التجربة الديمقراطية في الكويت .. أحداث ومواقف

السيب

Active Member
طاقم الإدارة
نشر بتاريخ 21 مايو, 2012 بواسطة ali في دراسات ومقالات
كثيرة هي الكتب والدراسات التي تتناول التجربة الديمقراطية في الكويت منذ بداياتها الأولى ، وتحديدا منذ عام 1921 عندما أسفر إجماع وجهاء الكويت مع آل الصباح عن تدوين ميثاق إصلاح أوضاع العائلة الحاكمة [1] منعا لأي خلافات تجري بينهم مستقبلا [2] ، وتطبيقا لأحكام هذه الوثيقة فقد تم تكوين أول مجلس استشاري في عهد الشيخ أحمد الجابر إلا أن أعضاء هذا المجلس جرى اختيارهم بالتعيين بدلا من أسلوب الانتخاب [3] .

إن الدراسة المتفحصة لجميع التجارب ومحاولات التمثيل الشعبي في الكويت خلال الثلاثين عاما الماضية [4] تؤكد بأن السلطة تقبل أحيانا بأشكال معينة ومحدودة من التمثيل الشعبي تحت ضغوط الظروف ولكن سرعان ما تقوضها متى ما شعرت السلطة بأنها استنفدت أغراضها بالنسبة لها .

في العقود الأولى من هذا القرن [5] وقبل اكتشاف النفط وتدفقه من باطن أرض الكويت بل وقبل أن يكون النفط سلعة ذات أهمية في العالم كانت ميزانية الدولة تعتمد بشكل رئيسي على ما يُجبى من المواطنين وبالذات التجار وأصحاب الأملاك والعقارات من ضرائب ، وكانت الضرائب تُجبى حتى على ما يملكه المواطنون من المواشي على صيادي السمك .

وفي هذه المرحلة كان من يملك مصدر تمويل ميزانية الدولة يملك أيضا وزنا سياسيا مرموقا ومن هنا كان للتجار ثقل مرموق في سياسة الكويت وقد استمرت هذه الفترة حتى اكتشاف النفط واحتلاله المصدر الأساسي لتمويل ميزانية الدولة وأثره الحاسم على النشاط الاقتصادي .

في تلك الفترة لم تكن السلطة تستطيع أن تحكم بدون تأييد دافعي الضرائب وأصحاب المصالح الاقتصادية ورؤوس الأموال من طبقة التجار .

ومن الأمثلة المعروفة والتي تذكر كشاهد على مدى قوة طبقة التجار وتأثيرها على الوضع السياسي هي حادثة هجرة بعض التجار إلى البحرين ( هلال المطيري وجماعته ) إثر نزاعهم مع الشيخ مبارك الصباح [6] وقد اضطر مبارك الصباح إلى السفر بنفسه إلى البحرين لمصالحتهم ودعوتهم إلى العودة وتلبية طلباتهم .

ومثال آخر يدلل به على أهمية تأثير الطبقة التجارية ، هي فرض شروطهم على الشيخ أحمد الجابر [7] لدى مبايعته بالحكم فقد اشترط عليه التجار أن يتداول معهم أسبوعيا في شؤون البلد وأمورها وفي اتخاذ القرارات الأساسية ، وقد اتفقوا معه على أن يحضر للاجتماع بهم يوم الجمعة من كل أسبوع في سوق التجار في ( قهوة بو ناشي ) ، وقد وافق الشيخ أحمد الجابر على الالتزام بهذا الشرط كما التزم بتنفيذه ، إلا أن الشيخ أحمد الجابر ألغى هذه الاجتماعات فيما بعد بامتناعه عن الحضور .

المجلس التشريعي الأول

في الثلاثينات برزت المطالبة بقيام المجلس التشريعي كشعار أساسي للحركة الوطنية [8] وقد رفض الشيخ أحمد [9] مطالب التجار بقيام المجلس التشريعي إلا أنه تحت ضغطهم وتهديدهم بمغادرة البلاد قَبِل بإجراء انتخابات للمجلس التشريعي وكان واضحا أن هذه الموافقة لم تكن عن قناعة وإيمان وإنما كانت تنازلا أمام ضغط الفئة التي تملك القوة الاقتصادية .. إلا أن عمر تجربة الحكم النيابي لم يدم أكثر من ستة أشهر انتهت بصراع مسلح بين أنصار حركة المجلس النيابي وبين السلطة الحاكمة حُسم لصالح السلطة .

وبعد فشل حركة المجلس سنة 1938 مرت البلاد بفترة سادها الركود السياسي بسبب ضرب الانتفاضة الوطنية الديمقراطية وتشتت عناصرها إمّا إلى خارج البلاد أو إلى داخل السجون ، ساعد على ذلك قيام الحرب العالمية الثانية من ناحية أخرى وانتكاس الحركة الوطنية في العراق بعد انتفاضة 1941 التي عُرفت بحركة رشيد عالي الكيلاني .

الانجليز والمجلس

ويُذكر من أسباب التصدي للتجربة البرلمانية عام 1938 تخوف شركات البترول من ازدياد نفوذ العناصر الوطنية مما قد يكون على حساب نفوذها ، فقد أصر المجلس على الاطلاع على اتفاقية البترول السرية المعقودة بين شركتي جولف والبترول البريطانية وحاكم الكويت ، كما أصر المجلس على النظر في شكوى العمال الكويتيين في شركة البترول وبحث مطالبهم ، وقد أثار ذلك غضب الشركة والحكومة البريطانية وجعلهما ينظران بقلق شديد للمجلس النيابي .

إن تخوف الانجليز وشركات البترول من ناحية وتخوف حاكم الكويت من تعاظم نفوذ المجلس على حساب سلطاته عجّل بتفجير الصدام .

إن ما تثبته تجربة الحكم النيابي لعام 1938 [10] ، أن السلطة في ظروف معينة وتحت إلحاح عوامل الضغط التي لا تستطيع ردها أو تجاهلها دون المخاطرة بتفجير صراع قد لا يكون في صالحها ، في مثل هذه الظروف ، قد يقبل الحكم نوعا محددا من المساهمة الشعبية في إدارة شؤون البلد على أن لا يتعدى ذلك حدودا معينة .

ومجلس 1938 في نظر السلطة ونظر شركات النفط قد تعدى الحدود عندما أصر على تنفيذ الدستور [11] الموقع من الحاكم والذي نص في صدره على أن الأمة مصدر السلطات وقد تعدى الحدود مرة ثانية عندما أصر على الاطلاع على اتفاقية البترول والتدخل في شؤون الشركة بتبنيه مشاكل عمال الشركة .

المجالس المتعددة

بعد ضرب حركة المجلس النيابي عام 1938 مرت البلاد بمرحلة من الركود السياسي استمرت إلى ما بعد وفاة الشيخ أحمد الجابر ، وتولي الشيخ عبد الله السالم الحكم ، وكان الشيخ عبد الله السالم يُبدي نوعا من العطف على الحركة الوطنية . بل إن عناصر الحركة الوطنية كانت تتوقع منه أثناء الصدام مع السلطة أن يقف إلى جانبهم لكن ذلك مخالف لطبيعة الأمور لأنه بالرغم من كل ذلك وبالرغم من شعوره بأنه لم يعط حقه من السلطة في فترة حكم الشيخ أحمد الجابر ، بقي ولاؤه للأسرة الحاكمة .

ولدى مجيء عبد الله السالم إلى الحكم [12] كانت السلطة تعيش في عزلة تامة وابتعاد كلي عن الإطارات الشعبية وعن التجار بالذات فهم مازالوا حتى هذه الفترة يمثلون صلب الحركة السياسية وأراد عبد الله السالم أن يكسر طوق العزلة المضروب حول السلطة باسترضاء طبقة التجار وبفتح المجال للمساهمة في الإدارة العامة لشؤون البلد بشكل محدود .

وكانت المطالب الشعبية التي بلورتها حركة المجلس عام 1938 تتمثل في شعارين أولا سن دستور دائم للبلاد ينص على تحديد السلطات وحقوق المواطنين ، وثانيا إجراء انتخابات عامة لتكوين مجلس تشريعي يملك سلطات حقيقية لا مزيفة للمساهمة في حكم البلاد .

وقد بقي هذان الشعاران المحور الذي تدور حوله الحركة الوطنية ، والمقياس الذي تقاس به جدية السلطة وإخلاصها في التقرب من الشعب والتنازلات التي تعرضها .

ومن جانب آخر فإن السلطة الحاكمة كانت ترى في الاستجابة الكاملة لمطالب الحركة الوطنية بسن دستور وقيام مجلس تشريعي منتخب أمرا يقلص من نفوذها وربما يؤدي إلى تضييقه إلى الدرجة التي يصبح فيها نفوذ الأسرة الحاكمة نفوذا شكليا كما هو الحال في البلاد التي تسودها أنظمة الحكم الملكية الدستورية ، مثل بريطانيا والسويد ، والسلطة في الكويت لم تصل إلى الدرجة التي تقنع فيها بالاكتفاء بهذا الدور المحدود . ومن جهة أخرى لم يكن الحكم يشعر بالارتياح وسط نطاق العزلة المضروب حوله ، وقد كان يبحث عن حل يُنقذه من العزلة من جانب ويحفظ له نفوذه من جانب آخر ، ومن هنا برزت فكرة قيام مجالس متعددة يختص كل منها بإدارة مرفق أو شأن من شؤون البلد على أن تكون سلطاته محدودة كما أن الانتخابات تكون محدودة أيضا بدلا من تطبيق مبدأ الانتخابات العامة .

وعلى هذا الأساس تمت انتخابات [13] مجالس المعارف والبلدية والصحة والأوقاف بدعوة عدد محدود من المواطنين [14] لانتخاب اثني عشر عضوا لكل مجلس .

بروز التناقضات من جديد

إلا أن المجالس الأربعة ما إن بدأت بممارسة أعمالها حتى بدأت التناقضات القديمة تظهر من جديد . فقد كان يرأس كل مجلس فرد من الأسرة الحاكمة يكون في العادة رئيس الدائرة .

وبرز التناقض بسبب الخلاف بين الأعضاء الذين يُصرون على ممارسة سلطات حقيقية باعتبارهم ممثلي الشعب المنتخبين وبين الرئيس الذي لا يرغب في أن يعتبر نفسه عضوا عاديا في المجلس ويرى في إصرار المجلس على ممارسة سلطاته تضييقا لنفوذه الشخصي وقد برزت هذه المشكلة بشكل خاص في مجلس دائرتي الصحة والبلدية حيث كان يرأس كل منهما الشيخ فهد السالم الذي كان شخصية قوية بين أفراد الأسرة الحاكمة كما كان يتميز بنزعة فردية مبالغ فيها وطموح كبير ، مما جعله يرفض أن يكون المجلس محاسبا له أو مراقبا عليه .

من جهة أخرى كان أعضاء المجالس ومعظمهم من التجار وأبناء العائلات المرموقة يرفضون معاملة حاملي الأختام أو البصامين ويصرون على ممارسة دور مستقل ، خاصة وأنهم لم يكونوا بحاجة العضوية أو راتب العضوية ولم يكن في دوائر الحكومة ما يغري في ذلك الوقت وقد كانت اختصاصات المجالس محدودة لا تتعدى مراقبة الصرف كحد أدنى لصلاحيتها .

وعند قرب انتهاء مدة المجالس في عام 1954 شعر الحكم بعدم الرغبة في تجديد الانتخابات فقد وجد في المجالس صراعا جديدا وخطرا قد يتعاظم شأنه رغم محدودية تلك المجالس وسلطاتها إذ لم تكن أكثر من هيئات إدارية للدوائر تعالج المشاكل الإدارية البحتة ولم تكن تتعرض للأمور والأوضاع السياسية والاقتصادية وبالذات البترول والعلاقة مع الشركات ولم يتح لها المجال الكافي لممارسة هذه الصلاحيات المحدودة وخاصة الرقابة على الصرف في الدوائر .

الضغط الشعبي وتجديد الانتخابات

لكن السلطة عادت لتجديد الانتخابات وذلك بسبب الضغوط الشعبية التي بدأت تمارسها إلى جانب التجار التيارات الشعبية الجديدة المتمثلة بحركة الجمعيات والأندية الرياضية والثقافية وصحافتها .

أمام هذه الضغوط وافقت السلطة على إجراء الانتخابات بنفس الطريقة السابقة إلا أن الخلافات عادت لتتفاقم من جديد بين أعضاء المجالس من جانب ورؤسائها من جانب آخر وقد ازدادت حدة الخلافات والتناقضات إلى درجة أدت استقالة جميع أعضاء المجالس استقالة جماعية بعد أن تأكد لهم بأن العمل ضمن إطار هذه المجالس أمر متعذر .

الدعوة لقيام مجلس موحد
 
الدعوة لقيام مجلس موحد



بعد استقالة أعضاء المجالس الاحتجاجية عادت الأوساط الشعبية وأوساط التجار الوطنيين إلى التمسك بالمطلب الأساسي وهو الدعوة لقيام مجلس تشريعي واحد منتخب بواسطة الاقتراع العام يتولى الإشراف على جميع شؤون البلد الداخلية .

وتبنت الأندية الثقافية [15] هذه الدعوة وقامت بجمع التواقيع على عريضة تطالب بذلك ، ولم يتردد أحد في توقيع العريضة ، أي أن مطلب قيام مجلس تشريعي منتخب كان مطلبا شعبيا عاما أجمع عليه الكل .

لكن السلطة تجاهلت العريضة ومطالبة الشعب بقيام مجلس موحد ولجأت إلى تكوين اللجنة التنفيذية العليا لتكون مسئولة عن تسيير الأمور في البلد وتألفت من بعض رؤساء الدوائر وأحد سكرتيري الحكومة . إلا أن هذه اللجنة أصبحت موضع انتقاد وشكوى مركزين .

استمر الوضع على هذا المنوال فترة من الزمن إلى ما بعد حوادث عام 1956 [16] التي انعكست على الكويت وأدت إلى تحريك الشعور العام والتحام الحركة الوطنية بالتيار القومي التحرري الذي ساد الوطن العربي كله .

التغييرات الاقتصادية والاجتماعية

ولابد هنا من ملاحظة أن تغييرات جديدة قد طرأت على الواقع الكويتي ، الأول هو التغيير الاقتصادي نتيجة لاكتشاف البترول وإنتاجه بغزارة مما أدى إلى زيادة إيرادات الدولة ، ونتيجة لذلك فلم يعد الحاكم بحاجة إلى مساندة التجار المالية أو الرسوم والضرائب التي كانت تُجبى من عامة المواطنين ، بل تغير الوضع إذ أصبح التجار هم الذين يعتمدون على الدولة في أعمالهم ، وكذلك بقية المواطنين فقد أصبحت الدولة أكبر مؤسسة للصرف والتوظيف ، فأصبح التجار يعتمدون على المشاريع التي تطرحها الدولة والتثمين لأراضيهم وعقاراتهم وما يصرفه الموظفون على البضائع الاستهلاكية وأصبح الموظفون يعتمدون في دخلهم الأساسي على رواتبهم من الدولة .

وشهدت هذه المرحلة أيضا ظهور الطبقة المتوسطة والطبقة العمالية وزيادة عدد المتعلمين من أبناء هاتين الطبقتين ، كذلك رافق هذا التغيير في الساحة الداخلية تغيرات أساسية في الحركة الوطنية العربية بعد ثورة 23 يوليو في مصر وقيام ثورة الجزائر ومعركة حلف بغداد ثم عدوان 1956 .

وقد كان لهذه الأحداث رد فعل كبير في الساحة الداخلية أدى إلى تصاعد المشاعر القومية وقد شهدت سنة 1956 بروز الطبقة المتوسطة والعمالية إلى جانب طبقة التجار كقوى فاعلة في الساحة ، وكان ذلك عاملا أساسيا من عوامل الضغط على الحكم للاستجابة للمطالب الشعبية .

أمام هذا الوضع تقدمت السلطة بمشروع لإجراء انتخاب مجلس موحد مكون من 56 عضوا يوزعون على البلدية والصحة والأوقاف والمعارف ومجلس الإنشاء الذي أنشئ في عهد المستشار الجنرال هستيد .

وقد اشترطت السلطة لتنفيذ هذه الخطوة عدم ترشيح بعض العناصر الوطنية في الانتخابات في عام 1957 ، لكن نتيجة الانتخابات لم تعجب السلطة الحاكمة ، فطلبوا أن يستقيل ثلاثة من العناصر الوطنية الشابة [17] ممن نجحوا في الانتخابات إلا أن بقية الفائزين وجدوا في ذلك سابقة خطيرة وعُقد اجتماع في سينما الحمراء حضره جميع المنتخبين قرروا فيه رفض شروط السلطة ، فردت السلطة على ذلك بإلغاء نتائج الانتخابات وعدم إجراء انتخابات أخرى .

من ذلك يتضح بأن السلطة عندما تتنازل أمام مطالب الشعب ومهادنته في فترة تشعر بحاجتها للمهادنة فإنها لا تقبل بأكثر من شكل محدود للتمثيل الشعبي ، أي بصلاحيات ومسؤوليات محدودة وطبيعة تكوينية خالية من العناصر التي تخشاها السلطة .

المجالس المعينة

وبعد حوادث عام 1959 [18] عادت السلطة إلى محاولة إيجاد مجالس بشكل أو بآخر فجربت هذه المرة طريقة التعيين ، وباشرت الاتصال ببعض العناصر من التجار وقد وجدت استجابة من بعضهم .

فشكلت منهم أعضاء لمجلس الإنشاء والمجلس البلدي ومجلس المعارف إلا أن هذه الخطوة وقبول البعض من التجار بها قوبل باستياء من بقية صفوف الحركة الوطنية وبالذات من العناصر الشابة التي أصبحت تؤلف ثقلا سياسيا مكونا من عناصر من مختلف الطبقات وأصبحت حركة الشباب هذه مميزة عن طبقة التجار ، ولم يؤثر قبول بعض التجار دخول المجالس على مسيرة الحركة الوطنية ، وفي نفس الوقت وكما توقعت العناصر السياسية الوطنية المعارضة للتعيين لم تستطع المجالس المعينة أن تملأ الفراغ السياسي أو أن تكون كيانات ذات فاعلية .

لقد أوضحت السلطة في هذه الفترة بجلاء وصراحة بأنها لا تريد أن يُشاركها أحد في ممارسة الحكم ، ولا بأس من تكوين مجالس من نوع معين يقبل أعضاؤها أن يكونوا أداة طيعة في يد السلطة .

وواضح في هذه الفترة أن الدولة أصبحت تملك في يدها مصادر مالية ضخمة ، وأصبحت تستطيع أن تغني من تشاء وتترك من تشاء ومن يريد أن يثرى عليه أن يتعاون مع الدولة . لقد كان سلاح المال في يد الدولة أداة ذات فعالية كبيرة .

ولكن بالرغم من ذلك ظل الحكم في عزلة ومحاطا بمشاعر وطنية متنامية تطالب بإطلاق الحريات العامة وبوضع دستور يحمي حقوق المواطنين كما ظهرت بشكل جلي مطالب اجتماعية للطبقات الصاعدة .

كذلك فان الحركة الوطنية لم تعد تكتفي بالمطالب الداخلية بل أصبحت تطالب بإلغاء معاهدة الحماية مع بريطانيا واتخاذ سياسة حازمة تجاه شركات النفط .

وقد استمرت هذه المرحلة إلى سنة 1961 عندما أعلن استقلال الكويت ومطالبة عبد الكريم قاسم بضم الكويت .

مرحلة الدستور

في عام 1961 أعلن فجأة عن استقلال الكويت واستبدلت معاهدة الحماية [19] بمعاهدة صداقة [20] ، وبعد إعلان استقلال الكويت بأيام أذاع عبد الكريم قاسم مطالبته الشهيرة بضم الكويت [21] وتلى ذلك إعلان الدستور المؤقت ودعوة المواطنين [22] إلى انتخابات عامة ليُشارك الشعب في تقرير السياسة الداخلية والخارجية ، بعد أن كانت السلطة قبل أشهر فقط ترفض أي استجابة للمطالب الشعبية فما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك التصرف ؟

هناك سببان ، الأول وهو سبب خاص بأغراض السلطة فقد كانت السلطة تسعى دائما إلى إيجاد صيغة من التمثيل الشعبي تفيد ولا تضر ، تفيد من حيث أنها تبرز التحام الشعب بالسلطة ولا تضر من حيث أنها لا تهدد بتقليص أو إنهاء نفوذ السلطة الحاكمة . واكتشاف مظهر الانسجام بين السلطة والشعب يعطي الحكم قوة أمام الأطراف الخارجية بما في ذلك الحلفاء الاستعماريين ، السبب الثاني خاص بأغراض الحليفة بريطانيا فقد كانت هناك نغمة في بريطانيا تقول بأنه ليس من صالح بريطانيا والغرب بشكل عام أن يظهرا أمام العالم كحماة لأنظمة حكم فردية استبدادية متخلفة خاصة وإنها البلد الديمقراطي العريق ، والمقصود هنا بأنظمة الحكم الفردية الاستبدادية المتخلفة هي إمارات الجنوب والخليج ، ومن هنا فان بريطانيا تحاول خلق أنظمة في الجنوب كدولة الاتحاد وفي الخليج كالكويت تأخذ من الحكم الدستوري الديمقراطي المظاهر الشكلية دون أن يمس ذلك جوهر الأوضاع وبالذات نفوذ بريطانيا ومصالحها البترولية .

ومن هنا فان بريطانيا كانت ترغب في أن ترى قيام أشكال ديمقراطية دون أن يكون لها فاعلية ومن ناحية أخرى فقد كانت الشركات تسعى إلى توسيع التعامل مع أكبر عدد من الموردين لربطهم بها مصلحيا ، كذلك كانت بريطانيا تخشى من انتشار رياح التحرر من الأنظمة التقدمية إلى الأنظمة الواقعة تحت نفوذها ، من هنا فإن بريطانيا كانت ترغب في توسيع القاعدة السياسية والاقتصادية لنفوذها وربط عدد أكبر من الرأسمالية التجارية بها مصلحيا .

هذا بالنسبة للمدى الطويل ، أما في المدى القصير فقد كانت السلطة بحاجة وقتها إلى تثبيت كيان الكويت كدولة معترف بها على المستويين العربي والعالمي ، والرد على حملة الانتقاد الموجهة ضد نظام الحكم في الكويت وإعطائه نوعا من الشرعية ، وعلى هذا الأساس دُعي إلى انتخاب المجلس التأسيسي ثم مجلس الأمة .

تجربة مجلس الأمة

استطاع المد الشعبي في انتخابات مجلس الأمة عام 1963 أن يحقق نجاحا كبيرا بأن دفع إلى المجلس بعدد لا بأس به من العناصر الوطنية الشابة . وقد حصلت العناصر الوطنية في الانتخابات الأولى على أرقام قياسية مما يدل على قوة المد الشعبي ولقد سبّب هذا النجاح قلقا على بالغا للسلطة ، ومنذ ذلك الوقت والسلطة مشغولة بإيجاد طريقة للتخلص من هذه العناصر التي تُمثل تيارا قويا في البلد باتت السلطة تخشى تناميه ولم يكن في وسط السلطة أن تضرب منذ البداية . إذ أن ذلك سيعود عليها بالضرر ويُفوت عليها الاستفادة من الوجود الشكلي للبرلمان ، وما إن تناصف عمر المجلس الأول يعد السنة الثانية حتى شعرت السلطة بأن المجلس قد استنفذ أغراضه بالنسبة لها ، فقد ثبت كيان الكويت في الأمم المتحدة والجامعة العربية وأصبحت عضوا فيهما [23] ، كما أنها حصلت على اعتراف العراق بها [24] ، كذلك فإن سياسة مؤتمرات القمة والنزاع بين حكم البعث في سوريا والعراق مع الجمهورية العربية المتحدة [25] ومشكلة اليمن ، كل هذه المسائل أثرت على المد التحرري في الوطن العربي ، وسمح للمعسكر الرجعي بأن يتخذ زمام المبادرة وموقع الهجوم على الأنظمة والحركات التقدمية.

لذا شعرت السلطة في الكويت بأن الفرصة أصبحت مناسبة للتخلص من خطر العناصر الوطنية .

ومن ناحية أخرى جاءت مسألة اتفاقية البترول مع شركات النفط عام 1965 حول تنفيق عائدات النفط وموقف العناصر الوطنية منها وحملهم للمجلس على رفضها لتؤكد مدى خطورة هذه العناصر بالنسبة للحكومة وبالنسبة لشركات النفط التي جن جنونها ولم تتصور أن الأمر يمكن أن يصل إلى هذا الحد .

ومنذ ذلك الوقت فقد كان واضحا أن التجربة البرلمانية المحدودة لن يُسمح لها بالنمو ، بل سوف تُجهض من محتواها وإن لزم الأمر تُخنق .
 
وبدأت سلسلة القوانين المشهورة [26] ثم إغلاق ” الطليعة ” وصاحب ذلك إغداق الأموال واستعمال التوظيف ومنح الترقيات لكسب الموالين والمفاتيح الانتخابية ثم توزيع الجنسيات لزيادة عدد المؤيدين وتوزيع المناطق الانتخابية ، وحملة الإرهاب ، كل ذلك لضمان الفوز للعناصر الموالية للحكومة في الانتخابات القادمة [27] .

لكن عندما بدأت الحملة الانتخابية في أواخر عام 1966 وأوائل عام 1967 حتى بدا واضحا أن كل ما فعلته السلطة من ترغيب وترهيب وكل نشاطات مواليها وأتباعها لن ينفع في الحد من قوة العناصر الوطنية وقد بات واضحا ليلة الخامس والعشرين من يناير 1967 أن العناصر الوطنية [28] سوف تضاعف عددها على الأقل في المجلس القادم وأنها هذه المرة تحمل معها دما جديدا أكثر ثورية وأكثر راديكالية ألا وهو العناصر الشابة من العمال ومن أبناء البادية التي استطاعت الحركة الوطنية أن تشق طريقها بين صفوفهم بفضل وعي أبناء البادية والطبقة العاملة .

وقد كان ذلك أمرا غير محتمل من قبل السلطة ، وقد وجدت أن أساليبها الذكية غير نافعة ولم يبق أمامها غير الأسلوب المعهود والذي عرفته الشعوب كتصرف طبيعي من السلطة ألا وهو استعمال القوة الغاشمة والبطش ولهذا كان خطف صناديق الاقتراع من مقرات اللجان بقوة السلاح والتهديد باستعمال القوة وإطلاق الرصاص كان تصرفا أجبرت السلطة على اتخاذه لأن جميع الوسائل والأساليب الأخرى لم تنفع [29] .

ولو رجعنا إلى تاريخ الشعوب ونضالها في سبيل نيل حقوقها وصراعها مع سلطاتها الحاكمة لاكتشفنا أن تصرف السلطة الحاكمة في الكويت ليلة 25 يناير سنة 1967 كان تصرفا طبيعيا ومتوقعا ، والمسألة الأساسية في الحقيقة محور الصراع الرئيسي هو رفض الشعب للصيغ البرلمانية التي تفرضها السلطة ورفض السلطة لمطالب الشعب بإقامة الديمقراطية الحقيقية [30] ( هي حكم الشعب بواسطة الشعب من أجل الشعب ) وذلك محافظة على نفوذها ومصالحها .


* في الأصل مقالة نشرت في جريدة الطليعة بعنوان ” لماذا زُيفت إرادة الشعب ليلة 25 يناير 1967 ” في عددها الصادر في يناير 1968 وقد صودر العدد بسبب هذا المقال ، انظر : الطليعة في معركة الديمقراطية ، الكويت ، دار كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع ، ط 1 ، 1984 ، ص 30 – 43 .

[1] نص هذا الميثاق على : 1- إصلاح بيت آل الصباح كي لا يجري بينهم خلاف في تعيين الحاكم ، 2- أن المرشحين لهذا الأمر هم الشيخ أحمد الجابر والشيخ حمد المبارك والشيخ عبد الله السالم ، 3- إذا اتفق رأي الجماعة على تعيين أي شخص من الثلاثة يرفع الأمر إلى الحكومة للتصديق عليه ( المقصود هنا الحكومة البريطانية ) ، 4- المعين المذكور يكون بصفته رئيس مجلس شورى ، 5- ينتخب من آل الصباح والأهالي عدد معلوم لإدارة شؤون البلاد على أساس العدل والإنصاف .

[2] عادل الطبطبائي : مجموعة الوثائق الدستورية الكويتية 1921 – 1962، ملحق مجلة الحقوق ، العدد الأول ، السنة الرابعة والعشرون ، مارس 2000 ، جامعة الكويت ، كلية الحقوق ، ص 11 .

[3] عادل الطبطبائي : مجموعة الوثائق الدستورية الكويتية 1921 – 1962، ص 11 .

[4] يقصد بها تحديدا الفترة من عام 1938 حتى يناير 1968 .

[5] يقصد القرن العشرين .

[6] تولى الشيخ مبارك الصباح الحكم في الكويت خلال الفترة من عام 1896 الى عام 1915 .

[7] تولى الشيخ أحمد الجابر الحكم في الكويت خلال الفترة من عام 1915 الى عام 1950 .

[8] في أوائل الثلاثينات من القرن العشرين شهدت الكويت أو تجمع سياسي أسسه التجار باسم ” الكتلة الوطنية ” حيث طالبت الكتلة بقيام مجلس تشريعي من خلال انتخابات حرة ونزيهة وأن يقوم هذا المجلس بجميع الصلاحيات للإشراف على تنظيم كافة شؤون البلد . حول الكتلة الوطنية نشأتها وأهدافها ، انظر : فلاح عبد الله المديرس : ملامح أولية حول نشأة التجمعات والتنظيمات السياسية في الكويت (1938 – 1975) ، الكويت ، دار قرطاس للنشر ، ط 2 ، 1999 ، ص 6 – 15 .

[9] المقصود هنا الأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر .

[10] للمزيد من التفاصيل حول أحداث المجلس التشريعي لعام 1938 وتطوراتها انظر : مذكرات خالد سليمان العدساني سكرتير مجلس الأمة التشريعي الأول والثاني ، مذكرات غير منشورة مطبوعة على الآلة الكاتبة وظهرت في الوقت الحالي كاملة منشورة في الانترنت ، انظر كذلك : عبد الله عمر العمر : إرهاصات الديمقراطية في الكويت ، الكويت ، دار قرطاس للنشر ، 1994 ، ص 32 – 80 .

[11] نصت المادة الأولى من دستور 1938 والذي وافق عليه حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر على أن ” الأمة مصدر السلطات ممثلة في هيئة نوابها المنتخبين ” ، كما نصت المادة الثالثة منه على أن ” مجلس الأمة التشريعي مرجع لجميع المعاهدات والامتيازات الداخلية والخارجية والاتفاقات وكل أمر يستجد من هذا القبيل لا يعتبر شرعيا إلا بموافقة المجلس وإشرافه عليه ” . للمزيد حول هذه الوثيقة الدستورية ، انظر: عادل الطبطبائي : مجموعة الوثائق الدستورية الكويتية 1921 – 1962، ص 15 – 19 .

[12] تولى الشيخ عبد الله السالم الحكم في الكويت من عام 1950 الى عام 1965 .

[13] أجريت الانتخابات عام 1952 لفترة ولاية مدتها سنتين .

[14] تمت دعوة 1500 شخص لانتخابات المجالس .

[15] في عام 1954 ترأس د. أحمد الخطيب وفد ممثلي لجنة الأندية الكويتية والتي تشكلت من ثمانية أندية أهمها : النادي الثقافي القومي ونادي الخريجين ونادي المعلمين ، حيث قدم الوفد عريضة تطالب بانشاء مجلس مشترك للبلدية والمعارف والصحة والأوقاف ، انظر : فلاح عبد الله المديرس : ملامح أولية حول نشأة التجمعات والتنظيمات السياسية في الكويت ( 1938 – 1975 ) ، ص 17 – 18 .

[16] المقصود هنا العدوان الثلاثي على الجمهورية العربية المتحدة والأحداث التي تلت ذلك في الكويت من مظاهرات التأييد وغيرها .

[17] وهم : أحمد الخطيب ، جاسم القطامي ، وخالد الزيد .

[18] في عام 1959 بادرت الحركة الوطنية في الكويت ( حركة القوميين العرب ) إلى مطالبة السلطة في الكويت للانضمام للجمهورية العربية المتحدة ، وعقد في الأول من فبراير اجتماعا شعبيا في ثانوية الشويخ حيث نددت الحركة بالأنظمة الرجعية ، وتدخلت قوات الأمن وأصدرت السلطة قراراتها بإغلاق كافة الأندية والصحف ، انظر : نور الدين بن الحبيب حجلاوي : تأثير الفكر الناصري على الخليج العربي 1952 – 1971 ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 2003 ، ص 204 – 206 .

[19] انظر نص معاهدة الحماية بين بريطانيا والكويت عام 1899 في : عبد الرضا أسيري : النظام السياسي في الكويت مبادئ وممارسات ، الكويت ، ط 4 ، 1996 ، ص 475 – 476 .

[20] انظر نص معاهدة التفاهم والصداقة بين الكويت وبريطانيا في : عبد الرضا أسيري : النظام السياسي في الكويت مبادئ وممارسات ، ص 479 – 480 .

[21] للمزيد من التفاصيل حول أزمة 1961 انظر : الكويت وجودا وحدودا الحقائق الموضوعية والادعاءات العراقية ، اصدار مركز البحوث والدراسات الكويتية ، الكويت ، ط 3 ، 1997 ، ص 114 – 125 .

[22] بتاريخ 30 ديسمبر 1961 توجه الناخبون الكويتيون لانتخاب المجلس التأسيسي مهمته اعداد دستور للبلاد ، للمزيد من التفاصيل حول دستور الكويت انظر : أحمد علي ديين : ولادة دستور الكويت ، الكويت ، دار قرطاس للنشر ، ط 2 ، 1999 .

[23] انضمت الكويت الى منظمة الأمم المتحدة في مايو من عام 1963 لتصبح العضو رقم 111 ، كما انضمت الى جامعة الدول العربية في 20 يوليو 1961 .

[24] انظر اتفاقية الحدود العراقية – الكويتية والاعتراف السياسي بدولة الكويت ، 4 أكتوبر 1963 ، في : عبد الرضا أسيري : النظام السياسي في الكويت مبادئ وممارسات ، ص 481 – 483 .

[25] للمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع انظر : محمد حسنين هيكل : محاضر اجتماعات الوحدة ، القاهرة ، مؤسسة الأهرام ، 1963 .

[26] قدّم 8 من نواب الحركة الوطنية وهم : أحمد الخطيب ، جاسم القطامي ، راشد التوحيد ، سامي المنيس ، سليمان المطوع ، عبد الرزاق الخالد ، علي عبد الرحمن العمر ، ويعقوب الحميضي استقالتهم من مجلس الأمة الأول في ديسمبر 1965 احتجاجا على القوانين المقيدة للحريات مثل قانون التجمعات وقانون الوظائف العامة وقانون الأندية . انظر نص الاستقالة في : الطليعة في معركة الديمقراطية ، الكويت ، دار كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع ، 1984 ، ص 15 – 22 ، انظر كذلك إلى : فهد إبراهيم العبد الله : المعارضة الوطنية في مجلس الأمة الأول ، مجلة الطليعة ، العدد 800 ، 6 يوليو 1983 ، ص 19 .

[27] يُقصد هنا انتخابات مجلس الأمة الثاني والتي أجريت في 25 يناير 1967 .

[28] دخلت الحركة الوطنية الكويتية انتخابات 1967 من خلال جبهة وطنية ضمت كل القطاعات الوطنية من رئيس غرفة التجارة إلى رئيس اتحاد العمال .

[29] للمزيد من التفاصيل حول حادثة انتخابات مجلس الأمة الثاني عام 1967 انظر : عبد الله فهد النفيسي : الكويت الرأي الآخر ، لندن ، دار طه للنشر ، 1978 ، ص 94 – 115 ، وكذلك انظر : أحمد ديين : الديمقراطية في الكويت مسارها واقعها تحدياتها آفاقها ، الكويت ، دار قرطاس للنشر ، 2005 ، ص 68 – 70 .

[30] أقدمت السلطة في الكويت على حل مجلس الأمة مرتين بأسلوب غير دستوري عامي 1976 و 1986 وأربع مرات دستوريا أعوام 1999 و2006 و2008 و2009 ، كما قامت بتشكيل لجنة لتنقيح الدستور عام 1980 ، وكذلك قامت بانشاء المجلس الوطني غير الدستوري كبديل عن مجلس الأمة وذلك في العام 1990 . حول الأزمات الدستورية في الكويت انظر: خلدون النقيب : صراع القبلية والديمقراطية حالة الكويت، بيروت ، دار الساقي ، 1996 ، ص 29 – 42 .


المصدر الطليعة

http://blog.altaleea.com/?p=68
 
لمحات من تاريخ الحركة الوطنية والديمقراطية في الكويت (1) : حركة المجلس التشريعي يوليو – ديسمبر 1938
نشر بتاريخ 22 يوليو, 2012 بواسطة ali في دراسات ومقالات
في عام 1983 نشرت مجلة ” الطليعة ” على صفحاتها مقالات متفرقة بعنوان ” لمحات من تاريخ الحركة الوطنية والديمقراطية في الكويت ” كتبها فهد ابراهيم العبد الله ، حيث تناولت هذه المقالات عددا من المواضيع والقضايا الهامة في مسيرة الحركة الوطنية الكويتية .

ويقول فهد العبد الله في استهلاله لهذه المقالات :

” إن نضال القوى الوطنية والديمقراطية في الكويت من أجل الديمقراطية وسير بلادنا في طريق التطور والمستقل ودفاعا عن المطالب الحيوية للجماهير ومن أجل نضال الشعوب العربية من أجل التحرر والوحدة على أسس ديمقراطية ، ليس حركة مستجدة برزت في أيامنا هذه ، وإنما هي حركة يقف وراءها تاريخ يمتد الى ثلاثينيات القرن العشرين .

إنها ليست حركة مقطوعة الجذور ، وإنما هي حركة أصيلة ضربت جذورها في أعماق تاريخ وضمير شعبنا .

وتجري محاولات من جانب قوى رجعية لطمس هذا التاريخ والانتقاص من دور القوى الوطنية والديمقراطية ، والافتراء على القيادات الوطنية ” .

حركة المجلس التشريعي

نشأت في ثلاثينيات القرن العشرين في الكويت حركة سياسية نشطة تحت اسم ” الكتلة الوطنية ” طالبت بإحداث إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية ، وكانت هذه ” الكتلة الوطنية ” تعبر عن مصالح الطبقة البرجوازية أو من كان متعارفا عليهم باسم ” التجار ” وكانت في ذلك الحين متضررة من تسلط الامبرياليين البريطانيين على مقدرات البلاد وشؤونها من خلال اتفاقية الحماية المفروضة عام 1899 ومن خلال اتفاقية التنقيب عن النفط التي أبرمت عام 1934 ومستاءة من تجاهل الحكم لها وعدم تنفيذ الوعود والالتزامات بالتشاور في شؤون البلاد .

لقد كانت مصالح البرجوازية في ذلك الحين منسجمة مع اتجاه التطور الاجتماعي ، ولذلك فقد كانت صاحبة مصلحة شأنها شأن باقي فئات الشعب في إحداث تغييرات في الوضع العام .

وتركزت مطالبة ” الكتلة الوطنية ” على مطلب إقامة مجلس تشريعي ، وهذا ما ورد في المذكرة التي قدمت إلى الأمير عن طريق وفد مكون من السادة : محمد ثنيان الغانم ، سليمان العدساني ، وعبد الله حمد الصقر بتاريخ 30 ربيع الثاني 1357 هجرية أي في أواخر شهر يونيو 1938 ، حيث جرت بعد ذلك مباحثات أسفرت عن إقرار الحاكم بهذا المطلب .

وجرت أول انتخابات نيابية لأعضاء المجلس التشريعي في ديوانية الصقر فاز فيها كل من : محمد ثنيان الغانم (استقال فحل محله محمد بن شاهين الغانم) ، عبد الله حمد الصقر ، الشيخ يوسف بن عيسى القناعي ، سيد علي سيد سليمان ، مشعان الخضير الخالد ، عبد اللطيف محمد الثنيان ، سليمان خالد العدساني ، يوسف المرزوق ، صالح العثمان الراشد ، يوسف صالح الحميضي ، محمد داود المرزوق ، سلطان الكليب ، مشاري البدر ، وخالد الحمد .

وعقد المجلس التشريعي اجتماعاته وأقر قانونا بصلاحياته رفعه مع مذكرة إلى الحاكم بتاريخ 12 جمادي الأول 1357 هـ طالبه بالتصديق عليه ، ومما جاء في تلك المذكرة : ” إن أعضاء المجلس جميعا لم يرتاحوا ولم يقتنعوا بهذه البيانات الشفهية ففي الظروف التي توليتم بها الحكم قطعتم على أنفسكم أن تجعلوا الحكم بينكم وبين الأمة شورى ، ومضت الأيام ولم تر الأمة تحقيقا لما وعدتم “.

وإزاء شدة المطالبة الشعبية صودق على قانون الصلاحيات الأساسية لمجلس الأمة .. الذي جاء فيه أن ” الأمة مصدر السلطات ممثلة في هيئة نوابها المنتخبين .. ومجلس الأمة التشريعي مرجع لجميع المعاهدات والامتيازات الداخلية والخارجية والاتفاقيات .. ورئيس مجلس الأمة التشريعي هو الذي يمثل السلطة التنفيذية في البلاد ” .. وهذا ما يُبين أن الحدود التي توفرت من الحريات والحقوق الديمقراطية في الكويت في فترات سابقة لم تكن منة أو منحة من أحد .. وإنما تحققت بفضل المطالبة الشعبية الدؤوبة .

وبالفعل فإنه خلال ما يقارب 173 يوما هي مدة حياة المجلس التشريعي ، حدثت جملة من الإصلاحات وتدابير التحديث في مجال تنظيم الميزانية ، والخدمات والقضاء والتعليم والجمارك والعمران .. كما نشطت الحركة الاجتماعية والسياسية ، وأعلن عن تشكيل ” نادي كتلة الشباب الوطني ” الذي بلغ عدد منتسبيه مائتي شاب .

كما أقر المجلس مشروع دستور للبلاد تحت اسم ” القانون الأساسي الكويتي ” تكون من 69 مادة ، ومن الأحكام التي وردت فيه ما جاء في المادة 13 منه ” للكويتيين حرية إبداء الرأي والنشر والاجتماع وتأليف الجمعيات والانضمام إليها ” .

وفي المادة 25 ” السلطة التشريعية منوطة بمجلس الأمة وله وحده حق وضع القوانين وتعديلها وإلغائها ” .

وفي المادة 30 ” ينتخب المجلس التشريعي من بين أعضائه هيئة قوامها ستة أعضاء وتسمى بالهيئة التنفيذية ” .

وفي المادة 50 ” يعين مجلس الأمة التشريعي جميع القضاة العدليين ولا يعزلون إلا في الأحوال المصرحة في القانون ” .

وفي المادة 52 ” المحاكم مصونة من تدخل أية سلطة في شؤونها ” .

وهذا ما يوضح أنه دستور اشتمل على مجموعة من الضمانات الأساسية والمكتسبات .

ولكن جاءت أحداث ديسمبر 1938 بحل المجلس وحظر نشاط نادي كتلة الشباب الوطني ، واعتقال وملاحقة عدد من قادة الحركة .. لتوقف تلك المسيرة الدستورية والنيابية الرائدة .

* نشرت في الطليعة : العدد 795 ، 1 يونيو 1983 .
 
لمحات من تاريخ الحركة الوطنية والديمقراطية في الكويت (2) : الإضرابات العمالية الأولى
نشر بتاريخ 23 يوليو, 2012 بواسطة ali في دراسات ومقالات
برزت الطبقة العاملة في الكويت إلى الوجود بأواسط الثلاثينات مع بدء نشاط الاستكشاف والتنقيب عن النفط واستخراجه الذي كانت تقوم به شركة نفط الكويت المحدودة ، والتي كانت في مستهل أغسطس 1946 قد وظفت مبالغ ضخمة في استثمار حقل برقان ، وأنجزت بناء وسائل النقل والشحن وبدأت شحن البترول تجاريا عن طريق ميناء الأحمدي .

ففي عام 1946 استخرج في الكويت 800 ألف طن من البترول الخام ، أما في عام 1952 فقد استخرج 37.6 مليون طن ، وفي عام 1948 منح امتياز جديد لشركة الزيت الأمريكية المستقلة ( الأمينويل ) .

والتحق بأعمال الشركتين الألوف من البحارة وصيادي الأسماك والرعاة الذين هجروا فروع الانتاج التقليدية ، وبذلك تكونت طبقة عاملة ضمن وسائل انتاج جديدة .

وقد عانت الطبقة العاملة في الكويت ، التي كانت محرومة من حقها في تأسيس نقابات عمالية من نير الاستغلال الواقع عليها ، ومن قساوة ظروف العمل ، ومن التمييز اللاحق بها في الأجور والخدمات والضمان (إذ إن العمال الانجليز وأيضا الهنود كانوا ينالون أجورا أعلى بكثير من أقرانهم من العمال الكويتيين) .

وتكونت بوادر الوعي العفوي لدى الطبقة العاملة الفتية ، وخصوصا للنضال من أجل تحسين أجورها وظروف عملها وخاصة سلسلة من الإضرابات الناجحة لتحقيق مطالبها في أعوام 1948 ـ 1950 ـ 1952 .

بالرغم من كل الظروف القاسية التي كان يجري فيها النضال ، حيث يحظر وجود النقابات ، وتنعدم الحدود الدنيا من الحريات العامة .. إلا أن كل هذا لم يمنع العمال الكويتيون من النضال لتحقيق مطالبهم المشروعة .

فإضراب عمال النفط في عام 1948 يعد أول إضراب عمالي في تاريخ الكويت ـ وإن كان قد سبقه في فبراير 1937 إضراب سائقي سيارات الأجرة ـ وقد شارك في هذا الإضراب العمالي 6 آلاف عامل معظمهم من عمال الأرياق ـ الحفر ـ الذين تجمهروا وأعلنوا الإضراب عن العمل للمطالبة بتحسين ظروف العمل والسكن ، وتزويدهم بمياه الشرب الجيدة ، وتنظيم الخدمات الطبية وتحسين النقليات ، واستمر الإضراب قرابة 11 يوما رغم التهديد والوعيد الذي أطلقه بعض أركان السلطة ، وعندما لم يفلح التهديد في فك الإضراب جرت مفاوضة العمال ووعدوا بتحقيق مطالبهم التي تحقق بالفعل جزء طفيف منها .

وفي عام 1950 أعلن عمال النفط الإضراب من جديد بعد أن نفذ صبرهم في انتظار تنفيذ الوعد ، وظلت مشاكل المضربين كما هي مع إضافة مطالب زيادة الأجور وتصفية التمييز بين العاملين .

وشهدت البلاد في فيراير 1952 إضرابا ثالثا لعمال النفط استمر ثلاثة أيام ، وبذات المطالب ، وقد كان هذا الإضراب أفضل تنظيما من سابقيه ، وبرز من قادته المناضل العمالي ( عاشور عيسى عاشور ) الذي فصل من العمل واعتقل لمدة 40 يوما في ” مرحاض ” .

وكذلك برز إلى جانبه قادة آخرون سبق أن قام الاتحاد العام لعمال الكويت في أول مايو 1975 بتكريمهم وهم : فهد عطية ، مسعود السعد ، خالد صالح الرومي ، خليفة فهد عبد الكريم ، صالح جاسم الجيران ، وأحمد عبد الله المضيان .

وقد تحققت بفضل تضافر العمال ووحدتهم ونضالهم عدد من المطالب العمالية التي رفعها المضربون .

وشهدت البلاد ـ لاحقا ـ تطورا في نضال الطبقة العاملة من أجل تنظيم نفسها في نقابات ، رغم الحظر المفروض على تشكيلها ، ففي مستهل عام 1953 شكل عمال النفط مجلسا تأسيسيا لوضع المطالب العمالية ورفعها للحكومة وشركة النفط ، كما ساهم وفد عن عمال النفط الكويتيين لأول مرة في أعمال المؤتمر العالمي الثالث للنقابات .

وهكذا ، برزت إلى الوجود الطبقة العاملة في الكويت رغم كونها حديثة النشوء ، ورغم كونها منقسمة إقليميا وقوميا الى عمال كويتيين وغير كويتيين ، وإلى عرب وغير عرب .. كما أن نضالها استلزم إيجاد حركتها النقابية التي تدافع عن مصالحها ، فكان تشكيل (النادي الثقافي العمالي) كصيغة شرعية للعمل النقابي في الخمسينات إلى أن تحقق للطبقة العاملة حقها في التنظيم النقابي في عام 1964 بتشريع قانون العمل رقم 38 لسنة 1964 والذي أسهمت المعارضة الوطنية في مجلس الأمة آنذاك في الإقرار بحق التنظيم النقابي للعمال في هذا القانون .

ونستطيع أن نستخلص الأمور التالية :

ـ أن تكون الطبقة العاملة في الكويت في أوائل الأربعينات هو من أهم الأحداث في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الكويت .

ـ لقد خاضت الطبقة العاملة الفتية نضالات مطلبية متواصلة وناجحة رغم كونها نضالات عفوية .

ـ بالرغم من كل الصعوبات ، فقد أظهرت الطبقة العاملة الفتية في الكويت روحا كفاحية باسلة في نضالاتها المطلبية .

* نشرت في الطليعة : العدد 796 ،8 يونيو 1983
 
لمحات من تاريخ الحركة الوطنية والديمقراطية في الكويت (3) : الخمسينيات : النضال من أجل الدستور وإلغاء الحماية البريطانية
نشر بتاريخ 24 يوليو, 2012 بواسطة ali في دراسات ومقالات
إذا ما أردنا أن نتابع مسيرة الحركة الوطنية والديمقراطية في الكويت خلال الخمسينيات ، فعلينا أن نعود إلى الوضع العام الذي كان يسود البلاد آنذاك والذي نمت في ظله الحركة الوطنية .

كان أهم ما يميز الوضع العام في الكويت في الخمسينيات :

ـ تحول الكويت إلى واحدة من البلدان الأساسية المنتجة للنفط في الشرق الأوسط .

ـ سيطرة الاحتكارات النفطية البريطانية والأمريكية على المورد النفطي الذي كانت تحصل من خلال نهبه على أرباح تصل إلى 350 % من الرأسمال الموظف سنويا .

ـ أصبحت عائدات الحكومة الكويتية من النفط تشكل 90 % من دخل الإمارة ، وبلغت في عام 1952 حوالي 56 مليون دولار ، وارتفعت في عام 1955 الى حوالي 282 مليون دولار كانت توزع إلى ثلاثة أقسام : يصرف ثلث المداخيل على حاجات الدولة ، والثلث الآخر لتغطية نفقات الأسرة الحاكمة ، والثلث الباقي يودع في البنوك البريطانية في الحساب الجاري للحاكم .

ـ استمرار فرض نظام الحماية البريطانية على الكويت .

ـ تلزيم شركات المقاولات البريطانية المسماة بالشركات الخمس بمقاولات خطة إعمار مدينة الكويت التي وضعت خطتها بمبادرة المستشارين الاقتصاديين البريطانيين .

ـ تخلي شركات النفط عن آلاف العمال الكويتيين .. الذين كانوا يقومون بأعمال الإنشاءات الأساسية لهذه الشركات ، حتى أصبح عدد العاطلين عن العمل في عام 1955 حوالي خمسة آلاف عاطل .

ـ انعدام المشاركة الشعبية في تسيير أمور الدولة ، وعدم وجود حياة دستورية أو مؤسسة نيابية منتخبة .

وكانت المطالب الأساسية للشعب الكويتي تتركز حول : وقف نهب الاحتكارات النفطية الامبريالية للثروة الوطنية ، وإنهاء الحماية البريطانية المفروضة على الكويت ، وإحداث إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية باتجاه تحديث الدولة ووضع دستور للبلاد .

ونشأ عدد من التنظيمات والجماعات الوطنية التي تعبر عن هذه المطالب الشعبية ، أبرزها فرع حركة القوميين العرب في الكويت الذي كان معبرا عن فئات المثقفين الداعين للتجديد من أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة والبرجوازية الوطنية .

وشكل النادي الثقافي القومي الذي كانت تصدر عنه مجلة ” الإيمان ” وصحيفة ” صدى الإيمان ” واجهة هذا النشاط ..

كما نشأت جماعات أخرى .. وتكون عدد من الجمعيات والأندية الاجتماعية والرياضية أبرزها نادي الخريجين الذي كانت تصدر عنه صحيفة ” الفجر ” .. كما تشكل اتحاد للأندية وقد قام هذا الاتحاد بدوره في تنظيم العديد من الفعاليات الجماهيرية .. من أهمها تنظيم مظاهرة تأييد لمصر إزاء التهديدات الإمبريالية الموجهة ضدها ، إلا أن هذه المظاهرة التي تمت يوم 15/8/1956 منعت وسقط فيها عدد من الجرحى ، وجرت في اليوم التالي مظاهرة ثانية .. وفي ظل هذه الظروف قدم مدير الشرطة المقدم ” جاسم القطامي ” استقالته من منصبه رافضا تنفيذ أوامر قمع المظاهرات .

واستطاعت القوى الوطنية أن تفرض الاستجابة لبعض المطالب الشعبية ومن بينها إجراء انتخابات محدودة لعدد من المجالس الاستشارية في البلدية والمعارف .

وتحت تأثير قيام الجمهورية العربية المتحدة بقيادة الرئيس الوطني الراحل جمال عبد الناصر وانتصار ثورة 14 تموز في العراق تنامى نفوذ الحركة الوطنية في صفوف الجماهير الشعبية .

واتسع نطاق المطالبة بإنهاء معاهدة الحماية البريطانية ووقف نهب الثروة النفطية من جانب الاحتكارات الامبريالية ، وإحداث إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية أهمها انتخابات مجلس تأسيسي يتولى وضع دستور للبلاد .

وكان المهرجان الخطابي الجماهيري المقام بمناسبة الذكرى الأولى لقيام الوحدة المصرية ـ السورية ، بثانوية الشويخ في الثاني من فبراير 1959 ، مناسبة لطرح هذه المطالب الشعبية .

وردت السلطة على هذا التحرك .. بأن أصدرت دائرة الشؤون الاجتماعية في يوم الثلاثاء 3/2/1959 إعلانا يقضي بغلق كافة الأندية والهيئات ” وعدم مزاولة أي نشاط فيها ” ، وفي الخامس عشر من فبراير أصدرت رئاسة دوائر الشرطة والأمن العام بيانا جاء فيه ” ننبه الى أن أعين رجال الشرطة والأمن ساهرة على مصالح البلاد ، وأنها تقتقي أثر كل من تحدثه نفسه العبث بالنظام سواء في السر أو العلن ” .

وتم تعطيل الصحف ، واتخذت إجراءات بحق قادة الحركة الوطنية وساد البلاد جو متوتر مقيت ألقى بظلاله السوداء على الكويت طوال الثلاث سنوات اللاحقة .



* نشرت في الطليعة : العدد 798 ، 22 يونيو 1983 .

2
0 تعليقات - سجل تعليقك!
 
في الكويت (4) : من أجل الدستور
لمحات من تاريخ الحركة الوطنية والديمقراطية في الكويت (4) : من أجل الدستور
نشر بتاريخ 25 يوليو, 2012 بواسطة ali في دراسات ومقالات


جاء إلغاء اتفاقية الحماية البريطانية المفروضة على الكويت منذ عام 1899 في التاسع عشر من يونيو ـ حزيران 1961 تلبية لمطالب الشعب الكويتي في تحقيق استقلاله الوطني .. إلا أن اتفاقية 19/6/1961 ذاتها نصت في أحد بنودها على حق بريطانيا في إرسال قوات عسكرية إلى الكويت ( ألغي هذا البند في عام 1969 ) ، وهذا ما حدث في غضون أسابيع من إعلان استقلال الكويت عندما طالب عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء العراقي بضم الكويت إلى العراق .

ولكن إزاء قرار مجلس الجامعة العربية بإرسال قوات عربية إلى الكويت لصيانة استقلالها ، اضطرت بريطانيا لسحب قواتها العسكرية ، واستمر تواجد القوات التابعة لجامعة الدول العربية إلى أواسط عام 1963 .

واستجابت السلطة لبعض المطالب الشعبية ، لتواجه الضغط الخارجي ، فشكلت في 26/8/1961 مجلسا مشتركا يضم أعضاء المجلس الأعلى ( الوزراء الشيوخ ) وأعضاء من هيئة التنظيم الذي يتكون من : حمد الحميضي ، حمد المشاري ، حمود الزيد الخالد ، خالد العدساني ، عبد الحميد الصانع ، عبد العزيز الصقر ، مشعان الخضير ، محمد يوسف النصف ، نصف يوسف النصف ، يوسف إبراهيم الغانم ، ويوسف الفليج وذلك ليضع هذا المجلس المشترك مشروع قانون لانتخاب أعضاء المجلس التأسيسي الذي يتولى عند تأليفه إعداد دستور البلاد .

وجرى تقسيم البلاد إلى عشر دوائر انتخابية تنتخب كل دائرة نائبين ، وحدد يوم 14/12/1961 موعدا لإجراء انتخابات المجلس التأسيسي ، التي شارك فيها 74 مرشحا فاز من بينهم : د. أحمد الخطيب ، سليمان الحداد ، عبد الرزاق الخالد ، يوسف المخلد ، يعقوب الحميضي ، عبد العزيز الصقر ، ومحمد الرشيد .. وهم من العناصر والوجوه الوطنية وكذلك ” الليبرالية ” الذين شكلوا لاحقا كتلة المعارضة الوطنية في مجلس الأمة الأول والعناصر المتعاونة معها .

وعقد هذا المجلس أولى جلساته في 20 يناير 1962 حيث شكل عددا من اللجان أهمها لجنة الدستور التي تولت إعداد مشروع الدستور بمعاونة الخبير الدستوري عثمان خليل عثمان .

وخلال هذه الفترة صدر ” النظام الأساسي للحكم في فترة الانتقال ” في القانون رقم 1 لعام 1962 متضمنا الأسس العامة للحكم حتى إعداد الدستور .

وقد أنجز مشروع الدستور في أواسط يوليو 1962 وبدأ المجلس في مناقشته في جلسة 11/9/1962 والجلسات اللاحقة له .

وقد أثارت العناصر الوطنية و ” الليبرالية ” في المجلس التأسيسي المطالب التالية عند مناقشتها لمشروع الدستور ( ندرجها حسب تسلسل طرحها ) :

ـ ضرورة حظر تعذيب المتهمين .

ـ إلزامية التعليم حتى المرحلة المتوسطة .

ـ إقرار حرية تكوين الأحزاب .

ـ الاعتراض على كون الوزراء المعينين أعضاء في مجلس الأمة بحكم مناصبهم ، والاعتراض على زيادة عددهم ، والمطالبة بأن يشارك أعضاء المجلس في المشاورات الخاصة بتشكيل مجلس الوزراء ، وأن تتم مناقشة الوزراء من أفراد الأسرة الحاكمة داخل المجلس كسواهم من الوزراء .

ـ أن لا يتم إعلان حالة الحرب الدفاعية وكذلك الأحكام العرفية إلا بموافقة مجلس الأمة .

ـ تخفيض سن النائب الى 25 سنة بدلا من 30 سنة.

وكان لما طرحته العناصر الوطنية في المجلس التأسيسي أثره في تضمين الدستور مجموعة من المكتسبات والضمانات الدستورية ، وقد صدر الدستور في 11/11/1962 بعد أن صادق عليه الأمير .

إن الدستور بما اشتمل عليه من ضمانات وما أقره من حقوق وحريات هو أهم مكسب من مكاسب نضال شعبنا الكويتي وقواه الوطنية والديمقراطية ، ولم يحصل عليه شعبنا كمنحة أو منة ,, وإنما هو نتيجة لمطالبة شعبية امتدت جذورها الى ثلاثينيات القرن العشرين .

وكان المهرجان الخطابي الجماهيري المقام بمناسبة الذكرى الأولى لقيام الوحدة المصرية ـ السورية ، بثانوية الشويخ في الثاني من فبراير 1959 ، مناسبة لطرح هذه المطالب الشعبية .

ردت السلطة على هذا التحرك .. بأن أصدرت دائرة الشؤون الاجتماعية في يوم الثلاثاء 3/2/1959 إعلانا يقضي بغلق كافة الأندية والهيئات ” وعدم مزاولة أي نشاط فيها ” ، وفي الخامس عشر من فبراير أصدرت رئاسة دوائر الشرطة والأمن العام بيانا جاء فيه ” ننبه الى أن أعين رجال الشرطة والأمن ساهرة على مصالح البلاد ، وأنها تقتقي أثر كل من تحدثه نفسه العبث بالنظام سواء في السر أو العلن ” .

وتم تعطيل الصحف ، واتخذت إجراءات بحق قادة الحركة الوطنية وساد البلاد جو متوتر مقيت ألقى بظلاله السوداء على الكويت طوال الثلاث سنوات اللاحقة .



* نشرت في الطليعة : العدد 799 ، 29 يونيو 1983 .
 
لمحات من تاريخ الحركة الوطنية في الكويت (5) : المعارضة الوطنية في مجلس الأمة الأول
نشر بتاريخ 26 يوليو, 2012 بواسطة ali في دراسات ومقالات
خاضت الحركة الوطنية انتخابات مجلس الأمة الأول التي جرت في 23 يناير 1963 بعدد من المرشحين الذين ضمتهم كتلة المعارضة الوطنية التي كان قطباها البارزان الدكتور أحمد الخطيب وجاسم القطامي ، وكان من أعضائها النواب : راشد التوحيد ، سامي المنيس ، سليمان المطوع ، راشد الفرحان ، سليمان الحداد ( وبديله لاحقا علي العمر ) ، عبد الرزاق الخالد ، ويعقوب الحميضي.

ورغم أن هذه الكتلة لم تطرح برنامجا انتخابيا متكاملا آنذاك ، إلا أنها استقطبت عددا مناسبا من جمهرة الناخبين .

ومع أن أغلبية المجلس كانت تشكل من عناصر موالية لسياسة الحكومة ، إلا أن المعارضة الوطنية في المجلس كانت تتمتع بقدر من الديناميكية في تحركها ، مكنها في بعض الأحيان من جذب عناصر من الموالين إلى جانبها كما حدث عندما قادت المعارضة حملة لإسقاط اتفاقية تنفيق العائدات النفطية التي حاولت الاحتكارات الانجليزية والأمريكية فرضها بشروط مجحفة .

كما أن المعارضة الوطنية لعبت دورا بالغ الأهمية في لجان المجلس واجتماعاته العامة في الدفاع عن الحريات العامة للشعب وحقوقه الدستورية ، وتجلى ذلك في معارضتها بحزم للقوانين المقيدة للحريات وأبرزها قانون التجمعات الذي فرض في عام 1963 وقوانين الوظائف العامة والأندية والجمعيات والصحافة التي فرضت في عام 1965 والتي تضمنت أحكاما غير دستورية ومقيدة للحريات .

وساهمت المعارضة الوطنية في المجلس بإدخال عدد من المكتسبات عند مناقشة بعض القوانين كقانون العمل في القطاع الأهلي رقم 38 لسنة 1964 الذي أقر حق تكوين النقابات العمالية ، كما دافعت المعارضة الوطنية عن مطالب قطاعات الشعب من أجل تحسين مستواها المعاشي ، وهذا ما تزخر به محاضر جلسات مجلس الأمة الأول من عرائض تقدمت بها قطاعات عديدة من الشعب وتبنتها ودافعت عنها المعارضة في المجلس .

كما يسجل للمعارضة في مجلس الأمة الأول عدم انجرارها وراء المناورات البرلمانية التي كان يقوم بها بعض المتنافسين على المزيد من المواقع والنفوذ .. فعندما جرت الأزمة الوزارية في ديسمبر 1964 ، وانجرت أغلبية المجلس وراء موقف أحد أقطاب السلطة المتنافسين للاعتراض على تشكيل الوزارة الجديدة بحجة تعارضها مع المادة 131 من الدستور التي تمنع الجمع بين الوزارة والعمل التجاري .. لكون بعض الوزراء من التجار المعروفين ، ثم سقطت تلك الوزارة .. وقفت المعارضة الوطنية في جلسة 5 يناير 1965 لتطرح السؤال التالي : ” هل المادة 131 حفظت الآن ؟ وهل الوزارة الجديدة لا تنطبق عليها المادة 131 ؟ أم أن الاعتراض السابق لم يكن لمجرد تطبيق المادة 131 ؟ ” واعتبرت المعارضة الوطنية تلك الأزمة الوزارية ” بأنها لم تكن في مصلحة الشعب ، وليست فيها أي حمية للدستور وإنما هي صراع على الكراسي ” .

ولكن المعارضة الوطنية ـ وفق تقديرات معينة في ظروف معقدة ـ استقالت من مجلس الأمة في ديسمبر 1965 قبل انتهاء الفصل التشريعي الأول للمجلس حيث جاء في كتاب استقالتها ـ الذي يعد بحق وثيقة هامة من وثائق تاريخ الكويت ـ ” إن التمثيل النيابي أمانة كبرى في أعناقنا يجب أن تؤدى بكل شرف ونزاهة ، وشعورا منا بأن القيام بهذا الواجب في ظل هذه الظروف أصبح مستحيلا ولذلك فإن بقاءنا في المجلس والمشاركة في أعماله هو مساهمة في تضليل المواطنين وإيهامهم بأن الديمقراطية في أمان في حين أنها تتعرض للتزييف وأن الدستور مصان في الوقت الذي تتعرض نصوصه لانتهاكات صارخة ” !

ـ الاعتراض على كون الوزراء المعينين أعضاء في مجلس الأمة بحكم مناصبهم ، والاعتراض على زيادة عددهم ، والمطالبة بأن يشارك أعضاء المجلس في المشاورات الخاصة بتشكيل مجلس الوزراء ، وأن تتم مناقشة الوزراء من أفراد الأسرة الحاكمة داخل المجلس كسواهم من الوزراء .

ـ أن لا يتم إعلان حالة الحرب الدفاعية وكذلك الأحكام العرفية إلا بموافقة مجلس الأمة .

ـ تخفيض سن النائب الى 25 سنة بدلا من 30 سنة.

وكان لما طرحته العناصر الوطنية في المجلس التأسيسي أثره في تضمين الدستور مجموعة من المكتسبات والضمانات الدستورية ، وقد صدر الدستور في 11/11/1962 بعد أن صادق عليه الأمير .

إن الدستور بما اشتمل عليه من ضمانات وما أقره من حقوق وحريات هو أهم مكسب من مكاسب نضال شعبنا الكويتي وقواه الوطنية والديمقراطية ، ولم يحصل عليه شعبنا كمنحة أو منة ,, وإنما هو نتيجة لمطالبة شعبية امتدت جذورها الى ثلاثينيات القرن العشرين .


نهاية الأجزاء الخمسة
منقولة من الطليعة
http://blog.altaleea.com/?p=84
 
عودة
أعلى