80 عاماً من الدم والغدر (1): دماء الباشا بين أصابع البنا
الجمعة 03 يوليو 2015 - الساعة 00:01
القراءة المنصفة لتاريخ الجماعات الإسلامية في مصر، تكشف أن العنف كان سمة مشتركة بين عدد من هذه التنظيمات، خصوصاً في ظروف نشأتها خلال النصف الأول من القرن العشرين، وكلها جماعات خرجت من عباءة الجماعة التي تعتبر «الأم»، وهي جماعة «الإخوان» المصنفة «إرهابية» في مصر.
«الجريدة»، قرأت الكثير مما كتبه المؤرخون، حول ظروف نشأة جماعة «الإخوان»، في مصر، قبل أكثر من ثمانين عاماً، وملابسات التكوين والنشأة وظروفها، لتتعرف إلى أي مدى تورطت فيه هذه الجماعة من دماء، بادئة بقصص القتل التي اتهمت فيها عناصر الجماعة، والعمليات التي اعترف بها رموزها وقياداتها في مذكراتهم.
كتب الخبر: حسن حافظ
T+ | T-
وفقاً لشهادات الكثير من المؤرخين المصريين، فإن العمليات الإرهابية والعنف المفرط الذي نشاهده الآن في الشارع العربي، ليس وليد اللحظة أو ابن الظروف الحالية، بل هو خطوة في طريق العنف والإرهاب وضعت أسسه منذ عقود، منذ ظهور جماعة «الإخوان المسلمين»، عميدة الجماعات الإسلامية، والتي خرج من تحت عباءتها الكثير من جماعات العنف المسلح.
هكذا قال المؤرخون، أمثال عبدالعظيم رمضان، وجمال شقرة، ورؤوف عباس حامد، صاحب مقولة إن فصيل الإخوان «نجح في تبديد طاقات الحركة السياسية لقطاع عريض من الجماهير المصرية»، ولهذا المؤرخ الاستثنائي أهمية خاصة، لكونه أول من نشر وثائق رسمية تثبت تعاون الإخوان مع الإنكليز، تحديداً خلال فترة الأربعينيات من القرن الماضي.
لم يخف حسن البنا يوماً طموحه في السلطة، بل عبر عن أحلامه فتلقب بـ»المرشد» ليعطي نفسه هالة دينية ورفعة عن أتباعه، مؤكداً أن هدفه الأسمى هو «أستاذية» العالم، أيّ إقامة الخلافة، ودشن مقولته «الإسلام دين ودنيا»، تحت شعارات تربوية دينية، اعتبرت على نطاق واسع خلطاً غير بريء، وتدنيساً للمقدس على حساب غايات دنيوية بحتة.
رؤوف عباس حامد، وصف هذه الأهداف قائلاً في بحثه «الإخوان المسلمون والإنكليز»: «هي أهداف يلفها الغموض، يستطيع كل طرف أن يفهمها على هواه... ويعكس هذا الموقف الهلامي القدرة التنظيمية التي تمتع بها حسن البنا، فهو يريد لدعوته الانتشار من خلال النشاط الديني، والاجتماعي دون أن يلزم نفسه أو جماعته بموقف سياسي محدد».
البنا (من مواليد عام 1906) جاء من أصول ريفية في محافظة البحيرة شمال غربي القاهرة، ولم يكن في ذهنه في البداية إلا الدعوة باستخدام وسائل سلمية، كان واقعا تحت تأثير صدمة سقوط الخلافة العثمانية، بعدما قرر مصطفى كمال أتاتورك إلغاءها، وإعلان الجمهورية التركية، لذلك عمل البنا على استخدام الدعوة كمحاولة لإحياء الخلافة، وعندما وجد أن وسائل الدعوة صادفت بعض النجاح، لكنه ظل أقل من المأمول في تأسيس دولة إسلامية يحكمها البنا، بدأ في تحويل جماعة «الإخوان المسلمين»، التي تم تأسيسها في الإسماعيلية سنة 1928، من العمل الدعوي إلى العمل المسلح، عبر تشكيل ميليشيات شبه عسكرية، بحسب توصيف المؤرخ الراحل الدكتور رؤوف عباس حامد، بداية من «فرق الرحلات».
وكان البنا، وفقاً للدكتور عبدالعظيم رمضان في كتابه «الإخوان المسلمون والتنظيم السري»، يساير موجة تشكيل الأحزاب الفاشية في إيطاليا وألمانيا لميليشيات مسلحة لقمع المعارضين، وهي تجربة عرفتها مصر على يد حزب مصر «الفتاة»، لكنه زاد فعمل على إعطاء صبغة إسلامية لهذه الميليشيات باستدعاء نماذج من التاريخ، خصوصاً أن مشروع البنا لم تكن له علاقة بقضايا الاستقلال والدستور والتحديث التي شغلت القوى السياسية المدنية القائمة في مصر طوال فترة الثلاثينيات والأربعينيات، بل كان مشروعه في المقام الأول بمنزلة الرد العاطفي على انهيار الخلافة الإسلامية بسقوط الدولة العثمانية سنة 1924م.
من الثابت تاريخياً، أن البنا بدأ بعد نحو 10 سنوات من العمل الدعوي، الانتقال إلى مرحلة أعلى من العمل الميداني، فنقل البنا مقر الجماعة الرئيس من الإسماعيلية إلى القاهرة سنة 1932، وبدأ في الانخراط في أنشطة سياسية منذ يناير 1939، بالتزامن مع إصدار مجلة «النذير» الأسبوعية، لسان حال جماعة «الإخوان»، والتي صدر العدد الأول منها بافتتاحية كتبها البنا ذاته، وتضمنت رؤية الجماعة وخطواتها التالية، وفي تلك الأثناء كانت الجماعة تمارس الإرهاب الفكري والتضييق على رموز الفكر الليبرالي، ما أدى إلى ردة وانخفاض سقف الحريات.
كتب البنا في هذه الوثيقة الخطيرة قائلاً: «... سننتقل من دعوة الكلام حسب، إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال، وسنتوجه بدعوتنا إلى المسؤولين من قادة البلد، وزعمائه، ووزرائه، وكل حكامه، وشيوخه، ونوابه، وأحزابه، وسندعوهم إلى مناهجنا، ونضع بين أيديهم برنامجنا، فإن أجابوا الدعوة... آزرناهم، وإن لجأوا إلى المواربة... فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام، ولا تسير في الطريق لاستعادة كلمة الإسلام ومجد الإسلام، سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة».
وأكد البنا أن التحول من الدعوي إلى السياسي طبيعي، وأنه مجرد «خطوة ثانية في طريقتنا الإسلامية»، محذراً من أن «الجهاد العملي» بعد «الدعوة القولية»، له ثمن، والمتمثل في الاضطهاد، والمضايقات المختلفة، لكن الغريب حقاً تذييل البنا للافتتاحية بإبداء أمل الإخوان في «جلالة الملك المسلم»، في إشارة إلى الملك فاروق، ما يكشف التحالف القوي بين القصر والإخوان في تلك الفترة، خصوصاً أن الملك وحاشيته كانوا أجهزوا على الحياة السياسية، وأطاحوا بحكومة الأغلبية وفرضوا نمطاً فاشياً لقمع المعارضة.
تحالف غير مقدس
التحالف والتعاون بين الإخوان والقصر، والذي رصده بدقة رؤوف عباس حامد في مقاله «الإخوان المسلمون والإنكليز»، لم يكن بعيداً عن أعين قوات الاحتلال البريطاني، التي أحكمت قبضتها على البلاد منذ سنة 1882، وبدأ رجال الإمبراطورية البريطانية في مطلع الأربعينيات فتح قنوات اتصال مع البنا، ولم يكن تحالف الإنكليز مع «الإخوان» شيئا فريدا، بل كان جزءا من سياستها بالتحالف مع القوى الإسلامية في إطار سياسة فرق تسد، وهي السياسة الإنكليزية المتبعة طوال النصف الأول من القرن العشرين.
هذه السياسة الإنكليزية في احتواء الحركات الإسلامية تلاقت مع رغبة الملك فاروق، في تحجيم نفوذ حزب «الوفد»، من خلال الاستعانة بـ»الإخوان»، ونبه تقرير للمخابرات البريطانية في عام 1942 إلى أن «القصر بدأ يرى أن الإخوان مفيدون وأضفى حمايته عليهم»، هنا تلاقت أهداف الاستعمار والقصر، فبدأت بريطانيا جس نبض الإخوان وفتح قنوات اتصال مبكرة مع الجماعة، ووفقاً للمؤرخ الإنكليزي مارك كورتيس في كتابه «التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين»، فإنه بحلول سنة 1942 بدأت بريطانيا في تمويل جماعة «الإخوان» بشكل قاطع.
المصدر الجريدة
http://www.aljarida.com/news/index/...-الدم-والغدر--1---دماء-الباشا-بين-أصابع-البنا
الجمعة 03 يوليو 2015 - الساعة 00:01
القراءة المنصفة لتاريخ الجماعات الإسلامية في مصر، تكشف أن العنف كان سمة مشتركة بين عدد من هذه التنظيمات، خصوصاً في ظروف نشأتها خلال النصف الأول من القرن العشرين، وكلها جماعات خرجت من عباءة الجماعة التي تعتبر «الأم»، وهي جماعة «الإخوان» المصنفة «إرهابية» في مصر.
«الجريدة»، قرأت الكثير مما كتبه المؤرخون، حول ظروف نشأة جماعة «الإخوان»، في مصر، قبل أكثر من ثمانين عاماً، وملابسات التكوين والنشأة وظروفها، لتتعرف إلى أي مدى تورطت فيه هذه الجماعة من دماء، بادئة بقصص القتل التي اتهمت فيها عناصر الجماعة، والعمليات التي اعترف بها رموزها وقياداتها في مذكراتهم.
كتب الخبر: حسن حافظ
T+ | T-
وفقاً لشهادات الكثير من المؤرخين المصريين، فإن العمليات الإرهابية والعنف المفرط الذي نشاهده الآن في الشارع العربي، ليس وليد اللحظة أو ابن الظروف الحالية، بل هو خطوة في طريق العنف والإرهاب وضعت أسسه منذ عقود، منذ ظهور جماعة «الإخوان المسلمين»، عميدة الجماعات الإسلامية، والتي خرج من تحت عباءتها الكثير من جماعات العنف المسلح.
هكذا قال المؤرخون، أمثال عبدالعظيم رمضان، وجمال شقرة، ورؤوف عباس حامد، صاحب مقولة إن فصيل الإخوان «نجح في تبديد طاقات الحركة السياسية لقطاع عريض من الجماهير المصرية»، ولهذا المؤرخ الاستثنائي أهمية خاصة، لكونه أول من نشر وثائق رسمية تثبت تعاون الإخوان مع الإنكليز، تحديداً خلال فترة الأربعينيات من القرن الماضي.
لم يخف حسن البنا يوماً طموحه في السلطة، بل عبر عن أحلامه فتلقب بـ»المرشد» ليعطي نفسه هالة دينية ورفعة عن أتباعه، مؤكداً أن هدفه الأسمى هو «أستاذية» العالم، أيّ إقامة الخلافة، ودشن مقولته «الإسلام دين ودنيا»، تحت شعارات تربوية دينية، اعتبرت على نطاق واسع خلطاً غير بريء، وتدنيساً للمقدس على حساب غايات دنيوية بحتة.
رؤوف عباس حامد، وصف هذه الأهداف قائلاً في بحثه «الإخوان المسلمون والإنكليز»: «هي أهداف يلفها الغموض، يستطيع كل طرف أن يفهمها على هواه... ويعكس هذا الموقف الهلامي القدرة التنظيمية التي تمتع بها حسن البنا، فهو يريد لدعوته الانتشار من خلال النشاط الديني، والاجتماعي دون أن يلزم نفسه أو جماعته بموقف سياسي محدد».
البنا (من مواليد عام 1906) جاء من أصول ريفية في محافظة البحيرة شمال غربي القاهرة، ولم يكن في ذهنه في البداية إلا الدعوة باستخدام وسائل سلمية، كان واقعا تحت تأثير صدمة سقوط الخلافة العثمانية، بعدما قرر مصطفى كمال أتاتورك إلغاءها، وإعلان الجمهورية التركية، لذلك عمل البنا على استخدام الدعوة كمحاولة لإحياء الخلافة، وعندما وجد أن وسائل الدعوة صادفت بعض النجاح، لكنه ظل أقل من المأمول في تأسيس دولة إسلامية يحكمها البنا، بدأ في تحويل جماعة «الإخوان المسلمين»، التي تم تأسيسها في الإسماعيلية سنة 1928، من العمل الدعوي إلى العمل المسلح، عبر تشكيل ميليشيات شبه عسكرية، بحسب توصيف المؤرخ الراحل الدكتور رؤوف عباس حامد، بداية من «فرق الرحلات».
وكان البنا، وفقاً للدكتور عبدالعظيم رمضان في كتابه «الإخوان المسلمون والتنظيم السري»، يساير موجة تشكيل الأحزاب الفاشية في إيطاليا وألمانيا لميليشيات مسلحة لقمع المعارضين، وهي تجربة عرفتها مصر على يد حزب مصر «الفتاة»، لكنه زاد فعمل على إعطاء صبغة إسلامية لهذه الميليشيات باستدعاء نماذج من التاريخ، خصوصاً أن مشروع البنا لم تكن له علاقة بقضايا الاستقلال والدستور والتحديث التي شغلت القوى السياسية المدنية القائمة في مصر طوال فترة الثلاثينيات والأربعينيات، بل كان مشروعه في المقام الأول بمنزلة الرد العاطفي على انهيار الخلافة الإسلامية بسقوط الدولة العثمانية سنة 1924م.
من الثابت تاريخياً، أن البنا بدأ بعد نحو 10 سنوات من العمل الدعوي، الانتقال إلى مرحلة أعلى من العمل الميداني، فنقل البنا مقر الجماعة الرئيس من الإسماعيلية إلى القاهرة سنة 1932، وبدأ في الانخراط في أنشطة سياسية منذ يناير 1939، بالتزامن مع إصدار مجلة «النذير» الأسبوعية، لسان حال جماعة «الإخوان»، والتي صدر العدد الأول منها بافتتاحية كتبها البنا ذاته، وتضمنت رؤية الجماعة وخطواتها التالية، وفي تلك الأثناء كانت الجماعة تمارس الإرهاب الفكري والتضييق على رموز الفكر الليبرالي، ما أدى إلى ردة وانخفاض سقف الحريات.
كتب البنا في هذه الوثيقة الخطيرة قائلاً: «... سننتقل من دعوة الكلام حسب، إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال، وسنتوجه بدعوتنا إلى المسؤولين من قادة البلد، وزعمائه، ووزرائه، وكل حكامه، وشيوخه، ونوابه، وأحزابه، وسندعوهم إلى مناهجنا، ونضع بين أيديهم برنامجنا، فإن أجابوا الدعوة... آزرناهم، وإن لجأوا إلى المواربة... فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام، ولا تسير في الطريق لاستعادة كلمة الإسلام ومجد الإسلام، سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة».
وأكد البنا أن التحول من الدعوي إلى السياسي طبيعي، وأنه مجرد «خطوة ثانية في طريقتنا الإسلامية»، محذراً من أن «الجهاد العملي» بعد «الدعوة القولية»، له ثمن، والمتمثل في الاضطهاد، والمضايقات المختلفة، لكن الغريب حقاً تذييل البنا للافتتاحية بإبداء أمل الإخوان في «جلالة الملك المسلم»، في إشارة إلى الملك فاروق، ما يكشف التحالف القوي بين القصر والإخوان في تلك الفترة، خصوصاً أن الملك وحاشيته كانوا أجهزوا على الحياة السياسية، وأطاحوا بحكومة الأغلبية وفرضوا نمطاً فاشياً لقمع المعارضة.
تحالف غير مقدس
التحالف والتعاون بين الإخوان والقصر، والذي رصده بدقة رؤوف عباس حامد في مقاله «الإخوان المسلمون والإنكليز»، لم يكن بعيداً عن أعين قوات الاحتلال البريطاني، التي أحكمت قبضتها على البلاد منذ سنة 1882، وبدأ رجال الإمبراطورية البريطانية في مطلع الأربعينيات فتح قنوات اتصال مع البنا، ولم يكن تحالف الإنكليز مع «الإخوان» شيئا فريدا، بل كان جزءا من سياستها بالتحالف مع القوى الإسلامية في إطار سياسة فرق تسد، وهي السياسة الإنكليزية المتبعة طوال النصف الأول من القرن العشرين.
هذه السياسة الإنكليزية في احتواء الحركات الإسلامية تلاقت مع رغبة الملك فاروق، في تحجيم نفوذ حزب «الوفد»، من خلال الاستعانة بـ»الإخوان»، ونبه تقرير للمخابرات البريطانية في عام 1942 إلى أن «القصر بدأ يرى أن الإخوان مفيدون وأضفى حمايته عليهم»، هنا تلاقت أهداف الاستعمار والقصر، فبدأت بريطانيا جس نبض الإخوان وفتح قنوات اتصال مبكرة مع الجماعة، ووفقاً للمؤرخ الإنكليزي مارك كورتيس في كتابه «التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين»، فإنه بحلول سنة 1942 بدأت بريطانيا في تمويل جماعة «الإخوان» بشكل قاطع.
المصدر الجريدة
http://www.aljarida.com/news/index/...-الدم-والغدر--1---دماء-الباشا-بين-أصابع-البنا
التعديل الأخير: