نشر بتاريخ 21 مايو, 2012 بواسطة ali في دراسات ومقالات
كثيرة هي الكتب والدراسات التي تتناول التجربة الديمقراطية في الكويت منذ بداياتها الأولى ، وتحديدا منذ عام 1921 عندما أسفر إجماع وجهاء الكويت مع آل الصباح عن تدوين ميثاق إصلاح أوضاع العائلة الحاكمة [1] منعا لأي خلافات تجري بينهم مستقبلا [2] ، وتطبيقا لأحكام هذه الوثيقة فقد تم تكوين أول مجلس استشاري في عهد الشيخ أحمد الجابر إلا أن أعضاء هذا المجلس جرى اختيارهم بالتعيين بدلا من أسلوب الانتخاب [3] .
إن الدراسة المتفحصة لجميع التجارب ومحاولات التمثيل الشعبي في الكويت خلال الثلاثين عاما الماضية [4] تؤكد بأن السلطة تقبل أحيانا بأشكال معينة ومحدودة من التمثيل الشعبي تحت ضغوط الظروف ولكن سرعان ما تقوضها متى ما شعرت السلطة بأنها استنفدت أغراضها بالنسبة لها .
في العقود الأولى من هذا القرن [5] وقبل اكتشاف النفط وتدفقه من باطن أرض الكويت بل وقبل أن يكون النفط سلعة ذات أهمية في العالم كانت ميزانية الدولة تعتمد بشكل رئيسي على ما يُجبى من المواطنين وبالذات التجار وأصحاب الأملاك والعقارات من ضرائب ، وكانت الضرائب تُجبى حتى على ما يملكه المواطنون من المواشي على صيادي السمك .
وفي هذه المرحلة كان من يملك مصدر تمويل ميزانية الدولة يملك أيضا وزنا سياسيا مرموقا ومن هنا كان للتجار ثقل مرموق في سياسة الكويت وقد استمرت هذه الفترة حتى اكتشاف النفط واحتلاله المصدر الأساسي لتمويل ميزانية الدولة وأثره الحاسم على النشاط الاقتصادي .
في تلك الفترة لم تكن السلطة تستطيع أن تحكم بدون تأييد دافعي الضرائب وأصحاب المصالح الاقتصادية ورؤوس الأموال من طبقة التجار .
ومن الأمثلة المعروفة والتي تذكر كشاهد على مدى قوة طبقة التجار وتأثيرها على الوضع السياسي هي حادثة هجرة بعض التجار إلى البحرين ( هلال المطيري وجماعته ) إثر نزاعهم مع الشيخ مبارك الصباح [6] وقد اضطر مبارك الصباح إلى السفر بنفسه إلى البحرين لمصالحتهم ودعوتهم إلى العودة وتلبية طلباتهم .
ومثال آخر يدلل به على أهمية تأثير الطبقة التجارية ، هي فرض شروطهم على الشيخ أحمد الجابر [7] لدى مبايعته بالحكم فقد اشترط عليه التجار أن يتداول معهم أسبوعيا في شؤون البلد وأمورها وفي اتخاذ القرارات الأساسية ، وقد اتفقوا معه على أن يحضر للاجتماع بهم يوم الجمعة من كل أسبوع في سوق التجار في ( قهوة بو ناشي ) ، وقد وافق الشيخ أحمد الجابر على الالتزام بهذا الشرط كما التزم بتنفيذه ، إلا أن الشيخ أحمد الجابر ألغى هذه الاجتماعات فيما بعد بامتناعه عن الحضور .
المجلس التشريعي الأول
في الثلاثينات برزت المطالبة بقيام المجلس التشريعي كشعار أساسي للحركة الوطنية [8] وقد رفض الشيخ أحمد [9] مطالب التجار بقيام المجلس التشريعي إلا أنه تحت ضغطهم وتهديدهم بمغادرة البلاد قَبِل بإجراء انتخابات للمجلس التشريعي وكان واضحا أن هذه الموافقة لم تكن عن قناعة وإيمان وإنما كانت تنازلا أمام ضغط الفئة التي تملك القوة الاقتصادية .. إلا أن عمر تجربة الحكم النيابي لم يدم أكثر من ستة أشهر انتهت بصراع مسلح بين أنصار حركة المجلس النيابي وبين السلطة الحاكمة حُسم لصالح السلطة .
وبعد فشل حركة المجلس سنة 1938 مرت البلاد بفترة سادها الركود السياسي بسبب ضرب الانتفاضة الوطنية الديمقراطية وتشتت عناصرها إمّا إلى خارج البلاد أو إلى داخل السجون ، ساعد على ذلك قيام الحرب العالمية الثانية من ناحية أخرى وانتكاس الحركة الوطنية في العراق بعد انتفاضة 1941 التي عُرفت بحركة رشيد عالي الكيلاني .
الانجليز والمجلس
ويُذكر من أسباب التصدي للتجربة البرلمانية عام 1938 تخوف شركات البترول من ازدياد نفوذ العناصر الوطنية مما قد يكون على حساب نفوذها ، فقد أصر المجلس على الاطلاع على اتفاقية البترول السرية المعقودة بين شركتي جولف والبترول البريطانية وحاكم الكويت ، كما أصر المجلس على النظر في شكوى العمال الكويتيين في شركة البترول وبحث مطالبهم ، وقد أثار ذلك غضب الشركة والحكومة البريطانية وجعلهما ينظران بقلق شديد للمجلس النيابي .
إن تخوف الانجليز وشركات البترول من ناحية وتخوف حاكم الكويت من تعاظم نفوذ المجلس على حساب سلطاته عجّل بتفجير الصدام .
إن ما تثبته تجربة الحكم النيابي لعام 1938 [10] ، أن السلطة في ظروف معينة وتحت إلحاح عوامل الضغط التي لا تستطيع ردها أو تجاهلها دون المخاطرة بتفجير صراع قد لا يكون في صالحها ، في مثل هذه الظروف ، قد يقبل الحكم نوعا محددا من المساهمة الشعبية في إدارة شؤون البلد على أن لا يتعدى ذلك حدودا معينة .
ومجلس 1938 في نظر السلطة ونظر شركات النفط قد تعدى الحدود عندما أصر على تنفيذ الدستور [11] الموقع من الحاكم والذي نص في صدره على أن الأمة مصدر السلطات وقد تعدى الحدود مرة ثانية عندما أصر على الاطلاع على اتفاقية البترول والتدخل في شؤون الشركة بتبنيه مشاكل عمال الشركة .
المجالس المتعددة
بعد ضرب حركة المجلس النيابي عام 1938 مرت البلاد بمرحلة من الركود السياسي استمرت إلى ما بعد وفاة الشيخ أحمد الجابر ، وتولي الشيخ عبد الله السالم الحكم ، وكان الشيخ عبد الله السالم يُبدي نوعا من العطف على الحركة الوطنية . بل إن عناصر الحركة الوطنية كانت تتوقع منه أثناء الصدام مع السلطة أن يقف إلى جانبهم لكن ذلك مخالف لطبيعة الأمور لأنه بالرغم من كل ذلك وبالرغم من شعوره بأنه لم يعط حقه من السلطة في فترة حكم الشيخ أحمد الجابر ، بقي ولاؤه للأسرة الحاكمة .
ولدى مجيء عبد الله السالم إلى الحكم [12] كانت السلطة تعيش في عزلة تامة وابتعاد كلي عن الإطارات الشعبية وعن التجار بالذات فهم مازالوا حتى هذه الفترة يمثلون صلب الحركة السياسية وأراد عبد الله السالم أن يكسر طوق العزلة المضروب حول السلطة باسترضاء طبقة التجار وبفتح المجال للمساهمة في الإدارة العامة لشؤون البلد بشكل محدود .
وكانت المطالب الشعبية التي بلورتها حركة المجلس عام 1938 تتمثل في شعارين أولا سن دستور دائم للبلاد ينص على تحديد السلطات وحقوق المواطنين ، وثانيا إجراء انتخابات عامة لتكوين مجلس تشريعي يملك سلطات حقيقية لا مزيفة للمساهمة في حكم البلاد .
وقد بقي هذان الشعاران المحور الذي تدور حوله الحركة الوطنية ، والمقياس الذي تقاس به جدية السلطة وإخلاصها في التقرب من الشعب والتنازلات التي تعرضها .
ومن جانب آخر فإن السلطة الحاكمة كانت ترى في الاستجابة الكاملة لمطالب الحركة الوطنية بسن دستور وقيام مجلس تشريعي منتخب أمرا يقلص من نفوذها وربما يؤدي إلى تضييقه إلى الدرجة التي يصبح فيها نفوذ الأسرة الحاكمة نفوذا شكليا كما هو الحال في البلاد التي تسودها أنظمة الحكم الملكية الدستورية ، مثل بريطانيا والسويد ، والسلطة في الكويت لم تصل إلى الدرجة التي تقنع فيها بالاكتفاء بهذا الدور المحدود . ومن جهة أخرى لم يكن الحكم يشعر بالارتياح وسط نطاق العزلة المضروب حوله ، وقد كان يبحث عن حل يُنقذه من العزلة من جانب ويحفظ له نفوذه من جانب آخر ، ومن هنا برزت فكرة قيام مجالس متعددة يختص كل منها بإدارة مرفق أو شأن من شؤون البلد على أن تكون سلطاته محدودة كما أن الانتخابات تكون محدودة أيضا بدلا من تطبيق مبدأ الانتخابات العامة .
وعلى هذا الأساس تمت انتخابات [13] مجالس المعارف والبلدية والصحة والأوقاف بدعوة عدد محدود من المواطنين [14] لانتخاب اثني عشر عضوا لكل مجلس .
بروز التناقضات من جديد
إلا أن المجالس الأربعة ما إن بدأت بممارسة أعمالها حتى بدأت التناقضات القديمة تظهر من جديد . فقد كان يرأس كل مجلس فرد من الأسرة الحاكمة يكون في العادة رئيس الدائرة .
وبرز التناقض بسبب الخلاف بين الأعضاء الذين يُصرون على ممارسة سلطات حقيقية باعتبارهم ممثلي الشعب المنتخبين وبين الرئيس الذي لا يرغب في أن يعتبر نفسه عضوا عاديا في المجلس ويرى في إصرار المجلس على ممارسة سلطاته تضييقا لنفوذه الشخصي وقد برزت هذه المشكلة بشكل خاص في مجلس دائرتي الصحة والبلدية حيث كان يرأس كل منهما الشيخ فهد السالم الذي كان شخصية قوية بين أفراد الأسرة الحاكمة كما كان يتميز بنزعة فردية مبالغ فيها وطموح كبير ، مما جعله يرفض أن يكون المجلس محاسبا له أو مراقبا عليه .
من جهة أخرى كان أعضاء المجالس ومعظمهم من التجار وأبناء العائلات المرموقة يرفضون معاملة حاملي الأختام أو البصامين ويصرون على ممارسة دور مستقل ، خاصة وأنهم لم يكونوا بحاجة العضوية أو راتب العضوية ولم يكن في دوائر الحكومة ما يغري في ذلك الوقت وقد كانت اختصاصات المجالس محدودة لا تتعدى مراقبة الصرف كحد أدنى لصلاحيتها .
وعند قرب انتهاء مدة المجالس في عام 1954 شعر الحكم بعدم الرغبة في تجديد الانتخابات فقد وجد في المجالس صراعا جديدا وخطرا قد يتعاظم شأنه رغم محدودية تلك المجالس وسلطاتها إذ لم تكن أكثر من هيئات إدارية للدوائر تعالج المشاكل الإدارية البحتة ولم تكن تتعرض للأمور والأوضاع السياسية والاقتصادية وبالذات البترول والعلاقة مع الشركات ولم يتح لها المجال الكافي لممارسة هذه الصلاحيات المحدودة وخاصة الرقابة على الصرف في الدوائر .
الضغط الشعبي وتجديد الانتخابات
لكن السلطة عادت لتجديد الانتخابات وذلك بسبب الضغوط الشعبية التي بدأت تمارسها إلى جانب التجار التيارات الشعبية الجديدة المتمثلة بحركة الجمعيات والأندية الرياضية والثقافية وصحافتها .
أمام هذه الضغوط وافقت السلطة على إجراء الانتخابات بنفس الطريقة السابقة إلا أن الخلافات عادت لتتفاقم من جديد بين أعضاء المجالس من جانب ورؤسائها من جانب آخر وقد ازدادت حدة الخلافات والتناقضات إلى درجة أدت استقالة جميع أعضاء المجالس استقالة جماعية بعد أن تأكد لهم بأن العمل ضمن إطار هذه المجالس أمر متعذر .
الدعوة لقيام مجلس موحد
كثيرة هي الكتب والدراسات التي تتناول التجربة الديمقراطية في الكويت منذ بداياتها الأولى ، وتحديدا منذ عام 1921 عندما أسفر إجماع وجهاء الكويت مع آل الصباح عن تدوين ميثاق إصلاح أوضاع العائلة الحاكمة [1] منعا لأي خلافات تجري بينهم مستقبلا [2] ، وتطبيقا لأحكام هذه الوثيقة فقد تم تكوين أول مجلس استشاري في عهد الشيخ أحمد الجابر إلا أن أعضاء هذا المجلس جرى اختيارهم بالتعيين بدلا من أسلوب الانتخاب [3] .
إن الدراسة المتفحصة لجميع التجارب ومحاولات التمثيل الشعبي في الكويت خلال الثلاثين عاما الماضية [4] تؤكد بأن السلطة تقبل أحيانا بأشكال معينة ومحدودة من التمثيل الشعبي تحت ضغوط الظروف ولكن سرعان ما تقوضها متى ما شعرت السلطة بأنها استنفدت أغراضها بالنسبة لها .
في العقود الأولى من هذا القرن [5] وقبل اكتشاف النفط وتدفقه من باطن أرض الكويت بل وقبل أن يكون النفط سلعة ذات أهمية في العالم كانت ميزانية الدولة تعتمد بشكل رئيسي على ما يُجبى من المواطنين وبالذات التجار وأصحاب الأملاك والعقارات من ضرائب ، وكانت الضرائب تُجبى حتى على ما يملكه المواطنون من المواشي على صيادي السمك .
وفي هذه المرحلة كان من يملك مصدر تمويل ميزانية الدولة يملك أيضا وزنا سياسيا مرموقا ومن هنا كان للتجار ثقل مرموق في سياسة الكويت وقد استمرت هذه الفترة حتى اكتشاف النفط واحتلاله المصدر الأساسي لتمويل ميزانية الدولة وأثره الحاسم على النشاط الاقتصادي .
في تلك الفترة لم تكن السلطة تستطيع أن تحكم بدون تأييد دافعي الضرائب وأصحاب المصالح الاقتصادية ورؤوس الأموال من طبقة التجار .
ومن الأمثلة المعروفة والتي تذكر كشاهد على مدى قوة طبقة التجار وتأثيرها على الوضع السياسي هي حادثة هجرة بعض التجار إلى البحرين ( هلال المطيري وجماعته ) إثر نزاعهم مع الشيخ مبارك الصباح [6] وقد اضطر مبارك الصباح إلى السفر بنفسه إلى البحرين لمصالحتهم ودعوتهم إلى العودة وتلبية طلباتهم .
ومثال آخر يدلل به على أهمية تأثير الطبقة التجارية ، هي فرض شروطهم على الشيخ أحمد الجابر [7] لدى مبايعته بالحكم فقد اشترط عليه التجار أن يتداول معهم أسبوعيا في شؤون البلد وأمورها وفي اتخاذ القرارات الأساسية ، وقد اتفقوا معه على أن يحضر للاجتماع بهم يوم الجمعة من كل أسبوع في سوق التجار في ( قهوة بو ناشي ) ، وقد وافق الشيخ أحمد الجابر على الالتزام بهذا الشرط كما التزم بتنفيذه ، إلا أن الشيخ أحمد الجابر ألغى هذه الاجتماعات فيما بعد بامتناعه عن الحضور .
المجلس التشريعي الأول
في الثلاثينات برزت المطالبة بقيام المجلس التشريعي كشعار أساسي للحركة الوطنية [8] وقد رفض الشيخ أحمد [9] مطالب التجار بقيام المجلس التشريعي إلا أنه تحت ضغطهم وتهديدهم بمغادرة البلاد قَبِل بإجراء انتخابات للمجلس التشريعي وكان واضحا أن هذه الموافقة لم تكن عن قناعة وإيمان وإنما كانت تنازلا أمام ضغط الفئة التي تملك القوة الاقتصادية .. إلا أن عمر تجربة الحكم النيابي لم يدم أكثر من ستة أشهر انتهت بصراع مسلح بين أنصار حركة المجلس النيابي وبين السلطة الحاكمة حُسم لصالح السلطة .
وبعد فشل حركة المجلس سنة 1938 مرت البلاد بفترة سادها الركود السياسي بسبب ضرب الانتفاضة الوطنية الديمقراطية وتشتت عناصرها إمّا إلى خارج البلاد أو إلى داخل السجون ، ساعد على ذلك قيام الحرب العالمية الثانية من ناحية أخرى وانتكاس الحركة الوطنية في العراق بعد انتفاضة 1941 التي عُرفت بحركة رشيد عالي الكيلاني .
الانجليز والمجلس
ويُذكر من أسباب التصدي للتجربة البرلمانية عام 1938 تخوف شركات البترول من ازدياد نفوذ العناصر الوطنية مما قد يكون على حساب نفوذها ، فقد أصر المجلس على الاطلاع على اتفاقية البترول السرية المعقودة بين شركتي جولف والبترول البريطانية وحاكم الكويت ، كما أصر المجلس على النظر في شكوى العمال الكويتيين في شركة البترول وبحث مطالبهم ، وقد أثار ذلك غضب الشركة والحكومة البريطانية وجعلهما ينظران بقلق شديد للمجلس النيابي .
إن تخوف الانجليز وشركات البترول من ناحية وتخوف حاكم الكويت من تعاظم نفوذ المجلس على حساب سلطاته عجّل بتفجير الصدام .
إن ما تثبته تجربة الحكم النيابي لعام 1938 [10] ، أن السلطة في ظروف معينة وتحت إلحاح عوامل الضغط التي لا تستطيع ردها أو تجاهلها دون المخاطرة بتفجير صراع قد لا يكون في صالحها ، في مثل هذه الظروف ، قد يقبل الحكم نوعا محددا من المساهمة الشعبية في إدارة شؤون البلد على أن لا يتعدى ذلك حدودا معينة .
ومجلس 1938 في نظر السلطة ونظر شركات النفط قد تعدى الحدود عندما أصر على تنفيذ الدستور [11] الموقع من الحاكم والذي نص في صدره على أن الأمة مصدر السلطات وقد تعدى الحدود مرة ثانية عندما أصر على الاطلاع على اتفاقية البترول والتدخل في شؤون الشركة بتبنيه مشاكل عمال الشركة .
المجالس المتعددة
بعد ضرب حركة المجلس النيابي عام 1938 مرت البلاد بمرحلة من الركود السياسي استمرت إلى ما بعد وفاة الشيخ أحمد الجابر ، وتولي الشيخ عبد الله السالم الحكم ، وكان الشيخ عبد الله السالم يُبدي نوعا من العطف على الحركة الوطنية . بل إن عناصر الحركة الوطنية كانت تتوقع منه أثناء الصدام مع السلطة أن يقف إلى جانبهم لكن ذلك مخالف لطبيعة الأمور لأنه بالرغم من كل ذلك وبالرغم من شعوره بأنه لم يعط حقه من السلطة في فترة حكم الشيخ أحمد الجابر ، بقي ولاؤه للأسرة الحاكمة .
ولدى مجيء عبد الله السالم إلى الحكم [12] كانت السلطة تعيش في عزلة تامة وابتعاد كلي عن الإطارات الشعبية وعن التجار بالذات فهم مازالوا حتى هذه الفترة يمثلون صلب الحركة السياسية وأراد عبد الله السالم أن يكسر طوق العزلة المضروب حول السلطة باسترضاء طبقة التجار وبفتح المجال للمساهمة في الإدارة العامة لشؤون البلد بشكل محدود .
وكانت المطالب الشعبية التي بلورتها حركة المجلس عام 1938 تتمثل في شعارين أولا سن دستور دائم للبلاد ينص على تحديد السلطات وحقوق المواطنين ، وثانيا إجراء انتخابات عامة لتكوين مجلس تشريعي يملك سلطات حقيقية لا مزيفة للمساهمة في حكم البلاد .
وقد بقي هذان الشعاران المحور الذي تدور حوله الحركة الوطنية ، والمقياس الذي تقاس به جدية السلطة وإخلاصها في التقرب من الشعب والتنازلات التي تعرضها .
ومن جانب آخر فإن السلطة الحاكمة كانت ترى في الاستجابة الكاملة لمطالب الحركة الوطنية بسن دستور وقيام مجلس تشريعي منتخب أمرا يقلص من نفوذها وربما يؤدي إلى تضييقه إلى الدرجة التي يصبح فيها نفوذ الأسرة الحاكمة نفوذا شكليا كما هو الحال في البلاد التي تسودها أنظمة الحكم الملكية الدستورية ، مثل بريطانيا والسويد ، والسلطة في الكويت لم تصل إلى الدرجة التي تقنع فيها بالاكتفاء بهذا الدور المحدود . ومن جهة أخرى لم يكن الحكم يشعر بالارتياح وسط نطاق العزلة المضروب حوله ، وقد كان يبحث عن حل يُنقذه من العزلة من جانب ويحفظ له نفوذه من جانب آخر ، ومن هنا برزت فكرة قيام مجالس متعددة يختص كل منها بإدارة مرفق أو شأن من شؤون البلد على أن تكون سلطاته محدودة كما أن الانتخابات تكون محدودة أيضا بدلا من تطبيق مبدأ الانتخابات العامة .
وعلى هذا الأساس تمت انتخابات [13] مجالس المعارف والبلدية والصحة والأوقاف بدعوة عدد محدود من المواطنين [14] لانتخاب اثني عشر عضوا لكل مجلس .
بروز التناقضات من جديد
إلا أن المجالس الأربعة ما إن بدأت بممارسة أعمالها حتى بدأت التناقضات القديمة تظهر من جديد . فقد كان يرأس كل مجلس فرد من الأسرة الحاكمة يكون في العادة رئيس الدائرة .
وبرز التناقض بسبب الخلاف بين الأعضاء الذين يُصرون على ممارسة سلطات حقيقية باعتبارهم ممثلي الشعب المنتخبين وبين الرئيس الذي لا يرغب في أن يعتبر نفسه عضوا عاديا في المجلس ويرى في إصرار المجلس على ممارسة سلطاته تضييقا لنفوذه الشخصي وقد برزت هذه المشكلة بشكل خاص في مجلس دائرتي الصحة والبلدية حيث كان يرأس كل منهما الشيخ فهد السالم الذي كان شخصية قوية بين أفراد الأسرة الحاكمة كما كان يتميز بنزعة فردية مبالغ فيها وطموح كبير ، مما جعله يرفض أن يكون المجلس محاسبا له أو مراقبا عليه .
من جهة أخرى كان أعضاء المجالس ومعظمهم من التجار وأبناء العائلات المرموقة يرفضون معاملة حاملي الأختام أو البصامين ويصرون على ممارسة دور مستقل ، خاصة وأنهم لم يكونوا بحاجة العضوية أو راتب العضوية ولم يكن في دوائر الحكومة ما يغري في ذلك الوقت وقد كانت اختصاصات المجالس محدودة لا تتعدى مراقبة الصرف كحد أدنى لصلاحيتها .
وعند قرب انتهاء مدة المجالس في عام 1954 شعر الحكم بعدم الرغبة في تجديد الانتخابات فقد وجد في المجالس صراعا جديدا وخطرا قد يتعاظم شأنه رغم محدودية تلك المجالس وسلطاتها إذ لم تكن أكثر من هيئات إدارية للدوائر تعالج المشاكل الإدارية البحتة ولم تكن تتعرض للأمور والأوضاع السياسية والاقتصادية وبالذات البترول والعلاقة مع الشركات ولم يتح لها المجال الكافي لممارسة هذه الصلاحيات المحدودة وخاصة الرقابة على الصرف في الدوائر .
الضغط الشعبي وتجديد الانتخابات
لكن السلطة عادت لتجديد الانتخابات وذلك بسبب الضغوط الشعبية التي بدأت تمارسها إلى جانب التجار التيارات الشعبية الجديدة المتمثلة بحركة الجمعيات والأندية الرياضية والثقافية وصحافتها .
أمام هذه الضغوط وافقت السلطة على إجراء الانتخابات بنفس الطريقة السابقة إلا أن الخلافات عادت لتتفاقم من جديد بين أعضاء المجالس من جانب ورؤسائها من جانب آخر وقد ازدادت حدة الخلافات والتناقضات إلى درجة أدت استقالة جميع أعضاء المجالس استقالة جماعية بعد أن تأكد لهم بأن العمل ضمن إطار هذه المجالس أمر متعذر .
الدعوة لقيام مجلس موحد