مادوفيات ..عالمية ..و كويتية ... بلاعين بيزة بالكويتي ... يعني حرمنه بس على مستوى
هذا المكان مخصص لرصد ماكشفت عنه الازمه الماليه العالمية من ظواهر سلبيه و انحرافات و تجاوزت و سرقات و نهب اموال الناس
من
افراد
كانوا في يوما
فعليات و عقول استثماريه فذه و محط الانظار
و تتصدر ابداعاتهم المزعومه وسائل الاعلام
على المستوى العالمي و المحلي
أكبر عملية احتيال في التاريخ أطاحت بـ50 بليون دولار من مدخرات المستثمرين
بالأرقام: أسماء الخاسرين في فضيحة مادوف
قدرت خسائر المستثمرين من افراد او مؤسسات وبنوك
في فضيحة الاستثمارات المزعومة لبرنارد مادوف بحوالي 50 بليون دولار والتي تعد اكبر عملية احتيال حدثت في التاريخ.
وتأتي مجموعة فيرفيلد جرين وتش بخسائر وصلت الى 7.5 بليون دولار على رأس القائمة التي تضمنت مختلف الشركات والافراد وذلك بحسب تصريحات رسمية للشركة ثم
تبعتها شركة كنجات مانجمنت بخسائر قدرت بـ2.8 بليون دولار تليها شركة فكس اسيت
مانجمنت بخسائر وصلت الى 400 مليون دولار ثم
شركة بيونير للاستثمارات بخسائر 280 مليون دولار ثم تأتي شركة برامدين اسيت مانجمنت لتسجل خسائر بـ31 مليون دولار
وتأتي شركة اوبتيمال للخدمات الاستثمارية في نهاية قائمة الشركات بخسائر غير محددة حتى الان.
ويأتي بنك ستاندير على رأس اكثر البنوك المتضررة بخسائر وصلت الى 3.5 بليون
دولار يليه بنك بنباسات اندس بخسائر تقدر بـ935 مليون دولار يليه بنك يونيون بانكير بخسائر وصلت
الى 846 مليون دولار ثم بنك مجموعة اي اي ام بـ230 مليون دولار تليه خسائر بـ113 مليون دولار والتي كانت من نصيب رويال بانك الاسكتلندي تم تبعة بنك ريتشمات ماتدهورن
بـ33 مليون دولار ثم ينوي برايفت بانك بـ5 ملايين دولار ومن ثم مجموعة من الخسائر غير المحددة لصالح بنوك مثل بانكوبوبيلار وبي ان بي باربا.
ويتصدر فنسنت تشنجوز قائمة اكثر الافراد تضررا بخسائر وصلت الى 61 مليون دولار يليه ريتشارد سبرنج بـ11 مليون دولار ثم 10 ملايين دولار من نصيب
ريتشارد روث يليه مايكل روث بـ7.5 مليون دولار ثم ديفيد برجر بـ5 ملايين دولار ثم ايرروث وارنولد وجوان سنكن بمليون
دولار اضافة الى خسائر غير محددة لكل من ستيفن ابوت ونورمان برامان وباربرا فلود ولورنس فلفيل.
ومن قائمة صناديق التحوط باتي اسكوت بارتنرز في المرتبة الاولى بـ 1.8 بليون دولار يليس ماكسام كابيتال مانجمنت بـ 280 مليون دولار يليه كل من اكسس
ادفايرز وتريمونت كابيتال مانجمنت بخسائر غير محددة.
وكذلك لم تسلم المؤسسات والصناديق الخيرية من الامر حيث تكبدت مؤسسة كارل اندروث شابيرد خسائر وصلت الى 145 مليون دولار تلتها
مؤسسة مادوث فاملي بـ 19 مليون دولار ثم مؤسسة روبرت لايين بـ 8 مليون دولار ثم مؤسسة كاين فاملي بـ 7 مليون دولار و6 مليون دولار خسائر لمؤسسة جوليان لفيت وفي النهاية
مؤسسة لوتنبيرج بخسائر غير محددة.
وكذلك دخلت صناديق
المعاشات التقاعدية في دائرة احتيال مادوف حيث خسرت تاون اون فيرفيلد 42 مليون دولار وجاءت نورث
شورلونج اليهودية في المرتبة الثانية بـ 5 مليون دولار.
وعلى صعيد المكاتب العائلية فقد تكبدت كل من
انجل باردت فاملي وليوب فاملي وتيس وويلبون خسائر غير محددة، فيما حقق ايضا النادي الريفي بالم بيتش كنتري كلوب خسائر غير محددة.
وكذلك كانت خسائر جامعة بيشيفا والتي تقدم الهبات الجامعية
غير محددة ايضا.
أ.ف.ب - أعلنت الشرطة الاميركية انها تحقق في عملية نصب مفترضة قد تتخطى قيمتها المليار دولار وهي من نوع عملية رجل الاعمال الاميركيي برنارد مادوف.
وقالت الشرطة الفدرالية (أ.ف بي آي) خلال مؤتمر صحفي في ميامي، ان المتهم الرئيسي في القضية هو محام من فورت لوديردال (فلوريدا، جنوب شرق) يدعى سكوت روشتاين (47 عاماً).
وقال محقق الشرطة جون جيليس «اعتقد ان عملية النصب هذه قد تتخطى المليار دولار» وتتعلق القضية، وكما كان وضع برنارد مادوف الذي حكم عليه بالسجن لمدة 150عاما في يونيو الماضي، باستثمارات.
واقر روشتاين خلال الاسبوع لمحطة تلفزيون محلية انه ارتكب «خطأ فادحا»، ولكن لم يعتقل ولم توجه اليه اي تهمة، ولا تزال الشرطة تحاول معرفة مدى اتساع عملية النصب.
نيويورك - أ. ف. ب - عشية مزاد علني، عرضت الجمعة في نيويورك 200 قطعة من المقتنيات الشخصية لبرنارد مادوف الذي كان يعشق على ما يبدو القطع الفاخرة البراقة من ساعات مرصعة بالالماس الى سترة من الساتان كتب عليها اسمه.
وقد اتى بائعو ماس بالجملة وجامعو قطع وفضوليون الى احدى قاعات فندق شيراتون حيث كان عناصر من الشرطة يدققون بعناية بالداخل والخارج.
ويتوقع أن تحقق مقتنيات برنارد وروث مادوف التي اختيرت من 600 مجموعة من المقتنيات التي جمعت خلال عمليات مصادرة مختلفة، عائدات قدرها نصف مليون دولار.
وقال تشاك سبيلمان الستيني وبائع السيارات القدمة الطراز والنادرة، الذي أتى من كاليفورنيا (غرب) برفقة زوجته «سازايد على الارجح على ساعة رولكس وساعة أوديمارس بيغيه وربما على السترة المصنوعة من قماش الساتان».
وشددت ديان غيلمور وهي محامية اتت من ايوا (وسط) للمشاركة في مؤتمر جمعية القانون التجاري الاميركي حول عمليات الافلاس «دفعنا الفضول إلى المجيء إلى هنا لأن هذه القضية دخلت التاريخ».
ويشير سهم إلى المقتنيات التي كان يستخدمها مادوف وزوجته يوميا، وقد وضعت عليها بطاقات تعرف بها.
وكان الخبير المالي الذي تسبب بخسارة الاف المستثمرين 21.2 مليار دولار، وهي الخسائر الفعلية من دون احتساب الفوائد الموعودة، لديه ضعف امام الساعات. وتعرض حوالي عشرين ساعة يد فاخرة في المزاد: ساعات رولكس تقدر قيمتها بحدود 75 الف دولار وساعة بلانيان واخرى من صنع باتيك فيليب من البلاتين واخرى من دار اوديمارس بيغيه وساعات اخرى من كارتيه.
وتطالع الزائر عند مدخل القاعة سترة من اساتان الازرق تحمل اسم فريق «نيويورك ميتس» لرياضة البيسبول، وقد طبع عليها ايضا اسم «مادوف» باللون البرتقالي، فضلا عن قبعة للفريق ذاته سوداء مطرزة بخيوط فضية. اسم الزوجين احرف اسميهما الأولى منتشرة اينما كان من عصا الغولف الى اوراق الرسائل.
ولا تثير معاطف وسترات الفرو التي تملكها السيدة مادوف وقد وضعت في اكياس بلاستيكية حماسة كبيرة، الا ان حقائب ايرميس وبرادا وشانيل ولوي فيتون تلفت الانتباه والاهتمام.
ويقول توني الميدا وهو متقاعد من نيوجيرزي (غرب نيويورك) «قد اشترى بعضها لاهديها الى خطيبة ابني او زوجتي السابقة. لا اظن ان ذلك يجلب المصيبة. انه لامر مسل مثلا ان احمل محفظة بيرني».
وقال شاب بسخرية رافضا الكشف عن اسمه «لا اجد فرقا بين مقتنياتهم ومقتنيات تاجر مخدرات مثلا».
وفي هذا النوع من المزادات حيث المقتنيات تباع من دون ترتبيها في مجموعات، ثمة أمور غريبة تكاد تكون من دون قيمة مثلم أباريق من البلكسيغلاس ولوح «بادي بورد» لركوب الأماج مصنوع من البوليوريثتان كتب عليه اسم «مادوف» بالحبر الأسود أو برادات صغيرة لتناول الطعام في الهواء الطلق.
ويبدو ان الأعمال الفنية لم تكن تثير اهتمام الزوجين مادوف فالمزاد لا يشمل إلا صورا وليتوغرافيا قليلة يقدر سعرها بين 70 و200 دولار للواحدة ونسخا عن أقنعة افريقية ومنحوتة عصفور (25 إلى 28 دولارا) وركائز بثلاث قوائم لحلب الأبقار.
وحكم على مادوف (71 عاماً) بالسجن 150 عاماً في يونيو الماضي وهو يمضي عقوبته في سجن قرب راليي (كارولينا الشمالية جنوب شرق).
ولم توجه أي تهمة إلى زوجته.
وقد باع وكيل التفليسة ارفينغ بيكارد أو عرض للبيع عقارات كان يملكها مادوف وزوجته فضلاً عن يخوتهما لكنه لم يسترجع إلا جزءا زهيدا من الأموال التي خسرها المستثمرون.
«سوسيتيه جنرال» ضحية عملية احتيال واسعة تفقده 4,9 مليارات يورو
باريس – ا ف ب – كشف «سوسيتيه جنرال» احد اهم ثلاثة مصارف فرنسية، الخميس انه تعرض لعملية احتيال واسعة كلفته 4،9 مليارات يورو يضاف اليها مليارا يورو من خسائر سعر اسهمه المرتبطة بأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، اي ما مجموعه 6،9 مليارات يورو.
وارتكب عملية الاحتيال وسيط واحد يعمل في المصرف في باريس ولم يكشف لهرم ادارة المصرف المواقع التي اشتراها في الاسواق، كما اوضح البنك في بيان، والموظف الذي اقر بافعاله علقت مهامه وبدأت اجراءات لاقالته فيما سيغادر المسؤولين عن الاشراف على عمله، المجموعة كما اوضح المصرف.
وفي بيان نشر على موقعه على الانترنت تحدث رئيس مجلس ادارة البنك دانيال بوتون عن«عملية احتيال داخلية بمبالغ كبيرة قام بها احد الموظفين»، واضاف انه «تم تعليق عمل هذا الموظف على الفور وسيتم رفع شكوى ضده».
واعلن بنك فرنسا انه سيفتح تحقيقا في عملية الاحتيال التي سببها احد الوسطاء داخل «سوسيتيه جنرال» والمقدرة بـ 4،9 مليارات يورو، وقال المصرف المركز الفرنسي ان «تحقيقا للجنة المصرفية سيفتح لبحث الظروف التي حصلت فيها عملية الاحتيال».
وكشفت عملية الاحتيال في 19 يناير، وقال المصرف ان وسيطا يعمل في فرع للمصرف متخصص بنشاطات السوق استغل «معرفته العميقة باجراءات الرقابة لاخفاء مواقعه بمعاملات وهمية»، كما اوضح سوسيتيه جنرال.
وقالت مصادر من البنك ان المتعامل يدعى جيروم كيرفل.
ومنذ ذلك الوقت، قام المصرف بتصفية هذه المواقع لكن عملية الاحتيال هذه ادت الى خسائر بقيمة 4،9 مليارات يورو في النتائج الصافية للمصرف نظرا لحجمها و«الشروط غير المشجعة في السوق».
والى عملية الاحتيال هذه، يضاف مليارات يورو من تراجع سعر اسهم المصرف مرتبطة بأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة ، كما قال المصرف الذي اوقف التداول باسهمه امس الخميس في بورصة باريس.
وعلى الرغم من هذه الخسارة الفادحة، ستكون الارباح الصافية للمصرف الفرنسي ايجابية خلال 2007 وتقدر بين 600 و800 مليون يورو. لكن التراجع كبير جدا بالمقارنة مع تقرير النتائج الصافية التي بلغت 5،221 مليارات يورو في 2006.
ولمواجهة هذا الوضع، قال المصرف في بيان انه سيقوم بزيادة رأس المال بمقدار 5،5 مليارات يورو في الاسابيع المقبلة.
ودعا المصرف الفرنسي الذي يواجه انتقادات المحللين الماليين بسبب التزامه الصمت في الايام الاخيرة عندما كان سعر سهمه يتدهور في البورصة، الى مؤتمر صحفي استثنائي عند الساعة 11،00 بالتوقيت المحلي (10،00 تغ) من الخميس في مقره في باريس.
واقفل سعر سهمه على تراجع 4.12% الاربعاء ليصل الى 79،08 يورو، وكان خسر 20% من قيمته منذ بداية العام و40% في الاشهر الستة الاخيرة.
واوضح بنك «بي ان بي باريبا» الذي يحرص على طمأنة الاسواق المتوترة جدا، فور افتتاح جلسة التداول في البورصة، ان حساباته لا تشير الى «اي خسارة» وقرر ان ينشر بصورة مبكرة نتائج مؤقتة عن عام 2007.
وكان وسيط يعمل لحساب مصرف «كريدي اغريغول» الفرنسي في نيويورك، كلف هذا المصرف 230 مليون يورو في سبتمبر.
باريس – رويترز – قال بنك سوسيتيه جنرال ومصادر مطلعة ان المتعامل المتهم بالمسؤولية عن اكبر عملية احتيال مصرفي في العالم هو مصرفي صغير استغل معرفته الوثيقة بنظم التحكم في المخاطرة بالبنك لاخفاء شهور من المعاملات غير القانونية.
وقالت مصادر داخل البنك ان المتعامل يدعى جيروم كيرفيل (31 عاماً) وهو موظف بمكتب مشتقات الاسهم الاوروبية في مقر البنك بباريس ويقل راتبه عن 100 الف يورو (146500 دولار) سنويا.
واتهم سوسيتيه جنرال المتعامل بتكوين مراكز «احتيالية هائلة» في 2007 و2008 على مؤشرات الاسهم الاوروبية مما كبد البنك خسائر قدرها 4،9 مليارات يورو اثناء تصفية المراكز في اسواق شديدة الاضطراب هذا الاسبوع.
وابلغ عضو رفيع بمجلس ادارة البنك رويترز ان كيرفيل «لم يكن نجما» لكن كريستيان نوييه محافظ بنك فرنسا (المركزي) صرح للصحافيين بأن المتعامل «محتال عبقري».
ولم تكتشف المشكلة الا في مطلع الاسبوع وقد اجتمع كيرفيل نفسه مع مسؤولي البنك وجها لوجه هذا الاسبوع بينما كانوا يحاولون كشف شبكة الخداع التي تخترق كل آليات السلامة في البنك التي يفترض انها متقدمة.
وابلغ نوييه مؤتمرا صحفيا «اتضح ان هذا كان ممكنا لانه (كيرفيل) شخص على دراية بنظم التحكم الداخلية من وظيفته السابقة وهو من دون شك عبقري في الحسابات الالية».
وانضم كيرفيل الى سوسيتيه جنرال عام 2002 وكان يتعامل في واحدة من ابسط الادوات المالية ضمن عالم المشتقات المعقد وهي العقود الاجلة على مؤشرات الاسهم الاوروبية.
ويبدو ان كيرفيل ضارب بشكل واسع وخاطئ على صعود في مؤشرات الاسهم الاوروبية.
وقدر مصدر بالبنك ان الخسائر كانت مليار يورو «فقط» مطلع الاسبوع لكنها تفاقمت سريعا عندما تحرك سوسيتيه جنرال لتنظيف دفاتره يومي الاثنين والثلاثاء مع تدهور اسواق الاسهم الاوروبية.
وقال دانيال بوتون رئيس مجلس ادارة سوسيتيه جنرال في مؤتمر صحفي «هذه الخسائر كان من الممكن ان تصبح مكاسب لو ارتفعت السوق أيام الاثنين والثلاثاء والاربعاء».
وباعتباره موظفا صغيرا كانت هناك قيود صارمة على المراكز التي يستطيع تكوينها لكنه كان يعرف كيف يتجاوز هذه القيود بعد خمس سنوات امضاها في مكتب العمليات الادارية وادارة المخاطر بالبنك في بداية حياته الوظيفية.
وقال سوسيتيه جنرال في بيان «لقد تمكن من إخفاء هذه المراكز عن طريق مخطط من العمليات الوهمية المتعمدة».
لكن زملاءه متحيرون بشأن دوافعه.
وقال مسؤولون انه لا يوجد ما يشير إلى أنه كان يحاول سرقة البنك أو أنه كان يعمل مع شخص آخر. وقال بوتون: «دوافعه غير مفهومة تماماً. لا يبدو انه كان سيتربح مباشرة من هذا الاحتيال الهائل».
وشوهد كيرفيل للمرة الأخيرة في سوسيتيه جنرال يوم الأحد. وهو مختبئ منذ ذلك الوقت بينما تطارده الشرطة والصحافة.
وتظهر صورة له من موقع تداول الكتروني شاباً جاداً يحدق في الكاميرا بتجهم وهو يزم شفتيه.
ولكيرفيل حساب في الموقع الاجتماعي فيسبوك. كوم. وعندما كشفت هويته بعد ظهر أمس كان لديه 11 صديقاً على قائمته. وتراجع العدد إلى أربعة بعد ساعات.
وخسائر سوسيتيه جنرال هي الأكبر في تاريخ المؤسسات المالية التي يسببها متعامل واحد وتتجاوز كثيراً خسائر قدرها 1،4 مليار دولار ألحقها المتعامل نيك ليسون ببنك بارينجز البريطاني في تسعينات القرن الماضي لكن أوجه الشبه بين الحالتين واضحة.
ففي كلتا الحالتين كان المتعامل قد سبق له العمل في مكتب العمليات الإدارية للبنك وتعلم كل شيء عن نظم الحاسب الآلي ثم رقي إلى قاعة التداول حيث كون خسائر ضخمة تحت أنف رؤسائه الذين لم يخامرهم أدنى شك.
ديوان المحاسبة: على المؤسسة حصر كل الصناديق التي تأثرت بالاحتيال
أموال للمتقاعدين في {التأمينات} تعرضت لعمليات مادوف الاحتيالية
كتب المحرر المالي:
تعرضت أموال المتقاعدين في التأمينات الاجتماعية لعملية الاحتيال الشهيرة التي كان بطلها الاميركي برنارد مادوف. وأكدت معلومات متطابقة ان للتأمينات اموالا في صناديق منيت بخسائر جراء تلك العملية الاحتيالية العالمية، وقال تقرير لديوان المحاسبة: وردت كتب من مديري بعض الصناديق الاستثمارية المقفلة تفيد بعدم تمكنهم من احتساب صافي قيمة وحدات تلك الصناديق والتأجيل المؤقت لاحتسابها ولمدة غير محددة وذلك بسبب مقاضاة برنارد مادوف من جهة الأطراف الدائنة وتجميد كل أصوله البالغة قيمتها 50 مليار دولار اميركي بأمر من المحكمة. وقد قامت المؤسسة بتخفيض قيمة مساهمتها في تلك الصناديق في 31/3/2009 بنسبة 95% تقريبا.
وأورد ديوان المحاسبة بيانا يوضح ما أمكن حصره من تلك الصناديق التي بلغت قيمتها ما يعادل 53.38 مليون دينار وتم تخفيضها بمبلغ 50.46 مليون دينار.
وطلب الديوان اتخاذ ما يلزم من اجراءات لمتابعة وحماية استثمارات المؤسسة في تلك الصناديق وحصر كافة الصناديق التي تأثرت بعملية الاحتيال المشار إليها.
وأفادت المؤسسة بما يلي: انها على اتصال دائم بمديري الصناديق المشار إليها بملاحظة الديوان، وذلك بشأن الاجراءات التي تم أو سيتم اتخاذها لحماية استثماراتها في هذه الصناديق، وأنها قامت بتخفيض قيمة مساهماتها في تلك الصناديق عند إعداد حسابها الختامي في 31/3/2009 بنسبة تقرب من 95% كإجراء تحفظي يتمثل في ادراجها في دفاترها بقيمة تقديرية وفقا لما تقضي به الأسس المحاسبية، مع التأكيد على استمرارية المؤسسة في اتخاذ ما يلزم من اجراءات في هذا الخصوص.
وعقّب الديوان بأن رد المؤسسة لم يوضح الاجراءات التي اتخذتها لمتابعة وحماية استثماراتها في تلك الصناديق، ولم يوضح الرد وجود حالات اخرى تأثرت بعملية الاحتيال التي قام بها برنارد مادوف من عدمه.
«سوسيتيه جنرال» ضحية عملية احتيال واسعة تفقده 4,9 مليارات يورو
باريس – ا ف ب – كشف «سوسيتيه جنرال» احد اهم ثلاثة مصارف فرنسية، الخميس انه تعرض لعملية احتيال واسعة كلفته 4،9 مليارات يورو يضاف اليها مليارا يورو من خسائر سعر اسهمه المرتبطة بأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، اي ما مجموعه 6،9 مليارات يورو.
وارتكب عملية الاحتيال وسيط واحد يعمل في المصرف في باريس ولم يكشف لهرم ادارة المصرف المواقع التي اشتراها في الاسواق، كما اوضح البنك في بيان، والموظف الذي اقر بافعاله علقت مهامه وبدأت اجراءات لاقالته فيما سيغادر المسؤولين عن الاشراف على عمله، المجموعة كما اوضح المصرف.
وفي بيان نشر على موقعه على الانترنت تحدث رئيس مجلس ادارة البنك دانيال بوتون عن«عملية احتيال داخلية بمبالغ كبيرة قام بها احد الموظفين»، واضاف انه «تم تعليق عمل هذا الموظف على الفور وسيتم رفع شكوى ضده».
واعلن بنك فرنسا انه سيفتح تحقيقا في عملية الاحتيال التي سببها احد الوسطاء داخل «سوسيتيه جنرال» والمقدرة بـ 4،9 مليارات يورو، وقال المصرف المركز الفرنسي ان «تحقيقا للجنة المصرفية سيفتح لبحث الظروف التي حصلت فيها عملية الاحتيال».
وكشفت عملية الاحتيال في 19 يناير، وقال المصرف ان وسيطا يعمل في فرع للمصرف متخصص بنشاطات السوق استغل «معرفته العميقة باجراءات الرقابة لاخفاء مواقعه بمعاملات وهمية»، كما اوضح سوسيتيه جنرال.
وقالت مصادر من البنك ان المتعامل يدعى جيروم كيرفل.
ومنذ ذلك الوقت، قام المصرف بتصفية هذه المواقع لكن عملية الاحتيال هذه ادت الى خسائر بقيمة 4،9 مليارات يورو في النتائج الصافية للمصرف نظرا لحجمها و«الشروط غير المشجعة في السوق».
والى عملية الاحتيال هذه، يضاف مليارات يورو من تراجع سعر اسهم المصرف مرتبطة بأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة ، كما قال المصرف الذي اوقف التداول باسهمه امس الخميس في بورصة باريس.
وعلى الرغم من هذه الخسارة الفادحة، ستكون الارباح الصافية للمصرف الفرنسي ايجابية خلال 2007 وتقدر بين 600 و800 مليون يورو. لكن التراجع كبير جدا بالمقارنة مع تقرير النتائج الصافية التي بلغت 5،221 مليارات يورو في 2006.
ولمواجهة هذا الوضع، قال المصرف في بيان انه سيقوم بزيادة رأس المال بمقدار 5،5 مليارات يورو في الاسابيع المقبلة.
ودعا المصرف الفرنسي الذي يواجه انتقادات المحللين الماليين بسبب التزامه الصمت في الايام الاخيرة عندما كان سعر سهمه يتدهور في البورصة، الى مؤتمر صحفي استثنائي عند الساعة 11،00 بالتوقيت المحلي (10،00 تغ) من الخميس في مقره في باريس.
واقفل سعر سهمه على تراجع 4.12% الاربعاء ليصل الى 79،08 يورو، وكان خسر 20% من قيمته منذ بداية العام و40% في الاشهر الستة الاخيرة.
واوضح بنك «بي ان بي باريبا» الذي يحرص على طمأنة الاسواق المتوترة جدا، فور افتتاح جلسة التداول في البورصة، ان حساباته لا تشير الى «اي خسارة» وقرر ان ينشر بصورة مبكرة نتائج مؤقتة عن عام 2007.
وكان وسيط يعمل لحساب مصرف «كريدي اغريغول» الفرنسي في نيويورك، كلف هذا المصرف 230 مليون يورو في سبتمبر.
سقوط عملاق البرمجيات الهندية نتيجة عملية احتيال تاريخية
إيلاف - تأتي الأخبار هذه المرة من الهند, حيث كُشف أمس عن اكبر عملية احتيال، في تاريخ شركات البرمجيات في العالم, إذ أعلن مؤسس ورئيس شركة ساتيم (Satyam) من حيدر اباد رامالينجا راجو –Ramalinga Raju- في رسالة وجهها إلى أعضاء مجلس إدارة الشركة وآخرين بورصة الأوراق المالية، الرسالة التي تضمنت اعترافات، تشير إلى تلاعب وتضخيم في حسابات وقوائم الشركة المالية تقدر بمبلغ مليار دولار.
وفي تلك الرسالة ذكر رامالينجا استعداده للمثول امام القانون وتحمل المسؤولية, وذكر أيضا أنه ( راجو) او أيا من مديري الشركة لم يستفد بأي شكل من تلك التلاعبات المالية. واضاف انه لا يوجد اى من اعضاء مجلس الادارة على علم مسبق بما كان يحدث بهذا الخصوص. وأعلن وزير الدولة لشؤون الشركات اهتمام الحكومة البالغ بالتطورات الجارية في شركة ساتيم وعزمها على اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان عدم تكرار مثل هذه التلاعب.
ولا يزال مستقبل الشركة مجهولا، وأيضا مستقبل ما يزيد على 53,000 موظف موزعين على أكثر من 66 دولة، رغم إعلان الشركة لعملائها وشركائها الاستراتيجيين تعهدها بجميع التزاماتها.
دبي – قالت الانباء الصحفية الاماراتية ان شرطة دبي اعتقلت من سمته «محتالا دوليا يدعى كبير مولشنداني، يعتقد انه متورط في عمليات احتيال دولية تشبه تلك التي قام بها روبرت مادوف رئيس مجلس ادارة بورصة ناسداك السابق».
ونقلت صحف عن العقيد خليل ابراهيم المنصوري مدير ادارة التحريات والمباحث الجنائية قوله ان «شرطة دبي القت القبض على كبير مولشنداني (هندي) لاتهامه في قضايا شيكات ونصب واحتيال، وان التحقيق جار معه وستتم احالته الى النيابة العامة لاستكمال التحقيق».
وقالت ان «مولشنداني، وبالتعاون مع شركاء له من الجنسيات الاماراتية والبريطانية والهندية، اضافة الى شركة عقارية قد احتال بقيامه باقناع ضحاياه مدعيا ملكيته لناد لرجال الاعمال في الامارات، مرخص له بتحصيل اموال بغرض الاستثمار، محددا مبلغ 300 الف درهم شهرياً يقبضها من كل شخص يرغب في الدخول في استثمارات على ان يحصل على مليون درهم ارباحا شهرية». واضافت «قامت المجموعة بتدشين موقع الكتروني يشرح جميع توجهاتهم الاستثمارية (الاحتيال)، كما استخدموا اسلوب الاعلان في الصحف المطبوعة واسعة الانتشار في الامارات، ليعلنوا عن مشاريع استثمارية ضخمة، وفي احد الاعلانات تم التنويه الى ان الاستثمارات وصلت حصيلتها الى 14 مليار درهم وحققت عوائد مباشرة لمن يستثمرون اموالهم لدى هذه الجهة تقدر بمليارين و800 مليون درهم». وتابعت صحف في تقريرها «لم يقتصر الامر على ذلك، بل وجه مولشنداني وشركاه من خلال تلك الاعلانات الدعوة لضحاياه للاستمتاع برحلة ترفيهية الى فرنسا، وخلالها يجد الفرص المناسبة لاقناعهم بمشاريعه الوهمية من اجل دفعهم للانخراط في مثل هذا النوع من الاستثمارات».
وتابعت «تشير المعلومات المتوافرة الى ان الضحايا حين قرروا المطالبة بالارباح التي اتفق عليها، او اظهار الكيان القانوني، بدأ المحتال الهندي (كبير) بالمماطلة والهروب من تلك المطالبات، بل اختفى عن الانظار ليكتشف ضحاياه انهم وقعوا فريسة لعملية احتيال كبرى».
دبي – قالت الانباء الصحفية الاماراتية ان شرطة دبي اعتقلت من سمته «محتالا دوليا يدعى كبير مولشنداني، يعتقد انه متورط في عمليات احتيال دولية تشبه تلك التي قام بها روبرت مادوف رئيس مجلس ادارة بورصة ناسداك السابق».
ونقلت صحف عن العقيد خليل ابراهيم المنصوري مدير ادارة التحريات والمباحث الجنائية قوله ان «شرطة دبي القت القبض على كبير مولشنداني (هندي) لاتهامه في قضايا شيكات ونصب واحتيال، وان التحقيق جار معه وستتم احالته الى النيابة العامة لاستكمال التحقيق».
وقالت ان «مولشنداني، وبالتعاون مع شركاء له من الجنسيات الاماراتية والبريطانية والهندية، اضافة الى شركة عقارية قد احتال بقيامه باقناع ضحاياه مدعيا ملكيته لناد لرجال الاعمال في الامارات، مرخص له بتحصيل اموال بغرض الاستثمار، محددا مبلغ 300 الف درهم شهرياً يقبضها من كل شخص يرغب في الدخول في استثمارات على ان يحصل على مليون درهم ارباحا شهرية». واضافت «قامت المجموعة بتدشين موقع الكتروني يشرح جميع توجهاتهم الاستثمارية (الاحتيال)، كما استخدموا اسلوب الاعلان في الصحف المطبوعة واسعة الانتشار في الامارات، ليعلنوا عن مشاريع استثمارية ضخمة، وفي احد الاعلانات تم التنويه الى ان الاستثمارات وصلت حصيلتها الى 14 مليار درهم وحققت عوائد مباشرة لمن يستثمرون اموالهم لدى هذه الجهة تقدر بمليارين و800 مليون درهم». وتابعت صحف في تقريرها «لم يقتصر الامر على ذلك، بل وجه مولشنداني وشركاه من خلال تلك الاعلانات الدعوة لضحاياه للاستمتاع برحلة ترفيهية الى فرنسا، وخلالها يجد الفرص المناسبة لاقناعهم بمشاريعه الوهمية من اجل دفعهم للانخراط في مثل هذا النوع من الاستثمارات».
وتابعت «تشير المعلومات المتوافرة الى ان الضحايا حين قرروا المطالبة بالارباح التي اتفق عليها، او اظهار الكيان القانوني، بدأ المحتال الهندي (كبير) بالمماطلة والهروب من تلك المطالبات، بل اختفى عن الانظار ليكتشف ضحاياه انهم وقعوا فريسة لعملية احتيال كبرى».
عامة الناس يعتقدون بوجود مؤامرة استياء عارم من عدم سجن المتسببين بالأزمة المالية
إيمان عطية
لماذا لم يدخل السجن سوى عدد محدود للغاية من المصرفيين في أعقاب الأزمة المالية؟ ذلك السؤال طرحه الكثير من أناس عاديين في السنوات القليلة الماضية. والأكثر اثارة للدهشة أن ذلك الموضوع اقتحم حتى حفل توزيع جوائز الأوسكار في الشهر الماضي.
منحت جائزة أفضل فيلم وثائقي لفيلم Inside Job، الذي يتحدث عن الانهيار المالي. وفي أثناء تلقيه الجائزة، ألقى المخرج تشارلز فيرغسون كلمة كانت تقريبا لا تنسى بقدر كلمة كولن فيرث (الفائز بجائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم خطاب الملك) وان لم تكن مضحكة مثلها. «اسمحوا لي، لكن يجب أن أبدأ بالاشارة الى أنه وبعد ثلاث سنوات على الأزمة المالية المروعة التى أصابتنا بسبب الاحتيال المالي، لم يدخل تنفيذي مالي واحد الى السجن»، ثم يضيف وسط تصفيق مبعثر من الحضور « ان هذا خطأ».
وهو ما يثير السؤال التالي: لماذا؟ لماذا أودع رجال مثل بيرني مادوف في السجن، بينما لم يسجن جميع أولئك الرجال والنساء مجهولي الهوية الذين استحضروا قروض الرهن العقاري أو التزامات الدين المضمونة المراوغة؟ هل هي مؤامرة تستحق أن تكون حبكة لفيلم Inside Job؟ أم أن شيئا آخر يحدث؟
لاشك أن البعض ممن هم غير مصرفيين يعتقد بوجود مؤامرة. وبحسب حجتهم فان المصرفيين هم من القوة والنفوذ بحيث يمكنهم أن يفلتوا من عقاب ما يعادل جريمة قتل مالية. وفي فيلمه، يحاجج فيرغسون بأن المصرفيين والأكاديميين والسياسيين جميعهم يحمون ظهور بعضهم البعض بطريقة أشعلت الأزمة المالية وبأنهم لايزالون يوفرون الحماية للمصرفيين، حتى الوقت الراهن.
على المستوى الشخصي، أعتقد أن هذا التفسير غير مكتمل. ومن المؤكد أن الصناعة المالية قوية ومتنفذة على نحو خطير. كما أعتقد أن بعض المصرفيين تصرفوا بأساليب غير أخلاقية على نحو عميق. لكن ما اذا كان المصرفيون قد انتهكوا حقيقة القانون فان هذا الموضوع ليس واضحا تماما.
فاذا ما اطلعنا على تلك المنتجات المالية الذكية التى تم استحضارها ـــ التزامات الدين المضمونة و قروض الرهن العقاري وغيرها ــ فإن إحدى السمات المشتركة بينها هي أنها كانت تهدف الى استغلال الثغرات في النظام القانوني، ودائما بوسائل ذكية للغايـــة.
«الابتكار»، كما تم تطويره في النظام المالي، كان يتعلق بالرقص حول الحواف الدقيقة للقوانين والقواعد والتصنيفات، وليس بكسر وانتهاك تلك القوانين. وفي الواقع، فان أكبر البنوك عينت جيوشا من المحامين للتأكد من احترام قواعد القانون، حتى وان أفسدت روح القانون بطرق تزداد ابداعا ولا أخلاقية.
وذلك يعني أن رفع قضية ضد المصرفيين الأقوى في المحاكم يمكن أن يكون صعبا. وبصيغة أخرى، قد لا تحتاج وول ستريت حقيقة الى مؤامرة كالتي ظهرت في فيلم Inside Job لحماية نفسها. ففي ظل النظام القانوني الحالي قد يكون من الصعب ادانة مصرفيين كبار بعملية «احتيال» واسعة النطاق ما لم تقدم المحاكم على اعادة صياغة القوانين بأثر رجعي.
وقد يكون في ذلك نبأ جيد لبعض المصرفيين. لكنه ليس كذلك على المدى البعيد للاستقرار الاجتماعي والسياسي. فبعد كل شيء، فان طقوس المرور (طقس يقام للدلالة على حدث يؤشر على انتقال الفرد من مرحلة الى أخرى جديدة كليا في حياته)، كما يقول غالبا علماء الأنثروبولوجيا، هي مهمة في جميع الثقافات، وليس فقط على صعيد حياة الفرد، بل بالنسبة للمجتمع ككل. أحد أهم المنافع الكبيرة من وجود محاكمات علنية تكمن في خلق شعور بالوصول الى قرار وبالعدالة. ودون وجود قصاص، فان هناك خطرا يتمثل في استمرار تفاقم الغضب. وفي الوقت الراهن، فان ذلك بالضبط هو ما يحدث ويعمل على تسميم المشهد السياسي العام.
بعض المقارنات مع نوبات سابقة للدراما المالية في الولايات المتحدة تعمل على امعان الفكر. ففي السنوات التي أعقبت فضيحة انرون، على سبيل المثال، اعتقل بالفعل تنفيذيون وحكم عليهم بالسجن. واذا ما عدنا الى أزمة القروض في أواخر الثمانينات، حين أخفقت عشرات البنوك، تمت مقاضاة آلاف من التنفيذيين العاملين في القطاع المالي.
بل ان الفترة التي أعقبت انهيار 1929 تميزت بشعور أكثر دراماتيكية فيما يتعلق بالقصاص: اذ لم ينته الأمر بمجرد ايداع المصرفيين في السجن، بل ان الثقافة الشعبية حافلة بقصص التنفيذيين الذين استردت منازلهم منهم والذين أضحوا في حال من الفقر المدقع بل وحتى أسوأ.
وكان بينجامين فريدمان، الأكاديمي الأميركي قال أخيراً «هناك صور في الثلاثينات لتنفيذيين ألقوا بأنفسهم من ناطحات السحاب».
ومع ذلك، فان النمط الحالي يختلف جدا. ويضيف فريدمان أن آلان غرينسبان، رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي السابق قال انه لا يعرف أي مصرفي كبير قد أعلن عن افلاسه على المستوى الشخصي أو خسر منزله في الأزمة. أي أنه وبكلمات أخرى، هناك قليل من الاحساس بالألم المشترك. وكما يظهر بحث أعده كل من الخبراء الاقتصاديين ايمانويل سايز وتوماس فيليبون وآرييل ريشيف فان هناك فرقا آخر أساسيا. ففي أعقاب انهيار 1929، تراجع الفارق في عدم المساواة في الدخل في الولايات المتحدة، وكذلك الحال بالنسبة للمستويات المرتفعة جدا (السابقة) للأجور في القطاع المالي، نسبة الى دخل القطاع غير المالي. أما في الوقت الراهن، فان تسوية من هذا القبيل لم تحدث.
وقد يعكس ذلك، ربما فارقا زمنيا، اذ أن عدم المساواة لم تبدأ حقيقة في التراجع الا عند منتصف الثلاثينات. لكن لا أظن. وهنا تكمن المشكلة: فطالما أن المصرفيين لا يتجنبون السجن فحسب، بل يظلون هم الأفضل أجرا من الجميع، فان الشعور الذي سيظل يرافق الكثير هو أن الوضع وكما وصفه فيرغسون «خطأ فادح». وسوف يتطلب الأمر أكثر من مجرد تمثال الأوسكار، أو خطبة غاضبة لنخز هذا الآسن الذي يغلي من الاستياء.
16/04/2011
بروفايل القبس
يروي حكايته من وراء القضبان مادوف: مصرفيون ومراقبون شاركوني النصب والاحتيال
إلى إحدى جلسات المحاكمة
إعداد إيمان عطية
مضى أكثر من عامين منذ أن فوجئت الأسواق المالية باعتقال مدير العمليات المالية في «وول ستريت» بيرنارد مادوف الذي اعترف باكيا لأسرته بالنصب على المستثمرين، وحكم عليه بالسجن لمدة 150 عاما.
وفي مقابلة حصرية أجرتها معه «فايننشال تايمز» في السجن، وزع مادوف (72 عاما) اللوم والاتهامات، في عملية النصب الضخمة التي اقترفها وعرفت بنظام بونزي، على المصرفيين والقيمين على الأجهزة التنظيمية وبعض زملائه ومعاونيه القدامى في العمل.
ولم يقدم الممول الأميركي الموصوم بالعار ومهندس واحدة من أكبر عمليات النصب والاحتيال على الاطلاق، لم يقدم دليلا يذكر على ادعاءاته، واعترف بأنه كذب على المستثمرين والأقارب لأكثر من 16 عاما قبل أن يعترف عام 2008 بعملية احتيال بلغت قيمتها 65 مليار دولار.
ومع ذلك، يؤكد مادوف أن بنوكا، بما فيها «جي بي مورغان تشيس»، المصرف الأساسي لشركته بيرنارد لويس مادوف انفيستمنت سيكيوريتز، كانت تملك ما يكفي من المعلومات للكشف عن أي نشاط مشبوه.
«أنا لست مصرفيا، لكني أعرف أن دخول وخروج 100 مليار دولار من حساب مصرفي أمر ينبغي أن يثير الانتباه الى وجود خطب ما»، وفق ما يقول الى فايننشال تايمز في السجن الفدرالي الذي يقضي فيه محكوميته في بوتنر، في نورث كارولينا، مضيفا «كان لدى جي بي مورغان البيانات المالية كافة».
ويدعي مادوف «هناك مسؤولون كبار في البنك كانوا على علم بما كان يجري». ومع ذلك لم يسم أحدا منهم ولم يقدم تفاصيل اضافية.
وكان ايرفينغ بيكارد، القيم على تصفية شركة مادوف رفع في ديسمبر 2010 دعوى قضائية ضد جي بي مورغان، مطالبا بمبلغ 4. 6 مليارات دولار على أساس أن البنك تغاضى عمدا عن الاحتيال، وكان متواطئا في العملية. ويمثل بيكارد 2400 ضحية تشمل مئات الأثرياء والمؤسسات الخيرية والمؤسسات الأكاديمية. كما يقاضي بيكارد أكثر من عشرة بنوك في الولايات المتحدة وأوروبا وأصدقاء قدامى لمادوف وأقرباء له ساعيا لتحصيل أكثر من 100 مليار دولار.
ويقول مادوف «لا يملك جي بي موغان خيارا ولا فرصة حتى في الجحيم الا أن يدخل في تسوية كبيرة».
كما تنبأ مادوف أن تتم مقاضاة مصرفين آخرين من قبل بيكارد، وهما اتش اس بي سي ويو بي اس. فكما يقول « سيواجهان مشاكل كبيرة». ويسعي بيكارد الى تحصيل 9 مليارات دولار من اتش اس بي سي و2 مليار دولار من يو بي اس. وتنكر جميع البنوك ارتكابها لأي مخالفات أوعلمها بعملية النصب التي ارتكبها مادوف.
كما ادعى مادوف أن 4 من أوائل المستثمرين لديه وهم جيفري بيكاور وستانلي تشيس ونورمان ليفي وكارل شابيرو، ساعدوا في جلب مستثمرين الى شركته في أواخر الثمانينات عندما ادعى مادوف أنه واجه صعوبات في تفكيك المراكز المالية في الأسواق. «كانوا جميعا متواطئين، ولهذا السبب دخلوا في تسويات»، وفق مادوف.
ورفع بيكارد دعاوى قضائية على الرجال الأربعة أو ملكياتهم الخاصة. بيكاور متوفى وقد تم التوصل الى تسوية مع ملكياته الخاصة قوامها 7.2 مليارات دولار. وشابيرو، الذي لا يزال حيا، فقد عقد تسوية قيمتها 625 مليون دولار. بينما عقدت الملكية الخاصة بليفي تسوية بقيمة 220 مليون دولار وهو متوفى منذ 2005. أما تشيس فهو ميت وعائلته لم تدخل في تسوية. ويقول محامو الأربعة أن موكليهم لم يكونوا على دراية بعملية النصب التي ارتكبها مادوف.
بكى مادوف عند ذكر زوجته روث وابنه مارك الذي انتحر العام الماضي. وقال «لا شيء مما سأقول ينبغي أن يؤخذ على أنه مبرر أو ذريعة لسلوكي. انني أتحمل المسؤولية الكاملة عما اقترفت».
للمرة الثانية فقط يوافق مادوف على الالتقاء بصحفي في سجنه القابع في بلدة بوتنر في نورث كارولينا. ولا يسع المرء الا أن يتساءل ان كان هذا الرجل الذي بنى حياته المهنية على الأكاذيب سيقول الحقيقة في هذا اللقاء الحصري مع صحيفة فايننشال تايمز.
بغض النظر عن المرات التي نقرأ بها عن مادوف، لا يمكن لحكايته أن تفقد قدرتها على أن تصدم القارئ. فعلى مدى 16 عاما على الأقل، استطاع مادوف أن يخدع المستثمرين والأجهزة التنظيمية والبنوك والمعاونين. وقد جعل مخطط بونزي الذي اعتمد عليه في عملية احتياله والذي يقوم على دفع أرباح للمستثمرين القدامي من أموال يودعها مستثمرون جدد، جعل منه رجلا ثريا على نحو غير عادي. بلغ مقدار ما أخذه من رؤوس أموال من المستثمرين 20 مليار دولار من نبلاء أوروبيين وعمال أميركيين عاديين ومؤسسات خيرية بارزة ومن أفراد عائلته المقربين ومن الجالية اليهودية التي ينتمي اليها. لقد كان مخطط بونزي الذي هندسه مادوف الأكبر في التاريخ.
ومع ذلك لم يبد يوما على الرجل الذي أدار هذه العملية ملامح محتال. فهو رئيس مجلس الادارة الأسبق لسوق ناسداك للأسهم ورفيق للمنظمين ونائب رئيس مجلس الادارة الأسبق للاتحاد الوطني لمتداولي الأوراق المالية، الجهاز التنظيمي الذاتي لصناعته. عاش حياة مرفهة للغاية، متنقلا بين شقة على السقيفة (بينتهاوس) في نيويورك ومنزلين يقضي فيهما عطلاته في بالم بيتش ولونغ آيلاند ويسافر في طائرات خاصة ويخت يحمل اسم بول.
بدأ الحوار في قاعة الزوار في سجن اف سي آي بوتنر ميديوم الفيدرالي. سألناه عن حاله فأجاب «تماما كما هو متوقع». مضيفا في محاولة منه للسيطرة على الموقف «ضعوني أحدد القواعد الأساسية». فهو يعرف بالضبط ما الذي جاء بنا الى هنا: نريد أن نعرف ما هو دافع رجل يبدو كطبيب عائلة ودود الى التورط في عملية احتيال مدمرة؟.
بدأ يتحدث بلهجة نيويوركية غليظة «لا شيء مما سأقول يجب أن يؤخذ كتبرير لسلوكي. أتحمل كامل المسؤولية عن أفعالي. وكنت مدركا تماما لما كنت أقوم به». لم يهتز جسمه أبدا أثناء حديثه، وبدا جليا أنه مدرب جيدا على ما قال.
اذن، سألناه، لماذا فعلت ما فعلت؟ تنهد وقال «عليكم أن تفهموا تاريخي. لقد بدأت بـرأسمال قدره 500 دولار. لقد شهدت والدي وهو يفلس. كان لدي دائما دافع كبير. لكني كنت دوما خارج النادي، نادي بورصة نيويورك وشركات النخبة. لقد حاربوني في كل خطوة. هذا الجزء من القصة، على الأقل، صحيح تماما.
بدايته وشبابه
أبصر مادوف النور عام 1938 ابنا لرالف وسيلفيا مادوف، وهما زوجان يهوديان من كوينز في نيويورك. خلال معظم طفولته، أدار والده شركة للبضائع الرياضية حققت نجاحا معتدلا. لكن الشركة أخفقت عندما أصبح مادوف شابا يافعا، مما قوض الحياة المريحة التي كانت العائلة تحياها كعائلة من الطبقة المتوسطة.
التقى مادوف بروث ألبيرن، التي ستصبح زوجته لاحقا، في المدرسة الثانوية، وتمكن أن يدبر أمر التحاقه بالجامعة والعمل في الوقت ذاته في تركيب مرشات المياه لاعالة نفسه.
عبثت برأسه فكرة دخول «وول ستريت»، لكنه افترض أن من المستحيل على شخص مثله لا يملك تأهيلا جامعيا وأموالا عائلية أن يقتحم ذلك المكان. لذلك وفي عام 1960 أسس شركته الصغيرة للوساطة بيرنارد ال مادوف انفيستمنت سيكيوريتز، في مكتب استعاره من والد زوجته.
ولم تلفت شركته نظر أحد. وفي الستينات ركز مادوف على مجال عمل فرعي: فتح أسواق لحزم صغيرة من السندات. ومع مرور الوقت، نمت شركة بي ال ام آي اس، كما باتت تعرف لاحقا. ودخل عالما أكثر رفعة وبريستيجا، وهو عالم تداول الأسهم. ولاحقا وبمساعدة من شقيقه بيتر، أدخل ابتكار التكنولوجيا. وتقليديا، يدار عمل تداول الأسهم في «وول ستريت» من قبل ناد من الوسطاء الرجال، لكن في السبيعنات بدأ مادوف في استخدام الكمبيوتر. فكرهت الشركات التقليدية والوسطاء هذا الأمر. بل وكما يتذكر مادوف «عقدوا جلسة استماع في الكونغرس ضدي».
هو راوٍ بالولادة. فالكلمات تتدفق منه بحس من الايقاع والتوقيت بل وحتى النكتة. ومن الواضح أنه يأمل في أن يكون له يد في صياغة ارثه.
في بواكير الستينات بدأ مادوف في ادارة الأموال. وسرعان ما حصل على أربعة زبائن مرموقين: جيفري بيكاور، وهو مستثمر من نيويورك وستانلي تشيس، مستثمر آخر، ونورمان ليفي مطور عقاري، وكارل شابيرو، صاحب مصنع للملابس في بوسطن. وهؤلاء الأربعة هم من سيصبحون أكبر المستفيدين من نظام بونزي الذي استخدمه مادوف، حاصدين أموالا تفوق بكثير ما حصلت عليه عائلة مادوف نفسها. بيكاور وحده حصد مبلغا يسيل له اللعاب بلغ 2. 7 مليارات دولار على مدار سنوات. لكن مادوف يصر على أنه كان يحقق الأرباح فعلا خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
أرباح السبعينات والثمانينات
ومن غير الواضح ما الذي جذب أولئك الرجال المتنفذين الى شركة مادوف التي لم يكن قد مضى وقت طويل على تأسيسها. فأربعتهم لم يكونوا جميعا أصدقاء. وربما لعبت الاثنية دورا في الموضوع: فجميعهم، كما هو مادوف يهود. الا أن هناك عاملا آخر ذا طابع عملي يتمثل في الضرائب. ففي السبعينات والثمانينات، كان معدل الضريبة مرتفعا على نحو حاد، مما دفع بالعديد من العائلات الثرية الى البحث عن أساليب مبتكرة لتقليص فاتورة الضرائب التي يتعين عليهم دفعها. أحد تلك الخيارات المتاحة حينئذ هو الاستثمار في سوق الأسهم، كون مكاسب رأس المال طويلة الأجل لم تكن تخضع للضريبة بقدر الأرباح القصيرة الأجل.
وكما يقول مادوف، نجحت تلك الاستراتيجية طوال عقد الثمانينات من العقد الماضي. واشترى مراكز مالية طويلة الأجل لزبائنه الأربعة وبعض الزبائن الجدد وحقق عائدات كبيرة. «دخلت السوق في الوقت المناسب. لذلك حققوا مكاسب طويلة الأجل. كانوا فقط يؤجلون دفع الضرائب ويمددونها».
ثم ساءت الأمور «كان كل شيء يسير على ما يرام الى أن انهار السوق عام 1987 ودخل أولئك الناس في دوامة ذعر كاملة. وبدأت المكاسب الطويلة الأجل تتبخر. لكنهم رفضوا التخارج، لقد كانوا جشعين»، وفق مادوف.
تخارجات وأزمات
ويقول مادوف انه طلب منهم الاحتفاظ بمراكزهم المالية الى أن تتعافي السوق. لكن السلطات الأميركية شددت قانون الضرائب عام 1986. مما جعل بعض العائلات ترغب في تصفية وتسييل بعض ممتلكاتها. وهو ما كان صعبا، وفق رأيه. ذلك أنه حين استثمر في سوق الأسهم الأميركية، تحوط أو حمى مراكز المالية من خلال تداولات في الاتجاه المعاكس مع مستثمرين آخرين، لاسيما في أوروبا. وهي تعاملات ، كما يدعي لم يكن من السهل تفكيكها بسرعه، الأمر الذي تركه عالقا. ويضيف بحسرة عميقة «كنت عالقا في عمليات تحوط طويلة الأجل في أوروبا وكنت تحت رحمتهم. لذلك لم يكن أمامي سوى أن أبحث عن زبائن جدد».
ووفق مادوف فان زبائنه الأربعة الكبار تحمسوا لمساعدته، وبعثوا بأصدقائهم له «بيكاور وشابيرو أرسلا لي زبائن، وليفي بعث لي بالكثير منهم، ان له صندوقا استثماريا في مصرفه».
لم يكن أولئك الرجال الأربعة المصدر الوحيد للمال. في 1992، أغلقت «أفيلنو آند بينيز» وهي شركة كانت تحول الأموال اليه، بعد تحقيق هيئة البورصة والأوراق المالية معها لاستخدامها نظام بونزي. وقد تأسست الشركة على يد رجلين كانا يعملان لدى شاول ألبيرن، والد زوجة مادوف. وكما يقول « تلقيت مئات المكالمات الهاتفية من زبائن الشركة، وكان لديهم زبائن يملكون رؤوس أموال قيمتها 500 ألف دولار ممن أرادوا الاستثمار في شركتي. لذلك وضعت حدا أدني قدره 500 ألف دولار للاستثمار. وفي غضون ما يزيد على الشهر بقليل جلبت الكثير من الزبائن الجدد الى شركتي».
استراتيجية لصندوق الأسود
مع تدفق أموال جديدة، يصر مادوف على أنه خطط للاستمرار في استخدام استراتيجية استثمار قانونية، والتي استندت الى ما يسمى بـ «الصندوق الأسود»، وهي تقنية معقدة تستند الى حوسبة الخوارزميات في اختيار التداولات. ويقول مفسرا «اعتقدت اذن أننى سأجمع محفظة تضم أسهما مدرجة في مؤشر ستنادرد آند بورز 500 بانكشاف نسبته 85% ثم استخدم مراكز في مؤشر ستاندرد آند بورز 100 كتحوط».
وقد يبدو هذا النوع من المصطلحات غير مفهوم وغامض بالنسبة لغير المصرفيين، لكنه عادي تماما وذو مصداقية في وول ستريت. وطرحه مادوف بدقة تامة. فهل يكذب؟ من المستحيل التأكد من ذلك، لكنه أصبح في منتهى الحيوية وهو يتحدث عن الأمر.
يتابع مادوف«المشكلة في صندوقي الأسود أنه لكي يعمل كان بحاجة الى عوامل ثلاثة وهي التقلب والحجم والزخم. وبالطبع لم نحصل على ذلك». بعد وقت قصير على تدفق أموال جديـدة الى شركته، أصبحت الأسواق راكدة الأمر الذي أعاق استراتيجية «الصندوق الأسود» عن تحقيق الأرباح. بينما توقع زبائنه الجدد عائدات سخية وسرعان ماباتوا يطالبون باسترداد أموالهم.
بذخ وغرور
أن تسمع مادوف وهو يقول ان الأمر لا يتعلق بالمال أمر يصيب بالعجب على نحو لا يحتمل. اذ كان يعيش حياة ترف وبذخ الى أبعد الحدود، وبعد الكشف عن عملية النصب، اكتشفت السلطات 75 مليون دولار في حساب مصرفي في جبل طارق ومجوهرات بملايين الدولار وممتلكات فاحشة الفخامة. وكانت تلك شواهد على كم تكبد مادوف شخصيا من خسائر. وكان مادوف عضوا في مجلس ادارة جامعة ياشيفا وله حضور دائم في حفلات المؤسسات الخيرية في مانهاتن. و يقضي مع زوجته روث عطلاتهما في مونت كارلو حيث كان يحلو لها التسوق هناك.
سألناه لماذا لم يعد الأموال اذن الى المستثمرين. بعد كل شيء، وكما يقول كان في 1992، قد أصبح رجلا ثريا الى حد ما. ويفسر قائلا «الغرور» ضع نفسك مكاني، فبعد أن تقضي حياتك المهنية كلها خارج «النادي» وفجأة تبدأ جميع البنوك الكبيرة، دويتشه بنك وكريديت سويس، ورؤساءها بطرق بابك وسؤالك، هل يمكنك أن تفعل هذا لي؟».
ثم تمتم قائلا «لقد كنت تحت ضغط كبير جدا وكنت محرجا. لقد كانت المرة الأولى في حياتي التي أخفق فيها. لقد كنت مغفلا! منذ بداية التسعينات لم يكن هناك تعاملات أو تداول. كانت مجرد أوراق. لكن دعني أقل لكما شيئا، مضيفا بقوة «لقد بدا كل شيء حقيقيا».
لا تداولات
ان انتقال مادوف الى قلب النادي المالي وشغله مناصب عديدة لم يمنع المسؤولين في الجهاز التنظيمي من مراقبته. كما تساءل بعض منافسيه عن سبب ثبات عوائد صندوقه لهذه الدرجة. «في عام 2002 تلقيت اتصالا من هيئة البورصة والأوراق المالية، الذين انتابهم شك من كوني ربما واجهة لأمر ما غير قانوني» يقول في اشارة الى التداول بناء على المعلومات الداخلية. ويضيف «ضحكت في داخلي يومها، لأني أعرف أنى لا أقوم بذلك كوني ببساطة لا أقوم بأي تداولات».
كما انتابت هاري ماركوبولوس، مدير صندوق استثماري، شكوك كبيرة لدرجة دفعته الى رفع تقارير الى هيئة البورصة والأوراق المالية، مشيرا في التقرير الذي رفعه الى أن مادوف كان يدير نظام بونزي. ويعلق مادوف على هذا الأمر بغضب «ماركوبولوس كان أكبر معتوه في العالم. كان يدير صندوقا لم يحقق أي أرباح وتخلى عنه زبائنه لذلك اتصل بالمنظمين».
سمعة ذهبية
لكن المنظمين لم يفعلوا شيئا. فكما يقول مادوف «يتلقى المنظمون اتصالات على الدوام. ولم يجروا تحقيقا لأن سمعتي كانت حينها كالذهب وكنت أتمتع بمصداقية عالية. لم يكن أحد ليصدق حينئذ أنني سأرتكب فعلا كهذا. ولماذا سأفعل ذلك؟ الحماقة، هذا هو السبب. لكن تذكروا أنه حين كان يسأل الناس عن الاستراتيجية، كانت منطقية. لقد كنت مستثمرا كبيرا وأتمتع بالمصداقية».
تقنيات معقدة
أن يتم تقبل عائدات صندوقه البعيدة الاحتمال دون التفكير في الموضوع وبمنطقيته لم يكن بالأمر المستغرب جدا. ففي جميع أنحاء وول ستريت، كان العديد من الصناديق الاستثمارية الأخرى يمارس أيضا استراتيجيات «الصندوق الأسود» الغامضة في ذلك الوقت. كما قدمت أيضا عائدات مرتفعة باستخدام تقنيات الحاسب الآلي التي لا يفهمها حقيقة الا عدد قليل جدا من المستثمرين. «هل يعرف أحد كيف يحقق، فلنقل، رينياسانس، أرباحه فعليا؟»، يسأل مادوف بأسلوب خطابي، في اشارة الى صندوق التحوط واسع النجاح.
وخدع مادوف حتى أولئك الذين يديرون برامجهم الخاصة المعقدة للاستثمار. فكما يقول « كان لي، من خلال الصناديق الاستثمارية، علاقات ببعض رؤساء أكبر مكاتب التداول في وول ستريت ممن لديهم القدرة على الوصول الى جميع البيانات. وكان لدي شركاء كبار في غولدمان ساكس». وفي الواقع، فان جيمس سايمونز، مؤسسس رينياسانس تيكنولوجيز، هو من وجه مؤسسة جامعة ستوني بروك، التي كان عضوا في مجلس ادارتها، للاستثمار في صندوق مادوف.
«لم يعتقد أي من أولئك الرجال أنني أدير عملية نصب واحتيال»، يقول بشماتة، ونبرة من الازدراء تبدو في صوته « اذا كيف تتوقع من السيدة غرين من فورت لودرديل في فلوريدا أن تنتبه وترصد مؤشرات الخطر؟».
أين الراحة؟
لكن كيف يشعر حيال تدمير حياة كل أولئك الناس العاديين، وجميع من هم على شاكلة «السيدة غرين» الأبرياء؟ هل يشعر بالمتعة أم الانتقام في هذا؟ هز رأسه وقال «لقد كنت خائفا لدرجة الموت. لا يوجد أي احساس بالراحة في هذا الأمر».
فجأة تلاشى مادوف الراوي وبدأ يتحدث بروية وحذر «قضيت وقتا طويلا مع طبيب نفساني (في السجن) وهو ما لم أفعله من قبل في حياتي، لأتمكن من معرفة كيف تسنى لي القيام بما قمت به. هناك رجال المافيا الذين يقتلون الناس طوال الوقت ويقومون بأفعال مروعة ثم يذهبون الى عائلاتهم وكأن شيئا لم يكن. وكنت أتساءل كيف يمكن للجنود في الحروب أن يطلقوا النار على الناس. لكن كل ما في الأمر هو أنك تستطيع فصل الأشياء وتجزئتها في حياتك».
فحصوا سجلاتي.. وغابت عنهم أشياء وأشياء
كما يسخر بعمق من باقي الجهات في وول ستريت، مشيرا الى البنوك الكبيرة التي لم تدر أمواله وسيولته النقدية فحسب، بل سوقت أيضا صناديقه الاستثمارية بين المستثمرين. «يو بي اس واتش اس بي سي سوف يواجهان مشاكل كبيرة، بيكارد يقاضي جميع تلك البنوك ويعتقد أن بامكانه أن يحصل على 50 مليار دولار أو نحو ذلك. لقد جلس مسؤولو اتش اس بي سي هناك في شركتنا مرتين، جلسوا وبحثوا في دفاتري وسجلاتي، لمدة أسبوعين ومع ذلك غابت عنهم أمور كثيرة. ان الفارق الكبير بين البنوك والصناديق الكبيرة والزبائن العاديين هو أن البنوك والصناديق لديها كل المعلومات من السجلات، بينما الزبائن العاديون لا يملكون تلك المعلومات. برايس ووترهاوس كانت تأتي الى مكتبي مرة في السنة وفحصت كل شيء».
يقول مصرف يو بي اس انه لم يكن على دراية بالمخالفات التي ارتكبها مادوف. كما قال مصرف اتش اش بي سي انه لم يعرف بارتكاب عملية الاحتيال تلك وأنه خسر مليار دولار من أمواله نتيجة لذلك. ولم يسوق اتش اس بي سي صناديق مادوف لزبائنه بينما فعل ذلك يو بي اس وغيره من البنوك.
مأساة العائلة
ومع اقتراب المقابلة من نهايتها، لامسنا مسألة حساسة: الضرر الهائل الذي لحق بعائلته. في نهاية 2008، أدرك مادوف أن نهايته اقتربت. فبعد الانهيار المالي، أصبح من الصعب جمع أموال جديدة وبات زبائنه القدامى يطالبون باسترداد أموالهم. بعض المراقبون تنبأوا بأن الغضب الذي ينتاب أولئك الزبائن ربما يحمل في طياته عناصر جنائية. لكن مادوف ينكر ذلك «لقد سلمت نفسي لأنه لم يكن أمامي خيار آخر، وحياتي لم تكن أبدا مهددة».
وبحلول مطلع ديسمبر 2008، واجه مادوف مطالبات باسترداد أموال قيمتها 7 مليارات دولار لم يكن يملكها. وفي 10 ديسمبر، أي في ليلة احتفال الشركة بالكريسماس، لاحظ ابناه أن شيئا ما لم يكن على ما يرام، وكما يصف الأمر مادوف «كنت في غيبوبة. وهو شيء لم يرياه من قبل أبدا». ومن ثم توجه مادوف وابناه وأخاه وزوجته روث الى منزلهم الفخم في ايست سايد، حيث أخبرهم أن ثروة العائلة مبنية على النصب والاحتيال. «كنت أبكي وهم يبكون». ويقول مادوف انه لم يفكر أبدا في الهروب. «ففي النهاية شعرت بالراحة. فالضغط الذي عشت في ظله خلال السنوات الـ 16 الأخيرة كان لا يحتمل. كم كنت أتمنى لو أنهم اعتقلوني مبكرا».
براءة العائلة
يصر مادوف على أن زوجته وأخاه وابنيه لم يكونا على علم أبدا بعمليات الاحتيال والنصب. ورغم أن ابنيه عملا في شركة العائلة فانهما كانا في دائرة منفصلة. وكما يقول «لم يكن ابناي وأخي جزءا مما حدث فهم لم يحبوا التعامل مع العمليات الخاصة بالزبائن الأفراد».
ويقول ان سونغا كون، الاسترالية التي حولت 9 مليارات دولار الى مادوف من زبائن أوروبيين على امتداد سنوات، لا تتحمل أي لوم في ما حدث، رغم ادعاء الوصي في القضية المرفوعة أنها كانت «توأم روحه الجنائية». ويضيف «لم يكن هناك أي شيء غامضا وخفيا بشأنها. هل كانت تعرف ما يدور؟ لم تعرف أكثر من أي زبون آخر».
كما يصر أن فريد ويلبون، مالك فريق نيويورك ميتس للبيسبول وشريكه في الشركة شاول كاتز «لا يعرفان بالأمر أيضا»، على الرغم من أن الرجلين هما الآن محور تحقيق من قبل الوصي على القضية.
ويقع ستيفن رافين، الذي أدار عمليات بيرنارد ال مادوف انفيستمينت سيكيوريتز في لندن، في الدائرة نفسها كونه «لم يكن أحد في لندن لديه دليل»، وفق مادوف. مضيفا «ستيفن رافين هو شخص انكليزي نموذجي وكان رجلا لطيفا. كل ما أراده هو أن يتم قبوله في النوادي المناسبة. ولم يتجاوز أبدا فكرة أنه لم يذهب الى الجامعة المناسبة».
لكن مادوف يكرر مرة أخرى أن آخرين ومنهم الزبائن الأربعة الكبار، كانوا متواطئين. «لا أشعر بالأسف والأسى حيال أولئك الأربعة، ذلك أنهم دفعوني دفعا الى الأمر. لقد عرفوا أنهم امتلكوني وشعروا أنني لن أعيد الأموال أبدا».
أجرى اللقاء:
ديفيد جيليس - المراسل المتخصص في الاعلام والتسويق في الولايات المتحدة، وجيليان تيت - مديرة التحرير لفايننشال تايمز في الولايات المتحدة
تواطؤ جماعي
بمجرد أن يبدأ نظام بونزي في العمل، فان ذلك يتطلب تدفقا مستمرا من السيولة الجديدة. بدأ مادوف في استقبال زبائن يبعث بهم المستثمرون القدامي لديه الذين كانوا ميالين للابقاء على أموالهم عنده بسبب العائدات الثابتة. وفي مرحلة معينة، دون أن يوضح أبدا مادوف متى كانت تلك المرحلة، توقف التداول الحقيقي تماما وبدأ بتزوير سجلات التداول الخاصة بالزبائن. ويقول أن بيكاور وتشيس وليفي وشابيرو، زبائنه الأربعة الكبار، كانوا يعرفون أن شيئا ما ليس على صواب. فكما يفسر « كانوا متواطئين جميعا». ولا يمكن تأكيد اتهامات مادوف. اذ لم يتم توجيه اتهامات بارتكاب مخالفات جنائية الى أي من العائلات الأربعة.
من الناحية الظاهرية، بدت عملية النصب حقيقية لدرجة أنها جذبت تدفقا ثابتا من المستثمرين الجدد، ولم تقتصر على الولايات المتحدة فحسب. فبحسب مادوف، كان هناك مستثمرون أثرياء على طرفي الأطلسي متحمسون لاستخدام خدماته لتفادي القواعد والقوانين المحلية. في فرنسا، على سبيل المثال، استثمر زبائن أثرياء معه في البداية من أجل تجنب القوانين التى تمنعهم من اخراج العملة الفرنسية.
حركة المليارات .. أين انتباه البنوك؟
من وجهة نظر مادوف، فان «جي بي مورغان» تشوهت سمعته بواقع الاندماج مع مصرف تشيس. ففي الفترة التى سبقت اندماج «جي بي مورغان» مع «تشيس مانهاتن» عام 2001، كان يودع مادوف أمواله في حسابات مصرفية في تشيس. وكذلك فعل بعض زبائنه الأوائل مثل ليفي. لكن البنك لم يدق أبدا جرس الانذار. ويقول في اصرار «أنا لست مصرفيا، لكني أعرف أن دخول مليارات الدولارات وخروجها من حساب مصرفي أمر لا بد أن يثير انتباهك. فلديهم في البنك جميع البيانات المالية وكان بمقدورهم أن يروا أنني كنت أستخدمهم كحافظ أو قيم عليها ومع ذلك لم يشكوا في ذلك قط».
ويعود ذلك، في جزء منه،كما يقول الى أن أيا من تلك البنوك يتجرأ على تحدي ومواجهة رجال متنفذين مثل ليفي. «نورمان ليفي كان رجلا ذا نفوذ اقتصادي كبير. كان رجلا قويا في مجال العقار والجميع كان يخشاه».
وحتى وقت قريب، صمم مصرف جي بي مورغان منتجات مهيكلة مرتبطة بصناديق مادوف باعها الى المستثمرين. وفي السنة التي سبقت انهيار مادوف، دق بعض المسؤولين جرس الانذار داخل البنك، وقبل فترة وجيزة على انكشاف عملية الاحتيال سحب البنك مبلغا قيمته 250 مليون دولار من صناديق مرتبطة بمادوف. لكن البنك لم يتحدث أبدا عن الأمر علانية، رغم عدم قدرة المسؤولين فيه على القيام بتحقيق وفحص كامل للدفاتر.
ويقول مادوف «لا يملك جي بي مورغان فرصة من الجحيم ولا خيارا الا أن يقوم بتسوية كبيرة. ومنه ستأتي أموال تسوية بيكارد. كان هناك موظفون في البنك يعرفون ما كان يجري». أما «جي بي مورغان» فيقول ان تأكيد مادوف واصراره على أن موظفيه كانوا على علم بما يجري أمر زائف، وأنه (البنك) امتثل لجميع القوانين والقواعد المعمول بها عندما تولى مسؤولية الحسابات المالية لمادوف.
تفتيش «خرطي»
سخر مادوف وازدرى القوانين واللوائح. ففي العقدين الماضيين سجلت هيئة البورصات والأوراق المالية ست شكاوى ضد شركة بيرنارد مادوف انفيستمينت سيكيوريتيز، شملت اتهامات محددة بأنه كان يدير برنامج بونزي. ويقول عن ذلك «خلال 50 عاما جاءني 100 مفتش ومحقق من هيئة البورصة والأوراق المالية وNASD واعتبرت شركتي، لاشك أنهم محرجون الآن، اعتبرت شركة نموذجية. وقد اعتقدوا أنني مقرب جدا من المنظمين».
ثم ضحك ضحكة ذابلة وقال «ان مأخذي على العاملين في الأجهزة التنظيمية وهيئة البورصة والأوراق المالية الذي يعود الى الفترة التى بدأت فيها عملي هو شعوري بأنهم يقضون وقتا طويلا في ملاحقة المخالفات البسيطة من دون أن يبذلوا وقتا يذكر في ملاحقة الشركات الكبيرة والبنوك الاستثمارية». ويضيف «ما تم القيام به بشأن الاصلاحات التنظيمية الجديدة قليل جدا، لتصحيح الأمور».
قصة من قصص كثيرة
ان حقيقة أن جزءا كبيرا من قصة مادوف شائع جدا في «وول ستريت» بما تشمله من ملاذات ضريبية وصناديق سوداء وعائدات مبهمة غامضة، هي التي سمحت لمادوف ألا يكتشف أمره كل هذا الوقت. ولهذا السبب بث مادوف القشعريرة في المستثمرين على كل المستويات. فاذا كانت أفضل العقول وأكثرها تطورا وذكاء قد خدعت بسهولة، ومن خلال مخطط بسيط وبدائي يدار من قبل واحد منهم، فكيف يمكن لأي شخص يستثمر أمواله في النظام المالي الحديث أن يعرف بمن عليه أن يثق؟ وبسبب هذا السؤال المزعج والمثير للقلق لا يمكن لنا تجاهل مادوف حتى وهو يقبع في سجن في نورث كارولينا.
بداية تطبيق «بونزي»
يقول مادوف إنه بدأ ينزلق في عام 1992الى نظام بونزي مستخدما أموال الودائع الجديدة لدفع بعض الأرباح والعائدات. «أعتقدت أن بامكاني القيام بذلك. لقد فعلت ذلك! أخذت الأموال، فلنقل مليار دولار حينئذ، وكنت مقتنعا أنه حين يستقيم حال السوق سأتمكن من تغطية الأمر». لكن ذلك لم يحدث أبدا. ويضيف «نقطة التحول الحقيقية كانت عند 1991 فصاعدا. ومنذ ذلك الحين، بدأت الأمور تسوء أكثر فأكثر. قضيت الكثير من الوقت في التفكير في الموضوع، لكن الأمر يبدو لي كالفراغ الآن».
متى بدأ العمل بنظام بونزي تحديدا وبالدقة هو موضع خلاف ونزاع. فالقيّم الذي يسعي الى استرداد الأموال والأصول لصالح ضحايا مادوف، وهو ايرفنغ بيكارد، يقول إن عملية الاحتيال بدأت عام 1983. لكن مادوف ينكر ذلك ويقول في اللقاء مع «فايننشال تايمز» أنه في عقد الثمانينات، على الأقل كان يقوم بالكثير من التعاملات القانونية. وقد ابتدعت النيابة العامة هذه الفكرة التى تقول إننى قمت بكل تلك العمليات القانونية للتمويه على عمليات الاحتيال. وهذا خطأ. لقد تركت مليار دولار على الطاولة في النهاية. وكان لدي امكانية للوصول الى أي بنك سويسري أو بنك أوفشور في العالم لو أردت أخفاء الأموال. فالأمر لا يتعلق أبدا بالمال.
اجتذاب مشاهير
يقول مادوف «فعلت ذلك من أجلهم جميعا، الكثير من الناس المهمين جدا من فرنسا وغيرها، تلك المرأة من لوريال ومن كريستيان ديور والكثير الكثير غيرهم، لدرجة اننى أعجبت بنفسي حقا. لقد كانوا يحضرون الى مكتبي للالتقاء بي. لقد كانوا راغبين حقا في التعامل معي». تلك المرأة من لوريال التى أشار اليها مادوف هي ليليان بيتينكورت، واحدة من أكثر نساء أوروبا ثراء.
العائدات على صناديق مادوف الاستثمارية لم تكن مرتفعة بصورة استثنائية، اذ كانت عند حدود %10، الا أنها كانت ثابتة ومستقرة وهو ما يتناسب وطبيعة المستثمرين الأوربيين المحافظة. لكن لم يكن الجميع في أوروبا متحمسا للتعامل مع صندوقه: مصرف سوسيتيه جنرال، على سبيل المثال، بقي بعيدا عنه. بل أن البعض شكك بأن مادوف ربما يستخدم معلومات داخلية لمنحه «ميزة» على الآخرين. وهو ما زاد من جاذبيته عند الآخرين. «السويسريون اعتقدوا ذلك، فهم الأكثر تشككا بين الجميع»، كاشفا عن كراهية ونفور منهم نابع ربما من ارثه كيهودي وتعاطي بعض البنوك السويسرية مع ألمانيا النازية.
في الولايات المتحدة الأميركية، استخدم مادوف شبكة علاقاته القوية بين الأثرياء في المجتمع اليهودي لاستقطاب الأموال. وبحلول هذا الوقت، كان مادوف انتقل الى قلب «النادي» المالي الذي سخر منه سابقا. وعين رئيسا لمجلس ادارة مؤشر ناسداك ومجلس ادارة الودائع وشركة المقاصة، كما شغل منصب نائب رئيس مجلس ادارة الاتحاد الوطني لمتداولي الأوراق المالية، الجهاز التنظيمي الذاتي للصناعة.
16/04/2011
بروفايل القبس
يروي حكايته من وراء القضبان مادوف: مصرفيون ومراقبون شاركوني النصب والاحتيال
إلى إحدى جلسات المحاكمة
إعداد إيمان عطية
مضى أكثر من عامين منذ أن فوجئت الأسواق المالية باعتقال مدير العمليات المالية في «وول ستريت» بيرنارد مادوف الذي اعترف باكيا لأسرته بالنصب على المستثمرين، وحكم عليه بالسجن لمدة 150 عاما.
وفي مقابلة حصرية أجرتها معه «فايننشال تايمز» في السجن، وزع مادوف (72 عاما) اللوم والاتهامات، في عملية النصب الضخمة التي اقترفها وعرفت بنظام بونزي، على المصرفيين والقيمين على الأجهزة التنظيمية وبعض زملائه ومعاونيه القدامى في العمل.
ولم يقدم الممول الأميركي الموصوم بالعار ومهندس واحدة من أكبر عمليات النصب والاحتيال على الاطلاق، لم يقدم دليلا يذكر على ادعاءاته، واعترف بأنه كذب على المستثمرين والأقارب لأكثر من 16 عاما قبل أن يعترف عام 2008 بعملية احتيال بلغت قيمتها 65 مليار دولار.
ومع ذلك، يؤكد مادوف أن بنوكا، بما فيها «جي بي مورغان تشيس»، المصرف الأساسي لشركته بيرنارد لويس مادوف انفيستمنت سيكيوريتز، كانت تملك ما يكفي من المعلومات للكشف عن أي نشاط مشبوه.
«أنا لست مصرفيا، لكني أعرف أن دخول وخروج 100 مليار دولار من حساب مصرفي أمر ينبغي أن يثير الانتباه الى وجود خطب ما»، وفق ما يقول الى فايننشال تايمز في السجن الفدرالي الذي يقضي فيه محكوميته في بوتنر، في نورث كارولينا، مضيفا «كان لدى جي بي مورغان البيانات المالية كافة».
ويدعي مادوف «هناك مسؤولون كبار في البنك كانوا على علم بما كان يجري». ومع ذلك لم يسم أحدا منهم ولم يقدم تفاصيل اضافية.
وكان ايرفينغ بيكارد، القيم على تصفية شركة مادوف رفع في ديسمبر 2010 دعوى قضائية ضد جي بي مورغان، مطالبا بمبلغ 4. 6 مليارات دولار على أساس أن البنك تغاضى عمدا عن الاحتيال، وكان متواطئا في العملية. ويمثل بيكارد 2400 ضحية تشمل مئات الأثرياء والمؤسسات الخيرية والمؤسسات الأكاديمية. كما يقاضي بيكارد أكثر من عشرة بنوك في الولايات المتحدة وأوروبا وأصدقاء قدامى لمادوف وأقرباء له ساعيا لتحصيل أكثر من 100 مليار دولار.
ويقول مادوف «لا يملك جي بي موغان خيارا ولا فرصة حتى في الجحيم الا أن يدخل في تسوية كبيرة».
كما تنبأ مادوف أن تتم مقاضاة مصرفين آخرين من قبل بيكارد، وهما اتش اس بي سي ويو بي اس. فكما يقول « سيواجهان مشاكل كبيرة». ويسعي بيكارد الى تحصيل 9 مليارات دولار من اتش اس بي سي و2 مليار دولار من يو بي اس. وتنكر جميع البنوك ارتكابها لأي مخالفات أوعلمها بعملية النصب التي ارتكبها مادوف.
كما ادعى مادوف أن 4 من أوائل المستثمرين لديه وهم جيفري بيكاور وستانلي تشيس ونورمان ليفي وكارل شابيرو، ساعدوا في جلب مستثمرين الى شركته في أواخر الثمانينات عندما ادعى مادوف أنه واجه صعوبات في تفكيك المراكز المالية في الأسواق. «كانوا جميعا متواطئين، ولهذا السبب دخلوا في تسويات»، وفق مادوف.
ورفع بيكارد دعاوى قضائية على الرجال الأربعة أو ملكياتهم الخاصة. بيكاور متوفى وقد تم التوصل الى تسوية مع ملكياته الخاصة قوامها 7.2 مليارات دولار. وشابيرو، الذي لا يزال حيا، فقد عقد تسوية قيمتها 625 مليون دولار. بينما عقدت الملكية الخاصة بليفي تسوية بقيمة 220 مليون دولار وهو متوفى منذ 2005. أما تشيس فهو ميت وعائلته لم تدخل في تسوية. ويقول محامو الأربعة أن موكليهم لم يكونوا على دراية بعملية النصب التي ارتكبها مادوف.
بكى مادوف عند ذكر زوجته روث وابنه مارك الذي انتحر العام الماضي. وقال «لا شيء مما سأقول ينبغي أن يؤخذ على أنه مبرر أو ذريعة لسلوكي. انني أتحمل المسؤولية الكاملة عما اقترفت».
للمرة الثانية فقط يوافق مادوف على الالتقاء بصحفي في سجنه القابع في بلدة بوتنر في نورث كارولينا. ولا يسع المرء الا أن يتساءل ان كان هذا الرجل الذي بنى حياته المهنية على الأكاذيب سيقول الحقيقة في هذا اللقاء الحصري مع صحيفة فايننشال تايمز.
بغض النظر عن المرات التي نقرأ بها عن مادوف، لا يمكن لحكايته أن تفقد قدرتها على أن تصدم القارئ. فعلى مدى 16 عاما على الأقل، استطاع مادوف أن يخدع المستثمرين والأجهزة التنظيمية والبنوك والمعاونين. وقد جعل مخطط بونزي الذي اعتمد عليه في عملية احتياله والذي يقوم على دفع أرباح للمستثمرين القدامي من أموال يودعها مستثمرون جدد، جعل منه رجلا ثريا على نحو غير عادي. بلغ مقدار ما أخذه من رؤوس أموال من المستثمرين 20 مليار دولار من نبلاء أوروبيين وعمال أميركيين عاديين ومؤسسات خيرية بارزة ومن أفراد عائلته المقربين ومن الجالية اليهودية التي ينتمي اليها. لقد كان مخطط بونزي الذي هندسه مادوف الأكبر في التاريخ.
ومع ذلك لم يبد يوما على الرجل الذي أدار هذه العملية ملامح محتال. فهو رئيس مجلس الادارة الأسبق لسوق ناسداك للأسهم ورفيق للمنظمين ونائب رئيس مجلس الادارة الأسبق للاتحاد الوطني لمتداولي الأوراق المالية، الجهاز التنظيمي الذاتي لصناعته. عاش حياة مرفهة للغاية، متنقلا بين شقة على السقيفة (بينتهاوس) في نيويورك ومنزلين يقضي فيهما عطلاته في بالم بيتش ولونغ آيلاند ويسافر في طائرات خاصة ويخت يحمل اسم بول.
بدأ الحوار في قاعة الزوار في سجن اف سي آي بوتنر ميديوم الفيدرالي. سألناه عن حاله فأجاب «تماما كما هو متوقع». مضيفا في محاولة منه للسيطرة على الموقف «ضعوني أحدد القواعد الأساسية». فهو يعرف بالضبط ما الذي جاء بنا الى هنا: نريد أن نعرف ما هو دافع رجل يبدو كطبيب عائلة ودود الى التورط في عملية احتيال مدمرة؟.
بدأ يتحدث بلهجة نيويوركية غليظة «لا شيء مما سأقول يجب أن يؤخذ كتبرير لسلوكي. أتحمل كامل المسؤولية عن أفعالي. وكنت مدركا تماما لما كنت أقوم به». لم يهتز جسمه أبدا أثناء حديثه، وبدا جليا أنه مدرب جيدا على ما قال.
اذن، سألناه، لماذا فعلت ما فعلت؟ تنهد وقال «عليكم أن تفهموا تاريخي. لقد بدأت بـرأسمال قدره 500 دولار. لقد شهدت والدي وهو يفلس. كان لدي دائما دافع كبير. لكني كنت دوما خارج النادي، نادي بورصة نيويورك وشركات النخبة. لقد حاربوني في كل خطوة. هذا الجزء من القصة، على الأقل، صحيح تماما.
بدايته وشبابه
أبصر مادوف النور عام 1938 ابنا لرالف وسيلفيا مادوف، وهما زوجان يهوديان من كوينز في نيويورك. خلال معظم طفولته، أدار والده شركة للبضائع الرياضية حققت نجاحا معتدلا. لكن الشركة أخفقت عندما أصبح مادوف شابا يافعا، مما قوض الحياة المريحة التي كانت العائلة تحياها كعائلة من الطبقة المتوسطة.
التقى مادوف بروث ألبيرن، التي ستصبح زوجته لاحقا، في المدرسة الثانوية، وتمكن أن يدبر أمر التحاقه بالجامعة والعمل في الوقت ذاته في تركيب مرشات المياه لاعالة نفسه.
عبثت برأسه فكرة دخول «وول ستريت»، لكنه افترض أن من المستحيل على شخص مثله لا يملك تأهيلا جامعيا وأموالا عائلية أن يقتحم ذلك المكان. لذلك وفي عام 1960 أسس شركته الصغيرة للوساطة بيرنارد ال مادوف انفيستمنت سيكيوريتز، في مكتب استعاره من والد زوجته.
ولم تلفت شركته نظر أحد. وفي الستينات ركز مادوف على مجال عمل فرعي: فتح أسواق لحزم صغيرة من السندات. ومع مرور الوقت، نمت شركة بي ال ام آي اس، كما باتت تعرف لاحقا. ودخل عالما أكثر رفعة وبريستيجا، وهو عالم تداول الأسهم. ولاحقا وبمساعدة من شقيقه بيتر، أدخل ابتكار التكنولوجيا. وتقليديا، يدار عمل تداول الأسهم في «وول ستريت» من قبل ناد من الوسطاء الرجال، لكن في السبيعنات بدأ مادوف في استخدام الكمبيوتر. فكرهت الشركات التقليدية والوسطاء هذا الأمر. بل وكما يتذكر مادوف «عقدوا جلسة استماع في الكونغرس ضدي».
هو راوٍ بالولادة. فالكلمات تتدفق منه بحس من الايقاع والتوقيت بل وحتى النكتة. ومن الواضح أنه يأمل في أن يكون له يد في صياغة ارثه.
في بواكير الستينات بدأ مادوف في ادارة الأموال. وسرعان ما حصل على أربعة زبائن مرموقين: جيفري بيكاور، وهو مستثمر من نيويورك وستانلي تشيس، مستثمر آخر، ونورمان ليفي مطور عقاري، وكارل شابيرو، صاحب مصنع للملابس في بوسطن. وهؤلاء الأربعة هم من سيصبحون أكبر المستفيدين من نظام بونزي الذي استخدمه مادوف، حاصدين أموالا تفوق بكثير ما حصلت عليه عائلة مادوف نفسها. بيكاور وحده حصد مبلغا يسيل له اللعاب بلغ 2. 7 مليارات دولار على مدار سنوات. لكن مادوف يصر على أنه كان يحقق الأرباح فعلا خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
أرباح السبعينات والثمانينات
ومن غير الواضح ما الذي جذب أولئك الرجال المتنفذين الى شركة مادوف التي لم يكن قد مضى وقت طويل على تأسيسها. فأربعتهم لم يكونوا جميعا أصدقاء. وربما لعبت الاثنية دورا في الموضوع: فجميعهم، كما هو مادوف يهود. الا أن هناك عاملا آخر ذا طابع عملي يتمثل في الضرائب. ففي السبعينات والثمانينات، كان معدل الضريبة مرتفعا على نحو حاد، مما دفع بالعديد من العائلات الثرية الى البحث عن أساليب مبتكرة لتقليص فاتورة الضرائب التي يتعين عليهم دفعها. أحد تلك الخيارات المتاحة حينئذ هو الاستثمار في سوق الأسهم، كون مكاسب رأس المال طويلة الأجل لم تكن تخضع للضريبة بقدر الأرباح القصيرة الأجل.
وكما يقول مادوف، نجحت تلك الاستراتيجية طوال عقد الثمانينات من العقد الماضي. واشترى مراكز مالية طويلة الأجل لزبائنه الأربعة وبعض الزبائن الجدد وحقق عائدات كبيرة. «دخلت السوق في الوقت المناسب. لذلك حققوا مكاسب طويلة الأجل. كانوا فقط يؤجلون دفع الضرائب ويمددونها».
ثم ساءت الأمور «كان كل شيء يسير على ما يرام الى أن انهار السوق عام 1987 ودخل أولئك الناس في دوامة ذعر كاملة. وبدأت المكاسب الطويلة الأجل تتبخر. لكنهم رفضوا التخارج، لقد كانوا جشعين»، وفق مادوف.
تخارجات وأزمات
ويقول مادوف انه طلب منهم الاحتفاظ بمراكزهم المالية الى أن تتعافي السوق. لكن السلطات الأميركية شددت قانون الضرائب عام 1986. مما جعل بعض العائلات ترغب في تصفية وتسييل بعض ممتلكاتها. وهو ما كان صعبا، وفق رأيه. ذلك أنه حين استثمر في سوق الأسهم الأميركية، تحوط أو حمى مراكز المالية من خلال تداولات في الاتجاه المعاكس مع مستثمرين آخرين، لاسيما في أوروبا. وهي تعاملات ، كما يدعي لم يكن من السهل تفكيكها بسرعه، الأمر الذي تركه عالقا. ويضيف بحسرة عميقة «كنت عالقا في عمليات تحوط طويلة الأجل في أوروبا وكنت تحت رحمتهم. لذلك لم يكن أمامي سوى أن أبحث عن زبائن جدد».
ووفق مادوف فان زبائنه الأربعة الكبار تحمسوا لمساعدته، وبعثوا بأصدقائهم له «بيكاور وشابيرو أرسلا لي زبائن، وليفي بعث لي بالكثير منهم، ان له صندوقا استثماريا في مصرفه».
لم يكن أولئك الرجال الأربعة المصدر الوحيد للمال. في 1992، أغلقت «أفيلنو آند بينيز» وهي شركة كانت تحول الأموال اليه، بعد تحقيق هيئة البورصة والأوراق المالية معها لاستخدامها نظام بونزي. وقد تأسست الشركة على يد رجلين كانا يعملان لدى شاول ألبيرن، والد زوجة مادوف. وكما يقول « تلقيت مئات المكالمات الهاتفية من زبائن الشركة، وكان لديهم زبائن يملكون رؤوس أموال قيمتها 500 ألف دولار ممن أرادوا الاستثمار في شركتي. لذلك وضعت حدا أدني قدره 500 ألف دولار للاستثمار. وفي غضون ما يزيد على الشهر بقليل جلبت الكثير من الزبائن الجدد الى شركتي».
استراتيجية لصندوق الأسود
مع تدفق أموال جديدة، يصر مادوف على أنه خطط للاستمرار في استخدام استراتيجية استثمار قانونية، والتي استندت الى ما يسمى بـ «الصندوق الأسود»، وهي تقنية معقدة تستند الى حوسبة الخوارزميات في اختيار التداولات. ويقول مفسرا «اعتقدت اذن أننى سأجمع محفظة تضم أسهما مدرجة في مؤشر ستنادرد آند بورز 500 بانكشاف نسبته 85% ثم استخدم مراكز في مؤشر ستاندرد آند بورز 100 كتحوط».
وقد يبدو هذا النوع من المصطلحات غير مفهوم وغامض بالنسبة لغير المصرفيين، لكنه عادي تماما وذو مصداقية في وول ستريت. وطرحه مادوف بدقة تامة. فهل يكذب؟ من المستحيل التأكد من ذلك، لكنه أصبح في منتهى الحيوية وهو يتحدث عن الأمر.
يتابع مادوف«المشكلة في صندوقي الأسود أنه لكي يعمل كان بحاجة الى عوامل ثلاثة وهي التقلب والحجم والزخم. وبالطبع لم نحصل على ذلك». بعد وقت قصير على تدفق أموال جديـدة الى شركته، أصبحت الأسواق راكدة الأمر الذي أعاق استراتيجية «الصندوق الأسود» عن تحقيق الأرباح. بينما توقع زبائنه الجدد عائدات سخية وسرعان ماباتوا يطالبون باسترداد أموالهم.
بذخ وغرور
أن تسمع مادوف وهو يقول ان الأمر لا يتعلق بالمال أمر يصيب بالعجب على نحو لا يحتمل. اذ كان يعيش حياة ترف وبذخ الى أبعد الحدود، وبعد الكشف عن عملية النصب، اكتشفت السلطات 75 مليون دولار في حساب مصرفي في جبل طارق ومجوهرات بملايين الدولار وممتلكات فاحشة الفخامة. وكانت تلك شواهد على كم تكبد مادوف شخصيا من خسائر. وكان مادوف عضوا في مجلس ادارة جامعة ياشيفا وله حضور دائم في حفلات المؤسسات الخيرية في مانهاتن. و يقضي مع زوجته روث عطلاتهما في مونت كارلو حيث كان يحلو لها التسوق هناك.
سألناه لماذا لم يعد الأموال اذن الى المستثمرين. بعد كل شيء، وكما يقول كان في 1992، قد أصبح رجلا ثريا الى حد ما. ويفسر قائلا «الغرور» ضع نفسك مكاني، فبعد أن تقضي حياتك المهنية كلها خارج «النادي» وفجأة تبدأ جميع البنوك الكبيرة، دويتشه بنك وكريديت سويس، ورؤساءها بطرق بابك وسؤالك، هل يمكنك أن تفعل هذا لي؟».
ثم تمتم قائلا «لقد كنت تحت ضغط كبير جدا وكنت محرجا. لقد كانت المرة الأولى في حياتي التي أخفق فيها. لقد كنت مغفلا! منذ بداية التسعينات لم يكن هناك تعاملات أو تداول. كانت مجرد أوراق. لكن دعني أقل لكما شيئا، مضيفا بقوة «لقد بدا كل شيء حقيقيا».
لا تداولات
ان انتقال مادوف الى قلب النادي المالي وشغله مناصب عديدة لم يمنع المسؤولين في الجهاز التنظيمي من مراقبته. كما تساءل بعض منافسيه عن سبب ثبات عوائد صندوقه لهذه الدرجة. «في عام 2002 تلقيت اتصالا من هيئة البورصة والأوراق المالية، الذين انتابهم شك من كوني ربما واجهة لأمر ما غير قانوني» يقول في اشارة الى التداول بناء على المعلومات الداخلية. ويضيف «ضحكت في داخلي يومها، لأني أعرف أنى لا أقوم بذلك كوني ببساطة لا أقوم بأي تداولات».
كما انتابت هاري ماركوبولوس، مدير صندوق استثماري، شكوك كبيرة لدرجة دفعته الى رفع تقارير الى هيئة البورصة والأوراق المالية، مشيرا في التقرير الذي رفعه الى أن مادوف كان يدير نظام بونزي. ويعلق مادوف على هذا الأمر بغضب «ماركوبولوس كان أكبر معتوه في العالم. كان يدير صندوقا لم يحقق أي أرباح وتخلى عنه زبائنه لذلك اتصل بالمنظمين».
سمعة ذهبية
لكن المنظمين لم يفعلوا شيئا. فكما يقول مادوف «يتلقى المنظمون اتصالات على الدوام. ولم يجروا تحقيقا لأن سمعتي كانت حينها كالذهب وكنت أتمتع بمصداقية عالية. لم يكن أحد ليصدق حينئذ أنني سأرتكب فعلا كهذا. ولماذا سأفعل ذلك؟ الحماقة، هذا هو السبب. لكن تذكروا أنه حين كان يسأل الناس عن الاستراتيجية، كانت منطقية. لقد كنت مستثمرا كبيرا وأتمتع بالمصداقية».
تقنيات معقدة
أن يتم تقبل عائدات صندوقه البعيدة الاحتمال دون التفكير في الموضوع وبمنطقيته لم يكن بالأمر المستغرب جدا. ففي جميع أنحاء وول ستريت، كان العديد من الصناديق الاستثمارية الأخرى يمارس أيضا استراتيجيات «الصندوق الأسود» الغامضة في ذلك الوقت. كما قدمت أيضا عائدات مرتفعة باستخدام تقنيات الحاسب الآلي التي لا يفهمها حقيقة الا عدد قليل جدا من المستثمرين. «هل يعرف أحد كيف يحقق، فلنقل، رينياسانس، أرباحه فعليا؟»، يسأل مادوف بأسلوب خطابي، في اشارة الى صندوق التحوط واسع النجاح.
وخدع مادوف حتى أولئك الذين يديرون برامجهم الخاصة المعقدة للاستثمار. فكما يقول « كان لي، من خلال الصناديق الاستثمارية، علاقات ببعض رؤساء أكبر مكاتب التداول في وول ستريت ممن لديهم القدرة على الوصول الى جميع البيانات. وكان لدي شركاء كبار في غولدمان ساكس». وفي الواقع، فان جيمس سايمونز، مؤسسس رينياسانس تيكنولوجيز، هو من وجه مؤسسة جامعة ستوني بروك، التي كان عضوا في مجلس ادارتها، للاستثمار في صندوق مادوف.
«لم يعتقد أي من أولئك الرجال أنني أدير عملية نصب واحتيال»، يقول بشماتة، ونبرة من الازدراء تبدو في صوته « اذا كيف تتوقع من السيدة غرين من فورت لودرديل في فلوريدا أن تنتبه وترصد مؤشرات الخطر؟».
أين الراحة؟
لكن كيف يشعر حيال تدمير حياة كل أولئك الناس العاديين، وجميع من هم على شاكلة «السيدة غرين» الأبرياء؟ هل يشعر بالمتعة أم الانتقام في هذا؟ هز رأسه وقال «لقد كنت خائفا لدرجة الموت. لا يوجد أي احساس بالراحة في هذا الأمر».
فجأة تلاشى مادوف الراوي وبدأ يتحدث بروية وحذر «قضيت وقتا طويلا مع طبيب نفساني (في السجن) وهو ما لم أفعله من قبل في حياتي، لأتمكن من معرفة كيف تسنى لي القيام بما قمت به. هناك رجال المافيا الذين يقتلون الناس طوال الوقت ويقومون بأفعال مروعة ثم يذهبون الى عائلاتهم وكأن شيئا لم يكن. وكنت أتساءل كيف يمكن للجنود في الحروب أن يطلقوا النار على الناس. لكن كل ما في الأمر هو أنك تستطيع فصل الأشياء وتجزئتها في حياتك».
فحصوا سجلاتي.. وغابت عنهم أشياء وأشياء
كما يسخر بعمق من باقي الجهات في وول ستريت، مشيرا الى البنوك الكبيرة التي لم تدر أمواله وسيولته النقدية فحسب، بل سوقت أيضا صناديقه الاستثمارية بين المستثمرين. «يو بي اس واتش اس بي سي سوف يواجهان مشاكل كبيرة، بيكارد يقاضي جميع تلك البنوك ويعتقد أن بامكانه أن يحصل على 50 مليار دولار أو نحو ذلك. لقد جلس مسؤولو اتش اس بي سي هناك في شركتنا مرتين، جلسوا وبحثوا في دفاتري وسجلاتي، لمدة أسبوعين ومع ذلك غابت عنهم أمور كثيرة. ان الفارق الكبير بين البنوك والصناديق الكبيرة والزبائن العاديين هو أن البنوك والصناديق لديها كل المعلومات من السجلات، بينما الزبائن العاديون لا يملكون تلك المعلومات. برايس ووترهاوس كانت تأتي الى مكتبي مرة في السنة وفحصت كل شيء».
يقول مصرف يو بي اس انه لم يكن على دراية بالمخالفات التي ارتكبها مادوف. كما قال مصرف اتش اش بي سي انه لم يعرف بارتكاب عملية الاحتيال تلك وأنه خسر مليار دولار من أمواله نتيجة لذلك. ولم يسوق اتش اس بي سي صناديق مادوف لزبائنه بينما فعل ذلك يو بي اس وغيره من البنوك.
مأساة العائلة
ومع اقتراب المقابلة من نهايتها، لامسنا مسألة حساسة: الضرر الهائل الذي لحق بعائلته. في نهاية 2008، أدرك مادوف أن نهايته اقتربت. فبعد الانهيار المالي، أصبح من الصعب جمع أموال جديدة وبات زبائنه القدامى يطالبون باسترداد أموالهم. بعض المراقبون تنبأوا بأن الغضب الذي ينتاب أولئك الزبائن ربما يحمل في طياته عناصر جنائية. لكن مادوف ينكر ذلك «لقد سلمت نفسي لأنه لم يكن أمامي خيار آخر، وحياتي لم تكن أبدا مهددة».
وبحلول مطلع ديسمبر 2008، واجه مادوف مطالبات باسترداد أموال قيمتها 7 مليارات دولار لم يكن يملكها. وفي 10 ديسمبر، أي في ليلة احتفال الشركة بالكريسماس، لاحظ ابناه أن شيئا ما لم يكن على ما يرام، وكما يصف الأمر مادوف «كنت في غيبوبة. وهو شيء لم يرياه من قبل أبدا». ومن ثم توجه مادوف وابناه وأخاه وزوجته روث الى منزلهم الفخم في ايست سايد، حيث أخبرهم أن ثروة العائلة مبنية على النصب والاحتيال. «كنت أبكي وهم يبكون». ويقول مادوف انه لم يفكر أبدا في الهروب. «ففي النهاية شعرت بالراحة. فالضغط الذي عشت في ظله خلال السنوات الـ 16 الأخيرة كان لا يحتمل. كم كنت أتمنى لو أنهم اعتقلوني مبكرا».
براءة العائلة
يصر مادوف على أن زوجته وأخاه وابنيه لم يكونا على علم أبدا بعمليات الاحتيال والنصب. ورغم أن ابنيه عملا في شركة العائلة فانهما كانا في دائرة منفصلة. وكما يقول «لم يكن ابناي وأخي جزءا مما حدث فهم لم يحبوا التعامل مع العمليات الخاصة بالزبائن الأفراد».
ويقول ان سونغا كون، الاسترالية التي حولت 9 مليارات دولار الى مادوف من زبائن أوروبيين على امتداد سنوات، لا تتحمل أي لوم في ما حدث، رغم ادعاء الوصي في القضية المرفوعة أنها كانت «توأم روحه الجنائية». ويضيف «لم يكن هناك أي شيء غامضا وخفيا بشأنها. هل كانت تعرف ما يدور؟ لم تعرف أكثر من أي زبون آخر».
كما يصر أن فريد ويلبون، مالك فريق نيويورك ميتس للبيسبول وشريكه في الشركة شاول كاتز «لا يعرفان بالأمر أيضا»، على الرغم من أن الرجلين هما الآن محور تحقيق من قبل الوصي على القضية.
ويقع ستيفن رافين، الذي أدار عمليات بيرنارد ال مادوف انفيستمينت سيكيوريتز في لندن، في الدائرة نفسها كونه «لم يكن أحد في لندن لديه دليل»، وفق مادوف. مضيفا «ستيفن رافين هو شخص انكليزي نموذجي وكان رجلا لطيفا. كل ما أراده هو أن يتم قبوله في النوادي المناسبة. ولم يتجاوز أبدا فكرة أنه لم يذهب الى الجامعة المناسبة».
لكن مادوف يكرر مرة أخرى أن آخرين ومنهم الزبائن الأربعة الكبار، كانوا متواطئين. «لا أشعر بالأسف والأسى حيال أولئك الأربعة، ذلك أنهم دفعوني دفعا الى الأمر. لقد عرفوا أنهم امتلكوني وشعروا أنني لن أعيد الأموال أبدا».
أجرى اللقاء:
ديفيد جيليس - المراسل المتخصص في الاعلام والتسويق في الولايات المتحدة، وجيليان تيت - مديرة التحرير لفايننشال تايمز في الولايات المتحدة
تواطؤ جماعي
بمجرد أن يبدأ نظام بونزي في العمل، فان ذلك يتطلب تدفقا مستمرا من السيولة الجديدة. بدأ مادوف في استقبال زبائن يبعث بهم المستثمرون القدامي لديه الذين كانوا ميالين للابقاء على أموالهم عنده بسبب العائدات الثابتة. وفي مرحلة معينة، دون أن يوضح أبدا مادوف متى كانت تلك المرحلة، توقف التداول الحقيقي تماما وبدأ بتزوير سجلات التداول الخاصة بالزبائن. ويقول أن بيكاور وتشيس وليفي وشابيرو، زبائنه الأربعة الكبار، كانوا يعرفون أن شيئا ما ليس على صواب. فكما يفسر « كانوا متواطئين جميعا». ولا يمكن تأكيد اتهامات مادوف. اذ لم يتم توجيه اتهامات بارتكاب مخالفات جنائية الى أي من العائلات الأربعة.
من الناحية الظاهرية، بدت عملية النصب حقيقية لدرجة أنها جذبت تدفقا ثابتا من المستثمرين الجدد، ولم تقتصر على الولايات المتحدة فحسب. فبحسب مادوف، كان هناك مستثمرون أثرياء على طرفي الأطلسي متحمسون لاستخدام خدماته لتفادي القواعد والقوانين المحلية. في فرنسا، على سبيل المثال، استثمر زبائن أثرياء معه في البداية من أجل تجنب القوانين التى تمنعهم من اخراج العملة الفرنسية.
حركة المليارات .. أين انتباه البنوك؟
من وجهة نظر مادوف، فان «جي بي مورغان» تشوهت سمعته بواقع الاندماج مع مصرف تشيس. ففي الفترة التى سبقت اندماج «جي بي مورغان» مع «تشيس مانهاتن» عام 2001، كان يودع مادوف أمواله في حسابات مصرفية في تشيس. وكذلك فعل بعض زبائنه الأوائل مثل ليفي. لكن البنك لم يدق أبدا جرس الانذار. ويقول في اصرار «أنا لست مصرفيا، لكني أعرف أن دخول مليارات الدولارات وخروجها من حساب مصرفي أمر لا بد أن يثير انتباهك. فلديهم في البنك جميع البيانات المالية وكان بمقدورهم أن يروا أنني كنت أستخدمهم كحافظ أو قيم عليها ومع ذلك لم يشكوا في ذلك قط».
ويعود ذلك، في جزء منه،كما يقول الى أن أيا من تلك البنوك يتجرأ على تحدي ومواجهة رجال متنفذين مثل ليفي. «نورمان ليفي كان رجلا ذا نفوذ اقتصادي كبير. كان رجلا قويا في مجال العقار والجميع كان يخشاه».
وحتى وقت قريب، صمم مصرف جي بي مورغان منتجات مهيكلة مرتبطة بصناديق مادوف باعها الى المستثمرين. وفي السنة التي سبقت انهيار مادوف، دق بعض المسؤولين جرس الانذار داخل البنك، وقبل فترة وجيزة على انكشاف عملية الاحتيال سحب البنك مبلغا قيمته 250 مليون دولار من صناديق مرتبطة بمادوف. لكن البنك لم يتحدث أبدا عن الأمر علانية، رغم عدم قدرة المسؤولين فيه على القيام بتحقيق وفحص كامل للدفاتر.
ويقول مادوف «لا يملك جي بي مورغان فرصة من الجحيم ولا خيارا الا أن يقوم بتسوية كبيرة. ومنه ستأتي أموال تسوية بيكارد. كان هناك موظفون في البنك يعرفون ما كان يجري». أما «جي بي مورغان» فيقول ان تأكيد مادوف واصراره على أن موظفيه كانوا على علم بما يجري أمر زائف، وأنه (البنك) امتثل لجميع القوانين والقواعد المعمول بها عندما تولى مسؤولية الحسابات المالية لمادوف.
تفتيش «خرطي»
سخر مادوف وازدرى القوانين واللوائح. ففي العقدين الماضيين سجلت هيئة البورصات والأوراق المالية ست شكاوى ضد شركة بيرنارد مادوف انفيستمينت سيكيوريتيز، شملت اتهامات محددة بأنه كان يدير برنامج بونزي. ويقول عن ذلك «خلال 50 عاما جاءني 100 مفتش ومحقق من هيئة البورصة والأوراق المالية وNASD واعتبرت شركتي، لاشك أنهم محرجون الآن، اعتبرت شركة نموذجية. وقد اعتقدوا أنني مقرب جدا من المنظمين».
ثم ضحك ضحكة ذابلة وقال «ان مأخذي على العاملين في الأجهزة التنظيمية وهيئة البورصة والأوراق المالية الذي يعود الى الفترة التى بدأت فيها عملي هو شعوري بأنهم يقضون وقتا طويلا في ملاحقة المخالفات البسيطة من دون أن يبذلوا وقتا يذكر في ملاحقة الشركات الكبيرة والبنوك الاستثمارية». ويضيف «ما تم القيام به بشأن الاصلاحات التنظيمية الجديدة قليل جدا، لتصحيح الأمور».
قصة من قصص كثيرة
ان حقيقة أن جزءا كبيرا من قصة مادوف شائع جدا في «وول ستريت» بما تشمله من ملاذات ضريبية وصناديق سوداء وعائدات مبهمة غامضة، هي التي سمحت لمادوف ألا يكتشف أمره كل هذا الوقت. ولهذا السبب بث مادوف القشعريرة في المستثمرين على كل المستويات. فاذا كانت أفضل العقول وأكثرها تطورا وذكاء قد خدعت بسهولة، ومن خلال مخطط بسيط وبدائي يدار من قبل واحد منهم، فكيف يمكن لأي شخص يستثمر أمواله في النظام المالي الحديث أن يعرف بمن عليه أن يثق؟ وبسبب هذا السؤال المزعج والمثير للقلق لا يمكن لنا تجاهل مادوف حتى وهو يقبع في سجن في نورث كارولينا.
بداية تطبيق «بونزي»
يقول مادوف إنه بدأ ينزلق في عام 1992الى نظام بونزي مستخدما أموال الودائع الجديدة لدفع بعض الأرباح والعائدات. «أعتقدت أن بامكاني القيام بذلك. لقد فعلت ذلك! أخذت الأموال، فلنقل مليار دولار حينئذ، وكنت مقتنعا أنه حين يستقيم حال السوق سأتمكن من تغطية الأمر». لكن ذلك لم يحدث أبدا. ويضيف «نقطة التحول الحقيقية كانت عند 1991 فصاعدا. ومنذ ذلك الحين، بدأت الأمور تسوء أكثر فأكثر. قضيت الكثير من الوقت في التفكير في الموضوع، لكن الأمر يبدو لي كالفراغ الآن».
متى بدأ العمل بنظام بونزي تحديدا وبالدقة هو موضع خلاف ونزاع. فالقيّم الذي يسعي الى استرداد الأموال والأصول لصالح ضحايا مادوف، وهو ايرفنغ بيكارد، يقول إن عملية الاحتيال بدأت عام 1983. لكن مادوف ينكر ذلك ويقول في اللقاء مع «فايننشال تايمز» أنه في عقد الثمانينات، على الأقل كان يقوم بالكثير من التعاملات القانونية. وقد ابتدعت النيابة العامة هذه الفكرة التى تقول إننى قمت بكل تلك العمليات القانونية للتمويه على عمليات الاحتيال. وهذا خطأ. لقد تركت مليار دولار على الطاولة في النهاية. وكان لدي امكانية للوصول الى أي بنك سويسري أو بنك أوفشور في العالم لو أردت أخفاء الأموال. فالأمر لا يتعلق أبدا بالمال.
اجتذاب مشاهير
يقول مادوف «فعلت ذلك من أجلهم جميعا، الكثير من الناس المهمين جدا من فرنسا وغيرها، تلك المرأة من لوريال ومن كريستيان ديور والكثير الكثير غيرهم، لدرجة اننى أعجبت بنفسي حقا. لقد كانوا يحضرون الى مكتبي للالتقاء بي. لقد كانوا راغبين حقا في التعامل معي». تلك المرأة من لوريال التى أشار اليها مادوف هي ليليان بيتينكورت، واحدة من أكثر نساء أوروبا ثراء.
العائدات على صناديق مادوف الاستثمارية لم تكن مرتفعة بصورة استثنائية، اذ كانت عند حدود %10، الا أنها كانت ثابتة ومستقرة وهو ما يتناسب وطبيعة المستثمرين الأوربيين المحافظة. لكن لم يكن الجميع في أوروبا متحمسا للتعامل مع صندوقه: مصرف سوسيتيه جنرال، على سبيل المثال، بقي بعيدا عنه. بل أن البعض شكك بأن مادوف ربما يستخدم معلومات داخلية لمنحه «ميزة» على الآخرين. وهو ما زاد من جاذبيته عند الآخرين. «السويسريون اعتقدوا ذلك، فهم الأكثر تشككا بين الجميع»، كاشفا عن كراهية ونفور منهم نابع ربما من ارثه كيهودي وتعاطي بعض البنوك السويسرية مع ألمانيا النازية.
في الولايات المتحدة الأميركية، استخدم مادوف شبكة علاقاته القوية بين الأثرياء في المجتمع اليهودي لاستقطاب الأموال. وبحلول هذا الوقت، كان مادوف انتقل الى قلب «النادي» المالي الذي سخر منه سابقا. وعين رئيسا لمجلس ادارة مؤشر ناسداك ومجلس ادارة الودائع وشركة المقاصة، كما شغل منصب نائب رئيس مجلس ادارة الاتحاد الوطني لمتداولي الأوراق المالية، الجهاز التنظيمي الذاتي للصناعة.
16/04/2011
بروفايل القبس
يروي حكايته من وراء القضبان مادوف: مصرفيون ومراقبون شاركوني النصب والاحتيال
إلى إحدى جلسات المحاكمة
إعداد إيمان عطية
مضى أكثر من عامين منذ أن فوجئت الأسواق المالية باعتقال مدير العمليات المالية في «وول ستريت» بيرنارد مادوف الذي اعترف باكيا لأسرته بالنصب على المستثمرين، وحكم عليه بالسجن لمدة 150 عاما.
وفي مقابلة حصرية أجرتها معه «فايننشال تايمز» في السجن، وزع مادوف (72 عاما) اللوم والاتهامات، في عملية النصب الضخمة التي اقترفها وعرفت بنظام بونزي، على المصرفيين والقيمين على الأجهزة التنظيمية وبعض زملائه ومعاونيه القدامى في العمل.
ولم يقدم الممول الأميركي الموصوم بالعار ومهندس واحدة من أكبر عمليات النصب والاحتيال على الاطلاق، لم يقدم دليلا يذكر على ادعاءاته، واعترف بأنه كذب على المستثمرين والأقارب لأكثر من 16 عاما قبل أن يعترف عام 2008 بعملية احتيال بلغت قيمتها 65 مليار دولار.
ومع ذلك، يؤكد مادوف أن بنوكا، بما فيها «جي بي مورغان تشيس»، المصرف الأساسي لشركته بيرنارد لويس مادوف انفيستمنت سيكيوريتز، كانت تملك ما يكفي من المعلومات للكشف عن أي نشاط مشبوه.
«أنا لست مصرفيا، لكني أعرف أن دخول وخروج 100 مليار دولار من حساب مصرفي أمر ينبغي أن يثير الانتباه الى وجود خطب ما»، وفق ما يقول الى فايننشال تايمز في السجن الفدرالي الذي يقضي فيه محكوميته في بوتنر، في نورث كارولينا، مضيفا «كان لدى جي بي مورغان البيانات المالية كافة».
ويدعي مادوف «هناك مسؤولون كبار في البنك كانوا على علم بما كان يجري». ومع ذلك لم يسم أحدا منهم ولم يقدم تفاصيل اضافية.
وكان ايرفينغ بيكارد، القيم على تصفية شركة مادوف رفع في ديسمبر 2010 دعوى قضائية ضد جي بي مورغان، مطالبا بمبلغ 4. 6 مليارات دولار على أساس أن البنك تغاضى عمدا عن الاحتيال، وكان متواطئا في العملية. ويمثل بيكارد 2400 ضحية تشمل مئات الأثرياء والمؤسسات الخيرية والمؤسسات الأكاديمية. كما يقاضي بيكارد أكثر من عشرة بنوك في الولايات المتحدة وأوروبا وأصدقاء قدامى لمادوف وأقرباء له ساعيا لتحصيل أكثر من 100 مليار دولار.
ويقول مادوف «لا يملك جي بي موغان خيارا ولا فرصة حتى في الجحيم الا أن يدخل في تسوية كبيرة».
كما تنبأ مادوف أن تتم مقاضاة مصرفين آخرين من قبل بيكارد، وهما اتش اس بي سي ويو بي اس. فكما يقول « سيواجهان مشاكل كبيرة». ويسعي بيكارد الى تحصيل 9 مليارات دولار من اتش اس بي سي و2 مليار دولار من يو بي اس. وتنكر جميع البنوك ارتكابها لأي مخالفات أوعلمها بعملية النصب التي ارتكبها مادوف.
كما ادعى مادوف أن 4 من أوائل المستثمرين لديه وهم جيفري بيكاور وستانلي تشيس ونورمان ليفي وكارل شابيرو، ساعدوا في جلب مستثمرين الى شركته في أواخر الثمانينات عندما ادعى مادوف أنه واجه صعوبات في تفكيك المراكز المالية في الأسواق. «كانوا جميعا متواطئين، ولهذا السبب دخلوا في تسويات»، وفق مادوف.
ورفع بيكارد دعاوى قضائية على الرجال الأربعة أو ملكياتهم الخاصة. بيكاور متوفى وقد تم التوصل الى تسوية مع ملكياته الخاصة قوامها 7.2 مليارات دولار. وشابيرو، الذي لا يزال حيا، فقد عقد تسوية قيمتها 625 مليون دولار. بينما عقدت الملكية الخاصة بليفي تسوية بقيمة 220 مليون دولار وهو متوفى منذ 2005. أما تشيس فهو ميت وعائلته لم تدخل في تسوية. ويقول محامو الأربعة أن موكليهم لم يكونوا على دراية بعملية النصب التي ارتكبها مادوف.
بكى مادوف عند ذكر زوجته روث وابنه مارك الذي انتحر العام الماضي. وقال «لا شيء مما سأقول ينبغي أن يؤخذ على أنه مبرر أو ذريعة لسلوكي. انني أتحمل المسؤولية الكاملة عما اقترفت».
للمرة الثانية فقط يوافق مادوف على الالتقاء بصحفي في سجنه القابع في بلدة بوتنر في نورث كارولينا. ولا يسع المرء الا أن يتساءل ان كان هذا الرجل الذي بنى حياته المهنية على الأكاذيب سيقول الحقيقة في هذا اللقاء الحصري مع صحيفة فايننشال تايمز.
بغض النظر عن المرات التي نقرأ بها عن مادوف، لا يمكن لحكايته أن تفقد قدرتها على أن تصدم القارئ. فعلى مدى 16 عاما على الأقل، استطاع مادوف أن يخدع المستثمرين والأجهزة التنظيمية والبنوك والمعاونين. وقد جعل مخطط بونزي الذي اعتمد عليه في عملية احتياله والذي يقوم على دفع أرباح للمستثمرين القدامي من أموال يودعها مستثمرون جدد، جعل منه رجلا ثريا على نحو غير عادي. بلغ مقدار ما أخذه من رؤوس أموال من المستثمرين 20 مليار دولار من نبلاء أوروبيين وعمال أميركيين عاديين ومؤسسات خيرية بارزة ومن أفراد عائلته المقربين ومن الجالية اليهودية التي ينتمي اليها. لقد كان مخطط بونزي الذي هندسه مادوف الأكبر في التاريخ.
ومع ذلك لم يبد يوما على الرجل الذي أدار هذه العملية ملامح محتال. فهو رئيس مجلس الادارة الأسبق لسوق ناسداك للأسهم ورفيق للمنظمين ونائب رئيس مجلس الادارة الأسبق للاتحاد الوطني لمتداولي الأوراق المالية، الجهاز التنظيمي الذاتي لصناعته. عاش حياة مرفهة للغاية، متنقلا بين شقة على السقيفة (بينتهاوس) في نيويورك ومنزلين يقضي فيهما عطلاته في بالم بيتش ولونغ آيلاند ويسافر في طائرات خاصة ويخت يحمل اسم بول.
بدأ الحوار في قاعة الزوار في سجن اف سي آي بوتنر ميديوم الفيدرالي. سألناه عن حاله فأجاب «تماما كما هو متوقع». مضيفا في محاولة منه للسيطرة على الموقف «ضعوني أحدد القواعد الأساسية». فهو يعرف بالضبط ما الذي جاء بنا الى هنا: نريد أن نعرف ما هو دافع رجل يبدو كطبيب عائلة ودود الى التورط في عملية احتيال مدمرة؟.
بدأ يتحدث بلهجة نيويوركية غليظة «لا شيء مما سأقول يجب أن يؤخذ كتبرير لسلوكي. أتحمل كامل المسؤولية عن أفعالي. وكنت مدركا تماما لما كنت أقوم به». لم يهتز جسمه أبدا أثناء حديثه، وبدا جليا أنه مدرب جيدا على ما قال.
اذن، سألناه، لماذا فعلت ما فعلت؟ تنهد وقال «عليكم أن تفهموا تاريخي. لقد بدأت بـرأسمال قدره 500 دولار. لقد شهدت والدي وهو يفلس. كان لدي دائما دافع كبير. لكني كنت دوما خارج النادي، نادي بورصة نيويورك وشركات النخبة. لقد حاربوني في كل خطوة. هذا الجزء من القصة، على الأقل، صحيح تماما.
بدايته وشبابه
أبصر مادوف النور عام 1938 ابنا لرالف وسيلفيا مادوف، وهما زوجان يهوديان من كوينز في نيويورك. خلال معظم طفولته، أدار والده شركة للبضائع الرياضية حققت نجاحا معتدلا. لكن الشركة أخفقت عندما أصبح مادوف شابا يافعا، مما قوض الحياة المريحة التي كانت العائلة تحياها كعائلة من الطبقة المتوسطة.
التقى مادوف بروث ألبيرن، التي ستصبح زوجته لاحقا، في المدرسة الثانوية، وتمكن أن يدبر أمر التحاقه بالجامعة والعمل في الوقت ذاته في تركيب مرشات المياه لاعالة نفسه.
عبثت برأسه فكرة دخول «وول ستريت»، لكنه افترض أن من المستحيل على شخص مثله لا يملك تأهيلا جامعيا وأموالا عائلية أن يقتحم ذلك المكان. لذلك وفي عام 1960 أسس شركته الصغيرة للوساطة بيرنارد ال مادوف انفيستمنت سيكيوريتز، في مكتب استعاره من والد زوجته.
ولم تلفت شركته نظر أحد. وفي الستينات ركز مادوف على مجال عمل فرعي: فتح أسواق لحزم صغيرة من السندات. ومع مرور الوقت، نمت شركة بي ال ام آي اس، كما باتت تعرف لاحقا. ودخل عالما أكثر رفعة وبريستيجا، وهو عالم تداول الأسهم. ولاحقا وبمساعدة من شقيقه بيتر، أدخل ابتكار التكنولوجيا. وتقليديا، يدار عمل تداول الأسهم في «وول ستريت» من قبل ناد من الوسطاء الرجال، لكن في السبيعنات بدأ مادوف في استخدام الكمبيوتر. فكرهت الشركات التقليدية والوسطاء هذا الأمر. بل وكما يتذكر مادوف «عقدوا جلسة استماع في الكونغرس ضدي».
هو راوٍ بالولادة. فالكلمات تتدفق منه بحس من الايقاع والتوقيت بل وحتى النكتة. ومن الواضح أنه يأمل في أن يكون له يد في صياغة ارثه.
في بواكير الستينات بدأ مادوف في ادارة الأموال. وسرعان ما حصل على أربعة زبائن مرموقين: جيفري بيكاور، وهو مستثمر من نيويورك وستانلي تشيس، مستثمر آخر، ونورمان ليفي مطور عقاري، وكارل شابيرو، صاحب مصنع للملابس في بوسطن. وهؤلاء الأربعة هم من سيصبحون أكبر المستفيدين من نظام بونزي الذي استخدمه مادوف، حاصدين أموالا تفوق بكثير ما حصلت عليه عائلة مادوف نفسها. بيكاور وحده حصد مبلغا يسيل له اللعاب بلغ 2. 7 مليارات دولار على مدار سنوات. لكن مادوف يصر على أنه كان يحقق الأرباح فعلا خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
أرباح السبعينات والثمانينات
ومن غير الواضح ما الذي جذب أولئك الرجال المتنفذين الى شركة مادوف التي لم يكن قد مضى وقت طويل على تأسيسها. فأربعتهم لم يكونوا جميعا أصدقاء. وربما لعبت الاثنية دورا في الموضوع: فجميعهم، كما هو مادوف يهود. الا أن هناك عاملا آخر ذا طابع عملي يتمثل في الضرائب. ففي السبعينات والثمانينات، كان معدل الضريبة مرتفعا على نحو حاد، مما دفع بالعديد من العائلات الثرية الى البحث عن أساليب مبتكرة لتقليص فاتورة الضرائب التي يتعين عليهم دفعها. أحد تلك الخيارات المتاحة حينئذ هو الاستثمار في سوق الأسهم، كون مكاسب رأس المال طويلة الأجل لم تكن تخضع للضريبة بقدر الأرباح القصيرة الأجل.
وكما يقول مادوف، نجحت تلك الاستراتيجية طوال عقد الثمانينات من العقد الماضي. واشترى مراكز مالية طويلة الأجل لزبائنه الأربعة وبعض الزبائن الجدد وحقق عائدات كبيرة. «دخلت السوق في الوقت المناسب. لذلك حققوا مكاسب طويلة الأجل. كانوا فقط يؤجلون دفع الضرائب ويمددونها».
ثم ساءت الأمور «كان كل شيء يسير على ما يرام الى أن انهار السوق عام 1987 ودخل أولئك الناس في دوامة ذعر كاملة. وبدأت المكاسب الطويلة الأجل تتبخر. لكنهم رفضوا التخارج، لقد كانوا جشعين»، وفق مادوف.
تخارجات وأزمات
ويقول مادوف انه طلب منهم الاحتفاظ بمراكزهم المالية الى أن تتعافي السوق. لكن السلطات الأميركية شددت قانون الضرائب عام 1986. مما جعل بعض العائلات ترغب في تصفية وتسييل بعض ممتلكاتها. وهو ما كان صعبا، وفق رأيه. ذلك أنه حين استثمر في سوق الأسهم الأميركية، تحوط أو حمى مراكز المالية من خلال تداولات في الاتجاه المعاكس مع مستثمرين آخرين، لاسيما في أوروبا. وهي تعاملات ، كما يدعي لم يكن من السهل تفكيكها بسرعه، الأمر الذي تركه عالقا. ويضيف بحسرة عميقة «كنت عالقا في عمليات تحوط طويلة الأجل في أوروبا وكنت تحت رحمتهم. لذلك لم يكن أمامي سوى أن أبحث عن زبائن جدد».
ووفق مادوف فان زبائنه الأربعة الكبار تحمسوا لمساعدته، وبعثوا بأصدقائهم له «بيكاور وشابيرو أرسلا لي زبائن، وليفي بعث لي بالكثير منهم، ان له صندوقا استثماريا في مصرفه».
لم يكن أولئك الرجال الأربعة المصدر الوحيد للمال. في 1992، أغلقت «أفيلنو آند بينيز» وهي شركة كانت تحول الأموال اليه، بعد تحقيق هيئة البورصة والأوراق المالية معها لاستخدامها نظام بونزي. وقد تأسست الشركة على يد رجلين كانا يعملان لدى شاول ألبيرن، والد زوجة مادوف. وكما يقول « تلقيت مئات المكالمات الهاتفية من زبائن الشركة، وكان لديهم زبائن يملكون رؤوس أموال قيمتها 500 ألف دولار ممن أرادوا الاستثمار في شركتي. لذلك وضعت حدا أدني قدره 500 ألف دولار للاستثمار. وفي غضون ما يزيد على الشهر بقليل جلبت الكثير من الزبائن الجدد الى شركتي».
استراتيجية لصندوق الأسود
مع تدفق أموال جديدة، يصر مادوف على أنه خطط للاستمرار في استخدام استراتيجية استثمار قانونية، والتي استندت الى ما يسمى بـ «الصندوق الأسود»، وهي تقنية معقدة تستند الى حوسبة الخوارزميات في اختيار التداولات. ويقول مفسرا «اعتقدت اذن أننى سأجمع محفظة تضم أسهما مدرجة في مؤشر ستنادرد آند بورز 500 بانكشاف نسبته 85% ثم استخدم مراكز في مؤشر ستاندرد آند بورز 100 كتحوط».
وقد يبدو هذا النوع من المصطلحات غير مفهوم وغامض بالنسبة لغير المصرفيين، لكنه عادي تماما وذو مصداقية في وول ستريت. وطرحه مادوف بدقة تامة. فهل يكذب؟ من المستحيل التأكد من ذلك، لكنه أصبح في منتهى الحيوية وهو يتحدث عن الأمر.
يتابع مادوف«المشكلة في صندوقي الأسود أنه لكي يعمل كان بحاجة الى عوامل ثلاثة وهي التقلب والحجم والزخم. وبالطبع لم نحصل على ذلك». بعد وقت قصير على تدفق أموال جديـدة الى شركته، أصبحت الأسواق راكدة الأمر الذي أعاق استراتيجية «الصندوق الأسود» عن تحقيق الأرباح. بينما توقع زبائنه الجدد عائدات سخية وسرعان ماباتوا يطالبون باسترداد أموالهم.
بذخ وغرور
أن تسمع مادوف وهو يقول ان الأمر لا يتعلق بالمال أمر يصيب بالعجب على نحو لا يحتمل. اذ كان يعيش حياة ترف وبذخ الى أبعد الحدود، وبعد الكشف عن عملية النصب، اكتشفت السلطات 75 مليون دولار في حساب مصرفي في جبل طارق ومجوهرات بملايين الدولار وممتلكات فاحشة الفخامة. وكانت تلك شواهد على كم تكبد مادوف شخصيا من خسائر. وكان مادوف عضوا في مجلس ادارة جامعة ياشيفا وله حضور دائم في حفلات المؤسسات الخيرية في مانهاتن. و يقضي مع زوجته روث عطلاتهما في مونت كارلو حيث كان يحلو لها التسوق هناك.
سألناه لماذا لم يعد الأموال اذن الى المستثمرين. بعد كل شيء، وكما يقول كان في 1992، قد أصبح رجلا ثريا الى حد ما. ويفسر قائلا «الغرور» ضع نفسك مكاني، فبعد أن تقضي حياتك المهنية كلها خارج «النادي» وفجأة تبدأ جميع البنوك الكبيرة، دويتشه بنك وكريديت سويس، ورؤساءها بطرق بابك وسؤالك، هل يمكنك أن تفعل هذا لي؟».
ثم تمتم قائلا «لقد كنت تحت ضغط كبير جدا وكنت محرجا. لقد كانت المرة الأولى في حياتي التي أخفق فيها. لقد كنت مغفلا! منذ بداية التسعينات لم يكن هناك تعاملات أو تداول. كانت مجرد أوراق. لكن دعني أقل لكما شيئا، مضيفا بقوة «لقد بدا كل شيء حقيقيا».
لا تداولات
ان انتقال مادوف الى قلب النادي المالي وشغله مناصب عديدة لم يمنع المسؤولين في الجهاز التنظيمي من مراقبته. كما تساءل بعض منافسيه عن سبب ثبات عوائد صندوقه لهذه الدرجة. «في عام 2002 تلقيت اتصالا من هيئة البورصة والأوراق المالية، الذين انتابهم شك من كوني ربما واجهة لأمر ما غير قانوني» يقول في اشارة الى التداول بناء على المعلومات الداخلية. ويضيف «ضحكت في داخلي يومها، لأني أعرف أنى لا أقوم بذلك كوني ببساطة لا أقوم بأي تداولات».
كما انتابت هاري ماركوبولوس، مدير صندوق استثماري، شكوك كبيرة لدرجة دفعته الى رفع تقارير الى هيئة البورصة والأوراق المالية، مشيرا في التقرير الذي رفعه الى أن مادوف كان يدير نظام بونزي. ويعلق مادوف على هذا الأمر بغضب «ماركوبولوس كان أكبر معتوه في العالم. كان يدير صندوقا لم يحقق أي أرباح وتخلى عنه زبائنه لذلك اتصل بالمنظمين».
سمعة ذهبية
لكن المنظمين لم يفعلوا شيئا. فكما يقول مادوف «يتلقى المنظمون اتصالات على الدوام. ولم يجروا تحقيقا لأن سمعتي كانت حينها كالذهب وكنت أتمتع بمصداقية عالية. لم يكن أحد ليصدق حينئذ أنني سأرتكب فعلا كهذا. ولماذا سأفعل ذلك؟ الحماقة، هذا هو السبب. لكن تذكروا أنه حين كان يسأل الناس عن الاستراتيجية، كانت منطقية. لقد كنت مستثمرا كبيرا وأتمتع بالمصداقية».
تقنيات معقدة
أن يتم تقبل عائدات صندوقه البعيدة الاحتمال دون التفكير في الموضوع وبمنطقيته لم يكن بالأمر المستغرب جدا. ففي جميع أنحاء وول ستريت، كان العديد من الصناديق الاستثمارية الأخرى يمارس أيضا استراتيجيات «الصندوق الأسود» الغامضة في ذلك الوقت. كما قدمت أيضا عائدات مرتفعة باستخدام تقنيات الحاسب الآلي التي لا يفهمها حقيقة الا عدد قليل جدا من المستثمرين. «هل يعرف أحد كيف يحقق، فلنقل، رينياسانس، أرباحه فعليا؟»، يسأل مادوف بأسلوب خطابي، في اشارة الى صندوق التحوط واسع النجاح.
وخدع مادوف حتى أولئك الذين يديرون برامجهم الخاصة المعقدة للاستثمار. فكما يقول « كان لي، من خلال الصناديق الاستثمارية، علاقات ببعض رؤساء أكبر مكاتب التداول في وول ستريت ممن لديهم القدرة على الوصول الى جميع البيانات. وكان لدي شركاء كبار في غولدمان ساكس». وفي الواقع، فان جيمس سايمونز، مؤسسس رينياسانس تيكنولوجيز، هو من وجه مؤسسة جامعة ستوني بروك، التي كان عضوا في مجلس ادارتها، للاستثمار في صندوق مادوف.
«لم يعتقد أي من أولئك الرجال أنني أدير عملية نصب واحتيال»، يقول بشماتة، ونبرة من الازدراء تبدو في صوته « اذا كيف تتوقع من السيدة غرين من فورت لودرديل في فلوريدا أن تنتبه وترصد مؤشرات الخطر؟».
أين الراحة؟
لكن كيف يشعر حيال تدمير حياة كل أولئك الناس العاديين، وجميع من هم على شاكلة «السيدة غرين» الأبرياء؟ هل يشعر بالمتعة أم الانتقام في هذا؟ هز رأسه وقال «لقد كنت خائفا لدرجة الموت. لا يوجد أي احساس بالراحة في هذا الأمر».
فجأة تلاشى مادوف الراوي وبدأ يتحدث بروية وحذر «قضيت وقتا طويلا مع طبيب نفساني (في السجن) وهو ما لم أفعله من قبل في حياتي، لأتمكن من معرفة كيف تسنى لي القيام بما قمت به. هناك رجال المافيا الذين يقتلون الناس طوال الوقت ويقومون بأفعال مروعة ثم يذهبون الى عائلاتهم وكأن شيئا لم يكن. وكنت أتساءل كيف يمكن للجنود في الحروب أن يطلقوا النار على الناس. لكن كل ما في الأمر هو أنك تستطيع فصل الأشياء وتجزئتها في حياتك».
فحصوا سجلاتي.. وغابت عنهم أشياء وأشياء
كما يسخر بعمق من باقي الجهات في وول ستريت، مشيرا الى البنوك الكبيرة التي لم تدر أمواله وسيولته النقدية فحسب، بل سوقت أيضا صناديقه الاستثمارية بين المستثمرين. «يو بي اس واتش اس بي سي سوف يواجهان مشاكل كبيرة، بيكارد يقاضي جميع تلك البنوك ويعتقد أن بامكانه أن يحصل على 50 مليار دولار أو نحو ذلك. لقد جلس مسؤولو اتش اس بي سي هناك في شركتنا مرتين، جلسوا وبحثوا في دفاتري وسجلاتي، لمدة أسبوعين ومع ذلك غابت عنهم أمور كثيرة. ان الفارق الكبير بين البنوك والصناديق الكبيرة والزبائن العاديين هو أن البنوك والصناديق لديها كل المعلومات من السجلات، بينما الزبائن العاديون لا يملكون تلك المعلومات. برايس ووترهاوس كانت تأتي الى مكتبي مرة في السنة وفحصت كل شيء».
يقول مصرف يو بي اس انه لم يكن على دراية بالمخالفات التي ارتكبها مادوف. كما قال مصرف اتش اش بي سي انه لم يعرف بارتكاب عملية الاحتيال تلك وأنه خسر مليار دولار من أمواله نتيجة لذلك. ولم يسوق اتش اس بي سي صناديق مادوف لزبائنه بينما فعل ذلك يو بي اس وغيره من البنوك.
مأساة العائلة
ومع اقتراب المقابلة من نهايتها، لامسنا مسألة حساسة: الضرر الهائل الذي لحق بعائلته. في نهاية 2008، أدرك مادوف أن نهايته اقتربت. فبعد الانهيار المالي، أصبح من الصعب جمع أموال جديدة وبات زبائنه القدامى يطالبون باسترداد أموالهم. بعض المراقبون تنبأوا بأن الغضب الذي ينتاب أولئك الزبائن ربما يحمل في طياته عناصر جنائية. لكن مادوف ينكر ذلك «لقد سلمت نفسي لأنه لم يكن أمامي خيار آخر، وحياتي لم تكن أبدا مهددة».
وبحلول مطلع ديسمبر 2008، واجه مادوف مطالبات باسترداد أموال قيمتها 7 مليارات دولار لم يكن يملكها. وفي 10 ديسمبر، أي في ليلة احتفال الشركة بالكريسماس، لاحظ ابناه أن شيئا ما لم يكن على ما يرام، وكما يصف الأمر مادوف «كنت في غيبوبة. وهو شيء لم يرياه من قبل أبدا». ومن ثم توجه مادوف وابناه وأخاه وزوجته روث الى منزلهم الفخم في ايست سايد، حيث أخبرهم أن ثروة العائلة مبنية على النصب والاحتيال. «كنت أبكي وهم يبكون». ويقول مادوف انه لم يفكر أبدا في الهروب. «ففي النهاية شعرت بالراحة. فالضغط الذي عشت في ظله خلال السنوات الـ 16 الأخيرة كان لا يحتمل. كم كنت أتمنى لو أنهم اعتقلوني مبكرا».
براءة العائلة
يصر مادوف على أن زوجته وأخاه وابنيه لم يكونا على علم أبدا بعمليات الاحتيال والنصب. ورغم أن ابنيه عملا في شركة العائلة فانهما كانا في دائرة منفصلة. وكما يقول «لم يكن ابناي وأخي جزءا مما حدث فهم لم يحبوا التعامل مع العمليات الخاصة بالزبائن الأفراد».
ويقول ان سونغا كون، الاسترالية التي حولت 9 مليارات دولار الى مادوف من زبائن أوروبيين على امتداد سنوات، لا تتحمل أي لوم في ما حدث، رغم ادعاء الوصي في القضية المرفوعة أنها كانت «توأم روحه الجنائية». ويضيف «لم يكن هناك أي شيء غامضا وخفيا بشأنها. هل كانت تعرف ما يدور؟ لم تعرف أكثر من أي زبون آخر».
كما يصر أن فريد ويلبون، مالك فريق نيويورك ميتس للبيسبول وشريكه في الشركة شاول كاتز «لا يعرفان بالأمر أيضا»، على الرغم من أن الرجلين هما الآن محور تحقيق من قبل الوصي على القضية.
ويقع ستيفن رافين، الذي أدار عمليات بيرنارد ال مادوف انفيستمينت سيكيوريتز في لندن، في الدائرة نفسها كونه «لم يكن أحد في لندن لديه دليل»، وفق مادوف. مضيفا «ستيفن رافين هو شخص انكليزي نموذجي وكان رجلا لطيفا. كل ما أراده هو أن يتم قبوله في النوادي المناسبة. ولم يتجاوز أبدا فكرة أنه لم يذهب الى الجامعة المناسبة».
لكن مادوف يكرر مرة أخرى أن آخرين ومنهم الزبائن الأربعة الكبار، كانوا متواطئين. «لا أشعر بالأسف والأسى حيال أولئك الأربعة، ذلك أنهم دفعوني دفعا الى الأمر. لقد عرفوا أنهم امتلكوني وشعروا أنني لن أعيد الأموال أبدا».
أجرى اللقاء:
ديفيد جيليس - المراسل المتخصص في الاعلام والتسويق في الولايات المتحدة، وجيليان تيت - مديرة التحرير لفايننشال تايمز في الولايات المتحدة
تواطؤ جماعي
بمجرد أن يبدأ نظام بونزي في العمل، فان ذلك يتطلب تدفقا مستمرا من السيولة الجديدة. بدأ مادوف في استقبال زبائن يبعث بهم المستثمرون القدامي لديه الذين كانوا ميالين للابقاء على أموالهم عنده بسبب العائدات الثابتة. وفي مرحلة معينة، دون أن يوضح أبدا مادوف متى كانت تلك المرحلة، توقف التداول الحقيقي تماما وبدأ بتزوير سجلات التداول الخاصة بالزبائن. ويقول أن بيكاور وتشيس وليفي وشابيرو، زبائنه الأربعة الكبار، كانوا يعرفون أن شيئا ما ليس على صواب. فكما يفسر « كانوا متواطئين جميعا». ولا يمكن تأكيد اتهامات مادوف. اذ لم يتم توجيه اتهامات بارتكاب مخالفات جنائية الى أي من العائلات الأربعة.
من الناحية الظاهرية، بدت عملية النصب حقيقية لدرجة أنها جذبت تدفقا ثابتا من المستثمرين الجدد، ولم تقتصر على الولايات المتحدة فحسب. فبحسب مادوف، كان هناك مستثمرون أثرياء على طرفي الأطلسي متحمسون لاستخدام خدماته لتفادي القواعد والقوانين المحلية. في فرنسا، على سبيل المثال، استثمر زبائن أثرياء معه في البداية من أجل تجنب القوانين التى تمنعهم من اخراج العملة الفرنسية.
حركة المليارات .. أين انتباه البنوك؟
من وجهة نظر مادوف، فان «جي بي مورغان» تشوهت سمعته بواقع الاندماج مع مصرف تشيس. ففي الفترة التى سبقت اندماج «جي بي مورغان» مع «تشيس مانهاتن» عام 2001، كان يودع مادوف أمواله في حسابات مصرفية في تشيس. وكذلك فعل بعض زبائنه الأوائل مثل ليفي. لكن البنك لم يدق أبدا جرس الانذار. ويقول في اصرار «أنا لست مصرفيا، لكني أعرف أن دخول مليارات الدولارات وخروجها من حساب مصرفي أمر لا بد أن يثير انتباهك. فلديهم في البنك جميع البيانات المالية وكان بمقدورهم أن يروا أنني كنت أستخدمهم كحافظ أو قيم عليها ومع ذلك لم يشكوا في ذلك قط».
ويعود ذلك، في جزء منه،كما يقول الى أن أيا من تلك البنوك يتجرأ على تحدي ومواجهة رجال متنفذين مثل ليفي. «نورمان ليفي كان رجلا ذا نفوذ اقتصادي كبير. كان رجلا قويا في مجال العقار والجميع كان يخشاه».
وحتى وقت قريب، صمم مصرف جي بي مورغان منتجات مهيكلة مرتبطة بصناديق مادوف باعها الى المستثمرين. وفي السنة التي سبقت انهيار مادوف، دق بعض المسؤولين جرس الانذار داخل البنك، وقبل فترة وجيزة على انكشاف عملية الاحتيال سحب البنك مبلغا قيمته 250 مليون دولار من صناديق مرتبطة بمادوف. لكن البنك لم يتحدث أبدا عن الأمر علانية، رغم عدم قدرة المسؤولين فيه على القيام بتحقيق وفحص كامل للدفاتر.
ويقول مادوف «لا يملك جي بي مورغان فرصة من الجحيم ولا خيارا الا أن يقوم بتسوية كبيرة. ومنه ستأتي أموال تسوية بيكارد. كان هناك موظفون في البنك يعرفون ما كان يجري». أما «جي بي مورغان» فيقول ان تأكيد مادوف واصراره على أن موظفيه كانوا على علم بما يجري أمر زائف، وأنه (البنك) امتثل لجميع القوانين والقواعد المعمول بها عندما تولى مسؤولية الحسابات المالية لمادوف.
تفتيش «خرطي»
سخر مادوف وازدرى القوانين واللوائح. ففي العقدين الماضيين سجلت هيئة البورصات والأوراق المالية ست شكاوى ضد شركة بيرنارد مادوف انفيستمينت سيكيوريتيز، شملت اتهامات محددة بأنه كان يدير برنامج بونزي. ويقول عن ذلك «خلال 50 عاما جاءني 100 مفتش ومحقق من هيئة البورصة والأوراق المالية وNASD واعتبرت شركتي، لاشك أنهم محرجون الآن، اعتبرت شركة نموذجية. وقد اعتقدوا أنني مقرب جدا من المنظمين».
ثم ضحك ضحكة ذابلة وقال «ان مأخذي على العاملين في الأجهزة التنظيمية وهيئة البورصة والأوراق المالية الذي يعود الى الفترة التى بدأت فيها عملي هو شعوري بأنهم يقضون وقتا طويلا في ملاحقة المخالفات البسيطة من دون أن يبذلوا وقتا يذكر في ملاحقة الشركات الكبيرة والبنوك الاستثمارية». ويضيف «ما تم القيام به بشأن الاصلاحات التنظيمية الجديدة قليل جدا، لتصحيح الأمور».
قصة من قصص كثيرة
ان حقيقة أن جزءا كبيرا من قصة مادوف شائع جدا في «وول ستريت» بما تشمله من ملاذات ضريبية وصناديق سوداء وعائدات مبهمة غامضة، هي التي سمحت لمادوف ألا يكتشف أمره كل هذا الوقت. ولهذا السبب بث مادوف القشعريرة في المستثمرين على كل المستويات. فاذا كانت أفضل العقول وأكثرها تطورا وذكاء قد خدعت بسهولة، ومن خلال مخطط بسيط وبدائي يدار من قبل واحد منهم، فكيف يمكن لأي شخص يستثمر أمواله في النظام المالي الحديث أن يعرف بمن عليه أن يثق؟ وبسبب هذا السؤال المزعج والمثير للقلق لا يمكن لنا تجاهل مادوف حتى وهو يقبع في سجن في نورث كارولينا.
بداية تطبيق «بونزي»
يقول مادوف إنه بدأ ينزلق في عام 1992الى نظام بونزي مستخدما أموال الودائع الجديدة لدفع بعض الأرباح والعائدات. «أعتقدت أن بامكاني القيام بذلك. لقد فعلت ذلك! أخذت الأموال، فلنقل مليار دولار حينئذ، وكنت مقتنعا أنه حين يستقيم حال السوق سأتمكن من تغطية الأمر». لكن ذلك لم يحدث أبدا. ويضيف «نقطة التحول الحقيقية كانت عند 1991 فصاعدا. ومنذ ذلك الحين، بدأت الأمور تسوء أكثر فأكثر. قضيت الكثير من الوقت في التفكير في الموضوع، لكن الأمر يبدو لي كالفراغ الآن».
متى بدأ العمل بنظام بونزي تحديدا وبالدقة هو موضع خلاف ونزاع. فالقيّم الذي يسعي الى استرداد الأموال والأصول لصالح ضحايا مادوف، وهو ايرفنغ بيكارد، يقول إن عملية الاحتيال بدأت عام 1983. لكن مادوف ينكر ذلك ويقول في اللقاء مع «فايننشال تايمز» أنه في عقد الثمانينات، على الأقل كان يقوم بالكثير من التعاملات القانونية. وقد ابتدعت النيابة العامة هذه الفكرة التى تقول إننى قمت بكل تلك العمليات القانونية للتمويه على عمليات الاحتيال. وهذا خطأ. لقد تركت مليار دولار على الطاولة في النهاية. وكان لدي امكانية للوصول الى أي بنك سويسري أو بنك أوفشور في العالم لو أردت أخفاء الأموال. فالأمر لا يتعلق أبدا بالمال.
اجتذاب مشاهير
يقول مادوف «فعلت ذلك من أجلهم جميعا، الكثير من الناس المهمين جدا من فرنسا وغيرها، تلك المرأة من لوريال ومن كريستيان ديور والكثير الكثير غيرهم، لدرجة اننى أعجبت بنفسي حقا. لقد كانوا يحضرون الى مكتبي للالتقاء بي. لقد كانوا راغبين حقا في التعامل معي». تلك المرأة من لوريال التى أشار اليها مادوف هي ليليان بيتينكورت، واحدة من أكثر نساء أوروبا ثراء.
العائدات على صناديق مادوف الاستثمارية لم تكن مرتفعة بصورة استثنائية، اذ كانت عند حدود %10، الا أنها كانت ثابتة ومستقرة وهو ما يتناسب وطبيعة المستثمرين الأوربيين المحافظة. لكن لم يكن الجميع في أوروبا متحمسا للتعامل مع صندوقه: مصرف سوسيتيه جنرال، على سبيل المثال، بقي بعيدا عنه. بل أن البعض شكك بأن مادوف ربما يستخدم معلومات داخلية لمنحه «ميزة» على الآخرين. وهو ما زاد من جاذبيته عند الآخرين. «السويسريون اعتقدوا ذلك، فهم الأكثر تشككا بين الجميع»، كاشفا عن كراهية ونفور منهم نابع ربما من ارثه كيهودي وتعاطي بعض البنوك السويسرية مع ألمانيا النازية.
في الولايات المتحدة الأميركية، استخدم مادوف شبكة علاقاته القوية بين الأثرياء في المجتمع اليهودي لاستقطاب الأموال. وبحلول هذا الوقت، كان مادوف انتقل الى قلب «النادي» المالي الذي سخر منه سابقا. وعين رئيسا لمجلس ادارة مؤشر ناسداك ومجلس ادارة الودائع وشركة المقاصة، كما شغل منصب نائب رئيس مجلس ادارة الاتحاد الوطني لمتداولي الأوراق المالية، الجهاز التنظيمي الذاتي للصناعة.
قصر العدل - من الأرشيف
تفاقمت فضيحة قضية قيام شخص مقيم بالكويت بالنصب المالي على مئات المواطنين الكويتيين والمقيمين بعد وصول الأمر إلى النيابة العامة من خلال عدد من قضايا المتضررين .
وفي ظل اختفاء المدعو 'م.هـ.م' ( سعودي الجنسية ) عن البلاد منذ أسبوعين وظهور أنباء عن سفره إلى مصر، وانقطاع التواصل معه من المتضررين، اصبحت القضية لسان حال الشارع في الكويت من خلال الدواوين ومواقع التواصل الإجتماعي.
وفي ظل عدم تحرك جدي من الحكومة باتخاذ اجراءات جدية، اصبح السبيل لكل مواطن متضرر هو اللجوء إلى القضاء لإسترداد أموالهم المنهوبة بعد إدعاء المدعو 'م.هـ' بأنه سيستثمر أموالهم في المواد الغذائية والعقار والخشب والحديد والإنشاءات، في حين ترددت أنباء غير مؤكدة ان قيمة الأموال المنهوبة وصلت إلى نحو 50 مليون دينار بحسابات خاصة بالمدعو 'م.هـ' - وفق ماذكرته جريدة ' القبس ' - بعد أن أوهم الضحايا بالاستثمار بها وأن تكون العوائد ضعف المبلغ الأصلي المستثمر خلال ثلاثة أشهر من خلال استقبالهم عبر 'مندوبين ' له في مكتب 'الشركة المزعومة' في منطقة الفحيحيل.
ولايعرف حتى الآن على وجه الدقة حجم الأموال التي استولى عليها المدعو ' م هـ' ولا أعداد الضحايا المنصوب عليهم .
الا ان مصادر ذكرت لـ
ان الضحايا لم يفيق معظمهم من الصدمة بعد وانهم سيواجهون واقعا مريرا في الايام القادمة خاصة الذين اقترضوا من البنوك او من اشخاص اوممن حصلوا مؤخرا على مكافآت نهاية الخدمة بمبالغ كبيرة من جهات أعمالهم أو ممن باعوا منازلهم أو رهنوها واعطوا الأموال للمدعو ' م ه ' تحت وهم الثراء السريع .
وتتوقع مصادر ان تكون هناك أطراف نافذة قد ساعدت المدعو ' م .هـ' في هذه العملية وسهلت له اعماله على مدى فترة من الزمن وان هذه الاطراف شريكة له في الاموال التي تم تحصيلها من الضحايا .
بدورها تفتح الملف على مصراعيه، وتعلن استعدادها لإستقبال شكاوى المتضرريين ونشرها، مع أحقية الشاكي بعرض إسمه أو من عدمه، من خلال البريد الإلكتروني أدناه: alaan@alaan.cc
اقتصاد فضيحة النفط الكويتية "أونا أويل".. الشركة التي "رَشَتْ" العالم
02-04-2016 صحيفة ذا ايج - ترجمة سبر 05:16 م
| تكبير الخط | تصغير الخط
على طول العقدين الماضيين، قامت عائلة متخصصة في الأعمال من موناكو بإفساد صناعة النفط العالمية بشكل منظم، وتوزيع عدة ملايين من الدولارات من الرشاوى نيابة عن الشركات العملاقة بما في ذلك سامسونج، ورولز رويس، هاليبرتون ولايتون هولدنجز الأسترالية.
الآن وبعد الحصول على كم كبير من رسائل البريد الإلكتروني والوثائق المسربة تم تأكيد الشبهات حول صناعة النفط، وشراء ذمم المسؤولين وتزوير عقود في جميع أنحاء العالم.
تسريبات هائلة من الوثائق السرية كشفت للمرة الأولى عن الحجم الحقيقي للفساد في صناعة النفط، تورط العشرات من الشركات الرائدة والبيروقراطيين والسياسيين في شبكة متطورة من الرشوة والكسب غير المشروع.
شركة أونا أويل ومقرها موناكو، تديرها عائلة أحسني. وقد تم الحصول على مئات الآلاف من رسائل البريد الإلكتروني والوثائق المسربة لعائلة أحسني.
يكشف الكنز الدفين العلاقات مع الملوك، ووكالات وهمية لمكافحة الفساد وتشغيل شبكة سرية من الوسطاء في جميع أنحاء الدول المنتجة للنفط في العالم.
في الجزء الأول تكشف فيرفاكس ميديا ووهافينغتون بوست كيف سهلت أونا أويل عقود صناعة النفط في الشرق الأوسط لصالح الشركات الغربية بين عامي 2002 و2012.
في الجزء الثاني تنتقل إلى الدول الفقيرة الروسية سابقا للكشف عن مدى سوء التصرف من قبل الشركات المتعددة الجنسية بما في ذلك شركة هاليبرتون. وفي الجزء الثالث يظهر عمق الفساد الممتد في آسيا وأفريقيا.
كما تفضح الملفات المسربة اثنين من وزراء النفط الفاسدين في العراق، وبعض الوسطاء المرتبطين بالدكتاتور السوري بشار الأسد وكبار المسؤولين من نظام القذافي في ليبيا، مسؤولين نفطيين إيرانيين، ومسؤولين متنفذين في دولة الإمارات العربية المتحدة ومشغلين كويتيين.
بعد تحقيق استمر ستة أشهر عبر قارتين، فيرفاكس ميديا ووهافينغتون بوست تكشف عن مليارات الدولارات من العقود الحكومية منحت كنتيجة مباشرة للرشاوى التي تدفع نيابة عن شركات بما فيها شركات غربية تشارك في عملية أونا أويل في الشرق الأوسط تشمل بعضا من أغنى واهم الشركات في العالم: رولز رويس وشركة بتروفاك من بريطانيا. الشركات الأمريكية FMC تكنولوجيز، كاميرون وذرفورد. الشركات الايطالية العملاقة ايني وسايبم. الشركات الألمانية مان تيربو (والمعروفة حاليا باسم مان ديزل آند تيربو) وسيمنس. شركة SBM البحرية الهولندية. والشركة العملاقة الهندية لارسن اند توبرو. كما وتفضح أيضا تورط الذراع البحري لشركة لايتون هولدنجز الأسترالية في فضيحة الفساد الكبرى. إضافة إلى شركات كورية من العيار الثقيل مثل سامسونغ وهيونداي.
تكشف الملفات المسربة أن بعض الناس في هذه الشركات كان يعتقد أنه يتعاقد مع جماعات الضغط الحقيقي، وغيرهم كان يعرف أو يشتبه في أنهم يمولون الرشى ولكنه غض بصره عنها.
ولكن البعض عرف أكثر من ذلك بكثير. حفنة من كبار المطلعين في الشركات مثل الشركة الاسبانية تكنيكاس ريونيداس، وشركات فرنسية مثل تكنيب وعملاق الحفر MI-SWACO، لم يدعموا عمليات الرشوة فحسب وإنما حصلت جيوبهم على عمولات خاصة. وافقت شركة الدفاع الأمريكية العملاقة هانيويل وشركة ليتون البحرية الأسترالية على إخفاء الرشاوى داخل عقود احتيالية في العراق. مدير رولز رويس تفاوض على رشوة شهرية لتسريب معلومات من داخل الشركة البريطانية.
كثير من تلك الشركات تقع تحت طائلة المسؤولية، بما في ذلك عائلة أحسني الغنية نفسها، التي تدير أونا أويل، والتي تواصل جهودها للإفلات من العقاب.
مصنع رشوة
شركة أونا أويل تقيم علاقات قوية مع أمراء وشيوخ وحشد من نخبة رجال الأعمال في أوروبا والولايات المتحدة.
على رأس الأسرة يأتي البطريرك عطا أحسني ونجليه، سايروس وسامان. جمعياتهم الخيرية تدعم الفنون والأطفال ويتربع أفراد عائلة أحسني في قائمة المنظمات غير الحكومية مع السياسيين السابقين والمليارديرات. قبل عشر سنوات، أظهرت إحصائية بأن ما لديهم من النقد والأسهم والممتلكات بقيمة 190 مليون يورو. إنهم أعضاء في النخبة العالمية. كيف جمعوا أموالهم
غالبا ما تعاني البلدان الغنية بالنفط من سوء الإدارة ومستويات عالية من الفساد. خطة عمل أونا أويل تقوم على اللعب على مخاوف الشركات الغربية الكبرى بأنهم لا يستطيعون الحصول على عقود دون مساعدتها. فتقوم أونا أويل بطلب رشاوي من هذه الشركات (العملاء) لتمرير عقودها وضمان فوزها بالمناقصات ومن ثم تقوم أونا أويل بدفع رشوة للمسؤولين في الدول المنتجة للنفط لمساعدة هؤلاء العملاء بالفوز بالمشاريع الممولة من الحكومة. ربما يتلاعب المسؤولون الفاسدون بلجنة المناقصات. أو يسربوا معلومات داخلية. أو حتى ضمان منح العقد دون مناقصة تنافسية. سياسة الإنكار
وحسب عطا أحسني الذي صرح لفيرفاكس ميديا وهافينغتون بوست، فإن كل شيء على المكشوف ولا يوجد به شبهات: "نحن لسنا في مجال تحديد وظائف للناس. في الأساس عملنا هو أساسي جدا. "ما نقوم به هو دمج التكنولوجيا الغربية مع القدرة المحلية.
هل تقوم أونا أويل برشوة الموظفين العموميين؟ "الجواب هو لا على الاطلاق".
وقد سهل المصرفيون في نيويورك ولندن غسل أموال أونا أويل، في حين أن عائلة أحساني شيدت أعمال استثمارية عقارية كبرى في وسط لندن. منذ عام 2007، تم التصديق على أونا أويل من قبل وكالة مكافحة الفساد الدولية. هذا في حد ذاته يثير تساؤلات جدية حول قيمة هذا الاعتماد الدولي. أما بالنسبة للشركات الغربية، فيبدو أن أونا أويل تمنحهم بعض الحماية، تقوم على إعطاء الشركات المدرجة ما يعرف باسم "سياسة الإنكار".
وقد أكدت الشركات التي اتصلت بها فيرفاكس ميديا ووهافينغتون بوست حول عقودهم مع أونا أويل بأن لديهم سياسات قوية لمكافحة الفساد، وملتزمون بالتحقيق في تعاملهم مع أونا أويل.
الكويت
في الكويت، دفعت أونا أويل مرتبات لمسؤولين كبار أقوياء يوصفون بـ "القطط السمان."
لتوجيه عقد طويل المدى لاحد عملاء أونا أويل في منطقة الشرق الأوسط، وهي شركة FMC تكنولوجيز الأمريكية، طلبت أونا أويل دفع مبلغ 2.5 مليون دولار. ومن ثم خططت لتعيين وسيط للتعامل مع أحد "المسؤولين الكبار" في الكويت وأن يقرر هذا الوسيط المبلغ ... الذي يجب أن يذهب الى هذا الرجل".