وضع البروفيسور أدريان هوايت أول خريطة عالمية للسعادة. وهي عبارة عن نتيجة دراسة أجراها في جامعة ليستر بالمملكة المتحدة والتي شملت 80 ألف شخص في كل أنحاء العالم.
أما الدول التي يشعر فيها الإنسان بالسعادة فقد جاء ترتيبها كالتالي: الدانمرك على رأس القائمة تليها بفارق ضئيل سويسرا فالنمسا. وجاءت بريطانيا في المركز ال 41، وفي ذيل القائمة زيمبابوي وبوروندي. وتوصلت الدراسة إلى أن هناك علاقة وثيقة بين مستوى السعادة والصحة، وجاءت الثروة والتعليم في المركز التالي بعد السعادة.
وقال هوايت 'لدى سؤال الناس عما إذا كانوا سعداء في حياتهم، فان الناس الذين يعيشون في بلدان تتوافر فيها الرعاية الصحية ويرتفع مستوى الدخل والتعليم يقولون إنهم أكثر سعادة من غيرهم'.
كيف تقاس السعادة؟
اعترف هوايت بأن معايير السعادة ليست كاملة، ولكنها أفضل المتاح. وقال 'هناك اهتمام سياسي متزايد باستخدام معايير لتحديد مستوى السعادة، وذكرت دراسة أجرتها بي بي سي مؤخرا ان 81 في المائة من المشاركين فيها يريدون من الحكومة أن تركز أكثر على ما يجعلهم أكثر سعادة وثراء'. وأضاف قائلا 'إن أداء المملكة المتحدة بهذا الشأن طيب نسبيا حيث احتلت المركز ال 41 بين 178 دولة'. وذكر إنه فوجئ بدول آسيوية تراجعت مراكزها نسبيا مثل الصين في المركز ال 82 واليابان في المركز ال90 والهند في المركز ال 125 وربما لأنها تتمتع بهوية جماعية.
في المال والشهرة؟
لا يمكن أن تشترى السعادة في هذين العنصرين ولكن الأمر أخذ طابعا علميا وبحثيا، فهاهم العلماء يعيدون بدهيات نعرفها جيدا ولا سيما علماء النفس الذين يؤكدون ان المال والشهرة ليسا عوامل لجلب السعادة للمرء.
ويقول الخبراء إن الثراء الفاحش والشهرة التي تترافق معه، وخصوصا عند غير المعتادين عليها كمن يربح في اليانصيب مثلا، ليست بالضرورة مجلبة للسعادة، بل قد تكون منفرة لها، بيد أن الشعور بالاستقلالية والاعتداد بالذات والرضا عن النفس فيما يفعله الإنسان، والتقارب مع الآخرين والثقة بالنفس، كلها أمور تسهم في الإحساس بالسعادة وتقريبها عموما.
ويقول الدكتور كينون شيلدون من جامعة ميزوري في ولاية كولومبيا الأميركية إن هذه الحاجات والمتطلبات النفسية يمكن أن تكون العناصر الرئيسية التي تجلب السعادة للإنسان.
ويشير هذا الطبيب النفسي إلى أن الحاجات النفسية يمكن، في حال السعي إلى تحقيقها، أن تدفع السعادة الشخصية للفرد إلى مستويات وآفاق جديدة، تماما كما هي حال حاجة النبات لمكوناته الطبيعية التي لا غنى عنها في نموه واستمراره.
وقد اختار فريق البحث الذي يترأسه الدكتور شيلدون ثلاث مجموعات مختلفة من الطلبة لأغراض البحث العلمي، منهم مجموعة من كوريا الجنوبية، لاستقراء وفحص مستويات السعادة لدى كل شخص منهم.
الرضا والسعادة
وقد طلب الدكتور شيلدون من المجموعة الأولى تعريف وتحديد أكثر الأحداث التي أوصلت إلى أقوى وأفضل لحظات السعادة والرضا خلال فترة الشهر السابق لإجراء التجربة وطلب من المجموعة الثانية الطلب نفسه ولكن خلال الأسبوع الأخير السابق للسؤال، أما المجموعة الأخيرة فقد طلب منها تحديد أسوأ وأتعس حادث مر بها خلال فترة الفصل الدراسي الجامعي. ووجد البحث، المنشور في مجلة 'الشخصية والسيكولوجيا الاجتماعية' التي تصدرها جمعية الطب النفسي الأميركية، أن النتائج المستخلصة من المجموعات الثلاث كانت إلى نحو ما متشابهة.
وقال معظم الطلاب موضوع البحث إن قضية نقص الطمأنينة والأمان تؤثر بشكل كبير في استقرارهم النفسي.
ويوضح بحث الدكتور شيلدون أن النتائج تشير إلى أنه عندما يحدث مكروه يتمنى الناس بقوة أن يحصلوا على الراحة والسعادة النفسية من وجود الأمن والطمأنينة، التي عادة ما يعتبرونها موجودة كتحصيل حاصل في الظروف الطبيعية
وبالنسبة للطلاب الأميركيين فقد كان موضوع الثقة بالنفس على رأس قائمة أولويات السعادة، في حين كان عند الطلبة الكوريين الشعور بالقرب والتقارب.
ويأمل الباحثون في توسيع نطاق بحثهم من أجل مساعدة الناس على تشخيص مناطق السعادة في ذواتهم على المستويين الفردي والاجتماعي، ودفعهم نحو تحسين وتوسيع رقعة تلك المناطق على نحو يضمن لهم حياة أفضل.
المال أو السعادة
وتتفق الدكتورة ديانا بيدويل عضو جمعية الطب النفسي البريطانية مع الرأي القائل ان المال لا يجلب السعادة بالضرورة، وتقول إن العديد من الدراسات أجريت وركزت على موضوع أهمية أو عدم أهمية المال في نوعية حياة الفرد، ولاحظت معظم هذه الدراسات أن المال يمكن أن يجلب درجة معينة ومحدودة من الشعور بالسعادة، لكنه بعد عبور هذه الدرجة يصبح الأمر سيان ولا يذكر. وتضيف الدكتورة بيدويل أن هناك دلائل وشواهد كثيرة تشير إلى العدد المتزايد من الأثرياء غير السعداء، وعلى الأخص أولئك الذين لم يولدوا وفي فمهم ملاعق الذهب والفضة، كالفائزين بثروات اليانصيب الضخمة
معادلة العلماء للسعادة
خرج علماء النفس علينا بمعادلة جديدة قد تساعدك على أن تكون شخصا أسعد. ويقول العلماء إن المعادلة التي حصلوا عليها بعد بحوث طويلة قادرة على أن تغير حياتك، وتضيف إلى ما تشعر به من سعادة. ولابد أن كلا منا قد ذاق طعم السعادة، ولكننا نعاني من أن اللحظات السعيدة قليلة وتمر بسرعة. استمتاع + انغماس + معنى = سعادة وينصحك علماء ما يسمى ب 'علم النفس الإيجابي' ببعض الاستمتاع، والانغماس في شيء ذي معنى، ويعدونك ب 10 إلى 15% إضافية من السعادة. ولإطالة تلك اللحظات يرى باحثو تلك المدرسة الجديدة من علم النفس انه يجب أن 'تنغمس' تماما فيما تفعل وتستمتع به، تماما مثلما يحدث عندما تقوم بعمل شيء تحبه او تؤمن به. واحرص، كما يقول العلماء، على أن يكون ما تفعل ذا معنى، حتى تكتمل المعادلة وتكتسب حياتك قيمة جديدة فتشعر بمزيد من السعادة.
العمل الشاق والسعادة
ربما يكون العمل الجاد هو آخر شيء يتبادر إلى ذهنك بعد العودة من إجازة العطلات، ولكن تمهل قليلا فالخبراء يقولون إنه قد يكون المفتاح إلى السعادة! فقد درس الباحثون من جامعة جوتنبرج بالسويد بيانات منشورة عما يبعث السعادة في نفوس الأشخاص. ويعتقد الباحثون أن العمل من أجل تحقيق هدف، أكثر منه الوصول إلى الهدف المراد، يبعث على الشعور بالرضا - ومع ذلك لا ينسى الباحثون الإشارة إلى أهمية العلاقات الجيدة.
ويوافقهم الخبراء البريطانيون الرأي، ولكنهم يضيفون أنه من الأهمية أن يتوافق حجم العمل المطلوب وقدرات الفرد.
وقد درس فريق جوتنبرج مئات المقابلات التي أجريت مع أشخاص من أنحاء مختلفة من العالم لمعرفة ما يحملهم على الشعور بالرضا.
ويقول الباحثون إن الفوز باليانصيب أو تحقيق هدف في العمل يحدث سعادة مؤقتة، غير أنها لا تدوم، في حين وجد الباحثون أن العمل الجاد للوصول إلى غاية ما، يعد أكثر إشباعا. ويقول الباحث الرائد بالفريق د. بنكت برولدي، من قسم الفلسفة بالجامعة: 'أهم شيء هو البقاء نشطا'.
ويتابع قائلا 'تظهر أبحاثنا أن الأكثر نشاطا هم الأكثر سعادة. ربما يعتقد المرء أن الأفضل في الحياة هو الاسترخاء على شاطئ البحر، ولكن إذا طال هذا الاسترخاء عن اللازم فسوف يفقد قدرته على الإسعاد'.
وتقول آفيريل لايمون، من جمعية علم النفس البريطانية 'العمل الشاق يبعث أيضا على الرضا، ولكن إذا كان مناسبا لك'. وتتابع قائلة 'يجب أن يستهلك العمل ملكات الفرد وطاقاته وإلا فإنه يحبط المعنويات'.
المآخذ
ولكن هل تبدو هذه المعادلة البسيطة كافية لتحل تلك المشكلة التي تؤرق الكثيرين؟
في واقع الأمر يمكنك أن 'تنغمس' كثيرا فيما تحب أن تعمل ولا يعني ذلك أنك أصبحت سعيدا، بل قد يعني، بكل بساطة، انك اصبحت مثلا مدمنا على العمل. إذا، فالمعادلة ولا شك يشوبها بعض النقص.
العامل المفقود
وتشير إلى ذلك 'اليونا بونيويل'، اختصاصية علم النفس في جامعة أوكسفورد بروكس البريطانية، قائلة إن المعادلة الجديدة لا تشير إلى 'الرضا' وهو عامل بدا مهما في عدد من استطلاعات الرأي المتعلقة بموضوع السعادة. وتكمن خطورة اتباع معادلة معينة في أنها يمكن أن تضيف لنا عبئا جديدا، وينتهي بنا الأمر بالشعور بالتعاسة. ولا تنس أن ما تراه أنت مصدرا للسعادة، قد لا يكون كذلك لغيرك.
ويقول معارضو تلك النظرية، إنه لا يمكنك في كل الأحوال ان تضغط على زر لتتحول إلى شخص سعيد. ويقول الدكتور 'مارتن سليجمان' من جامعة بينسلفانيا الأميركية، وهو من يوصف بأنه 'أبو' علم النفس الإيجابي، ان المرء يصبح اكثر سعادة عندما 'يحاور' نفسه، ويتحدى الأفكار السيئة ويحللها، ويقارنها بما يتمتع به من نعم ومزايا. ويجمع العلماء عموما على عدم قدرتهم على الوصول إلى معادلة للسعادة تكون شاملة ومبسطة في الوقت ذاته.
الطعام والسعادة
وأكد الباحثون أن هناك حاجة لتناول مزيد من الأطعمة الغنية بالأحماض الدهنية لدعم الصحة العقلية. وقال الأطباء بالجمعية الدولية لدراسة الأحماض الدهنية إن هناك فوائد جمة للعقل من تناول تلك الأحماض المعروفة باسم 'أوميغا 3'. وأشار الباحثون إلى أن الأطعمة الغنية بالأحماض الدهنية مثل الأسماك والبيض يمكن أن تحول دون الإصابة بالإحباط كما انها تعزز عملية التعلم.
وخلصت دراسة أجراها الدكتور جوزيف هيبلن من المعهد القومي الأميركي للصحة على 14500 سيدة حامل إلى أن معدلات الإحباط تقل عند السيدات اللائي يتناولن الأسماك خلال فترة الحمل، كما تقل أيضا احتمالات تعرض أطفالهن لمشكلات سلوكية او صعوبات في التعلم.
وتوصل باحثون آخرون إلى أن الأطفال الذين تقل عندهم معدلات الأحماض الدهنية في سن السابعة يكونون أكثر عرضة للإحباط كبالغين.
وأوضحت الدراسة أن معدلات تناول الأحماض الدهنية 'أوميغا3' قد انخفضت الآن بشكل عام عن السنوات السابقة. وقال البروفيسور مايكل كروفورد من معهد الكيمياء العقلية والتغذية الانسانية بجامعة شمال لندن إن الخمسين عاما الماضية شهدت تحولا تاما في تناول الأشخاص للأحماض الدهنية.
وأوضح البروفيسور توم ساندرز من مركز أبحاث التغذية والصحة بجامعة كينجز كوليدج أن هناك اعتقادا عاما لدى الأشخاص بأن جميع الدهون ضارة. وأضاف: 'هناك مشكلة حقيقية في فهم كلمة دهن، لأن هناك دهونا نافعة ودهونا ضارة'. وتقول إحصائيات منظمة معايير الطعام البريطانية إنه ينبغي أن يتناول الشخص وجبتين على الأقل من الأسماك في الأسبوع وأن إحدى هاتين الوجبتين ينبغي أن تشتمل على أسماك زيتية.
وتحتوي بعض الأسماك الزيتية على كيماويات تتراكم في الجسم بمرور الوقت وقد تؤدي إلى نتائج صحية سيئة في حال تناولها بكميات كبيرة ولفترات طويلة.
وقال الدكتور راي رايس من الجمعية الدولية لدراسة الأحماض الدهنية: 'يتمتع الأشخاص الذين يتناولون الكثير من الأسماك بصحة عامة جيدة وصحة عقلية أفضل ممن لا يتناولون الأسماك'.
وأضاف: 'الأسماك ليست غنية بالفيتامينات فقط ولكنها أيضا أهم مصدر من مصادر الأحماض الدهنية.'
شعوب مزدهرة لكنها تعيسة
وأظهرت الدراسات أن مستوى السعادة الشخصية غير مرتبط بمستوى المعيشة. فقد تبين أن عددا كبيرا من سكان الدول الأكثر غنى غير سعداء أو راضين عن حياتهم. كما تبين أن الناس في بعض الدول ولاسيما بريطانيا والولايات المتحدة أكثر بؤسا بالرغم من أنهم أثرياء أكثر من أي وقت سابق.
ففي بريطانيا، قال كل ثمانية أشخاص من أصل عشرة إن على الحكومة أن تصب اهتمامها في إطار جعل المواطنين أكثر سعادة بدلا من الاهتمام بجعلهم أكثر ثراء.
وكذلك اعتبر نسبة كبيرة من المشاركين في الدراسة أن الزواج في أغلب الأحيان يؤدي إلى السعادة، كما أن العلاقات والصداقات والصحة تشكل أيضا عوامل أساسية لسعادة الإنسان. أما الدول التي يعتبر سكانها الأكثر سعادة فهي بحسب ما أظهر الإستطلاع، سويسرا والدانمرك والسويد وإيرلندا.
كم تكلف السعادة؟
يمكن للانسان أن يعيش سعيدا ولعمر مديد دون أن يستنفد طاقات الأرض ومواردها. هذا ما أثبته مسح جرى نشره حديثا ويشمل 178 دولة. ويشير المسح الى أن سكان جزيرة فانوتو الصغيرة في المحيط الهادي هم أسعد البشر على وجه البسيطة، بينما جاء الشعب البريطاني في المرتبة ال 108.
ويقوم المسح الذي أطلق عليه اسم قائمة الكوكب السعيد بترتيب مكانة الدول محل البحث بحسب مستويات استهلاك سكانها، ومدى سعادتهم، بدلا من استخدام قياس الناتج القومي المحلي كما هي العادة. وقامت بالدراسة مجموعة من المفكرين في مؤسسة نيو ايكونومست. السعادة في البساطة.
ويقول نيك ماركس أحد المشاركين في المسح ان الهدف منه هو اظهار أن رفاهية الفرد لاترتبط بالضرورة بمدى ولا نوعية الاستهلاك البشري. ويضيف ماركس أنه اتضحت من المسح أنه لاتوجد دولة بعينها تتمتع بكل مميزات الحياة، ولكن اتضح منه أنماط يمكن اتباعها لتحقيق هدف السعادة المرجوة في الحياة، وبدون استنزاف البيئة. ولا يرتبط مستوى غنى الدولة بنسبة السعادة التي تتحقق لمواطنيها،اذ تحتل دول أميركا اللاتينية المراكز العشرة الأولى في المسح رغم تواضع اقتصاد هذه الدول. وتجيء دولة مثل ألمانيا ذات المكانة الاقتصادية القوية في المرتبة ال81، واليابان في المركز ال،95 أما الولايات المتحدة فتحتل المكانة ال 150 في قائمة المسح.
ويقول ريتشارد ليارد مدير برنامج الرفاه الانساني في كلية الاقتصاد في لندن ان المسح يثبت أن سعادة الانسان الآنية في الزمن الحاضر، لاتعني بالضرورة سوء استخدام موارد الأرض. ويضيف ليارد ان الدول الغربية حققت ارتفاعا واضحا في مستويات المعيشة على مدى ال 50 عاما الماضية، ولكن هذا لايعني أن شعوبها أصبحت أسعد.
وتدعو المؤسسة المسؤولة عن البحث الى التزام العالم ببرنامج يعمل على تحقيق المزيد من السعادة البشرية ولكن ليس على حساب موارد الأرض.
ومن النقاط التي تود المؤسسة تطبيقها، السعي لمحاربة الفقر والجوع بصورة جدية في دول العالم الثالث، والعمل على التزام السياسات الاقتصادية بالحفاظ على البيئة.