صغار المتداولين.. كبار الهموم والأوجاع
16 سبتمبر 2012 06:38 ص
لم تغيّر الأزمة المالية وضع البنوك والشركات والاقتصاد فقط، بل قلبت أيضا وضع المستثمرين الأفراد رأسا على عقب، خصوصا المتداولين في سوق الكويت للأوراق المالية. فقبل عام 2008، كانت قاعة التداول «تعج» بالمستثمرين الأفراد، وتشهد حركة غير اعتيادية، حيث كان الجميع يتابع المؤشرات ويتحدث على الهاتف مع وسيطه، والعيون تراقب الأخبار من جهة، والأسعار من جهة أخرى. كانت قاعة التداول تشهد يوميا ازدحاما شديدا، خصوصا على «كاونترات» شركات الوساطة. بعد 4 سنوات من اندلاع الأزمة، يبدو أن الوضع تغيّر تماما. باتت قاعة التداول شبه فارغة، يأتيها عدد قليل من المتداولين، يشكو بعضهم لبعض همومهم، ويقضون أوقاتا في الحديث مع «ارتشاف» الشاي أو القهوة وقراءة الصحف.
«القبس» جالت الأسبوع الماضي في قاعة التداول، والتقت عددا من المتداولين الأفراد، أو ما يصطلح على تسميتهم «صغار المستثمرين». كان بعضهم يعبّر عن حرقته من خسارة «تحويشة» العمر، التي استثمرها في البورصة وتبخرت نتيجة نزيف المؤشرات. والبعض الآخر قال إن الأحلام التي رسموها بالغنى السريع وجني الأرباح، ما هي إلا أوهام كلفتهم الكثير، فمنهم من باع منزله، ومنهم من استثمر معاشه التقاعدي، ومنهم من اقترض.
وقد أفصح معظم صغار المتداولين أنهم خسروا حتى %70 من أموالهم خلال الأعوام الأربعة الماضية. سألتهم القبس عن أسباب هذه الخسائر من وجهة نظرهم، وما الذي يدعوهم للاستمرار في التداول، وعن مدى تأثير هذه الخسائر على حياتهم الاجتماعية وأوضاعهم النفسية. البعض تحدّث ولم يرفض تصويره، مع بعض التحفظات على الحياة الشخصية. آخرون تحدثوا، لكنهم رفضوا نشر صورهم. والبقية رفضت التحدث والتصوير معا. وفيما يلي عدد من آراء صغار المتداولين مع حفظ الألقاب:
علي القطان: بعنا خدمات تقاعدنا.. وتبخّرت كل الأموال
يقول علي القطان بحرقة قلب: «والله ما تتصور خسارتي، أكثر من %80 من أموالي ضاعت بالسوق. خسرت أكثر من 100 ألف دينار بسبب الأوضاع المتردية. فكل يوم نواجه نزولا، والواحد لم يعد يستطيع أن يستثمر بهذا السوق. كل الأموال به تتبخّر».
ويوضح أنه في السوق الكويتي لا توجد شطارة، فالكل خسران. لكن هناك بعض المتداولين خسائرهم أقل، وهم من يطلق عليهم اسم «الذبابي». يشترون ويبيعون، سواء صعد السهم أو هبط فلسا واحدا، فهذه النوعية من المضاربين هم الأقل ضررا، وبالفعل أثبتت الأيام أن لا شيء اسمه استثمار بالسوق الكويتي، بل مضاربة فقط. وتابع: نحن لم ندخل السوق إلا لأننا ندرك أن هناك ربحا وخسارة، لذا يجب أن نتقبل الخسارة.
وبسؤاله حول الأسباب التي تدعوه إلى الاستمرار في التداول رغم خسارته، يجيب القطان: «تعوّدنا على هذا الأمر، عمر طويل ونحن نبيع ونشتري، من أيام سوق المناخ القديم، فكرنا أن رأسمالنا سيزيد، لكنه انتقص، فنحن موظفون بعنا خدمات تقاعدنا، واليوم راح كل شيء لا «فليسات» ولا رأسمال.
وعن تأثير الخسارة على وضعه الاجتماعي، يقول القطان: «لم تؤثر علي، فمن يخش الخسارة عليه أن يبتعد عن البورصة، ولا يفكر أن يدخل التجارة أبدا». وأضاف: «ربما بعد كم سنة قد لا نستطيع صيد الأسهم بالأسعار الحالية، وسنتذكر هذه الأيام».
محمد الحجي: المتداول يموت ويدفن.. وتبقى وراءه المصائب والبلاوي
يقول محمد الحجي: «اللي يطلع بدشاشته من السوق ومو مشلح، وايد زين ويحمد ربه». ويضيف: غالبية من هم في السوق لا يعملون شيئا، وهم بانتظار رحمة رب العالمين، فالحمل ثقيل، والمتداول في السوق الكويتي يموت ويدفن، وتجد مازالت وراءه مصائب وبلاوي، ومطلوب أكثر من نصف عمره».
وبسؤاله عن خسائره، قال: كان لدي من 80 إلى 90 ألف دينار وخسرتهم بالبورصة، ونحمد الله على الصحة والعافية، فهناك أشخاص يملكون الملايين، لكنهم على فراش الموت يدعون الله أن يأخذ ملايينهم ويعطيهم الصحة.
شاكر الصراف: لم تبق أسهم ولا فلوس.. الوضع رديء جداً
يذكر شاكر الصراف ان خسارته كبيرة، وكل ما استثمره «راح»، والسبب السوق «الرديء». ويضيف: «السهم الذي اشتريناه بدينار أو نصف دينار اليوم هو بـ20 فلسا، والمحصلة النهائية لا أسهم ولا فلوس».
وعن الأسباب التي تدعوه للاستمرار في التداول، يقول الصراف: «بدلا من الجلوس بالبيت، نجلس هنا نضيع وقتا مع الشباب، ونتداول ما تبقى من أسهم قليلة».
وعن انعكاسات الخسارة على حالته الاجتماعية والنفسية، قال من الناحية النفسية لا أفكر بالموضوع «اللي راح راح»، ولكن من الناحية الاجتماعية طبعا تأثرنا، فهذه الخسارة حدت من تحركاتنا، «فاليوم لا نستطيع التحرك لا يمين ولا شمال».
طارق دويسان: خسائري تجاوزت %90.. وقلَّصت إجازاتي وأسفاري
يتحدث طارق دويسان بحسرة قائلا: «خسرت أكثر من 80 ألف دينار، وهو مبلغ يشكّل %90 من مجمل الأموال التي استثمرتها في السوق».
ويرى أن السبب وراء هذه الخسارة غياب الشفافية وعدم محاسبة رؤساء وأعضاء مجالس الشركات عن الأخطاء الكبيرة التي يرتكبونها. وتابع: في الواقع لا نعرف أسباب هبوط البورصة، فأسواق العالم تصعد وسوقنا ينزل. غالبية أسواق العالم والأسواق الخليجية عدلت ماعدا السوق الكويتي «مكانك راوح».
وعن الأسباب التي تدعوه للاستمرار بالتداول، يقول دويسان: أتينا في الوقت الضائع، لا نملك شيئا اليوم، فلوسنا كلها راحت، ونحاول استرجاع ما يمكن استرجاعه، في السابق كنا نتداول بمبالغ كبيرة، واليوم نتداول بمبالغ لا تتجاوز 6 آلاف دينار.
ووافق دويسان على الكلام القائل ان هناك تأثيرات سلبية على حياته الاجتماعية، وأوضح: «من دون أدنى شك كيف لا تكون هناك انعكاسات، فقد كنت املك 80 ألف دينار، واليوم لدي 6 آلاف فقط. فمن المؤكد تأثرت كثيرا بهذه الخسائر، فعلى صعيد إجازة الصيف والسفر للخارج تأثرت، وألغيناها كلها.