أحمد الشملان __ سيرة مناضل وتاريخ وطن
خمسة عقود من تاريخ البحرين والنضال (1)
الزعيم عبدالعزيز بن سعد الشملان يخطب في الجماهير عام 1955
إعداد حمزة عليان
سيرة احمد الشملان تعكس سيرة نضال شعب البحرين على مدى خمسة عقود.
انضم في صباه الى حركة القوميين العرب عندما كان يدرس بالكويت وشارك في انتفاضة 1965، اعتقل على اثرها لمدة عامين ونفي الى الخارج ليقضي ثلاث سنوات متنقلا بين مدن المنفى. كان احد كوادر الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي عند تأسيسها عام 1968 واختير عام 1969 للسفر الى دبي لتفجير الكفاح المسلح في ظفار،
اعتقل هناك وأودع في سجن «نايف» بعد تعرضه لصدمة نفسية مدمرة حتى نقل الى البحرين عام 1970.
انتسب الى قيادة تنظيم الحركة الثورية الشعبية وكان يمثل هذا التنظيم في مؤتمرات الخارج، اختلف مع الرفاق بشأن جدوى الكفاح المسلح واتهم بانه «تحريضي» وترك الحركة عام 1972 ليعود الى صفوف جبهة التحرير الوطني البحرانية التي كانت اول حزب سياسي يتأسس عام 1955.
اعتقل عام 1972 وبقي في السجن لمدة عامين ثم اعيد اعتقاله مع اول تجربة برلمانية، ويخرج عام 1975 ليسافر الى موسكو للدراسة ولينال الماجستير، ويتزوج هناك ويعود عام 1981 لكنه يعتقل في المطار ويقضي 5 سنوات في السجن.
شارك في تقديم العريضتين الشعبيتين وعمل محامياً وكاتباً صحفياً، مطالبا بالديموقراطية والدفاع عن حقوق الانسان، ويعتقل عام 1996 ثم يخلى سبيله بعد ثلاثة اشهر، وفي ديسمبر 1996 اصيب بجلطة دماغية اعاقته عن الكلام والكتابة وما زال طريح الفراش لا يقوى على الكلام، يفتح ديوانه كل يوم جمعة في المحرق الى جانب ديوان النائب السابق علي الربيعة ليتواصل مع الناس والاصدقاء.
تضم السيرة التي كتبتها السيدة فوزية مطر (زوجته) احد عشر فصلا استغرق انجازها اربع سنوات، واحتوى الكتاب «احمد الشملان، سيرة مناضل وتاريخ وطن»، على ملحق صور وملحق وثائق، وقائمة المراجع والمحتويات.
كان عمر احمد الشملان حين توفي والده عام 1953 عشرة اعوام، وبعد وفاته تكفله خاله عبدالرحمن وشقيقته سبيكة وعيالها.
عائلة الشملان في البحرين كان لها دور في التاريخ السياسي لهذا البلد. اقامت في مدينة المحرق، وكانت عاصمة البحرين في عهد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة عام 1869، واقام فيها عميد العائلة الشيخ عبدالله بن سعد بن شملان الذي كان يقضي الشتاء في المحرق والصيف في «ام الحصم» في الضواحي الشمالية لمدينة المنامة،
ثم انتقلت العائلة الى «الجفير» حيث بنوا بيوتا من سعف النخيل. يلي ذلك «الزعيم» الشيخ سعد بن عبدالله الشملان الذي توفي عام 1954 في لاهور بباكستان مع زوجته منيرة الحينان ودفنا بها، وكذلك «الزعيم» عبد العزيز بن سعد بن عبدالله الشملان ثاني ابناء الشيخ سعد،
ومارس النضال ضد الانكليز وكانت له مواقف وطنية بالعمل السياسي. ترشح سنة 1972 لانتخابات المجلس التأسيسي المكلف بوضع اول دستور للبحرين وفاز بعضويته وانتخب نائبا للرئيس واشتغل بالدبلوماسية حيث عين سفيرا لبلاده في مصر ومندوبا لها في جامعة الدول العربية، توفي عام 1988.
اما الابن الاكبر فهو عبداللطيف بن سعد الشملان والمتزوج بالسيدة موزة الدغيم، وهي من انساب عائلة الشملان. ولد في المحرق عام 1904. درس بالقاهرة ومن هناك جاء إلى الكويت عام 1938 واستوطن فيها ليعمل مدرساً في المدرسة المباركية (1941/1940)، ثم عين مديراً لدائرة المعارف (1942)، وجاء في أول بعثة مصرية للتدريس بالكويت، وعمل في دائرة التموين وفي القضاء، وانتقل عام 1962 ليعين امينا عاما في مجلس الوزراء. توفي عام 1981.
دور الوالدة
صاحب السيرة احمد ينتمي الى عائلة الشملان من صوب والدته سبيكة بنت الشيخ عبدالله بن سعد الشملان، ووالده هو عيسى بن سالم بن حمود بن راشد الدغيم، وهناك علاقة مصاهرة قديمة بين العائلتين.
عانت الوالدة سبيكة من العوز والفقر في طفولة عيالها وخلال مرض زوجها وبعد وفاته، ثم طالت معاناتها وقلقها وخوفها فيما بعد على ابنها أحمد، كما عانت في آخر عقد من عمرها من مرض السكر الى أن انتهت حياتها نهاية مأساوية.
الوالدة سبيكة ألحت على سفر ابنها أحمد للكويت - دون رغبته - ليبقى هناك في رعاية شقيقه يوسف وليكمل دراسته المتوسطة والثانوية في مدارسها، لكنها عانت كثيراً من بُعد ابنها الذي تغرّب صغيراً في سن الرابعة عشرة وعانى البعد عن الوطن في وقت مبكر.
كان أحد دوافع «مطوعة» سبيكة لتسفير أحمد الى الكويت خوفها عليه من الاضطرابات السياسية في البحرين عام 1956 وقد أحست بحماسه وتجاوبه مع الأحداث، ولم يدر بخلدها أن الكويت كانت هي المصهر الأول الذي تشكل فيه الفكر والفعل السياسي لابنها، وقد يكون شعورها بالذنب لتركه يسافر في ذلك العمر الصغير هو الذي ولّد في قلبها محبة ومكانة خاصة لأحمد دون اشقائه، وخلال دراسته بالكويت، كان أحمد كلما عاد في الاجازات يتمتع بجرعات عالية من حب والدته وحنانها.
النفي للخارج
وحينما عاد للبحرين عام 1964 كان يبلغ من العمر 22 عاماً، شاباً متعلماً مثقفاً واعياً وكادراً سياسياً مؤهلاً لتبوؤ أدوار قيادية في صفوف الحركة الوطنية.
ولم يكد يمر عدد من الأشهر حتى انفجرت انتفاضة مارس 1965 التي كان لأحمد الشملان دور نضالي مشهود له فيه وأصبح مطلوباً وعُممت صوره على مراكز الشرطة. دخل حينها مرحلة التخفي وكانت الأم تتحرق خوفاً عليه وشوقاً لرؤيته، وزاد خوفها حينما أُعلنت في أم الحصم جائزة مالية لمن يدلي عنه بأي معلومة، وشعرت بالمهانة والغضب حينما أكثرت الشرطة من مداهمة بيتها وتفتيشه بحثاً عنه.
طال انتظار الأم لعودة ابنها لكنه غادر المحرق الى المعتقل مباشرة، وأمضى فيه عامين أدخلا الأم في نفق جديد من القلق على ابنها. وقد تعبت في تلك الظروف من أجله وتحملت مشاق الذهاب لمكاتب السجن ومراكز الشرطة للقائه، وتعرضت لاهانات الشرطة وتعليقاتهم، وحينما كحلت عينيها بمقدمه حُرا عام 1967، فجعت بنفيه المباشر خارج البحرين.
كان عمر احمد الشملان حين توفي والده عام 1953 عشرة اعوام، وبعد وفاته تكفله خاله عبدالرحمن وشقيقته سبيكة وعيالها.
عائلة الشملان في البحرين كان لها دور في التاريخ السياسي لهذا البلد. اقامت في مدينة المحرق، وكانت عاصمة البحرين في عهد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة عام 1869، واقام فيها عميد العائلة الشيخ عبدالله بن سعد بن شملان الذي كان يقضي الشتاء في المحرق والصيف في «ام الحصم» في الضواحي الشمالية لمدينة المنامة،
ثم انتقلت العائلة الى «الجفير» حيث بنوا بيوتا من سعف النخيل. يلي ذلك «الزعيم» الشيخ سعد بن عبدالله الشملان الذي توفي عام 1954 في لاهور بباكستان مع زوجته منيرة الحينان ودفنا بها، وكذلك «الزعيم» عبد العزيز بن سعد بن عبدالله الشملان ثاني ابناء الشيخ سعد،
ومارس النضال ضد الانكليز وكانت له مواقف وطنية بالعمل السياسي. ترشح سنة 1972 لانتخابات المجلس التأسيسي المكلف بوضع اول دستور للبحرين وفاز بعضويته وانتخب نائبا للرئيس واشتغل بالدبلوماسية حيث عين سفيرا لبلاده في مصر ومندوبا لها في جامعة الدول العربية، توفي عام 1988.
اما الابن الاكبر فهو عبداللطيف بن سعد الشملان والمتزوج بالسيدة موزة الدغيم، وهي من انساب عائلة الشملان. ولد في المحرق عام 1904. درس بالقاهرة ومن هناك جاء إلى الكويت عام 1938 واستوطن فيها ليعمل مدرساً في المدرسة المباركية (1941/1940)، ثم عين مديراً لدائرة المعارف (1942)، وجاء في أول بعثة مصرية للتدريس بالكويت، وعمل في دائرة التموين وفي القضاء، وانتقل عام 1962 ليعين امينا عاما في مجلس الوزراء. توفي عام 1981.
دور الوالدة
صاحب السيرة احمد ينتمي الى عائلة الشملان من صوب والدته سبيكة بنت الشيخ عبدالله بن سعد الشملان، ووالده هو عيسى بن سالم بن حمود بن راشد الدغيم، وهناك علاقة مصاهرة قديمة بين العائلتين.
عانت الوالدة سبيكة من العوز والفقر في طفولة عيالها وخلال مرض زوجها وبعد وفاته، ثم طالت معاناتها وقلقها وخوفها فيما بعد على ابنها أحمد، كما عانت في آخر عقد من عمرها من مرض السكر الى أن انتهت حياتها نهاية مأساوية.
الوالدة سبيكة ألحت على سفر ابنها أحمد للكويت - دون رغبته - ليبقى هناك في رعاية شقيقه يوسف وليكمل دراسته المتوسطة والثانوية في مدارسها، لكنها عانت كثيراً من بُعد ابنها الذي تغرّب صغيراً في سن الرابعة عشرة وعانى البعد عن الوطن في وقت مبكر.
كان أحد دوافع «مطوعة» سبيكة لتسفير أحمد الى الكويت خوفها عليه من الاضطرابات السياسية في البحرين عام 1956 وقد أحست بحماسه وتجاوبه مع الأحداث، ولم يدر بخلدها أن الكويت كانت هي المصهر الأول الذي تشكل فيه الفكر والفعل السياسي لابنها، وقد يكون شعورها بالذنب لتركه يسافر في ذلك العمر الصغير هو الذي ولّد في قلبها محبة ومكانة خاصة لأحمد دون اشقائه، وخلال دراسته بالكويت، كان أحمد كلما عاد في الاجازات يتمتع بجرعات عالية من حب والدته وحنانها.
النفي للخارج
وحينما عاد للبحرين عام 1964 كان يبلغ من العمر 22 عاماً، شاباً متعلماً مثقفاً واعياً وكادراً سياسياً مؤهلاً لتبوؤ أدوار قيادية في صفوف الحركة الوطنية.
ولم يكد يمر عدد من الأشهر حتى انفجرت انتفاضة مارس 1965 التي كان لأحمد الشملان دور نضالي مشهود له فيه وأصبح مطلوباً وعُممت صوره على مراكز الشرطة. دخل حينها مرحلة التخفي وكانت الأم تتحرق خوفاً عليه وشوقاً لرؤيته، وزاد خوفها حينما أُعلنت في أم الحصم جائزة مالية لمن يدلي عنه بأي معلومة، وشعرت بالمهانة والغضب حينما أكثرت الشرطة من مداهمة بيتها وتفتيشه بحثاً عنه.
طال انتظار الأم لعودة ابنها لكنه غادر المحرق الى المعتقل مباشرة، وأمضى فيه عامين أدخلا الأم في نفق جديد من القلق على ابنها. وقد تعبت في تلك الظروف من أجله وتحملت مشاق الذهاب لمكاتب السجن ومراكز الشرطة للقائه، وتعرضت لاهانات الشرطة وتعليقاتهم، وحينما كحلت عينيها بمقدمه حُرا عام 1967، فجعت بنفيه المباشر خارج البحرين.
كابدت الأم من جديد آلام فراق ضناها وانتظرت رسائلة وكانت تستقي أخباره من كل جهة، ظلت تتحرق على نار البعد حتى جاءها أحمد بعد ثلاثة أعوام شخصاً آخر ليس هو أحمد الذي تعرفه، جاءها مريضاً معذباً محطماً.
لم تستسلم لذلك الواقع المؤلم وشمرت عن سواعد الأمل فاحتوته وعالجته بحبها ودعائها حتى عاد أحمد الذي تعرف، لكن ليغادرها من جديد خريف عام 1970 ولتدخل مرة أخرى دوامة الفراق والقلق والانتظار.
عاد للوطن مطلع عام 1972 لينتزع من حضنها في اليوم التالي لوصوله ويودع حضن المعتقل ويمضي فيه عامين، ليخرج عام 1974 وتنعم بقربه وتمنحه ما شاء لها من حب لفترة لم تزد على الأشهر الستة حين أعيد اعتقاله وأودع السجن من جديد.
خرج بعد ثمانية أشهر ليغادرها الى بلاد بعيدة لا تطالها. ظلت تشتاقه وتتسقط أخباره وجاءها خبر زواجه، ثم جاءها خبر انجابه ابنه البكر، فكانت فرحة يتيمة انتقص منها ألم البعد قبل أن تفتك بها المنية بعد عام في موت مفجع وأحمد بعيد عنها.
توفيت الوالدة سبيكة عام 1978 في الكويت عند يوسف أكبر أبنائها، كانت ضعيفة واهنة تعاني السكر والتضخم في القلب، لكنها ذات عزم قوي تريد أن تنجز كل احتياجاتها بنفسها.
الأشقاء والطفولة
لأحمد الشملان من الأشقاء ثلاثة: يوسف مقيم في الكويت ومتزوج بكويتية ويحمل الجنسية الكويتية، وشملان مقيم مع عائلته في أبوظبي ويحمل جنسية الإمارات العربية المتحدة، وعبدالله متزوج ومقيم في البحرين، وشقيقة واحدة هي صفية متزوجة ومقيمة في البحرين.
والدته سبيكة بنت الشيخ عبدالله الشملان ولدت عددا أكبر من الأبناء والبنات، لكنهم توفوا صغارا ولم يبق على قيد الحياة سوى أحمد وأشقائه الثلاثة وشقيقتهم صفية.
ولد في بيت والدته الملحق ببيت العائلة الكبير في «أم الحصم» إحدى الضواحي الساحلية للعاصمة المنامة في مارس من عام 1942، ولا تتضمن وثائق أحمد الثبوتية (بطاقته السكانية أو جواز سفره) شهرا محددا لميلاده عام 1942.
في عامه الأول عانى التهابات متكررة في اللوزتين، وكانت المساعي التي بذلتها الوالدة «مطوعة» سبيكة في علاج رضيعها سبيلا لاحترافها مهنة منزلية شكلت أحد مصادر رزقها حتى آخر أيام عمرها.
كانت الكويت - خلال سنوات ضيافتها للطالب أحمد الشملان، من مطلع عام 1956 إلى مطلع عام 1964، تمر بفترة من أزهى عصورها السياسية،
إن على صعيد الحكم ممثلاً في الأمير الشيخ عبدالله السالم الصباح وتناغمه مع مصالح الشعب الكويتي وتطلعاته، أو على صعيد الحراك السياسي والنهوض الوطني والمد القومي، كل ذلك جعل الكويت وجهة للعرب من كل حدب وصوب وموئلاً للحركات الوطنية العربية.
وفي تلك الأجواء انفتحت الكويت على العالمين العربي والعالمي، وفتحت صدرها لإيواء حركات التحرر الوطني العربية وامتلأت مدارس الكويت بالطلاب العرب من كل الجنسيات. وتناغم الحراك الناشط لحركة القوميين العرب مع توجهات الحكم الوطني فترشح أحد قادة الحركة د. أحمد الخطيب في انتخابات المجلس التأسيسي وحقق الفوز ليسهم في وضع الدستور الكويتي ثم ترشحت وفازت مجموعة وطنية بعضوية أول مجلس للأمة عام 1963.
من جانب آخر، كان هناك تفاعل كبير على الساحة الكويتية مع القضايا العربية الساخنة كالقضية الفلسطينية، حيث فتحت الكويت ذراعيها للقيادات والكوادر الفلسطينية ولآلاف العائلات الفلسطينية التي عملت وعاشت وتعلم أبناؤها في مدارس الكويت،
أضف الى ذلك دعم القضايا العربية على الصعيدين الرسمي والشعبي
كقضية الوحدة بين مصر وسوريا
والثورة الجزائرية
والعراقية
واليمنية.
كانت التربة الكويتية بحق تربة سياسية وثقافية خصبة أسهمت إلى حد بعيد في بناء أحمد الشملان الفكري والثقافي، وفي وضع أقدامه على طريق العمل السياسي والنضالي.
مطلع عام 1956 توجه صبي عمره 14 عاما إلى «فرضة المنامة» (ميناء العاصمة) ليستقل السفينة المسافرة إلى ميناء الكويت. كان على أحمد الشملان أن يسافر بمفرده، وربما اسهمت سفرتاه السابقتان إلى السعودية في اقدامه على السفر وحيدا.
وقد أوصله إلى الميناء خاله سلطان محملا بوصايا الوالدة سبيكة ألا يتركه إلا بعد أن يتأكد من صعوده على ظهر السفينة، على أن يتسلمه شقيقه يوسف حالما يصل ميناء الكويت. استغرقت الرحلة يومين قضاهما وحيدا،
لكنه تعرف على صبي قطري يدعى عبدالرحمن جابر عبدالرحمن مقارب له في العمر كان مسافرا على ظهر السفينة برفقة والده، وقد انعقدت بين الصبيين لاحقا صداقة عبر المراسلة التي كان أحمد يهواها وتبادلا العديد من الرسائل بين الدوحة والكويت التي يحتفظ أحمد بها حتى اليوم.
بعد سفر يومين وصلت السفينة إلى ميناء الكويت وخرج أحمد من السفينة ليواجه أول مفاجأة غير سارة، لم يجد شقيقه يوسف بانتظاره، انتظر أحمد فترة لكن يوسف لم يصل فاستقل سيارة أجرة وطلب من سائقها التوجه إلى دائرة البرق والبريد والهاتف مقر عمل شقيقه،
لكن يوسف لم يكن هناك ايضا، فجلس الصبي ينتظر إلى ان وصل يوسف، كان يوسف شابا في الرابعة والعشرين من عمره يعمل في دائرة البرق والبريد والهاتف ويستأجر غرفة في الطابق الأول من سكن للعزاب في منطقة قريبة من السوق بمدينة الكويت.
فرح يوسف بمقدم شقيقه وأسكنه معه في غرفته، وبعد فترة قصيرة انتقل الشقيقان إلى سكن آخر في بيت قديم بمنطقة تسكنها عائلات كويتية، ويتكون البيت من عدد من الغرف التي يستأجرها شباب من مختلف الجنسيات العربية كان في البيت مصريون وبحرينيون فارون من البحرين على خلفية الاحداث السياسية والاضرابات التي قادتها هيئة الاتحاد الوطني في البحرين.
أول مدرسة
اول مدرسة التحق بها في الكويت مطلع العام الدراسي 1957-1956 كانت المدرسة الشرقية المتوسطة، أُلحق احمد بالصف الاول المتوسط، ومباشرة شعر ان مستوى دراسته السابقة ومعارفه تفوق مستوى الصف الاول المتوسط،
عاد احمد الى البيت باكيا واوضح الامر لشقيقه، وفي اليوم التالي اخذه يوسف للمدرسة وحكى لهم عما يضايق احمد، فنادى مدير المدرسة المصري الجنسية على احمد واختبره في اللغة العربية والحساب،
وقرر ادخاله الصف الثاني المتوسط، ولم يطل بقاء احمد في المدرسة الشرقية المتوسطة، اذ بعد شهرين نقل جميع طلابها الى مدرسة جديدة حديثة البناء اطلق عليها مدرسة المتنبي المتوسطة وتقع في منطقة شرق بمدينة الكويت، وقد أكمل احمد دراسته المتوسطة في مدرسة المتنبي.
خلال دراسته في الصف الثاني المتوسط ظل عاما دراسيا كاملا يقيم مع شقيقه في البيت الذي استأجر يوسف احدى غرفه، ويذهب للمدرسة مشيا على الاقدام، وشيئا فشيئا تعود المقام في الكويت واخذ يتكيف مع اجوائها، وبدأ يقبل على الدراسة وتكوين صداقات، لكنه ظل يعاني كثيرا من بعده عن البحرين.
حينما عاد الى البحرين في اول عطلة صيفية عام 1957كان قد اعتاد الحياة الطلابية أبدى رغبة في العودة الى الكويت، وهكذا واصل دراسته المتوسطة فالثانوية بالكويت، وكان يزور البحرين خلال اجازاته، وطوال سنوات دراسته كان على صلة دائمة مع اهله واصدقائه في البحرين عبر الرسائل التي كان يهوى كتابتها.
مع بدء العام الدراسي 1958/1957 ودخوله الصف الثالث المتوسط كان شقيقه يوسف قد عقد عزمه على الزواج من احدى بنات العائلات الكويتية،
فرتب انتقال اخيه احمد للسكن في القسم الداخلي للطلبة الذي كان بيتا مستأجراً من آل الرومي في منطقة شرق،
وقد تزوج يوسف في فبراير 1958 وانتقل احمد للسكن الداخلي. كانت غرف السكن معدة لاقامة كل ثلاثة طلاب في غرفة، وقد شارك احمد السكن في غرفة واحدة السعوديان علي وسلمان الشرقاوي وذلك خلال دراسته بالصف الثالث المتوسط، ثم سكن معه طلبة عمانيون.
وبعد عام وخلال دراسته في الصف الرابع المتوسط تم نقل طلبة الداخلي من بيت آل الرومي الى سكن داخلي آخر كان يدعى سكن الخريجين. وكانت دائرة المعارف الكويتية تصرف للطلاب زيا مدرسيا على دفعتين كل عام، كما كانت تدفع مصروف جيب شهريا لطلبة القسم الداخلي، وتوفر وجبات مجانية في مطعم ملحق بالسكن الداخلي.
كان احمد يستفيد من مصروف جيبه في شراء احتياجاته وكتب قراءاته وتنقلاته ما جعله يرتاح نفسيا، فلا يثقل مالياً لا على شقيقه ولا والدته ما عدا اللجوء لمساعدتهما بثمن تذكرة سفره الى البحرين خلال الاجازات الصيفية.
ويذكر احمد بعض الطلبة الذين درسوا معه في صفوف المرحلة المتوسطة،
فمن البحرينيين كان الاخوان خليفة ومحمد امين، كما تعرّف الشملان في المدرسة على الاخوة العمانيين الثلاثة عبدالعزيز القاضي، ويصغر احمد بقليل، واخويه عبدالرحمن واحمد القاضي ويكبران احمد بقليل، لكن احدا من الثلاثة لم يزامل احمد في اي صف من الصفوف.
مع بلوغه مرحلة الدراسة الثانوية العام الدراسي 1960/1959 انتقل الى مدرسة الشويخ الثانوية للبنين واكمل بها دراسته الثانوية في القسم العلمي. كما انتقل الى سكن داخلي جديد هو سكن الشويخ وهو عبارة عن عنابر تصطف على جانبيها الكثير من أسرّة الطلبة المقيمين.
بدأ اهتمامه بالسياسة ومارس النشاط السياسي منذ كان في المرحلة المتوسطة، فقد شارك في المظاهرات التي جرت في الكويت عام 1958 تأييدا للوحدة بين مصر وسوريا،
وكان في السادسة عشرة من عمره طالبا بالصف الرابع المتوسط. ثم اتسع نشاطه الطلابي والسياسي في المرحلة الثانوية، فقد اظهر حماسا وتفاعلا كبيرا وشارك في المناقشات واللقاءات السياسية المنوعة التي كانت تجري بين الطلبة في المدرسة او في السكن الداخلي.
وبرز اسمه كناشط طلابي، كما شارك في الحشود التي استقبلت المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد خلال زيارتها لدولة الكويت عام 1959،
وحضر لقاء الطلبة العرب مع المناضلة الجزائرية بناء على الدعوة التي وجهها وزير الخارجية الكويتي آنذاك الشيخ صباح الاحمد الصباح لمجموعات من الطلبة العرب للقاء بوحيرد، وقد حظي احمد بمصافحتها وكانت بالنسبة له مثالا للنضال الوطني ضد المستعمر والتضحية في سبيل الاستقلال.
كما نشط مدرسيا بالمشاركة في المهرجانات والاجتماعات المدرسية ذات الطابع الوطني، الى جانب حماسه في خوض الكثير من المناقشات السياسية واتجاهه لتوسيع قراءاته المتنوعة.
الخلية البعثية
خلال دراسته في الصف الاول الثانوي اتصل به طالب اردني يدعى وليد الخطيب، ينتمي لحزب البعث العربي الاشتراكي وعرض عليه الانضمام للحزب،
فأعجب أحمد بطروحات الحزب القومية وتحمس للانضمام ووافق، وقد التحق بخلية بعثية ضمته مع طالب كويتي يدعى ناصر الصقعبي وطالب فلسطيني يدعى وليد جرار، وكان مسؤول الخلية الاردني وليد الخطيب،
كانوا يجتمعون لمناقشة الادبيات البعثية وخاصة مؤلفات ميشال عفلق، واحيانا كان الخطيب يأخذ سيارة والده ويجمع افراد الخلية ويخرجون للبر خارج مدينة الكويت ليلتقوا في اجتماع مع قائد بعثي اعلى رتبة من وليد الخطيب وهو اردني الجنسية يدعى جبريل فارس.
استمر أحمد في الخلية البعثية لمدة ستة اشهر، وكان خلال تلك الفترة قد تعرف على زميله الطالب البحريني عبدالعزيز محمد بوحجي الذي كان يقيم مع عائلته في الكويت،
والذي كان والده محمد يوسف بوحجي احد المبعدين من البحرين بعد الاحداث السياسية التي قادتها هيئة الاتحاد الوطني في البحرين 1954ــــ 1956.
وظلت حركة القوميين العرب تنظيما سياسيا معارضا يلتزم بالسرية التامة في عمله النضالي ويربي اعضاءه عليها،
يقول محمد جمال باروت: «يمكن القول ان حركة القوميين العرب قد صممت تنظيميا خلال طورها القومي التقليدي في الخمسينات، بشكل تكون فيه جهازا حديديا محكم الاغلاق والتماسك وتحكمه انظمه الطاعة والسرية».
آمن أحمد بذلك الفكر وترجمه في نضاله ومسلكه الحياتي وصداقاته وعلاقاته، يقول صديق دراسته في المرحلة الثانوية د. عبدالمالك خلف التميمي: «زاملت أحمد الشملان في المرحلة الثانوية وكان المد القومي قوياً، وكنا نشارك في الانشطة الوطنية العامة، كانت قضيتنا هي العروبة وقضية فلسطين، وكنا مشغولين بالهم العام اكثر من دراستنا».
من جانب آخر، تظهر مراسلات أحمد الشملان مع اصدقائه في سنوات الدراسة المتوسطة بالكويت تشبعه بالفكر القومي وحماسه في التعبير عنه، كما تظهر ان قضية النضال ضد الاستعمار كانت موضوعا للنقاش بينه وبين اصدقائه، في 20 اغسطس 1957 كتب له صديقه الكويتي جاسم أحمد النصف الذي كان يصطاف مع اهله في لبنان رسالة قال فيها: «اقدم لك هذه الرسالة من جبال لبنان العالية الى بلاد البحرين الثائرة في وجه الاستعمار، ونطلب من الله ان يوفقهم في كفاحهم ضد الاستعمار».
القوميون العرب و{الطليعة}
بقي احمد تحت المسؤولية التنظيمية للاستاذ محمود رمضان ما يربو على العامين الى ان تخرج من الثانوية العامة صيف 1963. وكان لحماسته على تحمل المسؤوليات التنظيمية الموكلة اليه ان ارتقى في السلم التنظيمي بشكل مطرد، واوكلت اليه مهام تنظيمية اكبر، فقد عرفه الاستاذ محمود رمضان على مسؤول تنظيمي آخر يدعى علي رضوان، وهذا بدوره ارسله الى الاستاذ سامي المنيس بدار الطليعة.
كان الشملان يزور مجلة الطليعة شبه الناطقة باسم حركة القوميين العرب في الكويت منذ أن تأسست، يقول الكاتب الكويتي الاستاذ احمد الديين: «احمد كان يتردد على مجلة الطليعة واعتقد انه كان يتردد عليها قبلي اي منذ تأسيس الطليعة عام 1962».
كان احمد يلتقي في مجلةالطليعة بالشخصيات الكويتية القيادية في حركة القوميين العرب، يقول: «اهتم الاستاذ المرحوم سامي المنيس بي وناقش معي الاوضاع السياسية العربية عدة من المرات، ثم استفسر مني عن وضع الحركة في البحرين، فأجبته بأني لا اعرف، ويبدو ان الاستاذ سامي المنيس كان يعدني لمهمة سفر حيث طلب مني السفر الى البحرين في عطلة الربيع مارس 1962واوصاني بمقابلة عبدالرحمن كمال مع تكفل الحركة باتعاب سفري».
كان احمد حينها في الصف الثالث الثانوي، وعمره 19عاما، ولا يملك مالا يسمح له بالسفر، ففكر في مبرر يقوله لشقيقه يوسف عن مصدر ثمن تذكرة سفره حيث لم يعتد على السفر خلال عطلة منتصف العام الدراسي، ادعى لشقيقه يوسف انه وفر ثمن التذكرة من مصروف جيبه وسيسافر الى البحرين في عطلة الربيع، وهكذا وبتكليف ودعم من الحركة قام الشملان بأول مهمة سياسية يكلف فيها بالسفر من مكان الى آخر. وصل البحرين في 13مارس 1962وهناك مر طالب الثانوية بتجربة لقاء تنظيمي مع واحد من اهم قيادات حركة القوميين العرب ليس في البحرين فحسب، بل على مستوى القيادة المركزية للحركة هو عبد الرحمن كمال. اوضح عبد الرحمن كمال لأحمد ان وضع الحركة في البحرين صعب جدا ومقيد بسبب تركيز رقابة وملاحقة البوليس السياسي، مما اثر في الوضع الداخلي للحركة مسببا انقطاع العلاقة بين القيادة والقواعد.
بقي الشملان في البحرين اسبوعا ثم اقفل راجعا الى الكويت، يقول عن تلك المهمة: «شعرت بالفرح والفخر ان اكلف بمسؤولية تنظيمية هي السفر لمقابلة احد القياديين الكبار في الحركة وانا لم ازل طالبا في المدرسة، ولم يمض على انضمامي للحركة اكثر من عامين».
الا ان فرحة احمد بما مُنح من ثقة لم تكتمل، ففي الفترة التي زار فيها البحرين واجه حادثة عائلية سببت له ازمة نفسية كبيرة، كان شملان شقيق احمد طالبا بمدرسة المنامة الثانوية، وفي تلك الفترة قام طلبة المدرسة بتظاهرات تضامن مع مصر وعبدالناصر، لم يكن لشملان اي انتماء أو نشاط سياسي، لكنه اعتقل ضمن حملة اعتقالات عشوائية لطلاب المدرسة فقبض على كل من وقع تحت يد رجال الأمن وأودع سيارة الشرطة.
غادر البحرين الى الكويت بتاريخ 25 مارس 1962 وهو في أقصى حالات المعاناة من تبعات ما حدث.
خلال دراسته في الصف الثالث الثانوي حدثت تظاهرات في الكويت تزامنت معها تظاهرات طلابية مؤيدة بثانوية الشويخ، وقد هجمت الشرطة على المتظاهرين وضربوا الطلبة والمدرسين. هرب أحد اصدقائه من الطلبة الكويتيين واختبأ في أحد شاليهات منطقة أبو حليفة، وقد سأل عن المكان الذي يختبئ فيه صديقه وقام بزيارته في الشاليه. وقد بقي الطالب مختبئا في الشاليه لمدة شهر ثم هربته حركة القوميين العرب التي ينتمي لها خارج الكويت، وعاد بعد ذلك بعام.
«الكنابل» و«القنابل»
في العام الدراسي 1963/1962 كان في الصف الرابع الثانوي (التوجيهي)، وخلال تلك الفترة واصل نشاطه السياسي عضوا في حركة القوميين العرب، وكان يحضر لقاءات واجتماعات خاصة في مجلة الطليعة. في ذلك العام يبرز دوره كقيادي على مستوى المدرسة وفي صفوف الطلبة، يتذكر د. عدنان الأسدي ذلك العام فيقول: «في السنة الرابعة الثانوية جرى في العراق فبراير 1963 انقلاب عبدالسلام عارف ضد عبدالكريم قاسم، وتم اغتيال عبدالكريم قاسم فيما سمي بثورة الثامن من رمضان، وقد اقام الطلبة مهرجانا خطابيا في المدرسة كان أحمد الشملان هو المنظم للمهرجان، وقد طلب مني أن ألقي كلمة باسم شباب فلسطين، ولم أكن متعودا على مواجهة الجمهور وإلقاء الكلمات، لكنني وافقت على طلب أحمد وكتبت الكلمة بسرعة وحينما واجهت الجمهور كنت انتفض وقرأت الكلمة وأنا مرتبك ولا أعرف ماذا قلت».
تزامل في الصف الرابع الثانوي وترافق في صفوف حركة القوميين العرب مع طالب بحريني قدم من البحرين لنيل الثانوية العامة بمدرسة ثانوية الشويخ بالكويت. كان ذلك الطالب هو د. غازي محمد المحروس (الطبيب البحريني المعروف) الذي يتذكر تلك الأيام قائلا: «كان لدى والدي شريك كويتي في التجارة اسمه صبيح البراك الصبيح فألحقني والدي بثانوية الشويخ وأوصى عليّ صديقه. في ثانوية الشويخ تعرفت على أحمد الشملان لأول مرة، وكنت مثله منتظما في صفوف حركة القوميين العرب، ومن أطرف ما أذكر عن تلك الأيام اننا كنا في رحلة تخييم في بر الكويت من تنظيم المدرسة، كان الجو باردا جدا، ومن شدة البرودة جاءني أحمد قائلا: هيا بنا نحضر «الكنابل» وهي كلمة من العامية الكويتية تعني البطانيات، ولم أكن أعرف المقصود بكلمة «كنابل»، فوجدت نفسي - وبروح انتمائنا لحركة القوميين العرب - أفهم الكلمة على أنها قنابل. وافقت أحمد وذهبت معه وأنا أفكر بخوف كيف سنحمل القنابل وماذا سنعمل بها دون ان أجرؤ على سؤاله، وما ان وصلنا الى خيمة الحاجيات والمؤن حتى اكتشفت ان القنابل لم تكن سوى البطانيات التي ستحمي أجسادنا من برودة الطقس».
في منتصف العام الدراسي 1963/1962 سافر بتاريخ 13 مارس 1963 الى البحرين مرسلا من قيادة الكويت في مهمة تتعلق بالوضع التنظيمي في البحرين لا يتذكر الآن طبيعتها، وكان قد أعطي اسم القيادي أحمد حميدان ليتصل به.
حينما كان أحمد الشملان في الصف النهائي بالمرحلة الثانوية، حدثت مظاهرة في الكويت في مارس من العام ذاته، قام بها عمال يمنيون تضامنا مع بلادهم في الحرب الاهلية التي كانت تخوضها، ودخلت فيها اطراف عربية كمصر والسعودية فقامت الحكومة الكويتية بتسفير العمال. وقد تضامن معهم الطلبة الظفاريون واضربوا عن الدراسة واصروا على عدم العودة لمقاعد الدراسة كما اصروا على مغادرة الكويت، وقد توتر الوضع بشكل كبير بين وزارة المعارف الكويتية والطلبة الظفاريين.
بقلق كبير على مصير زملائه الطلبة الظفاريين انشغل بدور الوساطة بينهم وبين دائرة المعارف الكويتية، فكان كل يوم يتوجه للوزارة ويلتقي بمسؤول الطلبة خميس عبداللطيف يبحث معه الامر ويرجوه الحل.
العودة للكويت
بقي في القاهرة من اغسطس الى ديسمبر 1963 يداوم في كلية الهندسة، فيئس وكان في الوقت ذاته يعاني وضعا ماليا صعبا، فقد صرف المبلغ المتواضع الذي تلقاه من شقيقه يوسف، كما صرف مبلغا ساعده به ابن خاله عبدالله بن خليفة الشملان. ضاقت الدنيا به نتيجة تأخر القبول وقلة ذات اليد فقرر العدوة للكويت، اتصل بشقيقه يخبره عن وضعه الصعب في القاهرة ورغبته في العودة للكويت فأرسل له يوسف تذكرة وعاد الى الكويت.
عاد الشملان الى الكويت واقام في منزل شقيقه يوسف الذي انتقل منذ عام 1961 الى بيت في منطقة «الشعب» بمدينة الكويت. وبناء على قرار تنظيمي من الحركة في القاهرة نشط احمد في حملة جمع تبرعات للطلبة البحرينيين في القاهرة استمرت لمدة شهرين. كان كل صباح يمر على المؤسسات التجارية الكبرى، وكذلك على رئيس واعضاء مجلس الامة لجمع التبرعات، ثم يبعثها مع المسافرين مرفقة بمستندات التبرع المسجلة باسم رابطة طلبة البحرين في القاهرة. كما بدأ يبحث عن عمل، وبناء على توصية كتبها الدكتور احمد الخطيب الى صالح شهاب وكيل وزارة الارشاد والانباء آنذاك حصل احمد على وظيفة مرافق ومرشد وفود في العلاقات العامة بالوزارة والتحق بالعمل في 19 فبراير 1964.
(يتبع)
نادي الاستقلال
رافق العديد من الوفود الأجنبية من بريطانيا وفرنسا والسويد، الى جانب الكثير من الوفود العربية. أما أمتع فترة قضاها بمرافقة وفد زائر فكانت مرافقته للفنان المرحوم عبدالحليم حافظ الذي زار الكويت خلال فترة عمله بالوزارة عام 1964 ومعه الموسيقار كمال الطويل والوفد المرافق لهما. يتذكر احمد تلك الزيارة بقوله: «كنت من عشاق صوت عبدالحليم واغنياته العاطفية والوطنية. أجمع اسطواناته وأتبادل كلمات اغانيه مع اصدقائي، ولم يدُر بخلدي أبدا ان الحياة ستمنحني فرصة التعرف عليه عن قرب ومرافقته رسميا حتى انتهاء زيارته للكويت».
عاش في الكويت وسط عائلة شقيقه واصدقاء عديدين يذكر منهم سليمان العسكري وناصر العلي اللذين كانا زملاء دراسة له في القاهرة.
وكانت له علاقات واسعة مع كثيرين من رفاق العمل السياسي. كان يتردد على نادي «الاستقلال» الذي كان ناديا ثقافيا يؤمه المثقفون وقادة حركة القوميين العرب. ومن اعضائه د. احمد الخطيب وسامي المنيس وحسين اليوحة وغيرهم. وكان احمد يذهب يوميا الى مقر جريدة «الطليعة» ليلتقي اصدقاءه. وكان يواصل عمله السياسي ويجتمع فكوّن علاقات تنظيمية وصداقات مع الفلسطينيين والخليجيين.
كانت له صداقة قوية مع الفنان الشهيد ناجي العلي وعدنان شرارة مدير تحرير مجلة الطليعة التي كان رئيس تحريرها آنذاك سامي المنيس. وعلى الرغم من ان احمد كان يصغر صديقيه الفلسطينيين (ناجي وعدنان) فإنه ارتبط بهما ووطد صداقته معهما من خلال اللقاءات في مجلة «الطليعة». وفي «الطليعة» كان له لقاء آخر مع الصحافي البحريني علي صالح الذي ترك البحرين الى الكويت عام 1964، وصار يعمل في مجلة «الطليعة». كانت «الطليعة» ملتقى لتلك الوجوه وتمثل الوجه السياسي لحركة القوميين العرب. يتذكر الصحافي علي صالح الفترة المذكورة بقوله: «عام 1964 عينت في مجلة الطليعة بوظيفة مسؤول عن ابناء الخليج والجنوب من الناحية الصحافية وليس من الناحية التنظيمية، فكنت أكتب عن قضايا الخليج والجنوب أي اليمن وعمان بما في ذلك ظفار. وهناك التقيت أحمد الذي كان يتردد آنذاك على الطليعة. وكنت اعرف أنه معنا في حركة القوميين العرب، لكني لا اذكر تفاصيل محددة حول لقاءات تنظيمية أو اجتماعات معه». ظل الشملان مقيما بالكويت باقيا في عمله بوزارة الارشاد والانباء، لكنه بعد فترة بدأ يلاحظ أن مسؤوله في العمل يطلب منه مهام خارجة عن نطاق عمله كمرافق ومرشد وفود داخلة في مهام التفتيش على المؤسسات الخاصة الثقافية التي يشمل نطاق عملها التعامل مع الكتب والمطبوعات، كأن يطلب منه أن يمر على مكتبة معينة ويسجل قائمة الكتب المعروضة بها وهكذا. شعر أحمد بأمر مشبوه وغير مقبول ــ بالنسبة له ــ في هذا العمل، وقد أسر بهواجسه تلك للشخصية القومية القيادية د. أحمد الخطيب، وكان ذلك سببا قويا لأن يدور في ذهنه قرار ترك العمل.
أخبر شقيقه يوسف برغبته في العودة للبحرين، إلا ان يوسف الذي كان مرتاحا لاستقرار شقيقه في عمل جيد رفض فكرة سفر أحمد ورفض تسليمه جواز سفره. وحينما وجد أحمد شقيقه يوسف متشددا في موضوع عودته إلى البحرين، اتصل بوالدته يطلب منها ان تكلم شقيقه يوسف ليسلمه جواز سفره، وهكذا لم يستطع يوسف ان يرفض طلب الوالدة فتسلم احمد جواز سفره، وبأقصى سرعة أنهى اجراءات عودته لوطنه البحرين.
في الحلقة الثانية تحدثت الكاتبة فوزية مطر عن قصة الخلية البعثية، التي انضم إليها وعلاقته بحركة القوميين العرب والمهام، التي كلفه بها سامي المنيس وارتباطه بنادي الاستقلال ومجلة الطليعة، وهذه الحلقة الثالثة والأخيرة نستعرض فيها تجربته في الكويت وحبه لها.
حضن الحب والعودة
غادر الكويت التي قضى بها كل صباه ومطلع شبابه حاملا اياها في قلبه محملا بذكرياته فيها ومع اهلها، ولم يزل حتى اليوم يعشق الكويت ولا يسميها الا «حضن الحب»، وقد عبر عن مكنوناته تجاه الكويت في مقال بعنوان «حضن الحب» قال فيه: «في خليجنا العربي واحة من نوع خاص جدا نحبها.. فهي تظل دائما بالنسبة لنا حضن الحب الدافئ المتميز بدفئه وسمو مودته، هذا الحضن الدافئ هو الكويت، وكل يرى الكويت من زاويته الخاصة، اما الذي تشرّب من روح الكويت السامية ولفحه حرها و«طوزها» الفريد في غباره، وتحسست يداه سورها الطيني البسيط الساذج في براءته، من لمس كل هذا وعاشه فهو لن يستطيع ان ينتزع الكويت من داخله وينظر اليها من زاويته الخاصة كشيء خارج عنه، بل سينظر اليها ليرى من خلالها نفسه لا ليرى نفسه من خلالها».