04/10/2015
«أموال آل كلينتون ومصادرها»
هيلاري سهَّلت صفقات لمؤسسات أجنبية.. فكوفئت بالتبرعات
136 مليون دولار دخل آل كلينتون عام 2001
هيلاري أثناء إلقائها محاضرة (أرشيفية)
">بيتر شوايزر - ترجمة وإعداد محمد حسن -
يروي كتاب «أموال آل كلينتون ومصادرها» لمؤلفه بيتر شوايزر القصة الخفيّة للكيفية التي ساعدت بها الحكومات الأجنبية بيل وهيلاري كلينتون على تحقيق الثراء وأسباب قيامهما بذلك. فقد كان كثيرون يعتقدون انهما جمعا ثروتهما من خلال صفقات الكتب والمحاضرات، غير أن الكتاب يكشف عن المزيد من مصادر ثروتهما، والأطراف التي ساعدتهما في ذلك.
والقبس تنشر فصولاً من الكتاب، تتضمن تفاصيل الدعم المالي للرئيس الأسبق وزوجته المرشحة للرئاسة في الانتخابات المقبلة.
إذا سألت اعضاء الفريق الذي يعمل مع آل كلينتون عن تدفق ملايين الدولارات المقدمة من الحكومة والمؤسسات، والممولين الاجانب على مؤسسة كلينتون، فانك سوف تحصل على تفسير مثير للاهتمام، الا وهو ان ذلك انما يعبر عن تقدير لكلينتون «فهو بصفته رئيسا، كان يحظى بالحب في جميع انحاء العالم، وبالتالي فانه من غير المدهش ان يكون هنالك دعم مالي يتدفق من جميع ارجاء العالم، لتمويل عمله في مرحلة ما بعد الرئاسة».
الدخل من المحاضرات
واذا ما سألت بيل كلينتون عن عشرات الملايين من الدولارات التي حققها عن طريق رسوم المحاضرات التي يلقيها حول العالم، وتسدد فاتورتها الجهات ذاتها التي تدعم مؤسسته، فانك سوف تتلقى ردا ايجابيا مماثلا، اي ان ذلك انما يدل على رغبته في مساعدة الآخرين، ويقول كلينتون انه من خلال محاضراته التي تدر دخلا مرتفعا «احاول مساعدة الناس للتفكير فيما يجري، وترتيب حياتهم وفقا لذلك».
وتبدو هذه الملايين، وكانها دليل على حب طاهر، وان المزيد من الملايين تساعد الناس للتفكير في طريقة حياتهم، ومن خلال هذا المنطق لابد ان يكون السياسيون ممن يجنون ملايين الدولارات في العالم، من اكثر الناس حظوة بالمحبة في اميركا والاكثر كرما.
الصفقات
غير ان الواقع يقول ان معظم ما يدور في الساحة السياسية الاميركية انما يتم في شكل صفقات، فالناس يبحثون عن طرق تمكنهم من التأثير في من هم في السلطة عن طريق تزويدهم بالمال، والسياسيون يسعدهم تلقي تلك المساهمات من داعميهم، ومن يودون الوصول اليهم او يرغبون في الحصول على عائد مقابل ذلك، والسياسيون بعد تركهم لمناصبهم غالبا ما يعتمدون على علاقاتهم واوضاعهم السابقة لجني الثروة لهم ولاسرهم. والقانون يحدد كمية الاموال التي يمكن للسياسي جمعها كمساهمات في حملاته الانتخابية، كما يقيد قدرته على جني اموال من مصادر غير معروفة، ويطلب منه الكشف عن الداعمين له مالياً.
وبينما يدور نقاش مستفيض حول اي من المعاملات يجب تقييدها وكيفية القيام بذلك، الا ان هناك اتفاقا عاما بأن اللعبة مهما كانت مشبوهة يجب ان يمارسها الاميركيون فقط، ولهذا السبب، فلقد ظل ولفترة طويلة يحظر قانونيا مساهمة الاجانب في الحملات السياسية البريطانية، وفي عام 2012 تحدى شخصان اجنبيان دستورية ذلك القانون واصدرت المحكمة الاميركية العليا قرارا بالاجماع بأن ذلك القانون لا يعد فقط دستوريا، بل انه يعتبر منطقيا تماماً.
تداول الأسهم وأعضاء الكونغرس
ان اي صحافي او محقق جاد سوف يقول لنا ان اثبات تهمة الفساد على شخصية سياسية يعد امرا صعبا للغاية، وذلك ما لم يتقدم شخص ذو صلة بالامر لكي يدلي بشهادته، فنحن لا نعرف ما يدور في الاحاديث الخاصة، ولا طبيعة تلك الصفقات او اسباب اتخاذ من هم في السلطة للقرارات التي يصدرونها، ولهذا السبب وضع مكتب التحقيقات الفدرالي خططا سرية لضبط المشتبه به، وفي حالة تلبس.
لماذا التركيز على الزوجين؟
وبعد تركيزي السابق على ممارسات الحزبين وتعاملاتهما وقضية الفساد، لماذا اركز الآن على زوجين فقط؟ هل لدي ثأر تجاه بيل وهيلاري؟ وهل احاول بطريقة ما اعاقة امكانية وفرص هيلاري في الانتخابات الرئاسية لعام 2016؟
الإجابة عن ذلك بسيطة للغاية، وهي ان معاملات هذين الزوجين السياسيين في الساحة العالمية تستحق الاهتمام. اذ لم يحقق اي احد خلال السنوات الاخيرة ثراء بالمستوى الذي حققه آل كلينتون، بينما كانا مستمرين في العمل في الخدمة العامة. فالمبالغ الضخمة التي حصلا عليها خلال فترة زمنية قصيرة لا يوجد لها مثيل. ولكي اعبر عن ذلك بطريقة اكثر تحديدا فإنني سأركز بصفة خاصة على التعاملات المالية ذات الصلة بالشركات والحكومات الاجنبية والمستثمرين الاجانب. فأصحاب المصالح الأجنبية لا يمكنهم التبرع لمصلحة الحملات الانتخابية. ولكنهم يستطيعون دفع اموال فيما يختص بالمحاضرات. كما ان في مقدورهم التبرع لمؤسسة كلينتون. فهل يقومون بذلك للحصول على النفوذ والتأثير؟ وهل توقيت دفع تلك الأموال يتزامن مع بعض القرارات المهمة التي يتخذها المسؤولون في الحكومة الأميركية؟ وهل حققوا النجاح في الحصول على نتائج لمصلحتهم؟
خرجوا من البيت الأبيض مفلسين
وقد أشارت هيلاري كلينتون في ملاحظة شهيرة إلى أن آل كلينتون كانوا «مفلسين تماماً» عندما غادروا البيت الأبيض في عام 2001، وقد تم تحدي ودحض ذلك التصريح فوراً بوصفه بأنه مبالغ للغاية.
ومع ذلك، فإن دخلهم كان متواضعاً مقارنة بغيرهم من السياسيين أو حتى بجون كيري الذي تبلغ ثروته أكثر من 100 مليون دولار. وبما أن الإفصاح العلني عن الوضع المالي لآل كلينتون يتم وفق تقديرات، فإنه يصبح من المحال معرفة ثروتهم بدقة. فقد أكد آل كلينتون أن دخلهم في ما بين عام 2001 و2012 بلغ على الأقل 136.5 مليون دولار وفق صحيفة «واشنطن بوست». كما قدّرت صحيفة «يو إس أيه توداي» صافي ثروة بيل كلينتون بأنها تبلغ 55 مليون دولار. وتعد هذه قفزة كبرى من الإعلان عن «الإفلاس التام» خلال فترة قصيرة من الزمن. ومن المهم التنبه إلى أن ما يدفع من مال إلى بيل كلينتون مقابل المحاضرات أو رسوم الاستشارات تستفيد منه هيلاري أيضاً.
تأليف المذكرات والمحاضرات
وبعض تلك الأموال تأتي من صفقات الكتب. فقد حصل بيل كلينتون وهيلاري على مبالغ مجزية لتأليف مذكراتهما. غير أن معظم المال إنما يأتي من خلال محاضرات بيل كلينتون. ووفق الإفصاح عن وضعهما المالي، منذ مغادرتهما البيت الأبيض.
كان بيل يحصل على معدل دخل يزيد على ثمانية ملايين دولار مقابل محاضرات ألقاها في دول مختلفة حول العالم. والرسوم التي يتلقاها ضخمة وغير مسبوقة، حيث إنها تصل، أحياناً، إلى 500 ألف أو حتى 750 ألف دولار عن كل محاضرة، ويصعب علينا تصور أن الحكم الثمينة التي تصدر عنه تستحق ذلك القدر من المال. غير أن هذا الكتاب سوف يحاول أن يظهر أن محاضرات بيل لا تحدث في فراغ، بل إنها تشكّل جزءاً من سلسلة أكبر من النشاط الذي لم يكشف النقاب عنه أمام الرأي العام.
التبرع لمؤسسة كلينتون
خلال السنوات التي تولت فيها هيلاري منصباً عاماً، أجرى آل كلينتون، أو سهلوا المئات من المعاملات المهمة إما كمواطنين عاديين أو مسؤولين حكوميين، مع حكومات ومؤسسات ومستثمرين أجانب. ولقد جلبت بعض تلك الصفقات الملايين لهم ويعود الفضل في ذلك إلى عمل بيل في مجال إلقاء المحاضرات المجزي. وقد تبرع العديد من تلك الجهات لمصلحة مؤسسة كلينتون. وكما سنرى، فإن تلك كانت مبالغ طائلة.
وفوق كل ذلك، فإن العديد من تلك الصفقات تمت في وقت كان فيه لدى أصحاب المصالح أموراً مهمة تنتظر البت على مكتب هيلاري، وتلك القضايا يبدو انها ذات صلة بتلك التحويلات الضخمة، ومن بينها استحواذ الحكومة الروسية على أصول اليورانيوم الأميركية، والوصول الى التكنولوجيا النووية الاميركية، وقضايا ذات صلة بالسياسة تجاه الشرق الأوسط والتصديق على بعض مشروعات الطاقة المثيرة للجدل، والسياسة الاميركية تجاه حقوق الانسان، على سبيل المثال لا الحصر.
قبل مغادرة الرئاسة
في شهر يونيو عام 1999 وفي أواخر فترة ولايته الثانية، اجتمع بيل كلينتون مع رئيس لجنة جمع المال لحملاته الانتخابية وأربعين من كبار رجال الاعمال في نيويورك، لوضع تصور لمنظمة لا تعمل من اجل الربح يتولى امرها مستقبلاً، وكانت النتيجة مؤسسة كلينتون التي تحولت الى المركز الاساسي لنشاطه العملي، في مرحلة ما بعد الرئاسة. وقد شارك فيها كلينتون وزوجته هيلاري التي «لعبت دوراً مهماً في تنظيم المؤسسة، كما في مدى الدور الذي ستضطلع به»، وفق ما ورد في صحيفة «نيويورك تايمز».
وتبدو مهمة المؤسسة أنها تسعى لحماية إرث الرئيس كلينتون، فضلاً عن دعم أعماله الخيرية حول العالم، ويقوم أسلوب عملها على جمع المال عبر التبرعات واستخدامه في تمويل البرامج الخيرية التي تشرف عليها، مثل برامج الرعاية الصحية والحفاظ على البيئة والتنمية في دول العالم الثالث.
وانه حتى قبل ترك الرئيس كلينتون منصبه وجدت المؤسسة نفسها متورطة في أمور مثيرة للجدل، إذ ان توقيت مساهمات معينة أثار تساؤلات عما إذا كانت ترتبط بالحصول على خدمات أو مزايا رسمية.
المليادير الهارب
ولقد بلغت تلك الامور المثيرة للجدل أوجها إبان الايام الاخيرة من ولاية الرئيس كلينتون، وذلك عندما اصدر عفواً عن الملياردير الهارب مارك ريتش، الذي يعمل في مجال المتاجرة في النفط والتمويل، وقد كان قد أدين من قبل الادعاء الاميركي بعدة تهم، وفرّ من البلاد، وتشمل علاقات ريتش التجارية تعاملاته مع بعض الطغاة.
وكان ريتش يبيع النفط لمصلحة ايران في انتهاك صريح للقانون الاميركي. بينما كانت ايران تحتجز الرهائن الاميركيين. وقد كان مدينا بمبلغ 48 مليون دولار ضرائب لم تسدد حاول تفاديها باساليب غير قانونية، وواجه جراء ذلك امكانية سجنه 325 عاماً خلف القضبان.
ولذلك كان ضمن قائمة اكثر الشخصيات المطلوبة من قبل مكتب التحقيقات. وفي اخر يوم له في سدة الرئاسة اصدر كلينتون عفوا عن ريتش، الامر الذي احدث هزة في واشنطن. وقد جاء العفو بعد تبرع زوجة ريتش السابقة دينيز بمبلغ مائة الف دولار اميركي لمصلحة حملة هيلاري كلينتون الانتخابية للحصول على مقعد في مجلس الشيوخ، ومبلغ 450 الف دولار لمكتبة بيل كلينتون، ومليون دولار للحزب الديموقراطي، وقد صدرت جراء ذلك ادانات فورية من جميع الاطراف تقريبا ضد قرار العفو.
وقد كانت تلك بداية نشاط آل كلينتون، اذ حالما تحرر بيل كلينتون من قيود البيت الابيض شرع في دخول عالم القاء المحاضرات حيث حصل على مبلغ 105.5 ملايين دولار في الفترة ما بين عام 2001 الى 2012، كما جمع مئات الملايين من الدولارات لمؤسسة كلينتون، والامر الاهم هو ان اكبر المبالغ لم تأت من مصادر في الولايات المتحدة بل جاءت من مستثمرين وشركات وحكومات اجنبية، حريصة على ارضاء الرئيس السابق، وربما ترغب في الوصول الى اروقة السلطة الاميركية، وفي الوقت ذاته كانت هيلاري قد حققت نجاحا في بروزها في اوساط اعضاء مجلس الشيوخ وحازت نفوذا وسلطة خاصة في مجال الامور المتعلقة بشؤون الامن القومي، والسياسة الخارجية، وعندما ترشحت لخوض معركة الرئاسة في عام 2008 ارتفعت بصورة كبيرة اسهمها ضمن دائرة السلطة. وعندما اقترح الرئيس اوباما في البداية، ترشيح هيلاري كلينتون لتولي منصب وزير الخارجية في اواخر عام 2008، اثيرت تساؤلات عدة حول مصادر التبرعات التي قدمت لمؤسسات آل كلينتون، وقد عبر العديدون عن انزعاجهم من ان معظم التمويل يرتبط بمساهمين اجانب، وقد دحضت هيلاري وزوجها تلك المخاوف.
بينما وجه الرئيس اوباما مساعديه، قبل الاعلان عن اختيار هيلاري لتولي وزارة الخارجية، بإجراء فحص دقيق وشامل حول تلك القضية.
غير ان هنالك من يرى ان تلك تعد «مشكلة بيل» ويفرق فيما بين «كلينتون الجيد» و«كلينتون السيئ» وان هيلاري هي «الجيّدة» غير اننا سنرى ان تلك تعد علاقة معقدة.
الحلقة المقبلة: مغامرة بيل في كازاخستان
بيل والحضور الشخصي أمام الجمهور
المصدر القبس
«أموال آل كلينتون ومصادرها»
هيلاري سهَّلت صفقات لمؤسسات أجنبية.. فكوفئت بالتبرعات
136 مليون دولار دخل آل كلينتون عام 2001
هيلاري أثناء إلقائها محاضرة (أرشيفية)
">بيتر شوايزر - ترجمة وإعداد محمد حسن -
يروي كتاب «أموال آل كلينتون ومصادرها» لمؤلفه بيتر شوايزر القصة الخفيّة للكيفية التي ساعدت بها الحكومات الأجنبية بيل وهيلاري كلينتون على تحقيق الثراء وأسباب قيامهما بذلك. فقد كان كثيرون يعتقدون انهما جمعا ثروتهما من خلال صفقات الكتب والمحاضرات، غير أن الكتاب يكشف عن المزيد من مصادر ثروتهما، والأطراف التي ساعدتهما في ذلك.
والقبس تنشر فصولاً من الكتاب، تتضمن تفاصيل الدعم المالي للرئيس الأسبق وزوجته المرشحة للرئاسة في الانتخابات المقبلة.
إذا سألت اعضاء الفريق الذي يعمل مع آل كلينتون عن تدفق ملايين الدولارات المقدمة من الحكومة والمؤسسات، والممولين الاجانب على مؤسسة كلينتون، فانك سوف تحصل على تفسير مثير للاهتمام، الا وهو ان ذلك انما يعبر عن تقدير لكلينتون «فهو بصفته رئيسا، كان يحظى بالحب في جميع انحاء العالم، وبالتالي فانه من غير المدهش ان يكون هنالك دعم مالي يتدفق من جميع ارجاء العالم، لتمويل عمله في مرحلة ما بعد الرئاسة».
الدخل من المحاضرات
واذا ما سألت بيل كلينتون عن عشرات الملايين من الدولارات التي حققها عن طريق رسوم المحاضرات التي يلقيها حول العالم، وتسدد فاتورتها الجهات ذاتها التي تدعم مؤسسته، فانك سوف تتلقى ردا ايجابيا مماثلا، اي ان ذلك انما يدل على رغبته في مساعدة الآخرين، ويقول كلينتون انه من خلال محاضراته التي تدر دخلا مرتفعا «احاول مساعدة الناس للتفكير فيما يجري، وترتيب حياتهم وفقا لذلك».
وتبدو هذه الملايين، وكانها دليل على حب طاهر، وان المزيد من الملايين تساعد الناس للتفكير في طريقة حياتهم، ومن خلال هذا المنطق لابد ان يكون السياسيون ممن يجنون ملايين الدولارات في العالم، من اكثر الناس حظوة بالمحبة في اميركا والاكثر كرما.
الصفقات
غير ان الواقع يقول ان معظم ما يدور في الساحة السياسية الاميركية انما يتم في شكل صفقات، فالناس يبحثون عن طرق تمكنهم من التأثير في من هم في السلطة عن طريق تزويدهم بالمال، والسياسيون يسعدهم تلقي تلك المساهمات من داعميهم، ومن يودون الوصول اليهم او يرغبون في الحصول على عائد مقابل ذلك، والسياسيون بعد تركهم لمناصبهم غالبا ما يعتمدون على علاقاتهم واوضاعهم السابقة لجني الثروة لهم ولاسرهم. والقانون يحدد كمية الاموال التي يمكن للسياسي جمعها كمساهمات في حملاته الانتخابية، كما يقيد قدرته على جني اموال من مصادر غير معروفة، ويطلب منه الكشف عن الداعمين له مالياً.
وبينما يدور نقاش مستفيض حول اي من المعاملات يجب تقييدها وكيفية القيام بذلك، الا ان هناك اتفاقا عاما بأن اللعبة مهما كانت مشبوهة يجب ان يمارسها الاميركيون فقط، ولهذا السبب، فلقد ظل ولفترة طويلة يحظر قانونيا مساهمة الاجانب في الحملات السياسية البريطانية، وفي عام 2012 تحدى شخصان اجنبيان دستورية ذلك القانون واصدرت المحكمة الاميركية العليا قرارا بالاجماع بأن ذلك القانون لا يعد فقط دستوريا، بل انه يعتبر منطقيا تماماً.
تداول الأسهم وأعضاء الكونغرس
ان اي صحافي او محقق جاد سوف يقول لنا ان اثبات تهمة الفساد على شخصية سياسية يعد امرا صعبا للغاية، وذلك ما لم يتقدم شخص ذو صلة بالامر لكي يدلي بشهادته، فنحن لا نعرف ما يدور في الاحاديث الخاصة، ولا طبيعة تلك الصفقات او اسباب اتخاذ من هم في السلطة للقرارات التي يصدرونها، ولهذا السبب وضع مكتب التحقيقات الفدرالي خططا سرية لضبط المشتبه به، وفي حالة تلبس.
لماذا التركيز على الزوجين؟
وبعد تركيزي السابق على ممارسات الحزبين وتعاملاتهما وقضية الفساد، لماذا اركز الآن على زوجين فقط؟ هل لدي ثأر تجاه بيل وهيلاري؟ وهل احاول بطريقة ما اعاقة امكانية وفرص هيلاري في الانتخابات الرئاسية لعام 2016؟
الإجابة عن ذلك بسيطة للغاية، وهي ان معاملات هذين الزوجين السياسيين في الساحة العالمية تستحق الاهتمام. اذ لم يحقق اي احد خلال السنوات الاخيرة ثراء بالمستوى الذي حققه آل كلينتون، بينما كانا مستمرين في العمل في الخدمة العامة. فالمبالغ الضخمة التي حصلا عليها خلال فترة زمنية قصيرة لا يوجد لها مثيل. ولكي اعبر عن ذلك بطريقة اكثر تحديدا فإنني سأركز بصفة خاصة على التعاملات المالية ذات الصلة بالشركات والحكومات الاجنبية والمستثمرين الاجانب. فأصحاب المصالح الأجنبية لا يمكنهم التبرع لمصلحة الحملات الانتخابية. ولكنهم يستطيعون دفع اموال فيما يختص بالمحاضرات. كما ان في مقدورهم التبرع لمؤسسة كلينتون. فهل يقومون بذلك للحصول على النفوذ والتأثير؟ وهل توقيت دفع تلك الأموال يتزامن مع بعض القرارات المهمة التي يتخذها المسؤولون في الحكومة الأميركية؟ وهل حققوا النجاح في الحصول على نتائج لمصلحتهم؟
خرجوا من البيت الأبيض مفلسين
وقد أشارت هيلاري كلينتون في ملاحظة شهيرة إلى أن آل كلينتون كانوا «مفلسين تماماً» عندما غادروا البيت الأبيض في عام 2001، وقد تم تحدي ودحض ذلك التصريح فوراً بوصفه بأنه مبالغ للغاية.
ومع ذلك، فإن دخلهم كان متواضعاً مقارنة بغيرهم من السياسيين أو حتى بجون كيري الذي تبلغ ثروته أكثر من 100 مليون دولار. وبما أن الإفصاح العلني عن الوضع المالي لآل كلينتون يتم وفق تقديرات، فإنه يصبح من المحال معرفة ثروتهم بدقة. فقد أكد آل كلينتون أن دخلهم في ما بين عام 2001 و2012 بلغ على الأقل 136.5 مليون دولار وفق صحيفة «واشنطن بوست». كما قدّرت صحيفة «يو إس أيه توداي» صافي ثروة بيل كلينتون بأنها تبلغ 55 مليون دولار. وتعد هذه قفزة كبرى من الإعلان عن «الإفلاس التام» خلال فترة قصيرة من الزمن. ومن المهم التنبه إلى أن ما يدفع من مال إلى بيل كلينتون مقابل المحاضرات أو رسوم الاستشارات تستفيد منه هيلاري أيضاً.
تأليف المذكرات والمحاضرات
وبعض تلك الأموال تأتي من صفقات الكتب. فقد حصل بيل كلينتون وهيلاري على مبالغ مجزية لتأليف مذكراتهما. غير أن معظم المال إنما يأتي من خلال محاضرات بيل كلينتون. ووفق الإفصاح عن وضعهما المالي، منذ مغادرتهما البيت الأبيض.
كان بيل يحصل على معدل دخل يزيد على ثمانية ملايين دولار مقابل محاضرات ألقاها في دول مختلفة حول العالم. والرسوم التي يتلقاها ضخمة وغير مسبوقة، حيث إنها تصل، أحياناً، إلى 500 ألف أو حتى 750 ألف دولار عن كل محاضرة، ويصعب علينا تصور أن الحكم الثمينة التي تصدر عنه تستحق ذلك القدر من المال. غير أن هذا الكتاب سوف يحاول أن يظهر أن محاضرات بيل لا تحدث في فراغ، بل إنها تشكّل جزءاً من سلسلة أكبر من النشاط الذي لم يكشف النقاب عنه أمام الرأي العام.
التبرع لمؤسسة كلينتون
خلال السنوات التي تولت فيها هيلاري منصباً عاماً، أجرى آل كلينتون، أو سهلوا المئات من المعاملات المهمة إما كمواطنين عاديين أو مسؤولين حكوميين، مع حكومات ومؤسسات ومستثمرين أجانب. ولقد جلبت بعض تلك الصفقات الملايين لهم ويعود الفضل في ذلك إلى عمل بيل في مجال إلقاء المحاضرات المجزي. وقد تبرع العديد من تلك الجهات لمصلحة مؤسسة كلينتون. وكما سنرى، فإن تلك كانت مبالغ طائلة.
وفوق كل ذلك، فإن العديد من تلك الصفقات تمت في وقت كان فيه لدى أصحاب المصالح أموراً مهمة تنتظر البت على مكتب هيلاري، وتلك القضايا يبدو انها ذات صلة بتلك التحويلات الضخمة، ومن بينها استحواذ الحكومة الروسية على أصول اليورانيوم الأميركية، والوصول الى التكنولوجيا النووية الاميركية، وقضايا ذات صلة بالسياسة تجاه الشرق الأوسط والتصديق على بعض مشروعات الطاقة المثيرة للجدل، والسياسة الاميركية تجاه حقوق الانسان، على سبيل المثال لا الحصر.
قبل مغادرة الرئاسة
في شهر يونيو عام 1999 وفي أواخر فترة ولايته الثانية، اجتمع بيل كلينتون مع رئيس لجنة جمع المال لحملاته الانتخابية وأربعين من كبار رجال الاعمال في نيويورك، لوضع تصور لمنظمة لا تعمل من اجل الربح يتولى امرها مستقبلاً، وكانت النتيجة مؤسسة كلينتون التي تحولت الى المركز الاساسي لنشاطه العملي، في مرحلة ما بعد الرئاسة. وقد شارك فيها كلينتون وزوجته هيلاري التي «لعبت دوراً مهماً في تنظيم المؤسسة، كما في مدى الدور الذي ستضطلع به»، وفق ما ورد في صحيفة «نيويورك تايمز».
وتبدو مهمة المؤسسة أنها تسعى لحماية إرث الرئيس كلينتون، فضلاً عن دعم أعماله الخيرية حول العالم، ويقوم أسلوب عملها على جمع المال عبر التبرعات واستخدامه في تمويل البرامج الخيرية التي تشرف عليها، مثل برامج الرعاية الصحية والحفاظ على البيئة والتنمية في دول العالم الثالث.
وانه حتى قبل ترك الرئيس كلينتون منصبه وجدت المؤسسة نفسها متورطة في أمور مثيرة للجدل، إذ ان توقيت مساهمات معينة أثار تساؤلات عما إذا كانت ترتبط بالحصول على خدمات أو مزايا رسمية.
المليادير الهارب
ولقد بلغت تلك الامور المثيرة للجدل أوجها إبان الايام الاخيرة من ولاية الرئيس كلينتون، وذلك عندما اصدر عفواً عن الملياردير الهارب مارك ريتش، الذي يعمل في مجال المتاجرة في النفط والتمويل، وقد كان قد أدين من قبل الادعاء الاميركي بعدة تهم، وفرّ من البلاد، وتشمل علاقات ريتش التجارية تعاملاته مع بعض الطغاة.
وكان ريتش يبيع النفط لمصلحة ايران في انتهاك صريح للقانون الاميركي. بينما كانت ايران تحتجز الرهائن الاميركيين. وقد كان مدينا بمبلغ 48 مليون دولار ضرائب لم تسدد حاول تفاديها باساليب غير قانونية، وواجه جراء ذلك امكانية سجنه 325 عاماً خلف القضبان.
ولذلك كان ضمن قائمة اكثر الشخصيات المطلوبة من قبل مكتب التحقيقات. وفي اخر يوم له في سدة الرئاسة اصدر كلينتون عفوا عن ريتش، الامر الذي احدث هزة في واشنطن. وقد جاء العفو بعد تبرع زوجة ريتش السابقة دينيز بمبلغ مائة الف دولار اميركي لمصلحة حملة هيلاري كلينتون الانتخابية للحصول على مقعد في مجلس الشيوخ، ومبلغ 450 الف دولار لمكتبة بيل كلينتون، ومليون دولار للحزب الديموقراطي، وقد صدرت جراء ذلك ادانات فورية من جميع الاطراف تقريبا ضد قرار العفو.
وقد كانت تلك بداية نشاط آل كلينتون، اذ حالما تحرر بيل كلينتون من قيود البيت الابيض شرع في دخول عالم القاء المحاضرات حيث حصل على مبلغ 105.5 ملايين دولار في الفترة ما بين عام 2001 الى 2012، كما جمع مئات الملايين من الدولارات لمؤسسة كلينتون، والامر الاهم هو ان اكبر المبالغ لم تأت من مصادر في الولايات المتحدة بل جاءت من مستثمرين وشركات وحكومات اجنبية، حريصة على ارضاء الرئيس السابق، وربما ترغب في الوصول الى اروقة السلطة الاميركية، وفي الوقت ذاته كانت هيلاري قد حققت نجاحا في بروزها في اوساط اعضاء مجلس الشيوخ وحازت نفوذا وسلطة خاصة في مجال الامور المتعلقة بشؤون الامن القومي، والسياسة الخارجية، وعندما ترشحت لخوض معركة الرئاسة في عام 2008 ارتفعت بصورة كبيرة اسهمها ضمن دائرة السلطة. وعندما اقترح الرئيس اوباما في البداية، ترشيح هيلاري كلينتون لتولي منصب وزير الخارجية في اواخر عام 2008، اثيرت تساؤلات عدة حول مصادر التبرعات التي قدمت لمؤسسات آل كلينتون، وقد عبر العديدون عن انزعاجهم من ان معظم التمويل يرتبط بمساهمين اجانب، وقد دحضت هيلاري وزوجها تلك المخاوف.
بينما وجه الرئيس اوباما مساعديه، قبل الاعلان عن اختيار هيلاري لتولي وزارة الخارجية، بإجراء فحص دقيق وشامل حول تلك القضية.
غير ان هنالك من يرى ان تلك تعد «مشكلة بيل» ويفرق فيما بين «كلينتون الجيد» و«كلينتون السيئ» وان هيلاري هي «الجيّدة» غير اننا سنرى ان تلك تعد علاقة معقدة.
الحلقة المقبلة: مغامرة بيل في كازاخستان
بيل والحضور الشخصي أمام الجمهور
المصدر القبس