الكويت من الدولة إلى الإمارة‭ .......... ‬الدكتور‮ ‬أحمد‮ ‬الخطيب‭ ‬يتذكر‭

السيب

Active Member
طاقم الإدارة
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (1)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الدكتور أحمد الخطيب يتذكر - الجزء الثاني (1)



الاثنين 01 سبتمبر 2008 - الساعة 00:00
حرصت على عدم الردّ على الاتهامات التي وجهّت إليّ لأنني لا أريد الخوض في صراعات جانبية تحيد بي عن هدف هذا الكتاب

75980_ahmad-alkhatib3.jpg

75980_33.jpg

75980_66.jpg

T+ | T-
أخبار ذات صلة

الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (21)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (20)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (19)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (18)

إهداء إلى شابات وشبّان الكويت الذين يعملون على إعادة الكويت إلى دورها الريادي في المنطقة.

إلى أولئك الذين يسعون إلى بناء مجتمع ينعم فيه المواطن بالحرية والمساواة تحت سقف قانون واحد يسري على الجميع، ويكون هدفه إطلاق إبداعات أبنائه وليس تقييدها باسم المحافظة على عادات وتقاليد هي جاهلية في طبيعتها ولا تمتّ بصلة إلى الدين ولا إلى ما جبلت عليه الكويت منذ نشأتها من تعلّق بالمشاركة في السلطة، ثم الالتزام بدستور 62 الذي قنن هذه الطبيعة الكويتية.


إلى الشابات والشبّان الذين يحلمون بمستقبل مشرق للكويت يعيد دورها الرائد في محيطها، كي تنضم إلى عالم العلم والمعرفة الذي أخذ ينطلق بسرعة هائلة لا مكان فيه للمتخلّفين.


إلى هؤلاء جميعاً أهدي هذا الكتاب.


كان الجزء الأول من هذه الذكريات استعراضاً لنضالات هذا الشعب في الانتقال من إمارة إلى دولة ديمقراطية يحكمها دستور. وقد أنجزت الكويت هذه المرحلة المهمة والكبيرة في دستور 1962، وذلك جعلها تحتل مركزاً متميزاً بالنسبة لدول الجزيرة العربية. وكانت منارة حقيقية حركت مشاعر الكثيرين من شعوب هذه المنطقة التوّاقة إلى اللحاق بركب المجتمعات الديمقراطية الحضارية في العالم، التي وفّرت لشعوبها المناخ لكي تساهم وتبدع في إغناء التراث العالمي في التقدم في كل المجالات. أما هذا الجزء فسوف يستعرض الحالة البائسة التي وصلنا إليها الآن. فهو يشخص الوضع الحالي الذي أرجعنا إلى البداية -عهد الإمارة ثانية- ويذكر كيف حصل ذلك، كما يحاول أن يعطي صورة متفائلة للمستقبل بسبب دخول الحركة الشبابية الكويتية إلى حلبة الصراع السياسي بعد غياب طويل. نحن الآن في مرحلة تمّ فيها تعطيل الدستور وكل المؤسسات الدستورية التنفيذية والتشريعية والرقابية وإنهاء النظام الدستوري برمّته، وأصبحنا نقترب إلى حالة انعدام وجود دولة القانون أي ما يسمّى (Failed State).



دولة القانون


إن الدولة الحديثة تعني دولة القانون، قانون واحد يطبّق على جميع الناس، ويشكل الأساس لبناء وطن قوي يحبّه ويتمسك به جميع أبنائه لما يتيحه لهم من فرص متساوية.


وأيضاً يحتاج الوطن إلى هويّة يحملها أبناؤه ويفخرون بها. وكلما كانت هذه الهويّة هويّة للوطن كلّه، تخلّى المواطنون عن هوياتهم السابقة لقيام الدولة والوطن، والتي هي في بلادنا هويات قَبَليّة ومناطقيّة ودينيّة طائفيّة، وهنا يكون على الدولة أن تسعى إلى تقوية الهويّة الجامعة فلا تمزّق هويات ما قبل الوطن، هذا الوطن.


من أجل ذلك سعيت طوال حياتي وطوال عملي السياسي إلى بناء الدولة الحديثة، دولة القانون، والخطوة الأولى على هذه الطريق هي قيام سلطة التشريع، وسلطة التشريع في الدول الحديثة هي البرلمان، حيث تصاغ القوانين من ممثلي الشعب. والحلقة الأولى في هذه القوانين هي الدستور. إنه عماد قيام المؤسسات وانتظام عملها، والأساس الذي تبنى عليه الدولة الحديثة.


وسعيت إلى قيام الهويّة الجامعة أيضاً، ولذلك تمسّكت بالعمل القومي والوطني، ووجدت أن ارتباط الكويت، هذا البلد الصغير، بمحيطه العربي ضرورة لحمايته، وأن قوة هذا المحيط العربي الذي تربطنا به وشائج كبيرة، هي قوّة للكويت، وقوّة لتلك المشاعر الجامعة والقويّة التي تربط الشعوب العربية بعضها ببعض، خصوصا أن بدايات وعيي السياسي ترافقت مع محنة العرب الكبرى، أي احتلال فلسطين من العدو الصهيوني وما عناه ذلك، ليس فقط من تشريد لشعب، يُفترض بكل مؤمن بالعدالة الإنسانية أن يقف ضد تشريده، فكيف إذا كان الذي تشرّد أخاً وأهلاً، ولكن أيضاً لأن هذه الشوكة في خاصرة العرب، أظهرت عجز السلطات العربيّة التي نصّب معظمها الاستعمار بما يخدم مصالحه. وأظهرت طوال العقود الستّة الماضية أنها رأس حربة لإضعاف دول المنطقة ومنع أي محاولة للتحرر والاستقلال الحقيقي الناجز.


في هذه الفترة بدأت المراحل الأولى لمشاركتي في العمل السياسي، وهي فترة حافلة بمشاعر الغضب والرغبة في بناء أوطان قويّة، رغبة كانت تجمع كل الذين عاشوا تلك الفترة، ولذلك فإن هذه المشاعر تحولت إلى قوى سياسية امتدت كالنار في الهشيم، رغم أن ظروفاً كثيرة، لا مجال لمناقشتها في هذا الكتاب، أدت إلى مزيد من هزائم النظام العربي.


هذا ما ركزت عليه في الجزء الأوّل من ذكرياتي، مبتعداً كل البعد عن التنظير، وقلب الحقائق لإثبات وجهة نظري أياً كانت وجهة النظر هذه. بل كتبتُ الوقائع كما عشتها أو كما عرفتها، وذكرت الأمور كما جرت وذكرت كل الأسماء التي شكلت مصادر معرفتي عن اللقاءات التي لم أكن حاضراً فيها ولكني عرفت ما دار فيها.



المجتمع المدني


وإذا كنت لا أدّعي بأني منزّه عن الأخطاء، فإنني أقول إن كلّ ما ذكرته لم يكن فيه أي تعسّف أو تجنّ، ولذلك حرصت على عدم الردّ على الاتهامات التي وجّهت إليّ، لأنني لا أريد الخوض في صراعات جانبية تحيد بي عن هدف هذا الكتاب المتمثّل في تقديم صورة عن مرحلة من تاريخ الكويت، لم أكتبها بهدف التأريخ، وهذا ليس عملي، بل بهدف إطلاع أجيال الشباب اليوم على مرحلة من النضال من أجل قيام الكويت دولة دستورية يحكمها قانون مدنيّ طالما تعرّض للانتقاد من بعض جيران الكويت، وطالما كانت هناك مطامع لدى البعض، بأن يتم التخلّص من هذه التجربة الرائدة، والعودة إلى حكم الفرد الذي يصبح هو الوطن والدولة والقانون، بما يعيد الكويت إلى الوراء. هذا السعي إلى إلغاء الدستور ليس جديداً، فإقرار الدستور جاء نتيجة صراع وموازين قوى، وكانت القوى الوطنيّة والقومية، وقوى المجتمع المدني الحيّة من شباب وطلاب وعمال وتجّار، تشكّل قوّة لا يمكن تجاوزها، ولذلك وبالتعاون مع الخيّرين الذين يحبّون الكويت، بل يحبّون شعب الكويت، تم إنجاز قيام الدستور عام 1962، ثم تمّت التعديات عليه، من أجل إضعافه وإعلاء سلطة الأشخاص. هذا الصراع لم يُحسم بعد، وهو يُطرح كل مرّة، وعلى أبناء الكويت، على شعب الكويت، على نساء ورجال الكويت، وقبل كل ذلك على شباب الكويت تقع معركة الدفاع ليس عن الدستور وعن دولة القانون المدني فحسب، بل حسم هذا الصراع وتثبيت الدستور وإدخال تعديلات عليه تتلاءم مع التطورات الحديثة ومع مصلحة شعب الكويت.


وتكريس الدستور يعني تكريس دولة الحقوق المدنيّة، والحريّات العامّة، التي وبسبب ضعف القوى الوطنية والقومية، وضعف جمعيات المجتمع المدني وقواه الحيّة، نراها، أي هذه الحريات، تتراجع، وتتراجع على الأخص الحريّة الفرديّة والخاصّة للناس، والتي هي شرط الإبداع في كل مجال، بل يصبح حق التعبير عن الفرح، كما يعبّر عنه كل الناس بشكل تلقائي وفي كل زمان، بما في ذلك زمن الإسلام، أي بالموسيقى والغناء، يصبح هذا الحق ممنوعاً أو ملاحقاً، ويصبح من يدافع عنه متهماً في دينه وأخلاقه، ويحمي القانون عمليات المنع هذه.


إن دولة الدستور والقانون التي كنت واحداً من كُثُر من أبناء الكويت المخلصين ممن سعوا إليها مهدّدة، لأن القيّمين على تطبيق القانون يطبّقون القانون بطريقة تجعل الناس يرون فيه ما يحدّ من حقوقهم وحريّاتهم في حين أنّ على القانون أنْ يحمي حقوقهم وحريّاتهم. وهذا يحصل لأنّ مَنْ يسيطر على المؤسسة الرئيسيّة، التي هي مؤسسة التشريع، قوى لا تريد القانون المدني بل تريد العودة بالكويت إلى الوراء، وتريد مصالحها الخاصّة قبل مصلحة المجتمع والوطن والشعب.



التنوع


لقد غاب التنوع عن سلطة التشريع، حامية القانون، وصار المال بدل السعي إلى بناء الوطن، الذي تكمن منعته في الاختيار الحر، هو ما يحرّك المؤسسات. غابت المحاسبة على السرقة والرشاوى، إلا عندما يُراد إسكات فلان لمصلحة فلان آخر.


إن أفضل طريقة لإلغاء الدستور، والقانون، هي جعل طريقة تطبيقهما تتعارض مع ما يريده الناس بما يدفعهم للابتعاد عن المشاركة في الحياة العامة، وفي الانتخابات، ويدفع قوى المجتمع الحيّة والطامحة إلى تطوير الكويت إلى الانكفاء، وهو ما شهدناه من خلال النسب المتدنيّة للمشاركة في الانتخابات، ومن خلال تكتل الناس على أساس انتماءات ما قبل الدولة الجامعة، أي الانتماء القبلي أو الطائفي، ومن خلال الحديث المتزايد عن الدور السلبي لمجلس النواب.


فباسم هذا القانون تُمنع احتفالات الفرح، وتُمنع الكتب، ويصبح كل وزير للإعلام أسير الخوف من المساءلة. ويُدفع الكويتيون إلى السفر إلى الخارج، ودفع أموال باهظة من أجل التنفيس عن هذا الكبت الذي يعيشونه، ويصبح كل كتاب مسموح في مكتبات الكويت غير مرغوب فيه، بمعزل عن قيمته، بسبب الجو السائد الذي يعتبر أن هذا المسموح قد مرّ على رقابة لا تسمح سوى بما لا يعكّر صفو النواب الذين يقفون بالمرصاد لأي كتاب أو أغنية أو موسيقى لا تنسجم مع أفكارهم التي صاغتها مصالحهم من أجل تأبيد سلطتهم لا من أجل قيام مجتمع منفتح يختار فيه الناس قناعاتهم بملء إرادتهم لا مما يُفرض عليهم.


مُنحت المرأة حق التصويت في الكويت، لكن بسبب كل ما ذكرت لم تستطع سيدة واحدة أن تخترق هذه الانتماءات المتخلّفة، ولم تفز أي امرأة في الانتخابات.


ضعفت حيويّة المجتمع، وضعفت قوة الحركة الديمقراطية والوطنيّة التي تتجاوز هذه الانتماءات، أو ربما كان ضعف المجتمع المدني نتيجة لضعف القوى الوطنية وتراجعها، وهذا موضوع آمل أن أستطيع تخصيص كتاب خاص له يناقش أسباب ما آلت إليه القوى الوطنيّة والديمقراطيّة، التي يُفترض بها أن تشكّل مستقبل الكويت، من ضعف وهزال. وهذا ما أذكر بعض ملامحه في هذا الكتاب تحت عنوان «ضمور العمل الوطني».


لقد تحدّثت في الجزء الأوّل من هذه الذكريات، عن حيويّة قوى المجتمع المدني، وخصوصا قوة الشباب فيه، التي أسّست، وكنت مشاركاً فيها، صورة مشرقة للكويت، كويت الدستور والقانون والانتماء العربي والحريات الفرديّة والعامة، وكان نتيجة ذلك بلداً نفخر به، وأنتج ذلك مؤسسات ثقافية شكّلت منارة لاتزال تُذْكَرُ في كل محفل، ومؤسسات قانونيّة لم يكن لها نظير في المجتمعات التي كانت تسبق الكويت بأشواط، وكانت أوّل لجنة لحقوق الإنسان تُنشأ في برلمان عربي، أُنشئت في مجلس النواب الكويتي وبذلت جهوداً مهمة في موضوعات مثل التجنيس والبدون.


لقد قامت قوى المجتمع المدني بخوض نضالات في الشارع وفي الجمعيات والنوادي ثم في البرلمان لتحقيق مكاسب لشعب الكويت، وأقرّت أنظمة الضمان الاجتماعي وخاضت نضالات لتحسين الأجور، وعبّرت عن رأيها في كل ما كان يحصل في العالم العربي والعالم بأجمعه.


لماذا يغيب كل ذلك اليوم؟ اليوم والمجتمع الكويتي في أغلبيته، كما تظهر الإحصاءات، من الشباب، وبلدنا ينعم بوفرة مالية لم تكن له في يوم من الأيام.


لقد تمّ إنجاز كبير تمثّل في حق المرأة في الاقتراع، وحين أنظر إلى نساء الكويت وفتيات الكويت أرى أمامي طاقات كبيرة، ومشاركة فعليّة في كل مناحي الحياة، فأغلبية شابات الكويت يتخرّجن من المدارس والجامعات ويسافر بعضهن للدراسة في الخارج، بل وهو الأهمّ، أصبح من الطبيعي أن تخرج المرأة الكويتية إلى العمل، وتشارك زوجها في بناء الأسرة، ورفض الصورة التقليدية للمرأة التابعة فقط. بل إن أعداد الفتيات اللواتي يصلن إلى التعليم الجامعي مدهشة بالقياس إلى بلد قليل السكان مثل الكويت. ومع ذلك لايزال دور المرأة شبه معدوم في تقرير شؤون المجتمع، وهذا ناتج عن عدم التفات المشرّع إلى منح المرأة حقوقاً قانونية تجعلها في صلب المجتمع، بقدر ما هو ناتج من التخلّف الذي يتم تعزيزه بسبب طريقة ممارسة السياسة التي تدفع الكويتي إلى الخضوع للقبيلة والطائفة، بدل أن يسعى للانتماء إلى الوطن، فهو يرى نفسه محتاجاً إلى الحماية، ومحتاجاً إلى الوظيفة، ومحتاجاً إلى الدخول في مشاريع... وكل ذلك يحتاج إلى دعم وحماية من القبيلة أو الطائفة. وهكذا يتمّ تعزيز سلطة القبيلة والطائفة على حساب سلطة الدولة. وهكذا سيكون على نساء الكويت اللواتي يُخضعهن هذا المجتمع أكثر من غيرهن، أن يناضلن من أجل استكمال حقوقهنّ. فلا تكون الثياب هي المحددة لهوية أيٍّ منهنّ، بل إمكاناتها وشهاداتها وقدرتها على ممارسة دور فاعل في الحياة.



إلى الإمارة


لقد كان عنوان الجزء الأول من هذا الكتاب «الكويت: من الإمارة إلى الدولة» وقد أوضحت فيه كيف انتقلت الكويت من كونها مشيخة صغيرة، إلى دولة لها مكانتها بفعل دورها الذي قامت به والذي شكّل صورتها، وهذه الصورة كانت واضحة وساطعة، إنها صورة دولة فيها مجلس أمّة ودستور وقانون مدني، دولة فيها قوى حيّة لمجتمع يرفع صوته ومطالبه من أجل تحسين ظروف حياته، ومن أجل تأميم نفط الكويت، ويعارض بأعلى صوت، ويشارك في آمال أمّته وخيباتها، ويدعم حيث يجب الدعم، ويتضامن مع الثورات الساعية إلى التخلص من الظلم. كل ذلك يحدث رغم أن محيط الكويت فيه سلطات مستمدة من مشيئة الحاكم والحاشية.


وها هو الجزء الثاني «الكويت: من الدولة إلى الإمارة» يدق ناقوس خطر عودة الكويت إلى دولة فيها دستور وقانون صوريّان. وليس فيها مجتمع مدني وحركات شباب وشارع يضغط لتحقيق التقدّم، بل مجتمع معطّل منكفئ لا يرى الواحد فيه سوى مصلحته الشخصيّة، بل في غالب الأحيان لا يرى حتى مصلحته، ويسير مع عائلته، أو طائفته، بل إنه لا يسير، وإنما ينكفئ ويستقيل من الحياة العامة التي يرى أن الاهتمام بها مضيعة للوقت، ويكون بذلك قد فوّت على أولاده وأحفاده فرصا عديدة في هذا الزمن المعطّل بسبب جمود أوضاع الوطن وعدم تقدّمه وتطوّره، كل ذلك لأنه لا يجد الدافع الكافي ليدعم هذا التوجّه أو ذاك.


إن مجتمعاً ليس فيه تنوع، وليس فيه معارضة للسلطة الحاكمة، هو مجتمع معطّل، غير منتج، تجري فيه الحياة مجرى من قلّت عزيمته وضعفت قواه.


ولقد مثلت حركة الشباب، التي ناضلت من أجل قانون انتخابي جديد يكون أكثر تمثيلاً، أملاً في إطلاق دينامية جديدة في المجتمع، وهو ما حصل في الضغط من أجل قانون الدوائر الخمس، رغم النتائج التي أدت إليها هذه الانتخابات، والتي لم تكن إلا لأن قسماً كبيراً من النخب في الكويت انسحب من الحياة العامة ولم يشارك في الانتخابات، ولأن ما سبق الانتخابات من تصرفات قامت بها السلطة، سواء في موضوع تأبين عماد مغنيّة وتداعياته أو طريقة التعامل مع القبائل، أدّت إلى اصطفافات بعيدة عن النظر إلى المصلحة الوطنيّة، وأمعنت في تقسيم المجتمع على أساس إثني بدل توحيده، وهذا أمر أعتقد أن أطرافاً في السلطة أرادته لإيصال الناس إلى نتيجة تقول: أريحونا من هذا البرلمان ومن الدستور.


إنني في هذه المحطة الثانية من مذكراتي، ورغم الإحباط الذي وصلنا إليه، حيث عدنا لنرتد من الدولة إلى الإمارة، فإنني متفائل، متفائل بدور مهم يلعبه شباب الكويت، وانتفاضة سلميّة على الأوضاع القائمة تعيد وضع الكويت على المسار الذي كافحنا من أجله.


وموضوع الشباب، موضوع كبير الأهمية عندي، أفردتُ له خاتمة هذا الكتاب، وآمل أن أستطيع قراءة هذه التجربة والدور المطلوب منهم وتقديم كل ما أستطيع لهم، لحاضر هذا البلد، فالحاضر هو أساس المستقبل، ولا يتوهمنّ أحد أن مستقبلاً قد يأتي من دون أن يؤسس له الحاضر.


* * *


في الجزء القادم من الحلقات أركّز على ثلاث مسائل:


الأولى: موضوع العمل الوطني والقومي، وهو الأمر الذي أدى ضعفه إلى الضعف الحاصل في المجتمع، حيث يحصل العزل، ويصبح الكويتيون شيئا فشيئا أكثر انشغالاً بهموم خاصة وصغيرة، ويفقد المجتمع حيويته ويغرق في هموم تزيد الناس ابتعاداً عن الحياة العامة التي هي عماد مشاركة المواطن في بناء وطنه الذي هو مستقبل أبنائه وثروتهم الأكثر أهمية من أي ثروة.


وموضوع العمل الوطني يحتاج إلى تضافر جهود الخير الكثيرة، لمناقشة سبل إعادة الحياة السليمة إلى المجتمع حيث تكون هناك سلطة ومعارضة، وتكون هناك قوى اجتماعية تتقدم بالمطالب، وتسعى بكل وسائل الضغط السلمي إلى تحقيقها، فهكذا تتقدم الأمم وليس بالانكفاء، ولا بشراء الناس، ولا بالانفجار الاجتماعي الذي لا يولّد سوى تدمير المجتمع.


الثانية: كيف استمرت الحياة الدستوريّة والنيابية والسياسيّة، وكيف بدأ الضغط من أجل التراجع عن الإنجازات التي تحققت. وكيف أنه، كما تطوّر وضع الكويت مع المدّ الذي ميّز العمل الوطني والقومي، فإن التراجع كان مترافقاً مع ضعف هذه القوى والتأثير الذي أحدثه تبدّل القوى على المستويين الإقليمي والدولي، وساهمت فيه دول الجوار التي لم تكن راضية عن تجربة العمل الدستوري والبرلماني في الكويت.


أما الثالثة فهي مرحلة الغزو الصدّامي للكويت.


إن ما أردته من هذا الكتاب بجزءيه، أن يكون مادة يستفيد منها الشباب والأجيال القادمة، لقراءة تجربة العمل السياسي في بلدهم، ولم يكن بذهني إطلاقاً تصفية أي حساب مع أيّ كان، لأنني لم أعارض يوماً لدوافع شخصيّة، بل كان هدفي مصلحة الكويت، اليوم وكل يوم أدعو إلى الوقوف إلى جانب كل من يسعى إلى جعل المجتمع الكويتي مجتمع مواطنين لا مجتمع رعيّة، سواء كان حاكماً أو محكوماً.



المصدر الجريدة
http://www.aljarida.com/news/index/274767/الكويت-من-الدولة-إلى-الإمارة---الدكتور-أحمد-الخطيب-يتذكر---الجزء-الثاني--1-
 
التعديل الأخير:

السيب

Active Member
طاقم الإدارة
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (2)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الدكتور أحمد الخطيب يتذكر- الجزء الثاني (2)



الثلاثاء 02 سبتمبر 2008 - الساعة 00:00
خضنا الانتخابات ضمن جبهة عريضة امتدت من رئيس غرفة التجارة إلى رئيس اتحاد العمال

T+ | T-
أخبار ذات صلة
سلمان دعيج الصباح يرد على مذكرات الدكتور أحمد الخطيب
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (21)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (20)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (19)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (18)

إهداء إلى شابات وشبّان الكويت الذين يعملون على إعادة الكويت إلى دورها الريادي في المنطقة.

إلى أولئك الذين يسعون إلى بناء مجتمع ينعم فيه المواطن بالحرية والمساواة تحت سقف قانون واحد يسري على الجميع، ويكون هدفه إطلاق إبداعات أبنائه وليس تقييدها باسم المحافظة على عادات وتقاليد هي جاهلية في طبيعتها ولا تمتّ بصلة إلى الدين ولا إلى ما جبلت عليه الكويت منذ نشأتها من تعلّق بالمشاركة في السلطة، ثم الالتزام بدستور 62 الذي قنن هذه الطبيعة الكويتية.


إلى الشابات والشبّان الذين يحلمون بمستقبل مشرق للكويت يعيد دورها الرائد في محيطها، كي تنضم إلى عالم العلم والمعرفة الذي أخذ ينطلق بسرعة هائلة لا مكان فيه للمتخلّفين.


إلى هؤلاء جميعاً أهدي هذا الكتاب.


ضمور العمل الوطني


الحركة الوطنية والقومية كانت قويّة في الكويت منذ الخمسينيات وتعمقت جذورها في ضمير الشعب الكويتي، ولذلك بقيت جذورها إلى يومنا هذا بالرغم من كل ما أصابها من محن بسبب عوامل داخلية ذاتية وإقليمية ودولية.


وسوف أحاول أن أسجل المحطات الرئيسية التي أدت إلى إضعاف العمل الوطني القومي في الكويت. ولعل المحطة الأولى هي الصراع العلني الذي نشأ بين أجنحة النظام عندما أسقط جابر العلي وزارة جابر الأحمد ودخل خالد المسعود في صميم هذا النزاع وأدى انتصار فريق جابر العلي وخالد المسعود الى انضمام بعض عناصرنا النشيطة في الحركة إلى خالد المسعود، وتبعهم الساعون إلى الحصول على مناصب لم يكونوا يحلمون بها.


خالد المسعود لم يطل ابتعاده فلقد فوجئ بتزوير الانتخابات عام 1967 مع أنه كان وزيراً في الحكومة مما أعاده إلى موقفه الأصلي وقدم استقالته من الحكومة، وهذه التجربة أعطتنا درساً آخر مهماً هو ضرورة الابتعاد عن الصراع العائلي الصباحي.


أما المحطة الثانية فكانت الموقف من تزوير الانتخابات في 25/1/1967. لقد خضنا الانتخابات ضمن جبهة عريضة امتدت من رئيس غرفة التجارة إلى رئيس اتحاد العمال الكويتيين. وكان طبيعياً أن تختلف الآراء حول ردة الفعل المطلوبة لحدث بمثل هذه الخطورة، ولأن الجبهة الوطنية كانت واسعة كانت الآراء متفاوتة بين من يطالب بردة فعل قوية بمستوى الحدث ومن يعارض التصعيد الذي لا تعرف نتائجه، بل رأى البعض أن نكتفي بتقديم العرائض والحملة الصحفية والاتصالات ومقاطعة النشاطات الرسمية بلا تظاهر ولا إضراب.


وكنا بين خيارين إما أن نوافق مع الحلفاء حتى نحافظ على التحالف ونطوره، وإما أن ننفرد بالعمل مما يهدد بخسارة حلفائنا.


انتصر الرأي الأول مما أدى إلى الإحباط عند بعض العناصر النشيطة وترك بعضها العمل الحزبي، مما شكل إضعافاً آخر لعملنا، لقد توقع البعض أن ننفرد بالعمل كما حصل أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 عندما رفضنا المهادنة ونزلنا إلى الشارع وانتصرنا. (انظر الجزء الأول من المذكرات).


بعد مدة قصيرة عملت الحكومة على تطويق التحرك الهادئ ومنعت الصحف من نشر أي شيء. لا بل أفهمت التجار أن مصالح المعارضين ستتعرض للخطر، وعندما قام حاكم البحرين بزيارة الكويت، وجهت الدعوة إلى وجهاء البلد بضرورة حضور حفل العشاء لأمير البحرين واعتبار التخلف عن الحضور تمرداً على الأمير سيكون ثمنه غالياً، مما أفشل المقاطعة المتفق عليها.


في جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت بعد التزوير مباشرة ساد الوجوم وظهر الارتباك على وجوه الوزراء من أفراد الصباح، لأن التزوير كان فجّاً وواضحاً مما أوحى بأن رئيس مجلس الوزراء كان يفكر في إعادة الانتخابات، على الأقل في بعض الدوائر التي كانت نتائجها لا تصدق، لكنّ أحد الوزراء الشعبيين بادر رئيس الوزراء بالقول «لا تستعجل يا صاحب السمو ادعُ النواب الذين فازوا وشاورهم»، لأن رئيس الوزراء كما يبدو كان خائفاً أن يعتذر معظم النواب الفائزين بسبب الجو الشعبي الرافض لهذه النتائج.


تمت الموافقة على هذا الاقتراح فاستدعى رئيس الوزراء النواب الفائزين الذين فازوا بالتزوير وما كانوا يحلمون بأن يصلوا إلى المجلس فأشادوا بنتائج الانتخابات النزيهة.


عمّ السرور وجوه الوزراء من الصُّباح في الجلسة الثانية وانتهت الأزمة بالنسبة لهم.


وحده الشيخ جابر العلي كان الخاسر، فلقد خسر جميع مرشّحيه في الدائرة العاشرة، ورفض وزراؤه الذين أتى بهم خالد المسعود التضامن معه والاستقالة من الوزارة.


واتضح أن الشيخ سعد العبدالله قد تحالف مع الشيخ جابر الأحمد ضد الشيخ جابر العلي الصباح الذي أصبح يشكل خطرا عليهما.


خطورة ما حدث هو انتصار للخط المعادي للدستور والديمقراطية والمشاركة الشعبية في الحكم. ورشح ضباط الشرطة الذين أشرفوا على التزوير ليقلّدهم الأمير أوسمةً على صدورهم مكافأة لهم في حفلة رسمية بالديوان الأميري تذاع في كل أجهزة الإعلام الحكومية تحدّياً واستخفافاً واحتقاراً لمشاعر الكويتيين، وهكذا كان.


لقد شرب حليب السباع وأصبح لا يعير أي انتباه إلى مشاعر الكويتيين، كما سوف أفصّل لاحقاً، في حواراته بعد تجمعات يوم الاثنين وقيام المجلس الوطني ومعاملته للكويتيين أثناء الاحتلال وبعد زوال الاحتلال مباشرة.


هذه كانت تجربة صعبة، ربما لم نحسن خياراتنا التي أدت إلى تنمر السلطة لكن التجربة هيأت الظروف لفرز أوضح في طبيعة التحالفات التي أتت لاحقاً.


المحطة الثالثة كانت الموقف من مبادرة روجرز للسلام بشأن القضية الفلسطينية وموافقة جمال عبدالناصر عليها. فتاريخ حركة القوميين العرب ونشأتها مرتبط بالقضية الفلسطينية بالدرجة الأولى، فالحق الفلسطيني العربي أمر مقدس لا يمكن المساس به تحت أي ظرف. هذه العناصر القومية لم تقبل بهذه المبادرة وهاجمتها بافتتاحية بمجلة الطليعة بالرغم من قبول عبدالناصر بها مما أزعج العناصر الناصرية. وهنا حدث أكبر انشقاق في العمل الوطني الديمقراطي في الكويت، وظهر ذلك على السطح في انتخابات نادي الاستقلال مما أفرح كل المعادين للعمل الوطني القومي، سواء الذين كانوا في السلطة أو خارجها وأعلن مولد التجمع الوطني الذي خاض الانتخابات بنادي الاستقلال من دون تحقيق أي نتيجة. كان ذلك يوماً مفاجئاً وحزيناً بالنسبة إليّ لأنني في غمرة مهماتي الكثيرة لم أكن مطّلعاً على هذا الصراع الداخلي الذي كان يختمر منذ مدة غير قصيرة.


لقد أصبت بصدمة عنيفة عندما جاءني عبدالمحسن الدويسان إلى البيت ليطلب مني مباركة القائمة المنافسة، فحذرته من ذلك وقلت له: اذهب إلى سامي المنيس وتفاهما على كل شيء، وحذرته من تحويل الخلاف إلى صراع علني يؤدي إلى تقويض العمل الوطني، وأنني سوف أقف بشدة ضد كل محاولة تخريبية. وفي الاجتماع الانتخابي بنادي الاستقلال تكلمت عن خطورة ما يجري ونبهت الجميع إلى أن ما عَجِزَتْ عن تحقيقه القوى المعادية سيتم تحقيقه على أيديكم أنتم، وهذه أكبر جريمة ترتكب بحق طموحات هذا الشعب.


هذا الصراع انتقل إلى الشارع بوسائل عدة وصار يتمّ تبادل الاتهامات الباطلة والمؤلمة وأتاح ذلك لأعداء العمل القومي والوطني المساهمة في مهاجمة العمل الوطني وتشويهه.



هزيمة حزيران


المحطة الرابعة جاءت بعد المؤتمر القومي لحركة القوميين العرب صيف 1968، بعد هزيمة حزيران 1967 التي أحدثت زلزالاً عنيفاً في المنطقة. هذه الهزيمة المذلة أفقدت الكثيرين صوابهم، واعتبرها البعض هزيمة للخط الناصري والقومي وبالتالي تبرّأ عدد كبير من المناضلين من هذا التوجّه ولجأوا إلى العقائد الأخرى المطروحة في الساحة، عند الأحزاب الدينية أو الماركسية- اللينينية من دون التنبه إلى أن هذه الأحزاب كانت موجودة من عشرات السنين من غير أن تستطيع تحقيق أي اختراق سياسي كبير.


هل كانت هذه الهزيمة هي هزيمة للعقيدة أم هزيمة للذين أساءوا فهمها واختاروا طريقاً خاطئاً لتطبيقها على الواقع؟


كانت فرصة عظيمة لأعداء هذه الأمة ليطعنوا في التوجه القومي وينكروا وجود هذه الأمة وإمكان توحيدها ويطبّلوا لكل عقيدة معادية للفكر القومي.


في حركة القوميين العرب، قام نايف حواتمة الذي كان قد انتُدِبَ من قِبل الحركة للعراق للمساعدة بعد أن تعرضت حركة القوميين العرب في العراق لحملة مطاردة شرسة من البعث العراقي، وقد انبهر كما يبدو بالحزب الشيوعي العراقي وبكوادره المناضلة والمثقفة وتاريخه البطولي في النضال لمصلحة الطبقات المهمّشة في المجتمع العراقي فتحوّل إلى ماركسي- لينيني وعدو للفكر القومي وسرعان ما انضمّ إليه محسن إبراهيم وآخرون في بيروت. وبدل أن ينضموا إلى الأحزاب الشيوعية الكثيرة الموجودة قرروا إنشاء حزب شيوعي جديد على أنقاض حركة القوميين العرب، وقد نجحوا في هذا المخطط -إنهاء حركة القومين العرب- من دون أن يتمكنوا من إيجاد البديل الأفضل أو الحزب الناجح، فحزب العمل الشيوعي اللبناني له وجود متواضع والجبهة الشعبية الديمقراطية لم تتقدم على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع كل ما تحملته الجبهة الشعبية من انقسامات متعددة.


هذا الصراع امتد إلى كل تنظيمات حركة القوميين العرب في كل قطر واتخذ أسلوباً دموياً في اليمن الجنوبي وعُمان، ووصل الى التنظيم في الكويت واستهوى العديد من الشباب الممتازين في الحركة واعتبروا العناصر القومية في الحزب برجوازيين وعملاء للصباح في بيانات وزّعوها في الكويت.


لن أسترسل في الحديث عما حدث فهو ليس موضوع هذا الكتاب، وأنا أذكر الأسباب التي أدت إلى إرهاق العمل القومي في الكويت.



دعوة الحوار


والمحطة الخامسة كانت انتخابات 1971، وهنا جاء دور يعقوب يوسف الحميضي حمامة السلام. دعانا إلى الاجتماع في بيته بالشويخ، وكان المدعوون مجموعة من التجار الوطنيين والتجمع الوطني ممثلاً بالأخ جاسم القطامي في محاولة لإنهاء هذا الخلاف المدمّر للعمل الوطني.


كان رأي التجار أن نقاطع الانتخابات بسبب التزوير الذي حصل في انتخابات 1967 والعبث بجداول الانتخابات وقضايا التجنيس، في حين كان رأينا هو المشاركة لإيصال بعض العناصر إلى المجلس لطرح وجهة نظرنا والمحافظة على علاقاتنا مع المواطنين لأننا حريصون على تطوير هذه التجربة الديمقراطية. لكننا سوف نوافق على المقاطعة إذا وضعنا خطة عمل واضحة نلتزم بتنفيذها. فالمقاطعة وحدها لا فائدة منها ما لم تكن ضمن خطة عمل متكاملة.


وكان في ذهننا فشل المقاطعة عندما قررناها إثر تزوير الانتخابات عام 1967 ونقض قرار المقاطعة بعد بضعة أيام عندما لبى التجار دعوة العشاء لحاكم البحرين كما ذكرت سابقاً.


بعد النقاش المطوّل طلب المجتمعون الرجوع إلى إخوانهم لدراسة اقتراحنا.


في الاجتماع الثاني دار نقاش مطول أيضاً لم يثمر عن أي شيء فتمّ تأجيل الاجتماع مرة ثانية.


بعدها ببضعة أيام اتصل بي عبدالعزيز حسين طالباً مقابلتي بصورة عاجلة. ذهبت إليه في مكتبه بالصالحية، فأخبرني أن مجموعة التجار وهو منهم قد اجتمعوا مساء البارحة وقرروا مقاطعة الانتخابات وكلفوا لجنة من ثلاثة هو واحد منهم بإعداد بيان يقول إنهم سيقاطعون الانتخابات ويدعون الجميع إلى المقاطعة، إلا أنه (عبدالعزيز الحسين) اعتذر بحجة السفر لعدم قناعته بهذا الموقف.


اجتمعنا بشكل سريع وقلنا إن إصدار بيان كهذا من دون علمنا ومن دون فشل اجتماعنا هو وضعنا أمام أمر واقع لا نقبل به. فقررنا أن نصدر تصريحاً صحفياً بأننا سوف نشارك في الانتخابات القادمة بشكل رمزي ونرشّح أربعة أشخاص. وقد نشرت صحيفة السياسة في اليوم التالي التصريح على الصفحة الأولى.


هنا دعا يعقوب يوسف الحميضي إلى اجتماع عاجل لأنه فوجئ بذلك. وفي الاجتماع شرحنا تفاصيل ما حدث وقلنا إننا لانزال مستعدين لسحب مرشحينا إذا تمت الموافقة على برنامج عمل وطني نلتزم جميعاً بتنفيذه، ولما لم تكن هناك موافقة على ذلك قام كل طرف بتنفيذ برامجه. هم نشروا بيانهم ونحن حدّدنا مرشحينا وهم: د. أحمد الخطيب وسامي المنيس وعبدالله النيباري وأحمد النفيسي. وامتنع التجمع الوطني عن ترشيح أي شخص.


نجحنا نحن الأربعة في الانتخابات وذهلنا لردة الفعل الشعبية المؤيدة، فلقد بقينا مدة عشرة أيام -كل في مقره- نستقبل المهنئين من الصباح الباكر إلى الساعة العاشرة مساءً، وهذا لم يحدث في السابق ويعود إلى الغضب الشديد عند أهل الكويت من المجلس المزوَّر والحكومة المزوِّرة للانتخابات. هنا بدأت مرحلة العداء بيننا وبين بعض ملّاك جريدة القبس الممثلة لهذه المجموعة الوطنية.



إنعاش الاخوان


والمحطة الأخيرة هي الوضع الدولي وتغيير الموازين.


فبعد أن حققت معظم الدول استقلالها دفعت أبطالها إلى الصدارة وتجمعوا في دول عدم الانحياز بقيادة تيتو وجواهر لال نهرو وجمال عبدالناصر ونكروما وسوكارنو وآخرين، ووصل المد التحرري في العالم إلى عنفوانه، لكن ضموره بعد أن تحررت دول العالم من الاستعمار وفقدت دول عدم الانحياز قادتها واشتداد الصراع بين المعسكرين أثناء الحرب الباردة أضر بأهدافه السامية. وفقد زخمه بعد أن سقطت كل التحفظات عند المعسكرين للحصول على الأصدقاء، وأصبح عدو عدوي صديقي مهما كانت مواصفاته سيئة.


هنا جاء دور الحركات الدينية في الدول العربية بالتصدي للقوى اليسارية والقومية المعادية للنفوذ الأميركي في المنطقة رغم أن بعضها معاد لأميركا. فقد تحالفت مع بعض الحكومات العربية التي أمدّتها بكل الإمكانات للتصدي لهذه القوى اليسارية والقومية.


ففي الكويت جرت عملية إنعاش لحزب الإخوان المسلمين بعد غيبوبة دامت نحو ثلاثين عاماً، ويذكر كتاب Devil’s Game لكاتبه Robert Dreyfuss كيف أن بعض قياديي الحزب في المنطقة العربية تجمعوا في الكويت ليدشنوا عملهم الجديد بتأسيس بيت التمويل الكويتي بمباركة ومساعدة النظام الذي أعطاهم عقاراً في أحسن وأغلى منطقة تجارية في الكويت حينئذ - المثنّى- وساهمت الحكومة في أغلبية أسهمه تاركة للحزب إدارته، وأعفي هذا البنك من مراقبة البنك المركزي وسمح له بممارسة كل أنواع التجارة.


وهكذا بدأ الحزب باستمالة الكثيرين بتعيينهم في نشاطات البنك المتعددة برواتب مغرية وتمويل كثير من المشاريع للأعضاء والأصدقاء للتنفيع واستغلال الأموال الخيرية في الحصول على تأييد قطاعات واسعة من المحتاجين من البسطاء وما أكثرهم في المجتمعات التي يتحكم فيها الفاسدون. هذه هي البداية المعروفة لكل فرع من هذا الحزب في كل بلد عربي.


ثم سلّمتهم الحكومة وزارة التربية، وأصبحت كوادرهم القيادية هي التي تدير التعليم، فتم تغيير المناهج التعليمية والتوسع بمواد الدين، وأنشئت كلية الشريعة لتخريج الكوادر الحزبية لتوزيعها في كل موقع في الدولة.


وسلّمت وزارة الأوقاف لهم، وتحوّلت كثير من المساجد إلى أوكار حزبية دينية، وتمددت سلطتهم إلى أجهزة الإعلام الرسمية. وحدهم فقط أعطي لهم الحق بجمع التبرعات من دون أية رقابة. فشكلوا لجاناً كثيرة انتشرت في كل زاوية بالكويت بأسماء مختلفة لجمع الأموال، وكانت تصرف هذه الأموال من دون أية رقابة حكومية. تحالفهم مع بعض أركان النظام جعلهم دولة ضمن الدولة، وأصبحوا فوق القانون.


هذه الأحزاب اشتركت في الانتخابات لأول مرة عام 1981 بعد أن أصبح لها وجود ملموس في الساحة. ولم نستغرب أن يكون برنامجها الانتخابي مقتصراً على الهجوم على القوى الوطنية والقومية متهمة إياها بالكفر والفجور منسقة ومتعاونة مع مرشحي السلطة في الانتخابات، ولقد انبهرنا جميعاً باستعمالهم الوسائل الفنية المتقدمة في الدعاية الانتخابية المكلفة مادياً مما يعجز عنه أي مرشح آخر، وشاهدنا صورة تشبه النشاط الإعلامي الأميركي في الحملات الانتخابية.


ومع أنني لست هنا في مجال تقديم دراسة عن الأحزاب الدينية في الكويت، فهذا موضوع يناقشه الكثيرون غيري، إلا أنه لا بدّ من القول إن التعميم لا يجوز. فإذا كان بعض هذه القيادات مرتبطاً بأنظمة أو غيرها فإن هنالك الكثير من الشباب المؤمن الذي بدأت آفاق معرفته تتسع ليميز بين ما هو صالح وما هو طالح.


وما برامجها التي تحقق النمو والتقدم في عالم متطور تتسارع فيه الاختراعات المذهلة، والتي إن لم نواكبها أصبحنا «الهنود الحمر» في القرن الواحد والعشرين.
 
التعديل الأخير:

السيب

Active Member
طاقم الإدارة
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (3)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الدكتور أحمد الخطيب يتذكر - الجزء الثاني (3)



الأربعاء 03 سبتمبر 2008 - الساعة 00:00
اتفقنا على التواصل مع أركان النظام لتسويق المواضيع الحيوية لاسيما النفطية ليتبناها ويطرحها باسمه لضمان نجاحها

T+ | T-
أخبار ذات صلة
سلمان دعيج الصباح يرد على مذكرات الدكتور أحمد الخطيب
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (21)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (20)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (19)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (18)

إهداء إلى شابات وشبّان الكويت الذين يعملون على إعادة الكويت إلى دورها الريادي في المنطقة.

إلى أولئك الذين يسعون إلى بناء مجتمع ينعم فيه المواطن بالحرية والمساواة تحت سقف قانون واحد يسري على الجميع، ويكون هدفه إطلاق إبداعات أبنائه وليس تقييدها باسم المحافظة على عادات وتقاليد هي جاهلية في طبيعتها ولا تمتّ بصلة إلى الدين ولا إلى ما جبلت عليه الكويت منذ نشأتها من تعلّق بالمشاركة في السلطة، ثم الالتزام بدستور 62 الذي قنن هذه الطبيعة الكويتية.


إلى الشابات والشبّان الذين يحلمون بمستقبل مشرق للكويت يعيد دورها الرائد في محيطها، كي تنضم إلى عالم العلم والمعرفة الذي أخذ ينطلق بسرعة هائلة لا مكان فيه للمتخلّفين.


إلى هؤلاء جميعاً أهدي هذا الكتاب.


ملامح العمل السياسي الجديد


ما أشرنا إليه في الحلقة السابقة، أوضاع استجدت على الساحة الكويتية أثرت كثيراً في فاعلية القوى الوطنية والقومية، ولكن مع هذا كله لا يمكن أن تعفى القوى الوطنية والقومية من مسؤوليتها. وأعتقد أن سبب هذا التقصير يعود إلى سببين مهمين.


الأول - عدم فهم طبيعة المرحلة الجديدة وبالتالي عدم القدرة على معرفة من هم الذين مع التطور ومن هم ضده. كذلك ما هو البرنامج المطلوب تنفيذه لنجاح عملية التطوير وأيضاً ما هي الوسائل لتحقيق ذلك.


ثانيا - التمزق الشديد بين ما تبقى من عناصر وطنية وقومية ومحاولة كل فريق اتهام الآخر بالفشل، لأن الكل عاجز عن فهم الواقع الجديد والتعامل معه، فكل فريق يرى أن الأسهل عليه هو أن يلقي عجزه على الآخرين، فالفشل يتيم ليس له والدان.


التفكير السليم يتطلب منا أن نفهم هذا الواقع جيداً وأن نحدّد هويتنا وأهدافنا.


نحن حركة سياسية إصلاحية ودستورية، تحترم دستور 62 وتعتقد بأنه يمثل بداية معقولة للإصلاح السياسي والاقتصادي للكويت.


كذلك، نحن حركة سياسية علنية تعمل لتكون لها قاعدة شعبية واسعة تمكِّنها من تحقيق طموحاتها الإصلاحية، وذلك بتبني المطالب الشعبية في حياة كريمة.


كذلك نحن حركة سياسية ذات توجه قومي. ولتكون قومياً فاعلاً لا بدّ أن تكون قوة فاعلة في البلد الذي تعمل فيه، حتى لا تتحول الأهداف القومية إلى شعارات فارغة. هذا يتطلب منا وضع برنامج مفصل يكون دليلاً لعملنا في الكويت.


وضع البرنامج يتطلب فهما علميا للواقع يحدد الخلل الموجود ويضع الحلول الناجعة له. فنحن بصدد توفير الأجواء الصحية للمواطن ليتمكن من تطوير قدراته ومهاراته مما يعود بالفائدة له ولمجتمعه.


وعند وضع أي برنامج لا بدّ من تقديم الأهم على المهم وهذا خاص في كل مجتمع حسب تطوره. وهذا يعني أننا لسنا بحاجة إلى نظرية إيديولوجية متكاملة فيها الحلول لكل مشاكل المجتمعات بل لبرنامج عمل يتصدى للمشاكل التي يعانيها المواطن.


يتبع ذلك أن العمل يجب أن يتحول من عمل سري إلى عمل علني، وأول ما يعنيه ذلك هو استبدال قوانين العضوية الصارمة للأحزاب السرية بقوانين منفتحة للانتساب، ومن يقرر صلاحية الفرد من عدم صلاحيته للعمل هم الأعضاء أنفسهم من خلال العملية الديمقراطية الصحيحة التي يجب أن تكون موجودة في الحزب، يجب ألّا يعطى أي مسؤول أو أية مرتبة حزبية الحق في الحكم على أي عضو. وتنتهي مقولة «هذا طويل وهذا قصير». الأعضاء وحدهم هم الذين يطهرون تنظيمهم من العناصر غير الصالحة عن طريق الانتخاب والمحاسبة، ليكون ذلك نموذجاً لشكل السلطة الذي نريده.


كذلك يجب الانتباه إلى أهمية العمل في نشاطات المجتمع المدني المتعددة التي تعالج الكثير من المشاكل وتلقى التأييد من قطاعات شعبية واسعة كالبيئة، ومكافحة السرطان وأمراض القلب وذوي الاحتياجات الخاصة وكذلك الأندية الرياضية والنشاطات الثقافية المتعددة.


في الدول المتقدمة تستقطب هذه المؤسسات قطاعات شعبية أكثر من الأحزاب. وهي في ازدياد مضطرد. وعلاوة على أنها تخدم أهداف اجتماعية كثيرة فإن أهميتها تكمن في أنها تنظم الأفراد وتجعل لهم قيمة وفاعلية، فالفرد وحده عاجز عن التأثير، لكنه إذا أصبح ضمن مجموعة كبيرة صارت قدرته على التأثير باتخاذ القرارات كبيرة.


وهنا تتغير طبيعة الاجتماعات الحزبية من نقاشات عامة مضيِّعة للوقت إلى مسؤوليات عملية محددة تتم مراقبة تنفيذها.


كل هذه الأمور وغيرها تسلتزم التغير الكامل في عقلية العمل الحزبي السياسي -من العمل السري الثوري- إلى العمل الجماهيري العلني.


هذه الأمور كلها كانت مدار بحث مطول نحو سنتين في سرداب بيت سامي المنيس، وخرجنا بوثيقة علنية وطرحناها كبرنامج عمل لنا في انتخابات عام 1971، ولابد من الاعتراف بأن الأخ نايف الأزيمع لعب دوراً مميزاً في هذا المجال.


بهذا المفهوم لطبيعة العمل الوطني في الكويت خضنا انتخابات 1971، وكان برنامجنا الحزبي هو البرنامج الذي طرحناه في الانتخابات. وعندما فزنا جميعاً وجدنا أن هناك عناصر وطنية ونظيفة من غير مجموعتنا موجودة في المجلس وعرضنا عليها التعاون في العمل على تقديم المشاريع الإصلاحية وإنجاحها، مما شكل تجربة فريدة ناجحة.


وبعد نجاحنا في الانتخابات عام 1971 بادرنا فوراً إلى ترجمة هذه القناعات في عملنا داخل المجلس، ووجدنا تجاوباً عجيباً من مجموعة من النواب الطيبين، وشكّلنا معهم كتلة مهمة في المجلس تبنّت كل قضايا البلد واستطاعت أن تحقق إنجازات مهمة. وأعتقد أن مجلس (71) كان من أكثر المجالس فاعلية وإنتاجاً. لذلك أفردتُ فصلاً كاملاً لهذا المجلس من دون كل المجالس التي مرّت في الكويت لتوضيح ذلك.


كانت المهمة التالية هي التواصل مع جميع الأطراف الوطنية الأخرى لجمع الشمل في جبهة وطنية واحدة على الأقل إذا تعذّر الاندماج في حزب ديمقراطي وطني واحد.


والحقيقة أن محاولات عدّة جرت واجتماعات مطوّلة امتدّت أسابيع كثيرة للخروج بصيغة موحّدة، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل. لماذا؟ السبب هو أن وضع التصور والاقتناع به شيء والممارسة شيء آخر. فما لم يتحول الاقتناع إلى إيمان يغيّر تفكير الشخص وسلوكياته فلا فائدة منه.


عقلية الانفراد بفضيلة الإخلاص بقيت سيّدة الموقف، بما تغرزه من شك وريبة في الآخرين وبالتالي التحفظ على مشاركتهم في العمل. هذه العقلية تكون مصحوبة بحبّ الانفراد والتسلّط. والمثل الدارج يقول «من شبّ على شيء شاب عليه». فثقافة العمل السرّي المنضبط المتشدد في قبول العضوية والاهتمام بالنوعية على حساب الكمية قد استقرّت في نفوس الكثيرين مما أفشل كل هذه المحاولات. ومع أن معظم هؤلاء قد حلّ بهم هذا المرض فإن كل واحد يلقي اللوم على الآخر مما يعمق الخلافات بين هذه الأطراف ويجعل الصراع بينها أشدّ من صراعها مع أعدائها الحقيقيين، بل إنها في بعض الحالات تتحالف مع الأعداء لتأكيد انتصار منطقها على الحلفاء في العمل الوطني مثلما نشاهد هذه الأيام.


ولعل في تجربة المنبر الديمقراطي خير مثال على ذلك. فمع أنه كانت هنالك محاولة جادة ومضنية في جمع كل هذه الأطراف الوطنية في تنظيم واحد فإن الجو السائد في المؤتمر التأسيسي الذي حضرته كل هذه الأطراف أفشل هذه المحاولة قبل انطلاقها، حتى تنافس أكثر من شخص على مركز الأمانة العامة للمنبر من قبل مجموعة واحدة. هذا الصراع البشع ضمن المجموعة نفسها عكس ثقافة التسلط والتشكيك السائدة وأدى إلى موت المشروع قبل ولادته. واتضح ذلك عندما فشل المنبر في عقد مؤتمره الثاني لعدم وجود النصاب المطلوب إذ كان الحضور أقلّ من ثلث الأعضاء المؤسسين. ولما حاولت إقناع الحاضرين بدراسة هذه الظاهرة الخطيرة وُوجهت بحملة ظالمة قررت بعدها أن لا أشترك في أي نقاش، إضافة إلى أنني رفضت كذلك أن «أزيد الطين بلّة» وأشارك في هذا الصراع المدمر.


صراعات السلطة والنضال من أجل تثبيت أسس الدولة


عندما بدأت كتابة هذه الذكريات التي أردت من خلالها تسجيل محطات التحولات التي شهدتها الكويت منذ أواخر الخمسينيات، ولأن هذه الذكريات لم تكن موجودة عندي، فقد كان عليّ أن أستند إلى الذاكرة، وأن ألتقي عدداً من الأصدقاء الذين تشاركت معهم في النضال من أجل الكويت والأمة العربية، وأن أضع أمامي وأجمع بمساعدة الأصدقاء مجموعة من الوثائق.


وقد كتبتُ الجزء الأول الذي تناول انتقال الكويت من إمارة أو مشيخة إلى دولة، وكيف أن أساس بناء هذه الدولة هو الدستور الذي كنت من بين الحريصين دائماً على التمسّك به رغم ما تعرّض له هذا الدستور. والنضال من أجل الدستور كان ميدانه مجلس الأمّة.


وعندما بدأت كتابة الجزء الثاني، كان أمامي أيضاً مجموعة من الوثائق والذكريات والأحداث. ولكني عندما كنت أنظر فيها، كنت أجد أنها مسجّلة ومتاحة للناس بواسطة الصحف والإذاعات والتلفزيون وأخيراً صفحات الإنترنت.


ولكن ثلاثة أمور رئيسية ظلّت تلحّ عليّ، جعلتني أشحذ الهمّة لأكمل عملي.


أولاً: موضوع الدستور والصراع على السلطة وانعكاس ذلك على مجلس الأمّة وعلى بنية السلطة في الكويت، وبنية المجتمع أيضاً، وهو ما شهد تحوّلاً كبيراً تمثّل في سيطرة التيار الديني على مفاصل المجتمع الكويتي، وتحالفه مع السلطة وقبوله بإضعاف مجلس الأمّة لمصلحة أفراد من الصباح باتوا يتحكمون في السلطة وفي مجلس الأمّة.


ثانياً: مرحلة غزو العراق للكويت، والاتهامات التي وجّهت إليّ وإلى المناضلين الوطنيين والقوميين، وشرح ملابسات جزء من هذه المرحلة، مع أن هذه المرحلة تستدعي وقفة خاصة، قد تحصل في وقت لاحق ويكشف التاريخ حقيقة الأمور التي حصلت، ومنها أمور لا يمكن كشفها في هذا الوقت.


ثالثاً: حركة الشباب في الكويت، هذه الحركة التي أراهن عليها كثيراً، والتي أرى فيها بذور أمل كبير في بناء دولة الكويت الحديثة، بما حملته من تحوّلات مهمّة خصوصاً لجهة إقرار حق المرأة في الاقتراع، والدور الذي لعبه هؤلاء الشباب في فرض قانون الانتخاب على أساس الدوائر الخمس.


وكان لا بدّ لي وأنا أختم هذه المذكرات من التوقف عند محطات العمل القومي وما آل إليه من ضمور، متناولاً أسباب ذلك وبعض آفاق المستقبل.


ولذلك أبدأ هذا الكتاب باستعراض موجز لدور المجالس النيابية، لأن هذه المجالس تعكس التجاذبات في داخل السلطة وبينها وبين الشعب.



مجلس (71)


لهذا المجلس أهمية خاصة، لأننا في هذا المجلس بدأنا بتنفيذ خطة عملنا الجديدة التي فصلناها في برنامجنا الانتخابي والتي غيرت نظرتنا إلى العمل السياسي والتعامل مع السلطة والآخرين كما أسلفت لتحقيق الانجازات لمصلحة الكويت، مما جعل مجلس (71) أكثر المجالس إنتاجاً. وقبل الدخول في انجازات هذا المجلس أريد التوقف قليلاً أمام موضوع أثار دهشتي لغرابته وهو ما كشف لي عن أمور كانت خافية علي وجعلتني أفهم بعض مواقف السلطة المحيرة.


شهد مجلس (71) فترة هدوء، لأنه أتى بعد عاصفة تزوير الانتخابات عام 1967، والسلطة رأت أن تهدئ الأمور وقد سبق ذلك بيان الشيخ جابر الأحمد الصباح الشهير، الذي كان بحق نقداً ذاتياً للتصرفات السابقة ووعد بالإصلاح مما حدَّ كثيراً من التدخلات في انتخابات مجلس (71)، كذلك نحن من جهة أخرى اتبعنا سياسة محاولة تحقيق إنجازات مهمة بطريقة غير مثيرة. ولعلّ اللافت للنظر هو ابتعاد الكل عن التأزم في موضوع الاستجوابات.


كان ذلك عندما قدم محمد الرشيد سؤالاً إلى الحكومة حول اتفاقية الغاز مع شركتي British Petroleum وGulf KT وأسرار اتفاقية الحماية التي وقّعها الشيخ مبارك مع الإنكليز بتاريخ 23/1/1899.


في جلسة 16/3/1971 أثار محمد الرشيد مسألة هذه الاتفاقية التي تمّ توقيعها مع الحكومة الكويتية قائلاً إنه لا يجوز توقيع هذه الاتفاقية من دون موافقة المجلس عليها كما نص على ذلك الدستور. وردّت الحكومة بأن ذلك من صلاحيتها حسب اتفاقية الحماية. وتقدم د. رأفت مستشار الحكومة القانوني بمذكرة قانونية مطولة يقول فيها إن اتفاقية الحماية تجيز ذلك وإنها أقوى من الدستور، لكن المجلس لم يوافق على ذلك وأقر بإجماع أعضائه تحويلها إلى اللجنة المالية في المجلس لبحثها، وتمت موافقة المجلس بالإجماع كذلك على رفض هذه الاتفاقية.


وعندما قمت بالتحري في هذا الموضوع اتضح لي أن الحكومة كانت تخدع المجلس ليتسنى لها تمرير هذه الاتفاقية لتنفيع بعض الجهات من دون مراقبة المجلس. فما الحقائق حول هذا الموضوع؟


لقد اتضح أنه قد تمّ إلغاء اتفاقية الحماية إثر مفاوضات مع عبدالله السالم بتاريخ 19/6/1961 بعد استقلال الكويت وذلك عبر مراسلات بين عبدالله السالم والسير جورج مدلتون، واستبدلت بمذكرة تفاهم تنص على إلغاء اتفاقية الحماية واستبدالها بالمراسلات التي تمت وأهمها أن لحكومة الكويت الحق بطلب المساعدة من بريطانيا إذا احتاجت إلى ذلك. وكذلك فإن لكل طرف الحق بإنهاء هذه الاتفاقية إذا رأى ذلك، شرط أن يعطي الطرف الآخر مهلة ثلاث سنوات. وبعد إعلان بريطانيا عزمها التخلي عن التزاماتها في الخليج عام 1968 أبلغت الحكومة البريطانية حكومة الكويت أنها سوف تلغي مذكرة التفاهم بعد ثلاث سنوات، وهذا يعني حسب الاتفاقية الجديدة أنه في عام 1971 سوف تتخلى عن التزاماتها تجاه الكويت.


إذن، عندما تمّت صفقة الغاز مع شركات النفط كانت الكويت قد تحررت تماماً من معاهدة الحماية واتفاقية التفاهم التي حلت محل المعاهدة. فلماذا تجعل الحكومة مستشارها القانوني د. وحيد رأفت يقدّم هذه المذكرة إلى المجلس ليبرر حق الحكومة في الانفراد بعقد الاتفاقية متذرعة باتفاقية ملغاة؟ اتضح أن السبب هو شيء آخر يختص بحماية متنفعين محليين حصلوا على مكاسب مالية لا يستحقونها.


إن جرأة مجلس 1971 كانت السبب في منع هذه السرقة المخزية. وهذا في الحقيقة يثير تساؤلات عدة لم أنتبه لها طوال هذه السنين لجهلي بهذه الاتفاقية السرية. فمثلاً لماذا رفض عبدالله السالم عرض صالح السعدي مشروع البعث عام 1963 باستعداده للاعتراف بالكويت بشرط إلغاء معاهدة الحماية البريطانية. وكان يكفي أن يجيب بأن هذه الاتفاقية قد ألغيت فعلاً مع استقلال الكويت. هل كان ذلك بسبب موقفه الصريح معي بأنه لا يريد علاقة مع العراق؟


كذلك لماذا لم يثر هذا الموضوع عندما تصدى مجلس الأمة الكويتي عام 1964 لاتفاقية تنفيق العوائد النفطية؟ هل كان ذلك بسبب الجو الغاضب عند الشعب الكويتي ضد هذه الاتفاقية النفطية الجائرة وإصرار مجلس (63) على رفضها بالإجماع؟


هذا الفهم الجديد للعمل السياسي - طبيعة المرحلة والمهام المطلوب تنفيذها- جعلناه برنامجنا الانتخابي في الحملة الانتخابية كنواب الشعب في وجه نواب المصالح الخاصة.


وبعد ظهور نتائج الانتخابات اتصلنا بالنواب الفائزين وعرضنا عليهم التفاهم حول هذا البرنامج والعمل معاًً على تنفيذه لمصلحة الشعب الكويتي، وكم سررنا بالتجاوب الذي لقيناه من مجموعة كبيرة من النواب المخلصين وهم:


أحمد النفيسي


بدر المضف


جاسم إسماعيل


سالم المرزوق


خالد المسعود


خالد العجران


سامي المنيس


سعد فلاح طامي


عبدالله النيباري


غنام الجمهور


محمد أحمد الرشيد


سعود سعد الهملان


ناصر الساير


يوسف الرومي


بدر العجيل


علي محمد ثنيان الغانم


محمد العصيمي


يوسف المخلد


إضافة إلى كاتب هذه السطور.


وفي أول لقاء تمّ في بيتي اتفقنا على المشاريع التي يجب أن نقدّمها إلى المجلس لإقرارها، وتوزعنا الأدوار، وفي الوقت نفسه عملنا -نحن الأربعة أنا وسامي المنيس وعبدالله النيباري وأحمد النفيسي- على تحديد المواضيع ذات الأهمية والتي تمسّ المصلحة العليا للوطن - موضوع النفط مثلاً - واتفقنا على التواصل مع أركان النظام لتسويق هذه المواضيع ليتبنّاها ويطرحها باسمه لضمان نجاحها، لأن النظام حساس ولا يريد أن يسجل أي إنجاز مهم للمعارضة. وأصبح الاتفاق على أن أتولى أنا الاتصال بجابر الأحمد الصباح ويقوم سامي المنيس وعبدالله النيباري وأحمد النفيسي بالاتصال بسعد عبدالله السالم الصباح لضمان تحقيق أكبر عدد من المكاسب للشعب الكويتي.


لقد كانت هذه المجموعة من النواب فعّالة جداً. كما أن وجود مجموعة من الوزراء الطيبين ساعد على إنجاز الكثير من المشاريع، وأعتقد أن هذا المجلس كان من أكثر المجالس إنتاجاً. ومع أنه كانت هناك حدّة في الطرح فإنها كانت محدودة. وكان هناك استجواب واحد قدّمه عبدالله النيباري إلى وزير التجارة خالد العدساني الذي نكنّ له - نحن جميعاً - كل تقدير واحترام، وأعتبره من أساتذتي في الوطنية لا بسبب مسؤوليته عن الخلل في الوزارة بل لطيبته المفرطة التي جعلته يثق بالعاملين معه في الوزارة، مما أتاح للبعض التمهيد لكارثة المناخ لاحقاً. ولو كان المسؤولون حريصين على المصلحة العامة لأمكن تجنّب هذه المصيبة. لم يستمع أحد لإنذار عبدالله النيباري، ولا لتحذيرات غرفة التجارة والصناعة التي نبّهت مراراً لخطورة أوضاع بعض الشركات والفلتان الحاصل فيها.
 
التعديل الأخير:

السيب

Active Member
طاقم الإدارة
را
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (4)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الدكتور أحمد الخطيب يتذكر - الجزء الثاني (4)



الخميس 04 سبتمبر 2008 - الساعة 00:00
أفراد الأسرة استولوا على أراضي الدولة من العراق إلى السعودية ضاربين عُرْضَ الحائط بالتنظيم الذي وضعه الشيخ عبدالله السالم

T+ | T-
أخبار ذات صلة
سلمان دعيج الصباح يرد على مذكرات الدكتور أحمد الخطيب
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (21)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (20)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (19)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (18)

إهداء إلى شابات وشبّان الكويت الذين يعملون على إعادة الكويت إلى دورها الريادي في المنطقة.

إلى أولئك الذين يسعون إلى بناء مجتمع ينعم فيه المواطن بالحرية والمساواة تحت سقف قانون واحد يسري على الجميع، ويكون هدفه إطلاق إبداعات أبنائه وليس تقييدها باسم المحافظة على عادات وتقاليد هي جاهلية في طبيعتها ولا تمتّ بصلة إلى الدين ولا إلى ما جبلت عليه الكويت منذ نشأتها من تعلّق بالمشاركة في السلطة، ثم الالتزام بدستور 62 الذي قنن هذه الطبيعة الكويتية.


إلى الشابات والشبّان الذين يحلمون بمستقبل مشرق للكويت يعيد دورها الرائد في محيطها، كي تنضم إلى عالم العلم والمعرفة الذي أخذ ينطلق بسرعة هائلة لا مكان فيه للمتخلّفين.


إلى هؤلاء جميعاً أهدي هذا الكتاب.


ضعف التجارة وسيطرة أموال النفط


كنت قد ذكرت في الجزء الأول من هذه المذكرات أن اكتشاف النفط وموارده الطائلة قد جعل النظام يتحرر من السيطرة المالية لطبقة التجار التي كانت الممول الأساسي لدخل الدولة مما عزّز الثقل السياسي لهذه الطبقة.


والمفارقة الغريبة أن ذلك تزامن مع نضوب الموارد الطبيعية للتجارة السائدة في الكويت. فالسفن البخارية قضت على السفن الشراعية التي تصنعها الكويت وتعتمد عليها في التجارة، وكذلك فإن تجارة اللؤلؤ تأثرت كثيراً بدخول اللؤلؤ الياباني المُصنَّع. وهكذا جاء النفط لينقذ اقتصاد البلد، ولكنه في الوقت نفسه أنهى المعادلة السياسية في الكويت.


فبعد أن كان النظام يعتمد على التجّار في تمويل الدولة أصبح التجار تحت رحمة أموال النفط المحتكرة من النظام حسب اتفاقية الحماية واتفاقية الامتياز لشركات النفط التي كانت معقودة بين هذه الشركات والأمير بصفته الشخصية - أي أن لا علاقة للدولة بها- فعائدات النفط هي ملك شخصي للحاكم.


بالطبع، التجار لم يرتاحوا إلى هذا الوضع بعد أن وُضعت جميع مرافق الدولة تحت سيطرة أفراد العائلة الذين ترأسوا الإدارات المهمة في الأمن والجيش والشرطة والبلدية والمعارف والأشغال العامة والصحة والأوقاف. حتى المجالس المتعددة المنتخبة في الخمسينيات كانت برئاسة أفراد من عائلة الصباح. وأصبحت الكويت دولة شيوعية تقدم الخدمات إلى المواطنين، وأصبح التجار مقاولين عند الدولة.


هذا الوضع الجديد لم يكن مريحاً للتجار، فحاولوا إيجاد مشاريع اقتصادية مستقلة. واستطاعوا أن يؤسسوا بنك الكويت الوطني وشركة السينما وشركة ناقلات النفط وكذلك مؤسسات التأمين وغيرها، لكن هذه أيضاً لم تستطع الصمود تجارياً. وحده بنك الكويت الوطني استطاع أن يبقى شامخاً متحدياً.



كارثة المناخ الأولى والثانية


وفي السبعينيات سمحت الحكومة أيضاً بإنشاء سوق المناخ للأوراق المالية وتداول الأسهم التجارية لشركات أعطيت التراخيص الحكومية من دون وجود أي جدوى اقتصادية لها. وأصبح تداول هذه الأسهم سوقاً رابحاً لجميع المغامرين من دون أية رقابة حكومية، وكلما اهتز هذا السوق المزيف ذهب رئيس الوزراء إلى هذا السوق مباركاً، واستُقبل بالهتافات والبخور، وضخت الأموال الحكومية لإنعاشه. وهنا نشأت طبقة فاحشة الثراء مرتبطة بالنظام. وأصبحت تتصدر المجالس لتحل محل الطبقة التجارية التقليدية وتتباهى بذلك علناً. واستجوب وزير التجارة حول هذا فإن أحداً لم يستمع لجرس الإنذار هذا.


وهكذا تفاقمت هذه الظاهرة الفريدة وجذبت إليها عدداً كبيراً من أفراد الشعب الذين أغراهم هذا الثراء السهل. وكان طبيعياً أن ينهار هذا الباطل ويتحوّل العرس إلى مناحة. وترك النظام هذا السوق ليتدهور ويغرق ومعه جميع الشركات والمؤسسات المالية بما فيها البنوك، وأصبح الكل مديوناً.


وصدر قانون لحل هذه المشكلة بعد نقاش دام عدة سنوات مما ضخم فوائد هذه الديون. ولما أبدى بنك الكويت الوطني استعداده لأن يحل مشاكله مع عملائه من دون أي مساعدة من الحكومة رفض طلبه لأن رأسه كان مطلوباً في هذه المؤامرة. وهكذا صُرفت ألوف الملايين من الدنانير من المال العام لإطفاء هذا الحريق الذي أتى على الأخضر واليابس، وتسبّب في إفلاس الكثيرين من ذوي الدخل المحدود، وبعضهم خسر حتى سكنه الخاص وآخرون ذهبوا إلى السجن.


كل هذا الهدر المريع للأموال العامة والعذاب الذي حل بأغلبية الشعب الكويتي كان لإخضاع الشامخين من رجالات الكويت الذين أبوا الاستسلام. ومعظمهم لم يشارك في هذا النشاط الجنوني، لكنهم تضرروا لما وجدوا أن قيمة أسهمهم في هذه البنوك قد انخفضت بشكل موجع.


وفي لقاء مع رئيس مجلس الوزراء عام 1985 بعد الانتخابات النيابية مباشرة واجهته بذلك وقلت له: «مع أنني لست برجل اقتصاد فإنني أتابع أخبار العالم. فقبل سنتين عندما بدأ سوق الأوراق المالية في سنغافورة بالهبوط بادرت الحكومة إلى إغلاق السوق فوراً لتجمد أسعار الأسهم وتمنع الانهيار التام بسبب الفزع، مما أتاح للمتعاملين ترتيب أوضاعهم، والحد من خسائرهم. وحصل هذا أيضاً قبل سنة في إسرائيل. حتى في الدول الغربية أحياناً يوقف التعامل في شركة أو أكثر إذا تعرضت لهذا الخطر. فهل هذا كان خافياً عليك وعلى خبرائك الاقتصاديين؟»، فأطرق رأسه ولم يُجِبْ.


وعندما عرض الموضوع علينا في مجلس 1992 نبّهت المجلس قائلاً إن أسباب كارثة المناخ ليست اقتصادية بل سياسية بكل امتياز ولم يتجاوب معي أحد. فحاولت في جلسة أخرى أن أنبه المجلس إلى ذلك وجعل الجلسة محاكمة للحكومة على هذه المؤامرة التي حاولت تدمير الشرفاء في البلد وتدمير اقتصاده. لم يتجاوب معي أحد ولذلك رفضت أن أشارك في التصويت على قانون المديونيات الذي جاء ليغطي ويتستر على هذه المؤامرة. ومثلما خذل هذا المجلس الشعب الكويتي في عدم المحاسبة على كارثة الاحتلال كذلك فإنه خذله ثانية في تخاذله عن محاسبة المسؤولين الحقيقيين عن هذه الكارثة.


من الصعب أن أذكر كل إنجازات هذا المجلس في هذا الكتاب، لذلك سوف ألخّص بعضها. كما أنه من الواجب أن أذكر أن المجلس الذي تلاه (مجلس 1975) والذي دام نحو سنة ونصف السنة قد واصل المسيرة. ومما زاد العمل زخماً هو انضمام مجموعة النواب الشيعة الشباب إلى هذا العمل الوطني المشترك وكذلك مجموعة التجمع الوطني بقيادة جاسم القطامي. فلا عجب ألا يعمر هذا المجلس طويلاً.


أهم إنجازات هذا المجلس (1971 - 1975)



في مجال تحسين الأحوال المعيشية


تمّت مناقشة رواتب العاملين في الدولة في جلستَي 4 و6/5/71 وجلسة 6/11/71 وعدّل جدول الرواتب لأول مرة منذ بدء العمل به، وكذلك أقرّ التقاعد للعاملين في قطاع النفط بجلسة 23/3/71، وكذلك زيادة إعانة الشؤون الاجتماعية للعائلات التي لا دخل لها، وتمّت الزيادة في 1/6/1971، وكذلك أقرّت علاوة لكل الأولاد بعد أن كانت تقتصر على عدد محدود.



غلاء المعيشة وتحديد الأسعار


لقي هذا الموضوع اهتماماً شديداً من المجلس، وبُحث في الجلسات التي انعقدت في 20/1/1971 و22/6/1971 و2/11/71 و6/11/71 و27/11/1971. وعلى أثر ذلك أقر لاحقاً قانون يلزم الحكومة بمراجعة زيادة غلاء المعيشة دورياً لتعديل الرواتب بموجبها. ولكن للأسف الشديد لم يطبّق هذا القانون إطلاقاً. ولم يغفل المجلس عن أوضاع العاملين الأجانب فأقرّ لهم حقّهم بالراتب أيام الجمعة والأعياد في جلسة 21/12/71.



الضمان الاجتماعي


أُعطي هذا الموضوع أهمية خاصة، ونوقش في جلستين متتاليتين 4 و6/5/1971 ولأننا لا نملك الإمكانات الفنّية اللازمة فقد ألزمنا الحكومة بإعداد مشروع للضمان، وهذا ما حصل. وتمّ تعيين كوكبة من أخلص أبناء الكويت للقيام بهذه المهمة، ومنهم حمد الجوعان، ومشاري العنجري ومشاري العصيمي وغيرهم. ونفّذ المشروع بشكل أذهل الجميع لدقته وسهولة التعامل معه بشكل مريح يحفظ كرامة المضمونين.



قانون المطبوعات


لم يلاقِ أي قانون اعتداءات متكررة عليه مثل هذا القانون. فالحكومة تصرّ على إحكام الطوق على حرية التعبير كلّما أتيحت لها الفرصة، أي كلّما حُلّ المجلس أو زوِّر. وعلى كل مجلس منتخب أن يحرر هذا القانون من سطوة المادة (35) من القانون التي تعطي الحكومة الحق في تعطيل الصحيفة متى أرادت من دون أن يعطى المتظلم حق اللجوء إلى القضاء. فكان علينا أن نعدّل هذه المادة وإيكال هذا الحق إلى القضاء فقط، وقد تمّ ذلك بعد مناقشات صعبة في جلستي 4 و6/5/1971.



المحكمة الدستورية


وهي محكمة ينص الدستور على تشكيلها عندما يُنتخب أول مجلس، وقد جرى تعطيل ذلك من قِبل الحكومة. وقد عمل هذا المجلس من أجل إصدار قانون لتشكيل هذه المحكمة في جلسة 1/6/1971. ولمّا وجدت الحكومة نفسها عاجزة عن منع قيام المحكمة عملت على تعطيل مفعولها عن طريق تعديلات على قانون إنشائها مما جعل الوصول إليها من قِبل المواطنين متعذّراً.



المحكمة الإدارية


طرح الموضوع في جلسة 1/6/1971، لكن القانون لم يقدّم إلا في مجلس 1975، وقد لقي معارضة شديدة لأنه يقيّد الحكومة في تعيين أتباعها في المراكز المهمة بالدولة. لذلك كان إصرار المجلس على إقراره بعد أن رفضه الأمير من الأسباب التي أدّت إلى حلّ مجلس 1975.



تأميم البترول


في مكان آخر من هذه المذكرات تكلمت عن التعاون بيننا وبين رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر الأحمد الصباح في معالجة الأمور المهمة ومنها موضوع تأميم النفط. ولمّا شعر بأن ذلك يحتاج إلى مجابهة مع شركات النفط، قد تكون نتائجها لغير مصلحة الكويت تريّث في اتخاذ القرار مما جعلنا نتّجه إلى العمل على تنفيذ خطتنا للتأميم المتدرج وهكذا كان. وكانت البداية معارضة اتفاقية المشاركة النفطية المسمّاة بمشروع أحمد زكي اليماني وزير النفط السعودي، والتي اعتبرناها مشروعاً أميركياً. وقدّمنا بالمقابل قانوننا المضاد وأسقطنا الاتفاقية التي قدّمتها الحكومة بعد أن أقنعنا الشارع الكويتي بوجهة نظرنا، وقد كان لعبدالله النيباري الدور الأهم في ذلك، وخصوصاً الندوة التلفزيونية بينه وبين وزير النفط عبدالرحمن العتيقي التي عمل وزير الإعلام جابر العلي الصباح على إذاعتها كاملة مرّتين مما أوحى بأن السلطات العليا لا تمانع في إسقاط الاتفاقية. وقد كان لمجلس 1971 محطات كثيرة لمناقشة المواضيع النفطية المختلفة نظراً إلى أهميتها، ويظهر ذلك في مضابط مجلس 1971 التي نوقشت فيها هذه المواضيع. وكانت نتيجة ذلك تحقيق إنجازات في منتهى الأهمية للكويت ولجميع الدول النفطية. وآمل أن أوفق في المساهمة في إصدار كتاب خاص يوضح الدور الريادي لإنجازات القوى الوطنية الكويتية في المجلس والنقابات العمالية والصحافة حول الموضوعات المتعلّقة بالنفط، مما حقق المكاسب المهمة لشعوب الدول النفطية بشكل عام.


وأذكر هنا بعض هذه المحطات:


ـ في جلسة 4/11/1971 تمّ تحديد إنتاج البترول بـ (1.5) مليون برميل يومياً بعد أن نقل المهندس النائب سالم المرزوق قلق المهندسين الكويتيين العاملين في النفط من خطورة قرار الشركة زيادة الإنتاج إلى 4 ملايين برميل يومياً، مما يتسبّب في دمار مكامن النفط بوقت قصير.


ـ في جلسة 16/3/1971 أثير موضوع اتفاقية الغاز التي تمّ التوقيع عليها من قِبل الحكومة بشكل مخالف للدستور من دون علم المجلس (وهو ما سبق شرحه).


ـ في جلسة 12/6/1971 أثار عبدالله النيباري موضوع الاستثمارات النفطية وكذلك أثار أحمد النفيسي في جلسة 15/6/1971 موضوع فساد الإدارات المعنية في شركات النفط.


ـ وفي جلسة 1/6/1971 ناقش المجلس تحسين أوضاع العاملين في القطاع النفطي كما طالب به رئيس اتحاد العمال العام في مذكرة رفعها إلى المجلس.


مرّ تأميم النفط بمراحل كثيرة قبل أن يتمّ التأميم الكامل بتاريخ 9/12/1975. فالمحاولات بدأت بمجلس 1971 وانتهت في مجلس 1975 عندما أوفت الحكومة بتعهدها بتقديم قانون التأميم. ففي جلسة 23/2/1973 بدأ النقاش في اتفاقية المشاركة وكذلك في جلسة 9/4/1974. وفي عام 1979 تمّ التأميم الكامل.



أراضي الدولة


اهتمّ أحمد النفيسي بموضوع الاعتداءات الخطيرة على أراضي الدولة من نهب واضح وتزوير مخفي. ففي جلسة 21/2/1971 أثار موضوع تزوير الوثائق الرسمية لسرقة أراضي الدولة مما أدّى إلى كشف هذه الفضيحة وإحالة الموضوع أخيراً إلى التحقيق الذي أدّى إلى اتهام فراش في البلدية ومعاقبته، وذلك بعد سنوات من التحقيق المستمر!!! وفي جلسة 1/6/1971 أثار كذلك موضوع تثمين الأراضي لفضح التجاوزات الخطيرة فيه، واكتشف أن أراضي الدولة كلّها من الحدود العراقية إلى حدود السعودية شرقاً وجنوباً قد تمّ الاستيلاء عليها من أفراد الأسرة، ضاربين عُرْضَ الحائط بخط التنظيم الذي وضعه الشيخ عبدالله السالم في أواسط الخمسينيات لوضع حدّ لتطاول الأسرة على أراضي الدولة، تحت ما يسمّى بـ«السندات». وتشكلت لجنة برلمانية برئاسته وضعت حداً لهذا الاستهتار البشع لأملاك الدولة. وكان هذا إنجازاً في منتهى الأهمية.


ونحن الآن نشاهد محاولة الأقوياء للالتفاف حول هذا الموضوع تحت مقولة «المحميات» تارة والمشاريع الوهمية تارة أخرى.


ففي جلسة 6/4/1971 أثار يوسف المخلد مسألة نشر مضابط مجلس الأمة بالجريدة الرسمية مما تحقق لاحقاً، واللافت للنظر أنه في جلسة 18/11/1971 طلب من جامعة الكويت تزويده بميزانية البحث العلمي ليؤكد هذا الدورَ المهم للجامعة بعد أن رأى إهمالاً خطيراً في هذا المجال مما يُفقد الجامعة احترامها في الأوساط العلمية.


أما بدر العجيل فقد أبدى اهتماماً خاصاً وقلقاً بموضوع مصادر المياه في الكويت فقدّم بتاريخ 6/4/1971 سؤالاً إلى الحكومة يسألها عن مصادر المياه في الكويت وموعد نضوبها وخطط الحكومة لتفادي الأزمة في المستقبل.


وفي جلسة 16/2/1971 طرح محمد الرشيد موضوع مصير أموال الأيتام واقترح إنشاء إدارة خاصة لها.


وكمثال على الاهتمام بالقضايا العالمية أودّ أن أورد هذا المثل المهم الذي تمّ في مجلس 1975:


السيد رئيس مجلس الأمة المحترم


تحية طيبة وبعد


في فجر يوم الأربعاء التاسع والعشرين من أبريل سنة 1975 حملت لنا الأخبار سقوط مدينة سايغون في أيدي ثوار فيتنام الجنوبية، معلنة بذلك هزيمة الاستعمار الأميركي في تلك المنطقة وانتصار كفاح الشعب الفيتنامي الذي دام ثلاثين سنة متواصلة، ولقد بلغ عدد القتلى والجرحى الملايين من أبناء شعوب المنطقة، وقبل ذلك بأيام أعلن عن سقوط «فنوم بنه» ودخول ثوار كمبوديا العاصمة بعد هروب «لون نول» عميل المخابرات الأميركية.


ونقترح نحن الموقّعين أدناه أن يرسل المجلس برقيتين إلى قيادة جبهة التحرير الفيتنامية وحكومة الاتحاد الوطني الكمبودي يحيّي فيهما انتصار الشعبين، وأن يصدر بياناً يحيّي فيه انتصار الشعبين ويحثّ حكومة الكويت على الاعتراف بحكومتي فيتنام وكمبوديا الثوريتين.


عبدالله النيباري، جاسم القطامي، خالد المسعود، سامي المنيس، بدر الجبري، حسين معرفي، عبدالله الوزان، أحمد الخطيب، علي الحبشي، يوسف المخلد، ناصر العصيمي، يوسف مجيم، خلف العتيبي، خالد خلف.


بعض الأصوات تردّدت إلى أن تدخّل جابر العلي. عندما قال: الله ينصر كل صاحب حق، تمّت الموافقة عليه بالإجماع.
 

السيب

Active Member
طاقم الإدارة
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (5)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الدكتور أحمد الخطيب يتذكر - الجزء الثاني (5)



الجمعة 05 سبتمبر 2008 - الساعة 00:00
دعا الشيخ صباح السالم الوزراء وطلب إليهم التعهد بعودة الانتخابات بعد أربعة أعوام حتى لو توفي قبل ذلك

76542_ahmad-alkhatib3.jpg

76542_6.jpg

T+ | T-
أخبار ذات صلة
سلمان دعيج الصباح يرد على مذكرات الدكتور أحمد الخطيب
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (21)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (20)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (19)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (18)

إهداء إلى شابات وشبّان الكويت الذين يعملون على إعادة الكويت إلى دورها الريادي في المنطقة.

إلى أولئك الذين يسعون إلى بناء مجتمع ينعم فيه المواطن بالحرية والمساواة تحت سقف قانون واحد يسري على الجميع، ويكون هدفه إطلاق إبداعات أبنائه وليس تقييدها باسم المحافظة على عادات وتقاليد هي جاهلية في طبيعتها ولا تمتّ بصلة إلى الدين ولا إلى ما جبلت عليه الكويت منذ نشأتها من تعلّق بالمشاركة في السلطة، ثم الالتزام بدستور 62 الذي قنن هذه الطبيعة الكويتية.


إلى الشابات والشبّان الذين يحلمون بمستقبل مشرق للكويت يعيد دورها الرائد في محيطها، كي تنضم إلى عالم العلم والمعرفة الذي أخذ ينطلق بسرعة هائلة لا مكان فيه للمتخلّفين.


إلى هؤلاء جميعاً أهدي هذا الكتاب.


مجلس 1975


عندما بدأ المجلس عمله سارعنا (وهو ما أشرت إليه سابقاً) إلى تقديم قانون المحكمة الإدارية بعد أن أقرّ مجلس (71) قانون المحكمة الدستورية. وهذه جهات قضائية نص الدستور على تشكيلها، لكن الحكومة لم تقم بواجبها في ذلك، فاضطر مجلس (71) إلى تقديم قانون إلى المحكمة الدستورية تمت الموافقة عليه بعد أن عطلت مجموعة الحكومة مفعول هذه المحكمة المهمة كما ذُكر سابقاً. أما قانون المحكمة الإدارية فكان لا بأس به مع أنه استثنى أمور الجنسية والشعائر الدينية.


ومع ذلك فإن الحكومة اعترضت عليه بشدة، لأنه كان محاولة لمنع تعسفها في المسائل الوظيفية. ففي المداولة الأولى حصل على الأغلبية إلا أن الأمير رفضه، فصار لزاماً على المجلس أن يحصل على أغلبية الثلثين لإقراره، ولم يستطع أن يوفّر هذا العدد، لكن الدستور كان يمنح المجلس حق إقراره بالأغلبية العادية في الدورة القادمة. وهكذا أصبح إقراره مستقبلاً تحصيل حاصل. وفي الجلسة الختامية لهذه الدورة ألقت الحكومة بيانها الختامي وشكرت المجلس على إنجازه وتعاونه مع الحكومة وانتهت الدورة بسلام كما اعتقدنا، إلا أننا فوجئنا بقرار حل مجلس الأمة أثناء العطلة الصيفية في اليوم الثالث من رمضان الموافق 3/8/1976. ويبدو أن القرار اتخذ على عجل، فالأمير الشيخ صباح السالم كان قد غادر الكويت إلى بريطانيا قبل ثلاثة أيام لقضاء شهر رمضان لكنه استدعي من سفره لإصدار الأمر بحل المجلس، وأشاعت الأوساط المقربة منه أنه لم يكن راضياً عن ذلك إنما أجبر عليه.


إذن لماذا هذا القرار المفاجئ؟ تعددت التفسيرات لهذا الإجراء العنيف المفاجئ. البعض قال إن المحكمة الإدارية كانت السبب. وهناك من قال إن السبب هو التدخل الخارجي بعد أن أقر المجلس قطع المعونات عن دول الصمود (سورية والأردن) التي كان قطعها عن مصر بعد أن أخرجها السادات من الصراع العربي والإسرائيلي، وكانت سوريا تؤكد للكويت أنها قادرة على منع العراق من الاعتداء على الكويت، وأن القوات السورية قادرة على الوصول إلى بغداد خلال 48 ساعة إذا اعتدى العراق على الكويت، وأنها هددت برفع حمايتها للكويت إن أوقف الدعم لها؟ أم هل كان لرفض المجلس لاتفاقية المشاركة النفطية المعدّة من قبل شركات النفط دور في ذلك؟ لا يمكن الحسم، لكن عناصر مقربة من الشيخ جابر العلي كانت تقول إن الحالة الصحية للأمير كانت صعبة حسبما أظهرتها الفحوصات الطبية في لندن. ولو أنه توفي بوجود المجلس لكانت حظوظ الشيخ جابر العلي في الولاية أكبر لما يتمتع به من شعبية عند بعض النواب، ويستشهدون بالمعركة الحامية التي حصلت في اجتماع العائلة لانتخاب ولي العهد بعد وفاة الشيخ صباح السالم وغياب المجلس وكيفية إبعاد الشيخ جابر العلي لمصلحة الشيخ سعد العبدالله. والحقيقة هي أننا لا نملك الحقيقة كاملة، فلا نستطيع الجزم في سبب حلّ المجلس بهذه السرعة وهذه الطريقة.


بعد حل المجلس التقينا نحن النواب المتعاونين في بيت جاسم القطامي لنتداول في الأمر، وقررنا عدم السكوت على هذا الإجراء، وأصدرنا بياناً وقّعنا عليه. كما أرسلنا كذلك مذكرة إلى الأمير بواسطة البريد المسجل بعد أن رفض الديوان الأميري تسلّمها.


تداعت الهيئات الشعبية إلى الاجتماع في مقر نادي الاستقلال، وأصدرت بياناً تستنكر فيه هذا الإجراء وتطالب باحترام الدستور وإعادة الحياة الديمقراطية. (جمعية الإصلاح) الإخوان المسلمون رفضوا المشاركة.


قامت وزارة الشؤون الاجتماعية بحل مجلس الإدارة لكل الهيئات التي شاركت في التوقيع وعيّنت لجاناً لإدارة هذه الجمعيات، لكنها وجدت مشكلة في تعيين مجلس إدارة لنادي الاستقلال. فكل شخص تتصل به يرفض التعيين للمكانة المميزة التي يحتلها النادي عند الكويتيين. وهكذا ظل النادي بدون إدارة حتى شارف وقت الانتخابات لمجلس إدارة جديد، ودعت الإدارة التي أقبلت من الحكومة أعضاء النادي إلى انتخاب مجلس إدارة جديد حسب القانون الداخلي للنادي. وهنا أُسقط بيد وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الشيخ سالم صباح السالم الصباح الذي قال لمجلس الوزراء: إذا لم تساعدوني في إيجاد أسماء للنادي فإننا لا يمكن أن نحل الهيئة الجديدة لأنها قانوناً لن تعتبر مسؤولة عن البيان، وأقترح أن يقدم كل وزير مرشحاً واحداً من عنده. وبدأ تنفيذ ذلك من عنده، فعين موظفاً قريباً منه ذا سمعة سيئة، وقدم بعض الوزراء أسماء حتى من دون مراجعة هؤلاء. فمثلاً، الموظف الذي اقترحه وزير الصحة فوجئ بالتعيين وقدّم استقالته. الآخرون قبلوا على مضض، لكنهم لم يستطيعوا المداومة في النادي للتصرفات الأخلاقية الشائنة التي كان يمارسها صديق الوزير، مما حدا بهم إلى الابتعاد عن النادي. وهكذا قرر وزير الشؤون الاجتماعية حل نادي الاستقلال.


سارعت الحكومة إلى تنفيذ قراراتها بمنع الصحف خوفاً من انتقاد قرار حل المجلس، وكذلك منعت كل الهيئات الشعبية من إقامة الندوات أو التجمعات لإحكام السيطرة الكاملة على المجتمع الكويتي. لكن ذلك لم يمنع القوى الوطنية الاستفادة من الحصانة التي تتمتّع بها الدواوين في الكويت. فهذه الحصانة التاريخية صعب انتهاكها.


كذلك فإن استقلالية الجامعة النسبية والجو الوطني السائد في الجامعة - قبل أن تسيطر عليه الفئات الدينية- سمح بنشاطات لا بأس بها، خصوصاً بعد أن طرحت الحكومة مشروعها لتغيير الدستور بتعيين «لجنة لتنقيح الدستور» وأثار ذلك جدلاً قانونياً ودستوريا فرض نفسه على الجامعة، وقام د. عثمان عبدالملك الخبير الدستوري بالتصدي دستورياً لهذه المحاولة. وأضيف إلى ذلك اعتقال د. خلدون النقيب الأستاذ في جامعة الكويت بسبب كتابه «المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية» من قِبل مباحث أمن الدولة الذين اقتحموا قاعة المحاضرات وأخرجوه مكبلاً أمام طلبته، مما أثار سخطاً عامّاً على الطريقة السمجة التي عومل بها من قِبل هذا الجهاز البغيض.


تشكيل هذه اللجنة أنعش النشاط الشعبي وخلق جواً عاماً معارضاً لهذه اللجنة وعملها، مما شجع عناصر في اللجنة لا يُشَك في إخلاصها على أن تحدّ من مخاطر التعديلات الحكومية عندما طلب منها أن تقدم اقتراحاتها لتعديل الدستور، فانبرى لها البعض بالقول: أنتم تريدون أن تعدلوا الدستور ليكون صالحاً، فما اقتراحاتكم أنتم لتعديل الدستور حتى ندرسها؟ وهنا كانت الفضيحة الكبرى، إذ إن الاقتراحات التي قدمت كان الهدف منها جعل مجلس الأمة إمّعة كبقية المجالس المنتشرة في منطقتنا العربية البائسة.


تعيين اللجنة بالشكل الذي تمّ به كان القصد منه تزيين التعديل للناس لما يتمتع به بعض أعضائها من احترام عند الناس، لكن المشروع المعدل للدستور الذي اقترحته اللجنة لم يقدم إلى الاستفتاء العام خشية رفضه. فقررت أن تعرضه على المجلس القادم بعد أن تتحكم أكثر في عملية الانتخاب، وقررت بعد نصيحة من خبير لبناني من المكتب الثاني في الجيش اللبناني بهندسة الانتخابات من خلال تقسيم الدوائر الانتخابية كالتالي:


1. تصغير الدوائر حتى يمكن التحكم فيها من خلال نقل الأصوات وكذلك شراء بعض الأصوات إما عن طريق دفع الأموال بشكل مباشر أو بتقديم خدمات وتسهيلات مغرية لمن لهم التأثير في محيطهم.


2. التحالف مع الأحزاب الدينية التي لا تؤمن بالدستور ولا بالديمقراطية تماشياً مع ما كان مطروحاً في الساحة العربية من مشروع أميركي يدعو الأنظمة العربية إلى التحالف مع الأحزاب الدينية لضرب القوى القومية والشيوعية المعادية للمخططات الأميركية في المنطقة.


3. التحالف كذلك مع حرامية المال العام.


المشكلة التي وقع فيها النظام أنه عندما حل المجلس التزم الأمير بعودة الحياة النيابية بعد أربعة أعوام. وطبيعة هذه الأنظمة هي تقديس رأس النظام فلا يجوز الطعن فيه أو مناقشته. كذلك لم يكن الأمير صباح السالم الصباح هو الذي دفع إلى حلّ المجلس بل لم يكن راضياً عن حله، وكان هو السبب في تحديد المدة. وهو كما ذكرت سابقاً دعا مجلس الوزراء قبل وفاته، وعلى غير عادته، إلى اجتماع عنده أكد لهم تصميمه على إجراء انتخابات بعد أربعة أعوام إذا كان على قيد الحياة وطلب منهم أن يتعهدوا أمامه أن يقوموا بذلك إن هو توفي قبل ذلك الموعد.


تعديل الدوائر علمنا به من التحرك الانتخابي الذي بدأه بعض الأشخاص في مناطق معيّنة وبحدود جغرافية لا تمتّ بصلة إلى الدوائر المعروفة. فقد كان التحرك يوصي بدوائر صغيرة جداً. مخاوفنا هذه نقلناها إلى بعض الوزراء الذين نثق بهم، فقالوا لنا إنهم لم يشعروا بذلك ولم يطرح هذا الموضوع في مجلس الوزراء، لكنهم بعد نحو ثلاثة أسابيع أخبرونا أن الشيخ سعد العبدالله قد طرح هذا الاقتراح بشكل مفاجئ وهو تقسيم الكويت إلى (25) دائرة انتخابية بدل العشر دوائر، وأنهم لم يوافقوا عليه وطلبوا مهلة لدراسة المشروع. وفي جلسة لاحقة أعاد طرح المشروع وتم رفضه من الأغلبية في مجلس الوزراء.


الرفض المتكرر للمشروع في مجلس الوزراء جعل الوزراء يعتقدون أن الموضوع قد تم العدول عنه، وبعدما كانوا يؤجلون إجازاتهم أو مهماتهم الرسمية خشية فقدان الأغلبية في مجلس الوزراء أصبحوا يتصرفون بشكل عادي. فاغتنم سعد العبدالله إحدى الجلسات التي ضَمِن فيها الأغلبية وطرح المشروع وأصرّ على التصويت فانتزع القرار من مجلس الوزراء. وللأسف الشديد أصبح القرار نافذاً من دون أن تحصل أية ردة فعل بالنسبة للأغلبية من الوزراء الذين رفضوا المشروع منذ البداية. أما موقف الأحزاب الدينية وحرامية المال العام فقد بدا واضحا في الانتخابات العامة. لقد كان التحالف واضحاً باشتراك هذه المجموعات في حملة ظالمة ضد العناصر الوطنية متهمة إياها بأنها هي سبب كل مشاكل الكويت.



إنجازات مجلس (75)


إن نجاح مجلس (71) في الإنجازات غير العادية التي حققها شجع النواب في مجلس (75) على التلاقي لتحقيق المزيد من الإنجازات المهمة، وكان في الوزارة مجموعة من الطيبين الذين حاولوا قدر إمكاناتهم التعاون معنا. وهذا الجو التوافقي في المجلس ساعد على التصدي لاتفاقية المشاركة التي عُلِم أن مجموعة شركات النفط قد وضعتها لمصلحتها.


والحقيقة أننا تريثنا في الحكم عليها قبل أن نعرف كنهها، وهذه الاتفاقية كانت قد طرحت في مجلس 1971، فاتصلنا بالخبير الاقتصادي العراقي الدكتور محمد سلمان وكان يدرس الاقتصاد في جامعة أكسفورد بإنكلترا وطلبنا منه أن يعطينا فكرة عن هذه الاتفاقية.


بعد دراسة الاتفاقية قال لنا ما يلي: إن شركات النفط أصبحت تدرك أنها لا تستطيع الحفاظ على امتيازاتها الحالية بالمشاركة في ملكية النفط وأصبحت تعتقد أنها يمكن أن تتنازل عن هذا الحق مقابل حصولها على نسب معيّنة من الإنتاج، وأن الظروف مهيأة للوصول إلى التأميم الكامل بوقت أقصر بكثير مما تقترحه هذه الاتفاقية. وقدم لنا اتفاقية بديلة ترفع نسبة المشاركة بالمرحلة الأولى من %25 إلى %75. وهنا أدركنا الأهمية البالغة لمعالجة الموضوع بحكمة وكسب الحكومة معنا في هذا الموقف الوطني، وتقرر أن أناقش أنا الموضوع مع رئيس الوزراء حينئذ الشيخ جابر الأحمد الصباح، وكما حصل في مجلس (71) حيث عملنا على أن يكون الاقتراح البديل من قبل الحكومة وليس من قبلنا حتى لا يلاقي المشروع معارضة من الحكومة وليسجل الانتصار باسمها ما دمنا نريد المصلحة العامة ولسنا حريصين على أي مكسب سياسي، فمصلحة الكويت هي فوق كل اعتبار.


التقيت رئيس مجلس الوزراء وشرحت له الاتفاقية كما فهمها خبراء الاقتصاد. استحسن الفكرة وقال لي إنه سيكلف وزير النفط عبدالرحمن العتيقي مفاوضة شركات النفط. شكرته على ذلك وأخبرت الإخوان بما حصل وقررنا عدم الكلام في الموضوع. كان ذلك في نهاية الدورة. وبعد العطلة اتصلت برئيس الوزراء الذي أخبرني أن وزير النفط لقي معارضة غير مقبولة من شركات النفط، مما جعلني (والحديث لرئيس الوزراء) أطلب إلى وزير النفط أن يقدم مشروعاً لتأميم النفط لعرضه على الأمير لأخذ موافقته ثم تقديمه إلى المجلس. واسترسل رئيس الوزراء قائلا:ً «ولكن في هذه الأثناء قرأت في بعض الصحف العربية (لبنانية ومصرية) تهديدات مبطّنة جعلتني أفكر في مسؤوليتي نحو البلد خشية اتخاذي قراراً ربما يتسبّب للكويت بمشاكل كثيرة نحن بغنى عنها كما ذكرت سابقاً». وهكذا اتضح أنه معنا في الموقف مما أزاح عنا الحرج في طرح المشروع ثانية في مجلس (75). وهكذا اندفعنا إلى طرح الموضوع وتوقعنا أننا لن نجد استبسالاً من الحكومة في الدفاع عن الاتفاقية. وقام تلفزيون الكويت بتنظيم مناظرة بين وزير النفط عبدالرحمن العتيقي وعبدالله النيباري كما سبق أن ذكرت، وقد اغتنم النيباري هذه الفرصة وأبدع في تفنيد هذه الاتفاقية واستعرض تاريخ شركات النفط المخزي في استغلال نفطنا طوال هذه العقود من الزمن. واستغرب الكثيرون عندما تمّت إعادة الحلقة مرة ثانية حتى أن أحد الوزراء أخبرني أن دولة خليجية منعت التلفزيونات بالمقاهي بعد أن احتشدت جماهير غفيرة لمشاهدتها. وهذا ما كان ليحدث لو كانت هناك معارضة حقيقية من جابر الأحمد.


المهم أن هذه الحلقة التلفزيونية مهّدت لنقاشات عدة داخل الكويت، وحركت الشارع الكويتي الذي تجاوب مع ما طرحناه مما أثر في المجلس فسقطت الاتفاقية بالمجلس مثلما سقطت سابقتها في مجلس 1963. وجاءت مجلة Economist الإنكليزية المشهورة لتقول: «مجلس الأمة الكويتي يفاجئ العالم مرة ثانية بإسقاط الاتفاقية ليس في الكويت وحدها بل في كل دول النفط. وكان ذلك بداية تأميم النفط في جميع الدول النفطية العربية وغير العربية».


غداً:
 

السيب

Active Member
طاقم الإدارة
محليات / الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (6)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الدكتور أحمد الخطيب يتذكر - الجزء الثاني (6)



الأحد 07 سبتمبر 2008 - الساعة 00:00
السادات حرَّض جابر الأحمد على يساريي الكويت فكان رده أنا أعرف الكويت أكثر منكم... فهاجمته الصحف المصرية

76689_ahmad-alkhatib3.jpg

76689_ahmed-alqateb1.jpg

T+ | T-
أخبار ذات صلة

الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (21)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (20)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (19)
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الجزء الثاني (18)
إهداء إلى شابات وشبّان الكويت الذين يعملون على إعادة الكويت إلى دورها الريادي في المنطقة.

إلى أولئك الذين يسعون إلى بناء مجتمع ينعم فيه المواطن بالحرية والمساواة تحت سقف قانون واحد يسري على الجميع، ويكون هدفه إطلاق إبداعات أبنائه لا تقييدها باسم المحافظة على عادات وتقاليد هي جاهلية في طبيعتها


ولا تمتّ بصلة إلى الدين ولا إلى ما جبلت عليه الكويت منذ نشأتها من تعلّق بالمشاركة في السلطة، ثم الالتزام بدستور 62 الذي قنن هذه الطبيعة الكويتية.


إلى الشابات والشبّان الذين يحلمون بمستقبل مشرق للكويت يعيد دورها الرائد في محيطها، كي تنضم إلى عالم العلم والمعرفة، الذي أخذ ينطلق بسرعة هائلة لا مكان فيه للمتخلّفين.


إلى هؤلاء جميعاً أهدي هذا الكتاب.


العلاقة مع الشيخ جابر الأحمد


كانت ظروف مجلس (75) مختلفة عن ظروف مجلس (71) لأن جميع قوى المجتمع شاركت في هذه الانتخابات. وشاع جو من التعاون الحذر في البدء وتطور إلى تعاون مثمر في القضايا التي تهم البلد. وتم استبدال اللقاءات الفردية مع أطراف النظام في بعض القضايا العامة، وهو ما أشرت إليه سابقاً، بتعامل المجلس كله مع الحكومة. وطرأ في الوقت نفسه فتور في العلاقة بيني وبين الشيخ جابر الأحمد. لا أريد أن أصدر حكماً على من كان المتسبب بها ولكن سأسرد أحداثها من دون أن أجزم بأسبابها.


في فترة التعاون كان لقاؤنا سهلاً، ولكن بعد مدة وأثناء زيارة علي ناصر رئيس مجلس الوزراء في اليمن الجنوبي حصلت إشكالية شعرت أنّ من واجبي أن أتدخل لحلها نظراً إلى معرفتي بأن أطرافاً في وزارة الخارجية لم تكن ترغب في حصول هذه الزيارة. اتصلت بمكتب رئيس مجلس الوزراء فقيل لي إنه غادر المجلس. وكان ذلك طبيعياً فهو سوف يرد عليّ كالعادة، لكنني فوجئت بوزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء يتصل بي بعد ربع ساعة تقريباً ليقول لي إن رئيس الوزراء «Not available» قالها باللغة الإنكليزية، وإنه - أي وزير الدولة - مستعد للمجيء إليّ حالاً بدل اللقاء مع رئيس مجلس الوزراء.


أنا فهمت من ذلك أن رئيس الوزراء لا يريد مقابلتي وشكرت وزير الدولة لاتصاله وقلت له لا حاجة إلى ذلك. وكان ذلك هو آخر اتصال لي برئيس مجلس الوزراء حتى وفاته، ما عدا بعض المناسبات في الحفلات الرسمية التي تقام لرؤساء الدول الذين يزورون الكويت. وفي لقاء في مجلس الأمة مع الشيخ صباح الأحمد - وزير الإعلام آنذاك - أثرت هذا الموضوع فأوضحت القصة له لعله يتأكد من صحة الرسالة التي وصلتني. عندئذ استغرب ذلك ووعد بأنه سوف يستوضح الأمير، إلا أنه، لم يفتح الموضوع مرة ثانية. وهكذا انتهت هذه العلاقة المميزة. وقد اتضح لي فيما بعد أن ذلك كان بتدبير من بعض أفراد الأسرة الذين ما كانوا يرتاحون لهذه العلاقة. وأترك التفاصيل للوقت المناسب.


الشيخ جابر الأحمد هو أكثر أفراد العائلة انفتاحاً بعد عبدالله السالم، فهو الذي فاجأ شركات النفط بقراره العلني بإنصاف عمال النفط كما ذكرت. وفي منتصف الخمسينيات هو الذي أفرج عن جريدتنا «الفجر» عندما أغلقها وزير الاعلام. وهو الذي كنا نجتمع معه في «الجوهرة» (بيته في دسمان) أنا ويوسف إبراهيم الغانم وجاسم القطامي لبحث أي دستور يصلح للكويت. ومعروف عنه علاقته بمجموعة من الشباب الكويتي الخريجين وأغلبهم من العناصر الطيبة فيما كان يسمى بجماعة «الشبرة» وتسلم بعضهم مناصب قيادية في الدولة، إلى درجة أنه اتصل ببعضهم مشجعاً على تشكيل تكتل سياسي يكون له عوناً في تنفيذ الخطوات الإصلاحية المطلوبة. ولا ننسَ أن الشيخ جابر الأحمد، عندما كان وزيراً للمالية كان له اتصال مباشر بالبنك الدولي وصندوق التنمية الكويتي، وكان يلتقي بفطاحل الاقتصاديين العالميين، وكان لعبداللطيف الحمد رئيس صندوق التنمية الكويتي، وهو الشخص المميز ذو العلاقات الجيدة مع هذه الأوساط العالمية، نشاطات دولية للتنمية في الدول الفقيرة سواء للمساعدة أو للتأهيل بسبب الدور المهم للصندوق الكويتي للتنمية، مما أتاح لجابر الأحمد أن يحتكّ بهذه الشخصيات ويكتسب خبرة نادرة في المجال الاقتصادي، وبالتالي لعبت الكويت دوراً عالمياً مميزاً مما أكسبها احترام هذه المؤسسات الدولية. ولعل اقتراح جابر الأحمد على هذه المؤسسات أن تلغي جميع ديونها على الدول الفقيرة دليل على هذا التوجه.


إلا أن صعوده السياسي في الكويت لم يكن سلساً. فهو خسر معركة الإمارة عام 1962 لمصلحة الشيخ صباح السالم كما أسلفنا. وتحالفه مع التجار الوطنيين في مجلس 1963 أطاح به الشيخ جابر العلي عام 1964. هذا التهديد من جابر العلي جعله يتحالف مع الشيخ سعد العبدالله في هندسة الانتخابات المزورة عام 1967 عندما شعر هو نفسه بتهديد من جابر العلي لطموحه في ولاية العهد كما اتضح.


لكنه، كما سبق أن أشرت، لم ينجرف تماماً مع الشيخ سعد العبدالله. فبيانه الشهير الذي كان عبارة عن نقد ذاتي قبيل انتخابات مجلس 1971 أغضب سعد العبدالله، فأوعز إلى جماعته في المجلس أن يحدثوا زوبعة غاضبة على هذا الخطاب، لكن ذلك لم يؤثر كثيراً في جابر الأحمد وتمت الانتخابات في وقتها وبحرية معقولة من دون تدخّل سافر من السلطة كالعادة. وقد فوجئت عندما كنت أبحث معه بعض الأمور الحسّاسة ويتخذ قراراً بشأنها أنه لا يطلع سعد العبدالله عليها. حتى أنني في إحدى المرات سألت سعد العبدالله ألا تتحادثان في مثل هذه الأمور؟ صمته الحزين أكد لي شكوكي في هذا الموضوع.



السادات وجابر الأحمد


كان الوزراء الملتصقون بالشيخ جابر الأحمد يثنون على حزمه في تنفيذ ما يقتنع به، لكنه في بعض الأمور التي قد تسبب له حرجاً أو مشكلة للكويت لا يتخذ قرارا،ً لأنه يخشى أن يلام على قرار لا يكون صائباً، والحذر الشديد يشل العمل في كثير من الحالات.


كان السادات يعتقد أن سبب العداء لسياسته بالنسبة للقضية الفلسطينية في الكويت، بسبب تأثير القوميين والناصريين على الحكومة، وأن هذه المعارضة هي شيوعية فأرسل رسولاً إلى جابر الأحمد الصباح يطلب منه أن يقضي على هؤلاء الشيوعيين كما فعل هو في مصر. فكان رد جابر الأحمد واضحاً وحاسماً: «أنا أعرف الكويت والكويتيين أكثر منكم ولا وجود للشيوعيين في الكويت». هذا الموقف جعل بعض الصحف المصرية تشنّ حملة شعواء على جابر الأحمد وتسمّيه بالأمير الأحمر والشيوعي، متناغمة بذلك مع ما طرحته الاستخبارات المركزية الأميركية في كتابها «KGB» المفبرك عن نشاطات الاستخبارات الروسية، إذ ذكرتْ أنني أنا التاجر الكويتي الثري العميل للاستخبارات الروسية، قد أثّرت في جابر الأحمد الصباح وأقنعته بقطع المساعدات عن الأردن. علماً أنه في تلك الفترة لم تكن لي أي علاقة مع جابر الأحمد الصباح لأنها فترة المجلس المزور كما ذكرت سابقاً.


بالمناسبة، هذا الكتاب «KGB» صدر عام 1973 عن مجلة Readers Digest الأميركية ومجلة Express الفرنسية وكتبه John Barron. وهذه الأسماء كلها كما يبدو واجهات للاستخبارات المركزية الأميركية.


بالطبع، حاولت حينئذ أن أقيم دعوى على هذه الجهات المسؤولة عن الكتاب فوجدت أن التكاليف المالية للمحامين فوق طاقتي، فتركت الموضوع قائلاً: «الله يجازيهم».


كل هذه الأسباب جعلتني أفهم الحذر عند الشيخ جابر الأحمد في التصدي لبعض المواضيع كتأميم النفط.


هذه الحملة الظالمة التي تعرض لها من قبل هذه الصحف المصرية واللبنانية وتحذيرها من «دفرسوار» آخر في الخليج وتسميته بالأمير الأحمر هو ما جعله يتردد في اتخاذ قرار بتأميم النفط كما ذكرت سابقاً.


محاولة اغتياله التي نجا منها بأعجوبة أثرت كثيراً في تصرّفاته. لقد رأى الموت بأم عينيه وحمد الله على النجاة، فزاد وَرَعه الذي عُرف عنه ورغبته في المساهمة في عمل الخير، وهنا اغتنمت الفئات الدينية هذه الفرصة وكان سهلاً عليها أن تؤثر في سلوكياته.


وما شجّع على ذلك أنه حصل في مرحلة كانت معظم الأنظمة العربية تتحالف مع القوى والأحزاب الدينية على مستوى المنطقة العربية. وكان لذلك تأثير واضح في الكويت، فقد تم فتح كل أبواب الدولة أمامها. وجابر الأحمد نفسه كان وراء إنشاء بيت التمويل الكويتي وتسليمه للإخوان المسلمين بعد أن تم إعفاء هذا البنك من جميع القيود التي تشترطها الدولة لأية مؤسسة اقتصادية أو مالية. وبقرار منه تم إنشاء كلية الشريعة، وتشكّلت لجنة استكمال تطبيق الشريعة الإسلامية تحت إشرافه. وبعد وفاته كشف بعض زعماء هذه الأحزاب عندما رثوه عن ملايين الدنانير التي كان يتبرع بها لدعم أعمالهم خارج الكويت.


ولكن بالرغم من كل ذلك فقد كانت تصلني رسائل تظهر بأنه لا يزال يقدّرني. فقد كنت ألمس منه حرارة زائدة في كل استقبال أو لقاء، وعندما التقيناه كنواب ممثلين لمجلس 1992 طلبت إليه أن يكون حكماً بين المجلس والحكومة وألا ينحاز إلى أحد فشكرني كثيراً وأمسك بيدي مطولاً عند خروجنا ليؤكد تثمينه لما قلته. وكنت ألتقي الشيخ ناصر المحمد الصباح وزير الديوان الأميري في ديوان الصقر أحياناً، وينقل إليّ اهتمام الشيخ جابر الأحمد بما أقوله وحرصه على أن يسمع كل شيء سواء كان اقتراحاً أو انتقاداً. وكنت أعتقد أن ذلك مجاملة من الصديق ناصر المحمد ليس إلا، وهو المشهور عنه دماثة أخلاقه. ولعل دراسته في سويسرا وعمله كسفير سابق أثّرا في سلوكه المميز، لكن حادثة حصلت أكدت لي صدق ما ينقله إليّ. ففي يوم الاثنين عندما أنتهي من عملي في العيادة مساء أمرّ على ديوان الصقر في معظم الأحيان بحكم العلاقة المتينة التي تربطني بهذه العائلة الطيبة والصداقة المميزة مع المرحوم عبدالعزيز الصقر.


وكنت قد عاينت مريضاً هندياً اكتشفت أنه يعاني مرضَ «Scurry» وهو ينشأ بسبب سوء التغذية. كنا كأطباء نراه في الأربعينيات وأوائل الخمسينيات وخصوصاً عند الذين يضيعون في البحر وينفد منهم الأكل، لكن هذا المرض انقرض تماماً في وقت لاحق. ولذلك كان مفاجئاً أن أرى هذا المرض في الكويت البلد الغني. سألته عن وضعه فأخبرني أنه يعمل في إحدى شركات النظافة براتب قدره (20) ديناراً شهرياً. وعليه أن يدبر مسكنه وأكله وأن يرسل إلى عائلته مبلغاً شهرياً لتسديد الدين الذي توجّب عليه لكي يحصل على فيزا وعمل في الكويت. وبالتالي فإنه مضطر إلى تقليص مصاريف الأكل. هذه الحادثة هزّتني كثيراً. كيف يمكن لهذا أن يحدث في بلد كالكويت؟ وكنت حزيناً، وأخبرت عبدالعزيز الصقر بهذه المأساة. وكان ناصر المحمد الصباح بالقرب منا، هو على يسار عبدالعزيز الصقر وأنا على يمينه كالعادة. وفي اليوم التالي وكان يوم الثلاثاء، موعد الجلسة الأسبوعية للمجلس، حضرت مبكراً كالعادة وكنت جالساً أتفقد أوراقي وإذا بوزير الشؤون الاجتماعية والعمل يجلس بقربي ويقول لي: لماذا اشتكيتني عند الشيخ جابر الأحمد؟ فقد أرسل إليّ هذا الصباح، وعبّر عن انزعاجه لمعاملة العمال غير الكويتيين، وطلب إليّ أن أضع حداً أدنى للأجور هو (70) ديناراً في الشهر. اعتذرت إليه وقلت له إنني لم أتصل بجابر الأحمد إطلاقاً، لكني ذكرت هذه الحادثة البارحة لعبدالعزيز الصقر وكان رئيس الديوان الأميري حاضراً ولعله هو مَن نقل هذا الكلام إلى الأمير.


وفي اللقاء التالي في ديوان الصقر أخبرني ناصر المحمد الصباح أنه نقل كلامي إلى الأمير الذي غضب لذلك فكلفه باستدعاء الوزير وتحميله مسؤولية ذلك، وأمره بألا يتردد في تنفيذ أي شيء أطلبه.



الاحترام


حادثة أخرى رأيت فيها التوجه نفسه: لم تكن تربطني بالشيخ سالم صباح السالم علاقة جيدة، بسبب تصرّفه معنا أثناء حل مجلس 86 وكان وزيراً للداخلية، وكنت أرى أن ما قام به كان خطأ، سواء لجهة طريقة اعتقالنا أو لجهة طريقة معاملته لنا أثناء الاعتقال، أو للإجراءات القاسية ضد تجمعات الاثنين كاستعمال الكلاب البوليسية وإطلاق قنابل الغازات المسيلة للدموع علينا حتى داخل ديوانية الفضالة بالعديلية (مع أن صالح الفضالة ليست عنده مشكلة مع النظام) وقوله في ديوانيته بأن أجهزته تسجل أحاديثنا ليس في دواويننا فقط بل حتى في غرف النوم. محاولة تبريره هذه الأفعال الشائنة بأنه عبد مأمور لمن هم فوقه من العائلة غير مقبول إطلاقاً، هذا ما قاله لنا عندما زارنا في الطليعة ليسوّق نفسه أميراً للكويت! لم أحضر أنا هذا الاجتماع، لكنه أصر على مقابلتي عبر أحد الأصدقاء، وإرضاء لهذا الصديق قلت له لا بأس فليأتني إلى بيتي. لم يتردد في قبول هذا العرض. وهكذا جاءني مساءً إلى البيت وسلّم وبعد بعض المجاملات بدأ كلامه ينصبّ أنه أصلح للإمارة، كنت أتوقع منه أن يعتذر عما صدر منه بحقي ولكنه لم يفعل ذلك.


عند انتهائه من حملته سألته ما الغرض من هذه الزيارة، فاجأني بالقول بأنه يريدني أن أذهب إلى الأمير وأرشّحه هو لولاية العهد، فقلت له إنني لم أرَ الأمير لسنين عدة، قال: لكن نحن نعرف أن الأمير يحترم رأيك وأن هناك اتصالاً دائماً بينكما عبر وزير الديوان الأميري ناصر محمد الصباح.


وأذكر مرة أنه اتصل بالطليعة أحد أبناء الأمير وناشدهم عدم انتقاده هو، وإذا كان هناك أي ملاحظة فليتصلوا به شخصياً لأن الأمير ألقى عليه نظرة غاضبة بعد أن نشرت الطليعة انتقاداً له وهي الجريدة التي كان الأمير يحرص على وصولها إلى مكتبه في الصباح الباكر. فالديوان الأميري يرسل شخصاً من قبله إلى المطبعة ليأخذ أول عدد يُطبع مع أننا نرسل المجلة له في الصباح الباكر.


لقد شعرت وغيري آخرون ممن يعرفون الشيخ جابر الأحمد بأن محاولة الاغتيال وتقدّمه في السن أتاحا الفرصة للشيخ سعد العبدالله أن يستأثر أكثر وأكثر بالسلطة ويحقق طموحه في الحكم المنفرد. فهو لم يكتف بكل خطواته لإفساد العملية الديمقراطية ومحاولة وأدها في كل مناسبة، بل لم يستثنِ عائلة الصباح كذلك من سطوته. فأول قرار اتخذه بعد تنصيبه ولياً للعهد هو إلغاء اجتماع العائلة الأسبوعي الذي بدأ آخر أيام عبدالله السالم. وهو اجتماع للعائلة كان يحصل كل اثنين، ويترأسه وليّ العهد لبحث أمور العائلة وغيرها.


ثم اقتصر الاجتماع على «كبارية» العائلة، وعددهم نحو خمسة، ثم تحول العدد إلى اثنين هو والشيخ صباح الأحمد بدعم من الشيخ جابر الأحمد. ففي أثناء تشكيل الوزارة عام (1999) طلب الشيخ جابر الأحمد إلى الشيخ سعد العبدالله تشكيل الوزارة بالتعاون مع الشيخ الشيخ صباح الأحمد. عقد الاثنان عدة اجتماعات وفي النهاية اتفقا على قائمة واحدة نحو الساعة (12) ظهراً. وذهب الشيخ صباح الأحمد إلى البيت وفي الطريق اتصل برئيس الديوان الأميري الشيخ ناصر المحمد يقول له إنهما انتهيا من وضع الأسماء وإن القائمة بالطريق إليكم. لكنه فوجئ عندما قال له الشيخ ناصر المحمد إن القائمة وصلت من الشيخ سعد العبدالله هذا الصباح وإن الأمير وقّعها وسوف تذاع بعد قليل. هنا انتاب الشيخ صباح الأحمد الغضب وقفل راجعاً إلى الجوهرة في دسمان ليخبر الأمير بما حصل. وأستطيع أن أستنتج ما حصل وأصدّق ما روي عن هذا اللقاء العاصف.



المبادرة


وحادثة أخرى أذهلتني وكانت شديدة الدلالة، إذ بعد تحرير الكويت انهمك الكويتيون في التفتيش عن المفقودين من أبنائهم، وكانت هناك فئة مفجوعة بهذه المصائب ولم تجد جدية من قبل الحكومة في البحث عن أقربائها، فقرر أفرادها أن يعملوا مستقلين عن الحكومة واللجنة التي شكلتها، وجاء من ينصحهم بالذهاب إلى قابوس سلطان عُمان لعلاقته الطيبة مع صدام حسين وعرض الموضوع عليه من جانب إنساني ليتدخل. استحسنوا الفكرة وذهبوا إلى قابوس الذي رحب بهم وأبدى استعداده لمساعدتهم، لكنه قال لهم: «أنتم وفد شعبي وأنا حاكم وأتمنى أن يتصل بي المسؤولون عندكم». رجعوا إلى الكويت واتصلوا بالديوان الأميري ومجلس الوزراء طالبين موعداً للمقابلة، الديوان الأميري حدد لهم موعداً في اليوم التالي أما رئيس مجلس الوزراء فلم يتصل بهم. في اليوم التالي ذهبوا إلى الأمير الذي رحب بهم وقال إنه مستعد لفتح ألف باب لإيجاد باب واحد يؤدّي إلى معرفة مصير المفقودين. خرجوا من اللقاء فرحين. وبعد يومين اتصل بهم موظف من رئاسة مجلس الوزراء وقال لهم إن الشيخ سعد العبدالله يريد مقابلتهم. ذهبوا إليه ففاجأهم بهجومه عليهم قائلاً: «كيف تذهبون لمقابلة الأمير قبل مقابلتي؟». فقالوا له إنهم لم يهملوه بل طلبوا مقابلته إلا أنه لم يحدّد لهم موعداً. ومع ذلك أمرهم بالانصراف.


احتلال العراق للكويت، الذي كان مفاجئاً للأمير، زاد الطين بلّة، فقد بقي في بيته مستسلماً للقضاء والقدر رافضاً مغادرة بيته بالرغم من دخول القوات العراقية للمدينة، لكن سعد العبدالله أخذه عنوة إلى خارج الكويت لأنه هو الممثل الشرعي للكويت أثناء الاحتلال أو بعد التحرير. هذا التصرف كان له التأثير الكبير في علاقته بسعد العبدالله وهو في الوقت نفسه أثّر كثيراً في نفسيته التي اهتزت كثيراً وشلّته عن ممارسة مسؤولياته وتفرغ للصلاة والدعاء لله للعودة إلى الكويت.


صحة الشيخ سعد العبدالله بدأت تتدهور. ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت في التشكيل الوزاري عام (2003) عندما تم اعتماد الوزارة التي شارك في إعدادها كل من الشيخ سعد العبدالله والشيخ صباح الأحمد ورفض الأمير التشكيلة التي انفرد بها الشيخ سعد العبدالله مكرراً الفصل السابق نفسه.


وقّع الأمير على التشكيلة المشتركة وأرسلها إلى الشيخ سعد العبدالله لتوقيعها حتى تُعلَن، (.....) خصوصاً أن ذلك تزامن مع وجود رئيس مجلس الأمّة هناك، مما دفع كل من الشيخ سالم العلي السالم الصباح والشيخ مبارك العبدالله الأحمد الصباح وهما الأكبر سناً في العائلة إلى التوجه إلى سعد العبدالله والطلب منه توقيع المرسوم لأن رفض أوامر الأمير غير مقبولة في الأسرة. وهو مخيّر إما أن يوقّع المرسوم وإما أن يُعفى من كل مسؤولياته. فوقّع المرسوم مكرهاً.


وفي الوزارة التي تلتها بتاريخ 29/10/2002، فُصِلَتْ ولاية العهد عن مجلس الوزراء، واستبعد سعد العبدالله من رئاسة مجلس الوزراء (.....). كانت القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير كما يقولون. وكلّف الشيخ صباح الأحمد وحده بتشكيل الوزارة التي تفاهمت بدورها مع المجلس على تنحية الشيخ سعد العبدالله عن الإمارة بعد وفاة الشيخ جابر الأحمد ومبايعة الشيخ صباح الأحمد أميراً للبلاد.


غداً: وضع السلطة التنفيذية
 
أعلى