فتحي تربل
يكتبها حمزة عليان
ولد بعد ثلاث سنوات من استيلاء معمر القذافي على الحكم، أي أن وجود العقيد في الحكم أسبق من ولادته، فهو يبلغ من العمر 39 سنة في حين أن القذافي استمر في الحكم 42 سنة، أي أن هذا الشاب هو أحد أبناء عهد القذافي الذي حصد نصف عائلته بالقتل في مجزرة «سجن أبو سليم.
اليوم في عام 2011 يستقبل العالم المحامي فتحي تربل كأحد المدافعين عن حقوق الإنسان، بعد أن سحبوا القذافي جثة هامدة من أحد مناهيل الصرف الصحي لينقلوه إلى أحد المسالخ خلسة، ويواري الثرى في الصحراء، وفي الحالتين درس وعبرة.
رغم تراجع الاهتمامات بالحدث الليبي بعد أن هدأت المعارك، بقيت أسماء في الواجهة تركت أثراً في مسار الأحداث وتطوراتها، وكان واحداً من هؤلاء ويدعى «فتحي تربل» باعتباره الشرارة التي فجرت «الثورة» وهو أشبه بـ «بوعزيزي في تونس وخالد سعيد في مصر»، لكنه لم ينل شهرة الآخرين، وتركيز الأضواء عليهما، ولذا تم اختياره «وجهاً في الأحداث».
أبطل الأقاويل، التي نسجها البعض عن أسباب استقالته، عندما أدى اليمين الدستورية يوم 4 ديسمبر الجاري، وزيراً للشباب والرياضة، على الرغم من تردده قبول المنصب وعدم تحمس أقاربه وأصدقائه، لأنها وزارة كبيرة ومهمة ضخمة، لكون أغلب سكان ليبيا من الشباب.
ثائر ومحام ووزير، وإن كانت صفة المحاماة تبقى الغالبة والأساس، فالوزارة كانت نوعاًَ من المكافأة على تضحياته التي قدمها للثورة، والحقيقة أن تربل ابن مدينة بنغازي استشعر أن ما يجري في طرابلس الغرب لا يناسب هواه، ولا طموحه، فلم يعرف عنه أنه من أصحاب السلطة والكراسي والصراعات السياسية التي أخذت تعصف بقيادات المجلس الوطني الانتقالي منذ اليوم الأول لإعلان التحرير.
خبر استقالة «الثائر» فتحي تربل اثار ردود فعل تستحق التوقف عندها من قبل مواطنين ليبيين، فهي تعكس صورته عند الشعب كما تعكس حالة القلق والخوف لديهم، وهنا ننقل الآراء وبتصرف.. «تولَّى الوزارة لأنه شاب ولا يشترط أن يكون لاعبا رياضيا، ألا يكفي أنه حقوقي؟!». تعليق آخر «أنت مخلص للبلد ولست مصلحيا، إنك رجل تنتمي إلى القضاء وليس لك أي ارتباط بالشباب والرياضة».. تعليق ثالث «نتمنى على باقي الوزراء ان يستقيلوا لأنهم ليسوا أكفاء».. وايضا، رأي آخر «أربأ بك أنت والسيد الزبير ان تكونا مع الظالمين والمتسلقين».. وآخرهم يقول «نريد كفاءة وطنية، للاسف لا أرى وطنية عند تربل عندما يقول لطائفة من المجتمع الليبي وهم الأمازيغ: من أنتم؟ سنقاتلكم!».
في حديث له لإذاعة هولندا العالمية لم يكن يتوقع انه سيكون السبب في تفجير ثورة السابع عشر من فبراير، عندما تم اعتقاله قبل يومين، وان كان على يقين بأن أهالي الضحايا لن يتركوه، واقتيد إلى مقر عبدالله السنوسي رئيس جهاز المخابرات، لتدور معه مفاوضات مضنية من اجل ايقاف تظاهرات يوم 17 فبراير مقابل دفع التعويضات عن مقتل أكثر من ألف سجين في سجن أبوسليم في يونيو 1996.
قاد خمس جولات من المفاوضات مع أركان نظام القذافي بصفته محامي أهالي ضحايا سجن أبوسليم والرابطة التي شكلت لهذا الغرض، بقي ثابتا على موقفه بمعرفة من المسؤول عن المذبحة ومعرفة الحقيقة بتشكيل لجنة تحقيق وبدفع تعويضات كافية.
تعرض للاعتقال عام 1989 بصحبة شقيقيه وصهره وابن عمه، ثم تكرر الاعتقال سبع مرات، وفي جريمة سجن أبوسليم فقد شقيقه وزوج أخته وابن عمه، وطوال فترات الاعتقال كان يودع في السجن من دون التحقيق معه ثم يفرج عنه.
هوجم من قبل شخص جنده نظام القذافي، بواسطة ساطور أحدث جرحا في رأسه، وعندما اختير مسؤول قطاع الشباب ومؤسسات المجتمع المدني في المجلس البلدي لمدينة بنغازي اثر سقوط كتائب القذافي هناك، اعلن عدم ملاحقة الشخص الذي اقدم على ضربه، رافضا ان تتحول الثورة إلى انتقام وثارات شخصية، كل ما يطلبه هو ان يروي للرأي العام كيف غُرر به من قبل النظام.
«بطل» الثورة الليبية، هكذا يعرّفون به، بعد أن شكّل اعتقاله الشرارة الأولى التي أشعلت الانتفاضات الشعبية، ونقطة التحول في حياته، بدأت عندما أمسك ملف مجزرة سجن أبو سليم عام 1996، والتي أدت إلى مقتل أكثر من ألف سجين خلال ثلاث ساعات، وفق تقارير منظمات حقوق الإنسان.
يروي في لقاء له مع الصحافيين، يوم 15 فبراير «جاءه عشرون عنصراً من الأمن مدججون بالسلاح إلى منزله لإيقافه، وانتشر الخير بين عائلات الضحايا التي قررت التظاهر للإفراج عنه، اقتادوه إلى عبدالله السنوسي، الذي كان موجوداً في بنغازي، أدرك أنه يريد منه منع التظاهرة، عرض عليه أن يخرج من الاعتقال، فأجابه «لا أريد أن أجعل منك بطلاً»!
اختارته مجلة «فوربس بوليسي» ضمن قائمة أفضل 100 شخصية لعام 2011 مؤثرة على مستوى العالم، ومنح جائزة لحقوق الإنسان من الاتحاد الأوروبي، كان من المقرر تسلمها الأسبوع الماضي، وبذلك أصبح اسمه مضافاً إلى أسماء علاء الأسواني ووائل غنيم وعلي فرزات وتوكل كرمان وغيرهم من الشخصيات التي ساهمت في إنتاج هذا الربيع العربي.
الليبيون يؤرخون للثورة بيوم التجمع الحاشد في بنغازي للإفراج عن المحامي فتحي تربل يوم 15 فبراير 2011، محامي أسر ضحايا معتقل أبو سليم، فنقيب الصحافيين الليبيين محمود اليوسفي يسرد قصة الثورة في حديث له مع «الشرق الأوسط» إنه «مرت أيام والشهداء يتساقطون في بنغازي والبيضاء ودرنة والشحات والمرج، والتلفزيون لا يبث سوى أغان وأناشيد، وكان التساؤل في حينه، لماذا الصمت عما يحدث لمدة خمسة أيام كاملة، إلى أن انفتحت نار جهنم على النظام»؟
شهادة أخرى من أهل البيت، وهذه المرة من عبدالحفيظ غوقة، نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي، يدلي بها إلى «الأهرام»، يقول «كانت عائلات سجن أبوسليم تخرج في وقفة احتجاجية كل يوم سبت أمام محكمة شمال بنغازي، التي تنظر فيها الدعاوى، إلى أن صدر الحكم لمصلحة العائلات بإلزام الدولة بالكشف عن مصير ألف ومائتي أسير، لم يعرف حياتهم من مماتهم داخل السجن، وهذه كانت إرهاصات الثورة، وبعد القبض على فتحي خرج الأهالي للمطالبة بالإفراج عنه، وتم ذلك يوم 15 فبراير، وشهد هذا اليوم تظاهرات تطالب بإسقاط النظام».
أمنيته أن يتم اعتقال القذافي حياً، وأن يجلب أمام القضاء لينال محاكمة عادلة، وبعد أن قال جملته تلك أشار إلى عنقه موحياً بالمصير الذي سيلقاه القذافي. لكن أمنيته تلك أفسدها عليه مجموعة من المسلحين الذين أنهوا حياة القذافي بطلقات من الرصاص أوصلته إلى القبر.
وقف يوم الثالث من ديسمبر الجاري في حفل عشاء أقيم على شرفة في مجلس الشيوخ الإيطالي مكرماً بعد أن تسلم الجائزة الأوروبية في حفل نظمته الجهات الحقوقية هناك، معتبراً أن فوزه بهذه الجائزة «تتويج لأكبر قضية حقوقية في تاريخ الشعب الليبي ولأسر الضحايا الذين قرروا انتزاع حقوقهم وكشف حقيقة نظام القذافي، وانتصاراً كبيراً لجميع أبناء شعبه بعد سنوات التسلط والقهر».
وهذه الجائزة تمنح لأحد المدافعين عن حقوق الإنسان، تأسست عام 1984، في مدينة بوردو الفرنسية.
سجن بوسليم
احد اشهر السجون الليبية، وتعود تسميته الى اسم منطقة بوسليم التي يوجد فيها، وهي تقع الى الغرب من العاصمة الليبية طرابلس.
افتتح السجن عام 1984كمعسكر للشرطة العسكرية على مساحة تقدر بــ30 هكتارا، لكن مع ازدياد اعداد السجناء السياسيين اصبح يستخدم كمعتقل ايضا لسجناء الرأي والسياسة.
وخلافا لبقية السجون، لا سلطة لوزارة العدل الليبية على سجن بو سليم، الذي يتولى الامن الداخلي الاشراف عليه والمسؤولية عنه، وهو ما يشكل مخالفة للقانون الليبي الذي يعطي الوصاية عن السجون لوزارة العدل.
شهد اكبر مجزرة ضد الانسانية في تاريخ ليبيا، حيث تم اعدام اكثر من 1200 سجين دفعة واحدة، خلال ثلاث ساعات عام 1996، اشرف عليها رئيس المخابرات في عهد معمر القذافي العقيد عبدالله السنوسي.
السيرة الذاتية
- فتحي تربل.
- مواليد 1972ـ بنغازي.
- مارس مهنة المحاماة واتخذ مكتبا له في بنغازي.
- اعتقل سبع مرات منذ كان طالبا في عهد معمر القذافي.
- قاد تظاهرات اسبوعية في مدينة بنغازي تطالب بالكشف عن مصير شقيقيه فرج واسماعيل تربل المعتقلين منذ عام 1989 ورفاقهما.
- اختير ليكون مسؤولا عن قطاع الشباب والرياضة في بنغازي منذ بدء الانتفاضة.
- ترأس رابطة اهالي ضحايا سجن ابو سليم منذ عام 1996.
- عين عضوا في المجلس الوطني الانتقالي الذي تشكل يوم 2011/2/27.
- عين وزيرا للشباب والرياضة في حكومة عبدالرحيم الكيب المؤقتة يوم 22 نوفمبر 2011.
- منح جائزة «لودفيك تريو» الدولية من مدينة بروكسل في بلجيكا.
مقتل "طبيب الثورة" السورية بطلق ناري أثناء محاولته الهروب من البلاد
Sat, 12/10/2011 - 23:00
أعلنت مصادر سورية عن مقتل الطبيب إبراهيم نائل عثمان، أحد أهم الأطباء العاملين في تأمين المواد والأجهزة الطبية للمشافي الميدانية، ومؤسس تنسيقة أطباء دمشق أمس السبت، إثر تعرضه لإطلاق رصاص من قبل قوات الأمن على الحدود السورية التركية.
وذكرت لجان التنسيق المحلية أن المخابرات الجوية أطلقت النار على إبراهيم أثناء محاولته الفرار من البلاد، بعد ملاحقة أمنية تعرض لها بسبب تصريحاته الإعلامية والتنسيق بين الأطباء الذين أنشأوا مشافي ميدانية لعلاج الجرحى من المظاهرات.
ولقي إبراهيم، الذي وصفته لجان التنسيق المحلية بـ"طبيب الثورة" مصرعه في قرية خربة الجوز على الحدود التركية التي حاول الفرار إليها.
وذكرت صفحة "الثورة السورية ضد بشار الأسد" على موقع "فيس بوك" أن الدكتور إبراهيم نائل عثمان، الذي وصفته بأنه "بطل من أبطال الثورة ورمز من رموزها"، شارك في إنشاء الكثير من المشافي الميدانية في دمشق وريفها، وأوقف دوامه في قسم الجراحة العظمية بجامعة دمشق، لتفرغه لعلاج الجرحى إلى أن اعتقل زملاءه وأصبح مطلوبا بشدة من قبل رجال الأمن مما اضطره لمحاولة الهرب.
وكان الطبيب إبراهيم الذي يتحدر من مدينة حماة قد تحدث في تصريحات سابقة لـ"العربية.نت" قبل أشهر عن "الجرائم" التي يتعرض لها الجرحى من المتظاهرين على أيدي قوات الأمن.
فضح جرائم النظام السوري
وقال إبراهيم عثمان الذي طلب من "العربية.نت" أن تنشر تصريحاته تحت مسمى خالد الحكيم بسبب الخطورة الأمنية آنذاك، إن قوات الأمن السورية لا تكتفي بإطلاق النار على المحتجين، بل تلاحق الجرحى والمصابين إلى المشافي وتعتدي عليهم بالضرب وتقتل البعض الآخر، وهو ما دفع طواقم طبية سورية إلى التطوع لمعالجة الجرحى وإنشاء مشافي ميدانية.
وأضاف إبراهيم في اتصال سابق هاتفي مع "العربية.نت"، أن أطباء ومسعفين متطوعين بدأوا بتجهيز غرف عمليات في بعض الأماكن الساخنة، لكن عمليات الإسعاف تفتقر لمعدات ضرورية يستحيل الحصول عليها، وكذلك لأدوية ضرورية لعلاج الجرحى.
كما أكد أن أحداً من الذين أرسلوا إلى المشافي الحكومية في منطقته لم يسلم من الاعتقال، أو القتل تحت إشراف قوات الأمن. ما اضطرهم لمعالجة الجرحى سراً في مشافي خاصة، أو إنشاء مستشفيات ميدانية بعيداً عن أعين الأمن والسلطات السورية.
وعن فكرة علاج الجرحى جراء إطلاق النار من قبل قوات الأمن، أوضح الطبيب، أنهم قاموا في البداية بجمع المواد الطبية بشكل شخصي من المنازل والعيادات الخاصة.
وأضاف المتحدث باسم تنسيقية أطباء دمشق، أنهم قاموا بتنظيم أنفسهم بين الأرياف الساخنة كل يوم جمعة، لعلمهم أن الجرحى من المتظاهرين لا يجرؤون على الذهاب للمشافي الحكومية، خشية سوء المعاملة، أو التحقيق معهم تحت الضرب أو التصفية، حسب تعبيره.