لما كان العبد مفتقرا إلى الله في توفيقه للإصابة، وعدم الخطأ في أقواله وأفعاله، أمره الله أن يقول: { عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا }
فأمره أن يدعو الله ويرجوه، ويثق به أن يهديه لأقرب الطرق الموصلة إلى الرشد.
وحري بعبد، تكون هذه حاله،
ثم
يبذل جهده،
ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد،
أن يوفق لذلك،
وأن
تأتيه المعونة من ربه،
وأن
يسدده في جميع أموره.
لإنك نقلت الأمل .. إلى رحاب اليقين
و
أوكلت أمر الرشد لمن بالأصل يبث في ذهنك بنعم الخواطر التي تشكل الأفكار ..
أوكلته للرؤوف الذي يجيب السائل إذا سأل و يزيده فوق ذلك فضل من عنده و إسجد حامدا الله على هذا الدعاء الذي أكرمك به لتصلح ذاتك و تعز من شأنك
و
يتحقق لك مرادك
إذا ذكرت الله و ما تذكرت اللي نسيته .. مو تترك الامر و تمضي في حياتك .. لا
فهذا تفريط باليقين بالله
تأكد أن هناك تقصير تجاه ربك في أمر ما
فتفكر و إبحث عنه و أصلحه
متذكرا دائما إِنَّ
اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ
هذا النهي كغيره، وإن كان لسبب خاص وموجها للرسول صل الله عليه وسلم، فإن الخطاب عام للمكلفين، فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة، { إني فاعل ذلك } من دون أن يقرنه بمشيئة الله، وذلك لما فيه من المحذور، وهو: الكلام على الغيب المستقبل، الذي لا يدري، هل يفعله أم لا؟ وهل تكون أم لا؟ وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا، وذلك محذور محظور،
لأن المشيئة كلها لله { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين }
ولما في ذكر مشيئة الله، من تيسير الأمر وتسهيله، وحصول البركة فيه، والاستعانة من العبد لربه،
ولما كان العبد بشرا، لا بد أن يسهو فيترك ذكر المشيئة، أمره الله أن يستثني بعد ذلك، إذا ذكر، ليحصل المطلوب، وينفع المحذور،
وهذا تأديب من الله عز ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم عهد إليه أن لا يجزم على ما يحدث من الأمور أنه كائن لا محالة، إلا أن يصله بمشيئة الله، لأنه لا يكون شيء إلا بمشيئة الله.
وإنما قيل له ذلك فيما بلغنا من أجل أنه وعد سائليه عن المسائل الثلاث اللواتي قد ذكرناها فيما مضى اللواتي، إحداهنّ المسألة عن أمر الفتية من أصحاب الكهف أن يجيبهم عنهنّ غد يومهم، ولم يستثن، فاحتبس الوحي عنه فيما قيل من أجل ذلك خمس عشرة، حتى حزنه إبطاؤه ، ثم أنـزل الله عليه الجواب عنهنّ، وعرف نبيه سبب احتباس الوحي عنه ، وعلَّمه ما الذي ينبغي أن يستعمل في عداته وخبره عما يحدث من الأمور التي لم يأته من الله بها تنـزيل، فقال: وَلا تَقُولَنَّ يا محمد لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا كما قلت لهؤلاء الذين سألوك عن أمر أصحاب الكهف، والمسائل التي سألوك عنها، سأخبركم عنها غدا( إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ). ومعنى الكلام: إلا أن تقول معه: إن شاء الله،
من الفوائد والأحكام والقواعد في قصة النبي موسى و الرجل الصالح في سورة الكهف
إليك 38 منها .. سوف أنشرهم بالتسلسل و على التوالي
----------------------
لاحظ أن ما سوف أنشره و على إتساعه إلا أنه و و فقا لما بينه المفسر السعدي بعض من الفوائد والأحكام والقواعد و ليس كلها ..
و لاحظ أيضا أنه يتعلق بقصة و احدة فقط ..و من مفسر واحد فقط ... و من سورة و احدة فقط .. فكيف بالقرآن كله .. هذا أولا
و ثانيا أن ما بينه المفسر أيضا يحتاج الى كثير من التأمل و التدبر الذي قد يفتح الباب أمام إستنباط المزيد من المفاهيم و القواعد و الأحكام
هذا يبين لنا أن الذي يكتفي بالقراءة و لا يتدبر يكون على قلبه أقفال ..
يقول المفسر السعدي :
أن في القصة العجيبة الجليلة .. قصة النبي موسى و الرجل الصالح في سورة الكهف من الفوائد والأحكام والقواعد شيء كثير، ننبه على بعضه بعون الله. ...: _
1 _ فضيلة العلم،
2 _ الرحلة في طلبه،
3 _ وأنه أهم الأمور،
فإن موسى عليه السلام رحل مسافة طويلة،
ولقي النصب في طلبه،
وترك القعود عند بني إسرائيل، لتعليمهم وإرشادهم،
واختار السفر لزيادة العلم على ذلك.
الله يأمرنا بمواصلة التعلم دون توقف لإستمرار كنهج حياة ..
و كذلك على نقل ما تعلمناه للآخرين
و هنا نستذكر أعظم عظة للإنسانية كلها و على الإطلاق و هي أن أول كلمة نزلت من القرآن هي " إقرأ " و نستذكر الآيات (2) ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ (3) ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ (4) عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ
و العلماء يوصون للحفاظ على سلامة الذاكرة بالنشاط الذهني و القراءة و العمل
ما أعظمه من هدى رباني .. كلما تدبرنا فيه برزت لنا مفاهيم و أفكار و إستنباطات مستجده ..و كأنه شجرة و تتفرع منها أغصان
6 _ جواز إخبار الإنسان عما هو من مقتضى طبيعة النفس، من نصب أو جوع، أو عطش، إذا لم يكن على وجه التسخط وكان صدقا، لقول موسى: { لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ْ}
9 _ أن المعونة تنزل على العبد على حسب قيامه بالمأمور به،
و
أن الموافق لأمر الله، يعان ما لا يعان غيره لقوله: { لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ْ} والإشارة إلى السفر المجاوز، لمجمع البحرين،
وأما الأول، فلم يشتك منه التعب، مع طوله، لأنه هو السفر على الحقيقة.
وأما الأخير، فالظاهر أنه بعض يوم، لأنهم فقدوا الحوت حين أووا إلى الصخرة، فالظاهر أنهم باتوا عندها، ثم ساروا من الغد، حتى إذا جاء وقت الغداء قال موسى لفتاه { آتِنَا غَدَاءَنَا ْ} فحينئذ تذكر أنه نسيه في الموضع الذي إليه منتهى قصده.
10 - أن ذلك العبد الذي لقياه، ليس نبيا، بل عبدا صالحا، لأنه وصفه بالعبودية، وذكر منة الله عليه بالرحمة والعلم، ولم يذكر رسالته ولا نبوته، ولو كان نبيا، لذكر ذلك كما ذكره غيره.
وأما قوله في آخر القصة: { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ْ} فإنه لا يدل على أنه نبي وإنما يدل على الإلهام والتحديث، كما يكون لغير الأنبياء، كما قال تعالى { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ْ} { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ْ}
فأخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة،
وأنك هل تأذن لي في ذلك أم لا،
وإقراره بأنه يتعلم منه، بخلاف ما عليه أهل الجفاء أو الكبر، الذي لا يظهر للمعلم افتقارهم إلى علمه، بل يدعي أنه يتعاون هم وإياه، بل ربما ظن أنه يعلم معلمه، وهو جاهل جدا، فالذل للمعلم، وإظهار الحاجة إلى تعليمه، من أنفع شيء للمتعلم.
13 _ تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه، ممن مهر فيه، وإن كان دونه في العلم بدرجات كثيرة .
فإن موسى عليه السلام من أولي العزم من المرسلين، الذين منحهم الله وأعطاهم من العلم ما لم يعط سواهم، و لكن في هذا العلم الخاص كان عند الخضر، ما ليس عنده، فلهذا حرص على التعلم منه...
فعلى هذا، لا ينبغي للفقيه المحدث، إذا كان قاصرا في علم النحو، أو الصرف، أو نحوه من العلوم، أن لا يتعلمه ممن مهر فيه، وإن لم يكن محدثا ولا فقيها..
و هنا نستذكر قول الله عز و جل
عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) من كرمه تعالى أن علم الإنسان ما لم يعلم ، فشرفه وكرمه بالعلم ، وهو القدر الذي امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة والعلم تارة يكون في الأذهان ، وتارة يكون في اللسان ، وتارة يكون في الكتابة بالبنان ، ذهني ولفظي ورسمي ، والرسمي التفسير Tafsir (explication)ابن كثير - Ibn-Katheer