وتبقى في ذات الاطار تساؤلات مشروعة عن النوايا إن وجدت، إذا كنا قد جربنا الانقلاب على الدستور مرتين في عامي 1976 و1986 ولم تأتِ لنا هاتان التجربتان إلا بالويل والثبور وعظائم الامور، فما جدوى التجربة مرة ثالثة؟ وهل تتحمل البلاد المثخنة بالجراح السياسية مزيدا من التجارب التي أثبتت فشلها؟ وعلى افتراض ان هناك ضعفا بنيويا وسلوكيا في مجلس الأمة، فهل يعني ذلك أن الحكومة هي ملائكية المضمون والمظهر؟ ولنفترض جدلا أن مجلس الامة أو بعض اعضائه قد تصرفوا بصورة غير مسؤولة، فكيف أدارت حكومات 1976 و1986 شؤون الدولة عندما كانت منفردة بالقرار؟ أَوِلَمْ تَقُدْ تلك الحكومات وهي منفردة بلا مجلس ولا دستور ولا منغصات البلادَ الى أكبر كارثتين عرفهما التاريخ الكويتي الحديث؟
ثم لنفترض مرة اخرى أن هناك خللا في الدستور أو في بعض مواده، أليس من الأجدى، وقد جربنا الحلول الكارثية أن تتقدم الحكومة إلى مجلس الامة مباشرة برغبتها في تعديل المواد المراد تعديلها؟
ولنفترض أن حلا غير دستوري قد حدث، ثم جُيِّش الجيش والمخابرات وأمن الدولة وغيرها وصدرت البيانات الرسمية التي تعنف وتعلي شأن القيادة السياسية وحكمتها، ثم أُلِّفت الأغاني «الوطنية» وكتب «وعاظ السلاطين» كتابات تحيي العهد الجديد «وراح عهد المزاح...» الى آخره. وفُرضَت الرقابة على الصحافة والفضائيات والمدونات، ثم صدرت التشريعات التي تبيح انتهاك الحريات، وتم زج الأفراد المخالفين في السجون، وتحولت الكويت الى نموذج مشابه لدول المنطقة الشقيقة، ومن «شابه أخاه فما ظلم؟، وأخذت الحكومة تضخ المليارات ذات اليمين وذات اليسار، وانتعشت «الخلايا النائمة» للفساد والمفسدين، فهل هذه هي الكويت التي يطمح إليها الطامحون؟
«الاستفراد» بالسلطة سيظل آفة أي حكم، وسيسير بنا النهج «الاستفرادي» الى ما عرفناه من قيادة المجتمع الى الهاوية، في ظل عجز وضعف حكوميين، وهيمنة قوى الفساد والانتهازية على مقدرات الامور.
وسيؤدي العجز والضياع وسوء الادارة الى استفزاز المواطنين، وتبدأ تكوينات اجتماعية وسياسية في صياغة اسلوب احتجاجي جديد، ثم يعاود الحكم مرة اخرى العودة إلى الدستور، بعد ان نشفت الأرض وجف الضرع.
فهل نحن في حاجة الى كل ذلك؟
لم تشكل «الحركة الدستورية» بعد الحل مباشرة في 1986، ولكنها ظلت تتكون عبر ما يزيد على 3 أعوام، وعندما ظهرت الى الوجود عبر «ديوانيات الاثنين» برزت من دون تردد، ودخلت في الموضوع من غير مواربة، فما الذي يمنع تكرار ذات الحدث، وان بتفاصيل مختلفة قد تكون اشد قسوة؟. «الحركة الدستورية»، (وهي ليست الحركة الدستورية الإسلامية حدس) تكونت من تشكيلات اجتماعية متباينة، تمثلت مشروعيتها الشعبية في أن قيادتها كانت تمثل نواب الامة الذين انتخبوا في 1985، وامتدت عبر مؤسساتها المختلفة تكتل النواب ومجموعة الـ45 واللجنة الاعلامية لكي تصبح رقما صعبا في المعادلة السياسية، وأسهمت إسهامات مهمة في إثراء التراث السياسي الكويتي، كما أثبتت أن الحراك السياسي قادر على إظهار حيويته عندما يوضع على المحك.
فهل ستتكرر التجربة مرى أخرى؟ وهل يحتمل هذا الوطن الصغير فتح جرح غائر مجددا؟
يعرف يوم الغزو العراقي لدولة الكويت بـ«الخميس الأسود»، لكن أهل الكويت عرفوا خميساً أسود آخر، شُلّت فيه البلاد، وأوقف العمل بشرعية دستورها مع أنه أساس وجودها ونهضتها،
وهو يوم الخميس الثالث من يوليو عام 1986، إذ صدر في ذلك اليوم الأمر الأميري بحل مجلس الأمة حلاً غير دستوري،
وتعليق بعض مواد الدستور الخاصة بالحريات وصلاحيات مجلس الأمة،
وقد سمي خميساً أسود لما يمثله من انقلاب على نظام الحكم الديمقراطي، الذي لم يكد يكمل ربع قرن منذ استقلال الكويت وتأسيس الحكم الدستوري فيها وانتقالها إلى الدولة المدنية.
لم تكن تلك أول مرة يجري فيها مثل هذا الحدث، إذ سبق للسلطة الانقلاب على الدستور في صيف 1976، الذي انتهى بالعودة مرة أخرى إلى الانتخابات عام 1981،
لكن برغبة جارفة لتنقيح الدستور، من خلال تغيير الدوائر الانتخابية من عشر دوائر الى 25 دائرة. ومع أن الحكومة قد استطاعت من خلال تقسيم الدوائر المحكم إيصالَ أغلبية ساحقة من نواب مجلس الامة ممن يؤيدونها وإسقاط أغلبية المرشحين الذين كانوا سيمثلون حجر عثرة في طريق التنقيح في مجلس 1981،
فإنها سحبت مشروعها الذي كانت قد قدمته إلى مجلس الامة بعد رفض شعبي له. الانقلاب الثاني على الدستور عام 1986 كان واضحا أنه أشد وطأة، وأنه بمنزلة «الضربة القاضية» للنظام الدستوري الكويتي،
تلك الضربة التي كان مقررا لها ان تصحح ما يسميه البعض بـ«الخطأ التاريخي» الذي ارتكبه الشيخ عبدالله السالم وفعاليات الشعب الكويتي حين أصدروا الدستور عام 1962.
فقد اختلفت إجراءات صيف 1986 عن مثيلتها في صيف 1976 بأنها لم تحدد مدة زمنية لعودة العمل بالدستور وتركتها مفتوحة، كما اختلفت بأنها تشددت في الاجراءات القمعية تجاه الصحافة، إذ فُرضَت رقابة مسبقة على الصحف لم تكن الكويت قد عرفتها من قبل.
مجلس 1985 كان مجلسا ذا مذاق خاص، إذ أتى بعد ضعف مجلس 1981 الذي أثرت السلطة في نتائج انتخاباته بعد فرض نظام الدوائر الخمس والعشرين الانتخابية،
وبعد فشل ذريع لمحاولة الحكومة تنقيح الدستور في «مجلسها» الذي صاغته في 1981، فأتت نتائج انتخابات 1985 بمنزلة ردة فعل على المجلس السابق،
ففاز بالانتخابات أبرز الرموز السياسية التي لم يحالفها الحظ في انتخابات 1981 كأحمد الخطيب وجاسم القطامي وسامي المنيس وفيصل الصانع ويوسف المخلد،
إضافة إلى عدد من النواب الشباب الجدد كحمد الجوعان وأحمد الربعي ومبارك الدويلة وعبدالله النفيسي، وذلك منح المجلس الجديد روحاً وحيوية في الأداء، حتى أطلق عليه مسمى «أقوى مجلس».
كان واضحا بعد الانتخابات أن ذلك «المجلس القوي» قد نظم صفوفه للتعامل بجدية مع ملفات تراكم عليها الغبار، وأصبح يمارس دوره الرقابي والتشريعي المفترض بعد ضعف ووهن ملحوظين للحياة السياسية سواء في فترة غياب المجلس منذ 1976 أو بوجود مجلس ضعيف منذ 1981،
فكان واضحاً أن المجلس الجديد يرغب في استعادة الدور الذي غيبته السلطة التنفيذية أو أضعفته، فأتى النواب الجدد بأجندة مزدحمة لإقرار مجموعة من القوانين والتصدي لعدة قضايا ترتبت على الفراغ التشريعي الذي صاحب فترة الحل غير الدستوري من 1976 إلى 1981،
إضافة إلى ضعف المجلس السابق، وكان من أهم القضايا التي عزم مجلس 85 على التصدي لها أزمةُ المناخ التي هزت الاقتصاد
05-04-2010, 02:18 PM justice
عضو
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 4,973
المواجهة الأولى
جاءت المواجهة الأولى بين «المجلس القوي» والسلطة التنفيذية بتاريخ 30 ابريل 1985 في استجواب وزير العدل والشؤون القانونية والإدارية الشيخ سلمان الدعيج الصباح، الذي قدمه نواب من تيارات مختلفة،
وهم: مبارك الدويلة وأحمد الربعي وحمد الجوعان، بعد أن أثيرت شبهات حول صرف سندات من صندوق صغار المستثمرين لنجل الوزير القاصر دعيج، إضافة إلى انحراف الوزير عن دوره الأصلي،
وذلك من خلال مشاركته في إعداد حلول لأزمة المناخ تهدف إلى استفادة شخصية، فكانت تلك المواجهة مؤشراً لتوجهات المجلس الجديد، خصوصاً أنها أتت بعد نحو شهرين من انتخاب المجلس،
ويكفي النظر إلى سرعة تصدي المجلس لاستجواب الدعيج والقوى السياسية المشاركة فيه لمعرفة مدى التنسيق القائم بين النواب لمواجهة السلطة،
وتمخض الاستجواب عن تقديم طلب طرح ثقة وقع عليه أغلبية نواب المجلس، في ظاهرة غير مسبوقة، مما أدى إلى تقديم الدعيج استقالته من الحكومة قبل جلسة التصويت على طرح الثقة.
وواصل المجلس القيام بدوره عبر دعمه بقوة قيام وزير الشؤون الاجتماعية والعمل خالد جميعان بحل الاتحاد الكويتي لكرة القدم، الذي كان يترأسه آنذاك الشهيد الشيخ فهد الأحمد وتعيينه اتحادا جديدا برئاسة عبدالعزيز المخلد.
جاءت المواجهة الأولى بين «المجلس القوي» والسلطة التنفيذية بتاريخ 30 ابريل 1985 في استجواب وزير العدل والشؤون القانونية والإدارية الشيخ سلمان الدعيج الصباح، الذي قدمه نواب من تيارات مختلفة، وهم: مبارك الدويلة وأحمد الربعي وحمد الجوعان، بعد أن أثيرت شبهات حول صرف سندات من صندوق صغار المستثمرين لنجل الوزير القاصر دعيج، إضافة إلى انحراف الوزير عن دوره الأصلي، وذلك من خلال مشاركته في إعداد حلول لأزمة المناخ تهدف إلى استفادة شخصية، فكانت تلك المواجهة مؤشراً لتوجهات المجلس الجديد، خصوصاً أنها أتت بعد نحو شهرين من انتخاب المجلس، ويكفي النظر إلى سرعة تصدي المجلس لاستجواب الدعيج والقوى السياسية المشاركة فيه لمعرفة مدى التنسيق القائم بين النواب لمواجهة السلطة، وتمخض الاستجواب عن تقديم طلب طرح ثقة وقع عليه أغلبية نواب المجلس، في ظاهرة غير مسبوقة، مما أدى إلى تقديم الدعيج استقالته من الحكومة قبل جلسة التصويت على طرح الثقة. وواصل المجلس القيام بدوره عبر دعمه بقوة قيام وزير الشؤون الاجتماعية والعمل خالد جميعان بحل الاتحاد الكويتي لكرة القدم، الذي كان يترأسه آنذاك الشهيد الشيخ فهد الأحمد وتعيينه اتحادا جديدا برئاسة عبدالعزيز المخلد.
ومع ان حدة التوتر السياسي التي شابت العلاقة بين الحكومة والمجلس بسبب استجواب سلمان الدعيج واستقالته، قد مالت الى الهدوء النسبي من خلال اقرار حزمة من القوانين ومناقشة العديد من القضايا طوال العام، فإن اصرار المجلس على مواصلة فتح ملف ازمة المناخ والتحقيق فيها حال دون استمرار هذا الهدوء. إذ وافق المجلس في ذلك الوقت على ندب النائب حمد الجوعان لعضوية لجنة التحقيق في الازمة، والذي طلب بدوره من وزير المالية والاقتصاد آنذاك جاسم الخرافي صورة من محاضر اجتماعات مجلس ادارة بنك الكويت المركزي وصورة من التقارير الخاصة بالنقد، إلا أن الوزير رفض الاستجابة بحجة أن هذه البيانات تتضمن افشاء معلومات تتعلق بعملاء البنك المركزي والبنوك الخاضعة لرقابته، ومع إصرار المجلس على موقفه، تقدمت الحكومة بطلب إلى المحكمة الدستورية لتفسير المادة 114 من الدستور الخاصة بصلاحية المجلس في التحقيق بالامور الداخلة باختصاصه.
وبعد عدة جولات في أروقة المحكمة الدستورية وتقديم كل من الحكومة والمجلس مذكرات تدعم وجهة نظر كل منهما، أصدرت المحكمة الدستورية بتاريخ 14 يونيو 1986 قرارها المؤيد لقرار مجلس الأمة بأحقيته في الاطلاع على الوثائق والبيانات التي طلبها الجوعان، والتي كان مقررا لها أن تكشف حقيقة ازمة المناخ. فحدد يوم السبت 5 يوليو 1986 تاريخاً لتوجه حمد الجوعان إلى البنك المركزي للاطلاع على الوثائق المذكورة.
يعد مشاري عبدالقادر الرشيد من الجنود المجهولين من أبناء هذا الوطن أثناء حقبة ديوانيات الاثنين، فعرف في تلك الفترة كموثق ومصور لأحداث ذاك الحراك الشعبي متحملاً مخاطرة عمله ومواجها للعديد من الظروف الصعبة ليسجل للتاريخ أحداث ذاك الزمن دون تردد أو خوف متعرضاً في ذلك للعديد من المضايقات من قبل السلطة.
و«الجريدة» إذ تنشر سلسلة ديوانيات الاثنين لتوثق تلك المسيرة، فإن العديد من الصور المنشورة لم تكن لتنشر لولا دور مشاري الرشيد الذي اصطحب كاميرا الفيديو معه في كل التجمعات ليسجل حراك الشعب الكويتي، فله وللعديد من الجنود المجهولين الآخرين الذين ساهموا في توثيق ذلك الحراك الشعبي كل الشكر.
لم تكد تهدأ الساحة السياسية بعد حكم المحكمة الدستورية بحق المجلس في الاطلاع على كشوفات البنك المركزي، حتى اشتعلت من جديد بعد صدور الحكم بثلاثة أيام، وذلك على خلفية حدوث ثلاثة انفجارات في ثلاثة مواقع نفطية في الأحمدي والمقوع،
وبينما انشغلت الأوساط السياسية والأمنية والإعلامية بالوقوف على أسباب الانفجارات التي اتضح فيما بعد أنها عمل إرهابي، تقدم النواب محمد المرشد وفيصل الصانع وأحمد باقر باستجواب لوزير المواصلات عيسى المزيدي بتاريخ 21 يونيو 1986، تمحور حول قضية المشتركين في الخدمة الهاتفية والمستحقات المترتبة عليهم، وأدرج الاستجواب على جدول أعمال جلسة 24 يونيو التي كان متوقعاً فيها أن يطلب الوزير تأجيل مناقشته أسبوعين.
واستمرت الأجواء السياسية في التصعيد خلال أول جلسة عقب حوادث التفجيرات بتاريخ 22 يونيو عندما استنكر المجلس التفجيرات الإرهابية، وبرزت مطالبات نيابية بإقالة وزير النفط والصناعة الشيخ علي الخليفة الصباح ووزير الداخلية الشيخ نواف الأحمد الصباح،
وتأزمت الجلسة بشكل أكبر عندما تقدم عدد من النواب أثناء الجلسة بطلب إصدار بيان يدين الحكومة لتقصيرها الأمني في الحادثة، وذلك جعل الحكومة تهدد بالانسحاب من الجلسة إذا ما تم التصويت عليه.
وفي محاولة لاحتواء الموقف، شكل المجلس لجنة لإعادة صياغة البيان بشكل لا يحمل إدانة للحكومة، بل يناشدها بذل المزيد من الحيطة والحذر الأمني، وقد امتنع تسعة نواب من المعارضة عن التصويت على البيان المعدل معلنين تمسكهم بالبيان الأصلي الذي يدين الحكومة، وهم النواب د. ناصر صرخوه وأحمد باقر وحمد الجوعان ومشاري العنجري وفيصل الصانع ود. أحمد الربعي ود. أحمد الخطيب وسامي المنيس وجاسم القطامي.