لجريدة تنكأ جراح القضاء الكويتي (2)
قُضاة لـ الجريدة : الحكومة لا تلبي سوى طلبات المهدّدين بالاعتصام والإضراب وتعودت السكوت من القضاء!
الجهاز القضائي بحاجة إلى تبديل كل أجزائه وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب
حسين العبد الله
تفتح الجريدة ملف القضاء الكويتي وتستعرض هموم وقضايا رجاله بهدف تسليط الضوء على ما يعانيه القضاء الكويتي من إهمال من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية وفي الحلقة الثانية يتحدث عدد من القضاة عن همومهم للجريدة وتحاور الجريدة المستشار السابق في محكمتي التمييز والدستورية د. محمد عبد الله.
أكد عدد من القضاة أن الحكومة تتجاوب دائما مع الموظفين المهددين بالاعتصام والاضراب لتحقيق مطالبهم فيما تعودت السكوت من القضاء وطالبوا بسرعة اقرار المشاريع القضائية وقانون السلطة القضائية.
من أين نبدأ الحكاية ؟ وبأي صورة تودون لنا سردها، فلم يعد السكوت هو العلاج الناجع، فالأمر بات يطال «الحكم والفيصل» في كل النزاعات، ولم يعد الأمر مجرد أصوات تنادي بالتعديل أو التطوير، بل امتد الامر إلى لجوء أكثر من 100 قاضٍ ووكيل نيابة إلى القضاء للمطالبة بحقوقهم المالية، وهو ما يمثل سابقة قضائية، كان سببها إهمال السلطة التنفيذية مطالب السلطة القضائية لسنوات عدة، للمطالبة بتحقيق مطالب السلطة القضائية، وكان آخرها مشروع زيادة رواتب القضاة الذي قدمه المجلس الأعلى للقضاء في نهاية يونيو الماضي إلى مجلس الوزراء، لكنه لم يحظَ بالموافقة بسبب إحالته إلى اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء للدراسة، وانتهى الأمر إلى وجود تطمينات حكومية بمناقشة مجلس الوزراء المشروع قريباً، على الرغم من عدم رغبة المصادر بتحديد الموعد من أجل مناقشة مجلس الوزراء للمشروع.
اهتمام
ولا يمكن وصف الحال التي يعيشها القضاء الكويتي سوى «بالمحبطة والمخيفة»، فالأمر الذي يدعو إلى الإحباط يتمثل في عدم وجود اهتمام حقيقي تحظى به المرافق القضائية، بسبب بيروقرطية العمل الحكومي ونظرة المسؤولين في الدولة على أن القضاء يعد إحدى إدارات وزارة العدل، بينما الوضع يبدو مخيفا على حال القضاء الكويتي بسبب الإهمال في تلبية احتياجات الجهاز القضائي ومطالبه التي كانت تُطلق منذ 10 أعوام على الأقل، فلا أعضاء الجهاز لديهم مكاتب ولا المرافق الموجودة باتت مؤهلة لكي يطلق عليها اسم المحاكم، ولا امتيازات تُمنح للقضاة وأعضاء النيابة تتلاءم مدع طبيعة العمل التي يقومون بها، وفي المقابل هناك من الوظائف التي لا يقوم أعضاؤها بنصف الجهد الذي يبذله أعضاء السلطة القضائية، ويتم منحهم من الامتيازات بسبب طبيعة عملهم.
اهمال
لا يمكن مجازاة القضاء بمزيد من الإهمال، فالأمر يتطلب وضع الجهاز تحت مجهر الثواب والعقاب، بمنحه ما يريد ومحاسبته كما يجب، لا ترك الحبل على الغارب بهذه الصورة، فوضع الجهاز القضائي بدءا بالقبول ومرورا بالترقية والتفتيش وتهيئة مناخ العمل وتلبية الاحتياجات، بحاجة إلى تبديل في كل قطعه وأجزائه، وهذا التبديل لن يتم تحقيقه إلا بإطلاق يدي القضاء من إشراف وزارة العدل إداريا وماليا، وتطوير جهاز التفتيش القضائي الحالي، ودراسة الحال القضائي الحالي وإيجاد قضاء متطور لا تعيقه المادة ولا القرار الإداري، يحلق في سماء الإبداع والتألق ويتباهى بين الأجهزة القضائية الاخرى من المزايا الممنوحة له، والتي تجعله يعمل بلا ملل همّه العمل والعمل، لذلك متى سيرتاح القاضي الكويتي؟
حلم
يقول عدد من القضاة في حديث لـ«الجريدة»، إن مشكلة القضاء تتمثل في عدم تجاوب السلطة التنفيذية مع المشاريع القضائية، فمثلا هناك حلم يراود عددا من مستشاري محكمة الاستئناف، وهو نادي القضاة، وهذا المشروع كان يقال لهم إنه في طور الإنجاز وهم يعملون كوكلاء في النيابة العامة وهي فترة تجاوز الـ15 عاما، وأشاروا إلى أن القضاء الكويتي تعوّد منذ نشأته ألا يطلب وتُلبى له احتياجاته، لكن في السنوات الماضية أثبت الواقع أن الحكومة تلبي طلبات المنادين والمهددين بالاعتصام والإضراب وهو أمر لا يمكن للقضاء التفكير به، كما لا يمكن السكوت على الحقوق التي يتعين أن توفرها الدولة لرجال القضاء.
التعليم
ويضيف القضاة «هناك من القضايا التي يتعين إنجازها سواء بصدور قانون أو حتى إنجازها من قبل مجلس الوزراء كقرارات، وهي امور تخص أمر السكن لرجال القضاء والتعليم لابنائهم والتفرغ الدراسي والعلاج بالخارج ومنح العلاوات اللازمة التي تناسب الأعمال الموكولة إليهم، وعدم التأخر في صرف المكافآت الخاصة بهم، لافتين إلى أن مكافآت رجال القضاء بسبب إشرافهم للانتخابات التكميلية للمجلس البلدي لم يتم صرفها حتى الآن، كما لم يقرر مجلس الوزراء الأمور المالية الخاصة بالمستشارين رؤساء لجان صندوق المعسرين.
طبيعة
ويبين القضاة أن المرافق الموجودة لا تتناسب مع طبيعة العمل القضائي، مبينين أن مجمع المحاكم في الرقعي لا يصلح لأن يكون مرفقا قضائيا، ووزارة العدل قامت أخيراً بتجديد العقد مضطرة بقيمة إضافية، وكان بمقدورها بناء محاكم من دون اتباع سياسة التأجير، وأن آخر المباني التي تم إنجازها هو مبنى محكمة الأحمدي، وأن على السلطة التنفيذية الإسراع في تنفيذ المشاريع القضائية، لأن المرافق الحالية غير كافية ولا تلبي احتياجات القضاء.
إلحاح
ويشير القضاة إلى أن المجلس الاعلى للقضاء يقوم بمخاطبة وزارة العدل في أكثر من مشروع قضائي، وبعد إلحاح تتم الموافقة عليه، على الرغم من أن إشراف السلطة التنفيذية على الأمور المالية والإدارية كان بهدف عدم إشغال الجهاز القضائي، لكن ما يحدث ليس تنظيما إنما تعطيل للمشاريع والأمنيات والاقتراحات القضائية.
ويقول القضاة إن وجود أمانة عامة للقضاء حسبما يقرها مشروع القانون الذي يتطلب على الحكومة والمجلس دعمه، ستحدث سرعة في اتخاذ القرارات المهمة للجهاز القضائي من تطويره، وتلبية احتياجاته وتوفير المرافق القضائية المناسبة سواء بالبناء أو التأجير إلى حين الانتهاء من البناء بدلا من الاعتماد على سلسلة الإجراءات الطويلة، والتي لا تنتهي بالإنجاز إلا بعد سنوات طويلة وهو أمر لا يمكن قبوله.
اختصموا الحكومة لعدم تحقيقها مطالبهم العادلة عندما يشكو القضاة !
للقضاة مطالبهم واحتياجاتهم أيضاً
إعداد: مبارك العبدالله
للقضاء احترامه وكلمته الحاسمة، ومكانته الجليلة في المجتمع، باعتباره ملاذ المظلوم من جور الظالم.
لكن السؤال الفارق هنا هو: ماذا يفعل القاضي اذا شعر بشيء من الظلم؟ ولمن يلجأ القضاة لتحقيق مطالبهم العادلة؟!
ويبدو أن قيام عدد من وكلاء النيابة أخيرا برفع دعويين امام محكمة التمييز باسم «دعوى رجال القضاء» يشكل اجابة عن بعض هذه الاسئلة.
فالقضاة بشر، ولهم كغيرهم من موظفي الدولة احتياجاتهم وطلباتهم من زيادة رواتب واجور، وما يوفر لهم ولأسرهم حياة كريمة من ضمان صحي وتعليمي للابناء وغير ذلك من مميزات يحصل عليها موظفون آخرون في وزارات الدولة.
والدعاوى التي رفعها القضاة لم تأت من فراغ، فهم في الحقيقة تعودوا ان يشتكي الناس اليهم، لذلك لم يفكروا يوما في ان يشتكوا الى الآخرين، ومعنى انهم اشتكوا هو انه ضاقت بهم السبل وصبروا طويلا على الحكومة التي دائما تعدهم خيرا من دون جدوى.
الحكومة هي التي اوصلت القضاة الى ان يشتكوا ضدها ويختصموها امام القضاء، وهناك تساؤلات قضائية وغضب شديد على الحكومة لعدم قدرتها على توفير متطلبات رجال القضاء الكويتيين الذين يبلغ اجمالي عددهم 400 شخص فقط! فهل يعقل ألا تقدر على تلبية مطالبهم؟ ثم هل نحتاج لاقرار الحقوق الى تظاهرات واعتصامات امام الوزارات وهو ما يستطيع القضاة القيام به مهما كانت حالتهم؟
وتبقى تساؤلات عديدة يطرحها اهل القضاء الذين لا نعرف عنهم وعن معاناتهم سوى انهم يسهرون الليل ولا يرتاحون بالنهار من اجل انصاف الحق وارجاعه لاهله، كما انهم يعملون في الفترة الصباحية واحيانا في المسائية لانهاء الكم الهائل من القضايا التي تزداد يوما بعد آخر.
«القبس» بدورها اجرت استطلاعا عن الوضع الذي اوصل القضاة الى الشكوى امام القضاء لاخذ حقوقهم من الحكومة، وما السبب في هذه الحادثة التي تعتبر الاولى من نوعها في تاريخ القضاء؟
في البداية أكد مصدر قضائي رفيع المستوى لـ«القبس» ان الآلية الدستورية والقانونية والحضارية هي ان يحصل كل صاحب حق على حقه وفي النهاية يصبح القضاء هو المرجعية لكل الخلافات.
عمل حضاري
وأضاف: انا اعتز بلجوء رجال القضاء الى هذا الطريق، فهو عمل حضاري غير الطريق النقابي الذي يلجأ فيه الموظفون الى الاضرابات والاعتصامات.
وأشار الى ان القضاء لن يحابي رجاله الا بالحق لأنهم في السلطة ذاتها، مستذكرا قول الامام علي «انت صديقي والحق صديقي، وان اختلفنا فأنا مع الحق دائما»، موضحا في الوقت نفسه ان هناك قضاة خسروا قضاياهم وفي النهاية لا يصح الا الصحيح.
وبين ان القضاء ملاذ للجميع، وليس معنى ان يكون الانسان قاضيا هو انه ممنوع من استخدام الادوات الدستورية وبالتالي لا يحصل على حقوقه.
واشار إلى أن هذه الدعاوى التي رفعت ومن المقرر ان تلحقها دعاوى اخرى، تعبر عن رسالة مؤثرة تدل على معاناتهم وصرختهم، متسائلا: هل يسمعها القضاة او الآخرون؟ انها متروكة لكل صاحب شأن!
وأوضح ان القضاء قدوة للآخرين وحكما للناس يهتدون لحكمة ونطقه واتخاذ هذه الخطوة المتمثلة في رفع دعاوى قانونية يأتي انسجاما مع الواقع.
واستطرد قائلا: القول المعهود دائما هو ان القاضي لا يطلب، وهو الآن طلب لانه مواطن يسري عليه ما يسري على الآخرين.
وخلص الى ان المشرع عالج حقوق القاضي وأنشأ لها دائرة بالتمييز تصدر حكما واحدا وحيدا لا معقب عليه، موضحا ان ذلك يعتبر رقيا للتعامل مع القاضي.
تجاهل حكومي
من جهته تساءل مصدر قضائي عن الوضع الحكومي الذي لم يلتفت الى الكتاب الذي ارسله رئيس المجلس الاعلى للقضاء المستشار راشد الحماد عن طريق وزير العدل الى الحكومة ليتم تباحث الوضع القضائي من زيادة رواتب وامور اخرى هم بحاجة إليها!
وأضاف: هل يعقل ان الحكومة لا تستطيع توفير متطلبات القضاة، خصوصا ان عددهم بسيط جدا!؟ مشيرا الى ان القضاة ماوصلوا الى ذلك الا عندما شعروا بالظلم.
وتابع: القاضي بحاجة الى تفرغ تام وراحة في التفكير ليتم التركيز فقط على ما امامه، موضحا انه من غير المعقول ان يترافع محام امام القاضي في قضية واحدة ويكون مردودها المادي اعلى بكثير من راتب القاضي الذي يجلس شهرا كاملا دون رؤية اهله، متسائلا: هل هذا يتمثل في احترام السلطة القضائية؟!
وقال: على سبيل المثال لو نظرنا الى قضايا المرور والاحوال الشخصية والتجارية والمدنية نجد ان عددها اكثر من مليون قضية في السنة الواحدة، وفي المقابل لو نظرنا الى عدد القضاة الذين ينظرون الى هذا الكم الهائل فهم لا يتعدون في الواقع 188 مستشارا في محكمة اول درجة، فهم يتعبون ويعملون على مدار فترتين صباحية ومسائية.
أصحاب أولوية
وبدوره، علق استاذ القانون في جامعة الكويت المحامي د. فايز الظفيري على الموضوع قائلا: ان المسألة لا تتعلق بالعدد وانما بوضع هذه الطائفة، ولو تتبعنا طريقة معاملتهم على مر العصور، نجد انه من الضروري دعم القضاة ماليا حتى لا ينشغلوا بطلب الرزق وليشعروا بالامان في عيشهم، خصوصا انهم ممنوعون من مزاولة التجارة.
واضاف: هذا الهاجس الذي يشغل القضاة لا بد من تحقيقه، فهم اصحاب الاولوية في المجتمع على اعتبار ان سلامة القضاء امان للامة، ويتطلب توفير الجو الهادئ والمطمئن على مستقبلهم واسرهم.
واشار الى ان على الحكومة ان تلتفت الى احوال القضاة وان تدعمهم، خصوصا من الناحية المادية، وخصوصا سلك النيابة الذي يعلم القاصي والداني مدى الضغط المعنوي والعمل المزدحم الذي يعاني منه اعضاء سلك النيابة العامة ورجال القضاء في المحاكم واخص منهم قضاة محاكم اول درجة، فهم في امس الحاجة. الى دفع عازتهم وتوفير امنهم المعيشي، اذ انهم من اكثر الفئات الموكول لها الفصل في القضايا.
واستطرد: عندما ندعو الى زيادة المرتبات المالية للقضاة، فذلك ليس من باب كسب الود، وانما هي من باب سد عازتهم وعدم انشغالهم الا بالقضاء، وهو المهمة الموكولة لهم ليتحقق لنا مصلحة عليا متمثلة في توفير بيئة صحية ومناسبة لرجل القضاء.
ودعا الى الاخذ بكل مطالب القضاة على محمل الجد، اذ لا يعقل ان نشاهد وكيل نيابة او رجل قضاء يحاول ان يرسل احدا من اقربائه من الدرجة الاولى كابنه او زوجته او والدته الى الخارج من اجل العلاج من خلال طرق ابواب اعضاء مجلس الامة، او بالاتصال باعضاء السلطة التنفيذية.
وبين ان الوضع الحالي جاء بعد ان وصلت الامور الى طريق مسدود، فالحكومة لا تريد ان تنصت لمعاناتهم فماذا نريدهم ان يفعلوا! هل يقدمون استقالاتهم بسبب الحرج في ان يخاصموا من اجل نيل الحق؟!
الحكومة مقصرة
اما امين سر جمعية المحامين مشعل النمش فعلق قائلا: حق التقاضي مكفول للجميع وفقا للدستور، وهو نص لا يحتاج الى تفسير اكثر.
واضاف: هناك قصور في نظرة الحكومة الى القضاء بالكامل، ونحن نتحدث عن وكلاء نيابة ومستشاري اول درجة والاستئناف.
وتابع: اليوم كل الموظفين في الدولة لهم قضايا، ويطالبون بها عن طريق اعتصامات واضرابات، لكن القاضي له «برستيج» يجب ان نحافظ عليه، لأنه الملاذ الاخير لجميع الناس.
واشار الى انه من الضروري ان يتوفر للقضاة ما يحتاجونه، دون ان يطلبوا، موضحا ان بعض المسؤولين وضعهم المادي افضل بكثير من القضاة، كما ان هناك امرا خطيرا يتمثل في ان بعض القضاة يضطرون الى اللجوء للعمل في بعض الوزارات عن طريق انتدابهم.
واكمل: بالتأكيد فإن الحكومة مقصرة في نظرتها الى حقوق القضاة ومتطلباتهم، فاليوم نجد ان بعض الشركات الخاصة تعطي موظفيها مميزات كعلاج ودراسة للابناء ومميزات مالية لا تتوافر للقضاة.
وزاد: من الضروري ان يتمتع القضاء باستقلال اداري ومالي، ففي يوم من الايام كان القضاء يطالب اعضاء مجلس الامة باقرار حقوقه، واليوم يخاصم الحكومة، وهذا خطأ كبير، لأن مجلس القضاء سلطة مستقلة، ويجب ان يتمتع بالاستقلالية التامة في كل شيء.
وانتهى الى قوله: على الحكومة ألا تبخل عليهم ولتعطهم مميزات كضمان صحي ودراسة ابناء، واقرار بدل خفارة وغيرها، مما يتمتع بها اغلب الموظفين في الدولة، مشيرا الى ان ذلك ليس منّة وانما مطلب ضروري وحق شرعي، فراحة القاضي تبعده عن الضغوط النفسية، وهذا ما يجب السعي اليه.
انتقاد الحريتي
انتقدت مصادر قضائية وزير العدل المستشار حسين الحريتي ما يبذله من جهد لتحقيق متطلباتهم، وقالوا: نعم صرح كثيرا بأنه سعى وسيسعى، لكننا لم نر منه شيئا، وأضافوا: فليطلعنا الحريتي الآن على اسباب تعطيل مشروع زيادة رواتب القضاة؟
رسالة راقية
أشاد مسؤول قضائي بما سلكه رجال القضاء، مشيرا الى انه جاء وفقا للقانون، موضحا في الوقت نفسه ان هذه الدعاوى تعتبر رسالة راقية لمن يهمه الشأن، مضيفا: انا فرحت لانهم لجأوا الى هذه الوسيلة، لان ما يغفر لغيرنا لا يغفر لنا.
لسنا موظفين بل مؤتمنون على الرقاب والأموال} المستشار المرشد لـ القبس : الحكومة تريد تحويل القضاء إلى إدارة خدمات
كتب مبارك العبدالله:
تصاعدت ازمة مطالبات القضاة ووكلاء النيابة بحقوقهم بعد رفضهم حضور اللقاء الذي دعا اليه وزير العدل ووزير الاوقاف والشؤون الاسلامية حسين الحريتي، والذي كان مقرراً عقده اليوم، وساد التذمر الاوساط القضائية لعدم التحرك الجاد لبحث مشكلاتهم.
وفي اول تصريح صحفي، عقب رفع القضاة ووكلاء النيابة دعاوى ضد الجهات الحكومية المختصة لاقرار مطالبهم، اكد رئيس محكمة الاستئناف وعضو المجلس الاعلى للقضاء المستشار فيصل المرشد ل«القبس» ان الحكومة - في ما يبدو - تريد تحويل السلك القضائي الى ادارة خدمات.
وشدد المرشد على ان القضاة مؤتمنون على الارواح والاموال، ومن غير المنطقي هضم حقوقهم والانتقاص من قدرهم، الامر الذي اضطرهم الى رفع قضايا، متسائلاً {كيف نحقق العدالة اذا كنا نعاني الظلم وعدم الاهتمام بشؤوننا؟ وكيف تقر الحكومة كادراً للاطباء وغيرهم فيما تهمل مطالب حرّاس العدالة؟}.
واشار الى ان اغلب الدول العربية الاخرى تولي قضاتها اهتماماً كبيراً على عكس الحاصل في الكويت، مبدياً تخوفه من ان تكون الجهات المختصة تعتبر القضاة مجرد موظفين، مما يعني انتقاصاً كبيرا من قدر الذين أسماهم الدستور بـ {المشرّعين}.
القبس في أروقة نيابة الجهراء: لا مواقف.. ولا مصاعد.. والروائح الكريهة تزكم الأنوف!
• زحمة المواقف
كتب مبارك العبدالله:
كثيرة هي المباني التي قد تصلح للسكن في البلاد، لكنها لا تصلح لأن تكون مقرا لجهة عمل حكومية.
أما البناية التي تقبع فيها نيابة الجهراء فهي لا تصلح لا للسكن ولا لتكون مقراً لجهاز قضائي له هيبته واهميته.
ولمبنى نيابة الجهراء قصة تكشفت لـ «القبس» خلال جولتها في اروقته.
اذ تشير المعلومات الى ان المبنى تم تأجيره من عضو مجلس امة سابق عندما كان نائبا في المجلس عام 1993، وهو من سكان الجهراء، وحتى الآن لا تزال الحكومة ممثلة بوزارة العدل تجدد عقد ايجار هذا المبنى على الرغم من ترديه وكثرة الشكاوى عليه من قبل اعضاء النيابة وكل العاملين فيه.
لكن المشكلة لا تتوقف عند احتمالات المنفعة واسناد المناقصة الى نائب سابق بل تتعدى ذلك، فقد بعثت ادارة الخدمات التابعة لوزارة العدل بكتب عديدة على مدار سنوات ماضية تؤكد ان هذا المبنى بالكامل غير صالح للسكن، الا ان وزارة العدل لم تحرك ساكناً.
محلولة
مصدر مطلع اكد لـ «القبس» ان الاجراء الوحيد الذي كانت تتخذه الوزارة بعد مراسلتها هو ان يأتي مسؤولون من بينهم وكلاء مساعدون في الوزارة ويطلعوا على المبنى من الداخل والخارج ويعدوا خيراً مرددين «ان شاء الله محلولة».
ويؤكد المصدر ان وعود المسؤولين سرعان ما تتبخر بعد عودتهم الى مكاتبهم، مشيرا الى ان هذه الوعود اصبحت متكررة على مدى سنوات عديدة.
«القبس» خلال جولتها في المبنى الذي لا يليق اصلا بمكانة رجال القضاء، تلمست ما يشبه الكارثة.. ففي البداية يستحيل عليك ان تحصل على موقف لسيارتك، فأمام النيابة شارع مغلق من الازدحام بالإضافة الى ساحة ترابية لاتجد فيها موقفا، فتضطر للجوء الى مكان بعيد حتى تجد موقفا.
المصعد
وبعد ان تنتهي مشكلة الموقف ودخول البناية من الباب الضيق ستقف لفترة طويلة امام المصعد، لكنك ستفاجأ بانه لايعمل الا صوته، واذا التفت يمينا ستجد «النظارة» الخاصة بالمتهمين التي لا تكفي لـ5 اشخاص. لا مفر من الصعود عن طريق الدرج، حيث تتعدد المناظر المريبة من مكاتب ضيقة وجدران متقشفة، ولا يبقى الا التشاؤم والتساؤلات التي راحت تطن في رؤوسنا اثناء مرورنا بمكاتب وكلاء النيابة حول كيفية وصول المتهمين الى التحقيق عن طريق الدرج، وحتى اذا كان المصعد صالحا للاستعمال فهو لايتسع الا لشخصين او ثلاثة على الأقل، وبعض القضايا يكون فيها المتهمون اكثر من 10 او 20 شخصا!!
لم تقف المسألة عند هذا الحد، بل ان روائح السجائر في كل مكان تختلط بروائح الحمامات التي لاتطاق نهائيا، رغم اشارة البعض الى انها ضفيفة حاليا في الشتاء، فيما تزداد في الصيف الذي لا يعمل خلاله التكييف.
قد يكون الوصف صعبا، لكن الصعوبة الأكبر هي الحالة النفسية للجهاز القضائي الذي لايجد الراحة النفسية في التحقيق مع المتهمين في ظل هذه الاجواء.
نداء لايسمع
اكدت مصادر مطلعة لــ«القبس» ان موضوع بناية نيابة الجهراء وصل الى النائب العام المستشار حامد العثمان، الذي قام بدوره بمخاطبة وزارة العدل وشرح الوضع لها، لكنها لم تلب النداء حتى الآن!
لا مواقف
يضطر وكلاء النيابة البالغ عددهم 16 الى ترك مفاتيح سياراتهم لدى حراس امن العمارة لأن المواقف لاتكفي، حيث يقوم الحارس بتحريك المركبات كلما استلزم الأمر ذلك.
لا قدر الله
اثناء جولتنا في المبنى، لفت نظرنا عدم رؤية مخرج للطوارئ كما نراه في باقي العمارات، وبعد استفسارنا من الأمن عن مكانة قالوا لنا: «مفيش مخرج طوارئ». وهو ما يفتح باب الاسئلة عن مصير من يكون بالداخل في حال حدوث حريق او غيره لا قدر الله.
كتب: حسين العبدالله
تمنى رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس المحكمة الدستورية رئيس محكمة التمييز المستشار يوسف غنام الرشيد من مجلس الأمة سرعة إقرار قانون استقلال السلطة القضائية المعروض على جدول أعماله، وذلك وفق الإجراءات التي رسمها الدستور.
وأضاف الغنام لـ”الجريدة”: “إن قانون استقلال السلطة القضائية سيحل العديد من القضايا التي تعانيها السلطة القضائية، والتي تتطلب تحقيق الاستقلال الإداري والمالي للسلطة”.
وقال الغنام إن مجلس القضاء قدم مشروعين، هما تقاعد رجال القضاء، ومنح أعضاء السلطة القضائية الحق في العلاج بالخارج، مع توفير التأمين الصحي لهم، إلى مجلس الوزراء، وإن مجلس القضاء ينتظر رأي مجلس الوزراء إزاء هذه المشاريع المهمة لأعضاء السلطة القضائية.
وكشف المستشار الغنام عن مطالبة مجلس القضاء مجلس الوزراء بإقرار زيادة رواتب المستشارين والقضاة الوافدين ممن لم تتم زيادتهم في مشروع الزيادة الأخيرة، لافتا إلى أن مجلس الخدمة المدنية وافق على مشروع زيادة رواتب القضاة والمستشارين الوافدين وينتظر إقرار مجلس الوزراء.
وعن تطوير جهاز التفتيش القضائي التابع للمجلس الأعلى للقضاء قال الغنام إن هناك خططا لتطوير أداء التفتيش القضائي، ويعمل القائمون عليه على تحقيقها، لافتا إلى أن القضاء بحاجة إلى دعم السلطتين من أجل إنجاز العديد من قضاياه، ومنها التوسع في المباني والمحاكم ودور العدالة.
وبين الغنام أن الحكومة ليست ملتفتة على مطالب السلطة القضائية، ولم نلتمس منها تحقيق أي مطالب، لافتا إلى أن مشروع نادي القضاة أمضى 30 عاما ولم ينجز حتى الآن، على الرغم من أن الوعود الحكومية كانت بأن المشروع سينجز خلال سنتين، ولكن حتى الآن لم نشاهد أي إنجاز.
وقال إننا نعاني قلة وجود المباني القضائية وضيق مساحة المحاكم الحالية، لافتا إلى أن المباني الحالية للمحاكم لم تسمح لنا بزيادة عدد الدوائر القضائية لاستيعاب عدد القضايا الواردة إلى المحاكم، ونتمنى أن نتلمس جدية من الحكومة في تحقيق مطالب السلطة القضائية.
وأوضح أن المحكمة الدستورية مثلا أو محكمة التمييز لا نجد لها مباني مخصصة، بينما تجد دولا أخرى إمكاناتها أضعف وأفقر من الإمكانات التي تتمتع بها، ولله الحمد، الكويت ولكنها تهتم بالمباني القضائية وبشكل المحاكم الخارجي كالهند مثلا، وتوفير الميزانيات الضخمة لها.
وتمنى الغنام من الحكومة إقرار مشروع المناصب القضائية الذي يتضمن تعيين المستشار فيصل المرشد نائبا لرئيس محكمة التمييز، والمستشار يوسف الشراح رئيسا لمحكمة الاستئناف، ومحمد بوهندي نائبا لرئيس محكمة الاستئناف، مشيدا بإقرار تعيينات أعضاء المحكمة الدستورية الاخير.
وعن أنباء مباشرة النائب العام المستشار حامد العثمان عمله ابتداء من الأول من مارس المقبل قال الغنام: “هذه بشرى سارة لمباشرة أخي المستشار حامد العثمان العمل والأخ بوعبداللطيف رجل ما يتعوض، واعطى الكثير للسلطة القضائية، ونتمنى منه أن يعطي المزيد”.
دخول الحماد البيت الحكومي قد ينهي انتظار 18سنة قانون استقلال القضاء.. هل يعبر هذه المرة
المستشار المرشد لـ القبس: إقراره يحقق ضمانات القضاة.. والظروف السياسية منعت مناقشته سابقا
إعداد: مبارك العبدالله
قد تكون هناك قوانين بحاجة إلى تغيير، وقد يكون هناك تعديلات يحتاج المجتمع إليها للتأكيد على أصل وجود القانون والهدف إرساء العدالة بين الجميع، لكن في الوقت نفسه نجد أن السلطتين التشريعية والتنفيذية مطالبتان وبشدة بالنظر في حقوق ومتطلبات البيت القانوني.. فهناك مطالبات بدأت منذ 18 سنة بإقرار قانون استقلال القضاء ماليا وإداريا.
تقول مصادر قانونية: بحت أصواتنا ولم نر مؤشرا لتعجيل إقرار هذا القانون الذي بقي سنوات طويلة داخل أدراج مجلس الأمة بلا مناقشة. ورغم التفاؤل بدخول رئيس المجلس الأعلى للقضاء السابق المستشار راشد الحماد إلى البيت الحكومي، فانه يجب انتظار الأيام القادمة، فالقضاء بحاجة إلى مثل هذا القانون، للتأكيد على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، وليكون للقضاء ميزانية خاصة كمجلس الأمة والحكومة، وكذلك فإنه من غير المعقول أن يطلب أي قاض إجازة من وزارة العدل، فالقضاء سلطة مستقلة والقضاة ليسوا موظفين تابعين لوزارة كما يتم التعامل معهم بهذه الصورة. وقد يكون وجود المستشار الحماد في الحكومة فألا حسنا للسلطة القضائية لكونه هو الذي كان يطالب ويقدم لوزراء العدل السابقين هذا القانون.
العديد من القانونيين والمقربين من السلطة القضائية طالبوا الحكومة بسرعة إقرار مثل هذا القانون لمصلحة السلطة التي تتمتع بالحيادية ويلجأ إليها أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية في حال نشوب أي خلاف.
يقول عضو المجلس الأعلى للقضاء وعضو المحكمة الدستورية ورئيس محكمة الاستئناف المستشار فيصل المرشد إن قانون استقلال القضاء يقبع في مجلس الأمة منذ عام 1999 وحتى الآن، وان الظروف السياسية بالنسبة لمجلس الأمة ومجلس الوزراء منعت من إقراره.
توافق
واضاف المرشد: كانت هناك تباشير بظهور القانون، والدليل أن اللجنة التشريعية في مجلس الأمة السابق أقرته بالكامل، وعندما جرت مراجعته مع الحكومة كان هناك تعاون كبير في هذا الشأن باستثناء بعض التعديلات، التي لم تمس الجوهر.
وتابع قائلا: كان هناك توافق بيننا نحن المجلس الأعلى للقضاء وبين الحكومة ومجلس الأمة عند الاجتماع معهم في هذا الشأن لمناقشة القانون واهدافه وتطلعاتنا فيه، وقد تجاوبنا مع بعض التعديلات المطروحة، وفعلا تمت الموافقة على ذلك.
وبين ان السبب الذي كان يمنع إقرار قانون استقلال القضاء هو الظروف السياسية نتيجة لتكرار حل المجلس، واستدرك قائلا: لكن حاليا من المتوقع أن يعاد إدراجه وطرحه من جديد على جدول أعمال مجلس الأمة، ومن المتوقع أن يكون حظه أوفر من المرات السابقة لأنه تم إشباعه بحثا.
وتحدث المرشد عن أبعاد القانون وأهدافه، موضحا أن أهمها الاستقلال المالي والإداري والممثل في الميزانية الملحقة بالقضاء، مثل ميزانية مجلس الأمة وباقي الجهات المستقلة، إضافة إلى استقلال القضاء إداريا بإنشاء أمانة عامة تلحق بالمجلس الأعلى للقضاء وتختص بشؤونه.
واستطرد قائلا: أيضا هناك ضمانات مثل صندوق التكافل والضمان الصحي، ونحن نأمل أن يستكمل المجلس دورته وأن يقر هذا القانون، خصوصا مع وجود نائب مجلس الوزراء للشؤون القانونية ووزير العدل والأوقاف المستشار راشد الحماد الذي يعتبر أحد أركان الجسم القضائي، ويعرف ما يحتاجه وينقصه.
وأكمل: أعتقد أن وجود المستشار الحماد مؤشر لاستعجال إقرار القانون، خصوصا مع الموافقة السابقة عليه، فهو مواكب للمراحل التي مر بها المشروع وسيكون دافعا ليرى القانون النور في عهده.
الاستقلال.. والتوازن
وبدوره تطرق المحامي محمد الخالدي إلى مدى تأثير استقلال السلطة القضائية على التوازن بين السلطات داخل الدولة، موضحا أنه «لما كانت السلطة القضائية هي إحدى السلطات في الدولة القانونية وهي الموكل إليها مهمة تحقيق العدل في المجتمع وتطبيق وتفسير القوانين على الحالات التي تعرض أمامها، و من ثم ولكي تقوم بدورها خير قيام فيكون من المسلم به ضرورة تمتعها بالاستقلال عن باقي السلطات في الدولة تمكيناً لها من تحقيق مبدأ المساواة أمام القانون، وأن تباشر أعمالها بحيادية، بما يضمن حسن سير العدالة.
وأوضح الخالدي أن من أهم الضمانات الأساسية لقيام أي مجتمع مدني على أساس مبدأ سيادة واحترام القانون، هو وجود سلطة قضائية مستقلة في عملها عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، بحيث يكون القاضي في ممارسته لوظيفة القضاء حراً ومحايداً في اتخاذ قراره، وهكذا يمكن القول ان الاستقلال والحياد صفتان متلازمتان، فالاستقلال سبيل الحياد والحياد سبيل تحقيق العدالة وإحقاق الحق ورد المظالم.
واضاف قائلا: نقصد باستقلال القضاء استقلاله كمؤسسة أو كسلطة من سلطات الدولة، بحيث يتجسد ذلك إدارياً ومالياً وفنياً في سلطة اتخاذ القرار، وأهم وسيلة لاستقلال القضاء هي إنشاء مجلس للقضاء يهيمن على إدارة شؤون العدالة وشؤون القضاة من حيث التعيين والنقل والعزل، ويتولى تقرير جوانب أولويات الإنفاق والاعتمادات المخصصة للإنفاق دونما أي تدخل من السلطات الأخرى.
وأشار إلى أنه ينبغي توفير مجموعة من الضمانات الأساسية لكي يتحقق ذلك، منها أن يكون هناك نظام قانوني خاص ينظم شؤون الهيئات القضائية ويحدد الطريقة والشروط المطلوبة لتعيين أعضائها، ونقلهم، وترقيتهم ومرتباتهم ومكافآتهم، ويتولى ما تقدم مجلس مشكل من جميع الهيئات القضائية التي يتم تحديدها وفقا لأحكام القانون ويتفرع عما تقدم لزوم أن تكون مرتبات أعضاء الهيئات القضائية كافية، وأن يتحصن أعضاؤها من النقل والعزل، إلا في الحدود وبالكيفية المبينة في القانون، حتى لا يتخذ مما تقدم وسيلة ضغط على القاضي لإثابته أو معاقبته.
وخلص إلى ان استقلال القضاء ليس مقصودا لذاته، بل هو شرط لضمان تحقق العدالة الناجزة، فقد حرصت العديد من الوثائق الدولية والدساتير ومقدماتها على النص عليه صراحة.
فصل السلطات
أكد المحامي نجيب الوقيان أهمية قانون استقلال القضاء قائلا: لتجسيد مبدأ فصل السلطات لابد أن يتم تطبيق القانون المعطل لعدة سنوات، حتى يتم عمل كل سلطة مستقلة لوحدها، دون أن يكون هناك تبعية وتداخل السلطات.
واضاف الوقيان: مثلما هناك استقلال مالي وإداري بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وكل منهما حريص على عدم المساس بإستقلاليته في أفقر المسائل، وانه إذا «ماحام حول الحمى» احد القرارات من السلطة التشريعية للتنفيذية صرخ أعضاء السلطة التنفيذية بأن هناك تدخلا ومساسا بأعمالها والعكس كذلك صحيح.
وزاد: لكن الأمر الغريب أن السلطة القضائية هي الوحيدة التي تحل بصفتها المشاكل التي تحصل بين السلطتين (التشريعية والتنفيذية) على اساس أنها سلطة محايدة ومستقلة، فإذا احتاجتها إحدى السلطتين لجأت إليها لحياديتها واستقلاليتها، لكن هناك أمرا غريبا جدا، ويجب على السلطتين أن تدفعا باستقلالية مرفق القضاء، وألا يكون هناك تبعية مالية وإدارية، فكلما أرادوا صرف دينار أو طلب إجازة لقاض لجأ إلى وزارة العدل.
وقال: نحن لا نتحدث عن تداخل وإنما نتحدث عن هيمنة إدارية مالية، وقد آن الأوان لوقف هذا التداخل وسوف تحل هذه المشكلة باختيار المستشار راشد الحماد في الحكومة وهو العالم ومن أهل بيت القضاء، فلاشك أن الهدف الأساسي لقبوله هذا المنصب الوزاري كان بهدف صدور قانون استقلال القضاء.
إعداد: مبارك العبدالله
من المقاييس التي تقاس بها حضارات دول العالم القضاء المستقل العادل ومباني محاكمها وفخامتها التي تتوازى مع هيبتها، وفي الكويت لاينقصنا شيء من ذلك، لكن هيبة المباني التابعة لمحاكمنا التي تعتبر منارة الدولة قد لا نجدها إلا في قصر العدل، أما المحاكم الأخرى كمجمع محاكم الرقعي، أو محكمة الجهراء، أو محكمة حولي، وغيرها من المباني التابعة للسلك القضائي، فهي إما مؤجرة منذ عدة سنوات، أو مبان متهالكة لا تصلح للقضاء وهيبته.
وهذه المشكلة على رأس الملفات العالقة التي تنتظر الحل من رئيس السلطة القضائية الجديد المستشار يوسف الغنام الرشيد الذي تم اختياره خلفا للمستتشار راشد الحماد.
وإلى جانب هذه المشكلة، توجد ملفات أخرى تنتظر البت، فالعلة لا تكمن في المباني فقط لكن هناك أمورا عديدة بحاجة إلى الإنجاز حتى لا ترهق القضاة في عملهم ولتكون مساندة لدور العدالة، فهناك العديد من الذين تخرجوا في المعهد القضائي ينتظرون قبولهم في النيابة أو القضاء، وبالمقابل هناك تباشير بقبولهم في السنة القادمة، لكن هناك مطالب أخرى متمثلة في تكويت القضاء، فصحيح أن القضاء والعدل ليس له دولة أو مكان، لكن هذا المطلب شرعي وقانوني وليس فيه عيب حتى يتم غض الطرف عنه فسياسة التكويت تسير في كل مجالات الدولة بما فيها القضاء.
إضافة إلى ذلك، فبالرغم من المطالبات بدخول القاضيات إلى السلك القضائي كحال الدول العربية والقريبة منا، وبالرغم من تقبل الفكرة من قبل جميع السلطات التي بيدها القرار، فإننا لم نجد أي تحرك بهذا الاتجاه، وكأن المطالب تحولت إلى أمنيات وأحلام بالرغم من سهولة الأمر، فالمعهد القضائي حتى الآن لم يشرف على تدريب وكلاء نيابة أو قاضيات من النساء.
ولا تقف المسألة عند هذا الحد، فالسلك القضائي يحتاج إلى تطوير جديد، فالربط بين الجهاز القضائي والجهات الحكومية الأخرى إلكترونيا هو مطلب أساسي، يعمل على فك عقدة الكثيرة من الأمور، وعلى رأسها مشكلة عدم تنفيذ الأحكام النهائية ومماطلة بعض الجهات، فما يلاحظ في السنوات الأخيرة أن هناك الكثير من الشكاوى التي تقدم إلى مكتب النائب العام ضد المسؤولين في الجهات الحكومية لعدم امتثالهم لأمر القضاء وتنفيذ الأحكام والمماطلة فيها، كما أن الربط الإلكتروني لا يبقي عذرا لهذه الجهات المعنية بعدم تنفيذ الأحكام.
ولا ننسى ضرورة الأجهزة الإلكترونية وإدخالها للمحاكم، وإلغاء تكديس الملفات والقضايا التي قد تتعرض إلى التلف أو الضياع في بعض الأحيان، وحتى إن كانت هذه المسألة الخطرة نادرة الحدوث إلا أنه يجب أن نمنع وقوعها نهائيا ونبعد مسألة احتمالية حدوثها، فهذه الملفات فيها أرقاب الناس ويجب أن يتم الاهتمام بها، حتى يأخذ كل شخص حقه من دون مماطلة (الضياع او الإتلاف وتعطيل سير إجراءات القضايا).
إن التطوير القضائي أمر مهم ومطلب أساسي ومسؤولية ملقاة على عاتق رئيس المجلس الأعلى للقضاء الجديد ورئيس المحكمة الدستورية ومحكمة التمييز المستشار يوسف الغنام الرشيد، وهو ابن السلطة، الأمر الذي يبعث الراحة والطمأنينة.. إضافة إلى أنه سيجد مهمة تنتظر إكمالها وهي السعي وراء تطبيق قانون استقلال القضاء إداريا وماليا، الذي تأخر سنوات عديد وينتظر الفرج.
«القبس» تناقش ملف التطوير القضائي وأهميته والطرق التي يجب أن تتخذ في هذا الجانب، واستطلعت رأي القانونيين الذين يتواجدون بشكل يومي في المحاكم للاطلاع أكثر على هذه المتطلبات.
العصفور بعض المباني متهالك ويؤثر في عمل السلطة القضائية
أوضح المحامي علي العصفور أن القضاء ليس قاضيا يحكم بالقضايا فقط، بل اجهزة مساندة ومساعدة لبلوغ الهدف، وهو ارساء مبادئ العدالة التي تحتاج للسرعة وليس البطء القاتل الذي يقتل الحق المنشود.
وأضاف: مع الأسف الشديد لدينا خدمات ولكن هذه الخدمات بالمستويات الدنيا، ويجب على القائمين على هذه المؤسسة القضائية الارتقاء بها من حيث المباني التي تليق بالقضاء، ومن حيث توفير الاحتياجات التي تساعد القانونيين على اداء اعمالهم، وتساءل قائلا: هل من يسمع الشكوى؟ وهل من يهتم بمثل هذه الأمور؟ وهل هناك من يهتم بمهنية من حيث التعامل مع المحامين ومن بعدهم المتقاضين؟ شخصيا لا اعتقد ذلك فمن واقع التجربة المرة وانت تجد نفسك تنتظر الساعات الطوال في احد ممرات النيابة حتى يسمح لك بالدخول للتحقيق، وهذا الممر لا تجد فيه كرسيا واحدا تجلس عليه ولا تجد كأس ماء، وغير مسموح لك بأن تحلم بفنجان شاي ساخن خلال ساعات الانتظار الطويلة وطول المعاناة ولعلها رسالة يتلقاها القائمون على النيابة، وكذلك القائمون على جمعية المحامين.
وأكمل: لا ابالغ اذا ما قلت ان غرفة انتظار صغيرة بالنيابات هي حلم بعيد المنال في ظل عدم الإيمان برسالة المحامي واهمية دوره في تحقيق العدالة رغم النص الواضح والصريح في قانون الاجراءات على ضرورة وجود المحامي خلال جميع اجراءات التحقيق.
واستطرد: أكثر ما يحز في النفس لكل من يعمل بسلك القضاء، سواء من أعضاء السلطة القضائية أو المحامين هي المباني المتهالكة والخدمات المتردية التي يعاني منها مرفق القضاء، فمن غير المعقول ومن غير المحبب للنفس وجود محاكم في مبان مستأجرة لا تكاد تفي بالاحتياجات الأساسية لمرفق القضاء، فبعض هذه المباني لا تصلح كسكن للعزاب وتفتقر للخدمات الأساسية والضرورية، حتى يمكن أداء العمل بشكل يرقى لمستوى الطموح، فمن غير المعقول أن تكون المحاكم التي هي واجهة العدالة بهذا الشكل.
الوقيان الربط الإلكتروني يسهّ.ل مهمة المحامين والقضاة
علق المحامي نجيب الوقيان على موضوع تطورات مرفق القضاء قائلا «أولا نحتاج إلى الوصول للمعلومة فهي صعبة جدا في مرفق القضاء ،، وهذا الأمر يختلف عن كل المحاكم في العالم، فما نجده نحن المحامين أن المعلومة تحتاج إلى مجهود كبير جدا للحصول عليها، ونحتاج إلى مليون استفسار حتى يتم الاستعلام عن اخر حكم تم إصداره.
المعلومات القضائية
وأوضح أنه بتطوير المحاماة يتطور القضاء، فحينما تقدم معلومة حديثة ومتطورة للمحامي، هنا يقوم المحامي بإعداد دراسة حول موضوع معين، وهذا يدفع القاضي لأن يجتهد أكثر لكي يرد على الدفوع المقدمة من المحامين، وهذه الدفوع في الوقت الحالي لن تتأتى إلا إذا كان المحامي مبدعا ويستخرج المعلومة من الكمبيوتر بصعوبة، وما نلاحظه أن المعلومة لا تصدر الا من خلال مجلة القضاء، واخر عدد لهذه المجلة صدر قبل 5 سنوات.
الربط الالكتروني
وأضاف: أما آن الأوان أن يتم التحقيق من خلال طباعة كمبيوتر من قبل أعضاء النيابة العامة، فالضرر في ذلك أن المعلومات كثيرة ولاتستطيع الحصول عليها من خلال التحقيق، كما أن بعض الكتابات في القضايا غير واضحة، ويجب أن يكون الربط بالأجهزة الإلكترونية المتطورة، فكل كلمة داخل التحقيق مهمة، خصوصا أن بعض الكلمات هي التي تبرئ ساحات الموكل من الاتهامات المسندة إليه. واشار إلى نقطة مهمة وضرورية، حيث انه ومع صدور قانون جديد يجب أن يتولى المكتب الفني إعداد دورة ويناقش فيها القانون ويشرح فيها أسباب صدوره، سواء للقضاة أو المحامين، فالهدف من ذلك التثقيف القانوني، وعلى سبيل المثال لو تطرقنا إلى قانون الاستقرار المالي، فأنا متأكد أن كثيرا من القانونيين لم يستطيعوا فهم هذا القانون، لأنه قانون فني ويحتاج إلى مناقشة وشرح كل بند فيه.
من المستفيد؟
تساءل القانونيون عن المستفيد من المباني المستأجرة؟ وعن أسباب عدم إيجاد مبان دائمة وحديثة للمحاكم؟ وعن المسؤول عن صرف هذه المبالغ الطائلة من ايجارات وصيانة طوال هذه السنوات على مقرات مؤقتة؟
الأداء
الوظيفي
اكد رجال القانون أنه يجب على المحامين وجمعيتهم الاعتراض على تدني مستوى الخدمات القضائية، فالقصور لا يقتصر على المباني غير اللائقة، بل يمتد إلى أداء بعض الأجهزة التابعة للقضاء بكل مستوياتها من موظفين وادارات.
لبيد عبدال المطلوب كوادر مساندة للقضاة لسرعة الفصل في القضايا
لا شك أن تطوير القضاء، من وجهة نظر المحامي لبيد عبدال، يتطلب استراتيجيات جديدة، وخطة عمل شاملة ومتكاملة، مشيرا إلى أن السلطة القضائية وفق الدستور الكويتي، هي مصدر لتوفير العدالة لكل الناس في المجتمع، وهي الأداة لتوصيل الناس الى حقوقهم.
وأضاف قائلا: من ناحية قانونية نجد ان المادة 162 نصت على أن «شرف القضاء، ونزاهة القضاة وعدلهم، أساس الملك وضمان للحقوق والحريات»، إضافة إلى المادة 163 التي تنص على أنه «لا سلطان لأي جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بحال التدخل في سير العدالة»، فلا بد بكل حال من تعزيز ثقة المتعاملين والمعنيين بالنظام القضائي، من خلال ضمان الدقة، والسرعة في مجالات التسوية، والفصل في الدعاوى، وتنفيذ الأحكام، واقتضاء الحقوق.
وأكمل: أي تطور في هذا الجانب، سيكون مرتبطا بعدة أبعاد، وأهمها استقلال القضاء ماليا وإداريا، ووجود برامج حديثة ومتطورة لتدريب الجيل الجديد من القضاة، وتوفير العدد الكافي من القضاة والقاضيات، المتخصصين والمؤهلين، بحيث يحصلون على رواتب كافية وتتلاءم مع حجم الجهد المبذول، وتطورات الحياة والمعيشة بشكل عام.
وتابع: ولا بد أن تتم الموازنة دائما في ما بين ساعات عمل القاضي، وعدد الملفات التي تعرض عليه، والجهد الذي سيبذل، وعدم إيجاد حالات التكديس للملفات فوق طاقة القاضي، حتى لا يتم إرهاقه جسديا وذهنيا، ما يؤثر سلبا في أدائه القضائي، مطالبا بوجود كوادر إدارية مساندة مدربة، وقادرة على تيسير عمل القاضي، كتوزيع الجلسات، وتنظيم ومتابعة ملفات الدعاوى حتى صدور الأحكام، وبحيث يركز القاضي على الجانب الفني القانوني، في التحليل والدراسة وإصدار الأحكام، دون تأثير للتأخير أو التعطيل بسبب نقص الكوادر، أو ضعف إمكاناتها، أو ضعف تدريبها على الوسائل الإدارية والتكنولوجية الجديدة.
المباني الذكية
وأشار إلى أهمية وجود المباني الحديثة والذكية، المملوكة للسلطة القضائية، والمصممة هندسيا خصوصا لدور المحاكم، من حيث حجم القاعات، وتحديد موقع منصة القاضي، وموقع وقوف ممثل النيابة او الادعاء، وكذلك مكان جلوس المتقاضين والشهود، التي يجب أن تكون مجهزة بأجهزة متطورة، في مجال أجهزة الحاسب الآلي، وأجهزة العرض للصور والفيديو، والوسائل الصوتية، وأجهزة الربط المتلفز أو عبر الإنترنت، بين القاعات والسجون، وغيرها من الوسائل المتطورة.
وخلص إلى أن حاجات التطوير الدائم لتلك القطاعات في مجال العدالة، سترتبط عمليا مع أي خطط للدولة لعمل مرفق العدالة، وخطط التنمية المحلية عامة، وكذلك يدعم اتجاه الدولة للتحول لمركز مالي، إذ لن يكون ذلك ممكنا، من دون وجود جهاز قضائي حديث ومتدرب، ومتخصص، قادر على ضمان التطبيقات الحديثة للقوانين الاقتصادية والاستثمارية العالمية الجديدة بصورة عادلة وفعالة وشفافة وسريعة وقادرة على تحقيق أعلى المراتب في التصنيفات العالمية، في مجال الإصلاحات والتطوير القضائي في المجالين التجاري والمدني، وكذلك مجال التطبيقات الجنائية بشكل عام.
إقرار قانون استقلال القضاء بات يعبر عن حاجة شعبية كفى هيمنة إدارية ومالية على السلطة القضائية
إعداد: مبارك العبدالله
تقاس حضارات الدول بقضائها، فإن كان عادلا ونزيها فإن الدولة الديموقراطية لا تخاف من زيارتها، بل ترتاح عند اللجوء اليها وتأمن لدى العيش بها، وكما قيل «اعطني قضاء اعطك دولة»، والامر لا يحتاج دلالة على ان القضاء هو الحصن الآمن والملاذ لكل من يشعر بالظلم، أو يقع عليه ظلم.
ولهذه الاسباب، فإن جميع الدول تهتم بقضائها، ولا يختصر الامر في اختيار القضاة، والحفاظ عليهم من خلال توفير التزاماتهم المالية والاجتماعية، لكن يتعدى ذلك بكثير، فهناك امور اخرى تعتبر مساندة للعدل وهي مباني العدالة التي تعتبر منارات للدول، تفتخر وتتباهى بها بين دول العالم. وفي الكويت، فان رجال قضائنا الذي نفتخر به بين الدول، ولا يشكك اي انسان في نزاهتهم، يسهرون الليالي ويسخرون حياتهم كاملة في سبيل صياغة الاحكام وتعديلها، وهدفهم الاول ان تظل الكويت صاحبة الانارة والضياء، ويجتهدون في القضاء كل يوم لتشرق لنا شمس جديدة تكمل مسيرة الحرية والعدالة، فما نراه اليوم من تطور وتقدم لن يكون ابدا الا بالسلطة القضائية وعدالتها، فلا يظن احد ان السلطة التشريعية وحدها أو التنفيذية وحدها تستطيع القيام بالنهوض، لانه بدون قضاء لا وجود للعدل. واعطى سمو امير البلاد مثالا يحتذى به ويستحق ان نجعله نبراسا حينما امر للقضاة بعلاوة مالية وذلك لضآلة راتبهم، فبعد ان وصلت الامور الى طريق مسدود ولجأ بعض القضاة ووكلاء النيابة الى رفع دعوى قضائية للمطالبة بحقوقهم، استقبلهم سمو الأمير وقال لهم «تقضون حاجات الناس فكيف لا تقضى حاجاتكم؟»، وهنا دلالة كبيرة من سلطة الحكم على احترام السلطة القضائية وعدم المساس بها.
إلا القضاء
كذلك كان الدستور واضحاً عندما اشار الى المسائل المحظور التعرض لها، حيث عدد مجموعة من المسائل التي اعتبرها من المحرمات والثوابت التي لا يجوز الاعتداء عليها او المساس بها، حيث لا يجوز نشر كل ما من شأنه اولاً: تحقير او ازدراء دستور الدولة، وثانياً: اهانة او تجريح رجال القضاء او اعضاء النيابة العامة او ما من شأنه المساس بنزاهة القضاء وعدله، او حياده، او نشر ما تفرض المحاكم او جهات التحقيق سريته، والمشرع هنا نبه الى عدم التعرض للسلطة القضائية لما لها من هيبة ووقار واحترام، ولقيامها على العدل وعدم المحاباة لاحد.
فالمستفاد من ذلك كله ان السلطة القضائية، وحتى تعمل في جو هادئ ودون الالتفات الى الضوضاء في المجتمع، يجب ان يتم توفير كل ما تحتاجه وتطلبه، لكن هذا الامر لم يحدث للاسف الشديد، وهنا يجب التوضيح والاشارة الى ان السلطة القضائية طالبت وقبل 18 عاماً بتطبيق قانون استقلالية القضاء، الا ان هذا القانون لم ير النور، وكأن هناك من لا يرغب في تطبيقه، وفي الوقت نفسه يحاول ان يلقي كرة عدم تطبيق هذا القانون على الآخر، وهنا تثور علامات الاستفهام؟! فلو نظرنا الى اعضاء السلك القضائي فانهم اكدوا مرارا وتكرارا ضرورة تطبيق قانون استقلال القضاء ماليا واداريا، وعلى الرغم من ان البعض يبيح العذر لكل من السلطتين التنفيذية والتشريعية على عدم تطبيق هذا القانون، في اشارة الى الظروف السياسية التي مرت بالبلاد من خلال حل مجالس الامة السابقة المتكررة، واعتباره في ذلك الوقت ان الظروف الحالية مناسبة لاقرار مثل هذا القانون، الا انه لم يبق هناك عذر، وبالاخص من جهة الحكومة في رفض هذا القانون، خصوصاً ان الغالبية العظمى من داخل السلطة القضائية او خارجها تطالب وبشدة بتطبيق هذا القانون وتوضيح ايجابياته، بل ضرورته في تطويل السلك القضائي.
الجانب المالي
وللأسف الشديد هناك نظرة ضيقة جدا يجب ألا تكون، وهي أن هناك من ينظر إلى الاستقلالية من الناحية المالية فقط، وهذا الأمر عار عن الصحة، لأن القانون يمثل في الميزانية الملحقة بالقضاء، بمثل ميزانية مجلس الأمة وباقي الجهات الأخرى، وهذا أمر يجب أن يكون وليس فيه أي شبهة، كما أن القانون يحتوي على إنشاء أمانة عامة تلحق بالمجلس الأعلى للقضاء وتختص بشؤونه، وفي هذه الزاوية لا يجوز التذرع من أحد بأنه لا يريد تطبيق القانون لأنه لا يريد أن يشغل القضاء.. فأهل القضاء أدرى بشؤونهم، وهم من طالبوا بهذا القانون ويعلمون علم اليقين بأنه لن يشغلهم عن أداء مهامهم، ولا يجوز أن يأتي أحد ويعلم القضاة مهام عملهم.
وللتوضيح، فإن عدم تطبيق قانون الاستقلالية لا يؤدي إلى التطوير، والشاهد على ذلك أننا لا نرى مباني للعدالة ترتقي إلى الطموح سوى قصر العدل، وإزاء هذه الحالة والعجز عن تطوير المباني والازدحام المتزايد في عدد القضايا المنظورة أمام المحاكم، فإن الأمر يحتاج إلى إدارته من قبل السلطة القضائية نفسها، وهنا يتضح معنى استقلالية القضاء وهدفه في هذه الناحية البسيطة، التي يراد منها التطوير القضائي بدلا من البقاء على عمارات أشبه بالسكنية واستخدامها لمباني العدالة، وهو الأمر الذي لا يتوافق مع هيبة القضاء.
الحكومة هي السبب
والغالبية العظمى المتتبعة لمشروع قانون الاستقلالية تؤكد أن سبب تعطيل هذا القانون هو الحكومة، لأن المجلس حتى وإن كان لا يرغب بعض أعضائه قامت اللجنة التشريعية فيه بإحالته أكثر من مرة لإقراره على جدول أعمال المجلس، لكن الحكومة تتحفظ على ذلك القانون، ولعل هناك علامات استفهام غير واضحة، وهي أن اكثر من وزير للعدل يكون متفهما لأمور القضاء ويعلم شؤونه إلا أنه وبعد أن ينضم إلى الحكومة تكون إسهاماته غير مجدية مع الحكومة لإقرار هذا القانون.
ولعل هناك عرقلة حدثت لهذا الموضوع من بعض الجهات القانونية واثارت مفهوما خاطئا لدى البعض عندما خولت نفسها سلطة قضائية، وهذا الامر بطبيعة الحال يمثل مخالفة دستورية، لانه وحسب ما نعلمه من خبراء القانون، ان القضاء فقط هو السلطة القضائية، وما عدا ذلك من جهات قانونية لا يعتبر ضمن السلطة القضائية، وقد يكون هذا الامر قد احدث ارباكا في سير هذا القانون الا انه لا يبقى عذرا في الامتناع عن تطبيقه.
فما يحدث حاليا من تتبع احكام السلطة القضائية لوزارة العدل وذلك يتضح من خلال الاحكام القضائية التي كتب في اعلاها اسم «تابع للسلطة التنفيذية» فإن ذلك مخالف للدستور الذي نص على فصل السلطات الثلاث القضائية والتنفيذية والتشريعية، وهو الامر المنصوص عليه في المادة 50.
أسباب الامتناع
وما يثير الاستغراب اكثر في هذا القانون هو رد الحكومة الاخير على اللجنة التشريعية في مجلس الامة، عندما قالت عبر كتاب سلمته لوزير العدل المستشار راشد الحماد عندما اوضح ان ما قد يقع من اخطاء من شأنه تعريض المجلس الاعلى للقضاء وامانته العامة للمساءلة من جانب مجلس الامة استجابة لما يقرره الدستور للمجلس من ادوات رقابية على جهات الدولة كافة في شأن الميزانية والتصرفات المالية واوجه انفاق المال العام، وكذلك الشأن بالنسبة للمسؤولية امام ديوان المحاسبة ورقابته المالية لما قد يراه من ملاحظات ومآخذ على تلك التصرفات، مضيفا ان ذلك لا يحقق مصلحة للقضاء بل يلحق الضرر بالاستقلال الحقيقي الذي ينشده.. ففي هذه الحالة لا يسعنا الا ان نذكر بأن المجلس الاعلى للقضاء، وهو السلطة المستقلة، والذي يفترض ان تسارع الحكومة بتوفير مطالبه والحرص على توفير المعيشة الكريمة بجلالته، قد درس هذه المواضيع قبل الحكومة، ولم ينسها او يتناساها، كما انه يجب التذكير بأنه لا سلطان على القاضي في قضائه، اضافة الى ان القاضي يحكم في ضميره، ولهذه الاسباب فإن ردود الحكومة يجب ان تراجع ويتم قبول هذا القانون حسبما يراه المختصون بالقانون، لان السلبيات المذكورة على هذا المشروع لا ترتقي الى مستوى المنع من اقراره.
وكفى هيمنة ادارية ومالية على السلطة القضائية. وكفى عدم مواكبة للتطورات القضائية وتعطيلها سنوات عديدة. وكفى مخالفة لنصوص الدستور التي نصت على مبدأ فصل السلطات.
الاستقلالية أساس العدل
يوضح أهل القضاء دائما أن مبدأ استقلال القضاء اصبح جزءا من الضمير الإنساني، بل غدا تعميق هذا المبدأ أمرا حتميا لتأمين العدالة وكفالة الحقوق وصون الحريات، كما انهم يؤكدون على انه اذا كان العدل أساس الملك فإن استقلال القضاء اساس العدل.
الضمانات الأساسية
اكد المجلس الأعلى للقضاء في مذكرته الإيضاحية ان المعاملة المالية للقاضي تعد ضمانة أساسية من ضمانات حسن اداء رسالة القضاء ودعامة جوهرية من دعائم النظام القضائي ليطمئن القضاة على أحوالهم.
حجة السلطة التقديرية
السلطة التنفيذية ليس لها قوة بالقانون لكي تفرغ قرارات السلطة القضائية من محتواها، وبخاصة القرارات المتعلقة برواتب القضاة وما يخص شؤون حياتهم، ولهذا فإن اهل القانون يرفضون العمل بذلك الأمر تحت حجة السلطة التقديرية.
الدعاوى زادت والمحاكم ضاقت والمستشارون مستاؤون مباني العدالة.. أين العدالة؟
لا يليق بالقضاة أن تكون المحاكم في مبان سكنية ضيقة وغير مؤهلة
مبارك العبدالله
يطالب المجتمع، خصوصا من ينتمون الى الجهات القانونية والمقربين من اعمال السلطة القضائية، بين الحين والآخر بان تكون هناك مبان بديلة للعدالة او استحداث مبان جديدة، خصوصا ان اغلب مباني المحاكم حاليا مؤجرة منذ سنوات طويلة، ما عدا مبنى قصر العدل الذي يعد صرحا شامخا ومنارة يشار اليها، كما يجب ان تكون باقي المباني القضائية مثله، لا ان تكون داخل عمارات اشبه بمبان سكنية.
من يطلع على حال الشؤون القانونية والقضائية في البلاد يكتشف ان موضوع المباني القضائية ليس بجديد، وانما هناك مطالبات للحكومة منذ سنوات عديدة بان تعتمد على سياسة جديدة غير سياسة تأجير المباني، والنظر الى مباني الدول المتقدمة التي تفتخر بمباني العدالة، خصوصا ان المباني جزء من هيبة العدل والقضاء في جميع دول العالم.
لا تهدف المطالبة بتجديد المباني القضائية الى التجديد في حسن المنظر فقط، وانما هناك اسباب اخرى تعزز تكرار هذه المطالبة، فالمباني الحالية بنيت او استؤجرت منذ سنوات طويلة ولا تزال على حالها، كما ان عدد القضايا في المحاكم والظروف الاجتماعية لا تحتمل ان يبقى الوضع على ما هو عليه، فالسكان في المجتمع والوافدون زادوا كثيرا عن السابق، وبالتالي فمن الطبيعي ان يزداد عدد القضايا، ويشير ذلك الامر الى ضرورة زيادة المباني وقاعات المحاكم، ولا ادل علىالحاجة لهذا الأمر مما يحدث الآن في بعض المحاكم من وجود جلسات مسائية للقضايا، اضافة الى تناوب بعض القضاة على دائرة واحدة، مما يشكل تأخيرا على بعض المتقاضين لنظر قضاياهم في نهاية الدوام اليومي.
وللرجوع الى المطالبة بالمباني الجديدة للمحاكم والنيابة العامة، فان الامر يرجع الى اصدار قانون جديد بانشاء محاكم ونيابة لهيئة اسواق المال، ففي الاسبوع الماضي اصدر النائب العام المستشار حامد العثمان قرارا بانشاء نيابة لأسواق المال، ولأن الوضع يحتاج الى دراسة المباني ووضعها الدائم، فقد نص القرار على ان تضم هذه النيابة الى نيابة العاصمة مؤقتا، كما ان قرار رئيس محكمة الاستئناف فيصل المرشد بإنشاء دوائر تجارية وجزائية وادارية للمحاكم لمثل هذه القضايا، يتطلب ان تكون هناك قاعات جديدة للمحاكم، والا ترجع الدائرة من جديد، فيتناوب اكثر من قاضي على قاعة واحدة للنظر في القضايا.
تأخير العدالة
المسألة خطيرة جدا لأن القاضي عندما ينظر القضايا يحتاج الى صفاء النفس والهدوء، واذا حدثت مسألة تأخير لنظر القضايا من قبل محكمة، وكانت المحكمة الاخرى تنتظر دورها لتصدر الاحكام وتستمع الى المرافعات، فإن ذلك الأمر ليس بيسير، وبالتالي فإن عدم تنفيذ مشروع مباني المحاكم يساهم من دون قصد في تأخير العدالة.
ولأن مسألة مباني العدالة تعتبر مشكلة عالقة تؤرق كثيرا من القانونيين والعاملين في السلطة القضائية، لذا فإن بعض التطمينات التي تتحدث عن مشاريع جديدة لبناء محاكم في بعض المحافظات، إلى جانب بناء مبنى خاص للمحكمة الدستورية، واستحداث مجمعات أخرى للمحاكم والنيابة لم تكن بالأخبار التي تبعث للتفاؤل، فالموضوع بحاجة إلى تطبيق، وليس تطمينات لا تسمن ولا تغني من جوع، خصوصاً وان تحديث المؤسسات القضائية أمر مهم، والاهتمام بالعدالة يجب أن يأتي قبل أي اهتمام آخر، فالدول التي تهتم بالقانون وبالعدالة من جميع جوانبها لا تخاف من أي شيء آخر، لذلك فالاهتمام الذي يبديه بعض المسؤولين يجب ان يطبق على أرض الواقع، ولا يكون مجرد وعود وتفاؤلات، خصوصاً وان العديد من وزراء العدل السابقين أعلنوا انهم مع مبدأ تحديث المباني بعد ان وجدوا الحاجة ملحة لهذا الأمر، لكنه إلى هذه اللحظة لم نر الجدية في هذا الموضوع.
نادي القضاة
وقد تكون هناك مطالبات أخرى للقضاة مثل نادي القضاة الذي يعتبر مأساة أخرى لو تم التطرق إليها، لكنها أيضاً أصبحت في النسيان، لأن هذا المشروع وبالرغم من أهميته وحيويته بالنسبة إلى أعضاء السلطة القضائية فإنه وبسبب الشد والجذب من قبل بعض المؤسسات الحكومية على أمور الموقع، وعما إذا كان يؤثر في البيئة، فقد أصبح حبيس الأدراج ولا يناقش إلا في «السنة حسنة»، وما هو أصعب من ذلك في هذا الأمر ان السلطة القضائية أعلنت وصرحت مراراً وتكراراً، وأوضحت أهمية هذا النادي الذي يجمع القضاة مع بعضهم وأسرهم ليقضوا العطل الرسمية، خصوصاً وان احتكاك القضاة مع الأشخاص العاديين في النوادي الخاصة أمر لا يرغبه المجلس الأعلى للقضاة، لأن القاضي له هيبة ووقار، ولا يعتبر موظفاً عمومياً كما نص عليه القانون، ناهيك عن مشاريع اخرى قد تكون أقل وطأة من مباني العدالة وتحديثها، مثل معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية، حيث سبق ان اعلن عن بناء معهد جديد بهدف الإسهام في عملية الإصلاح القضائي وتدريب اعداد اكبر من المنتسبين اليه والمنتفعين من خدماته.
تشاؤم
للأسف الشديد، فان الوضع الراهن يوضح ان الاهتمام بالقضاة وما يحتاجونه لا يدعو الى التفاؤل، خصوصا ان مواقف سيارات القضاة ووكلاء النيابة في قصر العدل مضى عليها اكثر من عام، وهي لاتزال تحت التجديد والصيانة، وقد خصص لهم مواقف متعددة الأدوار كانت اصلا مزدحمة بمواقف المراجعين والموظفين في وزارة العدل، فحل المشاكل يولد مشاكل اخرى، لذلك فسرعة الانجاز ايضا ضرورية وان كانت على حساب الآخرين، فان ذلك قد يكون امرا هينا اذا كانت هناك سرعة في تطبيق المشاريع ومنها مواقف مركبات القضاة.
«سيادة القانون فوق كل شيء»، والاهتمام بمباني العدالة يأتي ضمن مشروع استقلال السلطة القضائية، وحتى تحل المشاكل العالقة التي يئن منها قطاع وزارة العدل، مثل تأخير تنفيذ الأحكام القضائية ومسألة طباعة الأحكام التي تحتاج لمدة اسبوعين في بعضها، مما لا يتيح للمتقاضين مدة اطول للطعن في الحكم والنظر في اسبابه، يجب ان يكون الاهتمام نابعا من زيادة المساحة في حرية التنقل والتقاضي والاهتمام أكثر بالمشروعات الانشائية.
إدارة التنفيذ
وهناك العديد من الإدارات التي تحتاج الى مبان أكبر من وضعها الحالي، ومنها مبنى الادارة العامة للتنفيذ الذي ينفذ جميع الأحكام الصادرة ضد المدينين ويصدر قرار بمنعهم من السفر وقرار الضبط والاحضار، فوجود هذه الإدارة العامة حاليا في قصر العدل قد يكون مفيدا وإيجابيا، خصوصا انه قريب من خدمات التقاضي، لكنه في الوقت نفسه يحتاج إلى توسيع نظرا لأهمية هذه الإدارة ودورها الحيوي في السلطة القضائية وخدمة المتقاضين، كما ان النيابة العامة التي هي جزء من السلطة القضائية تحتاج إلى مبنى مختص وله هيبة، حتى يتم التوسع أكثر بالتحقيق في القضايا المنظورة أمامها، خصوصا ان هناك ثقافة جديدة تولدت لدى مجتمعنا وهي مقاضاة الأشخاص الذين يسيؤون لنا ومن لا يسيؤون، حتى ننتقم منهم بحضورهم أمام المحكمة والتحقيق معهم، وهذا مؤشر خطير يجب الانتباه إليه، حيث ان البعض أصبح لا يؤمن بحرية الرأي ويعتبر كشف مكامن الفساد اعتداء على الحرية والأسرار الشخصية.
الأمر ليس سهلا ويسيرا وما يطرح في موضوع مباني العدالة يجب أن يجد بالغ الأهمية، فالمباني المؤجرة حاليا مكلفة جدا وتنفيذ المشاريع التي نتطرق إليها يخفض المصروفات المالية، والازدحام المتزايد على النيابة العامة والمحاكم في جميع المحافظات، وتأخير العدالة هو أكبر عامل ناتج عن تعطيل مباني العدالة.
نيابات متخصصة
يعتبر تخصيص نيابات لقوانين المطبوعات وغسل الاموال وقانون هيئة اسواق المال امرا جيدا ومهما، وتوجها جيدا من المشرع، لانها تبقي التحقيقات مقتصرة على التحقيقات بقضايا بسيطة وتقليدية كقضايا ايذاء السمعة والضرب وهتك العرض والقتل والسرقة، وهذا اسلم من ان تنقل فجأة الى النيابة العامة.
الدورة المستندية
أوضحت مصادر قضائية ان موضوع تعطيل مباني العدالة يعتبر بالدرجة الاولى مسؤولية السلطة التنفيذية، وفي الوقت نفسه لدينا مشكلة الدورة المستندية، فإذا انتهت مشكلتك من البلدية اصبحت عالقة في وزارة المالية، واذا انتهيت منها واجهت مشكلة التخطيط، واذا فرغت منها بقيت مشكلة الاشغال، موضحة ان هذه المشكلة تعاني منها جميع الجهات الحكومية ولا تجد لها حلا.