى النهاية مما يتطلب تكاليف مالية، اضافة الى مماطلة الادارة في تنفيذ الاحكام الصادرة تنفيذا للرقابة القضائية.
هنا لابد ان نؤكد انه مهما كانت صحة تلك الانتقادات فالرقابة القضائية على اعمال الادارة هي احدى الدعائم الملموسة والفعالة لمراقبة احترام مبدأ الشرعية ودفع الادارة الى احترام القانون وبالتالي حماية حقوق المواطنين وحرياتهم، ولمعرفة اهمية الرقابة القضائية لابد من دراستها اجماليا، اولاً من خلال اعطاء النظرة العامة للرقابة القضائية الممارسة على اعمال الادارة وثانيا من خلال تطبيقاتها على اعمال الادارة.
وهكذا فإن تقسيم الموضوع سيكون على التالي:
الاول: النظرة العامة للرقابة القضائية الممارسة على اعمال الادارة:
يقصد بالرقابة القضائية على الادارة تلك السلطات المخول للجهات القضائية التي بموجبها تكون لها سلطة البت فيها يدخل في اختصاصها من مسائل تكون الادارة _الادارة بوصفها سلطة عامة بطرفيها_ وتعد الرقابة القضائية احدى الضمانات الاساسية لممارسة الحقوق والحريات المعترف بها قانوناً للافراد فهي اكثر انواع الرقابة على اعمال الادارة فعالية نظرا لكونها تتمثل في هيئة مستقلة ومحايدة لا سلطان عليها الا للقانون، وهي تفصل في التظلمات المرفوعة اليها وفقا لاجراءات وقواعد لا توجد في غيرها من انواع الرقابة على اعمال الادارة هذا بالاضافة الى ان افرادها يتمتعون بالدراسة والكفاءة القانونية مما يجعلهم اكثر دراية بحقوق الافراد في حين ان الرقابة الادارية لا يتولاها الا اشخاص بالضرورة ذو خبرة قانونية يطمئن اليها قلب المواطن.
وفيما يلي بيان لخصائص الرقابة القضائية واهدافها ثم الفرق بين الرقابة القضائية والادارية.
الفقرة الثانية: الفرق بين الرقابة القضائية والرقابة الإدارية
لابد من التأكيد اولا على ان كل طرق الرقابة على اعمال الادارة تتكامل مع بعضها، فهي غير متعارضة، فكل منها يمكن ان يؤدي مفعوله بغية احترام الشرعية والدفاع عن حقوق وحريات المواطنين في اطار تحقيق المصلحة العامة التي تعمل الادارة من اجلها.
ومن حيث الفعالية على اعمال الادارة، تحتل كل من الرقابة الادارية والرقابة القضائية مكانتين مرموقتين، ولكن نظرا لطبيعة كل من هاتين الرقابتين يمكن لنا ان نسجل بعض الاختلافات بينهما:
1- تمارس الرقابة الادارية بواسطة الادارة نفسها، اما تلقائيا او بناء عى طلب المتضررين من اعمالها او من لهم مصلحة، اما الرقابة القضائية فهي تمارس من قبل القضاء الذي هو هيئة مستقلة عن الادارة، سواء كانت الدولة متبعة لنظام القضاء الموحد او لنظام القضاء المزدوج وذلك بناء على طلب دعوى.
2- تخضع الرقابة القضائية لبعض الاجراءات الخاصة والشروط الضرورية في تحريك الدعاوى واحترام بعض الآجال، واحيانا ضرورة مؤازرة المحامي، خاصة في بعض القضايا التي تستلزم خبرة قانونية في مواجهة الادارة التي تحاول الشطط في استعمال السلطة، في حين ان الرقابة الادارية قد لا تحتاج كل تلك التعقيدات.
3- ان الرقابة القضائية هي رقابة شرعية وبالتالي فهي كقاعدة عامة، محددة في نطاق مراقبة تصرفات الادارة في اطار احترامها لمبدأ الشرعية، ولا يمكن ان تمتد مراقبتها الى النظر هل تلك التصرفات ملائمة او غير ملائمة، اذ ان القضاء عند ممارسته للرقابة القضائية على اعمال الادارة غير مختص بمراقبة «الملاءمة»، في حين الرقابة الادارية يمكن ان تشمل مراقبة الشرعية ومراقبة الملاءمة في حدود القواعد والمبادئ العامة والخاصة باستقرار المعاملات الادارية وعدم المس بالحقوق المشروعة في اطار تطبيق القرارات الشرعية.
4- ان الاحكام القضائية التي تتوج الرقابة القضائية تكسب «حجية المقضى به» وبالتالي فهي تكون ملزمة لجميع الاطراف، فالادارة تكون ملزمة باتخاذ الاجراءات اللازمة لتنفيذ الحكم وغير الملزم بالرضوخ الى ذلك الحكم اذا ما استنفذ طبعا كل درجاته الخاصة به، وتبعا لذلك لا يمكن لاي طرف ان يحرك الدعوى من جديد للسبب نفسه الذي سبق البت فيه بحكم قضائي.
دراسة قانونية عن «محكمة الوزراء»: يجب إعادة التحقيق بمحاكمة الوزراء إلى النيابة العامة
طالبت دراسة قانونية أعدها المحامي نجيب الوقيان بعودة التحقيق لمحاكمة الوزراء إلى النيابة العامة.
وقالت الدراسة إن الممارسة الجادة لعمل المحاماة تجعلك تعرف ما لا يعرفه الآخرون عن القوانين ومدى حاجة المجتمع اليها وإمكانية تطبيقها وصلاحياتها وعما إذا كانت قوانين شعبوية ووضعت لغرض ما في وقت ما وأنها مع مرور الأيام والسنين أثبتت للممارسين لها انها لا تصلح للتطبيق وانها تتعارض مع الدستور.
لا حاجة إليها
وبينت انه ومن ضمن تلك القوانين التي أثبتت التجربة أنها لا حاجة لنا بها والقانون رقم 88 لسنة 1995 المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 2001 في شأن محاكمة الوزراء، وذلك لعدة أسباب جوهرية والمطالع للقانون في مادته الأولى حدد مفهوم الوزير في حدود تطبيق أحكامه وتكفلت المادة الثانية ببيان ما يقع من الوزير من جرائم أثناء تأدية وظيفته التي يعاقب عليها قانون الجزاء الكويتي، وتكفلت المواد الثالثة والرابعة والسادسة والسابعة من القانون ذاته ببيان مرحلتي جميع الاستدلالات والتحقيق والسلطة المناط بها القيام بهذا العمل، وضوابط العمل في هاتين المرحلتين، ودور كل من لجنة التحقيق المنوط بها بحث البلاغات التي تقدم ضد الوزراء، وبحث مدى جديتها والتحقق من صحتها والتصرف فيها على ضوء ما تسفر عنه التحقيقات، وأيضاً أوضحت المواد ذاتها دور النيابة العامة ممثلة في النائب العام الذي ينحسر في تلقي البلاغات المقدمة ضد الوزراء وإحالتها إلى لجنة التحقيق وحضور الوزير أو من ينيبه من المحامين العامين الكويتيين جلسات التحقيق، وإبداء ما يراه من طلبات، حيث تقوم لجنة التحقيق في جميع الأحوال بإخطار النائب العام بنتيجة التصرف وإمداده بصورة من الأوراق والتحقيقات التي تمت، حيث يقوم النائب العام بإعلان كل من الوزير ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الأمة بصورة من قرار الاتهام وقائمة أدلة الثبوت وإعلان شهود الإثبات أو إعلانهم بأمر الحفظ حسب الأحوال حيث يكون قرار الحفظ نهائياً ولا يجوز التظلم منه ثم تكفلت المواد من الثامنة إلى المادة الثالثة عشرة ببيان المحكمة المختصة بمحاكمة الوزراء المشكلة تشكيلاً خاصاً والقواعد والإجراءات المتعبة في محاكمتهم وطريقة الطعن عليها.
شبهة عدم الدستورية
وأضافت الدراسة: لما كان من الملاحظات المبداة على هذا القانون بشأن الجهة المنوط بها التحقيق والتصرف فيه انه يحمل في طياته شبهة عدم الدستورية وفي بيان ذلك:
أولاً: أناط القانون بلجنة التحقيق المشكلة تشكيلاً خاصاً الجمع بين مرحلتي الاستدلالات والتحقيق فيما يقدم إلى النائب العام من بلاغات ضد الوزراء، وأصبح دور النيابة العامة ممثلة في النائب العام أو وكلائه من المحامين العامين الكويتيين يندرج ضمن الاختصاصات التي تنص عليها القوانين أو تقتضيها وظيفتها الإدارية مما يسلب النيابة اختصاصها الأصيل بوصفها المنوطة بها سلطة التحقيق والتصرف والادعاء في الجنايات عملاً بحكم المادة 9/1 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، وتباشر أيضاً النيابة الدعوى الجزائية بمتابعة سيرها أمام المحاكم حتى يصدر فيها حكم بات وذلك بصفتها النائبة عن المجتمع والممثلة له وهي التي تتولى تمثيل المصالح العامة وتسعى إلى تحقيق موجبات القانون حيث خصها الدستور الكويتي في المادة 1/167 منه بتولي الدعوى العمومية باسم المجتمع والاشراف على شؤون الضبط القضائي والسهر على تطبيق القوانين الجزائية وملاحقة المذنبين وتنفيذ الأحكام. إلا ان قانون محاكمة الوزراء مار الذكر قد سلبها ذلك الحق الدستوري.
سلطة النيابة
وقالت الدراسة ان السؤال الذي يطرح نفسه هو: أين النيابة العامة المنوط بها سلطة التحقيق والتصرف والادعاء ومتابعة سير الدعوى العمومية والسعي إلى تحقيق موجبات القانون من القانون رقم 88 لسنة 95 بشأن محكمة الوزراء وتعديلاته؟ ولماذا تسلب سلطة النيابة العامة المنوط بها سلطة التحقيق والتصرف والادعاء ومتابعة سير الدعوى العمومية وهي صاحبة الاختصاص والخبرة، ومنح سلطة التحقيق للجنة تحقيق مشكلة من السادة مستشاري محكمة الاستئناف لديهم من القضايا الكم الوفير والوقت القصير الذي لا يكاد يتسع لقيامهم بعملهم الأساسي الا هو الحكم فيها، فيجب ترك المستشارين للتفرغ لعملهم الحقيقي وترك سلطة التحقيق للنيابة العامة الذي بلا شك قد مضى خمسة عشر عاما من تركهم له.
مزايا للوزير المشكو في حقه
قالت الدراسة انه لما كان قانون الجزاء الكويتي قد نص في مواده على عقوبات للموظفين العموميين ولم يفرق بين مستخدم ووزير، وأنهم سواسية أمام مسطرة قانون الجزاء وقانون الاجراءات الجزائية، ولكننا نجد أن قانون محاكمة الوزراء قد حمل في طياته الكثير من المزايا والافضلية للوزير المشكو في حقه على عكس الموظف العادي، في حين كانوا جميعا من قبل صدور القانون على حد سواء أمام قانون الجزاء. وبهذا يكون القانون مشوبا بمخالفة الدستور لمواده السابعة والتاسعة والعشرين والخاصة بمبدأ العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع.
مخالفة مواد الدستور والعدالةأوضحت الدراسة أنه في قانون محاكمة الوزراء فإن الوزير المختص تقوم لجنة التحقيق باخطاره بالبلاغ، ويقوم هو بالرد عليه وموافاة اللجنة برأيه، وكذلك ترسل صورة من البلاغ إلى رئيس مجلس الأمة وكذلك صورة إلى رئيس مجلس الوزراء لاحاطتهما بفحوى البلاغ. وكل هذه المزايا غير متوفرة للوزير في ظل قانون الجزاء والاجراءات الجزائية.
دراسة قانونية حول الحصانة النيابية: يحق للشرطة القبض على النائب بالجرم المشهود
علي العصفور
أكدت دراسة قانونية ان الحصانة النيابية هي حصانة منقوصة ومشروطة، موضحة انها تسقط امام الجريمة المشهودة بما يكفل الحق لرجل الشرطة القبض والتفتيش لشخص النائب أو مسكنه إعمالا بمواد قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية.
وفي بداية الدراسة قال معدها المحامي علي العصفور انه اثير في الآونة الاخيرة موضوع الحصانة النيابية وماهيتها والى اي مدى تكون؟ وهل هي مطلقة أم أنها مقيدة ومشروطة من خلال ما جاء به القانون، سواء قانون الاجراءات الجزائية او ما جاءت به لوائح مجلس الامة؟
حرية
وأوضح العصفور ان الحديث يقتضي أولا تسليط الضوء على ماهية الحصانة النيابية، فهي التي يتكلم عنها المشرع باعتبارها غطاء قانونيا للنائب، بحيث يجعل القانون يقف وتغل يده امام الافعال والاقوال التي يأتي بها النائب، وحتى يكون النائب بمنأى عن كل ما من شأنه أن يعيق اداءه لعمله ويجلعه حرا وغير مقيد في ابداء آرائه وبمنأى عن تهديد سيف السلطة، وهو ما جاء بنص المادة 19 من لائحة المجلس، حيث نصت على الآتي: «عضو مجلس الامة حر في ما يبديه من الأفكار والآراء بالمجلس او لجانه ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال».
واضاف: بمطالعة نص المادة سالفة الذكر نجد أنها قد أعطت النائب حرية مطلقة في إبداء آرائه، ونصت على عدم جواز مؤاخذته وهو أمر واضح وصريح ولا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل النص أكثر مما يحتمل ولا يمكن تأويله أو تفسيره بخلاف ما جاء به، حيث ان الحصانة المذكورة هي حصانة مطلقة ويشترط فيها أن تكون الأقوال والأفعال داخل المجلس وداخل لجانه.
بإذن المجلس
وبين أن المادة 20 من اللائحة ذاتها تنص على أنه «لا يجوز أثناء دور الانعقاد في غير حالة الجرم المشهود ان تتخذ نحو العضو اجراءات التحقيق او التفتيش أو القبض أو الحبس أو اي اجراء جزائي آخر إلا بإذن المجلس، ويتعين اخطار المجلس بما قد يتخذ من اجراءات جزائية أثناء انعقاده على النحو السابق، كما يجب اخطاره دواما». في اول اجتماع له بأي اجراء يتخذ في غيبته ضد أي عضو من أعضائه ويجب لاستمرار هذا الاجراء أن يأذن المجلس بذلك، وفي جميع الأحوال إذا لم يصدر المجلس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصوله إليه اعتبر ذلك بمنزلة إذن».
إجراءات القبض
وأكمل: ويتبين أن المادة المشار إليها تتحدث عن اجراءات القبض والتفتيش والتحقيق والحجز وكل الاجراءات الجزائية التي تقع على النائب في أثناء دور الانعقاد وتمتعه بالحصانة، بحيث اشترطت صدور إذن المجلس لمباشرة هذه الاجراءات بالنسبة للنائب، ولكن المادة المذكورة استثنت حالة الجرم المشهود وهذا الاستثناء جاء بشكل صريح لا يقبل اللبس وهو متى ما وجد النائب متلبسا بجريمة فإن الحديث والتذرع بالحصانة لا مكان له هنا ولا يعتد بهذه الحصانة، ويجوز لرجال الشرطة القبض على هذا النائب من دون حاجة لاستصدار إذن من المجلس لمباشرة الاجراءات الجزائية بحقه، وبالتالي يتم اتخاذ كل الاجراءات الجزائية التي نص عليها قانون الاجراءات الجزائية من القاء قبض وحبس واجراءات تحقيق وتفتيش وخلافه من الاجراءات ويتعين بعد ذلك اخطار المجلس بالاجراءات المتخذة قبل النائب.
القبض على النائب
قالت الدراسة انه لو اعتدى أحد أعضاء مجلس الأمة على شخص بالضرب خارج المجلس وابان تمتعه بالحصانة النيابية وكان هناك تلبس بالجريمة وبحضور رجل الأمن، فإنه ينبغي على رجل الأمن إلقاء القبض على هذا النائب ولا مجال هنا لتمسك النائب بالحصانة، حيث اننا أمام جريمة مشهودة تشملها أحكام قانون الإجراءات الجزائية التي تجيز لرجل الشرطة القبض لكون الفعل الذي أتاه النائب جريمة مشهودة ومعاقب عليها بالحبس.
عجز رجال الأمن
ذكرت الدراسة ان كثيرا من الأفعال التي تمثل جرائم مشهودة وفي حالة تلبس يقف أمامها رجال الأمن عاجزين، معتقدين ان الحصانة تقف حجر عثرة أمامهم وتغل أيديهم عن تطبيق القانون، وهو أمر غير صحيح ويخالف ما ذهب اليه المشرّع، والحكمة من التشريع بأنه لا يوجد أحد بمنأى عن يد العدالة وانه لا يمكن ان يقوم المشرّع بإعطاء حصانة مطلقة لأي كان حتى لا تقف العدالة عاجزة أمام هذه الحصانة.
دراسة قانونية حول الحصانة النيابية: يحق للشرطة القبض على النائب بالجرم المشهود
علي العصفور
أكدت دراسة قانونية ان الحصانة النيابية هي حصانة منقوصة ومشروطة، موضحة انها تسقط امام الجريمة المشهودة بما يكفل الحق لرجل الشرطة القبض والتفتيش لشخص النائب أو مسكنه إعمالا بمواد قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية.
وفي بداية الدراسة قال معدها المحامي علي العصفور انه اثير في الآونة الاخيرة موضوع الحصانة النيابية وماهيتها والى اي مدى تكون؟ وهل هي مطلقة أم أنها مقيدة ومشروطة من خلال ما جاء به القانون، سواء قانون الاجراءات الجزائية او ما جاءت به لوائح مجلس الامة؟
حرية
وأوضح العصفور ان الحديث يقتضي أولا تسليط الضوء على ماهية الحصانة النيابية، فهي التي يتكلم عنها المشرع باعتبارها غطاء قانونيا للنائب، بحيث يجعل القانون يقف وتغل يده امام الافعال والاقوال التي يأتي بها النائب، وحتى يكون النائب بمنأى عن كل ما من شأنه أن يعيق اداءه لعمله ويجلعه حرا وغير مقيد في ابداء آرائه وبمنأى عن تهديد سيف السلطة، وهو ما جاء بنص المادة 19 من لائحة المجلس، حيث نصت على الآتي: «عضو مجلس الامة حر في ما يبديه من الأفكار والآراء بالمجلس او لجانه ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال».
واضاف: بمطالعة نص المادة سالفة الذكر نجد أنها قد أعطت النائب حرية مطلقة في إبداء آرائه، ونصت على عدم جواز مؤاخذته وهو أمر واضح وصريح ولا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل النص أكثر مما يحتمل ولا يمكن تأويله أو تفسيره بخلاف ما جاء به، حيث ان الحصانة المذكورة هي حصانة مطلقة ويشترط فيها أن تكون الأقوال والأفعال داخل المجلس وداخل لجانه.
بإذن المجلس
وبين أن المادة 20 من اللائحة ذاتها تنص على أنه «لا يجوز أثناء دور الانعقاد في غير حالة الجرم المشهود ان تتخذ نحو العضو اجراءات التحقيق او التفتيش أو القبض أو الحبس أو اي اجراء جزائي آخر إلا بإذن المجلس، ويتعين اخطار المجلس بما قد يتخذ من اجراءات جزائية أثناء انعقاده على النحو السابق، كما يجب اخطاره دواما». في اول اجتماع له بأي اجراء يتخذ في غيبته ضد أي عضو من أعضائه ويجب لاستمرار هذا الاجراء أن يأذن المجلس بذلك، وفي جميع الأحوال إذا لم يصدر المجلس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصوله إليه اعتبر ذلك بمنزلة إذن».
إجراءات القبض
وأكمل: ويتبين أن المادة المشار إليها تتحدث عن اجراءات القبض والتفتيش والتحقيق والحجز وكل الاجراءات الجزائية التي تقع على النائب في أثناء دور الانعقاد وتمتعه بالحصانة، بحيث اشترطت صدور إذن المجلس لمباشرة هذه الاجراءات بالنسبة للنائب، ولكن المادة المذكورة استثنت حالة الجرم المشهود وهذا الاستثناء جاء بشكل صريح لا يقبل اللبس وهو متى ما وجد النائب متلبسا بجريمة فإن الحديث والتذرع بالحصانة لا مكان له هنا ولا يعتد بهذه الحصانة، ويجوز لرجال الشرطة القبض على هذا النائب من دون حاجة لاستصدار إذن من المجلس لمباشرة الاجراءات الجزائية بحقه، وبالتالي يتم اتخاذ كل الاجراءات الجزائية التي نص عليها قانون الاجراءات الجزائية من القاء قبض وحبس واجراءات تحقيق وتفتيش وخلافه من الاجراءات ويتعين بعد ذلك اخطار المجلس بالاجراءات المتخذة قبل النائب.
القبض على النائب
قالت الدراسة انه لو اعتدى أحد أعضاء مجلس الأمة على شخص بالضرب خارج المجلس وابان تمتعه بالحصانة النيابية وكان هناك تلبس بالجريمة وبحضور رجل الأمن، فإنه ينبغي على رجل الأمن إلقاء القبض على هذا النائب ولا مجال هنا لتمسك النائب بالحصانة، حيث اننا أمام جريمة مشهودة تشملها أحكام قانون الإجراءات الجزائية التي تجيز لرجل الشرطة القبض لكون الفعل الذي أتاه النائب جريمة مشهودة ومعاقب عليها بالحبس.
عجز رجال الأمن
ذكرت الدراسة ان كثيرا من الأفعال التي تمثل جرائم مشهودة وفي حالة تلبس يقف أمامها رجال الأمن عاجزين، معتقدين ان الحصانة تقف حجر عثرة أمامهم وتغل أيديهم عن تطبيق القانون، وهو أمر غير صحيح ويخالف ما ذهب اليه المشرّع، والحكمة من التشريع بأنه لا يوجد أحد بمنأى عن يد العدالة وانه لا يمكن ان يقوم المشرّع بإعطاء حصانة مطلقة لأي كان حتى لا تقف العدالة عاجزة أمام هذه الحصانة.
دراسة قانونية عن «محكمة الوزراء»: يجب إعادة التحقيق بمحاكمة الوزراء إلى النيابة العامة
طالبت دراسة قانونية أعدها المحامي نجيب الوقيان بعودة التحقيق لمحاكمة الوزراء إلى النيابة العامة.
وقالت الدراسة إن الممارسة الجادة لعمل المحاماة تجعلك تعرف ما لا يعرفه الآخرون عن القوانين ومدى حاجة المجتمع اليها وإمكانية تطبيقها وصلاحياتها وعما إذا كانت قوانين شعبوية ووضعت لغرض ما في وقت ما وأنها مع مرور الأيام والسنين أثبتت للممارسين لها انها لا تصلح للتطبيق وانها تتعارض مع الدستور.
لا حاجة إليها
وبينت انه ومن ضمن تلك القوانين التي أثبتت التجربة أنها لا حاجة لنا بها والقانون رقم 88 لسنة 1995 المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 2001 في شأن محاكمة الوزراء، وذلك لعدة أسباب جوهرية والمطالع للقانون في مادته الأولى حدد مفهوم الوزير في حدود تطبيق أحكامه وتكفلت المادة الثانية ببيان ما يقع من الوزير من جرائم أثناء تأدية وظيفته التي يعاقب عليها قانون الجزاء الكويتي، وتكفلت المواد الثالثة والرابعة والسادسة والسابعة من القانون ذاته ببيان مرحلتي جميع الاستدلالات والتحقيق والسلطة المناط بها القيام بهذا العمل، وضوابط العمل في هاتين المرحلتين، ودور كل من لجنة التحقيق المنوط بها بحث البلاغات التي تقدم ضد الوزراء، وبحث مدى جديتها والتحقق من صحتها والتصرف فيها على ضوء ما تسفر عنه التحقيقات، وأيضاً أوضحت المواد ذاتها دور النيابة العامة ممثلة في النائب العام الذي ينحسر في تلقي البلاغات المقدمة ضد الوزراء وإحالتها إلى لجنة التحقيق وحضور الوزير أو من ينيبه من المحامين العامين الكويتيين جلسات التحقيق، وإبداء ما يراه من طلبات، حيث تقوم لجنة التحقيق في جميع الأحوال بإخطار النائب العام بنتيجة التصرف وإمداده بصورة من الأوراق والتحقيقات التي تمت، حيث يقوم النائب العام بإعلان كل من الوزير ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الأمة بصورة من قرار الاتهام وقائمة أدلة الثبوت وإعلان شهود الإثبات أو إعلانهم بأمر الحفظ حسب الأحوال حيث يكون قرار الحفظ نهائياً ولا يجوز التظلم منه ثم تكفلت المواد من الثامنة إلى المادة الثالثة عشرة ببيان المحكمة المختصة بمحاكمة الوزراء المشكلة تشكيلاً خاصاً والقواعد والإجراءات المتعبة في محاكمتهم وطريقة الطعن عليها.
شبهة عدم الدستورية
وأضافت الدراسة: لما كان من الملاحظات المبداة على هذا القانون بشأن الجهة المنوط بها التحقيق والتصرف فيه انه يحمل في طياته شبهة عدم الدستورية وفي بيان ذلك:
أولاً: أناط القانون بلجنة التحقيق المشكلة تشكيلاً خاصاً الجمع بين مرحلتي الاستدلالات والتحقيق فيما يقدم إلى النائب العام من بلاغات ضد الوزراء، وأصبح دور النيابة العامة ممثلة في النائب العام أو وكلائه من المحامين العامين الكويتيين يندرج ضمن الاختصاصات التي تنص عليها القوانين أو تقتضيها وظيفتها الإدارية مما يسلب النيابة اختصاصها الأصيل بوصفها المنوطة بها سلطة التحقيق والتصرف والادعاء في الجنايات عملاً بحكم المادة 9/1 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، وتباشر أيضاً النيابة الدعوى الجزائية بمتابعة سيرها أمام المحاكم حتى يصدر فيها حكم بات وذلك بصفتها النائبة عن المجتمع والممثلة له وهي التي تتولى تمثيل المصالح العامة وتسعى إلى تحقيق موجبات القانون حيث خصها الدستور الكويتي في المادة 1/167 منه بتولي الدعوى العمومية باسم المجتمع والاشراف على شؤون الضبط القضائي والسهر على تطبيق القوانين الجزائية وملاحقة المذنبين وتنفيذ الأحكام. إلا ان قانون محاكمة الوزراء مار الذكر قد سلبها ذلك الحق الدستوري.
سلطة النيابة
وقالت الدراسة ان السؤال الذي يطرح نفسه هو: أين النيابة العامة المنوط بها سلطة التحقيق والتصرف والادعاء ومتابعة سير الدعوى العمومية والسعي إلى تحقيق موجبات القانون من القانون رقم 88 لسنة 95 بشأن محكمة الوزراء وتعديلاته؟ ولماذا تسلب سلطة النيابة العامة المنوط بها سلطة التحقيق والتصرف والادعاء ومتابعة سير الدعوى العمومية وهي صاحبة الاختصاص والخبرة، ومنح سلطة التحقيق للجنة تحقيق مشكلة من السادة مستشاري محكمة الاستئناف لديهم من القضايا الكم الوفير والوقت القصير الذي لا يكاد يتسع لقيامهم بعملهم الأساسي الا هو الحكم فيها، فيجب ترك المستشارين للتفرغ لعملهم الحقيقي وترك سلطة التحقيق للنيابة العامة الذي بلا شك قد مضى خمسة عشر عاما من تركهم له.
مزايا للوزير المشكو في حقه
قالت الدراسة انه لما كان قانون الجزاء الكويتي قد نص في مواده على عقوبات للموظفين العموميين ولم يفرق بين مستخدم ووزير، وأنهم سواسية أمام مسطرة قانون الجزاء وقانون الاجراءات الجزائية، ولكننا نجد أن قانون محاكمة الوزراء قد حمل في طياته الكثير من المزايا والافضلية للوزير المشكو في حقه على عكس الموظف العادي، في حين كانوا جميعا من قبل صدور القانون على حد سواء أمام قانون الجزاء. وبهذا يكون القانون مشوبا بمخالفة الدستور لمواده السابعة والتاسعة والعشرين والخاصة بمبدأ العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع.
مخالفة مواد الدستور والعدالةأوضحت الدراسة أنه في قانون محاكمة الوزراء فإن الوزير المختص تقوم لجنة التحقيق باخطاره بالبلاغ، ويقوم هو بالرد عليه وموافاة اللجنة برأيه، وكذلك ترسل صورة من البلاغ إلى رئيس مجلس الأمة وكذلك صورة إلى رئيس مجلس الوزراء لاحاطتهما بفحوى البلاغ. وكل هذه المزايا غير متوفرة للوزير في ظل قانون الجزاء والاجراءات الجزائية.
د. محمد عبداللطيف الجارالله
ان الهدف من هذه الدراسة القانونية المختصرة هو التجول في قانون الجنسية الكويتي، وكشف بعض الشبهات التي تعتري الفهم لدى اغلب الناس حوله. بالاضافة الى تأكيد بعض الحقائق للإسهام في تهدئة النفوس والعيش بسلام، بعيدا عن المشادات والتكسبات السياسية. دعونا الان نبين تلك الشبهات بشرح مختصر.
تعتبر الجنسية من حيث الأصل مسألة وطنية تخضع لحرية الدولة في تنظيمها، لأنها تعبر عن سيادتها وتمس التركيبة السكانية والحياة السياسية والاقتصادية فيها. وقد اقر هذا المبدأ في فتوى محكمة العدل الدولية الدائمة عام 1923 بشأن النزاع الفرنسي البريطاني حول مراسيم الجنسية في تونس ومراكش، حيث أقرت المحكمة ان من حق كل دولة الاحتفاظ بحرية تشريع قوانين الجنسية. واكد هذا ايضا مؤتمر لاهاي المتعلق بتنازع قوانين الجنسية عام 1930.
لكن وبالرغم من ان الجنسية مسألة وطنية بحتة فان القانون الدولي يتدخل احيانا في وضع بعض القيود على الدول في تنظيمها لمسائل الجنسية. فعلى سبيل المثال هناك قيود اختيارية وإجبارية على الدول في تنظيمها للجنسية تفرضها مصالح الدول الأفراد. كالاتفاقيات الدولية، والعرف، المبادئ العامة في القانون الدولي. فهذا يؤكد أن الدول وان كان لها الحرية في تنظيم قانون الجنسية لكونه مسألة داخلية، إلا أنها مقيدة في حدود القانون الدولي والخروج عن تلك الحدود ينافي المبادئ القانونية والإنسانية.
ان قرار منح الجنسية يعد قرارا هدفه الاساسي تحديد العنصر الأساسي للدولة وهو الشعب. وبما ان الإنسان بطبيعته يحب الانتماء إلى مجموعة معينة تشترك فيها روابط تقربها من بعض، أيا كانت صور هذا الانتماء، كالأسرة أو القبيلة أو مجموعة فكرية، فالجنسية تعتبر فكرة متطورة من حاجة الفرد إلى الانتماء ومن تلك الروابط التي تذوب فيها.
وعلى وجه العموم، فان قانون الجنسية - كونه احد افرع العلوم الانسانية- يتأثر ببقية الفروع الاخرى في المجموعة ذاتها. فمثلا نجد أن قانون الجنسية يتأثر بالعلوم السياسية والأنثروبولوجيا والجغرافيا، واللغة.. الخ.
وتعتبر الجنسية بمفهومها الحالي حديثة النشأة، حيث جاءت متأثرة بمبدأ القوميات والحق في تقرير المصير في نهايات القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، إلى أن نظم مفهومها وتطور عبر الزمن فأصبحت أداة لتمييز المواطن عن الأجنبي واستخدمت أيضا لحماية مواطني الدولة.
اما تاريخ الجنسية في الكويت فقد ظهر قبل ان تستقل عن الوصاية البريطانية عام 1961 بعد ان استفادت في تنظيمها لقانون جنسيتها عام 1959 من قوانين الجنسية في الدول الاخرى السابقة لها في التنظيم كالتي صدرت في مصر. وهذا يؤكد ان قانون الجنسية، وان كان هدفه تحديد عنصر الشعب، الا انه ليس ضروريا لقيام الدولة. ويستفاد ايضا منه، ان الدولة وان كانت ناقصة السيادة فهي تستطيع اصدار قوانين الجنسية لان لها الحق في ادارة شؤونها الداخلية من دون الخارجية منها.
ويتضح من الرأي السائد في الفقه أن الجنسية من مسائل القانون العام التي تظهر فيها سيادة الدولة بعيدا عن فكرة العقد، حيث قضت بذلك محكمة النقض الفرنسية في قضية «كولم»، وهذا ما نرجحه بالنسبة إلى القانون الكويتي حيث جاء الدستور (كونه احد فروع القانون العام) في نص المادة 27 الذي أشار إلى الجنسية وعهد في تنظيمها إلى أحكام القانون، حيث تنص المادة على أن «الجنسية الكويتية يحددها القانون. ولا يجوز إسقاط الجنسية او سحبها إلا في حدود القانون.» وفي هذا السياق جاءت فتوى إدارة الفتوى والتشريع حيث تنص على انه «.. ومن ثم فان للمشرع مطلق الحرية بمقتضى القانون العام في تنظيم الجنسية على الوجه الملائم الذي يتفق ومصلحة الجماعة، ولا محل بهذه المثابة للاحتجاج بوجود حق مكتسب أو ترتيب ذاتي للفرد قبل الدولة في اكتساب جنسيتها على وجه معين..».
وعليه، فإن الوجه السالف الذكر فإنه لا يعني إغفال دور الإرادة في كسب الجنسية ــ كما في التجنس ــ رغم التسليم بكون الجنسية من أفرع القانون العام.
وتعرف الجنسية حسبما جاء في الفتوى 1915/7 الصادرة من إدارة الفتوى والتشريع سنة 1974 على أنها:
«رابطة سياسية وقانونية بين فرد ودولة، توجب في طياتها الولاء لها، وتوجب عليها حمايته، ومن ثم كانت موضوعاتها تنبثق من سيادة الدولة ذاتها، فكان للدولة بما لها من هذه السيادة ان تحدد عنصر السكان فيها، وهي إذ تخلق الجنسية بإرادتها وحدها تحدد شروط منح الجنسية وشروط كسبها حسب الوضع الذي تراه مستكملاً لعناصر وجودها، لذلك كانت مسائل الجنسية من صميم الأمور الداخلة في كيان الدولة وكان تنظيمها يتعلق بسيادتها لاتصالها بالنظام العام».
طرق الحصول على الجنسية
تتعدد أسباب كسب الجنسية، فمنها تبدل السيادة على إقليم ما إما بالضم أو الانفصال، أو بالميلاد أو التوطن أو الإقامة أو بهما معا، أو بالدم أو بالزواج. وأيّاً كان سبب الحصول على الجنسية فإنها لا تعدو أن تكون عن احد طريقين.
اما من خلال الجنسية الأصلية، التي تعرف بأنها الجنسية التي تمنح عند الميلاد أو بسببه، وتسمى أحياناً بالجنسية المفروضة، لأنها تفرض بالقانون. فهي تكون لصيقة بالفرد الذي تتحقق فيه شروط القانون، التي أوردها ودون أن تكون للإدارة العامة للجنسية سلطة في منحها. فهي في القانون الكويتي تنصرف ــ من حيث المبدأ ــ تحديداً الى علاقة الدم (ومن جهة الأب فقط)، كمن يولد لأب كويتي، كما جاءت بذلك المادة الثانية منه. أو من يولد لأم كويتية ــ في شروط استثنائية ــ وفقا للمادة الثالثة، أو يولد لمتجنس بعد اكتسابه الجنسية الكويتية، وفقا للمادة السابعة، الفقرة الثالثة. ويشتق من الجنسية الأصلية استثناء جنسية التأسيس» في المادة الأولي من القانون الكويتي التي تعتبر جنسية مؤقتة بنشأة الدولة واستثنائية أي انها ليست جنسية ميلاد إنما بحكم القانون.
إلى جانب الحصول على الجنسية عن طريق الجنسية الأصلية، إلا أنها تكتسب من خلال التجنس أيضا، الذي يعرف بمفهوم المخالفة للجنسية الأصلية، أو بأن الجنسية التي يتم الحصول عليها في وقت لاحق على الميلاد. وتسمى بالجنسية الطارئة أو المختارة أو المشتقة أو المكتسبة. وتمارس الإدارة العامة للجنسية - ممثلة في الوزير المختص ولجان التحقيق - في التجنس - عن طريق المراسيم - مطلق الحرية في منح الجنسية على عكس الجنسية الأصلية. والتجنس قد يكون تجنسا عاديا، وهو المشفوع بطلب وتوافر الشروط كما جاء في المادة الرابعة من القانون. أو استثنائي تمنحه الإدارة لمن ترى فيهم أهلية الحصول على جنسيتها - وغالبا يكون بطلب ايضا - كمن أقام فترة معينة أو من يدافع عنها في حال الحرب أو يقدم لها اختراعا علميا أو من يتزوج بمواطنيها.. إلخ كما جاء في المادة الخامسة من قانون الجنسية.
إذاً الفرق بين التجنس والجنسية الأصلية فقط هو مدى تطابق المعيار الزمني بين الميلاد وحرية كل من الفرد والإدارة. وفي قانون الجنسية الكويتي فإن هناك فرقا بسيطا حول من له الجنسية الأصلية والتجنس من حيث التصويت والانتخاب. فالمتجنس محروم مدى الحياة من الترشح للمجالس النيابية «مجلس الأمة والبلدي والتصويت إلا بعد 20 سنة من تجنسه، وهذا في نظرنا منتقد ولا أساس له.
فقد الجنسية
يتم فقد الجنسية الكويتية بإحدى ثلاث صور، إما التنازل الصريح عنها، حيث يعد التنازل الوسيلة الاختيارية التي يعبر فيها الفرد عن عدم رغبته في التمسّك بجنسية الدولة. فمن المبادئ الدولية المستقر عليها، أنه لا يجوز إجبار الفرد على جنسية دولة ما، فله الحرية في التنازل عن جنسيته باختياره.
أما الصورة الثانية لفقد الجنسية هي أن يتم الفقد بحكم القانون، فمثلا إذا تجنس الكويتي بصفة أصلية بجنسية مختاراً جنسية دولة أخرى، أو إن ارتد المتجنس عن الإسلام، فإنه يفقد الجنسية بقوة القانون من دون أن يكون للإدارة العامة للجنسية دور أو سلطة تقديرية في تقرير فقد جنسيته.
أما الصورة الثالثة والأخيرة للفقد، التي تملك الإدارة العامة للجنسية دورا فيها، هو الفقد بقرار إداري، إما عن طرق السحب أو الإسقاط. ولعل الناظر في مادة السحب - 13 من قانون الجنسية - ومادة الإسقاط - 14من قانون الجنسية - يجد أنهما مؤسستان تأسيسا بعيدا عن العدالة وروح القانون. فعلي سبيل المثال تقرر المادة 13 من قانون الجنسية سحب الجنسية عن المتجنس «إذا استدعت مصلحة الدولة العليا أو أمنها الخارجي ذلك، ويجوز في هذه الحالة سحب الجنسية الكويتية ممن يكون قد كسبها معه بطريق التبعية»، فلك أن تتخيل أن المعيار جاء فضفاضا بالنسبة إلى «مصلحة الدولة العليا» وغير عادل، لأنه اشتمل على سحبها من جميع من اكتسب الجنسية مع المتجنس كزوجته وأبنائه البالغين والقصّر، الذين وُلدوا قبل اكتسابه الجنسية الكويتية.
وتجدر الإشارة إلى أن قانون الجنسية الكويتي لم ينظم مسائل أو حالات انعدام الجنسية، إنما تركها تختلط مع أساليب فقد الجنسية. فمثلا إذا قدّم الفرد بيانات كاذبة أو ارتكب غشاً في الحصول على الجنسية الكويتية، أو إذا لم يقدم المتجنس ما يفيد تنازله عن الجنسية الأجنبية خلال 3 أشهر من المرسوم الصادر بمنحه الجنسية. فهذه الحالات في حقيقتها حالات الانعدام، أي ان الجنسية الكويتية لم تثبت لحظة من الزمن، وهي تختلف عن حالات فقد الجنسية التي تستوجب أن تكون الجنسية موجودة، ثم تفقد، أي كانت موجودة فترة زمنية على أساس صحيح. لذا كان الأجدر في القانون أن يفرد لها مادة مستقلة.
ازدواج الجنسية وانعدامها
بذل كثير من الجهود الدولية والإقليمية والمحلية لحل مشكلتي الازدواج والانعدام، لكنهما تبقيان قائمتين لعدة أسباب. أولها اعتبارات السيادة في تنظيم الجنسية وجعلها أمرا داخليا. ثانيها وجود أسباب فنيه تؤثر فيهما، كاستخدام إسقاط الجنسية كعقوبة على الجريمة، كما حدث بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، عندما قامت بعض الدول بإسقاط الجنسية بشكل جماعي عن رعاياها، كالاتحاد السوفيتي. ومن اسبابها الفنية ايضا عدم الجمع أو الجمع بين حق الإقليم وحق الدم، أو عدم منح الجنسية للقيط، أو عدم منح الجنسية لمن يولد لأب عديم الجنسية...وغيرها.
وتتم معالجة مسألة ازدواج الجنسية عن طريق عدة معايير، فمنها ان تفضل الجنسية التي تتفق أحكامها مع قانون القاضي، او تفضل الجنسية التي حصل عليها الفرد أولا. والراجح هو استظهار الجنسية الفعلية (الاكثر ارتباطا)، أو الواقعية effective nationality. وهذا ما اخذ به القضاء الدولي في قضيه رافائيل كانفارو الذي ولد في بيرو لأب ايطالي، فاكتسب جنسيه بيرو عن طريق الإقليم، وايطاليا عن طريق الدم. حيث تنازعت كل من الدولتين حول جنسيته، عندما طلب منه دفع الضريبة إلى حكومة بيرو، مما أدى إلى عرض النزاع أمام محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي عام 1912، حيث قضت الهيئة أن كانفارو يتبع بيرو، مستندة في ذلك إلى معيار الجنسية الفعلية، كونه قام بترشيح نفسه لعضويه مجلس الشيوخ في بيرو، وعمل قنصلا لهولندا فيها. وكذلك الامر مستقر على هذا كما جاء الحكم في قضيه نوتيبهوم عام 1955 أمام محكمة العدل الدولية التي أقرت «أن الجنسية الفعلية هي التي تتفق والمركز الواقعي، والتي تقوم على اقوى رابطة فعلية بين الفرد واحدى الدول التي يحمل جنسيتها..».
أما مسألة انعدام الجنسية، فيمكن معالجتها عن طريق معرفة مكان التوطن، أو الإقامة واعتباره جنسية ذلك الشخص. وهذا ما خول به القانون الكويتي رقم 5 لسنة 1961 القاضي الكويتي بشان الازدواج والانعدام، حيث نصت المادة 70 منه على انه «يعين القاضي القانون الذي يجب تطبيقه في حالة الأشخاص الذين لا تعرف لهم جنسية، أو الذين تثبت لهم جنسيات متعددة في وقت واحد. على أن الأشخاص الذين تثبت لهم في وقت واحد بالنسبة إلى الكويت الجنسية الكويتية، وبالنسبة إلى دوله أجنبية أو عده دول جنسية تلك الدول يطبق عليها القانون الكويتي».
مما سبق يتضح انه ليس من هموم وأولويات قانون الجنسية الكويتي التجاوب مع دعوات المجتمع الدولي بشأن الازدواج، ولا يسعى إلى تلافي انعدام الجنسية انما فقط الاقلال منه.
تشتبه الجنسية كمركز قانوني مع مفاهيم يظن أن لها أثراً كأثر الجنسية، ولكنها في حقيقة الأمر هي ليست من الجنسية في شيء. من تلك الأمور شهادة إثبات الجنسية، حيث تختلف فكرة الجنسية عن شهادة إثبات الجنسية اختلافاً كبيراً. فالأخيرة قرينة قاطعة على الجنسية، لكنها ليست هي المركز القانوني الذي يحصل عليه الفرد، الذي يعتبر هو المعني من الجنسية. بعبارة أخرى، فإن شهادة اثبات الجنسية لا تعبّر بصورة حقيقية عن الجنسية كفكرة موضوعية ومركز قانوني.
ومن تلك المفاهيم أيضاً الجنسية وجواز السفر. حيث يعتبر جواز السفر قرينة بسيطة ـــ قابلة لاثبات العكس ـــ على ان من يحمله يتمتع بجنسية دولة ما، ولكنه لا يعني بالضرورة أن من يحمل جواز سفر لدولة ما فإنه يتمتع بجنسيتها. لان جوازات السفر أحياناً تمنح لتسهيل مهام بعض الأفراد الذين يعملون في المنظمات الدولية، أو من له إقامة طويلة في بلد ما. أي أنها قد تصدر للفرد دون أن يكون بينه وبين الدولة أي رابطة ومركز قانوني، لذلك فهي ليست المقصودة بالجنسية.
آثار الجنسية
آثار الجنسية هي الحقوق والالتزامات التي ترتبها ـــ كما جاء في تعريفها سابقاً ـــ على الفرد والدولة. هذا الآثار تختلف من دولة إلى أخرى حسب فلسفتها السياسية وتقديرها لدور الفرد، وفي هذا جاء تفصيل في الدستور الكويتي في الباب الثالث منه في المادتين 27 و49، ونكتفي بالإشارة اليها. إلا أن من هذه الآثار له طابع داخلي كالولاء، والخدمة العامة، والاختصاص الشخصي، ومنها ما له طابع دولي كحق الفرد في طلب الحماية الدبلوماسية ـــ اما مباشرتها في حق للدولة ـــ وحق الفرد في العودة الى بلده.
خصائص قانون الجنسية الكويتي
مما تقدم يمكننا القول ان قانون الجنسية الكويتي قانون انتقائي لا يتبنى نظرية معينة، إنما يضع الحل لكل حالة على حدة، مثلا انه لم يتبن نظرية منح الجنسية بناء على حق الإقليم او الدم المطلق من جهة الام إلا في حالات ضيقة جدا في المادة الثالثة منه. وكذلك فهو قانون يهتم بالجزئيات ولا يربط الفرضيات معا.
ومن خصائصه ايضا انه كثيرا ما يتم تعديله وتغييره تأثرا بالواقع السياسي، لذا فانه قد يبدو غير منطقي أحيانا.
ومن اهم تلك الخصائص ان القضاء يمتنع عن النظر في أي منازعات بشأنه، وذلك وفقا لنص المادة الأولى الفقرة الخامسة من قانون انشاء المحكمة الادارية، حيث استثنت من اختصاص الدائرة الإدارية «القرارات الصادرة في شأن مسائل الجنسية وإقامة وإبعاد غير الكويتيين وتراخيص إصدار الصحف والمجلات ودور العبادة»، وعليه فلا يمكن للفرد رفع دعوى محلية أو دولية بشان منحه الجنسية.
وهذا الأمر منتقد في نظرنا، لأنه في ظل غياب رقابة القضاء لن نتمكن من تطبيق القانون تطبيقا سليما، وهذا ما يجعل قانون الجنسية من أكثر القوانين جدلا في الكويت. إن ما ندعو إليه ليس تدخل القضاء في أعمال السلطة التنفيذية، إنما مراقبة مدى استحقاق أو عدم استحقاق الفرد للجنسية الكويتية فقط، تماما مثلما يباشر القضاء الإداري مهمته في تصحيح أعمال الإدارة إلغاء وتعويضا. وهذا ما أخذت به محكمة النقض المصرية ومجلس الشيوخ الفرنسي في تكييف أعمال الإدارة في منح الجنسية على أنها أعمال إدارية administrative وليست أعمالاً حكومية governmental. وعليه، فالقرارات المتعلقة بالجنسية لا تعدو إلا أن تكون قرارات إدارية تقبل التعويض والإلغاء، كالقرار الصادر بمنح الجنسية وإسقاطها أو سحبها أو تشكيل لجنة من الكويتيين لاقتراح من تثبت لهم الجنسية، وتشكيل لجان التحقيق في الجنسية وإثباتها... إلخ.
ويؤيد هذا التوجه الفقه الحديث، ويؤكد ضرورة تمكين الفرد من اللجوء إلى القضاء والطعن على القرارات المتعلقة بالجنسية، بالإضافة إلى عدم حرمان القضاء من قيامه بالاجتهاد في مسائل الجنسية. وقد أخذ بهذا الرأي مجمع القانون الدولي العام الذي أقيم بنيويورك سنة 1929، بشكل واسع، حيث سمح للمحاكم الدولية حق سماع المنازعات التي تنشأ بين الفرد والدولة بشأن الجنسية.
ختاماً، الحديث عن قانون الجنسية الكويتي يطول، ولكن الهدف من هذه الدراسة المختصرة هو كشف بعض الملاحظات حوله، والتأكيد على أن الأصل في الإنسان هو ذاته وقيمه وعمله وعلمه. ونلخصها في الآتي:
1 - إن القانون الكويتي سمح ببعض حالات الازدواج لمن يحمل الجنسية الأصلية.
2 - إنه لا فرق كبيراً بين الجنسية الأصلية والتجنس، ويجب أن يعطى المتجنسون حق التعيين في المجالس النيابية والترشيح لها، فور تجنسهم.
3 - يجب أن تفعّل المواد المعطّلة في قانون الجنسية، وهما المادتان الثانية والرابعة.
4 - على القضاء الكويتي أن ينظر دعاوى الجنسية، خصوصاً ما يتعلق بالتجنس.
5 - لا بد أن يتم منح الجنسية الكويتية عن طريق الدم بصورة مطلقة لأبناء الأم الكويتية، سواء كانت متجنسة أو لها جنسية أصلية، مساواة بالأب.
6 - أن تضبط مواد السحب والإسقاط اصطلاحاً، وتضيق بأضيق الحدود، ويكون لها أثر شخصي وليس تبعياً.
7 - ينبغي أن يلغى تطلب شرط الإسلام في جميع مواد التجنس مساواتها بالجنسية الأصلية، لأن من يقرر منح جنسية التجنس هي الإدارة ابتداء، أي أنه ليس كل مسلم سيتم تجنسيه، كما أن طلب هذا الشرط قد يحرم الكثير ممن يستحقون الجنسية ممن لا يتوافر فيهم الإسلام، ثم إن الهدف من شرط الإسلام كما جاء في قانون الجنسية ليس محافظة عليه أو الدعوة إليه، إنما جاء تماشياً مع الوضع السياسي في الثمانينات، لذلك تجد من الغرائب أنه إذا ارتد المتجنس عن الإسلام، فإن الجنسية هنا تفقد من أبنائه وزوجته الذين ما زالوا مسلمين، مما قد يحقق لهم ردة فعل خاطئة عن دينهم!
8 - يجب أن ينص في قانون الجنسية على مادة خاصة ترتب انعدام الجنسية، لا أن تترك حالاتها مختلطة مع الفقد.
9 - يجب أن تلغى جميع الشروط المتوافرة في المادة الخامسة، لأن الجنسية هنا استثنائية، فلا داعي لوضع شروط معينة، كما جاءت المادة الرابعة بشروط للتجنس الاعتيادي، ثم أنه جدلاً لو أبقت الإدارة العامة للجنسية هذه الشروط في المادة الخامسة، فهي لن تجنس من تحققت فيهم تلك الشروط، ما لم تقرر هي ذلك. إذاً، إيراد تلك الشروط لا يتناسب وطبيعة التجنس الاستثنائي.
بدرية الناقة
لجأ جانب من السياسيين والقانونيين والعامة في الفترة الاخيرة لنهج صادم وغير مسبوق لبعض القضايا المطروحة، سواء اثناء تداولها امام جهات التحقيق او امام المحاكم في مختلف درجاتها او حتى بعد الفصل فيها بأحكام باتة، وهي التي اطلق عليها وصف «قضايا الرأي العام»، فلم يقتصر تناولها على وقائع القضية او تحقيقات النيابة او ما سجلته محاضر جلسات المحاكم من اقوال الشهود وغيرها من الاجراءات القضائية، بل تعدى الى حدود عقد جلسات موازية افردت لها مساحات من لقاءاتهم وندواتهم ودواوينهم، واباح الكثير لنفسه في جلسات هذه المحاكمات الموازية ان يواجه المتهمون بالاتهامات المنسوبة اليهم، ويحقق دفاعهم فيها، ويزن ادلة الثبوت بها، بل واحيانا يندب الخبراء يستطلع اراءهم، وقد يخلص بعدها الى اصدار احكام الادانة او البراءة قبل ان تقول المحكمة كلمتها، واحيانا يتم ذلك كله بعد ان تكون المحكمة قد فصلت في القضية بحكم بات او قابل لطعن ويجيء الحكم على نحو مخالف.
وحيث ان لذلك عواقب مفزعة ووخيمة تهدد استقلال القضاء وتعصف بكل قيم العدالة وتنتهك الدستور والقانون وتهدر ضمانات التقاضي وتؤثر على تشكيل الوجدان الجماعي للمواطنين في ايمانهم بنزاهة القضاء، لذلك نصت المادة 146 من قانون الجزاء على انه «كل من حاول وهو سيئ القصد عن طريق الامر او الطلب او التهديد او الرجاء او التوصية حمل موظف ذي اختصاص قضائي على اتخاذ اجراءات مخالفة للقانون او على الامتناع عن اتخاذ اجراءات يقضي بها القانون، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تجاوز 150 دينارا او بإحدى هاتين العقوبتين».
ونصت المادة 147 من القانون ذاته على انه «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تجاوز 150 دينارا او بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص اخل بوسيلة من وسائل العلانية المبينة في المادة 101 بالاحترام الواجب لقاض على نحو يشكك في نزاهته او اهتمامه بعمله او في التزامه لاحكام القانون».
ويجب ان يفهم هنا جليا ان استقلال القضاء وحصانة القضاة لا يمنحان ميزة للقاضي لشخصه ولكن القدسية والحصانة والامتياز والحماية هي لعمل القاضي وحده الذي يسعى لتحقيق العدل بين الناس، فإذا استبيحت هذه الضمانات اهتزت ثقة المواطن في القضاء والاحساس بطهارته، وفقد الامل في ان يجد النصفة لديه، وفضلا عن هذه الآثار المدمرة التي يمكن ان تنجم عن السعي بغير وعي فإن القانون يعاقب ويؤثم هذا النوع من الافعال المحظورة التي من شأنها التأثير في القضاة الذين يناط بهم الفصل في دعوى مطروحة امام اي جهة من جهاته في البلاد او رجال النيابة او غيرهم من الموظفين المكلفين بالتحقيق، وكذلك فإن هذا التدخل له التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى او التحقيق او ضده، وللاسف فلقد بلغ انتهاك القانون والاستخفاف به اقصى مداه عندما نسمع ونقرأ يوميا بالعلن او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي او بالصحف تعليقات منها المضحك والمبكي على الاحكام القضائية، والتجمهر امام ساحات المحاكم والنيابات والمخافر، ووضع لافتات تؤيد او تعارض الاجراءات القضائية، او تفسير تلك الاجراءات بما يناسب المواقف، فيقال بُرّ.ئ معتد وحُب.سَ حر واطلق خاضع.
ونشير الى انه وان كانت حرية الرأي مكفولة دستوريا وقانونيا فإن ذلك لا يعني التهكم على اعمال القضاء او التدخل في شؤونه، فإنه وفقا لمبدأ الشرعية وسيادة القانون فإنه يجب الخضوع لاعمالهم وتصرفاتهم،
كما أن استقلال القضاء هو المدخل لسيادة القانون، فهو الذي يصون للشرعية بنيانها، وذلك أن استقلال السلطة القضائية تعني أن تعمل بعيدا عن كل أشكال التأثير الخارجي التي توهن عزائم رجالها فيميلون عن الحق ترغيبا أو ترهيبا، بما ينافي ضمانة التجرّد عند الفصل في الخصومة القضائية، والحقيقة الثابتة أن العمل القضائي لا يجوز أن يثير ظلال قائمة حول حياديته، فلا يطمئن إليه المتقاضون الذين داخلتهم الريبة فيه أو أن يأتي متماشيا مع المواءمات السياسية.
ويتضح لنا جليا من متابعة الميدان السياسي والقانوني بشكل عام أن هناك حالة من عدم ثقة في مؤسسات الدولة، وهناك محاولات تشويه للقضاء في الأوضاع الراهنة، تؤكد لنا أن المؤسسة القضائية تقابل أكبر تحديات في تاريخها، حيث يترقب الشعب ما تسفر عنه القضايا الكبرى التي تعرض عليها حاليا، والتي تمسّ الشعب الكويتي بأكمله، واننا نؤكد انه ما يجب ان يفهم جيدا ان المحكمة هي الجهة الموكلة من الشعب للفصل في الدعاوى، ومن ثم ينبغي على الشعب أن يثق في حكمها ولا يعول على شيء غيرها، لأن هذا هو التطبيق العملي لاستقلالية القضاء، التي يطالب بها الشعب بأكمله، إذ إن الرأي العام ليس لديه من المعطيات ما يؤهله للحكم على تلك الدعوى من أوراق بما تحويه من أدلة وقرائن وأسباب للبراءة او الإدانة وقد أشيعت عبارة غريبة، وهي «أن هذا الحكم يخالف إرادة الشعب»، والحقيقة أن منطق هذه العبارة لا يستقيم، والمنطق القانوني السليم، فلا إرادة سوى إرادة القانون، إذا ما أردنا فرض سيادة القانون ودولة القانون، وهي الضمانة الكبرى التي يرتجي المواطن من خلالها الملاذ الآمن للعدل والأمن والأمان، وهذه الآمال لا سبيل لتحقيقها من دون الوثوق بالاحكام القضائية واعتبارها عنوان الحقيقة كما اتفق شراح القانون على وصفها ايمانا بنزاهة القضاء وحياديته المفروضة وايمانا بانه لا سلطان على ارادة القاضي وحكمه سوى ارادة القانون، وانه لا وسيلة للطعن عليه الا بالسبل المقررة قانونا. لذا، فإن ما يمارسه البعض من الخلط بين الدائرة السياسية والسلطة القضائية ستنجم عنه فوضى غير متناهية تمس بها سيادة القانون، مما قد يؤدي الى انهيار الدولة، وهنا تتجلى حكمة الدستور في الفصل بين السلطات فنص على ان سيادة القانون اساس الحكم في الدولة، وان استقلال القضاء وحصانته ضمانان اساسيان لحماية الحقوق والحريات، وبالتالي لا يجوز لاي سلطة التدخل في شؤون العدالة. وقد كشفت المادة 50 من الدستور عن ذلك بالنص على انه «يقوم نظام الحكم على اساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لاحكام الدستور».
حكم ابتدائي برفض فوائد القروض يعيد الجدل على الساحة: هل تحكمنا قوانين مدنية أم شرعية؟!
إعداد مبارك العبدالله
أثير في الأسبوع الماضي جدل قانوني واسع في أوساط مجتمعنا، وذلك على خلفية أحد الأحكام الابتدائية الرافضة لفوائد قروض أحد البنوك بعدما أكدت حيثيات الحكم أن الأحكام الشرعية الاسلامية تحرم الفوائد، ويجب تحريمها في الكويت لأنها تحكم وفق الأحكام الشرعية.. وكان الجدل يدور محوره عما اذا كانت قوانيننا تحكم بها المحاكم وفق الشريعة الاسلامية باعتبارها أحد مصادر التشريع، أما أنها قوانين مدنية كما يؤكد البعض؟
ولأن الحكم الذي أصدرته المحكمة ابتدائي، فلا يجوز انتقاده أو التعرض له لكونه معروضاً حالياً أمام محكمة الاستئناف، لكنه وبما أننا نناقش الأمور القانونية، فكان لا بد أن نطرح تساؤلاً وحيداً على القانونيين عما اذا كانت محاكمنا أو الدستور نص على أن قوانيننا تكون وفق الدولة المدنية أم أنها وفق الشريعة الاسلامية.
كانت حيثيات الحكم الذي أثار جدلاً تقول: انه لما كان من المقرر أن القروض التي تمنحها البنوك في نطاق نشاطها المعتاد تعد بنص المادة الخامسة من قانون التجارة عملاً تجارياً بطبيعته في جميع الأحوال، لكونها من معاملات البنوك سواء كان المقترض تاجراً أم لا، وسواء كان القصد فيها التصرف في أعمال تجارية أم أعمال مدنية.
جدير بالرفض
وقالت المحكمة: انه لما كان ينحسر عن معاملات البنوك حظر استحقاق الفائدة فإن عقد القرض موضوع الدعوى وبما تضمنه من سريان فائدة اتفاقية %4 فوق سعر الخصم المعلن من ذلك ما تحدى به المدعي من عدم انطباق نص المادة الخامسة من قانون التجارة على عقد القرض كون المادة 101 من ذات القانون قد خرجت على الأصل العام بالمادة الخامسة من ذات القانون عندما نصت على أنه يكون القرض تجارياً اذا كان القصد منه صرف المبالغ المقترضة في أعمال تجارية، فضلاً عن عدم أحقية المدعى عليه بصفته للفائدة عملاً بمفهوم المخالفة لنص المادة 102 من ذات القانون كون القرض غير تجاري بالنسبة للمدعي، ذلك ان القرض المقصود بنص المادة 101 السالفة البيان هو ذلك الذي يمنح من جهات أخرى لا تعتبر بنوكاً سواء كانت تلك الجهات أشخاصاً طبيعيين أو معنويين فضلاً عن ان ما أوردته المحكمة في أسبابها السالفة البيان يتضمن الرد الضمني على دفاع المدعي في شقه الثاني (تمسكه بالمادة 102 تجارة)، ومن ثم يضحى الطلب السالف البيان على غير أساس جدير بالرفض.
وأوضحت المحكمة انه وعن دفع المدعي بقطعية تحريم الفوائد الربوية على القرض موضوع الدعوى وفقاً لما نصت عليه الشريعة الإسلامية وما نص عليه الدستور، ومن ان دين الدولة الإسلام، وان الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع، الذي هو في حقيقته طلب بعدم أحقية المدعى عليه الأول بصفته بتقاضي فوائد عن عقد القرض موضوع الدعوى لمخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية، فإنه لما كانت الفوائد التي تضمنها عقد القرض موضوع الدعوى هو فوائد ربوية حرمتها الشريعة الإسلامية الغراء فإن المحكمة تجيب المدعي إلى طلبه.
أحكام الشريعة
الخبير الدستوري د. محمد الفيلي أوضح في بداية تعليقه على الموضوع قائلاً المذكرة التفسيرية للدستور وهي ملزمة قررت بوضوح ان تطبيق أحكام الشريعة مناط بالمشرع، مؤكداً ان المحكمة الدستورية أكدت هذا المعنى في حكمها الصادر عام 1992 في قضية الفوائد.
وأضاف: الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع في المادة 2 من الدستور والخطاب في هذا النص موجه للمشرع للأخذ بأحكام الشريعة، وعلى كل حال، فالمحكمة الدستورية مرة أخرى بمناسبة الطعن في حكم انتخابي بالقضية المشهورة في قضية «الحجاب» أكدت ذلك المبدأ مرة أخرى.
لا يجوز الجمع
وتابع قائلا: وإلى جوار ذلك كله، فإن مبدأ الفصل بين السلطات يقتضي من المشرع أن يقوم بالتشريع وان يقوم القاضي بالقضاء، ولا يستقيم جمع سلطة التشريع والقضاء في يد واحدة، فهناك جهة مختصة بالتشريع وهناك جهة مختصة بالقضاء.
وبالنسبة لمدنية الدولة قال الفيلي: وفقا للدستور الكويتي فإن دولة الكويت تحكمها القواعد المقررة بالدستور. والقواعد التي يضعها المشرع العادي، فالدستور في المادة 2 يوجه المشرع العادي للأخذ من أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدرا مهما من مصادر التشريع، وفي أخذ المشرع بأحكام الشريعة الإسلامية هو أمام قيد عام وهو عدم مخالفة أي نص من نصوص الدستور الأخرى.
واستطرد قائلا: إذا نحن بصدد دولة مدنية لأنها تطبق القوانين التي حدد الدستور كيفية إصدارها، وضوابطها الموضوعية، فجعل إصدارها للمشرع وهو مشرع منتخب، وجعل ضوابط الإصدار عدم مخالفة أحكام الدستور. وبدوره، قال المحامي حسين الغريب ان أحكام المحكمة الدستورية العليا في مصر والكويت استقرت على أن النصوص الدستورية هي خطاب للمشرّع العادي كي يصدر القوانين العادية بما يتوافق مع الدستور، ولكن ليس من شأن ذلك ان يصار الى تنفيذ نصوص الدستور وتطبيقها تلقائياً من المحاكم، وإنما يجب ان يتم هذا التطبيق من المشرّع العادي ومن ثم تأتي المحاكم لتطبق التشريع العادي على النزاعات المعروضة أمامها، هذا فضلا عن ان الدستور الكويتي اعتبر الشريعة مصدرا للتشريع وليس المصدر الوحيد للتشريع، ومن ثم جاز للمشرّع العادي ان يأخذ من الشريعة ومن غيرها من مصادر التشريع قواعد قانونية ينص عليها في القوانين المختلفة.
واضاف: وكان يتعين على المحكمة ان هي رأت ان النصوص القانونية التي تسمح بتقاضي فوائد مخالفة للدستور في المادة الثانية، فإنه يتعين عليها إحالة الموضوع الى محكمة دستورية حيث الاختصاص في الفصل بمدى دستورية النص من عدمه.
عقد اتفاق
أما المحامي بسام العسعوسي فأوضح ان القرض يعتبر عقد اتفاق فيه التزامات متبادلة بين الطرفين، والبنك يقدم المنفعة حتى يحصل على الفائدة، ونحن في دولة قانونية وليس دولة شرعية.
واستدرك قائلا: صحيح ان الشريعة مصدر رئيسي، لكنها ليست مصدرا وحيدا، ونحن لا نستطيع إلا أن نحترم المحكمة التي أصدرت الحكم، لكن في المقابل هناك وجهة نظر، خاصة ان هذا القرض صادر من بنك ربوي وهذه الالتزامات المتقابلة بين الطرفين أصبحت حقوقا مستقرة. فبالتالي نحن دولة قانونية وحتى القانون الذي يطبق حاليا هو قانون وضعي وليس قانونا شرعيا.
وبيّن ان هذا الحكم هو الأول من نوعه، وإذا ما عرض على محكمة الاستئناف أو التمييز أعتقد انه سيتغير وجه الرأي في هذه الدعوى.
الديموقراطية أساس السلطات العامة
أشار الخبير الدستوري د. محمد الفيلي الى ان القوانين في الكويت يضعها المشرع العادي وفق الضوابط التي سددها الدستور، والشريعة الاسلامية هي مصدر مهم من مصادر التشريع، وفي هذه الجزئية ايضا فإن الدستور كان واضحا اذ جعل للمشرع ان يأخذ من أحكام الشريعة ما كان الاقرب الى مصالح الناس. فلم يلزم الدستور المشرع العادي باجتهاد من الاجتهادات او رأي من الآراء، انما جعله امينا على البحث عن اكثر الاجتهادات قربا من مصالح الناس دون التقيد بمذهب من المذاهب او اجتهاد من الاجتهادات.
وبيّن ان اساس السلطات العامة هو الديموقراطية التي تجعل المواطنين هم من يحددون من يقوم بعملية التشريع، ولكن ايضا هؤلاء من يقومون بعملية التشريع لا يجوز لهم أن يخالفوا احكام الدستور، ومن ضمن ذلك مبدأ الفصل بين السلطات الذي يحدد لكل جهة اختصاصات، فمثلا ليس للقاضي ان يشرع ويقضي، وليس للمشرع ان يشرع ويقضي، وليس للسلطة التنفيذية ان تمارس القضاء.
للمشاركة القانونية
للمشاركة او لإبداء اي آراء او استفسارات او تساؤلات قانونية.. فإننا على أتم الاستعداد لاستقبالها والأخذ بها بعد طرحها على المختصين بالقانون وذلك على فاكس 24838734 او الايميل: info2lqaba@hotmail.com.kw
جدل قانوني في القضاء الفرنسي والألماني والإيطالي والمصري هل الفاعل المعنوي مسؤول جنائياً عما ارتكبه الفاعل الأصلي؟
يعقوب الصانع
بين نظرية «الفاعل المعنوي» والقصد الاحتمالي ظهرت نظرية الفاعل بواسطة «الفاعل المعنوي» في الفقه الالماني تحت ضغط الضرورات العملية في موضعين: الأول الفكرة الضيقة للفاعل الأصلي، والتي كانت تقتصر على من قام بنفسه مباشرة بتنفيذ الجريمة. والثاني هو التبعية المطلقة للشريك. ووفقاً لهذا المبدأ يرتبط حظ الشريك بحظ الفاعل الأصلي فلا يعاقب الشريك الا اذا كان الفاعل الأصلي مسؤولاً عن الجريمة، فمثلاً اذا قام بالجريمة فاعل غير مسؤول جنائياً لعدم أهليته الجنائية (كالمجنون) أو لعدم توافر القصد الجنائي لديه كان الشريك غير مسؤول جنائياً لا بوصفه فاعلاً لأنه لم يقم بتنفيذ الجريمة ولا بوصفه شريكاً لأن مسؤوليته تتوقف على مسؤولية الفاعل طبقاً لمبدأ التبعية المطلقة. ولعلاج النتائج غير المنطقية التي يؤدي اليها هذا الوضع كان لا بد من الالتجاء في نظرية الفاعل المعنوي الى أحد حلين: الأول، التوسع في فكرة الفاعل الأصلي واعتبار أن كل من سخر شخصاً غير مسؤول جنائياً فاعلاً أصلياً للجريمة، وبهذا الحل أخذ الفقه والقضاء في ألمانيا ونص عليه القانون الايطالي (المادة 11).
الثاني، العدول عن مبدأ التبعية المطلقة للشريك الى مبدأ التبعية المقيدة الذي لا يشترط سوى أن يكون الفعل في حد ذاته غير مشروع بغض النظر عن مدى مسؤولية الفاعل عنه، وهو ما يؤدي الى مساءلة الشريك ولو كان الفاعل المنفذ للجريمة غير مسؤول جنائياً.
الفاعل بالواسطة
وبهذا الحل أخذ الفقه والقضاء في فرنسا، والمقصود بالفاعل بالواسطة كل من سخر شخصاً غير مسؤول جنائياً لتنفيذ الجريمة، وتفترض الجريمة في هذه الحالة وجود فاعلين أحدهما فاعل مادي قام بتنفيذ الجريمة من دون أن تتوافر لديه المسؤولية الجنائية وثانيهما فاعل معنوي قام بتسخير الأول للقيام بهذا التنفيذ واستعمله كأداة لتحقيق هذا الغرض. ويتم هذا التسخير اما بطريق التحريض أو بتقديم المساعدة اليه. وقد عرض الفقه الألماني لعدة صور للفاعل المعنوي، وتتضمن هذه الصور ثلاث حالات:
ــ الأولى، عدم توافر الركن المعنوي لدى الفاعل المادي.
ــ الثانية، مشروعية الفعل الذي ينفذه الفاعل المادي.
ــ الثالثة، انتفاء الصفة الخاصة أو القصد الخاص لدى الفاعل المادي.
أولاً: عدم توافر الركن المعنوي لدى الفاعل المادي ويتحقق ذلك في الصورتين الآتيتين:
1 ــ انتفاء الأهلية الجنائية لدى المنفذ: كالمجنون، والصغير الذي لم يبلغ التمييز، فيعتبر فاعلاً معنوياً وعلى سبيل المثال من يعطي مجنوناً قنبلة لالقائها على المجني عليه، ومن يطلب من صغير لم يبلغ السابعة أن يسرق له مال الغير.
2 ــ انتفاء القصد الجنائي لدى المنفذ:
قد لا تتوافر المسؤولية الجنائية للمنفذ للجريمة العمدية بسبب انتفاء القصد الجنائي لديه، ثم يثبت ان هذا القصد كان متوافرا لدى من حرضه على الفعل الذي وقعت به الجريمة او ساعده على القيام به. مثال ذلك مدير المسرح الذي يسلم الممثل مسدسا به رصاص حقيقي لاستعماله اثناء التمثيل، موهما اياه بان به خرطوشا، مما يؤدي الى قتل بطلة المسرحية، وكذلك من يسلم شخصا زجاجة بها سم لكي يقدمها الى المجني عليه، موهما اياه انها تحتوي على دواء. في هذين المثالين كان الفاعل المادي مجرد اداة بشرية سخرها الفاعل المعنوي لتحقيق قصده الجنائي. واختلف الفقه اذا ما ترتب على انتفاء القصد الجنائي لدى الفاعل المادي مساءلته عن جريمة غير عمدية بسبب توافر الخطأ غير العمدي لديه، هل يسأل الفاعل المعنوي بوصفه شريكا معه في جريمة غير عمدية، وكانت محل بحث لدى الفقه الالماني.
نظرية الأداة البشرية
يرى معظم الفقه الالماني والسويسري انه اذا توافرت هذه الصفة او هذا القصد لدى المنفذ ولو كان اهلا للمسؤولية الجنائية فان الاخير يعتبر بمنزلة اداة بشرية عمدية في يد المحرض الذي يعتبر فاعلا بالواسطة، اي فاعلا معنويا.
وفي رأي العلامة الدكتور أحمد فتحي سرور يقول:
نحن لا نسلم بتطبيق نظرية الفاعل بالواسطة في القانون المصري الحالي بناء على الحجج الآتية:
أولا: انتفاء الفائدة والضرورة القانونية بينما ان نشأة نظرية الفاعل بالواسطة ترجع الى التضييق من فكرة الفاعل الاصلي، والى الاخذ بنظرية الاستعارة المطلقة للشريك وكلا السببين غير متوافر في القانون المصري.
اتجاهات القضاء المصري
اخذت محكمة النقض المصرية في قضاء قديم لها بنظرية الفاعل بالواسطة، فقضت بأنه اذا حصل البلاغ الكاذب بواسطة شخص ما فعل ذلك بإرشاد المتهم، ولم يكن الا آلة، فالمسؤولية الجنائية في ذلك تقع على المتهم الذي هو الفاعل الحقيقي للجريمة.
وقد رفضت محكمة النقض تطبيق نظرية الفاعل بالواسطة على جريمة التزوير التي يرتكبها موظف عمومي حسن النية اذا املاه الغير بسوء نية بيانات كاذبة فكتبها الموظف بحسن نية.
وبهذا تختتم الجزء الاول من دراسة «نية ازهاق الروح» نظرية الفاعل المعنوي وننتقل الى نظرية القصد الاحتمالي. ففي تعريف للقضاء الفرنسي للقصد الاحتمالي محل القصد المباشر انه لا سبيل في القتل العمد الى ان يحل القصد الاحتمالي محل القصد المباشر، بل يتعين ان تتوافر لدى الجاني «نية ازهاق الروح» وتقتضى هذه النية توقع الوفاة فعلا واتجاه الارادة لاحداثها. اما مجرد استطاعة الجاني توقع وفاة المجني عليه ووجوب هذا التوقع عليه فغير كاف لكي يسأل الجاني عن القتل عمدا. ولكن القضاء لم يستقر على هذا الرأي، ففي احكام لاحقة انه لا محل للمسؤولية عن جريمة الاجهاض الا اذا اثبت ان الجاني قد توقع حينما اقدم على فعله حدوث الاجهاض، ثم وجه ارادته الى احداث هذه النتيجة. ويتطلب القضاء الفرنسي في جريمة الحريق العمد ان تكون ارادة الجاني قد اتجهت الى وضع النار في الاشياء المحروقة ويعني ذلك ان القصد الاحتمالي ليست له في رأي القضاء الفرنسي ذات القيمة القانونية التي للقصد المباشر، ولكن فكرة القصد الاحتمالي يعتد بها القضاء الفرنسي كأساس تقوم عليه مسؤولية الجاني عن وفاة من كان موجودا في الاماكن المحرقة وقت اشتعال النار، فنية احداث الوفاة غير متطلبة وانما تكفي ارادة وضع النار، واستطاعة توقع حدوث الوفاة. وفي تقييم فكرة القصد الاحتمالي يقول الفقيه الجنائي الدكتور محمود نجيب حسني: نحن لا نشارك محكمة النقض في تعريفها القصد الاحتمالي بانه «نية ثانوية غير مؤكدة تختلج بها نفس الجاني «ذلك ان اعتبار القصد الاحتمالي نوع من القصد الجنائي، يقوم على ذات العناصر التي تفترضها فكرة القصد الجنائي، ويعادل القصد المباشر من حيث القيمة القانونية يجعل من القصد الاحتمالي إرادة حقيقية أي «نية أصلية».
محكمة النقض
وقد اعتمدت محكمة النقض على نظرية القصد الاحتمالي لتبرير افتراض علم الشريك بزواج من زنى بها، بحيث لا تحمل سلطة الاتهام عبء إثبات هذا العلم، وإنما يلتزم المتهم كي يتخلص من المسؤولية الجنائية بإقامة الدليل على جهله، وعلى ان هذا الجهل يرجع إلى أسباب قهرية لم يكن في استطاعته التغلب عليها فذكرت ان «من يفعل فعلاً جنائياً مع شخص آخر، وكان هذا الشخص في حالة معينة، ولم يتقص عن حالته أو انه استعلم عنه بطريقة غير كافية، فإنه يقبل احتمالياً ارتكاب ذلك الفعل فيما لو كان الشخص المذكور موجوداً فعلاً في الحالة المنصوص عليها بقانون العقوبات، وحينئذ لا يجب على النيابة العامة تقديم الدليل على وجود هذا العلم، بل على من يتمسك بعدم وجوده أن يوضح ويثبت ذلك أي ان يبين مثلاً الظروف الاستثنائية التي أوقعته في خطأ غير ممكن التغلب عليه، وقد أقرت محكمة النقص في هذا الحكم نظرية التصدي الاحتمالي وعبرت عنه «بالقبول احتمالياً» من دون ان يكون مستنداً إلى قصد مباشر، خلافاً لما يذهب إليه الرأي السائد، ولم تكن المحكمة في حاجة إلى الاستعانة بفكرة القصد الاحتمالي، وعبرت عنه «بالقبول احتمالياً» من دون ان يكون مستنداً إلى قصد مباشر خلافاً لما يذهب إليه الرأي السائد، ولم تكن المحكمة في حاجة إلى الاستعانة بفكرة القصد الاحتمالي لكي تصل إلى افتراض علم الشريك بزواج من زنى بها.. إذ ان هذه النتيجة لا تتعلق بالقواعد الموضوعية في القصد الجنائي، وإنما تمس قواعد الإثبات، فتحمل المتهم عبثه بدلاً من النيابة العامة.
وفي ختام هذا البحث نود الإشارة إلى انه لا تلازم بين نظرية الفاعل المعنوي وفكرة القصد الاحتمالي، لكن أحداثاً كثيرة تجعل الباحث الجنائي يبحث في أسباب حدوث تلك الجرائم، ومدى ارتباط الجاني/ الفاعل المادي بعناصر الجريمة، أو هل فعلاً الفاعل المعنوي هو المسؤول جنائياً عما ارتكبه الفاعل الأصلي؟ وفي جانب آخر هل تكفي فكرة القصد الاحتمالي بوجود القصد الجنائي لدى الجاني حين ارتكب الفعل المجرم؟
وهل تكفي العلاقة السببية بين فعل الجاني والنتيجة الإجرامية؟
أسئلة تظل أحياناً، ولكن القضاء الجنائي يرتكن إلى الوجدان واليقين لا الشك والتخمين.
ثارت في مصر مناقشات كثيرة حول فكرة القصد الاحتمالي، وقد كان محور هذه المناقشات الحكم الذي اصدرته محكمة النقض المصرية في 1930/12/25 وخالفت به المذهب الذي يأخذ به الفقه والقضاء في فرنسا ومصر واتجهت فيه الى اقرار نظرية القبول.
فقد قررت المحكمة ان «القصد الاحتمالي يقوم مقام القصد الاصيل في تكوين ركن العمد وهو لا يمكن تعريفه الا بنية ثانوية مؤكدة تختلج بها نفس الجاني الذي يتوقع انه قد يتعدى فعله الغرض المنوي عليه بالذات الى غرض آخر لم ينوه من قبل اصلا، فيمضي مع ذلك في تنفيذ الفعل فيصيب به الغرض غير المقصود، ومظنة وجود تلك النية هي استواء حصول هذه النتيجة وعدم حصولها لديه، والمراد بوضع تعريفه على هذا الوجه ان يعلم انه لا بد فيه من وجود النية على كل حال وان يكون جامعا لكل الصور التي تشتملها تلك النية مانعا من دخول صور اخرى لا نية فيها، داعيا الى الاحتراس من الخلط بين العمد والخطأ.
وقد استخلص بعض الفقهاء عدم جدوى فكرة القصد الاحتمالي ورأوها مجردة من كل قيمة قانونية وقرروا بناء على ذلك ان قواعد السببية تكفي لحسم ما قد تثيره الوقائع من صعوبات والحجة في ذلك «ان الامر لا يعدو ان يكون بحثا في الاساس القانوني للمساءلة عن نتائج فعل ارتكب عمدا» بقصد القتل او المساس بسلامة الجسم، وطبقا لهذا الرأي يكون القصد المباشر هو اساس المسؤولية عن ازهاق الروح التي افضى اليها فعل الجاني، في حين تكون علاقة السببية اساس المسؤولية عن النتائج الاخرى التي افضى اليها، وهذا الرأي يعيبه انه يناقض المبادئ الاساسية في القانون ويقود الى تقرير مسؤولية مادية تأباها روح التشريع الجنائي الحديث، فعلاقة السببية لا تكفي وحدها لقيام المسؤولية الجنائية من اجل نتيجة اجرامية اذ لا تعدو هذه العلاقة ان تكون عنصرا من عناصر الركن المادي للجريمة وهو ركن لا يكفي وحده كي تكتمل للجريمة مقوماتها بل لا بد ان يتوافر الى جانبه الركن المعنوي وصوره، هذا الركن في الجرائم العمدية هو القصد الجنائي.
محامون عددوا لـ القبس مثالبه وطالبوا بتعديله قانون الإيجارات.. مع المؤجر على المستأجر!
أزمة بين المالك والمستأجر بسبب قانون الإيجارات
إعداد: مبارك العبدالله
لماذا كثرت الدعاوى أمام المحاكم بين المالك والمستأجر؟ هل ثمة مشكلة في قانون الإيجارات؟! وهل ثمة حاجة لتعديل هذا القانون؟!
هذه الأسئلة حملتها «القبس» على خلفية ما يثار في الساحة المحلية إلى عدد من المحامين والقانونيين الذين أجمعوا صراحة على أن قانون الإيجارات غلب مصلحة المؤجرين على مصلحة المستأجرين في عدد من مواده، الأمر الذي يستلزم تعديله.. وفي ما يلي التفاصيل:
في البداية قال المحامي هيثم العون ان قانون الايجارات حظي في الآونة الاخيرة باهتمام بالغ من جانب رجال القانون، مشيرا في الوقت نفسه الى ان هذا الاهتمام لم يأت عبثاً، بل من واقع الثغرات الموجودة في بعض نصوص مواد هذا القانون والتي تمثل عبئا جسيما على المستأجر نظرا لمخالفتها قواعد العدالة ومراكز الخصوم في التقاضي.
واضاف: لقد كنا اول من سبق بالسير في تعقب هذا الموضوع عن طريق النشر، هادفين من وراء ذلك تنقية بعض هذه المواد من الشوائب التي علقت بها من اجل ان نضع لبنة في اعادة بناء التوازن بين مصالح المؤجر والمستأجر في هذه العلاقة القانونية المهمة، ولما كانت العلاقة الايجارية التي انتظمها المشرع الكويتي بمواد القانون رقم 35/1978 في شأن ايجارات العقارات هي من العلاقات الاجتماعية التي تمتزج بمفهوم اقتصادي ذي اهمية خاصة يجعل لها وزنا ثقيلا في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية.
خلل
واضاف: ولا يفوتنا ان نتصدى للخلل الحادث في العلاقة بين المؤجر والمستأجر الذي رتب آثارا سيئة في النفوس واضرارا جسيمة تشهدها المحاكم وما زال هذا الاخلال مستمرا من دون توقف، ومن ابرز اوجه هذا الاخلال الذي يحوط بمواد هذا القانون هو ان الحكم الذي يصدر في مادة ايجارية لا يجوز استئنافه دون ايداع الاجرة المحكوم بها، وهذه الخصوصية التي امتاز بها المؤجر دون سائر الدائنين الذين هم في ذات مركزه القانوني لا نجد لها مبررا يدعو الى هذا التمايز سوى ان هذه المواد صيغت لتغليب مصلحة المؤجر على مصلحة المستأجر، فمن المتعارف عليه ان أي مدين بدين مدني أو تجاري مهما كان قدر المبلغ المحكوم به يستطيع استئناف الحكم الصادر ضده دون شرط ايداع المبلغ لقبول استئنافه.
حالة خاصة
وزاد بالقول: ومن هنا نجد انفسنا امام حالة خاصة لا سند لها من حيث الواقع والقانون، هذه الحالة ترتب حقوقا للمؤجر تختلف وتتميز عن حقوق مثيله من الدائنين الآخرين، والتزامات في المقابل شديدة القسوة على المستأجر لا نظير لها اسوة بسائر المدينين. ويبقى السؤال مطروحا من دون اجابة، وكذلك البحث عن الغاية المستترة وراء هذا التمايز جار من دون فائدة، وهذا ما نصت عليه المادة 26 من قانون الايجارات في فقرتها الثالثة بأنه لا يجوز الطعن في الحكم الصادر في الدعوى بطريق الاستئناف الا بسبب الخطأ في تطبيق القانون أو تأويله أو إذا وقع بطلان في الحكم، او في الاجراءات، اثر في الحكم ويجب على المستأنف ان يودع خزانة ادارة التنفيذ كفالة قدرها 20 دينارا، وان يودع كذلك الاجرة المحكوم بها عند تقديم صحيفة الاستئناف ولا تقبل ادارة الكتاب الصحيفة اذا لم تصحب بما يثبت ايداع الكفالة ودليل ايداع الاجرة المحكوم بها.
قواعد مجردة
بدوره، اوضح المحامي حسن الموسوي قائلا: عهدنا من القانون عندما يصدر ان تكون قواعده عامة مجردة، فيصدر ليخاطب الجميع ويسبغ الحماية للمخاطبين به، من دون تمييز، وهو ما افتقدناه في قانون الايجارات الذي وان كان يخاطب طائفة معينة (المؤجرين والمستأجرين) فانه كفل حماية فئة على اخرى ووضع عقبات وعراقيل لفئة على حساب الاخرى ويضمن حقوق فئة على الاخرى وكأنه صدر خصيصا لحماية فئة على حساب اخرى. وقال انه عندما نطلع على ما تضمنه قانون الايجارات من نصوص، نكتشف ان به عيوبا انحدرت به الى افتقاده لقاعدة التجرد والعمومية، فما بالك لو عايشت مشاكله العملية داخل اروقة المحاكم.
ضمانات حماية
وتطرق الموسوي الى ابرز عيوب القانون، مشيرا الى ان وضع قانون الايجارات كافل حماية قصوى للمؤجر على حساب المستأجر (الطرف الاضعف في العلاقة الايجارية) الذي افتقد ابسط ضمانات حمايته في مواجهة المؤجر (الطرف الاقوى في العلاقة الايجارية) وتجلى ذلك في وجود عدة عراقيل وعقبات وضعت في طريق المستأجر حالت دون حمايته.
وبين ان من ضمن هذه العراقيل ان الخصومة في كل الدعاوى تنعقد بتمام الاعلان، في حين ان قانون الايجارات اكتفى بالنص على الاعلان بوسيلة غاية في السهولة، وهي وضع ملصق على جدار المستأجر، وهذا الملصق يسهل نزعه حتى من قبل تابعي المؤجر، وعلى الاخص حارس البناية، لتفوت على المستأجر ضمانة المواجهة بين الخصوم، بل ولتفوت عليه درجة من درجات التقاضي، ايضا فقد كفل الدستور حق التقاضي وشرع قانون المرافعات ليعطي للمتقاضين حق التقاضي على درجتين في حين ان قانون الايجارات سلب هذا الحق من المستأجرين، فلا يجوز الطعن على الحكم الصادر في دعاوى الايجارات الا في حالات محددة حصرا.
شروط تعجيزية
واستطرد قائلا: انقص قانون الايجارات مدة الطعن في الحكم من 30 يوما كما هي الحال في قانون المرافعات الى 15 يوما من دون مبرر لهذه المدة القليلة جدا، من دون ان يعطي للمستأجر فرصة تدبير دفاعه ودفوعه، وحتى فرصة تدبير مبلغ الاجرة فيما لو كان المبلغ المتأخر كبيرا ليمكنه ذلك من الطعن على الحكم، كما اشترط قانون الايجارات للطعن على الحكم ايداع الاجرة المقضي بها بالكامل كشرط وجوبي قبل الطعن من دون ان يضع نصب عينيه مدى عدم احقية المؤجر في ذلك المبلغ، ومدى صدور الحكم مشوبا باحد العيوب.
عيوب
وخلص الموسوي الى انه في جميع الدعاوى، فان الطعن على الحكم يترتب عليه وقف اجراءات التنفيذ لحين صيرورة الحكم نهائيا عدا قانون الايجارات الذي نص صراحة على عدم وقف التنفيذ حتى ولو كان الحكم معيبا، وجعل ذلك مرهونا بموافقة المحكمة، مضيفا: وبالرغم من ان قانون المرافعات نص على احقية كل من المحكوم عليه او الغير في رفع اشكال طالبا وقف تنفيذ الحكم، نجد ان قانون الايجارات سلب من المحكوم عليه فقط هذا الحق واعطاه للغير في حين ان الاولى بهذا الحق هو المحكوم عليه (المستأجر)، كما ان المستقر عليه ان الاجرة مقابل الانتفاع الا ان قانون الايجارات في بعض الحالات مثل الهدم يأمر بالانتفاع من دون مقابل الاجرة.
تعديل ضروري
ومن جانبه، قال المحامي علي الواوان ان قانون الإيجارات يحتاج الى تعديل، مشيرا الى ان المرسوم بالقانون رقم 35 لسنة 1978 بشأن ايجارات العقار صدر في 1978، ثم صدر القانون رقم 8 لسنة 1981 وعمل بأحكامه اعتبارا من سنة 1991 ولدة ستة أشهر فقط ببعض الاحكام الاستثنائية.
واكمل قائلا: ثم تم تعديل بعض احكام المرسوم 35 لسنة 1978 بالبنود 10،6،1 من المادة 20 من هذا المرسوم بالقانون رقم 8 لسنة 1994، وهي اذا لم يدفع المستأجر الاجرة المستحقة عليه وفق شروط العقد او وفق الحكم الصادر بتحديدها خلال عشرين يوما من تاريخ استحقاقها، الا اذا كان تأخره يرجع الى عذر قوي تقبله المحكمة.
وتابع: وحتى نهاية اول جلسة تم اعلانه بها اعلانا صحيحا بجميع الأجرة المستحقة، ويجوز تسليم الاجرة لكاتب الجلسة لإيداعها خزينة ادارة التنفيذ من دون اجراءات اذا رفض المؤجر تسلمها، ولا يعتبر السفر او الغياب عن البلاد من الاعذار المقبولة في التأخير عن دفع الاجرة، اذا اراد المالك هدم العين المؤجرة لاعادة بنائها من جديد في عديد من الحالات، ومنها انه اذا امضى 52 سنة على الاقل من تاريخ انتهاء البناء الاصلي، ويجوز تعديل هذه المدة بمرسوم، واذا كان والد القاصر يمارس التجارة في عين او اكثر مملوكة او مخصصة له، واجرها الوصي بعد وفاته الى المستاجر، واحتاج القاصر الى هذا المكان، وذلك خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد لممارسة التجارة فيه، ولم يكن لديه اي محل تجاري اخر، فإذا لم يشغل المكان بنفسه خلال 6 أشهر، من تاريخ الاخلاء، جاز للمستأجر العودة إلى المكان او المطالبة بالتعويض ان كان له مقتض.
لمصلحة المالك
وبين ان قانون الايجارات أغلب نصوصه تصب لمصلحة المالك، وحتى النصوص التي في مصلحة المستأجر لايقوم المالك بتطبيقها كالتزام المؤجر بصيانة العين المؤجرة والترميمات الضرورية وفق القانون رقم 8.
وتطرق الى عيوب القانون، مشيرا الى ان هناك نصوصا يجب تعديلها مثل المادة 11 التي تعطي المالك الحق في زيادة القيمة الإيجارية كل 5 سنوات، بينما حالة العين تتناقص ويصيبها القدم والمالك يطالب بالزيادة، كما ان اغلب القضايا التي تنظر في المحاكم هي قضايا الاخلاء، ويأتي ذلك لعدم سداد القيمة الايجارية، او اخلاء بسبب التأجير بالباطن او لهدم واعادة البناء، او حاجة المالك للسكن في عقاره.
أنين مستأجرين تحت سقف العدالة
تطرق المحامي العون الى واقعة عقد ايجار مزور ومسألة الاشكال فيه من قبل المستأجر وقال: تتلخص في أن أحد الموكلين صدر ضده حكم غيابي بإلزامه بعشرات الآلاف من الدنانير لتأخره في سداد الأجرة عن عدة محلات تجارية، وهذا الحكم صدر بناء على عقد ايجار مزور، وأراد المستأجر أن يطعن على هذا الحكم في الميعاد القصري وهو 15 يوماً من تاريخ العلم بالحكم بعد ضبطه واحضاره، وبعد أن أعد صحيفة الاستئناف رفض ضباط الدعاوى استقبال استئنافه وقيده، لعدم ايداع الأجرة وفات معياد الطعن.
منع من السفر
كما قضي في الاشكال الذي قدم من زوجته حتى يخلص اجراءات التنفيذ عن يده ويخرج الى الحياة من جديد بالرفض، وصدرت ضده اجراءات تنفيذ أخرى بالضبط والاحضار والمنع من السفر والحجز على راتبه في البنوك وحجز سيارات ولم يستطع التقدم الى المخفر بشكوى للطعن بالتزوير على عقد الايجار ولم يستطع أيضاً التقدم بدعوى تزوير أصلية أمام القضاء المدني لسابقة صدور حكم عليه بالاخلاء لم يطعن عليه بالاستئناف.
انتحال
هذا فضلاً عن حضور الشخص الذي انتحل شخصيته لجلسة من جلسات دعوى أخرى رفعت عليه، واحاطت به النيران من كل صوب وحدب لتهلكه وتصرعه دون ذنب اقترفته يداه والسبب هو النصوص والمواد التي وضعها المشرع دون أن يعي الآثار التي قد تنجم عن الاخلال بمفهوم العدالة ومراكز الخصوم في الدعوى، واذا نظرنا الى ابرز هذه العيوب في جانب آخر نجد أنها تنصب في مصلحة المؤجر وتضر بمصالح المستأجر ضرراً جسيماً، كما أن هناك دعوى نظرت أمام القضاء وهدمت حياة مستأجر لأنه لم يستطع مجابهة الدعوى بسبب القيود المتقدم ذكرها التي ضيقت عليه الطريق فلم يستطيع عمل استئناف في الحكم لأن المشرع اشترط لقبول الاستئناف ايداع الأجرة، كما اضطر غير باغ الولوج الى الاستشكال بتقديمه من زوجه وكان مآله الرفض.
شروط رفع الإشكال
اتفق المحامون الثلاثة هيثم العون وحسن الموسوي وعلي الواوان على ان من بين الأمور في قانون الإيجارات التي لا تعد لمصلحة المستأجر هي الإشكال في تنفيذ حكم الإيجارات، فقد نص القانون على انه استثناء من احكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، لا يجوز رفع إشكال في تنفيذ الأحكام الصادرة في منازعات إيجار العقارات إلا من غير المحكوم عليه، ويجب على المستشكل ان يودع خزانة وزارة العدل كفالة 100 دينار عند تقديم صحيفة الإشكال، ولا تقبل إدارة الكتاب الصحيفة إذا لم تصحب بما يثبت الإيداع وتصادر الكفالة بقوة القانون إذا خسر المستشكل إشكاله.
9 تعديلات لرفع الظلم عن المستأجرين
طرح المحامي الموسوي عددا من المقترحات للتعديل على القانون المعمول به حاليا في المحاكم الكويتية، ومن بينها:
1 - كفالة حقوق كل من المستأجر والمؤجر دون ترجيح لمصلحة فئة على أخرى.
2 - إنشاء جهة رقابية تلزم المالك بسقف معين للإيجارات يتناسب مع مساحة السكن وموقعه ومواصفاته العامة والخاصة.
3 - السماح بزيادة بنسبة %25 كل خمس سنوات.
4 - إنشاء مدن عمالية للحد من ارتفاع أسعار الإيجارات.
5 - النص على عدم انعقاد الخصومة إلا بتمام الإعلان إعلانا صحيحا للمدعى عليه وفقا لما نص عليه قانون المرافعات في هذا الشأن، أو ان يسعى المدعي (المؤجر) لإعلان المستأجر وفق تدرج، ولا مانع بعد البحث والجدية ان ينتهي الأمر لوضع ملصق.
6 - كفالة حق التقاضي على درجتين وزيادة مدة الطعن الى 30 يوما بدلاً من 15 يوما ليتمكن المحكوم عليه خلالها من تدبير دفاعه ودفوعه وتدبير المبلغ المقضي به.
7 - إعفاء المستأجر من إيداع المبلغ المقضي به كشرط وجوبي للطعن على الحكم.
8 - النص على أحقية المستأجر أو المحكوم عليه برفع إشكال طلب وقف تنفيذ الحكم.
9 - النص على وقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة أول درجة لحين صيرورة هذا الحكم نهائياً.
وقال الموسوي ان هذه المقترحات ولما فيها من فوائد كثيرة لا تقع تحت حصر نأمر ان نجدها في القانون الجديد لتحقيق الحماية وكفالتها لطرفي العلاقة الإيجارية دون ان يغلب فئة على حساب الأخرى، بحيث لا يكون المستأجر في مهب الريح أو ان يوضع بين مطرقة المؤجر وسندان ارتفاع الأجرة، أو ان يضعف من موقفه تجاه المؤجر خاصة ان عقد الإيجار من أهم العقود التي تنظم معاملات الناس يحظى باهتمام بالغ من قبل المشرّع ذاته نظرا لخطورته واثره البالغ في النشاط الاقتصادي والاجتماعي بأي دولة.
كثُـر نقاشها في الفترة الأخيرة.. و«حقوق الإنسان الدولية» أوصت الكويت بها إلغاء عقوبة الإعدام.. بين القبول والرفض
الجدل مستمر حول عقوبة الإعدام
إعداد مبارك العبدالله
على الرغم من ان المطالبات بالغاء عقوبة «الاعدام» كانت تظهر باسلوب منفرد في السنوات السابقة، لكنها تحققت وبشكل علني، اوصى بها مجلس حقوق الانسان الدولي، الذي عقد اخيرا في جنيف، خصوصا التي كانت من بين التوصيات المقدمة للكويت، وذلك بهدف تحقيق حريات حقوق الانسان، والاسهام في تعزيز الكرامة الانسانية والسعي الى الحق.
ولان هذه المطالبات اصبحت علنا فمن الواجب الرد عليها علنا ايضا من خلال المتخصصين في القانون، وبايضاح كيفية وضع هذه العقوبة من قبل المشرع الكويتي واهدافها، وعما اذا كانت هناك احتمالية لالغائها، فالبعض من القانونيين يرى ان هذه العقوبة هي تطبيق للقانون والشريعة الاسلامية المستمدة من القصاص للمجرمين، لكن البعض الآخر قد لا يؤدي تطبيق هذه العقوبة، واستبدالها بالحبس المؤبد، لكنهم قد يستحيون من الاعلان عنها في بعض الاحيان، تخوفا من رد الفعل الذي يقابل هذه المطالبات.
وبالنظر الى الجرائم التي يعاقب عليها القانون الكويتي بالاعدام فهي تختصر في جرائم القتل العمد، والقتل العمد مع سبق الاصرار والترصد او كليهما، والخطف المقترن بجناية اخرى مثل الخطف وهتك العرض او مواقعة القاصر او مواقعة قاصر لا ارادة له بالحيلة، اضافة الى جرائم الاتجار بالمخدرات، كذلك جرائم امن الدولة الخارجي، وهي التعاون مع العدو في حالات الحرب، ويتلخص في الجرائم التي تطبق فيها عقوبة الاعدام هي تلك الجرائم الواقعة على النفس متى اقترنت ببعض الظروف المشدد على اطلاقها.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه في المجتمع الكويتي، خصوصاً القانوني، هل انتهاك حقوق الانسان يتم بتحقيق القانون وتطبيق العقوبة الأشد وهي عقوبة الاعدام؟ أم أنه يتحقق بإلغاء هذه العقوبة؟
لا بد منها..
عقوبة الاعدام لا بد منها لأن هناك جرائم قتل.. هذا ما أكده المحامي فهاد العجمي في تعليقه ورده على مطالبات الغاء عقوبة الاعدام، مضيفاً: ان المادة الثانية من الدستور أشارت الى أن الشريعة الاسلامية مصدر رئيسي من مصادر التشريع، والشريعة الاسلامية من النظام العام في الكويت.
وأضاف ان عقوبة الاعدام والقصاص في الاسلام جاء أصله «ولكم في الحياة قصاص يا أولي الألباب» فالقاتل يقتل، موضحاً أنه من الناحية التشريعية فإن قانون الجزاء الكويتي فصل تفصيلاً جيداً لعقوبة الاعدام، بحيث انها لا تنطبق الا على من يرتكب جريمة القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد أو احدهما، واستبعدها من «الأحداث»، وممن ينطبق عليه ركن شرعي في حالة الدفاع عن النفس، أو فيمن يرتكب هذه الجريمة وهو في حالة غير طبيعية أو لديه أي من الأعذار المعتبرة قانوناً «ركن اباحة».
واكمل: لا شك أن عقوبة الاعدام عقوبة عدا أنها مقربة لأحكام الشريعة الاسلامية، فهي لا شك تعتبر رادعاً لمن يرتكب أو يفكر بارتكاب بعض الجرائم، كالقتل أو ترويع المجتمع بارتكاب بعض الجرائم كجرائم الارهاب والخطف وجرائم المخدرات، مستطرداً: ونعني بذلك الترويج والاتجار بالمخدرات، لأن من يرتكب مثل هذه الجرائم في النهاية انما هو عنصر فاسد يعيش في مجتمع ولا بد من استئصاله تغليباً لمصلحة المجتمع واتساقاً مع الأهداف العامة للعقوبات التي من أبرزها وأهمها الردع العام وتحقيق الطمأنينة والأمان الاجتماعي، لأنهما بلا شك ولطبيعة بعض المجتمعات فإن الغاء القصاص لا شك سيؤدي بالناس، خصوصاً في مجتمعاتنا، الى الانتقام أو الاقتصاص لأنفسهم، وهذا بلا شك من أبرز الاثار السيئة لإلغاء عقوبة الاعدام لمن يستحقها.
وبين أن المشرع الكويتي رشيد، ومتيقظ، وقد ألغى هذه العقوبة في بعض الحالات أو لبعض مرتكبي الجرائم، كما ذكرنا، ومن أبرزها «الأحداث»، مع العلم بأنه وفقاً لأحكام الشريعة الاسلامية يجب الاقتصاص مطلقاً من مرتكب بعض جرائم الحدود كالقتل والافساد في الأرض وحد الحرابة، حتى وان كان الجاني هدفاً.
وزاد: أما جرائم المخدرات على اطلاقها فأنا مع التوسع في إقرار عقوبة الاعدام ضد مرتكبي بعض جرائم المخدرات، ولكن بشرط الحرص على أن يكون من يطبق عليه هذا الحكم هو مرتكب الجرائم وخصوصاً الجرائم المنظمة في مجال المخدرات، وليس من يمكن استغلالهم من قبل تجار المخدرات، ويصبحون بالتالي هم الضحية.
نعم.. لتطبيق الإعدام
وقال المحامي محمد خريبط ان عقوبة الاعدام موجودة في التشريع الاسلامي، موضحا انها عقوبة تصدر عندما يشعر القضاء بأن وجود هذا المتهم ليست له فائدة في المجتمع.
واضاف: انه ومن دون وجود عقوبة قاسية مثل الاعدام، فان ذلك قد يؤدي الى آثار سلبية، وهي عدم وجود هيبة للقانون، مشيرا الى اننا من مؤيدي تطبيق هذه العقوبة، ولسنا من مؤيدي رفع عقوبة الاعدام كليا، فهناك نص موجود في جرائم القتل العمد وجرائم الاتجار بالمخدرات، وغيرها من الجرائم التي تستحق الاعدام لمرتكبيها.
وعن مسألة استبدال عقوبة الاعدام بالحبس المؤبد، قال: هذه المسألة لا تفيد بتاتا، لان الاعدام اساسا يعتبر ظرفا مشددا لعقوبات اساسها الحبس المؤبد.
وردا على المطالبات بالغاء عقوبة الاعدام، اوضح ان العالم الغربي يتجه الى الغاء عقوبة الاعدام، كون انها عقوبة قاسية، ولاحترام الروح ووجود الانسان في هذه الحياة، مستدركا: لكن هذا الكلام غير صحيح لان عقوبة الاعدام رادعة، ويكون المتهم فيها عبرة لمن لا يعتبر، بالاضافة الى وجوده بالحبس فترة طويلة على الرغم من انه مرتكب لجرائم بشعة في المجتمع، فان ذلك يعطي انطباعا للآخرين بأن عقوبة الاعدام لن تكون، وبالتالي يزيد ارتكاب الجرائم.
حق الحياة
وبدورها، قالت المحامية تهاني الظفيري ان لكل شخص حقا في الحياة، ايا كان هذا الشخص، سواء كان سويا او كان غير سوي، على اعتبار ان الحياة لا تمنح فقط للشرفاء وتسلب من غيرهم وهذا الحق تضمنته معظم دساتير دول العالم.
واضافت: وعلى اعتبار ان عقوبة الاعدام التي خضعت لها اغلب دول العالم في فتراتها التشريعية المتباينة التي قد غيرت بلورتها الفكرية ونتيجتها التشريعية بهذا الشأن في الوقت الحاضر، فجرمت هذه العقوبة وأخذت بعقوبات اخرى، فيها تناسب مع الفعل المجرم من دون ازهاق للروح، لان هذا فعليا ما يتناسب مع المجتمعات المدنية المتقدمة في الزمن الراهن، التي يعتبر فيها الفرد من اهم الموارد البشرية التي تعتمد عليه الدول لابراز تقدمها وتطورها.
وأكملت: وأخذت بالتعامل مع المجرمين من ناحية تهذيبية واصلاحية لامن ناحية عدوانية وكراهية، وتمني الموت له وسلب الحياة منه، لانه وبهذا الدور نتوجه للاقصاء وليس للعلاج، وهذا هو ما يستعصي الموضوع.
واوضحت ان عقوبة الاعدام تتمثل في نزع الروح، وهي ملك لله وحده، ولا يجوز المساس بحق من حقوق الله سبحانه وتعالى، الا بالمقدار الذي سنح الله لعباده بذلك، فقدر الله لنا القصاص وليس عقوبة الاعدام، والقصاص المراد بأن يؤتى بالفاعل بمثل فعله بالمجني عليه، فتكون اما القتل او الجرح او القطع وبذات الكيفية والمماثلة، ولم يتم ذكر الاعدام كعقوبة الهية منفرة لتتم الحجة والتمسك بها على انها ضرورة اجتماعية او مسلك عقائدي او ديني، لان الدين الاسلامي دين رحمة وعفو وليس ازهاقا ومماتا، ومن يأت بقول آخر بأن هذه العقوبة ان تمت علانية ترد المجتمع ككل فإن قوله غير صحيح من ناحية واقعية ومردود عليه.
واكدت ان الساحات الكويتية وما شاهدته من تطبيق حي لهذه العقوبة لردع نوع من انواع الجرائم الذي تضمنه القانون بسن هذه العقوبة ان فعلا وفقا لاحصائيات القضايا التي تعاني منها اروقة المحاكم انها اندثرت او انخفضت معدلاتها بعد تطبيق الاعدام لمرتكبها، الا ان الواقع الذي يفرض نفسه في مسرح النقاش وبعيدا عن الجدال، نجد انها متزايدة يوما بعد يوم دون الاكتراث بالعقوبة.
وخلصت الى انه يجب علينا الاستيعاب والفهم ان الاصلاح اسلم من الاعدام، وذلك بزج عقوبات مقيدة للحرية ويكونون في جو مهيأ لتنقية لروح وتهذيب الاخلاق وبيان حقيقة الفعل المرتكب وتأهيل دوره في المجتمع، فهذا يضيف للدولة والمجتمع بشكل عام، وأسرة ذلك الشخص بشكل خاص.
إلى متى نبقى تحت رحمة مندوبي الإعلان حتى لا تضيع الحقوق؟ «لم يستدل على العنوان» جريمة وتزوير في أوراق رسمية
ثائرة محمد
قضايا تتعطل وأخرى تؤجل، ثم تشطب الدعاوى وقد تضيع الحقوق، والسبب ليس له ثان.. جملة معهودة يكتبها مندوب الاعلان بجرة قلم «لم يستدل على العنوان» ليحسم بذلك مجرى القضية، فتؤجل الدعوى بسبب هذه الجملة التي قد لا يعي معناها. يعرف ذلك كل من تعامل مع هؤلاء المندوبين، الذين لا يشعر أكثرهم بدورهم وقيمة عملهم في اتمام القضية والنظر فيها، لانه بكتابة هذه الجملة تنتهي القضية كما هو معروف على اعتبار انه لا دعوى قضائية تقام من دون ابلاغ الخصم.. وهذا هو العدل بعينه، لكن عندما لا يحاول المندوب هذا «ان يهز طوله» ليرى ان كان يستدل على العنوان أو لا يستدل، حتى لا ينتهي مسلسل القضية من دون ان تنظر الدعوى من اساسها، فهنا تكمن المأساة.
بذلك يصبح هؤلاء المندوبون اساسا في ضياع الحقوق لانهم موظفون بلا وظيفة، لا يعرفون اهمية وجودهم في وزارة العدل، التي هي من اهم الوزارات في الدولة، والمسؤولية الملقاة على عاتقهم.. فكيف سينال الناس حقوقهم ومستحقاتهم اذا لم يقم هذا الموظف بعمله وابلاغ الخصم؟
وعن هؤلاء، كما ذكر لي الكثير من المحامين حدث ولا حرج، لان سيل الشكاوى بلغ الزبى بسبب اهمالهم، فالغالبية تحدثك عن هذه الفئة التي اصبحت لها السيطرة والهيمنة في سير القضية.. كذلك هي حال المراجعين الذين يشعرون بالاستياء والقهر لتعطيل حقوقهم عند هذا الموظف الذي يجلس أمام مكتبه ولا يبالي بمصالح العباد.
ونظرا لاهمية هؤلاء المندوبين ودورهم في تعطيل القضايا وتأخيرها، وربما شطب الدعوى من اساسها.. فاننا لن نقف عند ما يفعلونه فقط، بل سنقدم اقتراحات لوزارة العدل والمسؤولين فيها بشأن تنظيمهم والسيطرة عليهم، لعل هذه الاقتراحات تؤخذ بعين الاعتبار.
قد يتساءل البعض: كيف يتصرف المحامي عندما تؤجل قضيته مرة واثنتين وثلاث واكثر، بسبب جملة «لم يستدل على العنوان»؟
ــــ هناك مشاكل كثيرة تجعل المحامين يصطدمون بهؤلاء المندوبين، لانه اذا تعدت المدة القانونية تسعين يوما، يصدر الامر ببطلان صحيفة الدعوى لعدم الاعلان. وهذه القوانين والاجراءات لا بد ان يمارسها هذا الموظف الذي من المفترض ان يعرف اهمية الاعلان ومدته.
فتكاسل موظفي الاعلان، وعدم رغبتهم بالخروج وكتابة عبارتهم الشهيرة «عدم الاستدلال على العنوان» كلها عوامل تؤدي إلى تبادل الضرب بين المراجع ومندوب الاعلان وإلى الشكاوى المستمرة.. اذ يرفق كثير من المحامين في كل قضية شكوى عن المندوب، لكن من دون جدوى، فهل هذا يصح في بلد نعرف نزاهته وقضاؤه العادل؟ أليس من المفترض ان يعاقب كل متقاعس عن اداء وظيفته؟
من هو مندوب الإعلان؟
ــــ قد نعرفه جميعا، الا انه قد لا يعرف قيمة نفسه واهميته في سير القضية، ولعل ابرز من عبر عن مهمة المندوب ودروه في سير القضية هو الدكتور المحامي عادل السيد بهبهاني، استاذ قانون العمل المنتدب في جامعة الكويت، فقال:
ــــ الإعلان القضائي هو الوسيلة الرئيسية التي رسمها قانون المرافعات لتمكين الطرف الآخر من العلم بإجراء معين، ويتم تسليم صورة من الورقة القضائية لهذا الإجراء إلى المعلن إليه، أو إلى من يحدده بدلاً منه، على يد الموظف المختص. فهو الوسيلة الرسمية التي يجب اتباعها كلما تطلب القانون إخبار شخص آخر بأمر ما، أو إخطاره أو إعلانه أو إنذاره ما لم ينص على طريق آخر.
%90 من الدعاوى تؤجل
ونسأل الدكتور بهبهاني:
• هل هذا مطبق في الواقع العملي لعمل مندوب الاعلان، وما أثره في سرعة انعقاد الخصومة أو الانجاز؟
ــــ مع الاسف الشديد في الواقع العملي نجد أنه كثيرا ما تؤجل الجلسة لعدم اعلان الخصم، لاسيما في الجلسة الاولى. فتقريبا %90 من الدعاوى بمختلف انواعها تؤجل للاعلان بالارشاد (المحامي أو المدعي) لأن مندوب الاعلان لم يستدل على العنوان المدون في صحيفة الدعوى.
وقد تؤجل الجلسة الثانية أيضا بسبب عدم تمكن المعلن من التفاهم في يوم الاعلان مع مندوب الاعلان على التلاقي في المكان المناسب، لارشاده بعنوان المعلن اليه، فتؤجل الجلسة لمرة ثالثة، ثم تؤجل لمرة رابعة عندما يدعي بعض المندوبين، وهم لحسن الحظ قلة حتى الآن، بأن الاعلان قد تم من قبله من دون حاجة لارشاد الخصم المعلن. ويفاجأ هذا الاخير في الجلسة أن الاعلان لم يتم أيضا مما يعرضه للحكم عليه بالغرامة أو وقف الدعوى، تعليقا لمدة ثلاثة أشهر كجزاء له على عدم تنفيذه لقرار المحكمة بالاعلان.
واقع مرير
ويستطرد قائلا:
ــــ هذا الواقع المرير والتعقيد والتأخير في عملية اتمام اعلان الاوراق القضائية نعزوه، نحن كمحامين ومن خلال تجربتنا العملية، لسبب واحد فقط هو تقاعس بعض مندوبي الاعلان عن القيام بأعمالهم. ولكننا ايضا نجد في عدم دقة الخصم نفسه صاحب المصلحة في رفع الدعوى، وهو يمد محاميه ببيانات خصمه وعنوانه، سببا آخر لا يقل أهمية عن السبب الاول الذي ذكرناه. فكثيرا من الأحيان لا يزودنا الموكل بعنوان خصمه الصحيح، مما يجبر المندوب على ختم صحيفته بختم عدم الاستدلال على العنوان!
ولا يمكننا كذلك أن نغفل عن بعض المواد القانونية المتعلقة بالاعلان التي سمحت، ولو بشكل غير مباشر، بتلاعب بعض مندوبي الاعلان، ممن نالوا نصيبا من الفساد الاداري المستشري هذه الايام في البلاد، بالاعلانات وبطريقة اعلانها مما كان له أكبر الأثر بتأخير حصول المتقاضين على حقوقهم.
حلول مقترحة
اما عن الاقتراحات بصدد ايجاد الحلول المناسبة للاسراع في عملية اعلان صحف الدعاوى والاوراق القضائية فيقول:
ــــ أولا: أن يتم الإعلان بواسطة مندوبي الإعلان أو مأموري التنفيذ وبإرشاد الخصوم أو وكلائهم، بحيث تبدأ خطوات الإعلان خلال الأسبوع الأول من إيداع الصحيفة وبإشراف ومعاونة الخصم أو وكيله، ولا يترك أبداً لمندوب الإعلان القيام بالإعلان لوحده، فقد ثبت أن أغلب الإعلانات تتم بالإرشاد وليس بالجهد الذاتي من مندوبي الإعلان. وهذا يقتضي تعديل تشريعي يسمح فيه لرافع الدعوى المعلن أو وكيله مصاحبة مندوب الاعلان والاشراف بنفسه على عملية الاعلان.
ثانيا: اجبار الخصم رافع الدعوى المعلن بارفاق خريطة موضحة لعنوان المعلن اليه مع صحيفة الدعوى وقت ايداعها ادارة كتاب المحكمة، مما يسهل العملية على المندوب، ويقلل من حالات عدم الاستدلال على العنوان.
ثالثا: الاستفادة من التطور التكنولوجي والميكنة الإدارية وربط أجهزة الدولة الكترونياً وتكنولوجياً، وسرعة تبادل المعلومات بين وزارات الدولة بحيث لا تقتصر في المستقبل على إعلان المواطنين والمقيمين على المخالفات والأحكام الصادرة ضدهم ورفض انجاز معاملاتهم الا بعد تسوية أمورهم، بل كذلك العمل على توسعة نطاقها بحيث تشمل ايضا ابلاغ المواطن أو المقيم بالقضايا المرفوعة عليه والتهم الموجهة اليه.
رابعا: حسن اختيار مندوبي الإعلان ومأموري التنفيذ وتطويرهم وتدريبهم، خصوصاً في مجال العلاقات العامة والعلاقات الإنسانية، وزرع روح التعاون بينهم وبين الخصوم أو وكلائهم الذين لهم مصلحة في الإعلان هو بمنزلة العامل الجوهري الفعال في حل مشكلة التأخر في إتمام الإعلانات القضائية والتأخير في الفصل في المنازعات القضائية.
سوء الخلق وعدم الإنجاز
كما التقينا بالمحامي ناهس العنزي الذي تحدث عن مشاكل المندوبين اولا حيث قال:
ــــ كون المندوبين مواطنين يجري التساهل معهم، وحتى المسؤولون عنهم متساهلون، اضافة إلى ان غالبية المندوبين سيئوا المعاملة ويتصفون بعدم الانجاز، واغلب الاعلانات التي تتم على ايديهم مخالفة للقانون ويدفع ثمنها المتقاضون والمحامون، حيث يكون الجزاء بوقف الدعوى وتغريم المحامي ورفض الاستئناف لعدم الاعلان بالمدة القانونية.
تقارير مكتبية
ويستطرد العنزي الذي يحمل الكثير من الهموم والشجون قائلا:
ــــ اغلب المندوبين يكتبون تقاريرهم اثناء وجودهم في المكتب، ولا يكلفون انفسهم الخروج للابلاغ، فاذا ما وافقوا لنا للاسترشاد لنخرج معهم، وهذا حدث معي ومع غيري الكثير، وعندما نأتي للخروج مع أحدهم يقول ان العنوان واضح، فأعاود سؤاله: هل احضر معك لأسهل عليك؟ فيجيب: العنوان واضح لا يحتاج إلى ارشاد «اكيد اكيد».
وفي اليوم التالي أفاجأ في المحكمة عند القاضي بشطب الدعوى ورفض الاستئناف بسبب جملتهم «لم يستدل على العنوان» فالقاضي لا علاقة له باي عذر يذكر. فاقوم بتقديم شكوى مرفقة بكل قضية عن مندوب الاعلان الذي يؤخر القضية. ورغم انني المدعي ولست المدعى عليه، حيث من مصلحتي الاعلان، فان غالبية الشكاوى على هؤلاء من جميع المحامين لا تؤخذ بعين الاعتبار، بل اذا عوقب احدهم هددوا بترك العمل.
الوزارة مهملة تجاه هؤلاء ولم تتخذ فيهم أي اجراءات كونهم مواطنين لا يمكن الاستغناء عنهم. ويستطيع أي شخص التأكد من خلال الذهاب إلى محكمتي حولي والرقعي على وجه الخصوص، حيث سيشاهد سوء معاملة مندوبي الاعلان.
حولوها للخصخصة
ويستعرض المحامي ناهس العنزي حال المحاكم في دبي وقطر والخليج:
ــــ لا توجد في هذه الدول مثل هذه المشاكل التي تحدث لدينا في محاكم الكويت، اذ يعامل المندوبون هناك معاملة الموظف العام، وتطبق على المهمل الجزاءات. ويتم كذلك الاعلان عن طريق احدى الصحف المحلية، ويذهب مندوب الاعلان بسيارة مزودة بالخرائط إلى المكان المراد اعلانه. كما ان الموظف هناك يخرج منذ الصباح الباكر ويستمر عمله لفترتين صباحية ومسائية، لهذا لا توجد مشكلة الاعلانات هناك.
اما في الكويت، فلا بد من تعديل قانون المرافقات. ويعدل هذا القانون بمنح الاعلان إلى شركة خاصة، على ان تجري معاملة هذه الشركة معاملة الموظف العام في العقوبات، وكذلك الاعلان عن طريق الصحف المحلية، على الأقل لو صحيفة واحدة.
امنحوهم دينارين
واقترح المحامي ناصر الشطي ان يدفع كل مواطن له قضية خمسة دنانير:
ــــ ثلاثة تذهب للطوابع في وزارة العدل ودينارين للمندوب، شريطة ان يكون اعلانه صحيحا، لا ان نكتشف لاحقا تلك الجملة المشؤومة في المحكمة. فاذا فعلنا ذلك استطاع القاضي الفصل في الموضوع والمحامي ان يقدم دفاعه والمواطن ان يأخذ حقه في فترة وجيزة، فاعطوهم دينارين حتى لا تتأخر قضايا الناس.
واتفق الشطي مع من سبقه في ان تتولى شركة خاصة توزيع الصحف بشكل دقيق وفق خرائط بلدية الكويت، فمندوب الاعلان له صفة قضائية، وعندما يمنح موظف الشركة تفويضا عن طريق المحكمة فيحق له ان يعلن، وقد يكون هذا الاستثناء منح لشركات متخصصة لتوزيع الاعلان والصحف.. وهذا اسهل من خصخصة الشركات.
أضرار تأخر الإعلان
من ناحيته، لخص المحامي عادل قربان اضرار تأخر مندوب الاعلان في القيام بالاعلان في ما يلي:
ــــ إطالة أمد النزاع، ففضلاً عن أنه إذا كانت الورقة المطلوب إعلانها تكليفاً بحضور بصحيفة دعوى أو استئناف، وقدرت المحكمة أن مرجع التأخير في إعلان التكليف بالحضور 90 يوما بخصوص صحيفة الدعوى الابتدائية و30 يوما بخصوص صحيفة الاستئناف. وهو أثر خطر بخصوص الاستئناف نظراً لأن ميعاد الاستئناف يكون قد انقضى فلا يكون للمستأنف الحق في رفع استئناف آخر، ومن ثم تضيع قضيته بسبب مندوب الإعلان.
وهذا حصل مع أحد موكلي محام صديق، فقد قام هذا المحامي بعمل استئناف لموكله في قضية، ثم لم يقم مندوب الإعلان بإعلان المستأنف ضده خلال 30 يوما من تاريخ إيداع صحيفة الاستئناف، وقد دفع الخصم المستأنف ضده باعتبار الاستئناف كأنه لم يكن لعدم إتمام الإعلان في الموعد المقرر قانوناً إعلاناً صحيحاً، حيث ان العنوان كان واضحاً. وحكمت المحكمة بهذا الدفع بعد أن أخذت به، مما حدا هذا الموكل أن رفع دعوى تعويض ضد هذا المحامي لأنه تقاعس عن إتمام الإعلان في المدة المقررة قانوناً، وذلك بسبب خطأ تسبب فيه مندوب الإعلان. وقضية التعويض ما زالت منظورة أمام القضاء.
ومن هذه الحادثة يتبين بأن لمندوب الإعلان دورا مهما في ضرورة إتمام الإعلان خلال المواعيد المقررة طبقاً لقانون المرافعات.
وحول انواع المسؤولية عن تأخر مندوب الاعلان عن اتمامه، لفت قربان إلى انها تتمثل في:
ــــ المسؤولية التأديبية: في حق مندوب الإعلان فيما لو كان تأخره وبخاصة العمدي ينم عن إخلاله بواجبه الوظيفي بأداء عمله المنوط به.
ــــ المسؤولية الجزائية: فيما لو كان التأخر ينم عن التواطؤ مع طالب الإعلان بمقابل أو بإثبات بيانات مغايرة للحقيقة.
ــــ المسؤولية المدنية: فيما لو سبب التأخير أضراراً لطالب الإعلان أو المطلوب إعلانه، وتكون الدولة ممثلة بوزارة العدل مسؤولة عن أعمال المندوب مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه.
وفي النهاية، فإن في كل مهنة محسنا ومسيئا، لذلك فإن مبدأ الثواب والعقاب يضمن تزكية المحسن والاقتداء به، كما يضمن إصلاح المسيء وتقويمه.
الخطوات التي يتم فيها الإعلان
بينت المادة 5 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الخطوات التي يتم فيها الإعلان كالتالي: كل إعلان، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، يكون بواسطة مندوبي الإعلان أو مأموري التنفيذ وإلا كان باطلاً. وعلى الخصوم أو وكلائهم بذل المعاونة الممكنة لإتمام الإعلان، وتسليم صورة الإعلان إلى الشخص نفسه المراد إعلانه أو في موطنه أو في محل عمله، ويجوز تسليمها في الموطن المختار في الأحوال التي بينها القانون، وتسلم صورة الإعلان لشخص المعلن إليه أينما وجد.
وإذا لم يجد القائم بالإعلان الشخص المطلوب إعلانه في موطنه كان عليه أن يسلم الصورة فيه إلى من يقرر أنه وكيله، أو أنه يعمل في خدمته، أو أنه من الساكنين معه من الأزواج أو الأقارب أو الأصهار.
وإذا لم يجد القائم بالإعلان من يصح إعلانه طبقاً لما سبق أو امتنع من وجده من المذكورين فيها عن التوقيع على الأصل بالاستلام أو ممن تسلم الصورة، وجب أن يسلمها في اليوم ذاته لمسؤول مخفر الشرطة أو من يقوم مقامه الذي يقع في دائرته موطن المعلن إليه أو محل عمله حسب الأحوال، وعليه أيضاً خلال أربع وعشرين ساعة من تسليم الصورة لمخفر الشرطة أن يوجه إلى المعلن إليه في موطنه أو محل عمله أو محله المختار كتاباً مسجلاً بالبريد مرفقاً به الصورة يخطره فيه أن الصورة سلمت لمخفر الشرطة.
الإعلان عن طريق المختارين
المحامي منصور زيدان الزايدي يقول ان الاعلان في السابق كان يتم عن طريق المختارين، وكان هذا افضل بكثير مما هي الحال عليه الآن، حيث كان مختار المنطقة يعرف اسماء البيوت واصحابها وغير ذلك، ويضيف:
- الآن أصبح مندوبو الاعلان السبب الأساسي في تأخير المعاملات بسبب قلة عملهم وانجازهم، بالاضافة الى ان هناك امورا اخرى تعطل الاعلان، كالهيئة العامة للمعلومات المدنية التي تشارك في جزء من الخطأ في التعطيل، حيث تعطي المحامين احيانا عنوانا وهميا او خاطئا للمدعى عليه، ولا تتعاون معهم في منحهم المعلومات الكافية عن الشخص المطلوب لاتمام عملية الاعلان. وأتمنى أن تتكفل شركة خاصة بمهمة الاعلان، حتى تسرع وتيرة اجراءات التقاضي بدلا مما هي عليه الآن من تأخير وتعطيل، خصوصا ان القضاء هو الملاذ الوحيد للناس.
كذلك يجب ان يمارس المسؤولون رقابة صارمة على هؤلاء المندوبين وتطبيق القوانين بحقهم، خصوصا ان التخاذل في تطبيق مهام وظائفهم اصبح واضحا ومؤثرا بشكل ظاهر. فدولة الكويت بلد صغير المساحة ومليء باللوحات الارشادية.. فيكف تظل عبارة «لم يستدل على العنوان» قائمة وكل هذه التسهيلات مقدمة امام مندوبي الاعلان؟
واعتبر الزايدي ان جملة «لم يستدل على العنوان» تعد تزويرا في اوراق رسمية، وهي جريمة بحق كل من له حق ضاع في المحكمة بسبب هؤلاء.
وسمية الريس: قضايا كثيرة تسبب مندوب الإعلان بخسارتها
وسمية الريس تحمل ايضا كثيرا من الهموم من مندوبي الاعلان، تقول:
- كم من القضايا تسبب مندوب الاعلانات في خسارتها، باعتبار الدعوى كأنها لم تكن، وعدم قبولها لعدم الاعلان في المدة القانونية، فتضيع حقوق الناس وتتأخر الدعاوى بسبب المندوبين. ولكن اقوم باخذ تصريح من المحكمة حتى اعلن بالارشاد فاقوم اولا باخذ شهادة من الهيئة العامة للمعلومات المدنية عن الخصم وعندما انهي هذه الشهادة أرسلها الى مندوب الاعلان لان لا دعوى تقبل في المحكمة الا عن طريقه. لكن الذي يحدث ان جميع الموظفين لا يريدون الخروج من مكاتبهم ويقولون لنا مباشرة «ماني طالع».
وعندما نقدم شكوى ضدهم لا نجد اي صدى، فتؤجل الدعوى عدة مرات وتتعطل مصالح الموكلين، اضافة الى ما نعانيه من سوء معاملة بعض هؤلاء مع الناس اصحاب الحقوق الذين تزدحم بهم المحاكم، فلا احترام ولا تقدير ايا كانت جنسياتهم او اوضاعهم الصحية او جنسهم، وكان المراجع عندما يأتي لتنفيذ موعد الارشاد وكأنه يريد من هذا الموظف مالا او سلفا وليس كموظف ملزم باداء عمله.
تبادل الضرب
وتستطرد الريس:
- سوء المعاملة هذا وصل الى تبادل الضرب بين المراجع وبعض مندوبي الاعلان وهذه حادثة من حوادث كثيرة وقعت امام عيني، وانتهى الطرفان فيها الى مخفر الصالحية، وهذه الحوادث تحصل كثيرا في المحاكم نتيجة سوء التعامل. وهذا كله بسبب ضعف الجهاز الرقابي على موظفي الاعلان، فلا رقابة او تفتيش عليهم، رغم توفير الحوافز لهم مثل السيارة في تنقلاتهم، اضافة الى وجود خرائط بها.. لكن تكاسلهم هو السبب.
وعلى الرغم من ان اغلب المحامين يقومون بتقديم شكاوى الى رئيس قسم الاعلان عن تأخرهم وسوء معاملتهم، فإنه يحاول اقناعنا بعدم تقديم هذه الشكاوى ويتعهد بان المندوب سيخرج لايصال الاعلان.. الا ان ذلك لا يحدث، وقد تصل العداوة بين مندوب مكتب المحامي ومندوب الاعلان الى درجة حدوث قضايا ضرب وتعد في مخافر الشرطة. وكثير من القضايا سجلت من قبل مندوبي اعلان المحكمة بالتعدي عليهم واهانة موظف عام، مستغلين تلك النقطة لصالحهم، ويكون ايضا التعدي على مندوبي الاعلان بالضرب والسب من قبل المراجعين نتيجة استفزازهم وسوء معاملتهم.
ضياع حقوق المتقاضين
وتستطرد:
- اهمال هؤلاء المندوبين في الاعلان عن صحف الدعاوى في المحكمة يؤدي الى ضياع حقوق المتقاضين، حيث لا يتم الاعلان في المدة القانونية المسموح بها خلال تسعين يوما من تاريخ ايداع صحيفة الدعوى، وايضا من سكرتير الجلسة.. واحيانا يكون الاهمال في ترحيل القضايا الى سكرتير الجلسة حيث ليس لدى المحامي الصلاحية في اخذ الصحيفة المعلنة وارسالها الى السكرتير، والا لكان الامر منتهيا، كون المحامي من مصلحته اتمام الاعلان للموكل، الا انه لا صلاحية للمحامي بذلك. وهذا الامر يؤدي في النهاية الى اعتبار الدعوى كأنها لم تكن ويضر بمصلحة المراجع او الموكل.
فقر للوعي القانوني
وعن تخصصات هؤلاء المندوبين العلمية تقول:
- ليست لديهم شهادة تخصص في مجال القانون، ومعظمهم خريجو متوسط وثانوي ويفتقرون إلى الوعي القانوني. وكثير منهم ليست لديهم اي خبرة قانونية في طريق الاعلان او مدته او ساعته واهميته في سير القضية، بل ان معظمهم يجهل تماما انه اذا مر 90 يوما على تقديم الدعوى فهذا يؤدي الى بطلان الصحيفة.
نريدها خصخصة
وتسترسل الريس:
- كنا في السابق لا نشعر بالمشكلة لان موظفي الاعلان كانوا مخلصين في عملهم، لكن السياسة التي اتبعت في وزارة العدل بتكويت موظفي الاعلانات جعلت المشكلة كبيرة ولهذا نطالب بـ:
• خصخصة الاعلانات من خلال مناقصة يجري ارساؤها على شركة يكون العاملون فيها من خريجي الحقوق، ويملكون الخبرة القانونية في الاعلانات وصحف الدعاوى واعلانات الاحكام.
• ان يمروا بفترة اختبار قبل قبولهم كموظفي ومندوبي اعلانات.
• توفير جهاز GPS وجهاز رقابي من قبل الشركة على نتائج وانجازات الاعلانات من قبل مندوبي الاعلان او بالارشاد او الاعلان بالمواجهة بالنيابة، مع تسجيل مندوب الاعلان بالشركة ما تم اعلانه بجهاز الكمبيوتر المرتبط بالمحكمة والخاص بالاعلان، وذلك برقم الاعلان والرقم الآلي والساعة والتاريخ واليوم والمستلم للاعلان وكيفية الاعلان.
• تطبيق سياسة الثواب والعقاب على الشركة وموظفيها، حيث انه ليس بالامكان تطبيق القوانين على العاملين في القطاع الحكومي مثلما يمكن تطبيقها على العاملين في القطاع الخاص اذا ما جرت خصخصة هذه المهنة.
من ملفات القضايامن ملفات القضايا التي تحفل بها مكاتب المحامين اخترنا هاتين القضيتين:
تم الحكم لصالح شخص قطع عنه المالك التيار الكهربائي، حيث اقتضى الحكم بالزام المدعى عليه برد الكهرباء للمستأجر المتعثر. وحتى هذه اللحظة منذ اكثر من شهر يعيش هذا الشخص في الظلام من دون كهرباء، لأنه لا يمكن تطبيق الحكم من دون المندوب.. والمندوب يراوغ مع المحامي منذ الصباح حتى المساء، ثم يغلق موبايله ولا يأتي من اجل تنفيذ الحكم.
لذلك يواجه المحامون مشكلة في الاعلان عن صحيفة الدعوى قبل صدور الحكم ومشكلة أخرى في تنفيذ الاحكام الصادرة.
أما القضية الثانية، فقد حصل مراجع على حكم ضد زوجته التي طلقت برغبتها، وصدر الحكم باسترجاع المهر والشبكة والنفقة بأثر رجعي، لان الطلاق كان بسببها. لكن الدعوى اعتبرت كأنها لم تكن لعدم الاعلان عنها بسبب تأخر المندوب في كل مرة، حتى شطبت واضطر هذا المراجع لرفع القضية ذاتها في دائرة ثانية.. وما زال بانتظار المندوب.
ضمان لحقوق المعلن
قال الدكتور بهبهاني انه نظرا لأهمية الإعلان ودوره في المنازعات القضائية فقد قرر له المشرع الكثير من المواد في قانون المرافعات ضماناً لحقوق المعلن وسداً لذريعة المعلن إليه في الاعتذار بجهله بالخصومة. فشأن اعلان الخصم بالخصومة هو شأن نشر التشريع في الجريدة الرسمية ومبدأ عدم الاعتذار بالجهل بالقانون، فإذا ما تم الإعلان بالخصومة لا يسمح بعد ذلك للمعلن إليه الاعتذار بعدم علمه بالإعلان.
حسن اختيار مندوبي الإعلان
أكد الدكتور بهبهاني ان حسن اختيار مندوبي الإعلان ومأموري التنفيذ وتطويرهم وتدريبهم خصوصاً في مجال العلاقات العامة والعلاقات الإنسانية وزرع روح التعاون بينهم وبين الخصوم أو وكلائهم الذين لهم مصلحة في الإعلان، هو بمثابة العامل الجوهري الفعال في حل مشكلة التأخر في إتمام الإعلانات القضائية والتأخير في الفصل في المنازعات القضائية.
لأنها الوحيدة التي تتصدى للقوانين المخالفة وبيدها فصولها قوانين تخالف الدستور.. فمن يوصلها لــ «الدستورية»؟
إعداد مبارك العبدالله
من خلال مناقشات القوانين التي تتم بين الحين والآخر من قبل المتخصصين بالقانون، إضافة إلى ما يحال إلى المحكمة الدستورية من قرارات يتم الطعن عليها في العديد من القضايا، والتغيير في هذه القرارات من قبل هذه المحكمة وإنشاء قواعد جديدة ليسير عليها المجتمع في اتجاهها، فإنه ومن الواضح جلياً ان هناك العديد من القوانين التي لم يتم الوصول إليها أو التفكير في ضرورة إيصالها للمحكمة الدستورية وهي المحكمة العليا ليبت فيها عما إذا كانت هي قوانين تصلح لأن تسير في هذا الزمن أم لا.. لذلك فإنه من الممكن أن هناك فصول قوانين مهمة يجب ان يتم تجاوزها وإصدار قرارات تاريخية وتغيير وهو الأمر الذي يكون من اختصاص المحكمة الدستورية.
ولو نظرنا إلى مجموعة من أحكام الدستورية التي أبهجت المجتمع بعدالتها وسيرها مع الدستور الكويتي فإن أبرزها هو حكم حجاب النائبات، إضافة إلى حكم السماح للمرأة بالسفر وإلغاء ما كان يسير عليه القانون من انه ضرورة سماح الزوج لها حتى وإن كان قد طلقها.. إضافة إلى حكم جواز استئناف غرامة المخالفات المرورية التي تقل عن 40 دينارا، والتي من خلالها في الوضع السابق كان من الممكن أن يتم الرجوع على المخالف بالغرامات الأكبر ولم يتمكن من استئناف الحكم، إضافة إلى الأحكام العديدة الأخرى التي أقرتها المحكمة الدستورية، ولو رجعنا بالتاريخ إلى الوراء لوجدنا ان من بين هذه الأحكام هو الحكم التاريخي الذي ألغى «قانون التجمعات».
وبالرجوع الى حيثيات حكم الدستورية في إلغاء قانون التجمعات فإنها اكدت ان الاصل في ان الحريات وحقوق الانسان لا يستقل اي مشرع بإنشائها، بل انه فيما يصيغه من قواعد في شأنها لا يعدو ان يكون كاشفا عن حقوق طبيعية اصيلة، ولا ريب في ان الناس احرار بالفطرة ولهم آراؤهم وافكارهم وهم احرار في الغدو والرواح، فرادى ومجتمعين، وفي التفرق والتجمع مهما كان عددهم ما دام عملهم لا يضر بالآخرين.
وبالنسبة لحكم الدستورية في قضية حجاب النائبتين، فقد ارسيت مبادئ مهمة اوضحتها في حيثيات الحكم عندما اكدت ان عبارة الالتزام بالشريعة الاسلامية في قانون الانتخاب جاءت مطلقة دون تحديد، وان للقواعد والاحكام المعتمدة في الشريعة الاسلامية مدلولا عاما يستوعب احكام الدين جميعها، ولا يجوز للتشريع الادنى مخالفة التشريع الاعلى مرتبة منه.
أما حيثيات الدستورية في حكم «جواز المرأة»، فقد اكدت على ان حية التنقل غدوا ورواحا بما تشتمل عليه من حق كل شخص في الانتقال من مكان الى آخر والخروج من البلاد والعودة اليها تعتبر فرعا من الحرية الشخصية، وحقا اصيلا مقررا له حرصت معظم دساتير العالم على تأكيده، وضمنته المواثيق الدولية التي انضمت اليها الكويت، كما اشار الحكم الى انه لكل كويتي، ذكرا كان او انثى، الحق في استخراج جواز السفر وحمله باعتبار ان هذا الحق لا يعد فحسب عنوانا عن انتمائه للكويت الذي يعتز به ويفتخر سواء داخل وطنه او خارجه، بل يعتبر فضلا عن ذلك مظهرا من مظاهر الحرية الشخصية التي جعلها الدستور الكويتي حقا طبيعيا يصونه بنصوصه ويحميه بمبادئه.
دائرة القبول
الخبير الدستوري د. محمد الفيلي اكد ان قضية القوانين المخالفة للدستورية تواجه عوامل كثيرة، من بينها ان يتم توسيع دائرة قبول الدعوى، بان نجعل للافراد حق الطعن مباشرة امام المحكمة الدستورية، موضحا ان ذلك اسلوب غير موجود في الكويت باعتبار ان الافراد لا يصلون الى المحكمة مباشرة.
واضاف: المادة 173 من الدستور تنص على ان القانون يكفل لذوي الشأن بالطعن، مستدركا: هذا الباب غير موجود، وما هو موجود ان الافراد بمناسبة دعوى قضائية منظورة امام المحكمة، فانه يمكنهم الدفع امام المحكمة بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه عليهم.
وتابع: نحن في الكويت اخذنا بالمنطق المضيق، بالرغم من ان نص الدستور قرر وجوب كفالة الحق في الدعوى المباشرة لذوي الشأن، ومن كان القانون مؤثرا على مراكزهم.
وعما اذا كان هناك اسلوب آخر نستطيع من خلاله فك الارتباط بين نظرية المصلحة في الدعوى، وقضية عدم دستورية القوانين واعتبار ان مصلحة المجتمع بان لا توجد قوانين مخالفة للدستور اجاب الفيلي قائلا: في هذا السيناريو يجب ان نوسع موضوع المصلحة ولا نربطه بالمصلحة الشخصية المباشرة.
وفيما اذا كان ذلك الاسلوب من الممكن ان يتم طرحه، اوضح الفيلي انه يمكن تفعيله عن طريق نواب المجتمع، لكن قانون انشاء المحكمة الدستورية يجعل الطعن بدستورية القانون من خلال قرار يتخذه المجلس، وبالتالي نحتاج الى اغلبية لاتخاذ القرار، وهي الاغلبية نفسها لتعديل القانون.
وأجاب الفيلي عن الحلول التي يجب وضعها في هذه الحالة قائلا: لدينا نوعان من الحلول: فإما ان يتم فتح باب الدعوى الشعبية عند صدور القانون بأن يكون لمن يشاء ان يطعن في دستورية القانون، او ان نعدل في قانون انشاء المحكمة، بما يجعل الوصول لتحريك موضوع الدستورية اقل صعوبة، وهذا الامر بيد المشرع العادي.
وخلص الى ان الحاجة اليوم واضحة، اذ لو اتى المشرع وحاول التعديل بالقانون فسوف يجد اسنادا منطقيا من الرأي العام لانه سيضع تشريعا تكون الحاجة له قائمة وواضحة.
الجنسية والإبعاد الإداري
ومن جهة اخرى، اكد المحامي مبارك الشمري انه يجب طرح موضوعين اعتبرهما مهمين امام المحكمة الدستورية الاول موضوع الابعاد الاداري والآخر هو موضوع الجنسية من حيث اعطاؤها وسحبها.
وقال ان الابعاد الاداري تم استثناؤه من نظر المحاكم بموجب القانون رقم 20 لسنة 81 في مادته الاولى الفقرة 5 وهذا الحظر او الاستبعاد هو غير دستوري، ويجب ان يطرح على المحكمة الدستورية للنظر في دستورية هذه المادة من القانون، حيث ان الإبعاد يعتبر عقوبة، والعقوبة يجب ان تكون تحت نظر القضاء واعطاء المتهم حقوق الدفاع في موضوع الابعاد، ولكن هذا القانون لا يعطي المبعد اي حق حتى ولو كان هذا الابعاد تعسفيا.
وأوضح ان الابعاد حق للدولة او السلطة التنفيذية، فلا يختلف عليه اثنان اذا نظرت ان المتهم او المبعد يخل بأمن البلاد فهذا حق السلطة التنفيذية، ولكن يجب ان تكون هناك تظلمات يتظلم منها المبعد من اسباب هذا الابعاد وينظر القاضي سبب الابعاد ودفوع المبعد، وبعد ذلك يُصدر بهذا التظلم حكما نهائيا.
واستدرك: هذا التظلم لا يوجد في الكويت، دولة القانون والمؤسسات القانونية، استنادا الى القانون الذي استثنى الابعاد من نظر القضاء، وهذا يعتبر غل يد القضاء في هذا الموضوع، لذلك يجب ان يطرح هذا القانون امام المحكمة الدستورية للنظر في دستورية هذا القانون.
واشار الى موضوع الجنسية، موضحاً ان غل القانون سابق الذكر 20 لسنة 81 في فقرته الاولى نظر القضاء، وهذا يعتبر مخالفة دستورية، حيث هناك مواد دستورية ايدت هذا الحق ومن اهمها نص المادة 27 من الدستور الذي حدد ان الجنسية الكويتية حددها القانون ويجوز اسقاطها او سحبها الا وفقا للقانون.
وايضاً نص المادة 166 من الدستور، وهو ان حق التقاضي مكفول، ومن هذه المواد الدستورية أكدت أن الجنسية يجب ان تكون تحت نظر القضاء، حيث ان مجرد ان تكون شروط استحقاق الجنسية متكملة وفقا للقانون، فللشخص ان يلجأ الى القضاء لتأكيد هذا الحق تحت ظل ونظر القضاء، وايضاً ان سحب الجنسية به ظلم كبير، حيث سحبها يخالف نصوص الدستور سالفة الذكر، حيث يتم سحب الجنسية من السلطة التنفيذية ولا يجوز للشخص التظلم او اللجوء الى المحكمة، حتى لو وقعت هناك اخطاء من السلطة التنفيذية استنادا للقانون المعيب، لذلك يجب ان يطرح موضوع الجنسية تحت نظر المحكمة الدستورية للنظر في مدى دستورية هذا القانون الذي يخالف الدستور والقانون.
البحث قبل التقديم
وأوضح المحامي علي العصفور انه وبما ان تغيير القوانين لا يتم إلا عن طريق المحكمة الدستورية، فإنه من الضروري ان يتم الاجتهاد في بحث ومناقشة الكثير من القوانين التي نرى فيها نحن القانونيين، أنها لا تصلح للاستخدام، وذلك حتى يتم بحثها وتمحيصها قبل التفكير في إحالتها للمحكمة الدستورية.
وأضاف: قد يكون أمراً مستحباً ان يتم الدفع بالكثير من القوانين أمام المحكمة الدستورية، لكنه في الوقت ذاته يجب عدم الإفراط في ممارسة هذا الحق، بحيث يكون كل محام يدفع بقانون يحمل شعار «جرب حظك»، وعلينا جميعاً ان نكون مؤمنين بأن هذه حقوق واقتناعات يجب ان تتغير، لذلك فإننا يجب ان ندرس من الناحية الأخرى عملية إرهاق المحكمة الدستورية بالكم الهائل من الدفوع القانونية، وصحيح انها تنظر هذه القوانين، لكن مسألة الإيمان والجدية بضرورة تغيير القوانين يجب ان تسبق كل شيء.
وتابع: نعم فإن المحكمة الدستورية هي منجاة المجتمع من ظلم القوانين التي عفا عليها الزمن ولا تصلح لأن تطبق في هذا الزمان، وهي الوحيدة التي تستطيع إصلاح الخلل الذي بنته السلطتان التنفيذية والتشريع، فالفساد التشريعي إن وجد لا يصلحه إلا القضاء وعن طريق المحكمة الدستورية.
الهيئات الرياضية
أما المحامي رائد الوهيب يرى ان هناك عدة قوانين من الضروري ان يتم الطعن عليها بعدم الدستورية، ومن أهمها الطعن في نص المادة 3 من المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1978 في شأن الهيئات الرياضية التي تنص على انه «لا يجوز
البدء في اتخاذ اجراءات تأسيس أي هيئة رياضية قبل الحصول على إذن بذلك من الوزارة المختصة.
وقال ان نص المادة سالفة الذكر قيد حق الأفراد في تكوين الجمعيات والهيئات الرياضية على موافقة جهة الإدارة، وذلك بالمخالفة للحرية العامة التي كفلها الدستور للجميع بموجب نصوص المادتين 43 و44 من الدستور الكويتي، الذي كفل الحرية العامة بشأن تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية وبوسائل سليمة مكفولة، وكفل ايضا حق الاجتماع من دون حاجة لإذن او اخطار سابق، على ان تكون اغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب.
واشار إلى ان المادة 43 من الدستور نصت على ان «حرية تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية وبوسائل سلمية مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، ولا يجوز اجبار احد على الانضمام إلى جمعية أو نقابة، كما نصت المادة 44 من الدستور على ان للأفراد حق الاجتماع من دون حاجة لإذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة، والاجتماعات العامة والمواكب التي يبينها القانون، على ان تكون اغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب».
للمشاركة القانونية
إلى كل من يرغب في المشاركة القانونية في هذه الصفحة من خلال طرح آراء أو استفسارات او تساؤلات قانونية، فإننا على استعداد تام لطرحها والأخذ بها بعد الإجابة عليها من قبل المختصين بالقانون على فاكس 24838734 أو الإيميل infoalqabas@hotmail.com.kw
تحقيقات و دراسات / «جرائم التقنية»... مشروع مواده منظمة فعلياً بقانوني المعاملات الإلكترونية وهي... «جرائم التقنية»... مشروع مواده منظمة فعلياً بقانوني المعاملات الإلكترونية وهيئة الاتصالات!
الأحد 14 يونيو 2015 - الساعة 00:01
مواده الخمس الأولى تتضمنها نظيراتها 32 و35 و37 من «المعاملات الإلكترونية» فلماذا الجديد؟!
تبحث اللجنة التشريعية البرلمانية، في اجتماعها اليوم، مشروع قانون جرائم تقنية المعلومات، المقر في مداولة أولى، والتعديلات النيابية المقدمة عليه. «الجريدة» أعدت دراسة تفصيلية عن أبرز الملاحظات والشوائب التي لحقت بالقانون، وتعارضه أو تطابقه مع قوانين أخرى، ما يثقل كاهل التشريعات بقوانين مكررة لذات الجرائم.
ويجدر بالمشرع الانتباه إلى حالات التكرار في التشريعات الكويتية ذات الصلة بشبكة الإنترنت، فهناك قانونا المعاملات الإلكترونية وهيئة الاتصالات والمعلومات المقران سلفا، إضافة إلى قانون الإعلام الإلكتروني الذي يناقش في اللجان البرلمانية، وقانون جرائم تقنية المعلومات المقر في مداولة أولى.
رغم إقرار مجلس الأمة مشروع قانون جرائم تقنية المعلومات، في مداولته الأولى، بأغلبية نيابية، فإنه لم يخلُ من الاعتراض والامتناع عن التصويت، بشأن التحفظ على بعض نصوصه.
ورغم ما يبدو لدى قراءة المشروع للوهلة الأولى من عدم وجود أية مثالب تشريعية أو قانونية، إلا أنه بعد فحص نصوصه يتبين أن الهدف من هذا القانون أبعد بكثير مما يروج له من أن الهدف وراءه ملاحقة المجرمين ببعض الجرائم التقليدية التي أخذت شكلا متطورا، وحان الوقت لسد الثغرات فيها، وهو أمر لا يختلف عليه اثنان.
إذ إن الهدف من هذا القانون يمتد إلى ملاحقة المغردين والمدونين في شبكات التواصل الاجتماعي «تويتر» وعلى الإنترنت رغم تغطية قانون هيئة الاتصالات بمحاسبة من يتسبب في الاساءة على شبكات الاتصالات والإنترنت، وكان الأولى بأصحاب التشريع الجديد أن يتركوا هذا الدور لقانون هيئة الاتصالات وحده، بدلا من إصدار نصوص أخرى تدخل جهات التحقيق والمحاكم الجزائية من بعدها في ظلمات التناقض التشريعي لدى تطبيقها على معالجة الفعل الواحد!
وقبل تناول الملاحظات التي تشوب مشروع قانون جرائم تقنية المعلومات، تنبغي الإشارة إلى ملاحظة أراها مستحقة، وهي أن المشرع، متمثلا في الحكومة ومجلس الأمة، عندما أعد هذا المشروع لم يقم، على ما يبدو، بمراجعة التشريعات التي أصدرها أو التي هو بصدد إصدارها، وهو أمر يشير إلى عدم وجود ربط حقيقي بين السلطتين والأجهزة التابعة لهما، وهو الامر الذي يطرح تساؤلاً، فكيف لمجلس أصدر قانونين على سبيل المثال كقانون المعاملات الالكترونية وهيئة الاتصالات قبل عام أن يأتي ليصدر قانوناً كجرائم تقنية المعلومات، ويناقش في ذات الوقت قانون الاعلام الإلكتروني الذي تعده الحكومة وتناقشه.
سيل تشريعي
وكان الأولى بالمشرع الكويتي ألا يأتي ويناقش فكرة إصدار تشريع إلا بعد التأكد من عدم تنظيمه بباقي التشريعات الأخرى، حتى لا يأتي بسيل تشريعي لمناقشة الحالة الواحدة أو أن يعالج المسألة الإلكترونية في أكثر من تشريع!
وعلي سبيل المثال، فقانون المعاملات الإلكترونية يتضمن جزءا كبيرا من التعاريف التي يوردها قانون جرائم تقنية المعلومات، ويعالج جزءا من المشاكل التي يتبنى معالجتها، بل على نحو تفصيلي، وهو الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن أسباب عدم قيام المشرع الكويتي بدمج القانونين معا، خصوصا إذا ما لاحظنا حجم التشابه والمعالجة الكبيرة في المسائل الواردة بقانون المعاملات الالكترونية التي ينظمها في المادة 1 الخاصة بالتعريفات والمواد 32 و35 و37 بفقراتها، وهي ذات الحالات التي يعالجها قانون جرائم تقنية المعلومات في المواد 1 و2 و3 و4 بفقرتها الأولى والثانية فقط والمادة 5.
أما المادتان 6 و7 الواردتان في مشروع قانون جرائم تقنية المعلومات فمنظمتان حاليا بالفعل في المادة 70 من قانون هيئة الاتصالات، وللتأكد من أنه يشملهما التنظيم أيضا بالإمكان الرجوع إلى المادة الأولى الخاصة بالتعريفات الواردة بقانون هيئة الاتصالات، بينما باقي الفقرات والمواد الواردة بمشروع قانون جرائم تقنية المعلومات ما هي إلا تطوير للجرائم التقليدية كالمخدرات والدعارة وغسل الأموال والاتجار بالبشر، ولكنها تتضمن المعالجة التشريعية إذا ما وقعت على شبكة الإنترنت، وأرى أنه بالإمكان ضمها في باب منفرد إلى قانون المعاملات الإلكترونية الحالي رقم 20 لسنة 2014 دون الحاجة إلى إصدار قانون جديد تحت اسم تقنية المعلومات!
والحالة الثانية التي تثور هي ما تمت معالجته في قانون هيئة الاتصالات الذي قدمته الحكومة بمحاسبة المستخدمين لبرامج الاتصالات على شبكة الانترنت، سواء كانوا مستخدميها عبر المدونات أو المواقع أو حسابات التواصل الاجتماعي، إذ يأتي المشرع بقانون جرائم تقنية المعلومات ويريد معالجة ذات المسألة، ولكن بتطبيق العقوبات الواردة في قانون المطبوعات والنشر الكويتي، أي بتطبيق عقوبات الغرامات المرتفعة والحبس على المغردين والمدونين، رغم إيقاع الغرامات والحبس مدة لا تجاوز سنة بحسب الوارد في قانون هيئة الاتصالات وتحديدا في المادة 70 منه.
وبالتالي فمن المنطقي أن يتركوا لقانون هيئة الاتصالات التطبيق الوارد فيه على جرائم الرأي التي تقع على شبكة الانترنت طالما هو مطبق حاليا بقانون إساءة استعمال الهاتف رقم 9 لسنة 2001 إلى حين صدور اللائحة التنفيذية لقانون هيئة الاتصالات للبدء بتنفيذه، أو أن يحال النص الوارد في المادتين 6 و7 الواردتين في مشروع جرائم تقنية المعلومات لهذه الجرائم إلى ما هو مطبق بالاساس بالمادة 70 من قانون هيئة الاتصالات، بدلا من تكرار المعالجة لذات الأمر، وإدخال المحاكم وجهات التحقيق مستقبلاً في مشاكل قانونية يصعب الخروج منها!
وبعد تناول تلك المسائل التي أراها مستحقة، أتناول في ما يلي بعض النصوص الواردة في مشروع قانون جرائم تقنية المعلومات، وذلك على النحو التالي:
أولاً - من حيث التعاريف الواردة:
فعلى الرغم من التشابه في الكثير من التعاريف الواردة في قانون المعاملات الالكترونية مع التعاريف الواردة في مشروع قانون جرائم تقنية المعلومات، وهو ما يتضح في المادة الأولى من كلا القانونين، فإن هناك مصطلحات واردة في مشروع قانون جرائم التقنية لا تتضمن تعريفاً لها، وهو ما يتضح تحديدا في الفقرة الثالثة من المادة الرابعة، والتي تشير إلى عبارة «تنصت أو اعترض»، وكذلك الفقرة الأولى في المادة 10 بعدم تعريف «الشخص الإرهابي» أو من هو «الإرهابي»، وعدم وضع تعريف لما ورد في الفقرة الأولى بالمادة 11 «العصابة المنظمة».
تشابه المواد
ثانيا: تشابه المواد الثانية والثالثة والرابعة بفقرتيها الأولى والثانية والمادة الخامسة مع نصوص المواد رقم 32 و35 و37 من قانون المعاملات الالكترونية.
وبمراجعة المواد الواردة بمشروع قانون جرائم تقنية المعلومات يتضح أنها متكررة من حيث تنظيم الأفكار، بعضها ذات الأفكار تماما وبعضها لتنظيم مقارب جدا مع المواد الواردة في قانون المعاملات الإلكترونية رقم 20 لسنة 2014 والمطبق أساسا، وهذا التطابق في معالجة الحالات يتضح بعد قراءة المواد الواردة في قانون المعاملات الإلكترونية، والذي تنص مادته 32 مثلا على عدم جواز الاطلاع أو إفشاء أو نشر أي معلومات بيانات شخصية.
وتشير المادة 35 منها إلى عدم جواز استخدام البيانات أو المعلومات الشخصية وبأساليب غير مشروعة من قبل الجهات الخاصة أو العامة، وفي المادة 37 بفقراتها ما عدا «ب» تعاقب بالحبس مدة لا تجاوز 3 سنوات وبغرامة لا تجاوز 5 آلاف، وهي تجرم ما تجرمه نصوص مشروع قانون جرائم تقنية المعلومات، فالفقرة أ من المادة 37 من قانون المعاملات الإلكترونية تنص على معاقبة من «تعمد الدخول بغير وجه حق إلى نظام المعالجة الإلكترونية أو عطل الوصول إلى النظام أو تسبب في إتلافه أو حصل على أرقام أو بيانات ائتمانية أو غيرها من البطاقات الالكترونية لاستخدامها للحصول على أموال الغير».
وتعاقب الفقرة ج «من أتلف أو عيب توقيعا أو نظاما أو مستندا أو سجلا إلكترونيا أو زور شيئا من ذلك بطريق الاصطناع أو التعديل أو التحوير أو بأي طريقة أخرى»، والفقرة د تعاقب من «استعمل توقيعا أو نظاما أو أداة أو مستندا او سجلا الكترونيا معيبا أو مزورا مع علمه بذلك»، والفقرة هـ تعاقب «من توصل بأي وسيلة بغير حق على توقيع أو نظام أو مستند أو سجل إلكتروني أو اخترق هذا النظام أو اعترضه أو عطله عن أداء وظيفته».
ويلاحظ أن كل ما ورد في المادة 37 بفقراتها ما عدا الفقرة ب قد ورد بمشروع قانون جرائم تقنية المعلومات المقر بالمداولة الأولى، والذي يتعين إيقافه وتدارك نصوصه مع نصوص قانون المعلومات الإلكترونية والمواد الواردة بمشروع جرائم تقنية المعلومات المنظمة أساسا بقانون المعلومات الالكترونية، وهي المواد الثانية الخاصة بالدخول غير المشروع والافشاء والاتلاف، والمادة الثالثة التي تحظر الاطلاع والحصول على المعلومات، وما ورد في نهاية الفقرة الأولى من المادة الثالثة التي تحظر انتهاك سرية المعلومات المصرفية وكذلك في المادة الخامسة من مشروع قانون جرائم تقنية المعلومات بشأن عدم الوصول الى بيانات البطاقات الائتمانية، والتي هي أساسا محظورة بالمادة 37 من قانون المعاملات الالكترونية، وما ورد بالفقرة الثانية من المادة الثالثة الخاصة بتزوير المعلومات، فقد نظمتها المادة 37 كذلك من قانون المعاملات الالكترونية، وما ورد بالفقرتين الأولى والثانية من المادة الرابعة من مشروع قانون جرائم تقنية المعلومات، والتي هي أساسا منظمة بالمادة 37 من قانون المعاملات الالكترونية.
حبس وغرامة
نظم قانون جرائم تقنية المعلومات إحالة الأشخاص المخالفين لقانون المعلومات إلى الافعال والمواد الواردة في قانون المطبوعات والنشر، والتي تكون عقوباتهم بالحبس وكذلك بالغرامات التي لا تقل عن 3 آلاف ولا تزيد على 10 آلاف.
ومثل هذا التنظيم الغريب من قبل مشروع قانون جرائم تقنية المعلومات الذي كان بإمكانه ألا يعالج هذه المسألة لكونها معالجة بالاساس في قانون هيئة الاتصالات، وإذا ما خلا نص يطبق قانون الجزاء لكونه الشريعة العامة لاي حالات لا تطبق، خصوصا أن مشروع قانون جرائم تقنية المعلومات أورد بمادته 16 أنه لا يخل تطبيق العقوبات المنصوص عليها بأي عقوبات أشد ينص عليها بقانون الجزاء.
وبالتالي كان يتعين أن يترك التنظيم لما هو منصوص إليه في المادة 70 من قانون هيئة الاتصالات، أو الإحالة إليها تحديدا بدلا من إقحام الغرامات المرتفعة جدا على المغردين أو المدونين والواردة بقانون المطبوعات والنشر، والتي لا تجد لها ربطا بالتطبيق، خصوصا أن لقانون المطبوعات والنشر خصوصية من حيث أن العقوبات المالية المرتفعة من الغرامات تقع على عاتق مؤسسات وشركات تملك تلك الصحف، وفي الوقت ذاته أحاطها المشرع بضمانة سقوط الدعاوى الجزائية بمضي ثلاثة أشهر بعكس مشروع قانون جرائم تقنية المعلومات الذي يريد تطبيق تلك الغرامات المرتفعة على المغردين والمدونين بعقوبات الحد الأدنى منها 3 آلاف وتسقط كدعاوى جزائية بمضي سنة وليس ثلاثة اشهر.
كما أن منطق الأمور إذا ما أراد المشرع أن يحيل التطبيق من حيث الفعل والعقوبة إلى تشريع آخر فعليه أن يطبق كل الضمانات التي يضعها ذلك التشريع، كما أن حالة القياس تكون بين المراكز المتماثلة من حيث التنظيم فأين التماثل بين شخص يدير حسابا شخصيا في «تويتر» أو مدونة خاصة على شبكة الانترنت، وبين مؤسسة مالية تطلب المشرع بقانون المطبوعات أن يكون رأسمالها لا يقل عن 250 الف دينار، وأن تخضع لرقابة وزارات التجارة والاعلام والشؤون من حيث العمالة والالتزام بنسب العمالة الوطنية، والتدقيق المالي والمحاسبي.
بينما ينص المشرع وفق قانون هيئة الاتصالات الحالي رقم 37 لسنة 2014، وتحديدا في المادة 70 على تنظيم الأمر على نحو واضح وصريح، وبالتالي يتعين على القائمين في وزارة العدل أو النواب في مجلس الأمة تدارك هذا الأمر.
المحاكم الأجنبية
من الملاحظات التي تواجه مشروع قانون جرائم تقنية المعلومات هو ما نصت عليه المادة 11 «لا تقل عقوبة الحبس أو الغرامة التي يحكم بها عن نصف حدها الاقصى إذا اقترنت الجريمة باي من الظروف الآتية: رابعا: صدور أحكام سابقة من المحاكم الوطنية أو الأجنبية بإدانة الجاني في جرائم مماثلة».
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وهو أن القضاء الكويتي يرفض تنفيذ أحكام المحاكم الأجنبية إلا إذا وجدت اتفاقيات بين الدولتين لتنفيذها أو للتعاون القضائي فيها، فكيف يحتج إذا بتلك الأحكام الأجنبية طالما لا يقبل تنفيذها؟
وهناك سؤال آخر: إذا كانت الأحكام أجنبية صادرة من دولة معادية للكويت أو بالأساس تقطع الكويت العلاقات معها فهل سيحتج بالاحكام الصادرة منها وستعترف بها المحاكم؟ وبالتالي أرى أنه من المنطقي جدا أن تعاد الفقرة الرابعة من المادة بأن يقصر على الأحكام الوطنية فقط، أو أن يتم ربط الاحتجاج بالاحكام الأجنبية للدول التي تربطها اتفاقيات مع الكويت فقط بما يخرج باقي الدول الأجنبية الأخرى.