كتاب عن طاغية تونس - أمر مثير للأسى هذا المستوى المخزي .....
امر مثير للاسى و الحزن
ان
يكون من حكم تونس بالحديد و النار و بقسوه تقشعر لها الابدان
بهذا المستوى المخزي
في ظل الملكة (1) ليلى الطرابلسي لجأت للسحر والشعوذة للسيطرة على الرئيس
بن علي يقبل يد زوجته ليلى
تأليف: لطفي بن شرودة
ترجمة: حسن الحسيني
اعده للنشر: محمد أمين
صدر في باريس أخيراً كتاب «في ظل الملكة» عن دار نشر ميشال لافون لكاتبه (أو بالاحرى راويه) لطفي بن شرودة.
وكان بن شرودة يعمل طاهياً وخادماً في قصر الرئاسة التونسي، وقد اختارته ليلى بن علي زوجة الرئيس التونسي المخلوع ليكون بخدمتها.
الكتاب يروي بداية حياة ليلى الطرابلسي الفقيرة في بيت صغير في وسط تونس القديمة، وصولاً الى اللحظات الأخيرة التي عايشها في القصر، وكيف رأى عائلة ليلى اخوتها واخواتها يلجأون الى القصر الرئاسي، هرباً من غضب الشعب التونسي.
ويسلط الكتاب، الذي شاركت في صياغته ايزابيل سوارس بوملالا الضوء على جوانب من شخصية ليلى الطرابلسي، وكيف تمكنت من السيطرة على زوجها رئيس الجمهورية لتحول تونس الى جمهورية موز تسيطر على اقتصادها وقراراتها مع بقية افراد اسرتها، كما يروي لطفي بن شرودة كيف ان سيدة تونس الاولى كانت تلجأ الى السحر والشعوذة للسيطرة على زوجها، ويتطرق الكتاب الى الخيانات الزوجية المتبادلة بين الرئيس وزوجته.
كما انه يروي كيف ان ليلى الطرابلسي وزوجها زين العابدين بن علي خدعا سهى عرفات واستوليا منها على عدة ملايين من الدولارات، وكيف حاولت ليلى ان تزوج سهى عرفات من شقيقها الذي طلق زوجته لهذه الغاية.
القبس تنشر بعض فصول الكتاب:
الملكة السوداء
الزمان: يوليو عام 1992. الشمس تسطع بقوة في سماء الحمامات هذا الصباح سيكون النهار حاراً للغاية.
عند الفجر شاهدت أشعة الشمس وقد بدأت تشعل الخليج وتلمع على صفحة الماء.
ومن خلال الزجاج المحيط بالقصر، كان بمقدوري الاستمتاع بهذا المنظر الخلاب وبالهدوء الذي لا تكسره سوى زقزقة العصافير. ولكني كنت أفكر بما ينتظرني «كم من الوقت سأمضي تحت هذه الشمس المحرقة، حيث سأُشوى في الوقت ذاته مع اللحم المشوي. تراكم التعب يجعل من الصعب استجماع القوى والحفاظ على رباطة الجأش، بينما كل أفراد قبيلة الطرابلسي يتشمسون بكسل ويطلبون بأصوات عالية ان املأ لهم الصحون.
المشعوذة صالحة
لم يعد تدليك زملائي لظهري بزيت الزيتون والسانتول يكفي للتخفيف من آلامي، فقد أصبحت مفاصلي شبه صدئة والآلام تفتت عضلاتي. ثلاث ساعات راحة غير كافية لتجديد قواي. ولكن ليس أمامي خيار آخر سوى الحفاظ على وظيفتي.
السيدة تناولت الفطور باكراً هذا الصباح. في قاعة السفرة الكبيرة بمفردها، كنت في المطبخ، عندما اتصلت بي عبر الهاتف، صارخة في وجهي: «حضّر الكانون».
وكنت في كل صباح أشعل الكانون وبعد ان يصبح الفحم جمراً أحمر أضعه في وسط المنزل في القاعة الكبرى. كانت ليلى لا تزال في قميص النوم، وأمرتني أن أضعه على الأرض وان أجلب لها حرباء وسكين.
بالقرب من مكان عملي يوجد قفص وبداخله حرباء من الغرب الأفريقي، عادة ما تقترب منها وتلاعبها مع شقيقاتها. فتحت باب القفص وأمسكت بواحدة.
«انتظرني هنا» - قالت لي، «انتظر من دون طرح أي سؤال».
عادة تحرق صباح كل يوم حرباء حيّة في الكانون. وكانت الحرباء تصرخ ألماً كالطفل، فيعتمرني الحزن الشديد. ولكن أصبح ذلك نوعاً من الطقوس التي اعتدت عليها رغم أنفي.
وذات صباح فوجئت بوجود امرأة أخرى مع ليلى. امرأة تدعى صالحة ذات جسد ضخم وعينين واسعتين مثل اللبؤة، اما الملابس السوداء والخمار الملون على رأسها مثل الولفية التي تجترع المعجزات في معبد دلف، فإنها لا تبشر بالخير. لقد شعرت بشيء من الخوف، فهذا صباح لا يُطمئن.
وهي تشكلُ جزءاً من أمتعة السيدة، إذا جاز التعبير. ومنذ ان استقرت في قصر دار السلام في قرطاج وهي معروفة بممارسة الشعوذة وتأتي من وقت إلى آخر الى القصر لتقرأ في ورق اللعب وتنجز بعض الأعمال لليلى وشقيقاتها.
المعلم الكبير
بالأمس لم أشاهدها في القصر. وفي الصباح الباكر، وصلت وهي تحمل بيدها علبة مغلقة من الفضة.
سنرى المعلم الكبير - قالت لي ليلى. يجب الا تخاف. وسأشرح لك ما يتعين عليك القيام به. ولا تخف لأنني سبق وتحدثت اليه مع صالحة وهو على علم بكل شيء.
عليك ان تذبح الحرباء. وتضع إصبعك في دمها وترسم دائرة على كاحل الرئيس وكأنك تكحلها. وعليك ان تقوم بذلك بهدوء شديد والا تترك أي لون أبيض حتى تغطيه الدائرة كلياً.
واعتدت على سماع صراخ الرئيس وشكواه خاصة عندما كان يستيقظ ويجد تحت رأسه حرباء. وكان يعثر عليها دائماً وفي كل مكان. تحت السرير، تحت المخدة، تحت الكنبة. في كل الأماكن التي يجلس فيها.
وكان يصرخ «ماذا فعلت بي باسم الله أعوذ بالله»، فترد عليه ليلى:
أنت تعرف اننا نحميك! فأنت لا تعرف كم من الناس يغارون منك وكم يحقدون عليك. ولا يوجد أحد سواي يدافع عنك! أساعدك لكي تنام أريد ان تكون بأحسن حال.
أجواء ثقيلة
ومع الوقت اعتاد الرئيس واستسلم. اما نحن فكنا نتجاهل ما يحدث. وكأننا لا نسمع شيئاً في هذه الأجواء الثقيلة، وكنا نكتفي بالتنظيف ونغسل أيدينا ونسمي بالله ثلاث مرات.
لذلك جعلتني ليلى هذا الصباح اشعر انني شاهد على شيء خطير. شعرت بما يختلج في صدري، وكررت علي عدة مرات لا تخف، يجب ألا تخاف، لكني اعتدت على الخوف، لانه كان حاضرا دائما.
إننا جميعا نعيش حالة من الخوف، ففي أي لحظة يمكن أن تتغير الأمور رأسا على عقب، والحدود بين الحرية والقهر لم تحدد في يوم من الأيام. وبالطبع، كلما حاولت طمأنتي كلما ازددت اضطرابا.
وقفت أمام مكتب الرئيس التقط انفاسي، واسترق السمع لمعرفة ما يحدث بعد ان دخلت اليه مع صالحة. وسمعتها تقول ان لطفي يقف ومعه الحرباء وقد ذبحها لك.
وبعدها ناداني الرئيس: ادخل يا ولد.
مصدر سخرية
دخلت احمل الكانون والسكين بيد، والحرباء باليد الأخرى. انفعلت لدى رؤيتي للرئيس، ولكنني تجرأت بالنظر إلى عينيه. وكنت على استعداد في قرارة نفسي أن أعصي الأوامر، إذا ما شعرت أنه متردد. فانفجر بالضحك مثل الولد الصغير، وكأن الأمر كان مصدر سخرية بالنسبة له.
• ماذا ستفعل اليوم يا ولد؟
ــــ سأذبح الحرباء، سيدي الرئيس.
• أنت إذن قاتل! قال لي وضحك مجددا.
نظرت إلى السيدة، فأشارت لي إلى المكان الذي يجب أن أقف فيه.
قام الرئيس من مكانه، وكان يرتدي جلابية بيضاء، وجلس على مقعد في منتصف القاعة. رفع تربيزة صغيرة ووضع قدمه عليها. ووقفت السيدة خلفه ووضعت يدها علىكتفيه.
ألقت صالحة، التي كانت تقف إلى جانبه، بالبخور في الكانون، وراحت تهمس بكلمات غير مفهومة، افعل ما طلبت منك القيام به! أمرتني ليلى.
ماذا ستفعل بي سألني الرئيس ضاحكا؟ ردت ليلى قائلة:
سيضع دم الحرباء كما شرحت لك. فاقتربت من قدم الرئيس ونحرت الحرباء، حيث بدأ الدم ينهمر.
طقوس غريبة
أيها المجرم ماذا تفعل، قال الرئيس وراح يضحك من جديد ليخفي انزعاجه، وبينما كنت اضع دم الحرباء على اصبعي تحت مراقبة ليلى، قلت لنفسي: الآن وبعد أن قمت بما طلب مني سيعدمونني، وأحسست بأن الوقت القصير الذي يتطلبه رسم الدائرة على كاحل الرئيس هو دهر بكامله.
وما ان انتهيت حتى وقف الرئيس، وعاد إلى مكانه خلف مكتبه، وهو يضحك باستمرار، وأمرتني ليلى بأن أحمل الكانون وأدور به سبع مرات خلف مكتب الرئيس.
وما ان بدأت بتنفيذ أوامرها، حتى ضاق المكتب بالدخان المتصاعد من الكانون. وضاق معه صبر الرئيس الذي صرخ بأعلى صوته، اخرجوا جميعا. كفاني، اخرجوا من مكتبي.
توجهنا إلى القاعة التي نضع فيها عادة الكانون. وقالت لي عليك أن تشف الحرباء كليا. اخذت خلطة سوداء اللون ممزوجة بالعسل، وملأت بطن الحرباء، وأمرتني بأن أطمرها تحت الجمر، لكي تحترق كليا.
• احترس لا تنطق لأحد بكلمة.
ــــ اعرف ذلك، اعرف ذلك جيدا سيدتي.
ولا داعي لتذكريني، فأنا أعرف ما الذي ينتظرني فيما لو تحدثت لأحد عما شاهدت.
عدت إلى المطبخ، وأنا افكر فيما يحدث من حولي، وأفكر بالرئيس وبقوته عندما بدأت بخدمته، فأنا لا أؤمن بالشعوذة التي تمارسها الطبقات الشعبية، والتي تخطاها الزمن، ولكنني كنت ألاحظ ان ارادة الرئيس تضعف يوما بعد يوم، منذ أن بدأت ليلى باخضاعه لطقوس السحر، وحيث بدأ ميزان القوى يتغير لمصلحتها. وفي كل مرة كانت تظهر أنها اقوى وأكثر هيمنة. وكانت لا تعرف كلمة المستحيل بينما كان الرئيس يضعف باستمرار. ويتساءل عديد من التونسيين، كيف أمكن لهذه المرأة أن تستحوذ على هذا القدر من السلطة في البلاد؟
الحلقة المقبلة
نبأ وفاة البوعزيزي أصاب القصر الجمهوري بالذعر
في ظل الملكة (2) ليلى الطرابلسي تلطم وتصرخ: لقد مات.. لقد مات
صدر في باريس أخيراً كتاب «في ظل الملكة» عن دار نشر ميشال لافون لكاتبه (أو بالاحرى راويه) لطفي بن شرودة.
وكان بن شرودة يعمل طاهياً وخادماً في قصر الرئاسة التونسي، وقد اختارته ليلى بن علي زوجة الرئيس التونسي المخلوع ليكون بخدمتها.
الكتاب يروي بداية حياة ليلى الطرابلسي الفقيرة في بيت صغير في وسط تونس القديمة، وصولاً الى اللحظات الأخيرة التي عايشها في القصر، وكيف رأى عائلة ليلى اخوتها واخواتها يلجأون الى القصر الرئاسي، هرباً من غضب الشعب التونسي.
ويسلط الكتاب، الذي شاركت في صياغته ايزابيل سوارس بوملالا الضوء على جوانب من شخصية ليلى الطرابلسي، وكيف تمكنت من السيطرة على زوجها رئيس الجمهورية لتحول تونس الى جمهورية موز تسيطر على اقتصادها وقراراتها مع بقية افراد اسرتها، كما يروي لطفي بن شرودة كيف ان سيدة تونس الاولى كانت تلجأ الى السحر والشعوذة للسيطرة على زوجها، ويتطرق الكتاب الى الخيانات الزوجية المتبادلة بين الرئيس وزوجته.
كما انه يروي كيف ان ليلى الطرابلسي وزوجها زين العابدين بن علي خدعا سهى عرفات واستوليا منها على عدة ملايين من الدولارات، وكيف حاولت ليلى ان تزوج سهى عرفات من شقيقها الذي طلق زوجته لهذه الغاية.
القبس تنشر بعض فصول الكتاب:
لقد مات، لقد مات، لقد مات، كانت ليلى تصرخ بشكلٍ هيستيري، وهي تحمل سماعة الهاتف المشدود الى اذنها، وتضرب على فخذيها، باليد الثانية بقوة.
لم نسمع اسم الشخص الذي توفي، ولكن الجميع فهم انه محمد بوعزيزي. اننا في الرابع من شهر كانون الثاني 2011، وقد توفي محمد في المستشفى في بن عروس في جناح الحروق البليغة.
مدينة سيدي بوزيد تبكي واحدا من ابنائها الذي صادف حظة التعيس انه التقى في طريقه، قبل اسبوعين، شرطية قررت حرمانه بشكلٍ تعسفي، من وسيلة الحصول على قوته.
كان الأمر في غاية البساطة، طلبت الشرطية، المكلفة بتطبيق القانون في السوق من محمد شهادة صحية. لم يتمكن محمد من احضار الشهادة، لأنه لا يمتلك مثل هذه الشهادة الصحية. وكان يمكن للأمور ان تقف عند هذا الحد، لو ان محمد عرض عليها رشوة كما يحدث عادة.
ولكن الشرطية، صادرت عربة الخضرة، فهددها محمد برفع شكوى ضدها، فما كان من الشرطية الا ان صفعته. راح محمد يصرخ. ولكن احدا لم يتدخل. ذهب الى المحاكم للتقدم بشكوى. واذا به يتلقى التهديدات مُجددا ويتعرض للشتم. شعر بالاهانة، فأضرم النيران في جسده.
طفح الكيل
إن هذا الوضع هو النتيجة المباشرة لسياسة دولة ظلت تتجاهل المناطق النائية والمحرومة، والتي من الصعب العثور فيها على العمل، فضلا عن ان الرواتب لا تكفي فعليا. وبائع الخضار والفاكهة في منطقة زراعية مثل سيدي بوزيد بالكاد يكسب قوته. عشرة دنانير في اليوم في افضل الحالات. وعندما يكون هناك اسرة يجب اعالتها، فسعر كيلو اللحم 14 دينارا، وسعر ليتر الحليب دينار واحد.
وموظفو الدولة ليسوا افضل حالا. فرواتبهم بالكاد تكفي الاحتياجات الاساسية لعائلاتهم. اذن الحياة صعبة في مملكة تدبير الامور بالتي هي احسن. وهكذا، فقد طفح الكيل بالنسبة للكثيرين.
محمد بوعزيزي انهى دراسته الثانوية وحاز على اجازة. ولكن دراسته لم تساعده في العثور على عمل يتماشى مع شهادته. وراح يبيع الخضار من دون ترخيص لأنه كان يبحث عن لقمة العيش بكل بساطة.
محمد قضى نتيجة الحروق الخطيرة التي أصيب بها. وحدهم الذين فهموا ثورتهم هم أولئك الذين يكافحون يوماً بعد يوم من أجل البقاء. والأكثر من ذلك، ان محمد كان من بين الناس الذين كان لهم طموح كبير في هذه الحياة وممن كانوا يحلمون بأشياء كثيرة. الثانوية هي الخطوة الأولى نحو مدرسة التمرد. ومحمد حلم بمستقبل مختلف. وكونه تعلم على غرار الآلاف مثله من حملة الشهادات الجامعية في مختلف أنحاء البلاد لم يتحمل كثيراً الواقع اليومي. انهم يحلمون بالحرية وبمشاريع مستقبلية، والتفكير خطير، لأنه يعلم المرء الا يكون هادئاً.
رمز الثورة
أما الشرطية فكانت امرأة واثقة ترتدي البزة العسكرية، وتعرف أنها ستنجو من أي عقاب، لقد بصقت في وجه البوعزيزي وصفعته وقالت له: «إنك لا تساوي شيئاً»، وتفاخرت بقدرتها على أن تدوس على كرامته وأن تعيده الى الحظيرة والى الخضوع.
هذه المرأة - ودون قصد منها - أشعلت الفتيل في جسد محمد، وانتقلت النار الى كل أنحاء المدينة ثم الى المدن المجاورة ثم كل البلدان العربية - أصبح محمد البوعزيزي رمزاً للثورة، والقضاء على الدكتاتورية.
نذير شر
ولذلك فإننا نفهم لماذا كانت ليلى ترصخ. فمراسم التشييع تسببت بمواجهات جديدة.
واليأس قد يدفع بالآخرين للقيام بما فعله محمد. وفي المعتقدات الشعبية عندما يحرق شاب نفسه فإن هذا لا يمكن الا أن يجلب الشر.
وكان النهار قد بدأ سيئاً. في ذلك الثلاثاء حضرنا الغداء كالعادة. انتظرنا لنقدمه ولكن احداً لم يحضر الى غرفة الطعام. القصر كان هادئاً، وفجأة وصل الرئيس بمفرده، وقد بدا عليه الحزن والاحباط والقلق. لم يتجرأ أحد على الاقتراب منه. فمنذ عدة أيام تسيطر على القصر أجواء جليدية.
كامل بديري، أحد الخدم، سأل الرئيس اذا كان يريد أن يقدم له الغداء. لا، لا فقط كأس زهورات، أجاب وهو غارق في تفكيره.
من يملك الشجاعة؟
حليمة الابنة الثانية للرئيس وصلت وسألت: أين بابا؟
لم يجبها أحد. فلا أحد يعرف أين هو. لقد شاهدناه يدخل الى القصر.
ووجدته حليمة مستلقياً على أريكة فلم تزعجه، وصعدت الى غرفتها وبينما كانت تغير ملابسها سألتها الخادمة كيف هو سيدي الرئيس؟
السؤال يتردد على كل الشفاه. ولكن احدا لا يملك الشجاعة لطرحه.
حليمة تماسكت وسألت الخادمة، لماذا تطرحين هذا السؤال؟ الرئيس متعب ويرتاح.
ردت الخادمة عليها: ولكنه لا يأكل. وهي في القصر منذ فترة طويلة، ولذلك سمحت لنفسها بتخطي بعض الحدود.
كان عمر حليمة ثلاثة عشر عاما عندما دخلت السيدة بلخير في خدمة القصر قبل ان يطلق الرئيس زوجته الأولى، وكانت تدافع عن حليمة وتحضنها.
لقد لجأ الرئيس الى دار السلام عند شقيقته نسرين وزوجها صخر، صهر الرئيس الذي يقع داخل القصر الجمهوري في قرطاج، والذي كان منزل ليلى عندما تزوجها الرئيس في بداية التسعينات، فزوجة الرئيس السابقة كانت لا تزال تعيش في القصر الكبير في قرطاج قصر الحبيب بورقيبة. صخر كان ضمن جدران القصر الرئاسي.
وكان كثيرون يعتقدون انه خليفة الرئيس، وزواجه من نسرين عزز التحالف بين عائلتي بن علي والمطري، هذه العائلة التونسية العريقة المعروفة بتاريخها الوطني، عم والد صخر محمد المطري كان طبيبا مرموقا، ويتمتع بشعبية كبيرة، وهو أول من أسس حزبا سياسيا في تونس، وكان عضوا فاعلا في منظمة الصحة العالمية في الستينات، لكن صخرا وأقاربه لطخوا سمعة العائلة الكبيرة.
الغداء كان مناسبة للنقاش حول السياسة الواجب اتباعها.
حالة عصبية
بعد الظهر اتصلت بالطاهي في دار السلام، وأكد لي انه اعد الغداء الا ان احدا لم يأكل شيئا. الأربعة الرئيس وليلى ونسرين وزوجها كانوا يتباحثون بالخطوات الواجب القيام بها، وكانوا بحالة عصبية. والسؤال الذي يطرح من جديد «ماذا نفعل؟».
وكان يبدو الرعب عليهم، ولا يفهمون كيف يمكن لنظام بوليسي محكم ان يواجه مثل هذه المتاعب. قبل عدة أشهر وفي نوفمبر، وقّع صخر عقدا مع شركة كتيل، عبر مجموعته التجارية المعروفة بالاسم «أميرة»، حيث حصل على %20 من أسهم شركة الهواتف الخليوية التونسية التي تزيد قيمتها عن مئات الملايين من الدولارات، واستدان الجزء الأكبر منها من المصارف التونسية. وسبق له ان افتتح أول مصرف إسلامي في تونس (مصرف زيتونة)، كما انه اشترى شركة ايناكل، ثاني اكبر شركة استيراد سيارات في افريقيا، وكان يعتزم فتح شركة تأمين اسلامية، بعد موافقة المصرف المركزي.
وكانت زوجته حاملا للمرة الثالثة، وتستعد للسفر الى كندا لتضع مولودها هناك، على غرار ما فعلت لدى وضعها ابنتها خديجة، بينما ولدت البنت الكبرى ليلى في تونس.
التظاهرات بدأت بالوصول الى تونس العاصمة، الأمر الذي بدأ ينغص عيش العائلة كلها وخاصة صخر. بعد الظهر بدا التعب والإعياء يظهران على الرئيس، والجميع بات قلقا، لا أحد يجرؤ على الحديث بصوت عال، وكنا نهمس «ماذا يحدث»؟ وكان صراخ ليلى، لقد مات لقد مات لقد مات.. الاجابة الأوضح على كل الأسئلة.
الحلقة المقبلة
لماذا طرد بن علي سهى عرفات من تونس؟
تأليف: لطفي بن شرودة
ترجمة: حسن الحسيني
اعده للنشر: محمد أمين
في ظل الملكة (3) لماذا طُردت سهى عرفات من تونس بعد لقائها القذافي؟
صدر في باريس أخيراً كتاب «في ظل الملكة» عن دار نشر ميشال لافون لكاتبه (أو بالاحرى راويه) لطفي بن شرودة.
وكان بن شرودة يعمل طاهياً وخادماً في قصر الرئاسة التونسي، وقد اختارته ليلى بن علي زوجة الرئيس التونسي المخلوع ليكون بخدمتها.
الكتاب يروي بداية حياة ليلى الطرابلسي الفقيرة في بيت صغير في وسط تونس القديمة، وصولاً الى اللحظات الأخيرة التي عايشها في القصر، وكيف رأى عائلة ليلى اخوتها واخواتها يلجأون الى القصر الرئاسي، هرباً من غضب الشعب التونسي.
ويسلط الكتاب، الذي شاركت في صياغته ايزابيل سوارس بوملالا الضوء على جوانب من شخصية ليلى الطرابلسي، وكيف تمكنت من السيطرة على زوجها رئيس الجمهورية لتحول تونس الى جمهورية موز تسيطر على اقتصادها وقراراتها مع بقية افراد اسرتها، كما يروي لطفي بن شرودة كيف ان سيدة تونس الاولى كانت تلجأ الى السحر والشعوذة للسيطرة على زوجها، ويتطرق الكتاب الى الخيانات الزوجية المتبادلة بين الرئيس وزوجته.
كما انه يروي كيف ان ليلى الطرابلسي وزوجها زين العابدين بن علي خدعا سهى عرفات واستوليا منها على عدة ملايين من الدولارات، وكيف حاولت ليلى ان تزوج سهى عرفات من شقيقها الذي طلق زوجته لهذه الغاية.
تنشر بعض فصول الكتاب:
فجأة سمعنا ان الرئيس فقد وعيه، وسارعت كل العائلة للالتفاف حوله، بعدها بقليل جاءت ليلى الى المطبخ وهي تسأل بصوت عال: ماذا أكل الرئيس؟ اجبناها انه لم يأكل شيئاً، وأكدت السيدة محجوب كلامنا.
وكان الرئيس طلب مني صحناً من الغذاء الصحي، فنفذت الأوامر، وما هي إلا دقائق حتى وصل الدكتور فرجياني والدكتور داخر وهما مختصان بالعناية الفائقة والقلب، في المستشفى التابع للرئاسة، وقد أرسلهما الدكتور محمد غديش الطبيب السابق في المستشفى العسكري، ومستشار الرئيس، لا احد يعرف ما الذي دار بينهم، ولكنهم قالوا لنا ان الرئيس مصاب بتعب وانهاك جسدي.
في هذه الاثناء، كانت ليلى تدخن السيجارة تلو الاخرى وتقطع القصر طولا وعرضاً والهاتف على اذنها.
واخيراً طلبت منا ان نستدعي مدّلكته عربية هيند، التي ترتبط بعلاقة جيدة بليلى والتي تمكنت من تهدئتها.
وكانت عربية تشكل جزءاً من بروتوكول السيدة ليلى عندما كان يسافر الرئيس الى الخارج، ورويداً رويداً باتت تشكل جزءاً من القصر، فهي اكثر من مدلكة، لقد أصبحت من النساء النادرات اللواتي تقيم معهن ليلى علاقة صداقة حميمة، وكانت السيدة الاولى تستدعيها غالباً الى القصر للوقوف الى جانبها، ولكي تكون دائما قريبة منها، وتتمكن من استدعائها وقتما تشاء، فقد عينتها ليلى مراقبة عامة لثانوية قرطاج العالمية، «انترناشيونال سكول اوف قرطاج».
النخبة التونسية
كما شجعتها ليلى على التمثيل حيث لمعت في البرنامج الرمضاني «مكتوب» من انتاج سامي فهري وبلحسن طرابلسي، الذي كانت تشرف على نشاطه بشكل خاص مثلما كانت تشرف على نشاط كل افراد العائلة.
في اليوم التالي حاولت ليلى ان تظهر انها متماسكة وقوية، وغادرت عربية الى مدرستها كما تفعل كل صباح، والانترناشيول سكول اوف قرطاج اثارت الكثير من الاحقاد واسالت الكثير من الحبر، وتسبب افتتاحها في اغلاق ثانوية لويس - باستور بادارة مادلين بوعبدلي وزوجها.
وقد طلبت وزارة التربية في مايو 2007، من السيدة بوعبدلي وقف تسجيل التلاميذ بحجة انها لم تحصل على موافقة الوزارة للعامين الدراسيين الماضيين.
وكانت ثانوية راهبات القديس يوسف، التي تدرس اللغات الثلاث العربية والفرنسية والانكليزية على مستوى عال، قد افتتحت عام 1936 بالتعاون مع معهد التعاون الفرنسي في تونس، وتخرجت فيها النخبة التونسية، الامر الذي عقّد مشروع ليلى طرابلسي، وسهى عرفات.
ليلى وسهى
قصة ليلى وسهى عرفات كانت في غاية التعقيد، واكثر بكثير مما قيل حتى الآن.
وكانت وراء نبذ ليلى من نساء العالم العربي بشكل عام، ومن نساء الخليج بشكل خاص، وعلاقتها تكشف التعالي والطمع لدرجة لم تتمكن ليلى من تحسين سمعتها في العالم العربي ابدا.
عندما لجأت سهى عرفات الى تونس بعد وفاة زوجها ياسرعرفات، ابدت ليلى تجاهلها على التعاطف واللطف ووضعت بتصرفها قصر غمارث واعطتها الجنسية التونسية وجواز سفر. وقررت ان تؤسس معها «الانترناشيونال سكول اوف قرطاج»، ونشأت صداقة بين السيدتين الى درجة ان ليلى ارادت تزويج سهى من شقيقها بالحسن، وحثته على الطلاق من زوجته لهذه الغاية. وطلبت من نعيمة والدة صخر الاقتراب من سهى للوقوف على حقيقة مشاعرها ومعرفة رأيها بالموضوع. فليلى بطبيعتها حذرة.
زيارة ليبيا
واصبحت نعيمة صديقة ليلى المطلعة على كل خفايا القصر، كاتمة اسرار سهى، التي لاحظت طمع ليلى وكانت تواجه صعوبة بالتأقلم معها في تونس، ليلى كانت تتدخل في كل شؤونها. واطلعت سهى نعيمة على ما يعتمر في قلبها، وسارعت نعيمة لابلاغ ليلى.
سهى لم تأخذ حذرها وعندما دعاها القذافي لزيارة ليبيا، اقترحت على نعيمة مرافقتها، ظانة انها صديقتها الوحيدة.
ولم يحظر على بال سهى ان بن علي وليلى قد طلبا من نعيمة ان ترافق سهى تحت اية صجة.
فخ بن علي لسهى
اللقاء مع الزعيم الليبي تناول القضايا الدولية ومسألة الممرضات البلغاريات، وعبر مسؤولون ليبيون عن تطلعهم لان تدفع السلطات الفرنسية تعويضات كبيرة. اما القذافي فقد كان مسرورا لانه اخضع السلطات الفرنسية واذلها من خلال اجبارهم على التفاوض معه، كما انه كان يأمل في عودة ليبيا بقوة الى الساحة الاوروبية، وهذا ما قام به في وقت لاحق عندما نصب خيمته في روما.
ويمكن لمن يعرف القذافي ان يتخيل كم كانت سعادته كبيرة عندما نال من كبرياء فرنسا.
اذن غادرت نعيمة مع سهى الى ليبيا، وتمكنت من حضور اللقاء بين العقيد الليبي وسهى عرفات، التي قالت له انها بحاجة اليه، وانها لا تخفي عليه شيئا.
لدى عودتها الى تونس استدعاها بن علي وليلى الى القصر الجمهوري وامرها بن علي بمغادرة الاراضي التونسية على الفور وصادر الجواز التونسي. لقد نقلت نعيمة لها حرفيا كل ما قالته سهى خلال لقائها مع القذافي، وحيث تحدثت بفظاعة عن عائلة بن علي.
وردت سهى بالقول ان نعيمة قالت اشياء لا تختلف عما قالته للقذافي، فقال الرئيس ان كل ما قالته لك «تم بناء على طلبنا لاننا نصبنا لك فخا»!
سرقة ملايين سهى
غادرت سهى عرفات تونس ذليلة مكسورة بعد ان استولت ليلى منها على ملايين الدولارات وتولت ليلى ادارة «الانترناشيونال سكول اوف قرطاج»، حيث حاولت الظهور بمظهر المرأة النشطة، وكانت تذهب كل يوم الى المدرسة.
وعينت لإدارة المدرسة بعض الاقارب والاصدقاء مثل ابنتها جليلة، واسماء محجوب المعروفة بتأييدها للرئيس خلال الانتخابات الرئاسية سنة 2009، وحيث جمعت مبالغ كبيرة من التبرعات بعضها مشبوه، وقد ذهب قسم من هذه الاموال الى حساباتها.
في صباح ذلك اليوم اطمأن اهالي التلاميذ لوجود ليلى في المدرسة. وهناك جزء كبير منهم ينتمي الى البرجوازية المحدثة النعمة، ولكن سرعان ما تراجعت السيدة الاولى لأن التطورات ادت الى اقفال المدرسة واستقبلت ليلى ثلاث نساء ورجلين غير معروفين من قبل، ولم يسبق لهم ان دخلوا الى القصر. الخواتم في اصابعهم ويبدو التفاخر على وجوههم، لكن يبدو انهم ذوو اصول من الفلاحين.
ادخلتهم ليلى الى الصالون الاحمر، المتخصص بالضيوف غير المعروفين وغير المهمين والقريب من الباب الرئيسي.
غرباء
وقالت للسيدة محجوب اذا كنت بحاجة لأخذ اشياء من الصالون فخذيها الآن، لأنني لا اريد ان تدخلي مجددا.
واقفلت باب الصالون عليها مع ضيوفها الذين لم يمكثوا طويلا، بل خرجوا على عجل من الباب الخلفي، وهذا ما اكد شكوكنا بانهم من المبرجين. ولا ترغب ليلى بان يعلم الرئيس بوجودهم والا لما اظهرت هذا القدر من الانزعاج.
وما ان غادر الاشخاص الغرباء حتى تم استدعاء عربية، ولكن هذه المرة لتدليك السيدة الاولى. وكنا نشعر ان هناك شيئا لا تسيطر عليه. وتوقفت عن التشديد علينا، بل انها اصبحت لطيفة معنا.
واصدرت الاوامر بسرعة لاعداد وجبة العشاء من القريدس بالثوم وتاغياتيلا طبيعية ولنغوست مشوي.
ولكنها لم تأكل سوى اللبن.
ولم يسبق لها ان اظهرت بوادر ضعف قبل الآن. وقد ربطنا بين زيارة الغرباء بعد الظهر ووضعها الحالي.
في نهاية الاسبوع كان الرئيس وزوجته قد عادا الى نشاطهما، واخذ الرئيس يذهب الى القصر كالمعتاد، ويقضي النهار كله ويستقبل اقاربه ومساعديه مثل بناته من زوجته الاولى، في غياب ليلى وكانت بناته غزوة زاروق ورصاف سيبوب وسيرين مبروك يرجونه ان يهدئ ثورة الشعب ويضحي بأسرة الطرابلسي.
العدوى انتقلت إلى العاصمة
اعتبرت ليلى وحليمة ان خطابه الاول كان حاد النبرة وقوي المضمون، واعتبرتا انه كان يجب ان يكون اكثر عتدالا وتصالحية، وحاولتا ان تقنعانه بان مستشاريه يخدعونه، فكان الخطابان التاليان اكثر اعتدالا.
وقرر الرئيس عزل كل من عبدالوهاب عبدالله وعبدالعزيز بن ضيا مستشاره والمتحدث باسم الحكومة، ولكن ذلك لم يهدئ المتظاهرين واتسعت رقعة الاحتجاجات لتطال العديد من المدن التي رأت اولادها يسقطون برصاص الشرطة او القناصة. وانتقلت العدوى الى تونس العاصمة. وكانت التظاهرات الاولى في 9 يناير حيث ازداد القمع دموية.
لم يسبق ان عاش القصر مثل هذه الحالة من التوتر والعصبية على الاطلاق، وكان هذا الاسبوع مثل الكابوس، ولم نكن ندري اي موجة ستحملنا معها. او تحملهم، كلنا كنا نخشى ان نغرق معهم.
ولكن بدأت الأمور تتحول بشكل ايجابي تدريجيا بالنسبة لنا. فلأول مرة منذ عشرين عاما، وتحت عامل الخوف اظهرت العائلة وجها انسانيا، بمعنى انهم رجالا ونساء - بدأوا يعاملوننا بلطف واحترام.
وبدا وكأن الحواجز الاجتماعية لم يعد لها وجود والخوف جعلنا سواسية، حيث اصبحت لنا - ولهم - الهوية ذاتها والمخاوف ذاتها، واصبح السادة يتقاسمون معنا الهموم ذاتها.
الحلقة المقبلة
ليلى الطرابلسي شتمت بن علي أمام عمال القصر
تأليف: لطفي بن شرودة
ترجمة: حسن الحسيني
اعده للنشر: محمد أمين