05-10-2011, 03:40 AM
البريمل
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,782
صدام مرّ من هنا
القبس
العراق من حرب إلى حرب صدام مرّ من هنا (1)
y>تأليف: غسان شربل
«العراق من حرب إلى حرب... صدام مرّ من هنا» عنوان الكتاب الجديد لرئيس تحرير «الحياة» الزميل غسان شربل، هو السادس من مؤلفاته التي صدرت ضمن سلسلة «يتذكر»، وتضمنت حوارات مع جورج حاوي عن «الحرب والمقاومة والحزب» وخالد مشعل عن «حركة حماس وتحرير فلسطين» اضافة الى «ذاكرة الاستخبارات» و«لعنة القصر» و«اسرار الصندوق الاسود».
والكتاب الجديد الذي يصدر عن «دار رياض الريس»، ويتضمن مقدمة وحوارات مع حازم جواد وصلاح عمر العلي ونزار الخزرجي وأحمد الجلبي، موثق بالارقام والتواريخ ويقع في 395 صفحة من الحجم المتوسط وعلى غلافه الاخير كُتب «يشهد العراق منذ عشرات السنين اضطرابات لا مثيل لها، سياسية، اقتصادية، اجتماعية ومجازر يومية تودي باعداد كبيرة من البشر وكأنهم لا بشر. هذا ما يشهده بلد من اغنى البلدان العربية ثروة وثقافة وتنوعاً وحضارة».
وفي الكتاب شهادات واعترافات مدهشة لاربعة من كبار رجالات هذا البلد السياسيين والعسكريين. والمحور الرئيسي للكتاب هو صدام حسين الذي اختزل العراق بحزب حاكم واختزل الحزب بشخصه. وتنتهي العبارة بالقول ان «الحكم للتاريخ».
واختارت «القبس» من الكتاب مقدمته والحوار مع الفريق اول الركن نزار الخزرجي الذي كان رئيساً لهيئة الاركان في الجيش العراقي في الثاني من آب (اغسطس) اليوم المشؤوم لغزو الكويت. بعض المعلومات كان نُشر في الاعلام المكتوب ونُقح لاحقاً تمهيداً لجمعه في الكتاب.
______________بعد غزو الكويت لن يعرف أحد أين سيمضي صدام ليلته وفي أي غرفة سينام وسيزداد تعلقاً بمسدسه وبالعيش السري الذي أدمنه_____________________
__________________________صدام تولّى شخصياً التخطيط لغزو الكويت بحضور حسين كامل وقريبه علي حسن المجيد________________________________
شعرت بشيء من القلق حين وقفت قرب جدار برلين المتداعي. كان الجدار حدود دولة وحدود امبراطورية. ألقت دولة الجدار بنفسها في أحضان الوطن الأم. وانسحبت الامبراطورية لتندحر وتنتحر. ومن الحطام السوفيتي ستولد روسيا وقياصرتها الجدد. وستفوز الولايات المتحدة بلقب القوة العظمى الوحيدة. وسيولد لها في بداية القرن الجديد أعداء جدد بلا عناوين معروفة. سيدمون رموز نجاحها وهيبتها وسترد بما يدمي أكثر من دولة ومنطقة.
بعد أربعة عشر عاماً شعرت بخوف عميق حين شاهدت، من بعيد، دبابة أميركية تقتلع تمثال صدام حسين ونظامه وتجول في شوارع بغداد. كان المشهد أكبر من القدرة على الاحتمال. فهذه بغداد، كائناً من كان حاكمها، لاسمها رنّة في تاريخ العرب والمسلمين. وهذا العراق، كائناً ما كان نظامه، شرايينه موصولة بشرايين المنطقة. مقلق حين يكون قوياً. ومخيف حين يستضعف أو يستباح.
يقول التاريخ إن ليس من عادة سيّد بغداد أن يتقاعد. خياراته محدودة: القصر أو القبر. عليه أن يستعد دائماً لغزو مدمّر. شهيّات الامبراطوريات المحيطة مفتوحة. وعليه أن يتنبه لمكائد الداخل ومكائد الخارج. طعنة غادرة. أو لسعة سمّ. أو خروج منقذ ناقم من عتمات الثكن. وفي هذا السياق يبدو صدام حسين ابناً شرعياً لهذا النهر من القساة. طبيعياً في صعوده حتى التسلط المطلق، وطبيعياً في نهايته معلَّقاً وسط صيحات الثأر.
لا العراق بلد عادي عابر في تاريخ المنطقة.. ولا صدام حاكم عادي في تاريخ العراق الحديث. لهذا كان مشهد الدبابة الأميركية مخيفاً. نجحت أوروبا الغربية المستقرة في احتواء سقوط جدار برلين. فشل الشرق الأوسط الهش والمضطرب في احتواء سقوط جدار صدام حسين. وبدا باكراً أن اقتلاع التمثال يعني اقتلاع أشياء كثيرة. معادلات وتوازنات. بعده لن يكون العراق ما عرفناه. سيتدفق النفوذ الإيراني عبر البوابة الشرقية للعالم العربي. سيحجز ورثة الإمام الخميني موقعاً لبلادهم على المتوسط وستنهمر صواريخ حلفائهم على إسرائيل من جنوب لبنان وبعده من غزة. تركيا أيضاً لن تكون تركيا السابقة. سقط الضلع العربي من المثلث الإيراني ـ العراقي ـ التركي. ولا بد من الانتظار طويلاً لمعرفة ما إذا كانت عودة هذا الضلع العربي واردة. كان نظام صدام من ركائز نظام الأمن العربي على رغم مغامراته وتهوراته. بعد سقوطه ستضطرب علاقات العراقيين بالعراقيين وسترشح دماً. علاقات السنّة بالشيعة. وعلاقات العرب بالأكراد. وللمرة الأولى سيكون لإقليم كردستان علم ونشيد ورئيس اسمه مسعود برزاني بكل ما يثيره الاسم من مشاهد وذكريات. وسيفيض الخلاف السنّي - الشيعي لاحقاً عن حدود العراق، خصوصاً حين سيشعر العرب بإرهاصات ولادة شرق أوسط جديد من الفشل الأميركي في العراق. منطقة من أربعة لاعبين هم إيران وتركيا وإسرائيل والعرب. وليس سراً أن اللاعب الرابع هو الأضعف.
4 مشاهد هزت المنطقة
أربعة مشاهد هزّت المنطقة في حفنة أعوام وتركت بصماتها على العلاقات بين دول وشعوب وتنظيمات واتجاهات: المشهد الأول مشهد الدبابة الأميركية تجول منتصرة في عاصمة الرشيد. المشهد الثاني صورة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري يسقط بفعل عملية اغتيال انتحارية اغتالت أيضاً حقبة من العلاقات اللبنانية - السورية وحقبة من العلاقات اللبنانية - اللبنانية. والمشهد الثالث عجز إسرائيل عن تأديب «حزب الله» اللبناني وعن وقف انهمار صواريخه «الإيرانية»على مدنها. والمشهد الرابع إسرائيل تشن عدواناً مجنوناً على غزة تحتفظ «حماس» بعد توقفه بقدرتها على إطلاق الصواريخ وبمأزقها منذ نجاحها في طرد السلطة الفلسطينية و{فتح» من القطاع.
لم تعارض إيران قيام الآلة العسكرية الأميركية بسحق نظام طالبان المعادي لها في أفغانستان. ولم تعارض مغامرة جورج بوش العراقية، ويمكن القول إنها سهّلتها حين سمحت للقوى الشيعية العراقية الحليفة لها بالانضواء في معارضة سعت واشنطن إلى لحم أجزائها الشيعية والكردية تمهيداً للغزو. لكن إيران سرعان ما شعرت بوطأة وجود القوات الأميركية قرب حدودها، ومن جهتين، فبدأت معركة استنزاف المشروع الذي حمله الغزو. سوريا انتابها القلق أيضاً. وهكذا تدفق الانتحاريون إلى العراق يُسعفهم التخبط الأميركي الذي بدأ بقرار الحاكم المدني الأميركي بول بريمر حل الجيش العراقي. مشهد اقتلاع نظام صدام أطلق المخاوف والتوترات وأطاح توازنات وصمامات أمان. وعلى خلفية ذلك المشهد حدثت المشاهد اللاحقة. وللمؤرخين لاحقاً أن يتحدثوا عن الترابط بين المشاهد أو بعضها.
.. ومشاهد عراقية
قبل المشاهد الأربعة هذه استوقفتني مشاهد عراقية. بعد اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية في أيلول (سبتمبر) 1980 أوفدتني «النهار» اللبنانية لتغطية التطورات. نظمت السلطات العراقية رحلة للصحافيين إلى بلدة مهران الإيرانية الحدودية فور سقوطها في يد القوات العراقية التي اجتازت خط الحدود الدولية. رأيت جنديين عراقيين يصطحبان عجوزاً إيرانياً إلى مكان آمن واستوقفني الخوف العميق المسيطر على ملامحه. وسألت نفسي ليلاً عن موعد الثأر الإيراني لا سيما بعد أن أطلق العراق على الحرب تسمية «قادسية صدام»، في نبش صريح لجروح المواجهات بين العرب والفرس.
المشهد الثاني كان مجيء صدام حسين بالبزة العسكرية لعقد مؤتمر صحفي. كان الشعور بالقوة يفيض من عينيه وابتسامته، فقد توغل جيش البعث في لحم إيران المقيمة في عهدة نظام «الثورة الإسلامية». ورحت أفكر في استحالة رضوخ آية الله الخميني الذي لن يتردد بعد ثمانية أعوام في تشبيه قبول وقف النار مع صدام بتجرع كأس السم. وحين سأل أحد الصحافيين الرئيس العراقي عن مستقبل إيران ردّ بأن الأمر تقرره «الشعوب الإيرانية». وبدا صدام حسين كمن يحلم بتفكيك إيران وشطب هذا الخطر مرة واحدة.
المشهد الثالث إبان حرب المدن. بث التلفزيون العراقي صورة للرئيس القائد يأمر بتجهيز القوة الصاروخية لإمطار المدن الإيرانية.
المشهد الرابع كان حين توافدنا لتغطية أعمال القمة العربية في بغداد في أيار (مايو) 1990 صافح صدام ضيوفه وعانقهم. وظهر جلياً في خطواته زهو «الانتصار». ولم يكن ليرضى بأقل من شطب الديون التي رتبتها الحرب على بلاده والاعتراف له بالزعامة العربية وبالموقع الأبرز في الإقليم. تصرّف وكأنه دافع عن العراق ودول الخليج في آن. وتحدث بوصفه «حارس البوابة الشرقية» للعالم العربي. كان بين الحاضرين أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح الذي وعده صدام بتلبية دعوته وستكون الزيارة باهظة للعراق والمنطقة. باجتياحه الكويت قامر صدام بنظامه وشخصه. اصطدم بالإرادة الدولية التي نبذته وعاقبته. اقتلع التحالف الدولي عبر «عاصفة الصحراء» أنياب ترسانته لكن بقي له منها ما يكفي لسحق انتفاضتي الشيعة والأكراد. أقام سيد بغداد جريحاً يناور ويداور للالتفاف على الحصار والعقوبات التي آلمت العراقيين أكثر بكثير مما آلمت الحاكم المتحكم. وفي العقد التالي ستجيئه الطعنة القاتلة من حيث لا يدري. أطلق أسامة بن لادن «غزوتي نيويورك وواشنطن» واختارت إدارة بوش اقتلاع نظام صدام متكئة على ذرائع سيتضح بطلانها لكن بعد فوات الأوان.
* * *
باكراً رن جرس الهاتف في منزل الفريق أول الركن نزار الخزرجي رئيس أركان الجيش العراقي. إنه الثاني من آب 1990 سارع إلى مقر القيادة العامة فاستقبله سكرتيرها العام الفريق علاء الجنابي بجملة قصيرة قاتلة هي «أكملنا احتلال الكويت». شمّ الخزرجي رائحة الكارثة وشعر بالإهانة. بعد قليل وصل وزير الدفاع عبدالجبار شنشل فعاجله الجنابي بالجملة نفسها. هذا يحدث في العراق وحده. يجتاح الجيش بلداً مجاوراً من دون معرفة رئيس الأركان ووزير الدفاع. لم يكن الاعتراض وارداً، ففي جمهورية صدام حسين لا تجرؤ سبابة على الارتفاع.
بعد أيام سيأتي من يأخذ الرجلين للقاء «السيد الرئيس» وكالعادة يبقى مكان اللقاء سراً. أُدخلا إلى كارافان (مقطورة) في منطقة الرضوانية ثم جاء صدام. تذرع بأنه أراد الاحتفاظ بعامل المفاجأة، ولم يتردد في القول إنه «حرّر الكويت» بالوحدات التابعة له مباشرة.
الرجل المطلوب
لم تظهر عليه أمارات الابتهاج. كانت ردود الفعل الدولية شديدة. صار الرجل مطلوباً كأن مذكرة اعتقال أو اغتيال صدرت بحقه. باستثناء مرافقيه المقرّبين، لن يعرف أحد، بمن فيهم رئيس الأركان، أين سيمضي ليلته وفي أي غرفة سينام. وسيزداد تعلقاً بمسدسه وبالعيش السري الذي أدمنه.
هذا ما رواه لي الخزرجي في قرية سوغو الدانمركية في ليلة مثلجة. قال إن صدام تولّى شخصياً التخطيط لغزو الكويت بحضور صهره حسين كامل وقريبه علي حسن المجيد الملقّب بـ «الكيماوي» وكشف أن تقريراً من الأخير كان وراء قرار صدام توجيه «ضربة خاصة» أدت إلى إغراق حلبجة في مجزرة تقشعر لها الأبدان. وأكد أن صدام كان معجباً بتجربة الزعيم السوفيتي جوزف ستالين وأنه ربما كان يعتقد نفسه القائد الأبرز بعد صلاح الدين.
بعد شهرين من توليه الرئاسة شارك صدام حسين في أيلول (سبتمبر) 1979 في قمة لحركة عدم الانحياز عقدت في هافانا. استقبل في مقر إقامته وزير خارجية إيران الدكتور ابراهيم يزدي الذي عيّن في هذا المنصب بعد انتصار «الثورة الاسلامية». كان صلاح عمر العلي مندوب العراق لدى الأمم المتحدة حاضراً. وصلاح رفيق قديم لصدام. كان إلى جانبه ساعة الاستيلاء على القصر في 17(يوليو) 1968 وكان بعد ذلك النهار عضواً في مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية لحزب البعث.
حديث هافانا
كان اللقاء «بنّاء وإيجابياً» في الظاهر. خرج بعده صدام إلى الحديقة وتبعه صلاح الذي حاول تشجيع الرئيس على تحسين العلاقات مع إيران الخميني رغم ما تثيره من حساسيات ومخاوف. فجأة قال صدام «يا صلاح انتبه. هذه الفرصة قد لا تتاح مرة كل مائة سنة. الفرصة متاحة اليوم. سنكسر رؤوس الإيرانيين وسنعيد كل شبر احتلوه. وسنعيد شط العرب».
حدّق صلاح مذهولاً، فأضاف صدام «هذا الكلام عن حل سلمي وإنساني وتصفية المشاكل مع إيران لا أريده أن يتكرر على لسانك إطلاقاً. حضّر نفسك في الأمم المتحدة. اسمع ما أقوله لك. سأكسر رؤوس الإيرانيين وأُرجع كل شبر من المحمرة إلى شط العرب».
بعد عام على حديث هافانا ستندلع الحرب العراقية الإيرانية متسببة في سقوط مئات آلاف القتلى وكوارث إنسانية ومالية. ولدى توقفها بعد ثمانية أعوام لن يخفي الزعيم العراقي بهجته: «عشت حتى سمعت الخميني يتحدث عن تجرع السم وقبول وقف النار». لكن الخارج «منتصراً» من «قادسية صدام» والمبتهج بلقب «حارس البوابة الشرقية» لن يتأخر في تنفيذ عملية انتحارية هي غزو الكويت.
هذا ما سمعته من صلاح عمر العلي الذي روى أيضاً قصة دخوله مع صدام مسلحين بالرشاشات إلى مكتب الرئيس أحمد حسن البكر للتخلص من رئيس الوزراء العابر عبد الرزاق النايف في 30 تموز (يوليو) 1968 اقتاد صدام النايف من القصر إلى المطار ودفعه إلى المنفى. وبعد عشرة أعوام نجحت رصاصة صدام في العثور على النايف في لندن ودفعته إلى القبر.
في بداية السبعينات أعلنت بغداد كشف مؤامرة تدعمها ايران لاطاحة نظام البعث وأعدمت عشرات الضباط. رجلان اتهما بالوقوف وراء المؤامرة العقيد عبدالغني الراوي وعبدالرزاق النايف. وساد الاعتقاد لعقود بأن المؤامرة صناعة بعثية. زرت عائلة النايف في عمان وفتشت في الحقائب التي تركها وأوراقه فتبيّن لي أن النايف اكتشف باكراً أن صدام اخترق المجموعة المتآمرة فغادر طهران قبل موعد التنفيذ. وعثرت في الرياض على الراوي وسألته عن المؤامرة فردّ باعطائي مفكرته القديمة وهي تظهر أنه عقد لقاء مع الشاه محمد رضا بهلوي في سياق التخطيط لاطاحة البعث وأن دولة تبرعت بعشرة ملايين دولار لتمويلها.
لم ينسَ صدام تلك المحاولة الايرانية لاطاحة نظام البعث. ولم ينسَ أن القتال ضد الأكراد أرغمه في 1975، بوساطة من الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، على التوقيع مع الشاه محمد رضا بهلوي على اتفاق الجزائر. لن يقبل صدام أن يكتب التاريخ أنه تنازل عن شبر من أرض العراق لانقاذ النظام. وسينفذ لاحقاً ما جاء في حديثه في هافانا.
الحلقة الثانية:
أقام علاقة حميمة مع الملك حسين وكان يناديه «ابن العم»
البريمل
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,782
القبس
العراق من حرب إلى حرب صدام مرّ من هنا (1)
y>تأليف: غسان شربل
«العراق من حرب إلى حرب... صدام مرّ من هنا» عنوان الكتاب الجديد لرئيس تحرير «الحياة» الزميل غسان شربل، هو السادس من مؤلفاته التي صدرت ضمن سلسلة «يتذكر»، وتضمنت حوارات مع جورج حاوي عن «الحرب والمقاومة والحزب» وخالد مشعل عن «حركة حماس وتحرير فلسطين» اضافة الى «ذاكرة الاستخبارات» و«لعنة القصر» و«اسرار الصندوق الاسود».
والكتاب الجديد الذي يصدر عن «دار رياض الريس»، ويتضمن مقدمة وحوارات مع حازم جواد وصلاح عمر العلي ونزار الخزرجي وأحمد الجلبي، موثق بالارقام والتواريخ ويقع في 395 صفحة من الحجم المتوسط وعلى غلافه الاخير كُتب «يشهد العراق منذ عشرات السنين اضطرابات لا مثيل لها، سياسية، اقتصادية، اجتماعية ومجازر يومية تودي باعداد كبيرة من البشر وكأنهم لا بشر. هذا ما يشهده بلد من اغنى البلدان العربية ثروة وثقافة وتنوعاً وحضارة».
وفي الكتاب شهادات واعترافات مدهشة لاربعة من كبار رجالات هذا البلد السياسيين والعسكريين. والمحور الرئيسي للكتاب هو صدام حسين الذي اختزل العراق بحزب حاكم واختزل الحزب بشخصه. وتنتهي العبارة بالقول ان «الحكم للتاريخ».
واختارت «القبس» من الكتاب مقدمته والحوار مع الفريق اول الركن نزار الخزرجي الذي كان رئيساً لهيئة الاركان في الجيش العراقي في الثاني من آب (اغسطس) اليوم المشؤوم لغزو الكويت. بعض المعلومات كان نُشر في الاعلام المكتوب ونُقح لاحقاً تمهيداً لجمعه في الكتاب.
______________بعد غزو الكويت لن يعرف أحد أين سيمضي صدام ليلته وفي أي غرفة سينام وسيزداد تعلقاً بمسدسه وبالعيش السري الذي أدمنه_____________________
__________________________صدام تولّى شخصياً التخطيط لغزو الكويت بحضور حسين كامل وقريبه علي حسن المجيد________________________________
شعرت بشيء من القلق حين وقفت قرب جدار برلين المتداعي. كان الجدار حدود دولة وحدود امبراطورية. ألقت دولة الجدار بنفسها في أحضان الوطن الأم. وانسحبت الامبراطورية لتندحر وتنتحر. ومن الحطام السوفيتي ستولد روسيا وقياصرتها الجدد. وستفوز الولايات المتحدة بلقب القوة العظمى الوحيدة. وسيولد لها في بداية القرن الجديد أعداء جدد بلا عناوين معروفة. سيدمون رموز نجاحها وهيبتها وسترد بما يدمي أكثر من دولة ومنطقة.
بعد أربعة عشر عاماً شعرت بخوف عميق حين شاهدت، من بعيد، دبابة أميركية تقتلع تمثال صدام حسين ونظامه وتجول في شوارع بغداد. كان المشهد أكبر من القدرة على الاحتمال. فهذه بغداد، كائناً من كان حاكمها، لاسمها رنّة في تاريخ العرب والمسلمين. وهذا العراق، كائناً ما كان نظامه، شرايينه موصولة بشرايين المنطقة. مقلق حين يكون قوياً. ومخيف حين يستضعف أو يستباح.
يقول التاريخ إن ليس من عادة سيّد بغداد أن يتقاعد. خياراته محدودة: القصر أو القبر. عليه أن يستعد دائماً لغزو مدمّر. شهيّات الامبراطوريات المحيطة مفتوحة. وعليه أن يتنبه لمكائد الداخل ومكائد الخارج. طعنة غادرة. أو لسعة سمّ. أو خروج منقذ ناقم من عتمات الثكن. وفي هذا السياق يبدو صدام حسين ابناً شرعياً لهذا النهر من القساة. طبيعياً في صعوده حتى التسلط المطلق، وطبيعياً في نهايته معلَّقاً وسط صيحات الثأر.
لا العراق بلد عادي عابر في تاريخ المنطقة.. ولا صدام حاكم عادي في تاريخ العراق الحديث. لهذا كان مشهد الدبابة الأميركية مخيفاً. نجحت أوروبا الغربية المستقرة في احتواء سقوط جدار برلين. فشل الشرق الأوسط الهش والمضطرب في احتواء سقوط جدار صدام حسين. وبدا باكراً أن اقتلاع التمثال يعني اقتلاع أشياء كثيرة. معادلات وتوازنات. بعده لن يكون العراق ما عرفناه. سيتدفق النفوذ الإيراني عبر البوابة الشرقية للعالم العربي. سيحجز ورثة الإمام الخميني موقعاً لبلادهم على المتوسط وستنهمر صواريخ حلفائهم على إسرائيل من جنوب لبنان وبعده من غزة. تركيا أيضاً لن تكون تركيا السابقة. سقط الضلع العربي من المثلث الإيراني ـ العراقي ـ التركي. ولا بد من الانتظار طويلاً لمعرفة ما إذا كانت عودة هذا الضلع العربي واردة. كان نظام صدام من ركائز نظام الأمن العربي على رغم مغامراته وتهوراته. بعد سقوطه ستضطرب علاقات العراقيين بالعراقيين وسترشح دماً. علاقات السنّة بالشيعة. وعلاقات العرب بالأكراد. وللمرة الأولى سيكون لإقليم كردستان علم ونشيد ورئيس اسمه مسعود برزاني بكل ما يثيره الاسم من مشاهد وذكريات. وسيفيض الخلاف السنّي - الشيعي لاحقاً عن حدود العراق، خصوصاً حين سيشعر العرب بإرهاصات ولادة شرق أوسط جديد من الفشل الأميركي في العراق. منطقة من أربعة لاعبين هم إيران وتركيا وإسرائيل والعرب. وليس سراً أن اللاعب الرابع هو الأضعف.
4 مشاهد هزت المنطقة
أربعة مشاهد هزّت المنطقة في حفنة أعوام وتركت بصماتها على العلاقات بين دول وشعوب وتنظيمات واتجاهات: المشهد الأول مشهد الدبابة الأميركية تجول منتصرة في عاصمة الرشيد. المشهد الثاني صورة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري يسقط بفعل عملية اغتيال انتحارية اغتالت أيضاً حقبة من العلاقات اللبنانية - السورية وحقبة من العلاقات اللبنانية - اللبنانية. والمشهد الثالث عجز إسرائيل عن تأديب «حزب الله» اللبناني وعن وقف انهمار صواريخه «الإيرانية»على مدنها. والمشهد الرابع إسرائيل تشن عدواناً مجنوناً على غزة تحتفظ «حماس» بعد توقفه بقدرتها على إطلاق الصواريخ وبمأزقها منذ نجاحها في طرد السلطة الفلسطينية و{فتح» من القطاع.
لم تعارض إيران قيام الآلة العسكرية الأميركية بسحق نظام طالبان المعادي لها في أفغانستان. ولم تعارض مغامرة جورج بوش العراقية، ويمكن القول إنها سهّلتها حين سمحت للقوى الشيعية العراقية الحليفة لها بالانضواء في معارضة سعت واشنطن إلى لحم أجزائها الشيعية والكردية تمهيداً للغزو. لكن إيران سرعان ما شعرت بوطأة وجود القوات الأميركية قرب حدودها، ومن جهتين، فبدأت معركة استنزاف المشروع الذي حمله الغزو. سوريا انتابها القلق أيضاً. وهكذا تدفق الانتحاريون إلى العراق يُسعفهم التخبط الأميركي الذي بدأ بقرار الحاكم المدني الأميركي بول بريمر حل الجيش العراقي. مشهد اقتلاع نظام صدام أطلق المخاوف والتوترات وأطاح توازنات وصمامات أمان. وعلى خلفية ذلك المشهد حدثت المشاهد اللاحقة. وللمؤرخين لاحقاً أن يتحدثوا عن الترابط بين المشاهد أو بعضها.
.. ومشاهد عراقية
قبل المشاهد الأربعة هذه استوقفتني مشاهد عراقية. بعد اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية في أيلول (سبتمبر) 1980 أوفدتني «النهار» اللبنانية لتغطية التطورات. نظمت السلطات العراقية رحلة للصحافيين إلى بلدة مهران الإيرانية الحدودية فور سقوطها في يد القوات العراقية التي اجتازت خط الحدود الدولية. رأيت جنديين عراقيين يصطحبان عجوزاً إيرانياً إلى مكان آمن واستوقفني الخوف العميق المسيطر على ملامحه. وسألت نفسي ليلاً عن موعد الثأر الإيراني لا سيما بعد أن أطلق العراق على الحرب تسمية «قادسية صدام»، في نبش صريح لجروح المواجهات بين العرب والفرس.
المشهد الثاني كان مجيء صدام حسين بالبزة العسكرية لعقد مؤتمر صحفي. كان الشعور بالقوة يفيض من عينيه وابتسامته، فقد توغل جيش البعث في لحم إيران المقيمة في عهدة نظام «الثورة الإسلامية». ورحت أفكر في استحالة رضوخ آية الله الخميني الذي لن يتردد بعد ثمانية أعوام في تشبيه قبول وقف النار مع صدام بتجرع كأس السم. وحين سأل أحد الصحافيين الرئيس العراقي عن مستقبل إيران ردّ بأن الأمر تقرره «الشعوب الإيرانية». وبدا صدام حسين كمن يحلم بتفكيك إيران وشطب هذا الخطر مرة واحدة.
المشهد الثالث إبان حرب المدن. بث التلفزيون العراقي صورة للرئيس القائد يأمر بتجهيز القوة الصاروخية لإمطار المدن الإيرانية.
المشهد الرابع كان حين توافدنا لتغطية أعمال القمة العربية في بغداد في أيار (مايو) 1990 صافح صدام ضيوفه وعانقهم. وظهر جلياً في خطواته زهو «الانتصار». ولم يكن ليرضى بأقل من شطب الديون التي رتبتها الحرب على بلاده والاعتراف له بالزعامة العربية وبالموقع الأبرز في الإقليم. تصرّف وكأنه دافع عن العراق ودول الخليج في آن. وتحدث بوصفه «حارس البوابة الشرقية» للعالم العربي. كان بين الحاضرين أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح الذي وعده صدام بتلبية دعوته وستكون الزيارة باهظة للعراق والمنطقة. باجتياحه الكويت قامر صدام بنظامه وشخصه. اصطدم بالإرادة الدولية التي نبذته وعاقبته. اقتلع التحالف الدولي عبر «عاصفة الصحراء» أنياب ترسانته لكن بقي له منها ما يكفي لسحق انتفاضتي الشيعة والأكراد. أقام سيد بغداد جريحاً يناور ويداور للالتفاف على الحصار والعقوبات التي آلمت العراقيين أكثر بكثير مما آلمت الحاكم المتحكم. وفي العقد التالي ستجيئه الطعنة القاتلة من حيث لا يدري. أطلق أسامة بن لادن «غزوتي نيويورك وواشنطن» واختارت إدارة بوش اقتلاع نظام صدام متكئة على ذرائع سيتضح بطلانها لكن بعد فوات الأوان.
* * *
باكراً رن جرس الهاتف في منزل الفريق أول الركن نزار الخزرجي رئيس أركان الجيش العراقي. إنه الثاني من آب 1990 سارع إلى مقر القيادة العامة فاستقبله سكرتيرها العام الفريق علاء الجنابي بجملة قصيرة قاتلة هي «أكملنا احتلال الكويت». شمّ الخزرجي رائحة الكارثة وشعر بالإهانة. بعد قليل وصل وزير الدفاع عبدالجبار شنشل فعاجله الجنابي بالجملة نفسها. هذا يحدث في العراق وحده. يجتاح الجيش بلداً مجاوراً من دون معرفة رئيس الأركان ووزير الدفاع. لم يكن الاعتراض وارداً، ففي جمهورية صدام حسين لا تجرؤ سبابة على الارتفاع.
بعد أيام سيأتي من يأخذ الرجلين للقاء «السيد الرئيس» وكالعادة يبقى مكان اللقاء سراً. أُدخلا إلى كارافان (مقطورة) في منطقة الرضوانية ثم جاء صدام. تذرع بأنه أراد الاحتفاظ بعامل المفاجأة، ولم يتردد في القول إنه «حرّر الكويت» بالوحدات التابعة له مباشرة.
الرجل المطلوب
لم تظهر عليه أمارات الابتهاج. كانت ردود الفعل الدولية شديدة. صار الرجل مطلوباً كأن مذكرة اعتقال أو اغتيال صدرت بحقه. باستثناء مرافقيه المقرّبين، لن يعرف أحد، بمن فيهم رئيس الأركان، أين سيمضي ليلته وفي أي غرفة سينام. وسيزداد تعلقاً بمسدسه وبالعيش السري الذي أدمنه.
هذا ما رواه لي الخزرجي في قرية سوغو الدانمركية في ليلة مثلجة. قال إن صدام تولّى شخصياً التخطيط لغزو الكويت بحضور صهره حسين كامل وقريبه علي حسن المجيد الملقّب بـ «الكيماوي» وكشف أن تقريراً من الأخير كان وراء قرار صدام توجيه «ضربة خاصة» أدت إلى إغراق حلبجة في مجزرة تقشعر لها الأبدان. وأكد أن صدام كان معجباً بتجربة الزعيم السوفيتي جوزف ستالين وأنه ربما كان يعتقد نفسه القائد الأبرز بعد صلاح الدين.
بعد شهرين من توليه الرئاسة شارك صدام حسين في أيلول (سبتمبر) 1979 في قمة لحركة عدم الانحياز عقدت في هافانا. استقبل في مقر إقامته وزير خارجية إيران الدكتور ابراهيم يزدي الذي عيّن في هذا المنصب بعد انتصار «الثورة الاسلامية». كان صلاح عمر العلي مندوب العراق لدى الأمم المتحدة حاضراً. وصلاح رفيق قديم لصدام. كان إلى جانبه ساعة الاستيلاء على القصر في 17(يوليو) 1968 وكان بعد ذلك النهار عضواً في مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية لحزب البعث.
حديث هافانا
كان اللقاء «بنّاء وإيجابياً» في الظاهر. خرج بعده صدام إلى الحديقة وتبعه صلاح الذي حاول تشجيع الرئيس على تحسين العلاقات مع إيران الخميني رغم ما تثيره من حساسيات ومخاوف. فجأة قال صدام «يا صلاح انتبه. هذه الفرصة قد لا تتاح مرة كل مائة سنة. الفرصة متاحة اليوم. سنكسر رؤوس الإيرانيين وسنعيد كل شبر احتلوه. وسنعيد شط العرب».
حدّق صلاح مذهولاً، فأضاف صدام «هذا الكلام عن حل سلمي وإنساني وتصفية المشاكل مع إيران لا أريده أن يتكرر على لسانك إطلاقاً. حضّر نفسك في الأمم المتحدة. اسمع ما أقوله لك. سأكسر رؤوس الإيرانيين وأُرجع كل شبر من المحمرة إلى شط العرب».
بعد عام على حديث هافانا ستندلع الحرب العراقية الإيرانية متسببة في سقوط مئات آلاف القتلى وكوارث إنسانية ومالية. ولدى توقفها بعد ثمانية أعوام لن يخفي الزعيم العراقي بهجته: «عشت حتى سمعت الخميني يتحدث عن تجرع السم وقبول وقف النار». لكن الخارج «منتصراً» من «قادسية صدام» والمبتهج بلقب «حارس البوابة الشرقية» لن يتأخر في تنفيذ عملية انتحارية هي غزو الكويت.
هذا ما سمعته من صلاح عمر العلي الذي روى أيضاً قصة دخوله مع صدام مسلحين بالرشاشات إلى مكتب الرئيس أحمد حسن البكر للتخلص من رئيس الوزراء العابر عبد الرزاق النايف في 30 تموز (يوليو) 1968 اقتاد صدام النايف من القصر إلى المطار ودفعه إلى المنفى. وبعد عشرة أعوام نجحت رصاصة صدام في العثور على النايف في لندن ودفعته إلى القبر.
في بداية السبعينات أعلنت بغداد كشف مؤامرة تدعمها ايران لاطاحة نظام البعث وأعدمت عشرات الضباط. رجلان اتهما بالوقوف وراء المؤامرة العقيد عبدالغني الراوي وعبدالرزاق النايف. وساد الاعتقاد لعقود بأن المؤامرة صناعة بعثية. زرت عائلة النايف في عمان وفتشت في الحقائب التي تركها وأوراقه فتبيّن لي أن النايف اكتشف باكراً أن صدام اخترق المجموعة المتآمرة فغادر طهران قبل موعد التنفيذ. وعثرت في الرياض على الراوي وسألته عن المؤامرة فردّ باعطائي مفكرته القديمة وهي تظهر أنه عقد لقاء مع الشاه محمد رضا بهلوي في سياق التخطيط لاطاحة البعث وأن دولة تبرعت بعشرة ملايين دولار لتمويلها.
لم ينسَ صدام تلك المحاولة الايرانية لاطاحة نظام البعث. ولم ينسَ أن القتال ضد الأكراد أرغمه في 1975، بوساطة من الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، على التوقيع مع الشاه محمد رضا بهلوي على اتفاق الجزائر. لن يقبل صدام أن يكتب التاريخ أنه تنازل عن شبر من أرض العراق لانقاذ النظام. وسينفذ لاحقاً ما جاء في حديثه في هافانا.
الحلقة الثانية:
أقام علاقة حميمة مع الملك حسين وكان يناديه «ابن العم»