«الشماتة»... مجلبة للشر... مفسدة للدين وعدّها القرآن من أخلاق الكفار والمنافقين
خلق ذميم وسلوك شائن يدل على نفس غير سوية وقلب يكاد يخلو من الحب والمودة والعطف وحب الخير
إسلاميات - الجمعة، 8 يناير 2016 / 1,326 مشاهدة /
14
لا يجوز إظهار الفرح والسرور بما ينزل بالآخرين من مصائب وما يحل بهم من كوارث وما يلحقهم من أقدار الله عز وجل
×
1 / 1
شارك:
+ تكبير الخط - تصغير الخط ▱ طباعة
| كتب عبدالله متولي |
• خلق الشماتة غالباً ما تقترن به مظاهر كريهة من السخرية والهمز واللمز وألوان الاستهزاء قولاً وفعلاً وإشارة
• حرَّم الله تعالى الشماتة بالآخرين إذا تعرّضوا لمصيبة أو نكبة لأن ذلك يتصادم وقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)
• نهى الإسلام عن الشماتة بمن هو دونك في النعمة عموماً ولأنها ليست من صفات المسلم الملتزم بالأخلاق الحميدة
• «لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك» أي أن عقوبة الشامت في الدنيا هي انتقال المصيبة إليه
الإسلام دين الأخلاق الحميدة، دعا إليها، وحرص على تربية نفوس المسلمين عليها. وقد مدح الله -تعالى- نبيه، فقال: {وإنك لعلى خلق عظيم}.[القلم: 4].
وجعل الله -سبحانه- الأخلاق الفاضلة سببًا للوصول إلى درجات الجنة العالية، يقول الله -تعالى-: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} [آل عمران: 133-134]. وأمرنا الله بمحاسن الأخلاق، فقال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34]. وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على التحلي بمكارم الأخلاق، فقال: (اتق الله حيثما كنتَ، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالقِ الناسَ بخُلُق حَسَن) [الترمذي].
فعلى المسلم أن يتجمل بحسن الأخلاق، وأن يكون قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أحسن الناس خلقًا، وكان خلقه القرآن، وبحسن الخلق يبلغ المسلم أعلى الدرجات، وأرفع المنازل، ويكتسب محبة الله ورسوله والمؤمنين، ويفوز برضا الله -سبحانه- وبدخول الجنة. يقول إمام الحرم المكي الشيخ بن حميد:«جاء الإسلام ليطهّر البشرية من أدران الجاهلية وأمراضها، ويُقوِّم السلوك ليستقيم على الفطرة السوية والرابطة بين أهل الإسلام هي رابطة الدين، وأخوّةُ الإيمان، ولها معالمها من حُسن المعتقد، والمحبة، والسرور، وحب الخير للناس، والفرحِ به، واجتنابِ ما يكدّر على ذلك ويشوش عليه، من الحسد، والشحناء، والتهاجر، والتباغض، والسباب، والتنابز بالألقاب، والناصحون من عباد الله المحبون لخلق الله أهلُ أدب، ورحمة، وحب، ومودة، وصدق ووفاء».
لقد استوعبت الشريعة في شمولها وعلاجها كلَّ أمراض النفوس ومعايبها؛ أقوالاً، وأفعالاً، ومشاعر، وانفعالات. وإن في مستجدات العصر وتقنياته ما وسع ذلك كله، ابتلاء وعلاجاً. إن هناك ثمة خُلُقاً ذميماً، وسلوكاً شائناً، يدل على نفس غير سوية، وقلبٍ مدخول، يكاد يخلو من الحب، والمودة، والعطف وحب الخير؛ ذلكم هو خلق الشماتة، وغالباً ما يقترن به مظاهر كريهة من السخرية، والهمز، والغمز، واللمز، وألوان الاستهزاء؛ قولاً، وفعلاً، وإشارة.. وإن الشماتة وصف، ولقب، ولفظ، فيه تنقُّصٌ، أو حطُّ مكانة، أو احتقارُ، أو ذمٌ، أو طعنٌ، أو تعدٍ على كرامة والشماتة فرحٌ ببليةِ مَن تُعاديه، والسرورُ بما يكره من تجافيه. يقول ابن بطال: «شماتة الأعداء ما ينكأ القلب، وتبلغ به النفس أشد مبلغ، وهي لا تحصل إلا من عداوة، أو حسد؛ بل قال أهل الحكمة:»إن الحسد والشماتة متلازمان؛ فالحاسد إذا رأى نعمة بُهت، وإذا رأى عثرة شمت«.
الشماتة هي: الفرح ببلية العدو، وكان عليه الصلاة والسلام يدعو»اللهم لا تشمت بي عدوا حاسدا «رواه الحاكم من حديث ابن مسعود وابن حبان من حديث ابن عمر. وقد حكى الله عز وجل عن موسى عليه السلام أنه قال: { فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين } وقيل لأيوب عليه السلام: أي شيء من بلائك كان أشد عليك قال: شماتة الأعداء وقال: الكلبي: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم شمت به نساء كندة وحضرموت وخضبن أيديهن وأظهرن السرور لموته صلى الله عليه وسلم وضربن بالدف.
وحرَّم الله تعالى أيضاً الشماتة بالآخرين إذا تعرضوا لمصيبة أو نكبة أو كارثة، لأن فعل مثل هذه الأشياء يتصادم وقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10] وقال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) [النور:19].
لا تظهر...!
والشماتة مظهر قبيح يتنافى مع مبدأ الأخوة الإيمانية التي تقتضي مشاركة الأخ في آلامه وآماله، كما أنها تتنافى مع تحريم أعراض الآخرين، لما رواه مسلم: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه».
وجزاء الشامتين: أن يتعرضوا للبلاء، ويعافي الله تعالى المشموت به مما ابتلاه الله به، فقد روى الترمذي وحسنه عن واثلة بن الأسقع قال: قال عليه الصلاة والسلام: «لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك». أي أن عقوبة الشامت في الدنيا هي انتقال المصيبة إليه، وبراءة المشموت به ومعافاته برحمة الله تعالى.
والشماتة.. مجلبة للشر ومفسدة للدين، وهي سلوك شائن وخلق قبيح يدل على نفس غير سوية وقلب مدخول. وحقيقة الشماتة: إظهار الفرح والسرور بما ينزل بالآخرين من مصائب وما يحل بهم من كوارث وما يلحقهم من أقدار الله عز وجل من مرض وموت. وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يستعيذ بالله كثيرا من الشماتة فيقول: (عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء» صحيح البخاري.
وسوء القضاء: يدخل فيه سوء القضاء في الدين والدنيا والبدن والمال والأهل وقد يكون ذلك في الخاتمة. ودرك الشقاء: يكون في أمور الآخرة والدنيا ومعناه أعوذ بك أن يدركني شقاء و شماتة الأعداء: هي فرح العدو ببلية تنزل بعدوه يقال منه شمت يشمت فهو شامت وأشمته غيره. جهد البلاء: روى عن ابن عمر أنه فسره بقلة المال وكثرة العيال وقال غيره هي الحال الشاقة.
لا يضركم...!
وأوضح القرآن العظيم أن الشماتة من أخلاق الكفار والمنافقين قال الله – عز وجل: { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } آل عمران: (120)، وقال تعالى: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ. قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ } التوبة [51، 52 ]. وفي غزوة أحد فرح المنافقون والكفار بما أصاب الرسول – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين من جراحات فأنزل الله عز وجل قوله ( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } آل عمران (140)
.
لا يحل...!
ولأنه خلق ذميم وسلوك قبيح نهى عنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أكثر من مناسبة فيقول: (عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ ) مسند أحمد. فلا يحِلُّ إيصالُ الأذى إلي مؤمن ولا مؤمنة بوجهٍ مِنَ الوجوهِ من قولٍ أو فعلٍ بغير حقٍّ، وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} الأحزاب ( 58 ).
ولصعوبة تحمل هذا السلوك الشائن على النفوس الزكية نجد هارون عليه السلام يرجو موسى عليه السلام عدم الإسراف في معاتبته قائلا

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } الأعراف: (150)، أما إذا أنزل الله – عز وجل – عقوبته بظالم أو أحل غضبه بطاغية جبار أو انتقم من مجرم فاجر فلا شك أن قلوب المؤمنين ستسعد لذلك وتسر، قال تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } التوبة:[ 14، 15].
لا يؤمن...!
إذن فمن علامات الإيمان أن يحب المؤمن لأخيه ما يحب لنفسه: عن أَنَسٍ، قَالَ (صلى الله عليه وسلم): ( لايُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ) البخاري. معناه: لا يؤمن أحدكم الإيمان التام، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وقال أبو الزناد: ظاهره التساوي وحقيقته التفضيل، لأن الإنسان يحب أن يكون أفضل الناس، فإذا أحب لأخيه مثله، فقد دخل هو في جملة المفضولين، ألا ترى أن الإنسان يجب أن ينتصف من حقه ومظلمته، فإذا كمل إيمانه وكانت لأخيه عنده مظلمة أو حق، بادر إلى إنصافه من نفسه، وآثر الحق، وإن كان عليه فيه بعض المشقة. وقد روى هذا المعنى عن الفضيل بن عياض، أنه قال لسفيان بن عيينة: إن كنت تريد أن يكون الناس كلهم مثلك، فما أديت لله النصيحة، كيف وأنت تود أنهم دونك. وقال بعض الناس: المراد بهذا الحديث كف الأذى والمكروه عن الناس، ويشبه معناه قول الأحنف بن قيس، قال: كنت إذا كرهت شيئًا من غيرى لم أفعل بأحد مثله.( شرح البخاري لابن بطَال ). وقال ابن رجب في فتح الباري: وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد والغل والغش والحقد، وذلك واجب كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا “، فالمؤمن أخو المؤمن يحب له ما يحب لنفسه ويحزنه ما يحزنه كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالحمى والسهر “ فإذا أحب المؤمن لنفسه فضيلة من دين أو غيره أحب أن يكون لأخيه نظيرها من غير أن تزول عنه كما.
لا تجوز...!
الشماتة ليست من صفات المسلم الملتزم بالأخلاق الإسلامية وهي من صفات النفس الظالمة الحقودة. فالله فضَّل الطعام بعضه على بعض في الأكل، كما فضَّل الناس بعضهم على بعض في الرزق، وهذا التفضيل ليس تفضيلاً عبثياً أو كيدياً، حاشا لله، بل هو خاضع لمشيئة الله الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم الغيب في السماوات والأرض. وقد يكون في بسط الرزق ابتلاء من الله عز وجل، وامتحان أشد صعوبة، لأن فيه غواية أكبر ومقدمة للوقوع في المعصية. كما أنه من الممكن أن يكون في التضييق حكمة لا يعلمها إلا الله، كالحماية من الوقوع في شرك المعاصي.
لذلك فقد نهى الإسلام عن الشماتة بمن هو دونك في النعمة عموماً، وليس فقط في الرزق، إذ لا تجوز الشماتة بمن لم يرزقه الله الذرية، أو لم يرزقه الصحة أو العلم. لا تحزن...!
و أنت أيها المبتلى بالشامتين؛ فلا تحزن ممن يشمت بك، أو يسخر، واستحضر مواقف الأقوام من أنبيائهم حين سَخِروا منهم واستهزأوا بهم فكان النصر والعلو»، وقد قال عز شأنه: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون}،
وقل لهم صبراً؛ فإن أيام الدنيا دوّارة، والأحوال متغيرات متقلبات؛ بل إن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله يقول: «ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد، غَمُّ، وإثم، ونَفَسٌ متتابع».
الشماتة بالمسلمين
إن الشماتة بالمسلمين والفرح بما ينزل بهم من بلاء أو مصيبة لا يجوز – حتى وإن أساءوا - فإنه مناف للأخلاق الكريمة، والشيم المرضية التي أمر الله عباده بها، ولا يتصف بذلك من كمل إيمانه وقوي يقينه بربه. ولكن هذا الفعل – مع قبحه – لا يخرج صاحبه عن دائرة الإيمان، لأنه من نواقص الإيمان وليس من نواقضه، وقوله – صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. ليس المراد به نفي الإيمان عمن لم يحصل هذه المرتبة، بل المراد به نفي كمال الإيمان وتمامه. جاء في شرح النووي على صحيح مسلم: قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وهذا قد يعد من الصعب الممتنع وليس كذلك، إذ معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الاسلام مثل ما يحب لنفسه، والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئا من النعمة عليه وذلك سهل على القلب السليم، وانما يعسر على القلب الدغل عافانا الله وإخواننا أجمعين والله أعلم. انتهى. فلنجاهد أنفسنا، ونعودها على خلق العفو والصفح عمن أساء وأخطأ،ونكفها عن الشماتة بالمسلمين، ولنتذكر ما حدث من أهل النفاق، بل ووقع فيه بعض الصحابة من الخوض في عرض أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وعندما همّ أبو بكر أن يمنع الخير عن بعضهم عاتبه الله سبحانه بقوله: «وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ». {النور: 22} ومن الأدوية المفيدة في علاج مثل هذه الأمراض – بعد التضرع إلى الله والإلحاح عليه أن يكشف السوء - المواظبة على صوم ثلاثة أيام من كل شهر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر ؟ صوم ثلاثة أيام من كل شهر». رواه النسائي وصححه الألباني.
كلمة للشامتين
وللمبتلى بالشماتة نقول: «عافاك الله من هذا الداء وهداك كأنك تزهو بكمالك، وتفاخر بجمالك، وتغفل عن موادعة الأيام لك، وتظن أن هذا المبتلى، لم يبتلَ بما ابتُلِيَ به إلا على كرامة في نفسك، أو بسبب إجابة دعوة منك أو من غيرك؛ فهذه تزكية، وعجب، وغرور، وغفلة؛ بل قد يكون استدراجاً ومكراً.. أما علمت أن الشماتة قد تكون انعكاساً لأمراض نفسية تدل على عدم الثقة، مع الإحساس بالفشل؛ فتسلي نفسك بهذا الخلق الذميم الشامت، محروم من المحامد الجميلة، والمسالك الراقية، والشعور الإنساني النبيل.
فالشامت لا يفرح بمصيبة غيره إلا مِن لؤم طبعه؛ بل يقرر أهل العلم أن الشماتة من أخلاق أهل النفاق؛ فقد قال عز شأنه في وصف المنافقين: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط}».
لقد استعاذ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشماتة وسوئها كما في الحديث الصحيح: «اللهم إني أعوذ بك من سوء القضاء، ودرك الشقاء، وشماتة الأعداء»، وقد قال هارون لأخيه موسى عليهما السلام: كما في التنزيل العزيز: «ولا تُشمت بي الأعداء» أي لا تُفْرحهم بمصيبتي يقول: استعاذ صلى الله عليه وسلم من شماتة الأعداء، وأمر بالاستعاذة منها؛ لعِظَم موقعها، وشدة تأثيرها في الأنفس البشرية، ونفور طباع الناس منها، وقد يتسبب عمقُ ذلك تعاظمَ العداوة المفضية إلى استحلال ما حرم الله، ويقول المناوي: «وإنما حُسن الدعاء يدفع شماتة الأعداء؛ لأن مَن له صيت عند الناس وتأمل وجد في نفسه كمن يمشي على حبل معلق والأقران والحساد ينظرون، وينتظرون متى ينزلق».
فلا تشمت بأخيك مهما صغُر شأنه، وظهر عيبه، وبان نقصه في أمر الدين أو الدنيا؛ فإن الشماتة تجلب البلاء والابتلاء؛ ولكن تَضَرّع إلى الله مستعيناً به خائفاً مستخفياً، مشفقاً على نفسك وعلى أخيك وقل: «الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به، وفضلني على كثير من خلقه تفضيلاً»، ومثل هذا الدعاء لو تأملت لعلمتَ أن المقصود به الوقايةُ والحذرُ من الوقوع في الشماتة، والاستهزاءِ، والسخرية، والانتقاصِ من إخوانك.
والأيام دول؛ فكم من غني افتقر، وفقير اغتنى، وعزيز ذل، وذليل عَز، ووضيع ارتفع، ورفيع اتضع، وقويّ ضعف، وضعيف قوي، وسليم ابُتلي، ومبتلى عوفي. والدهر حين يجر بكلكله على قوم فإنه يُنيخ على آخرين، وسيلقى الشامتون كما لقي غيرهم، يقول ابن مسعود رضي الله عنه:«والله لو أن أحداً عيّر رجلاً رضع من كلبة لرضع هو من كلبة»، وورد عن عمر رضي الله عنه:«والله لو عيّرت امرأة حبلى لخشيت أن أحمل»، ويقول إسماعيل الهروي:«أي عيب عيّرت به أخاك فهو صائر إليك»، ويقول الحسن البصري رحمه الله:«أدركت أقواماً لم تكن لهم عيوب فتكلموا في عيوب الناس؛ فأحدث الله لهم عيوباً، وأدركت أقواماً كانت لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس فستر الله عيوبهم».
كيف وقد جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تؤذوا عباد الله، ولا تُعَيّروهم، ولا تطلبوا عوراتهم؛ فإن من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته»، رواه أحمد. ويقول إبراهيم النخعي رحمه الله:«إني لأرى الشيء أكرهه؛ فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن ابتلى به». ويقول ابن القيم رحمه الله:«ما من عبد يعيب على أخيه ذنباً إلا وابتلي به؛ فإذا بلغك عن فلان سيئة، فقل من كل قلبك غفر الله لنا وله».
فلا تراقب الناس، ولا تتبع عوراتهم، ولا تكشف سترهم، ولا تتجسس عليهم.. اشتغل بنفسك، وأصلح عيوبك؛ فلن تُسأل بين يدي ربك إلا عن نفسك، والله أرحم بك وبهم منك ومن أنفسهم؛ بل إن المؤمن الصادق المخلص يحب أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به على حد قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»رواه البخاري ويقول ابن رجب رحمه الله:«إنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد، والغل، والغش، والحقد».
* من خطبة للشيخ بن حميد إمام الحرم المكي
الشماتة في الموت والمصائب
إن المسلم الذي تربى على الأخلاق الإسلامية الفاضلة ووعى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا يشمت في أحد ولا يفرح في مصائب الآخرين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.
إن المسلم يكره أفعال العصاة ويكره أفعال الكفار لكنه لا يشمت بهم ولا يفرح في مصائبهم لأنه لا يكن حقدا لأحد ولا يبغض أحدا ولكنه يكره أفعال العصاة والبعيدين عن طريق الله ويدعو للجميع بالهداية والمغفرة.
وليعلم كلُّ إنسان أن التشفِّيَ بالموت ليس خُلقا إنسانيًّا ولا دينيًّا، فكما مات غيره سيموت هو، وهل يُسَرُّ الإنسان إذا قيل له: إن فلانًا يُسعده أن تموت؟ والنبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:«لا تُظهر الشَّماتة بأخيك فيُعافيه الله ويَبتليكَ» رواه الترمذي وحسنه.
إن الشماتة بالمَصائب التي تقع للغير تتنافَى مع الرحمة التي يُفترض أنّها تسودَ بين المسلمين، والنبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الرغم من إيذاء أهل الطائف له ـ لم يشأْ أن يدعوَ عليهم بالهلاك وقد خيَّره جبريل في ذلك، ولكن قال في نبل وسموِّ خلق:«لا، بل أرجو أن يُخرجَ الله من أصلابِهم من يعبده لا يشرك به شيئًا» ثُمّ تسامَى في النبل والكرم فدَعا لهم بالهداية والمغفرة.
إن الشماتة بالغير خلق الكافرين والمنافقين الذين قال الله فيهم (إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسَؤُهُمْ وإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وإِنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ) (سورة آل عمران: 120) ألا فليعلم الشامتون بغيرهم أن الأيّام دُول والشاعر الحكيم يقول:
فقُلْ للشَّامِتينَ بِنَا أَفِيقُوا
سَيَلْقَى الشّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا
قال الله تعالى عندما شمت الكافرون بالمسلمين في غزوة أحد (إنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وتِلْكَ الأيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ) (سورة آل عمران: 140).
لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك..فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره...
وإن العيب كل العيب المجاهرة بالخلق الذميم في وسط المسلمين بل وبين طلبة العلم أو أشباه طلبة العلم... !!
إن الشماتة لا تليق بمسلم تجاه أخيه المسلم أبداً، بل هي من صفات الأعداء الذين حذر الله منهم ووصفهم بقوله تعالى: ( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط ) ( آل عمران:120 ).
وقد أجابت لجنة أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، حول حكم التشفي بالموت والمرض والمصائب، بقولها: لا شك أن الموت من أعظم ما يقع بالمؤمنين من الابتلاء له ولمن يتركهم بعده، وعند المصائب يجب الاعتبار والاتعاظ، والرحمة الإنسانية تحمل على الحزن بل والبكاء مهما كانت معاملة الميت، لقد قام النبي -صلى الله عليه وسلم- لجنازة، ولما قيل له: إنها ليهودي قال «أليست نفسا»!، رواه البخاري ومسلم.
ولما منع ثمامة بن أثال عن قريش إمدادهم بالطعام وكانوا في قحط، لم يظهر الرسول بهم شماتة ولم يفرح لما أصابهم، بل أمر بإمدادهم بما كان معتاداً، عندما ناشدوه الله والرحمة وسألوه بأخلاقه السمحة المعهودة فيه، وقد قال في صفات المنافقين «وإذا خاصم فجر» ومن الفجور الشماتة.
الراي