كما كانت مسرحية «الدنيا لما تضحك» بداية مرحلة جديدة لنجيب الريحاني، على المستويين الفني والمادي، جاءت لتمثل عنواناً عريضاً من النجاح لزينات صدقي، فقد بدأت الدنيا تضحك لها فعلاً.
أصبح لزينات صدقي اسم يعرفه على الأقل المحيطون بها من الوسط الفني، أصبح لها دخل معقول، وشقتها التي كانت تفترش وتلتحف فيها بملابسها، بدأت تمتلئ بالأثاث والمفروشات، حجرتها وحجرة والدتها، والأهم حجرة نادرة التي أصبحت تناديها «ماما زينات».
نجاح مسرحية «الدنيا لما تضحك» أزال سوء التفاهم بين الريحاني والجمهور، وزاد من حماسه لتقديم عمل جديد يزيد من رضاء الجمهور عنه، فقرر استحضار روح «كشكش بك» بعد هجرها سنوات، تلك الشخصية التي كانت سبباً في شهرته وانتشاره.
بدأ الريحاني موسمه الجديد في 23 فبراير 1935 بمسرحية «الدنيا جرى فيها إيه» حيث يعود كشكش إلى القاهرة مع صديقيه «شيخ الغفر زعرب» الذي تخصص في تجسيد شخصيته الفنان عبد اللطيف المصري، و{الشيخ ينسون» الذي جسده الفنان بشارة واكيم، غير أن الريحاني تناول كشكش هذه المرة من زاوية أخلاقية، لم يدعه يتوه كالعادة في القاهرة، بل قرر أن يعود في نهاية المسرحية هو وصديقاه، إلى بلده «كفر البلاص» نادماً على ما فعله.
في مسرحية «الدنيا جرى فيها إيه»، تقدمت زينات خطوة جديدة، وللمرة الأولى يسمح لها الريحاني بأن تشارك في استعراض غنائي راقص، إلى جانب دورها في المسرحية، استطاعت من خلاله زينات استعادة مواهبها القديمة في الغناء والرقص، ما كان يجعل لها استقبالاً خاصاً لدى الجمهور كل يوم، وجعلها تشعر بسعادة فنية لم تتذوقها سابقاً. غير أن سعادتها لم تدم طويلاً، حيث سقط نجيب الريحاني مريضاً، ونصحه الأطباء بعدم الوقوف على خشبة المسرح نهائياً إلى حين تمام شفائه، ما انعكس بالطبع على فرقته التي اعتبرت نفسها في إجازة شبه مفتوحة حتى شفاء الريحاني وعودته إلى المسرح.
كان ذلك فرصة لتقوم زينات بالتقاط أنفاسها والتفرغ بعض الوقت لوالدتها وابنة شقيقتها نادرة، وقررت القيام برحلة إلى الإسكندرية، خصوصاً أن فصل الصيف كان قد بدأ، لزيارة شقيقاتها والاستجمام بعض الوقت.
خشيت زينات أن تفكر شقيقتها سنية في الإبقاء على ابنتها نادرة في الإسكندرية. لكن حتى لو فكرت في ذلك، فثمة أكثر من سبب سيمنعها، أولها نادرة نفسها التي لم تعد تقبل العودة إلى الإسكندرية وترك منزل خالتها في القاهرة، بعدما تعلقت بخالتها بشكل كبير، وأصبحت تناديها «ماما زينات». السبب الثاني والأهم، أن نادرة لم يعد لها مكان في بيت والديها، فكيف يمكن أن تترك بيتاً لها فيه غرفة بمفردها، محور اهتمام الجميع، لا يوجد غيرها تفكر فيه زينات ووالدتها، قبل أن تطلب الشيء تجده أمامها. أصبحت أمنياتها وأحلامها كطفلة مجابة ومحققة، فكيف تترك كل ذلك وتذهب لتزاحم أشقاءها في بيت والديها، الذين مهما كان ما يعيشون فيه فلن يصل إلى ما هي فيه. غير أن زينات لاحظت تبدل حال شقيقتها سنية، وإن لم يكن أفضل من أحوال بقية شقيقاتها، لكن سنية هي الأقرب لها في السن والتفكير... والشكل أيضاً:
* إيه يا سنية مالك يا أختي عاملة كدا ليه؟ دا أنت يا بت أصغر مني وتباني كأنك أمي.
= بسم الله ما شاء الله عيني عليك باردة يا أختي... اسكتي ما يحسد المال إلا أصحابه.
* بلا كلام فاضي... أنا قصدي أقولك أنت عاملة كدا ليه في نفسك؟
= عاملة إيه ما أنا كويسه أهو.
* كويسة إيه دا أنت حالك عدم.
= أقولك إيه بس يا أختي. مش عايزة أشيلك هم. كفاية اللي أنت فيه وشغلك.
* يا حبيبتي أحنا مالناش غير بعض. عايزاك تفضفضي. قولي اللي أنت عايزاه. لو محتاجة أي حاجة قوللي.
حزنت زينات لما وجدت عليه حال شقيقتها سنية وإهمالها لنفسها وصحتها، فعرضت عليها أن تصطحب معها طفل آخر من أولادها ليعيش معها في القاهرة، أو أن تأتي شقيقتها وزوجها وأولادها يعيشون معها ووالدتها في القاهرة:
* أنا مش شايفة أن فيها حاجة. وأهو واحد زي اتنين زي عشرة.
= يا أختي كفاية عليك نادرة... وبعدين أنت هتلتفتي لشغلك ولا هتربي وتهنني.
* هاربي إيه. دول ما شاء الله كبروا. نادرة بقت آنسة أهي عدت التلات سنين.
= كتير كدا عليك يا أختي... كفاية اللي بتبعتيه ليا ولكل أخواتك وولادهم وكمان نادرة زي ما بتقولي بتكبر. وبرضه مصاريفها بتكتر.
* شوفي أنا عايزة أقولك حاجة. أوعي تفتكري أني بعمل فيكم معروف وأنتو لأ... زي ما بعمل معاكم بتعملوا معايا... ما تعرفيش وجود نادرة مالي عليا البيت إزاي... محسساني إني عايشة... ماتعرفيش كمية الحب والحنان اللي بتدهملي نادرة... وما تبقيش بخيلة بقى وزوديهم شوية. يا إما تيجو كلكم تعيشوا معايا في مصر أنا وأمك. وأهو البيت يساع ألف.
= كتر خيرك يا أختي. كتر ألف خيرك. الحمد لله حتى وأنت قاعدة في مصر وأحنا قاعدين هنا. خيرك مغرق الكل.
شعرت سنية بما تريد زينات أن تفعله معها مثلما تفعل مع كل شقيقاتها، غير أنها لم ترد أن تزيد من أعباء شقيقتها، فلم توافق على أخذ زينات لأي من أولادها واكتفت باستمرار نادرة معها.
لقاء الأصدقاء
التقى إسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي مع زينات صدقي في شقتها، كان لقاء حميماً فعلى رغم أنها المرة الأولى التي يلتقي فيها الثلاثة معاً في جلسة صداقة، فإن كلاً منهم فتح قلبه أمام الآخر، فاكتشف إسماعيل وعبد السلام أن زينات تجلس بلا عمل، فأخذ كل منهما على عاتقه البحث لها عن عمل.
كان النابلسي قد بدأ تصوير فيلم سينمائي جديد بعنوان «الهارب» بطولة بدر لاما وفاطمة رشدي وامتثال فوزي ومارغريت صدقي، كتب له القصة والسيناريو والحوار إبراهيم لاما مع السيد حسن جمعة، تصوير إبراهيم لاما وإخراجه.
لم يكن عبد السلام النابلسي من هواة العمل على المسرح، بل كان عاشقاً للسينما، ويجري خلفها حتى لو كان مجرد مشهد واحد، لذا رفض عرض فاطمة رشدي بطلة الفيلم العمل معها على خشبة المسرح، غير أنه تدخل كي تلتحق زينات صدقي بالعمل في فرقتها، فرحبت فوراً، لتنضم زينات إلى فرقة فاطمة رشدي التي كونتها بمفردها بعدما انفصلت عن زوجها المخرج عزيز عيد:
= أهلا زينات. عبد السلام بيقول كلام حلو أوي عنك وحبيتك أكتر لما عرفت أنك بلدياتي من إسكندرية مش كدا.
* ربنا يخليك يا ست الكل. أنا مش عارفة أشكرك إزاي.
= المسرح قدامك أهه أشكريني بشغلك على المسرح. يلا وريني الهمة.
* هو بس فيه حاجة أنا كنت عايزة أقولها بس علشان تبقي ما تزعليش.
= قولي يا حبيبتي ما يهمكيش.
* أني أنا بس ماضية عقد مع فرقة الأستاذ نجيب الريحاني.
= وماله يا حبيبتي. أنت تشتغلي لحد أما نجيب يرجع بالسلامة.
عودة للريحاني
عملت زينات في فرقة فاطمة رشدي بشكل موقت لتستطيع أن تعيش، غير أن وجودها في فرقة فاطمة لم يستمر طويلاً، إذ عاد نجيب الريحاني من مرضه وسمح له الأطباء بالوقوف على خشبة المسرح مجدداً، وبدأ فعلاً في أكتوبر 1935 الاستعداد للموسم الشتوي، غير أنه لم يبدأ في تحضير أعمال جديدة، بل فضل إعادة عدد من الأعمال السابقة إلى حين تجهيز عمل جديد، فحرص على ألا يكون منفصلاً عن القاعدة الجماهيرية والشعبية، منغمساً في همومها.
في ظل التوترات الاجتماعية التي تهز المجتمع المصري، اختار الريحاني عملاً يعكس الاضطرابات السياسية والاقتصادية الموجودة، فكتب وبديع خيري مسرحية «حكم قراقوش» لتكون إسقاطاً مباشراً على الاستبداد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مصر، فهي تسخر من فؤاد، ملك مصر وحاشيته، خصوصاً رئيس الوزراء إسماعيل صدقي الذي تولى منصبه عام 1930، ليقضي على النظام الديمقراطي تماماً، حيث ألغى دستور 1923 واستبدل به دستوراً آخر أطلق فيه يد الملك في الحكم، وعدل النظام الانتخابي وأخضعه لرقابة صارمة، كذلك حرم البلاد من أي مظهر للحياة البرلمانية أو الديمقراطية السليمة، ولم تكن الأحزاب المتشاحنة تجرؤ على الثورة خشية أن يؤدي ذلك إلى مزيد من التدخل البريطاني، لتظل مصر ممزقة بين الملك ورئيس الوزراء والإنكليز ومختلف الأحزاب ذات المطامع السياسية، ويبقى الجميع منغمسين في الصراع على السلطة، متناسين شقاء الجماهير وبؤسها.
من هذا الصراع السياسي الذي شكّل هوة كبيرة بين الحاكم والمحكوم، ولدت الفكرة الأساسية لمسرحية «حكم قراقوش» التي تشبه أوبريتات «ألف ليلة وليلة» التي كان سبق وقدمها الريحاني مثل «لو كنت ملك، ياسمينة، نجمة الصبح».
تدور أحداث «حكم قراقوش» حول «بندق» الإنسان الفقير سيئ الحظ الذي يجد نفسه بتدخل من القدر في قصر السلطان حيث يؤدي دور الحاكم لفترة قصيرة. إلا أن «حكم قراقوش» تختلف تماماً في تأثيرها عن هذه الأوبريتات، فهي مشبعة بأفكار وأساليب فنية تسمو بها إلى مصاف الكوميديا الراقية، كذلك لا تشتمل على رقص وأغان، لكن المعالجة التاريخية البارعة كانت تدعم واقعية المسرحية وتؤكد طابعها المحلي، خصوصاً أن الخلفية التاريخية للعمل تتناسب ومسرح الريحاني الذي يتناول المواطن المصري المطحون، أضف إلى ذلك أن عبارة «حكم قراقوش» تعد كناية مصرية شائعة عن الاستبداد السياسي.
شاركت زينات في المسرحية التي لاقت نجاحاً كبيراً، ليس على المستوى الجماهيري، بل على المستوى النقدي أيضاً، حيث كانت فرصة كبيرة كي يرى النقاد والصحافيون كل من شاركوا في هذه المسرحية بنظرة جديدة ومختلفة، الأمر الذي حقق مكسباً أدبياً كبيراً للريحاني وفرقته أنساه الخسارة المادية. إلا أن المسرحية جاء فيها انتقاد لاذع للنظام السياسي، بل لملك مصر نفسه، ما جعل إدارة «المطبوعات» الخاصة بالرقابة على الأعمال الفنية تتخذ قراراً بغلق مسرح الريحاني لمدة ثلاثة أشهر. غير أن ذلك لم يفت في عضده، وانتظر مرور الأشهر الثلاثة حتى أعيد فتح مسرحه، وقدم مجدداً مسرحية «حكم قراقوش» من دون حذف كلمة منها، وقبل أن يتم تأديب الريحاني مجدداً توفي الملك فؤاد وتولى عرش مصر نجله الملك فاروق، بتاريخ 28 أبريل 1936، ولأنه كان قاصراً تم تشكيل مجلس وصاية ترأسه ابن عمه الأمير محمد علي باشا توفيق كونه أكبر أمراء الأسرة العلوية سناً.
خلال هذه المرحلة الانتقالية، وجد الريحاني أن من المناسب الانتظار وعدم تقديم أعمال مسرحية جديدة إلى حين اتضاح الرؤية، فوجد أن من المناسب أن يقبل عرضاً جديداً في السينما، ليقدم فيلماً جديداً مع المخرج ألكسندر فاركاش، بعنوان «بسلامته عاوز يتجوز». كتب القصة والحوار بديع خيري، وشارك في كتابة السيناريو مع «ماكس هراري».
اهتمام خاص
حرص الريحاني هذه المرة أن يختار كل من يشاركونه في الفيلم بنفسه، فضم غالبية أعضاء فرقته إلى الفيلم، خصوصاً أن أحداث الفيلم مستقاة من عمل مسرحي سبق وقدمه عن «كشكش بك»، حيث اختار بطلة الفيلم من خارج الفرقة، وهي الفنانة عزيزة أمير، وإلى جانبها ضم عبد الفتاح القصري، بشارة واكيم، زينب صدقي، حسن فايق، ماري منيب، ومحمد الديب، ثم حرص أن يجلس مع بديع خيري ليكتب خصيصاً دور زينات صدقي:
= بقلنا فترة ما شتغلناش يا زينات.
* معلش يا أستاذ ربنا يروق الحال.
= فاكرة الفيلم اللي كان مفروض تشتغلي معايا فيه في باريز وما حصلش نصيب.
* أيوا طبعاً... فيلم ياقوت.
= كويس. أنت فاكرة أهو... أنا بقى هعوضك عنه... إيه رأيك هتشاركي معايا في فيلم جديد «اسمه بسلامته عايز يتجوز».
* معقول يا أستاذ... دا شرف كبير ليا.
= خدي. دا دورك في الفيلم... أنا كتبته أنا وبديع مخصوص علشانك ودي ما حصلتش قبل كدا. دا بس علشان أعوض المقلب بتاع «ياقوت».
* ربنا يخليك يا أستاذ. إن شاء الله هكون عند حسن ظنك.
=أنا متأكد. أقري الدور ولو شايفة أننا ممكن نضيف حاجة قوللي.
* أضيف حاجة بعدك يا أستاذ... عمرها ما هتحصل.
= لا مش القصد. بس الدور دا بالذات أنا عارف أنك ممكن تضيفي له.
قدمها الريحاني في الفيلم في دور «خادمة ريفية» تعمل لدى «كشكش بيه» عمدة كفر البلاص، لكنه ينصرف عن شؤون البلدة إلى شؤونه الخاصة وهو رجل مزواج ويكلف سكرتيره «عزت» بالبحث له عن «عروس» من القاهرة، وعندما يوفق في اختيارها يلحق به «كشكش» إلا أن زوجته تعلم وتتفق مع خادمتها (زينات صدقي) على إفساد الزيجة. تتفق الخادمة بدورها مع أحد المعاونين لإفساد الزواج، فيضع الرجل معلومات أمام «عزت» من شأنها عدم إتمام زواج هذه السيدة من العمدة، فيدعي أن الفتاة سيئة الخلق هي وأهلها، ومن ناحية أخرى يؤكد لوالد الفتاة أن العمدة غارق في الديون ومتزوج من أكثر من سيدة، حتى ينجح فعلاً في خطته هو والخادمة ويعود العمدة إلى «كفر البلاص» من دون أن يتزوج. أثبتت زينات مقدرة كبيرة كممثلة على شاشة السينما، في الوقت الذي تقلص فيه وجودها على خشبة المسرح، حيث عاود الريحاني منح الفرقة إجازة. غير أن زينات كانت قد استوعبت الدرس كي لا تجلس في بيتها خلال هذه الفترة، وسعت إلى العمل مع يوسف بك وهبي في فرقة «رمسيس»، الذي رحب بها بعدما أصبح لها وجود، ليس في المسرح بل على شاشة السينما، بعد فيلمها مع الريحاني الذي اعتبرته بدايتها الحقيقية من حيث مساحة الدور والحوار والأداء، وهي الأسباب نفسها التي دفعت المخرج كمال سليم إلى اختيارها، ورشحها لتشارك معه في فيلم سينمائي جديد.
كتب كمال سليم فيلم «وراء الستار» وأخرجه، ورشح لبطولته رجاء عبده، عبد الغني السيد، مختار عثمان، عبد السلام النابلسي، تحية كاريوكا، رئيسة عفيفي، بديعة صادق، وزينات صدقي التي أسند إليها أيضاً دور خادمة بعدما برعت في الدور في فيلم «بسلامته عايز يتجوز» وإن كانت الخادمة هذه المرة في القاهرة وتعمل لدى راقصة. غير أن الراقصة تسببت في إفلاس «كازينو الفردوس» الذي يشرف مالكه «كامل بك» على الإفلاس بسبب مطالبها وجوعها للمال والألماس، لولا عثوره على مطرب له صوت رائع يضع له أوبريتاً جديداً ينفذه، فينقذ «الكازينو» من الإفلاس.
لم ينجح الفيلم النجاح المأمول، خصوصاً أن ثمة حالة من الفرح قد عمت البلاد، وانتشرت الاحتفالات في أرجاء مصر، بسبب جلوس الملك الشاب فاروق على عرش مصر، فبعدما استمرت مدة الوصاية ما يقارب السنة وثلاثة أشهر، إذ إن والدته الملكة نازلي خافت بأن يطمع الأمير محمد علي في الحكم ويأخذه لنفسه، فأخذت فتوى من شيخ الأزهر، محمد مصطفى المراغي، بأن يحسب عمره بالتاريخ الهجري، وأدّى ذلك إلى أن يتوَّج ملكاً رسمياً بتاريخ 29 يوليو 1937 وتعيين الأمير محمد علي باشا ولياً للعهد.
عمارة الأصدقاء
عانت زينات من عدم العمل لما يزيد على الشهر، بعد غلق مسرح الريحاني بسبب مرضه، ما جعلها تعيش حالة من الاكتئاب لم يخرجها منها سوى الصدفة وحدها، التي قادت إسماعيل ياسين إلى العمارة التي تسكن فيها، حيث وجدته يقف أمام باب شقتها:
* الله... إسماعيل ياسين. إيه المفاجأة الحلوة دي... أهلا أهلا.
= أزيك يا زينات إيه النور دا.
* تعال أتفضل يا سمعة.
= آجي فين.
* هنا.. شقتي هنا.
= أما صدفة بس غريبة بشكل.
* صدفة. أنا كنت فاكرة أنك جاي تزورني.
= وأنا اعرف منين أنك ساكنة هنا. أصل أنا سكنت هنا في العمارة من حوالي شهر. بس في الدور اللي تحت.
* معقول. صدفة حلوة أوي... أمال طالع هنا ليه لما أنت مش عارف أني ساكنة هنا.
= أنا كنت طالع للبانسيون اللي قدامك دا أصل فيه واحد صاحبي نازل فيه. أكيد أنت عارفاه.. عبد السلام النابلسي.
* أنت النهاردة بتقول مفاجآت يا سمعة. عبد السلام النابلسي ساكن هنا. أنا طبعاً ماعرفهوش... بس سمعت عنه في السينما.
= خلاص تعالي نشرب قهوة سوا وتتعرفي عليه.
* عيب عليك. ندخل البانسيون نشرب قهوة وأنا شقتي هنا. لا هاته وتعالوا أشربوا القهوة عندي.
(البقية في الحلقة المقبلة)
الجريدة الكويتية في
27/07/2013
أصبح لزينات صدقي اسم يعرفه على الأقل المحيطون بها من الوسط الفني، أصبح لها دخل معقول، وشقتها التي كانت تفترش وتلتحف فيها بملابسها، بدأت تمتلئ بالأثاث والمفروشات، حجرتها وحجرة والدتها، والأهم حجرة نادرة التي أصبحت تناديها «ماما زينات».
نجاح مسرحية «الدنيا لما تضحك» أزال سوء التفاهم بين الريحاني والجمهور، وزاد من حماسه لتقديم عمل جديد يزيد من رضاء الجمهور عنه، فقرر استحضار روح «كشكش بك» بعد هجرها سنوات، تلك الشخصية التي كانت سبباً في شهرته وانتشاره.
بدأ الريحاني موسمه الجديد في 23 فبراير 1935 بمسرحية «الدنيا جرى فيها إيه» حيث يعود كشكش إلى القاهرة مع صديقيه «شيخ الغفر زعرب» الذي تخصص في تجسيد شخصيته الفنان عبد اللطيف المصري، و{الشيخ ينسون» الذي جسده الفنان بشارة واكيم، غير أن الريحاني تناول كشكش هذه المرة من زاوية أخلاقية، لم يدعه يتوه كالعادة في القاهرة، بل قرر أن يعود في نهاية المسرحية هو وصديقاه، إلى بلده «كفر البلاص» نادماً على ما فعله.
في مسرحية «الدنيا جرى فيها إيه»، تقدمت زينات خطوة جديدة، وللمرة الأولى يسمح لها الريحاني بأن تشارك في استعراض غنائي راقص، إلى جانب دورها في المسرحية، استطاعت من خلاله زينات استعادة مواهبها القديمة في الغناء والرقص، ما كان يجعل لها استقبالاً خاصاً لدى الجمهور كل يوم، وجعلها تشعر بسعادة فنية لم تتذوقها سابقاً. غير أن سعادتها لم تدم طويلاً، حيث سقط نجيب الريحاني مريضاً، ونصحه الأطباء بعدم الوقوف على خشبة المسرح نهائياً إلى حين تمام شفائه، ما انعكس بالطبع على فرقته التي اعتبرت نفسها في إجازة شبه مفتوحة حتى شفاء الريحاني وعودته إلى المسرح.
كان ذلك فرصة لتقوم زينات بالتقاط أنفاسها والتفرغ بعض الوقت لوالدتها وابنة شقيقتها نادرة، وقررت القيام برحلة إلى الإسكندرية، خصوصاً أن فصل الصيف كان قد بدأ، لزيارة شقيقاتها والاستجمام بعض الوقت.
خشيت زينات أن تفكر شقيقتها سنية في الإبقاء على ابنتها نادرة في الإسكندرية. لكن حتى لو فكرت في ذلك، فثمة أكثر من سبب سيمنعها، أولها نادرة نفسها التي لم تعد تقبل العودة إلى الإسكندرية وترك منزل خالتها في القاهرة، بعدما تعلقت بخالتها بشكل كبير، وأصبحت تناديها «ماما زينات». السبب الثاني والأهم، أن نادرة لم يعد لها مكان في بيت والديها، فكيف يمكن أن تترك بيتاً لها فيه غرفة بمفردها، محور اهتمام الجميع، لا يوجد غيرها تفكر فيه زينات ووالدتها، قبل أن تطلب الشيء تجده أمامها. أصبحت أمنياتها وأحلامها كطفلة مجابة ومحققة، فكيف تترك كل ذلك وتذهب لتزاحم أشقاءها في بيت والديها، الذين مهما كان ما يعيشون فيه فلن يصل إلى ما هي فيه. غير أن زينات لاحظت تبدل حال شقيقتها سنية، وإن لم يكن أفضل من أحوال بقية شقيقاتها، لكن سنية هي الأقرب لها في السن والتفكير... والشكل أيضاً:
* إيه يا سنية مالك يا أختي عاملة كدا ليه؟ دا أنت يا بت أصغر مني وتباني كأنك أمي.
= بسم الله ما شاء الله عيني عليك باردة يا أختي... اسكتي ما يحسد المال إلا أصحابه.
* بلا كلام فاضي... أنا قصدي أقولك أنت عاملة كدا ليه في نفسك؟
= عاملة إيه ما أنا كويسه أهو.
* كويسة إيه دا أنت حالك عدم.
= أقولك إيه بس يا أختي. مش عايزة أشيلك هم. كفاية اللي أنت فيه وشغلك.
* يا حبيبتي أحنا مالناش غير بعض. عايزاك تفضفضي. قولي اللي أنت عايزاه. لو محتاجة أي حاجة قوللي.
حزنت زينات لما وجدت عليه حال شقيقتها سنية وإهمالها لنفسها وصحتها، فعرضت عليها أن تصطحب معها طفل آخر من أولادها ليعيش معها في القاهرة، أو أن تأتي شقيقتها وزوجها وأولادها يعيشون معها ووالدتها في القاهرة:
* أنا مش شايفة أن فيها حاجة. وأهو واحد زي اتنين زي عشرة.
= يا أختي كفاية عليك نادرة... وبعدين أنت هتلتفتي لشغلك ولا هتربي وتهنني.
* هاربي إيه. دول ما شاء الله كبروا. نادرة بقت آنسة أهي عدت التلات سنين.
= كتير كدا عليك يا أختي... كفاية اللي بتبعتيه ليا ولكل أخواتك وولادهم وكمان نادرة زي ما بتقولي بتكبر. وبرضه مصاريفها بتكتر.
* شوفي أنا عايزة أقولك حاجة. أوعي تفتكري أني بعمل فيكم معروف وأنتو لأ... زي ما بعمل معاكم بتعملوا معايا... ما تعرفيش وجود نادرة مالي عليا البيت إزاي... محسساني إني عايشة... ماتعرفيش كمية الحب والحنان اللي بتدهملي نادرة... وما تبقيش بخيلة بقى وزوديهم شوية. يا إما تيجو كلكم تعيشوا معايا في مصر أنا وأمك. وأهو البيت يساع ألف.
= كتر خيرك يا أختي. كتر ألف خيرك. الحمد لله حتى وأنت قاعدة في مصر وأحنا قاعدين هنا. خيرك مغرق الكل.
شعرت سنية بما تريد زينات أن تفعله معها مثلما تفعل مع كل شقيقاتها، غير أنها لم ترد أن تزيد من أعباء شقيقتها، فلم توافق على أخذ زينات لأي من أولادها واكتفت باستمرار نادرة معها.
لقاء الأصدقاء
التقى إسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي مع زينات صدقي في شقتها، كان لقاء حميماً فعلى رغم أنها المرة الأولى التي يلتقي فيها الثلاثة معاً في جلسة صداقة، فإن كلاً منهم فتح قلبه أمام الآخر، فاكتشف إسماعيل وعبد السلام أن زينات تجلس بلا عمل، فأخذ كل منهما على عاتقه البحث لها عن عمل.
كان النابلسي قد بدأ تصوير فيلم سينمائي جديد بعنوان «الهارب» بطولة بدر لاما وفاطمة رشدي وامتثال فوزي ومارغريت صدقي، كتب له القصة والسيناريو والحوار إبراهيم لاما مع السيد حسن جمعة، تصوير إبراهيم لاما وإخراجه.
لم يكن عبد السلام النابلسي من هواة العمل على المسرح، بل كان عاشقاً للسينما، ويجري خلفها حتى لو كان مجرد مشهد واحد، لذا رفض عرض فاطمة رشدي بطلة الفيلم العمل معها على خشبة المسرح، غير أنه تدخل كي تلتحق زينات صدقي بالعمل في فرقتها، فرحبت فوراً، لتنضم زينات إلى فرقة فاطمة رشدي التي كونتها بمفردها بعدما انفصلت عن زوجها المخرج عزيز عيد:
= أهلا زينات. عبد السلام بيقول كلام حلو أوي عنك وحبيتك أكتر لما عرفت أنك بلدياتي من إسكندرية مش كدا.
* ربنا يخليك يا ست الكل. أنا مش عارفة أشكرك إزاي.
= المسرح قدامك أهه أشكريني بشغلك على المسرح. يلا وريني الهمة.
* هو بس فيه حاجة أنا كنت عايزة أقولها بس علشان تبقي ما تزعليش.
= قولي يا حبيبتي ما يهمكيش.
* أني أنا بس ماضية عقد مع فرقة الأستاذ نجيب الريحاني.
= وماله يا حبيبتي. أنت تشتغلي لحد أما نجيب يرجع بالسلامة.
عودة للريحاني
عملت زينات في فرقة فاطمة رشدي بشكل موقت لتستطيع أن تعيش، غير أن وجودها في فرقة فاطمة لم يستمر طويلاً، إذ عاد نجيب الريحاني من مرضه وسمح له الأطباء بالوقوف على خشبة المسرح مجدداً، وبدأ فعلاً في أكتوبر 1935 الاستعداد للموسم الشتوي، غير أنه لم يبدأ في تحضير أعمال جديدة، بل فضل إعادة عدد من الأعمال السابقة إلى حين تجهيز عمل جديد، فحرص على ألا يكون منفصلاً عن القاعدة الجماهيرية والشعبية، منغمساً في همومها.
في ظل التوترات الاجتماعية التي تهز المجتمع المصري، اختار الريحاني عملاً يعكس الاضطرابات السياسية والاقتصادية الموجودة، فكتب وبديع خيري مسرحية «حكم قراقوش» لتكون إسقاطاً مباشراً على الاستبداد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مصر، فهي تسخر من فؤاد، ملك مصر وحاشيته، خصوصاً رئيس الوزراء إسماعيل صدقي الذي تولى منصبه عام 1930، ليقضي على النظام الديمقراطي تماماً، حيث ألغى دستور 1923 واستبدل به دستوراً آخر أطلق فيه يد الملك في الحكم، وعدل النظام الانتخابي وأخضعه لرقابة صارمة، كذلك حرم البلاد من أي مظهر للحياة البرلمانية أو الديمقراطية السليمة، ولم تكن الأحزاب المتشاحنة تجرؤ على الثورة خشية أن يؤدي ذلك إلى مزيد من التدخل البريطاني، لتظل مصر ممزقة بين الملك ورئيس الوزراء والإنكليز ومختلف الأحزاب ذات المطامع السياسية، ويبقى الجميع منغمسين في الصراع على السلطة، متناسين شقاء الجماهير وبؤسها.
من هذا الصراع السياسي الذي شكّل هوة كبيرة بين الحاكم والمحكوم، ولدت الفكرة الأساسية لمسرحية «حكم قراقوش» التي تشبه أوبريتات «ألف ليلة وليلة» التي كان سبق وقدمها الريحاني مثل «لو كنت ملك، ياسمينة، نجمة الصبح».
تدور أحداث «حكم قراقوش» حول «بندق» الإنسان الفقير سيئ الحظ الذي يجد نفسه بتدخل من القدر في قصر السلطان حيث يؤدي دور الحاكم لفترة قصيرة. إلا أن «حكم قراقوش» تختلف تماماً في تأثيرها عن هذه الأوبريتات، فهي مشبعة بأفكار وأساليب فنية تسمو بها إلى مصاف الكوميديا الراقية، كذلك لا تشتمل على رقص وأغان، لكن المعالجة التاريخية البارعة كانت تدعم واقعية المسرحية وتؤكد طابعها المحلي، خصوصاً أن الخلفية التاريخية للعمل تتناسب ومسرح الريحاني الذي يتناول المواطن المصري المطحون، أضف إلى ذلك أن عبارة «حكم قراقوش» تعد كناية مصرية شائعة عن الاستبداد السياسي.
شاركت زينات في المسرحية التي لاقت نجاحاً كبيراً، ليس على المستوى الجماهيري، بل على المستوى النقدي أيضاً، حيث كانت فرصة كبيرة كي يرى النقاد والصحافيون كل من شاركوا في هذه المسرحية بنظرة جديدة ومختلفة، الأمر الذي حقق مكسباً أدبياً كبيراً للريحاني وفرقته أنساه الخسارة المادية. إلا أن المسرحية جاء فيها انتقاد لاذع للنظام السياسي، بل لملك مصر نفسه، ما جعل إدارة «المطبوعات» الخاصة بالرقابة على الأعمال الفنية تتخذ قراراً بغلق مسرح الريحاني لمدة ثلاثة أشهر. غير أن ذلك لم يفت في عضده، وانتظر مرور الأشهر الثلاثة حتى أعيد فتح مسرحه، وقدم مجدداً مسرحية «حكم قراقوش» من دون حذف كلمة منها، وقبل أن يتم تأديب الريحاني مجدداً توفي الملك فؤاد وتولى عرش مصر نجله الملك فاروق، بتاريخ 28 أبريل 1936، ولأنه كان قاصراً تم تشكيل مجلس وصاية ترأسه ابن عمه الأمير محمد علي باشا توفيق كونه أكبر أمراء الأسرة العلوية سناً.
خلال هذه المرحلة الانتقالية، وجد الريحاني أن من المناسب الانتظار وعدم تقديم أعمال مسرحية جديدة إلى حين اتضاح الرؤية، فوجد أن من المناسب أن يقبل عرضاً جديداً في السينما، ليقدم فيلماً جديداً مع المخرج ألكسندر فاركاش، بعنوان «بسلامته عاوز يتجوز». كتب القصة والحوار بديع خيري، وشارك في كتابة السيناريو مع «ماكس هراري».
اهتمام خاص
حرص الريحاني هذه المرة أن يختار كل من يشاركونه في الفيلم بنفسه، فضم غالبية أعضاء فرقته إلى الفيلم، خصوصاً أن أحداث الفيلم مستقاة من عمل مسرحي سبق وقدمه عن «كشكش بك»، حيث اختار بطلة الفيلم من خارج الفرقة، وهي الفنانة عزيزة أمير، وإلى جانبها ضم عبد الفتاح القصري، بشارة واكيم، زينب صدقي، حسن فايق، ماري منيب، ومحمد الديب، ثم حرص أن يجلس مع بديع خيري ليكتب خصيصاً دور زينات صدقي:
= بقلنا فترة ما شتغلناش يا زينات.
* معلش يا أستاذ ربنا يروق الحال.
= فاكرة الفيلم اللي كان مفروض تشتغلي معايا فيه في باريز وما حصلش نصيب.
* أيوا طبعاً... فيلم ياقوت.
= كويس. أنت فاكرة أهو... أنا بقى هعوضك عنه... إيه رأيك هتشاركي معايا في فيلم جديد «اسمه بسلامته عايز يتجوز».
* معقول يا أستاذ... دا شرف كبير ليا.
= خدي. دا دورك في الفيلم... أنا كتبته أنا وبديع مخصوص علشانك ودي ما حصلتش قبل كدا. دا بس علشان أعوض المقلب بتاع «ياقوت».
* ربنا يخليك يا أستاذ. إن شاء الله هكون عند حسن ظنك.
=أنا متأكد. أقري الدور ولو شايفة أننا ممكن نضيف حاجة قوللي.
* أضيف حاجة بعدك يا أستاذ... عمرها ما هتحصل.
= لا مش القصد. بس الدور دا بالذات أنا عارف أنك ممكن تضيفي له.
قدمها الريحاني في الفيلم في دور «خادمة ريفية» تعمل لدى «كشكش بيه» عمدة كفر البلاص، لكنه ينصرف عن شؤون البلدة إلى شؤونه الخاصة وهو رجل مزواج ويكلف سكرتيره «عزت» بالبحث له عن «عروس» من القاهرة، وعندما يوفق في اختيارها يلحق به «كشكش» إلا أن زوجته تعلم وتتفق مع خادمتها (زينات صدقي) على إفساد الزيجة. تتفق الخادمة بدورها مع أحد المعاونين لإفساد الزواج، فيضع الرجل معلومات أمام «عزت» من شأنها عدم إتمام زواج هذه السيدة من العمدة، فيدعي أن الفتاة سيئة الخلق هي وأهلها، ومن ناحية أخرى يؤكد لوالد الفتاة أن العمدة غارق في الديون ومتزوج من أكثر من سيدة، حتى ينجح فعلاً في خطته هو والخادمة ويعود العمدة إلى «كفر البلاص» من دون أن يتزوج. أثبتت زينات مقدرة كبيرة كممثلة على شاشة السينما، في الوقت الذي تقلص فيه وجودها على خشبة المسرح، حيث عاود الريحاني منح الفرقة إجازة. غير أن زينات كانت قد استوعبت الدرس كي لا تجلس في بيتها خلال هذه الفترة، وسعت إلى العمل مع يوسف بك وهبي في فرقة «رمسيس»، الذي رحب بها بعدما أصبح لها وجود، ليس في المسرح بل على شاشة السينما، بعد فيلمها مع الريحاني الذي اعتبرته بدايتها الحقيقية من حيث مساحة الدور والحوار والأداء، وهي الأسباب نفسها التي دفعت المخرج كمال سليم إلى اختيارها، ورشحها لتشارك معه في فيلم سينمائي جديد.
كتب كمال سليم فيلم «وراء الستار» وأخرجه، ورشح لبطولته رجاء عبده، عبد الغني السيد، مختار عثمان، عبد السلام النابلسي، تحية كاريوكا، رئيسة عفيفي، بديعة صادق، وزينات صدقي التي أسند إليها أيضاً دور خادمة بعدما برعت في الدور في فيلم «بسلامته عايز يتجوز» وإن كانت الخادمة هذه المرة في القاهرة وتعمل لدى راقصة. غير أن الراقصة تسببت في إفلاس «كازينو الفردوس» الذي يشرف مالكه «كامل بك» على الإفلاس بسبب مطالبها وجوعها للمال والألماس، لولا عثوره على مطرب له صوت رائع يضع له أوبريتاً جديداً ينفذه، فينقذ «الكازينو» من الإفلاس.
لم ينجح الفيلم النجاح المأمول، خصوصاً أن ثمة حالة من الفرح قد عمت البلاد، وانتشرت الاحتفالات في أرجاء مصر، بسبب جلوس الملك الشاب فاروق على عرش مصر، فبعدما استمرت مدة الوصاية ما يقارب السنة وثلاثة أشهر، إذ إن والدته الملكة نازلي خافت بأن يطمع الأمير محمد علي في الحكم ويأخذه لنفسه، فأخذت فتوى من شيخ الأزهر، محمد مصطفى المراغي، بأن يحسب عمره بالتاريخ الهجري، وأدّى ذلك إلى أن يتوَّج ملكاً رسمياً بتاريخ 29 يوليو 1937 وتعيين الأمير محمد علي باشا ولياً للعهد.
عمارة الأصدقاء
عانت زينات من عدم العمل لما يزيد على الشهر، بعد غلق مسرح الريحاني بسبب مرضه، ما جعلها تعيش حالة من الاكتئاب لم يخرجها منها سوى الصدفة وحدها، التي قادت إسماعيل ياسين إلى العمارة التي تسكن فيها، حيث وجدته يقف أمام باب شقتها:
* الله... إسماعيل ياسين. إيه المفاجأة الحلوة دي... أهلا أهلا.
= أزيك يا زينات إيه النور دا.
* تعال أتفضل يا سمعة.
= آجي فين.
* هنا.. شقتي هنا.
= أما صدفة بس غريبة بشكل.
* صدفة. أنا كنت فاكرة أنك جاي تزورني.
= وأنا اعرف منين أنك ساكنة هنا. أصل أنا سكنت هنا في العمارة من حوالي شهر. بس في الدور اللي تحت.
* معقول. صدفة حلوة أوي... أمال طالع هنا ليه لما أنت مش عارف أني ساكنة هنا.
= أنا كنت طالع للبانسيون اللي قدامك دا أصل فيه واحد صاحبي نازل فيه. أكيد أنت عارفاه.. عبد السلام النابلسي.
* أنت النهاردة بتقول مفاجآت يا سمعة. عبد السلام النابلسي ساكن هنا. أنا طبعاً ماعرفهوش... بس سمعت عنه في السينما.
= خلاص تعالي نشرب قهوة سوا وتتعرفي عليه.
* عيب عليك. ندخل البانسيون نشرب قهوة وأنا شقتي هنا. لا هاته وتعالوا أشربوا القهوة عندي.
(البقية في الحلقة المقبلة)
الجريدة الكويتية في
27/07/2013
التعديل الأخير: