عمر بن الخطاب قائد العدالة الذي يتجنب ذكر مواقفه دعاة الدين تحوطا من فقدانهم لنعيم السلطة..

justice

Active Member
رمز العدالة

القائد العظيم عمر إبن الخطاب

مواقف لا يمكن للإنسان إلا أن يتأملها بإعجاب يفوق الوصف في كل مرة يقرأها .. و كأنه يقرأها أول مرة .........


أين منها مواقف دعاة زمننا هذا من تجار الدين و مستغلي الاسلام و شعاراته في التكسب و تحقيق المنافع


............
 
05-12-2014, 06:22 AM
justice
user_online.gif

عضو

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 4,963

icon1.gif






مرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً.
فوصفوا له العسل كدواء. وكان بيت المال به عسلاً جاء من البلاد المفتوحة -
فلم يتداوى عمر بالعسل كما وصف الأطباء.
جمع الناس وصعد المنبر واستأذن الناس وقال لهم -
" لن أستخدمه إلا إذا أذنتم لي، وإلا فهو علي حرام!!"
فبكى الناس إشفاقا عليه .. وأذنوا له جميعاً .
ومضى بعضهم يقول لبعض: لله درك يا عمر .
لقد أتعبت الخلفاء بعدك..


رحمك الله يا خليفه المسلمين .. حقا لقد أتعبت كل الزعماء من بعدك .




----------
منقول من
قصص و مواقف من سيرة سيدنا عمر بن الخطاب
 
28-12-2014, 06:42 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,783

icon1.gif

ومما يرويه الأحنف بن قيس أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما وكانتا مجتمعتين، فقالت عائشة: إني سائلة أمير المؤمنين، وقالت حفصة ما أرى أمير المؤمنين يحقق لنا رغبتنا وينفذ طلبتنا،

ثم دخلتا على عمر أمير المؤمنين، فاحتفل بهما وأدنا إليه مجلسهما، فقالت عائشة: يا أمير المؤمنين أتأذن لي في الكلام معك؟ قال: تكلمي يا أم المؤمنين، قالت: إن النبي الكريم مضى لسبيله، إلى جنة ربه ورضوانه، لم يرد الدنيا ولم ترده،

وكذلك مضى أبو بكر على أثره لسبيله، بعد أن أحيا سنن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وبعد أن قاتل المكذبين، وأدحض حجة المبطلين مع عدله في الرعية، وقسمه بالسوية، وإرضائه رب البرية، ثم قبضه الله إلى رحمته ورضوانه، وألحقه بنبيه في الملأ الأعلى، لم يرد الدنيا ولم ترده،

وأما أنت يا أمير المؤمنين، فقد فتح الله على يديك كنوز كسرى وقيصر، ودانت لك أطراف المشرق والمغرب، ونرجو لك وللمسلمين من الله المزيد، وها هي رسل العجم يأتونك، ووفود العرب يردون، ............

وعليك هذه الجبة الخلقة،

وقد رقعتها اثنتي عشرة رقعة، فلو غيرتها بثوب لائق جميل، يهاب فيه منظرك، ولو استبدلت طعامك الخشن، بطعام طيب لذيذ، ليقوى بدنك، وينشط جسدك على حمل أعباء الأمة والرعية..

فما أتمت عائشة كلامها حتى بكى عمر بن الخطاب بكاء شديدا. ثم قال يا عائشة، سألتك بالله، هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، شبع من خبز بر ثلاثة أيام؟ أو جمع بين عشاء وغذاء في يوم واحد حتى لقي الله؟، قالت عائشة لا.

قال يا عائشة، هل تعلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس جبة من الصوف. ربما حك جلده من خشونتها؟، أتعلمان ذلك يا عائشة ويا حفصة؟، قالتا: اللهم نعم،

قال: يا عائشة هل تعلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان فراشه الذي ينام عليه عباءة، تمد له على طاق واحد؟، أما كان جلد في بيتك يا عائشة، كان لكم في النهار بساطا، وفي الليل فراشا؟، وكنا ندخل على النبي الكريم، فنرى أثر الحصير على جنبه ..

صلى الله على من أرسله الله رحمة للعالمين، ورحم الله أمير المؤمنين وجزاه بالخير لما قدم لأمة الإسلام.

المصدر http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...1116548135.htm




************



لا يأتي شيوخ الدين و الدعاة على هذه السيرة العطرة ... فهمنا ... علشان لا تزعل عليهم الحكومات

بس مايصير يقعدون في لجنة 23 سنة يتقاضون فيها المكافآت و المزايا ... بحجة تحويل القوانين الى شرعية
شنو يعني ... قوانينا كافرة ؟... 23 سنة من المكافآت .. و المزايا ........ ؟؟؟!!!.........إيييييييييه

و لم نرى قانونا واحدا حولوه الى قانون شرعي



لا و الناس تهلل و ترحب و تعجب فيهم دون أدنى تفكير ... مع أن الناس تقرأ سيرة سيدنا عمر و سيرتهم .. و لكن لم تفكر في المقاربة و المقارنة بين السيرتين

لا ويحصل أحدهم من الحكومة على قسيمة تربية خيول ...؟؟؟؟... و هو مفتيها ..؟؟؟


_______________
 
22-02-2015, 05:43 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,783

icon1.gif

إجماع على طمس سيرته من الحكام المستبدين و الجماعات الإسلامية و الوحوش البشرية

و الذي جمعهم في ذلك خشيتهم من العدالة
و هو رمزها



داعش يفخخ وينسف مسجد عمر بن الخطاب غربي بغداد
الأحد 22 فبراير 2015 - الأنباء - 24.ae أضـف تعليقك
btnDec.gif
btnInc.gif
:حجم الخط
538799-1.jpg

ذكرت مصادر أمنية عراقية، السبت، أن تنظيم داعش، نسف مسجداً تاريخياً للسنة العرب في العراق، شيد في زمن الخليفة عمر بن الخطاب غربي محافظة الأنبار (118 كم غرب بغداد).

وقالت المصادر إن "تنظيم داعش قام بنسف مسجد عمر بن الخطاب الذي يعد من أقدم مساجد المحافظة شيد في زمن الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب في منطقة (جبة)، قرب ناحية البغدادي غربي محافظة الأنبار، بعد تفخيخه دون وقوع ضحايا بشرية".
 
05-06-2015, 06:57 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,783

icon1.gif

عندما سمع عمر بن الخطاب صوت صائحة تَقَصّى خبرها فعرف أنها جارية من قريش تُباع أمها، فقال لحاجبه: ادع لي (أو قال : عليّ)بالمهاجرين والأنصار فلم يمكث إلا ساعة حتى امتلأت الدار والحجرة قال: فَحمِدَ الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد : فهل تعلمون أنه كان مما جاء به محمد القطيعة؟ قالوا: لا قال : فإنها أصبحت فاشية ثم قرأ
12px-Ra_bracket.png
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ
20px-Aya-22.png
12px-La_bracket.png
ثم قال: وأيّ قطيعة أعظم من أن تباع أم امرئ فيكم وقد أوسع الله لكم؟ قالوا: فاصنع ما بدا لك ، قال: فكتب في الآفاق: ألا تُباع أمّ حُرّ فإنها قطيعة رحم، وإنه لا يحلُّ. رواه الحاكم [7]

وكيبيديا
 
الأيام الأخيرة في حياتهم / عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» (1 من 5)
إسلاميات - الخميس، 9 يونيو 2016 / 22
×
1 / 1
شارك:
n.png
n.png
n.png

+ تكبير الخط - تصغير الخط ▱ طباعة
| سيد عبدالله الرفاعي |
تحت هذا العنوان نعرض لحلقات يومية متتابعة على مدار أيام الشهر الفضيل، نقدم من خلالها وصفاً للأيام الاخيرة في حياة بعض الشخصيات التي كان لها اثر واضح في تاريخ الأمة الاسلامية، لنتخذ منها العبرة والعظة... والله أسأل التوفيق والسداد.

هو عمر بن الخطاب بن عبدالعزى من بني كعب في لؤي فهو عدوي قرشي ولد بعد عام الفيل بثلاثة عشر عاماً. وكان من أشراف قريش وسادتها وهو سفيرهم إذا نشبت الحرب بين قريش أو بينهم وبين غيرهم وهو المفاخر والمنافر عنهم إذا فاخرهم أحد أو نافرهم، رعى الغنم وهو صغير، ثم عمل بالتجارة وكان عزيز الجانب في أهله محترماً بين قومه وكان قوي الشكيمة شديد البأس. وكان قبل إسلامه شديدا على المسلمين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يعز الله دينه بأحد العمرين إما ابن الخطاب وإما ابن هشام (أبوجهل) لهذا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: (اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام» وقد استجاب الله عزّ وجلّ لنبيه وكان أحب الرجلين إليه سبحانه هو عمر بن الخطاب فأصابته دعوة الرسول.

ويذكر المؤرخون أحداثاً كثيرة يعزون إسلام عمر إليها وقد صحت كلها وهي معروفة عند الغالبية من المسلمين ومشهورة في كتاب السير والتاريخ وكان إسلام عمر رضي الله عنه في السنة السادسة من البعثة وكان عمره سبعا وعشرين سنة وهو من السابقين إلى الإسلام حيث لم يسبقه إلا خمسة وأربعون رجلاً وإحدى عشرة امرأة كان رضي الله عنه رجلاً طوالاً أصلع أعسر أيسر أحور العينين آدم اللون (أسمر).

روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر) والمحدثون الملهمون.

وأخرج الترمذي والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب».

وقد وافقه القرآن في أربعة مواضع: 1 - في أسرى بدر، 2 - وفي الحجاب. 3 - وفي تحريم الخمر، 4 - وفي مقام ابراهيم.

وكان يوم الثلاثاء الثاني والعشرون من شهر جمادى الثانية للسنة الثالثة عشرة للهجرة هو أول يوم من خلافة عمر رضي الله عنه وفي هذا اليوم في صلاة الظهر صعد عمر المنبر وخطب الناس وقال: (أيها الناس ما أنا إلا رجل منكم، ولولا أني كرهت أن أرد أمر الخليفة ما تقلدت أمركم) ونظر عمر إلى السماء في إشفاق وقلق وقال: إني قائل كلمات فأمنوا عليهن: (اللهم إني غليظ فليني، اللهم إني ضعيف فقوني، اللهم إني بخيل فسخني).

إن حياة الفاروق عمر بن الخطاب التي لم تعرف يوماً أناة ولا دعة ولم تركن إلى راحة أو استرخاء، إنها حياة قد ملئت بالامجاد والمثل.

وقد كانت الأيام الاخيرة من حياته مثيرة وعصيبة على المسلمين. عن سعيد بن المسيب أن عمر لما أفاض من منى أناخ بالأبطح فكوَّم كومة من بطحاء وطرح عليها طرف ثوبه ثم استلقى عليها ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط.


الراي
 
عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» (2 من 5)
الأيام الأخيرة في حياتهم
إسلاميات - الجمعة، 10 يونيو 2016 / 211 مشاهدة / 22
×
1 / 1
شارك:
n.png
n.png
n.png

+ تكبير الخط - تصغير الخط ▱ طباعة
| سيد عبدالله الرفاعي |
تحت هذا العنوان نعرض لحلقات يومية متتابعة على مدار أيام الشهر الفضيل، نقدم من خلالها وصفاً للأيام الاخيرة في حياة بعض الشخصيات التي كان لها اثر واضح في تاريخ الأمة الاسلامية، لنتخذ منها العبرة والعظة... والله أسأل التوفيق والسداد.

قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ فقلت: أنا احفظه كما قال. قال: هات لله ابوك إنك لجريء.

قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «فتنة الرجل في اهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة،، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر». قال عمر: ليس هذا ما اريد. انما اريد الفتن التي تموج كموج البحر. قلت: مالك ولها يا أمير المؤمنين؟ ان بينك وبينها بابا مغلقا. قال: فيكسر الباب او يفتح؟

قلت: لا بل يكسر. قال: ذلك احرى الا يغلق ابدا حتى قيام الساعة.

قال ابووائل الراوي عن حذيفة: هل كان عمر يعلم من الباب؟

قال حذيفة: نعم كما يعلم ان دون غد الليلة، اني حدثته حديثا ليس بالأغاليط. قال ابووائل: فهبنا ان نسأل حذيفة من الباب فقلنا لمسروق: سل حذيفة من الباب؟ فقال مسروق لحذيفة: من الباب؟ قال حذيفة عمر.

وقد كسر الباب وتحطم تحطيما بمؤامرة غادرة. وكان المتآمرون ثلاثة: 1 - الهرمزان الفارسي المجوسي الذي سيق اسيرا الى المدينة بعد ان هزمه الله عز وجل على ايدي المسلمين في معركة «تستر» في الاهواز، 2 - ابولؤلؤة فيروز وكان فارسيا مجوسيا وكان عبدا للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه وكان حدادا ماهرا. 3 - جفينة الرومي: عبد رقيق نصراني رومي كان من سبي الروم.

اجتمع الثلاثة يتدارسون كيفية تنفيذ المؤامرة واغتيال عمر وكان مع ابي لؤلؤة الخنجر الذي اعده لجريمته، وبينما هم مجتمعون مر بهم عبدالرحمن بن ابي بكر الصديق رضي الله عنهما فلما شاهدوه خافوا وفزعوا وكانوا جالسين على الارض فهبوا واقفين فزعين فسقط من ابى لؤلؤة الخنجر الذي كان يحمله ليطعن به عمر.

وكان ابولؤلؤة حاقدا على عمر بالذات لنجاح المسلمين في خلافته في تحطيم الدولة الفارسية وكان ابولؤلؤة اذا رأى اطفال السبايا المجوس في المدينة يمسح على رؤوسهم ويبكي ويقول: لقد اكل عمر كبدي، وبعد المحاورة المشهورة التي دارت بينه وبين عمر رضي الله عنه اضمر قتله، فصنع ابولؤلؤة المجوسي خنجرا له رأسان وكان حادا ماضيا ونوى قتل عمر ذهب ابولؤلؤة الى الهرمزان واراه الخنجر وقال له: كيف ترى هذا؟

قال الهرمزان: إنك لا تضرب أحدا بهذا الخنجر إلا قتلته. وكان عمر يسير يوما في المدينة مع مجموعة من الصحابة، فلقي ابا لؤلؤة في الطريق فقال له عمر: لقد سمعت انك تقول: لو اشاء لصنعت رحى تطحن بالري فاجابه أبو لؤلؤة بغضب وحقد وعبوس: لأصنعن لك رحى يتحدث بها الناس، فقال عمر لمن معه: إن هذا العبد يهددني ويتوعدني.

ونفذ أبو لؤلؤة المجوسي الفارسي مؤامرته وطعن عمر بن الخطاب بخنجره المسموم ذي الحدين فجر يوم الاربعاء 26 ذي الحجة 23 هـ.

ونترك لأحد الشهود يصف لنا تفاصيل الحادث المفجع.

قال عمرو بن ميمون الأودي رحمه الله شهدت عمر يوم طعن وما منعني ان اكون في الصف الأول المتقدم إلا هيبة عمر وكان عمر رجلا مهيبا فكنت في الصف الثاني وبيني وبين عمر ابن عباس خلف عمر مباشرة، وكان عمر واقفا في المحراب عندما اقيمت صلاة الفجر ولما اقيمت الصلاة نظر عمر إلى الناس يسوي الصفوف وكان خلفه مباشرة عبدالله ابن عباس وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهم ودخل ابو لؤلؤة المجوسي، ومعه خنجره المسموم.

(يتبع غداً إن شاء الله)
 
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (3 من 5)
الأيام الأخيرة في حياتهم
إسلاميات - السبت، 11 يونيو 2016 / 117 مشاهدة / 22
×
1 / 1
شارك:
n.png
n.png
n.png

+ تكبير الخط - تصغير الخط ▱ طباعة
| سيد عبدالله الرفاعي |
تحت هذا العنوان نعرض لحلقات يومية متتابعة على مدار أيام الشهر الفضيل، نقدم من خلالها وصفاً للأيام الاخيرة في حياة بعض الشخصيات التي كان لها اثر واضح في تاريخ الأمة الاسلامية، لنتخذ منها العبرة والعظة... والله أسأل التوفيق والسداد.

دخل أبولؤلؤة المجوسي ومعه خنجره المسموم، وكبر عمر تكبيرة الإحرام، وكبر خلفه المصلون ودخلوا في الصلاة، وقبل أن يبدأ في قراءة الفاتحة، خرج له أبو لؤلؤة المجوسي من وسط الصفوف وطعنه بخنجره المسموم ثلاث طعنات عميقة،واحدة في كتفه واثنتان في خاصرته وبطنه و كانت الطعنة في بطنه نافذة. فقال عمر: قتلني الكلب، أو أكلني الكلب، فسقط عمر على الأرض من قوة الطعنات ودمه يتدفق بغزارة وهو يقرأ قول الله عز وجل. (وكان أمر الله قدراً مقدوراً) (الأحزاب: 38).

وبعد ما طعن أبو لؤلؤة عمر بخنجره صار يطعن المصلين الواقفين في الصف الداخلين في الصلاة يطعن من يلقاه منهم يميناً وشمالاً فطعن ثلاثة عشر رجلاً، استشهد منهم سبعة، ولما رأى عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه المشهد المفجع أخذ بُرنساً وطرحه على أبي لؤلؤة ليلقي القبض عليه، فلما رأى أبو لؤلؤة نفسه داخل البرنس ولن يتمكن من الفرار قام بقتل نفسه بخنجره، فمات منتحراً، ثم تقدم عبدالرحمن بن عوف فصلى بالمصلين صلاة خفيفة قرأ فيها باقصر سورتين في القرآن، صلى ابن عوف والمسلمون، وعمر صريعاً أمامهم في المحراب، ولكنهم قدموا صلاة الفجر على إسعاف أمير المؤمنين، وذلك لأهمية الصلاة وخاصة صلاة الفجر، قال الله عزّ وجلّ: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً) (الإسراء:78)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: بقي عمر مغشياً عليه حتى أسفر النهار، وأوشك طلوع الشمس وهو لم يصل الفجر فقيل: إنكم لن توقظوه بشيء، مثل تذكيره بالصلاة فسيستيقظ إن كانت به حياة، فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين، الصلاة. فانتبه عمر من غشيته وقال: نعم الصلاة والله، ولا حق ولاحظ لمن تركها، ونظر في وجوهنا وقال: أصلى الناس؟ قال ابن عباس: نعم يا أمير المؤمنين. قال عمر: لا إسلام لمن ترك الصلاة، ثم قدموا له ماء وهو في المحراب، ثم توضأ، وصلى الفجر قبل شروق الشمس وإن جرحه ليتدفق دماً، وبعدما صلى عمر الفجر قال لابن عباس: اخرج فانظر من هو الذي قتلني؟ فسألت المجتمعين: من الذي طعن أمير المؤمنين؟ قالوا طعنه عدو الله أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة وطعن معه رهطا من المسلمين، ثم قتل نفسه. ثم رجع ابن عباس إلى عمر فقال له: هو غلام المغيرة بن شعبة. قال: الصانغ، قلت: نعم.

قال عمر: قاتله الله لقد أمرت به معروفاً، الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام، والحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة واحدة سجدها لله. ثم حُمل عمر من المحراب إلى بيته وجراحه تنزف دماً ودعوا له طبيباً ينظر في جرحه، ولما جاء الطبيب سقاه نبيذ التمر - وهو حبات تمر نُقعت في الماء وتركت فيه ليحلو طعمه وليس هو النبيذ المعروف المسكر المحرم شرعاً - فخرج نبيذ التمر من جوفه صافياً، ثم سقاه لبنا فخرج اللبن من جوفه خالصاً.

فعلم الطبيب أن الضربة نافذة وأن الاصابة خطرة فقال لعمر: يا أمير المؤمنين اعهد بما شئت فإنك ميت.

ولما سمع القوم ذلك بكوا، فنهاهم عمر عن ذلك، وقال: لا تبكوا علينا ومن كان باكياً فليخرج.

وصار المسلمون يدخلون على عمر يزورونه ويواسونه ويودعونه ويثنون عليه بما فعل من خير، وجاءه شاب من المسلمين، فقال له: أبشر يا أمير المؤمنين بُشرى الله لك، فأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك قدم في الإسلام وهي ما قد علمت، ولقد وليت فعدلت، والآن ها هي شهادة لك في سبيل الله، فرد عليه عمر قائلاً: وددت لو كان ذلك كفافاً لا علي ولا لي، ولما قام الشاب وخرج من مجلسه نظر عمر إليه فإذا ثوبه طويل يجر على الأرض، فناداه عمر وقال له: يا ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأرضى لربك.










الأيام الأخيرة في حياتهم / عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (4 من 5)
إسلاميات - الأحد، 12 يونيو 2016 / 254 مشاهدة / 24
×
1 / 1
شارك:
n.png
n.png
n.png

+ تكبير الخط - تصغير الخط ▱ طباعة
| سيد عبدالله الرفاعي |
تحت هذا العنوان نعرض لحلقات يومية متتابعة على مدار أيام الشهر الفضيل، نقدم من خلالها وصفاً للأيام الاخيرة في حياة بعض الشخصيات التي كان لها اثر واضح في تاريخ الأمة الاسلامية، لنتخذ منها العبرة والعظة... والله أسأل التوفيق والسداد.

وتكلم عبدالله بن عباس رضي الله عنهما وقال مبينا فضائل عمر ويثني عليه وكان مما قاله له: يا أمير المؤمنين، لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون...

انك لأمير المؤمنين، وأمين المؤمنين، وسيد المؤمنين، تقضي بكتاب الله وتقسم بالسوية، ولقد كان اسلامك عزا، واماراتك فتحا وقد ملأت الارض عدلا.

فأعجبه كلام ابن عباس، فاستوى عمر جالسا وقال لابن عباس وكان معه علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

فقال له عمر: أتشهد لي بهذا يا ابن عباس عند الله؟

فقال ابن عباس: نعم انا اشهد لها بك عند الله.

وقال علي بن ابي طالب: وانا ايضا اشهد لها بك عند الله.

ثم قال عمر لابنه عبدالله: يا بني اذهب إلى عائشة فقل لها يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل امير المؤمنين، فاني اليوم لست للمؤمنين اميرا، وقل لها يستأذن عمر منك ان يدفن مع صاحبيه رسول الله صلى عليه وسلم وابي بكر رضي الله عنه، فذهب عبدالله إلى عائشة فأخبرها بما ارسله عمر به، فقالت: كنت اريد هذا القبر لنفسي، عند زوجي وابي ولاوثرن عمر على نفسي، قد اذنت له، وعاد عبدالله فلما رآه ابوه قال: ارفعوني اسندوني، ثم قال له: ما لديك يا بني؟

قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، لقد اذنت عائشة لك.

قال عمر: الحمد لله رب العالمين، ما كان شيء اهم اليّ من ان ادفن بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابي بكر رضي الله عنه.

وفي يوم آخر دخل على عمر مجموعة من الصحابة ومعهم المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، فقال له المغيرة: استخلف عبدالله بن عمر.

فقال عمر: قاتلك الله، والله ما اردت بهذا وجه الله، لا حاجة لنا في اموركم، والله ما حمدت الخلافة لارغب فيها لاحد من اهل بيتي ان كانت الخلافة خيرا فقد اصبنا منه، وان كان شرا فبحسب آل عمر ان يحاسب منهم رجل واحد ويسأله الله عن امر امة محمد صلى الله عليه وسلم لقد جهدت نفسي وحزمت اهلي، فان نجوت كفافا لاوزر علي ولا اجر لي اني اذن لسعيد.

وجعل عمر امر الخلافة شورى في الصحابة الستة المبشرين بالجنة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وهم عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب، وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن ابي وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رضي الله عنهم اجمعين، ولم يجعل فيهم السابع المبشر بالجنة الذي كان حيا وهو سعيد بن زيد رضي الله عنه لانه من بني عدي من اقارب عمر، وكان عمر رضي الله عنه حريصا على ابعاد الامارة عن اقاربه ثم قال عمر: يجتمع هؤلاء الستة ليختاروا من بينهم رجلا ويحضر عبدالله بن عمر وليس له من الامر شيء.
 
التعديل الأخير:
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (5 من 5)
الأيام الأخيرة في حياتهم
إسلاميات - الإثنين، 13 يونيو 2016 / 18
×
1 / 1
شارك:
n.png
n.png
n.png

+ تكبير الخط - تصغير الخط ▱ طباعة
| سيد عبدالله الرفاعي |
تحت هذا العنوان نعرض لحلقات يومية متتابعة على مدار أيام الشهر الفضيل، نقدم من خلالها وصفاً للأيام الاخيرة في حياة بعض الشخصيات التي كان لها اثر واضح في تاريخ الأمة الاسلامية، لنتخذ منها العبرة والعظة... والله أسأل التوفيق والسداد.

وأوصى عمر الخليفة الذي سيكون من بعده فقال: أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الاولين، وأوصيه بالانصار خيرا، واوصيه بأهل الامصار خيرا، واوصيه بالاعراب خيرا، فانهم اصل العرب ومادة الاسلام، واوصيه بأهل الذمة، ذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، بقي عمر رضي الله عنه حيا ثلاثة ايام وهي ايام الخميس والجمعة والسبت وكان يصلي بالمسلمين في هذه الايام صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه.

وقد اوصى ابنه عبدالله قبل وفاته فقال له: يا بني اذا حضرت وفاتي فأحرفني ووجهني نحن القبلة وضع يدك اليمنى على جبيني ويدك اليسرى على ذقني، فاذا مت فاغمض عيني، واقتصدوا في كفني فانه ان يكن لي عند الله خير، ابدلني خيرا منه، وان كنت على غير ذلك سلبني فأسرع سلبي، واقتصدوا في حفرتي فانه ان يكن لي عند الله خير وسع لي فيها مد بصري، وانت كنت على غير ذلك ضيقها علي حتى تختلف اضلاعي، ولا تخرجن مع جنازتي امرأة، ولا تزكوني بما ليس فيّ، فان الله هو اعلم بي، واذا خرجتم لي فأسرعوا في المشي، فانه ان يكن لي عند الله خير قدمتموني إلى ما هو خير لي، وان كنت على غير ذلك ألقيتم عن رقابكم شرا تحملونه.

ودخلت عليه قبل وفاته بساعات ابنته حفصة ام المؤمنين رضي الله عنها، ومعها نساء يسرن معها، فبكين عنده ثم خرجن وقد اخبرنا عثمان بن عفان رضي الله عنه عن اللحظات الاخيرة من حياة عمر رضي الله عنه وذلك عندما دخل عليه ليلة الاحد، قال: انا آخركم عهدا بعمر، دخلت عليه، ورأسه في حجر ابنه عبدالله، فقال لابنه: ضع خدي على الارض. فقال له ابنه: وهل فخذي والارض الا سواء؟

قال له: ضع خدي على الارض، فلما وضع خده على الارض سمعته يقول: ويلي وويل امي، ان لم تغفر لي يا ربي، ثم فاضت نفسه وخرجت روحه رضي الله تعالى عنه وارضاه، ولما توفي ليلة الاحد غسله ابنه بالماء والسدر ثم كفنه في ثلاثة اثواب وهيأه للصلاة عليه.

وبعدما صلى المسلمون صلاة فجر يوم الاحد هلال المحرم سنة اربع وعشرين، فكانت ولايته عشر سنين وخمسة اشهر واحدى وعشرين ليلة ثم صلى المسلمون على عمر صلاة الجنازة وامهم في الصلاة عليه صهيب الرومي رضي الله عنه، ثم حمل إلى بيت عائشة رضي الله عنها فوقف عبدالله بن عمر على الباب وسلم ثم استأذن، وقال لها عمر يستأذن، قالت: ادخلوه، وانزله في قبره ابنه عبدالله، وعثمان وسعيد بن زيد وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهم، وجعل رأس ابي بكر عند كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وجُعل رأس عمر عند حقوي النبي صلى الله عليه وسلم وكان (عُمر) عمر الذي توفي عنه، ثلاثا وستين سنة كعمر صاحبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابي بكر الصديق رضي الله عنه.

رحمك الله يا عمر ورضي الله عنك وان ايامك الغراء لا تزال حاضرة ناضرة في القلوب المؤمنة والعقول النيرة تشهد على علو مكانت ورفعة قدرك تجتذب الفطر السليمة والعقول المستقيمة إلى حبك والسير على نهجك وطريقتك، وتجعل الالسنة دائمة الثناء والترضي عنك، واشاعة مناقبك وفضائلك، فيك اعز الله الاسلام والمسلمين.

رضي الله عن امير المؤمنين عمر بن الخطاب وارضاه وجمعنا واياه في جنات الخلد آمين.


الراي
 
التعديل الأخير:
كان أمير المؤمنين الفاروق رضي الله عنه مثالاً للخليفة العادل المؤمن، المجاهد النقي الورع، القوي الأمين، الحصن المنيع للأمة وعقيدتها، قضى رضي الله عنه خلافته كلها في خدمة دينه وعقيدته وأمته التي تولى أمر قيادتها
فكان القائد الأعلى للجيش والفقيه المجتهد الذي يرجع الجميع إلى رأيه، والقاضي العادل النزيه، والأب الحنون الرحيم بالرعية، صغيرها وكبيرها، ضعيفها وقويها، فقيرها وغنيها، الصادق المؤمن بالله ورسوله، السياسي المحنك المجرب والإداري الحكيم الحازم، أحكم بقيادته صرح الأمة، وتوطدت في عهده دعائم الدولة الإسلامية، وتحققت بقيادته أعظم الانتصارات على الفرس في معارك الفتوح، فكانت القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند، وتمّ فتح بلاد الشام ومصر من سيطرة الروم البيزنطيين[1]، ودخل الإسلام في معظم البلاد المحيطة بالجزيرة العربية، وكانت خلافته سداً منيعاً أمام الفتن، وكان عمر نفسه باباً مغلقاً لا يقدر أصحاب الفتن الدخول إلى المسلمين في حياته، ولا تقدر الفتن أن تطل برأسها في عهده[2].
أولاً: حوار بين عمر وحذيفة حول الفتن واقتراب كسر الباب:
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: كنّا عند بن الخطاب رضي الله عنه. فقال أيكم يحفظ حديث رسول الله في الفتنة؟ فقلت: أنا أحفظه كما قال! قال: هات، لله أبوك، إنك لجريء. قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال عمر: ليس هذا أريد. إنما أريد الفتن التي تموج كموج البحر! قلت: مالك ولها
يا أمير المؤمنين؟ إنّ بينك وبينها باباً مغلقاً!! قال: فيكسر الباب أو يفتح؟ قلت: لا. بل يُكسر!! قال: ذاك أحرى أن لا يغلق أبداً، حتى قيام الساعة!!! قال أبو وائل الراوي عن حذيفة: هل كان عمر يعلم من الباب؟ قال حذيفة: نعم. كما يعلم أن دون غد الليلة! إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط. قال أبو وائل: فهبنا أن نسأل حذيفة: من الباب؟ فقلنا لمسروق: سل حذيفة من الباب؟ فقال مسروق لحذيفة: من الباب؟ قال حذيفة: هو عمر[3]!!! إن حذيفة قدّم العلم لعمر رضي الله عنهم، بأن الباب المنيع هو الذي يمنع تدفق الفتن على المسلمين، ويحجرُها عنهم، إنَّ هذا سيُكسر كسراً، وسيتحطم تحطيماً، وهذا معناه أنه لن يغلق بعد هذا حتى قيام الساعة، وهذا ما فهمه عمر، أي أن الفتن ستبقى منتشرة ذائعة بين المسلمين، ولن يتمكَّنوا من إزالتها أو توقُّفها أو القضاء عليها، وحذيفة رضي الله عنه لا يقرر هذا من عنده، ولا يتوقعه توقعاً، فهو لا يعلم الغيب وإنما سمع هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعاه وحفظه كما سمعه، ولهذا يعلق على كلامه لعمر قائلاً:إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط. أي حدثته حديثاً صحيحاً صادقاً، لا أغاليط ولا أكاذيب فيه، لأنني سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم إن عمر رضي الله عنه يعلم الحقيقة التي أخبره بها حذيفة، فهو يعلم أن خلافته باب منيع يمنع تدفق الفتن على المسلمين، وأن الفتن لن تغزو المسلمين أثناء خلافته وعهده وحياته[4]،وكان عمر رضي الله عنه يعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه سيقتل قتلاً، وسيلقى الله شهيداً، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: صعد رسول الله جبل أحد، ومعه
أبو بكر و عمر وعثمان، فرجف الجبل بهم. فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله، وقال له: اثبت أُحُد: فإنما عليك نبيّ، وصديق، وشهيدان[5].
1- دعاء عمر في آخر حجة له سنة 23:
عن سعيد بن المسيب: أن عمر رضي الله عنه لما نفر من منى أناخ بالأبطح فكوم كومة من بطحاء، فألقى عليها طرف ثوبه، ثم استلقى عليها، ورفع يديه إلى السماء فقال: اللهم كُبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيّتي، فأقبضني غير مضيِّع، ولا مفرط، ثم قدم المدينة[6].
2- طلب الفاروق للشهادة:
عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد نبيك وجاء في رواية: اللهم قتلاً في سبيلك ووفاة في بلد نبيك. فقال عمر رضي الله عنه: وأنى يكون ذلك؟ قال: يأتي به الله إذا شاء[7] وقد علق الشيخ يوسف بن الحسن بن عبد الهادي على طلب عمر للشهادة فقال: وتمني الشهادة مستحب، وهو مخالف لتمني الموت فإن قيل: ما الفرق بينهما؟ قيل: تمني الموت، طلب تعجيل الموت قبل وقته، ولا يزيد الإنسان عمره إلا خيراً، وتمني الشهادة هو أن يطلب أن يموت عند انتهاء أجله شهيداً، فليس فيه طلب تقديم الموت عن وقته، وإنما فيه طلب فضيلة فيه[8].
3- رؤيا عوف بن مالك الأشجعي:
قال عوف بن مالك الأشجعي: رأيت سبباً[9] تدلى من السماء، وذلك في إمارة
أبي بكر رضي الله عنه وأن الناس تطاولوا له، وأن عمر فضلهم بثلاثة أذرع، قلت: وما ذاك؟ قال: لأنه خليفة من خلفاء الله تعالى في الأرض، وأنه لا يخاف لومة لائم وأنه يقتل شهيداً قال: فغدوت على أبي بكر فقصصتها عليه فقال: يا غلام انطلق إلى أبي حفص فادعه لي، فلما جاء قال: يا عوف اقصصها عليه كما رأيتها، فلما أتيت أنه خليفة من خلفاء الله تعالى قال عمر: أكل هذا يرى النائم؟ قال فقصها[10] عليه فلما ولي عمر أتى الجابية، وإنه ليخطب فدعاني فأجلسني، فلما فرغ من الخطبة قال: قص علي رؤياك. فقلت له: ألست قد جبهتني[11] عنها؟ قال: قد خدعتك أيها الرجل[12] وجاء في رواية: قال أولم تكذب بها؟ قال: لا ولكني استحييت من أبي بكر، فقصها علي[13]. فلما قصصتها، قال: أما الخلافة فقد أوتيت ما ترى، وأما أن لا أخاف في الله لومة لائم، فإني أرجو أن يكون قد علم ذلك مني، وأما أن أقتل شهيداً، فأنى لي بالشهادة وأنا في جزيرة العرب[14].
4- رؤيا أبي موسى الأشعري حول وفاة عمر:
قال أبو موسى الأشعري قال: رأيت كأني أخذت جواداً كثيراً فجعلت تضمحل حتى بقيت واحدة، فأخذتها فانتهيت إلى جبل زلق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه أبو بكر، وإذا هو يومئ إلى عمر أن تعال، فقلت: ألا تكتب بها إلى عمر؟ فقال: ما كنت لأنعي له نفسه[15].
5- آخر خطبة جمعة لعمر في المدينة:
وقد ذكر عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بعض ما قاله عمر في خطبة الجمعة 21 ذي الحجة 23هـ وهي آخر خطبة له. وقد ذكرت ما قاله عبد الرحمن بن عوف من الخطبة عند حديثي عن كيفية استخلاف أبي بكر الصديق في كتابي الانشراح ورفع الضيق بسير أبي بكر الصديق. وقد أخبر عمر نفسه المسلمين عن رؤيا رآها، وعبّرها لهم. قال في نفس الخطبة: إني رأيت رؤيا، لا أراها إلا حضور أجلي. رأيت كأن ديكاً نقرني نقرتين!!! وإن قوماً يأمرونني أن أستخلف وأعين الخليفة من بعدي!! وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، ولا الذي بعث به نبيّه، فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض[16]!
6- اجتماع عمر مع حذيفة قبل طعنه:
قبل استشهاد الفاروق بأربعة أيام أي يوم الأحد 23 ذي الحجة قابل الصحابيين حذيفة بن اليمان وسهل بن حنيف رضي الله عنهما، وكان قد وظَّفَ حذيفة ليقدِّرَ خراج الأرض التي تُسقى بماء نهر دجلة، ووظَّفَ سهل بن حنيف ليقدِّر خراج الأرض التي تسقى بماء نهر الفرات. وقال لهما: كيف فعلتما؟ أخاف أن تكونا قد حمَّلتما الأرض ما لا تطيق. قالا: حمّلناها أمراً هي له مطيقة. فقال عمر: لئن سلّمني الله، لأدعنَّ أرامل أهل العراق لا يحتَجْنَ إلى رجل بعدي أبداً، ولكنه طعن في اليوم الرابع من هذه المحاروة بينه وبينهما[17].
7- منع الفاروق للسبايا من الإقامة في المدينة:
كان عمر رضي الله عنه لا يأذن للسبايا في الأقطار المفتوحة بدخول المدينة المنورة، عاصمة دولة الخلافة، فكان يمنع مجوس العراق وفارس، ونصارى الشام ومصر من الإقامة في المدينة إلا إذا أسلموا ودخلوا في هذا الدين، وهذا الموقف يدل على حكمته وبعد نظره، لأن هؤلاء القوم المغلوبين المنهزمين حاقدون على الإسلام، مبغضون له، مهيئون للتآمر والكيد ضد الإسلام والمسلمين ولذلك منعهم من الإقامة فيها لدفع الشرِّ عن المسلمين ولكنّ بعض الصحابة رضي الله عنهم كان لهم عبيد ورقيق من هؤلاء السبايا النصارى أو المجوس، وكان بعضهم يلحُّ على عمر أن يأذن لبعض عبيده ورقيقه من هؤلاء المغلوبين بالإقامة في المدينة، ليستعين بهم في أموره وأعماله، فأذن عمر لبعضهم بالإقامة في المدينة، على كره منه ووقع ما توقَّعه عمر، وما كان حذّر منه[18].
ثانياً: مقتل عمر وقصة الشورى:
1- مقتل عمر رضي الله عنه:
قال عمرو بن ميمون: إني لقائم[19]، ما بيني، وبينه إلا عبد الله بن عباس، غداة أصيب وكان إذا مرّ بين الصفين، قال استووا، فإذا استووا ، تقدّم فكبّر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى، حتى يجتمع الناس، فما هو إلا أن كبَّر، فسمعته يقول: قتلني – أو أكلني – الكلب، حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين، لا يمرُّ على أحد يميناً ولا شمالاً إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً، مات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرْنساً، فلما ظنّ العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدّمه – للصلاة بالناس – فمن يلي عمر، فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرُون، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون: سبحان الله، فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة، فلما انصرفوا قال عمر: يا ابن عباس، انظر من قتلني، فجال ساعة، ثم جاء فقال: غلام المغيرة، قال: الصَّنَع[20]، قال: نعم، قال: قاتله الله لقد أمرت به معروفاً، الحمد لله الذي لم يجعل منيّتي بيد رجل يدّعي الإسلام قد كنت أنت وأبوك يريد العباس، وابنه عبد الله تحبّان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقاً، فقال عبد الله إن شئت، فعلت، أي: إن شئت قَتَلنا. قال: كذبت - أي: أخطأت – بعدما تكلموا بلسانكم، وصلّوا قبلتكم، وحجوا حجّكم. فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فأُتي بنبيذ[21] فشربه، فخرج من جوفه، ثمّ أتي بلبن فشربه فخرج من جُرْحه، فعلموا أنه ميت، فدخلنا عليه، وجاء الناس فجعلوا يثنون عليه.. وقال: يا عبد الله بن عمر انظر، ما عليّ من الدَّين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوه، قال: إن وفى له مال آل عمر، فأدّه من أموالهم، وإلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف أموالهم، فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأدّ عني هذا المال، وانطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل، يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يبقى مع صاحبيه.. فسلّم عبد الله بن عمر، واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السَّلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرنّه به اليوم على نفسي، فلما أقبل، قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنت، قال: الحمد لله، ما كان من شيء أهمُّ إليّ من ذلك.. فإذا أنا قضيت فاحملني ثم سلم فقل: يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذن لي فأدخلوني، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين. قال: فلما قبض خرجنا به، فانطلقنا نمشي، فسلّم عبد الله بن عمر، قال: يستأذن عمر بن الخطاب، قالت عائشة: أدخلوه، فأدخل، فوضع هنالك مع صاحبيه[22]، وجاءت روايات أخرى فصلت بعض الأحداث التي لم تذكرها رواية عمرو بن ميمون قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن عمر رضي الله عنه طُعن في السحر، طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، وكان مجوسياً[23]. وقال أبو رافع رضي الله عنه: كان أبو لؤلؤة عبداً للمغيرة بن شعبة وكان يصنع الأرحاء[24]، وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، فلقي أبو لؤلؤة عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن المغيرة قد أثقل عليَّ غلتي، فكلِّمه أن يخفف عني. فقال عمر: اتق الله، وأحسن إلى مولاك، ومن نية عمر أن يلقى المغيرة فيكلمه يخفف عنه، فغضب العبد، وقال: وسع كلهم عدله غيري؟‍‍! فأضمر على قتله، فاصطنع خنجراً له رأسان، وشحذه، وسمّه، ثم أتى به الهُرْمُزان، فقال: كيف ترى هذا؟ قال: أرى أنك لا تضرب به أحداً إلا قتلته. قال: فتحين أبو لؤلؤة عمر، فجاءه في صلاة الغداة حتى قام وراء عمر، وكان عمر إذا أقيمت الصلاة يتكلم يقول: أقيموا صفوفكم، فقال كما كان يقول: فلما كبَّر، وجأه[25]، أبو لؤلؤة وجأةً في كتفه، ووجأة في خاصرته، فسقط عمر[26]، قال عمرو بن ميمون رحمه الله: سمعته لما طعن يقول: } وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا { الأحزاب،آية:38.
2- ابتكاره طريقة جديدة في اختيار الخليفة من بعده:
استمر اهتمام الفاروق عمر رضي الله عنه بوحدة الأمة ومستقبلها، حتى اللحظات الأخيرة من حياته، رغم ما كان يعانيه من آلام جراحاته البالغة، وهي بلا شك لحظات خالدة، تجلى فيها إيمان الفاروق العميق وإخلاصه وإيثاره[27]، وقد استطاع الفاروق في تلك اللحظات الحرجة أن يبتكر طريقة جديدة لم يسبق إليها في اختيار الخليفة الجديد وكانت دليلاً ملموساً، ومعلماً واضحاً على فقهه في سياسة الدولة الإسلامية. لقد مضى قبله الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يستخلف بعده أحداً بنص صريح، ولقد مضى أبو بكر الصديق واستخلف الفاروق بعد مشاورة كبار الصحابة ولما طلب من الفاروق أن يستخلف وهو على فراش الموت، فكر في الأمر ملياً وقرر أن يسلك مسلكاً آخر يتناسب مع المقام؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الناس وكلهم مقر بأفضلية أبي بكر وأسبقيته عليهم فاحتمال الخلاف كان نادراً وخصوصاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه الأمة قولاً وفعلاً إلى أن أبا بكر أولى بالأمر من بعده، والصدّيق لما استخلف عمر كان يعلم أن عند الصحابة أجمعين قناعة بأن عمر أقوى وأقدر وأفضل من يحمل المسؤولية بعده، فاستخلفه بعد مشاورة كبار الصحابة ولم يخالف رأيه أحد منهم، وحصل الإجماع على بيعة عمر[28]، وأما طريقة انتخاب الخليفة الجديد تعتمد على جعل الشورى في عدد محصور، فقد حصر ستة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم بدريون وكلهم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وكلهم يصلحون لتولي الأمر ولو أنهم يتفاوتون وحدد لهم طريقة الانتخاب ومدته، وعدد الأصوات الكافية لانتخاب الخليفة وحدد الحكم في المجلس والمرجح إن تعادلت الأصوات وأمر مجموعة من جنود الله لمراقبة سير الانتخابات في المجلس وعقاب من يخالف أمر الجماعة ومنع الفوضى بحيث لا يسمحون لأحد يدخل أو يسمع ما يدور في مجلس أهل الحل والعقد[29]، وهذا بيان ما أجمل في الفقرات السابقة:
أ- العدد الذي حدده للشورى وأسماؤهم:
أما العدد فهو ستة وهم؛ علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم جميعاً. وترك سعيد بن زيد بن نفيل وهو من العشرة المبشرين بالجنة ولعله تركه لأنه من قبيلته بني عدي[30].
ب- طريقة انتخاب الخليفة:
أمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا وفيهم عبد الله بن عمر يحضرهم مشيراً فقط وليس له من الأمر شيء ويصلي بالناس أثناء التشاور صهيب الرومي وأمر المقداد بن الأسود وأبا طلحة الأنصاري أن يرقبا سير الانتخابات[31].
جـ- مدة الانتخابات أو المشاورة:
حددها الفاروق رضي الله عنه بثلاثة أيام وهي فترة كافية وإن زادوا عليها فمعنى ذلك أن شقة الخلاف ستتسع ولذلك قال لهم: لا يأتي اليوم الرابع إلا وعليكم أمير[32].
د- عدد الأصوات الكافية لاختيار الخليفة:
لقد أمرهم بالاجتماع والتشاور وحدّد لهم أنه إذا اجتمع خمسة منهم على رجل وأبى أحدهم فليضرب رأسه بالسيف وإن اجتمع أربعة وفرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما[33].
وهذه من الروايات التي لا تصح سنداً فهي من الغرائب التي ساقها أبو مخنف مخالفاً فيها النصوص الصحيحة وما عرف من سير الصحابة رضي الله عنهم، فما ذكره أبو مخنف من قول عمر لصهيب: وقم على رؤوسهم أي أهل الشورى فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان، فاضرب رؤوسهما[34]: فهذا قول منكر وكيف يقول عمر رضي الله عنه هذا وهو يعلم أنهم هم الصفوة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي اختارهم لهذا الأمر لعلمه بفضلهم وقدرهم[35]، وقد ورد عن ابن سعد أن عمر قال للأنصار: أدخلوهم بيتاً ثلاثة أيام فإن استقاموا وإلا فادخلوا عليهم فاضربوا أعناقهم[36]، وهذه الرواية منقطعة وفي إسنادها سماك بن حرب وهو ضعيف وقد تغير بآخره[37].
والصحيح في هذا ما أخرجه ابن سعد بإسنادٍ رجاله ثقات أن عمر رضي الله عنه قال لصهيب: صل بالناس ثلاثاً وليخل هؤلاء الرهط في بيت فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فاضربوا رأسه[38]، فعمر رضي الله عنه أمر بقتل من يريد أن يخالف هؤلاء الرهط ويشق عصا المسلمين ويفرق بينهم، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: من أتاكم وأمركم جميع، على رجل واحد منكم، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه[39].
هـ- الحكم في حال الاختلاف:
لقد أوصى بأن يحضر عبد الله بن عمر معهم في المجلس وأن ليس له من الأمر شيء، ولكن قال لهم: فإن رضي ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً منهم فحكّموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له، فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، ووصف عبد الرحمن بن عوف بأنه مسدد رشيد فقال عنه: ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف مسدد رشيد له من الله حافظ فاسمعوا منه[40].
و- جماعة من جنود الله تراقب الانتخابات وتمنع الفوضى:
طلب عمر أبا طلحة الأنصاري وقال له: يا أبا طلحة إن الله عز وجل أعز الإسلام بكم فاختر خمسين رجلاً من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلاً منهم[41]، وقال للمقداد بن الأسود: إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلاً منهم[42].
هكذا ختم حياته –رضي الله عنه- ولم يشغله ما نزل به من البلاء ولا سكرات الموت عن تدبير أمر المسلمين، وأرسى نظاماً صالحاً للشورى لم يسبقه إليه أحد، ولا يشك أن أصل الشورى مقرر في القرآن والسنة القولية والفعلية وقد عمل بها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر ولم يكن عمر مبتدعاً بالنسبة للأصل ولكن الذي عمله عمر هو تعيين الطريقة التي يختار بها الخليفة وحصر عدد معين جعلها فيهم وهذا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصديق -رضي الله عنه- بل أول من فعل ذلك عمر ونعم ما فعل فقد كانت أفضل الطرق المناسبة لحال الصحابة في ذلك الوقت[43].
ثالثاً: وصية عمر رضي الله عنه للخليفة الذي بعده:
أوصى الفاروق عمر -رضي الله عنه- الخليفة الذي سيخلفه في قيادة الأمة بوصية مهمة قال فيها: أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له، وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيراً أن تعرف لهم سابقتهم وأوصيك بالأنصار خيراً، فاقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم، وأوصيك بأهل الأمصار خيراً، فإنهم ردء العدو، وجباة الفيء، لا تحمل منهم إلا عن فضل منهم وأوصيك بأهل البادية خيراً، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام أن تأخذ من حواشي أموالهم فترد على فقرائهم، وأوصيك بأهل الذمة خيراً، أن تقاتل من وراءهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدّوا ما عليهم للمؤمنين طوعاً، أو عن يد وهم صاغرون، وأوصيك بتقوى الله، والحذر منه، ومخافة مقته أن يطلع منك على ريبة وأوصيك أن تخشى الله في الناس، ولا تخشى الناس في الله وأوصيك بالعدل في الرعية، والتفرغ لحوائجهم وثغورك، ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم، فإن في ذلك بإذن الله سلامة قلبك، وحطاً لوزرك، وخيراً في عاقبة أمرك حتى تفضي في ذلك إلى من يعرف سريرتك ويحول بينك وبين قلبك وآمرك أن تشتد في أمر الله، وفي حدوده ومعاصيه على قريب الناس وبعيدهم، ثم لا تأخذك في أحد الرأفة، حتى تنتهك منه مثل جرمه، واجعل الناس عندك سواء، لا تبال على من وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وإياك والمحاباة فيما ولاك الله مما أفاء على المؤمنين، فتجور وتظلم، وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك، وقد أصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة، فإن اقترفت لدنياك عدلاً وعفة عما بسط لك اقترفت به إيماناً ورضواناً، وإن غلبك الهوى اقترفت به غضب الله، وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذّمة، وقد أوصيتك، وخصصتك ونصحتك فابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة، واخترت من دلالتك ما كنت دالاً عليه نفسي وولدي، فإن علمت بالذي وعظتك، وانتهيت إلى الذي أمرتك أخذت منه نصيباً وافراً وحظاً وافياً، وإن لم تقبل ذلك، ولم يهمك، ولم تترك معاظم الأمور عند الذي يرضى به الله عنك، يكن ذلك بك انتقاصاً، ورأيك فيه مدخولاً، لأن الأهواء مشتركة، ورأس الخطيئة إبليس داع إلى كل مهلكة، وقد أضل القرون السالفة قبلك، فأوردهم النار وبئس المورود، وبئس الثمن أن يكون حظ امرئ موالاة لعدو الله، الداعي إلى معاصيه، ثم اركب الحق، وخض إليه الغمرات، وكن واعظاً لنفسك، وأناشدك الله إلا ترحمت على جماعة المسلمين، وأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم، ووقرت عالمهم، ولا تضربهم فيذلوا، ولا تستأئر عليهم بالفيء فتغضبهم، ولا تحرمهم عطاياهم عند محلّها فتفقرهم، ولا تجمّرهم في البعوث فينقطع نسلهم ولا يجعل المال دُولة بين الأغنياء منهم، ولا تغلق بابك دونهم، فيأكل قويهم ضعيفهم هذه وصيتي إليك، وأشهد الله عليك، وأقرأ عليك السلام[44].
هذه الوصية تدل على بعد نظر عمر في مسائل الحكم والإدارة، وتفصح عن نهج ونظام حكم وإدارة متكامل[45]، فقد تضمنت الوصية أموراً غاية في الأهمية، فحق أن تكون وثيقة نفيسة، لما احتوته من قواعد ومبادئ أساسية للحكم متكاملة الجوانب الدينية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية يأتي في مقدمتها:
1- الناحية الدينية، وتضمنت:
‌أ-الوصية بالحرص الشديد، على تقوى الله، والخشية منه في السر والعلن في القول والعمل، لأن من اتقى الله وقاه ومن خشيه صانه وحماه أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له وأوصيك بتقوى الله والحذر منه.. وأوصيك أن تخشى الله.
‌ب- إقامة حدود الله على القريب والبعيد لا تبال على من وجب الحق ولا تأخذك في الله لومة لائم لأن حدود الله نصت عليها الشريعة فهي من الدين، ولأن الشريعة حجة على الناس، وأعمالهم وأفعالهم تقاس بمقتضاها، وأن التغافل عنها إفساد للدين والمجتمع.
‌ج- الاستقامة استقم كما أمرت وهي من الضرورات الدينية والدنيوية التي يجب على الحاكم التحلي بها قولاً وعملاً أولاً ثم الرعية كن واعظاً لنفسك وابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة.
2- الناحية السياسية، وتضمنت:
أ‌- الالتزام بالعدل، لأنه أساس الحكم، وإن إقامته بين الرعية، تحقيق للحكم قوة وهيبة ومتانة سياسية واجتماعية، وتزيد من هيبة واحترام الحاكم في نفوس الناس وأوصيك بالعدل واجعل الناس عندك سواء.
ب‌-العناية بالمسلمين الأوائل من المهاجرين والأنصار لسابقتهم في الإسلام، ولأن العقيدة وما أفرزته من نظام سياسي، قام على أكتافهم، فهم أهله وحملته وحماته وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيراً، أن تعرف لهم سابقتهم، وأوصيك بالأنصار خيراً، فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم.
3- الناحية العسكرية، وتضمنت:
‌أ- الاهتمام بالجيش وإعداده إعداداً يتناسب وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه لضمان أمن الدولة وسلامتها، والعناية بسد حاجات المقاتلين التفرغ لحوائجهم وثغورهم.
‌ب- تجنب إبقاء المقاتلين لمدة طويلة في الثغور بعيداً عن عوائلهم وتلافياً لما قد يسببه ذلك من ملل وقلق وهبوط في المعنويات، فمن الضروري منحهم إجازات معلومة في أوقات معلومة يستريحون فيها ويجددون نشاطهم خلالها، من جهة، ويعودون إلى عوائلهم لكي لا ينقطع نسلهم من جهة ثانية ولا تجمرهم في الثغور فينقطع نسلهم وأوصيك بأهل الأمصار خيراً، فإنهم ردء العدو.
‌ج- إعطاء كل مقاتل ما يستحقه من فيء وعطاء، وذلك لضمان مورد ثابت له ولعائلته يدفعه إلى الجهاد، ويصرف عنه التفكير في شؤونه المالية ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم.
4- الناحية الاقتصادية والمالية، وتضمنت:
‌أ- العناية بتوزيع الأموال بين الناس بالعدل والقسطاس المستقيم، وتلافي كل ما من شأنه تجميع الأموال عند طبقة منهم دون أخرى ولا تجعل الأموال دولة بين الأغنياء منهم.
‌ب- عدم تكليف أهل الذمة فوق طاقتهم إن هم أدوا ما عليهم من التزامات مالية للدولة ولا تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدّوا ما عليهم للمؤمنين.
‌ج- ضمان الحقوق المالية للناس وعدم التفريط بها، وتجنب فرض ما لا طاقة لهم به ولا تحمل منهم إلا عن فضل منهم أن تأخذ حواشي أموالهم فترد على فقرائهم [46].
5- الناحية الاجتماعية، وتضمنت:
‌أ- الاهتمام بالرعية، والعمل على تفقد أمورهم وسد احتياجاتهم وإعطاء حقوقهم من فيء وعطاء ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها.
‌ب- اجتناب الأثرة والمحاباة واتباع الهوى، لما فيها من مخاطر تقود إلى انحراف الراعي، وتؤدي إلى فساد المجتمع واضطراب علاقاته الإنسانية وإياك والأثرة والمحاباة فيما ولاك الله ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم.
‌ج- احترام الرعية وتوقيرها والتواضع لها، صغيرها وكبيرها، لما في ذلك من سمو في العلاقات الاجتماعية، تؤدي إلى زيادة تلاحم الرعية بقائدها وحبها له وأناشدك الله إلا ترحمت على جماعة المسلمين، وأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم ووقرت عالمهم.
‌د- الانفتاح على الرعية، وذلك بسماع شكاواهم، وإنصاف بعضهم من بعض وبعكسه تضطرب العلاقات بينهم ويعم الارتباك في المجتمع ولا تغلق بابك دونهم، فيأكل قويهم ضعيفهم.
‌ه- اتباع الحق، والحرص على تحقيقه في المجتمع، وفي كل الظروف والأحوال، لكونه ضرورة اجتماعية لابد من تحقيقها بين الناس، ثم اركب الحق، وخض إليه الغمرات واجعل الناس عندك سواء، لا تبال على من وجب الحق.
‌و- اجتناب الظلم بكل صوره وأشكاله، خاصة مع أهل الذمة، لأن العدل مطلوب إقامته بين جميع رعايا الدولة مسلمين وذميين، لينعم الجميع بعدل الإسلام وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذمة.
‌ز- الاهتمام بأهل البادية ورعايتهم والعناية بهم وأوصيك بأهل البادية خيراً، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام [47].
‌ح- وكان من ضمن وصية عمر لمن بعده: ألا يقر لي عاملاً أكثر من سنة، وأقروا الأشعري أربع سنين[48].
رابعاً: اللحظات الأخيرة:
هذا ابن عباس رضي الله عنه يصف لنا اللحظات الأخيرة في حياة الفاروق حيث يقول: دخلت على عمر حين طُعنْ، فقلت: أبشر بالجنة، يا أمير المؤمنين، أسلمت حين كفر الناس، وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راضٍ، ولم يختلف في خلافتك اثنان، وقُتلت شهيداً فقال عمر: أعد عليَّ، فأعدت عليه، فقال: والله الذي لا إله إلا هو، لو أن لي ما في الأرض من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطلع[49]، وجاء في رواية البخاري، أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه فإن ذلك من الله جل ذكره منَّ به علي، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله لو أن لي طِلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه[50].
لقد كان عمر رضي الله عنه يخاف هذا الخوف العظيم من عذاب الله تعالى مع أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة، ومع ما كان يبذل من جهد كبير في إقامة حكم الله والعدل والزهد والجهاد وغير ذلك من الأعمال الصالحة، وإن في هذا لدرساً بليغاً للمسلمين عامة في تذكر عذاب الله الشديد وأهوال يوم القيامة[51].
وهذا عثمان رضي الله عنه يحدثنا عن اللحظات الأخيرة في حياة الفاروق فيقول: أنا آخركم عهداً بعمر، دخلت عليه، ورأسه في حجر ابنه عبد الله بن عمر فقال له: ضع خدي بالأرض، قال: فهل فخذي والأرض إلا سواء؟ قال ضع خدي بالأرض لا أم لك، في الثانية أو في الثالثة، ثم شبك بين رجليه، فسمعته يقول: ويلي، وويل أمي إن لم يغفر الله لي حتى فاضت[52] روحه، فهذا مثل مما كان يتصف به أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه من خشية الله تعالى، حتى كان آخر كلامه الدعاء على نفسه بالويل إن لم يغفر الله جل وعلا له، مع أنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، ولكن من كان بالله أعرف كان من الله أخوف، وإصراره على أن يضع ابنه خده على الأرض من باب إذلال النفس في سبيل تعظيم الله عز وجل، ليكون ذلك أقرب لاستجابة دعائه، وهذه صورة تبين لنا قوة حضور قلبه مع الله جل وعلا
 
كان أمير المؤمنين الفاروق رضي الله عنه مثالاً للخليفة العادل المؤمن، المجاهد النقي الورع، القوي الأمين، الحصن المنيع للأمة وعقيدتها، قضى رضي الله عنه خلافته كلها في خدمة دينه وعقيدته وأمته التي تولى أمر قيادتها
فكان القائد الأعلى للجيش والفقيه المجتهد الذي يرجع الجميع إلى رأيه، والقاضي العادل النزيه، والأب الحنون الرحيم بالرعية، صغيرها وكبيرها، ضعيفها وقويها، فقيرها وغنيها، الصادق المؤمن بالله ورسوله، السياسي المحنك المجرب والإداري الحكيم الحازم، أحكم بقيادته صرح الأمة، وتوطدت في عهده دعائم الدولة الإسلامية، وتحققت بقيادته أعظم الانتصارات على الفرس في معارك الفتوح، فكانت القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند، وتمّ فتح بلاد الشام ومصر من سيطرة الروم البيزنطيين[1]، ودخل الإسلام في معظم البلاد المحيطة بالجزيرة العربية، وكانت خلافته سداً منيعاً أمام الفتن، وكان عمر نفسه باباً مغلقاً لا يقدر أصحاب الفتن الدخول إلى المسلمين في حياته، ولا تقدر الفتن أن تطل برأسها في عهده[2].
أولاً: حوار بين عمر وحذيفة حول الفتن واقتراب كسر الباب:
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: كنّا عند بن الخطاب رضي الله عنه. فقال أيكم يحفظ حديث رسول الله في الفتنة؟ فقلت: أنا أحفظه كما قال! قال: هات، لله أبوك، إنك لجريء. قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال عمر: ليس هذا أريد. إنما أريد الفتن التي تموج كموج البحر! قلت: مالك ولها
يا أمير المؤمنين؟ إنّ بينك وبينها باباً مغلقاً!! قال: فيكسر الباب أو يفتح؟ قلت: لا. بل يُكسر!! قال: ذاك أحرى أن لا يغلق أبداً، حتى قيام الساعة!!! قال أبو وائل الراوي عن حذيفة: هل كان عمر يعلم من الباب؟ قال حذيفة: نعم. كما يعلم أن دون غد الليلة! إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط. قال أبو وائل: فهبنا أن نسأل حذيفة: من الباب؟ فقلنا لمسروق: سل حذيفة من الباب؟ فقال مسروق لحذيفة: من الباب؟ قال حذيفة: هو عمر[3]!!! إن حذيفة قدّم العلم لعمر رضي الله عنهم، بأن الباب المنيع هو الذي يمنع تدفق الفتن على المسلمين، ويحجرُها عنهم، إنَّ هذا سيُكسر كسراً، وسيتحطم تحطيماً، وهذا معناه أنه لن يغلق بعد هذا حتى قيام الساعة، وهذا ما فهمه عمر، أي أن الفتن ستبقى منتشرة ذائعة بين المسلمين، ولن يتمكَّنوا من إزالتها أو توقُّفها أو القضاء عليها، وحذيفة رضي الله عنه لا يقرر هذا من عنده، ولا يتوقعه توقعاً، فهو لا يعلم الغيب وإنما سمع هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعاه وحفظه كما سمعه، ولهذا يعلق على كلامه لعمر قائلاً:إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط. أي حدثته حديثاً صحيحاً صادقاً، لا أغاليط ولا أكاذيب فيه، لأنني سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم إن عمر رضي الله عنه يعلم الحقيقة التي أخبره بها حذيفة، فهو يعلم أن خلافته باب منيع يمنع تدفق الفتن على المسلمين، وأن الفتن لن تغزو المسلمين أثناء خلافته وعهده وحياته[4]،وكان عمر رضي الله عنه يعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه سيقتل قتلاً، وسيلقى الله شهيداً، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: صعد رسول الله جبل أحد، ومعه
أبو بكر و عمر وعثمان، فرجف الجبل بهم. فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله، وقال له: اثبت أُحُد: فإنما عليك نبيّ، وصديق، وشهيدان[5].
1- دعاء عمر في آخر حجة له سنة 23:
عن سعيد بن المسيب: أن عمر رضي الله عنه لما نفر من منى أناخ بالأبطح فكوم كومة من بطحاء، فألقى عليها طرف ثوبه، ثم استلقى عليها، ورفع يديه إلى السماء فقال: اللهم كُبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيّتي، فأقبضني غير مضيِّع، ولا مفرط، ثم قدم المدينة[6].
2- طلب الفاروق للشهادة:
عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد نبيك وجاء في رواية: اللهم قتلاً في سبيلك ووفاة في بلد نبيك. فقال عمر رضي الله عنه: وأنى يكون ذلك؟ قال: يأتي به الله إذا شاء[7] وقد علق الشيخ يوسف بن الحسن بن عبد الهادي على طلب عمر للشهادة فقال: وتمني الشهادة مستحب، وهو مخالف لتمني الموت فإن قيل: ما الفرق بينهما؟ قيل: تمني الموت، طلب تعجيل الموت قبل وقته، ولا يزيد الإنسان عمره إلا خيراً، وتمني الشهادة هو أن يطلب أن يموت عند انتهاء أجله شهيداً، فليس فيه طلب تقديم الموت عن وقته، وإنما فيه طلب فضيلة فيه[8].
3- رؤيا عوف بن مالك الأشجعي:
قال عوف بن مالك الأشجعي: رأيت سبباً[9] تدلى من السماء، وذلك في إمارة
أبي بكر رضي الله عنه وأن الناس تطاولوا له، وأن عمر فضلهم بثلاثة أذرع، قلت: وما ذاك؟ قال: لأنه خليفة من خلفاء الله تعالى في الأرض، وأنه لا يخاف لومة لائم وأنه يقتل شهيداً قال: فغدوت على أبي بكر فقصصتها عليه فقال: يا غلام انطلق إلى أبي حفص فادعه لي، فلما جاء قال: يا عوف اقصصها عليه كما رأيتها، فلما أتيت أنه خليفة من خلفاء الله تعالى قال عمر: أكل هذا يرى النائم؟ قال فقصها[10] عليه فلما ولي عمر أتى الجابية، وإنه ليخطب فدعاني فأجلسني، فلما فرغ من الخطبة قال: قص علي رؤياك. فقلت له: ألست قد جبهتني[11] عنها؟ قال: قد خدعتك أيها الرجل[12] وجاء في رواية: قال أولم تكذب بها؟ قال: لا ولكني استحييت من أبي بكر، فقصها علي[13]. فلما قصصتها، قال: أما الخلافة فقد أوتيت ما ترى، وأما أن لا أخاف في الله لومة لائم، فإني أرجو أن يكون قد علم ذلك مني، وأما أن أقتل شهيداً، فأنى لي بالشهادة وأنا في جزيرة العرب[14].
4- رؤيا أبي موسى الأشعري حول وفاة عمر:
قال أبو موسى الأشعري قال: رأيت كأني أخذت جواداً كثيراً فجعلت تضمحل حتى بقيت واحدة، فأخذتها فانتهيت إلى جبل زلق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه أبو بكر، وإذا هو يومئ إلى عمر أن تعال، فقلت: ألا تكتب بها إلى عمر؟ فقال: ما كنت لأنعي له نفسه[15].
5- آخر خطبة جمعة لعمر في المدينة:
وقد ذكر عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بعض ما قاله عمر في خطبة الجمعة 21 ذي الحجة 23هـ وهي آخر خطبة له. وقد ذكرت ما قاله عبد الرحمن بن عوف من الخطبة عند حديثي عن كيفية استخلاف أبي بكر الصديق في كتابي الانشراح ورفع الضيق بسير أبي بكر الصديق. وقد أخبر عمر نفسه المسلمين عن رؤيا رآها، وعبّرها لهم. قال في نفس الخطبة: إني رأيت رؤيا، لا أراها إلا حضور أجلي. رأيت كأن ديكاً نقرني نقرتين!!! وإن قوماً يأمرونني أن أستخلف وأعين الخليفة من بعدي!! وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، ولا الذي بعث به نبيّه، فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض[16]!
6- اجتماع عمر مع حذيفة قبل طعنه:
قبل استشهاد الفاروق بأربعة أيام أي يوم الأحد 23 ذي الحجة قابل الصحابيين حذيفة بن اليمان وسهل بن حنيف رضي الله عنهما، وكان قد وظَّفَ حذيفة ليقدِّرَ خراج الأرض التي تُسقى بماء نهر دجلة، ووظَّفَ سهل بن حنيف ليقدِّر خراج الأرض التي تسقى بماء نهر الفرات. وقال لهما: كيف فعلتما؟ أخاف أن تكونا قد حمَّلتما الأرض ما لا تطيق. قالا: حمّلناها أمراً هي له مطيقة. فقال عمر: لئن سلّمني الله، لأدعنَّ أرامل أهل العراق لا يحتَجْنَ إلى رجل بعدي أبداً، ولكنه طعن في اليوم الرابع من هذه المحاروة بينه وبينهما[17].
7- منع الفاروق للسبايا من الإقامة في المدينة:
كان عمر رضي الله عنه لا يأذن للسبايا في الأقطار المفتوحة بدخول المدينة المنورة، عاصمة دولة الخلافة، فكان يمنع مجوس العراق وفارس، ونصارى الشام ومصر من الإقامة في المدينة إلا إذا أسلموا ودخلوا في هذا الدين، وهذا الموقف يدل على حكمته وبعد نظره، لأن هؤلاء القوم المغلوبين المنهزمين حاقدون على الإسلام، مبغضون له، مهيئون للتآمر والكيد ضد الإسلام والمسلمين ولذلك منعهم من الإقامة فيها لدفع الشرِّ عن المسلمين ولكنّ بعض الصحابة رضي الله عنهم كان لهم عبيد ورقيق من هؤلاء السبايا النصارى أو المجوس، وكان بعضهم يلحُّ على عمر أن يأذن لبعض عبيده ورقيقه من هؤلاء المغلوبين بالإقامة في المدينة، ليستعين بهم في أموره وأعماله، فأذن عمر لبعضهم بالإقامة في المدينة، على كره منه ووقع ما توقَّعه عمر، وما كان حذّر منه[18].
ثانياً: مقتل عمر وقصة الشورى:
1- مقتل عمر رضي الله عنه:
قال عمرو بن ميمون: إني لقائم[19]، ما بيني، وبينه إلا عبد الله بن عباس، غداة أصيب وكان إذا مرّ بين الصفين، قال استووا، فإذا استووا ، تقدّم فكبّر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى، حتى يجتمع الناس، فما هو إلا أن كبَّر، فسمعته يقول: قتلني – أو أكلني – الكلب، حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين، لا يمرُّ على أحد يميناً ولا شمالاً إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً، مات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرْنساً، فلما ظنّ العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدّمه – للصلاة بالناس – فمن يلي عمر، فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرُون، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون: سبحان الله، فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة، فلما انصرفوا قال عمر: يا ابن عباس، انظر من قتلني، فجال ساعة، ثم جاء فقال: غلام المغيرة، قال: الصَّنَع[20]، قال: نعم، قال: قاتله الله لقد أمرت به معروفاً، الحمد لله الذي لم يجعل منيّتي بيد رجل يدّعي الإسلام قد كنت أنت وأبوك يريد العباس، وابنه عبد الله تحبّان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقاً، فقال عبد الله إن شئت، فعلت، أي: إن شئت قَتَلنا. قال: كذبت - أي: أخطأت – بعدما تكلموا بلسانكم، وصلّوا قبلتكم، وحجوا حجّكم. فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فأُتي بنبيذ[21] فشربه، فخرج من جوفه، ثمّ أتي بلبن فشربه فخرج من جُرْحه، فعلموا أنه ميت، فدخلنا عليه، وجاء الناس فجعلوا يثنون عليه.. وقال: يا عبد الله بن عمر انظر، ما عليّ من الدَّين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوه، قال: إن وفى له مال آل عمر، فأدّه من أموالهم، وإلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف أموالهم، فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأدّ عني هذا المال، وانطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل، يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يبقى مع صاحبيه.. فسلّم عبد الله بن عمر، واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السَّلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرنّه به اليوم على نفسي، فلما أقبل، قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنت، قال: الحمد لله، ما كان من شيء أهمُّ إليّ من ذلك.. فإذا أنا قضيت فاحملني ثم سلم فقل: يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذن لي فأدخلوني، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين. قال: فلما قبض خرجنا به، فانطلقنا نمشي، فسلّم عبد الله بن عمر، قال: يستأذن عمر بن الخطاب، قالت عائشة: أدخلوه، فأدخل، فوضع هنالك مع صاحبيه[22]، وجاءت روايات أخرى فصلت بعض الأحداث التي لم تذكرها رواية عمرو بن ميمون قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن عمر رضي الله عنه طُعن في السحر، طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، وكان مجوسياً[23]. وقال أبو رافع رضي الله عنه: كان أبو لؤلؤة عبداً للمغيرة بن شعبة وكان يصنع الأرحاء[24]، وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، فلقي أبو لؤلؤة عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن المغيرة قد أثقل عليَّ غلتي، فكلِّمه أن يخفف عني. فقال عمر: اتق الله، وأحسن إلى مولاك، ومن نية عمر أن يلقى المغيرة فيكلمه يخفف عنه، فغضب العبد، وقال: وسع كلهم عدله غيري؟‍‍! فأضمر على قتله، فاصطنع خنجراً له رأسان، وشحذه، وسمّه، ثم أتى به الهُرْمُزان، فقال: كيف ترى هذا؟ قال: أرى أنك لا تضرب به أحداً إلا قتلته. قال: فتحين أبو لؤلؤة عمر، فجاءه في صلاة الغداة حتى قام وراء عمر، وكان عمر إذا أقيمت الصلاة يتكلم يقول: أقيموا صفوفكم، فقال كما كان يقول: فلما كبَّر، وجأه[25]، أبو لؤلؤة وجأةً في كتفه، ووجأة في خاصرته، فسقط عمر[26]، قال عمرو بن ميمون رحمه الله: سمعته لما طعن يقول: } وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا { الأحزاب،آية:38.
2- ابتكاره طريقة جديدة في اختيار الخليفة من بعده:
استمر اهتمام الفاروق عمر رضي الله عنه بوحدة الأمة ومستقبلها، حتى اللحظات الأخيرة من حياته، رغم ما كان يعانيه من آلام جراحاته البالغة، وهي بلا شك لحظات خالدة، تجلى فيها إيمان الفاروق العميق وإخلاصه وإيثاره[27]، وقد استطاع الفاروق في تلك اللحظات الحرجة أن يبتكر طريقة جديدة لم يسبق إليها في اختيار الخليفة الجديد وكانت دليلاً ملموساً، ومعلماً واضحاً على فقهه في سياسة الدولة الإسلامية. لقد مضى قبله الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يستخلف بعده أحداً بنص صريح، ولقد مضى أبو بكر الصديق واستخلف الفاروق بعد مشاورة كبار الصحابة ولما طلب من الفاروق أن يستخلف وهو على فراش الموت، فكر في الأمر ملياً وقرر أن يسلك مسلكاً آخر يتناسب مع المقام؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الناس وكلهم مقر بأفضلية أبي بكر وأسبقيته عليهم فاحتمال الخلاف كان نادراً وخصوصاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه الأمة قولاً وفعلاً إلى أن أبا بكر أولى بالأمر من بعده، والصدّيق لما استخلف عمر كان يعلم أن عند الصحابة أجمعين قناعة بأن عمر أقوى وأقدر وأفضل من يحمل المسؤولية بعده، فاستخلفه بعد مشاورة كبار الصحابة ولم يخالف رأيه أحد منهم، وحصل الإجماع على بيعة عمر[28]، وأما طريقة انتخاب الخليفة الجديد تعتمد على جعل الشورى في عدد محصور، فقد حصر ستة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم بدريون وكلهم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وكلهم يصلحون لتولي الأمر ولو أنهم يتفاوتون وحدد لهم طريقة الانتخاب ومدته، وعدد الأصوات الكافية لانتخاب الخليفة وحدد الحكم في المجلس والمرجح إن تعادلت الأصوات وأمر مجموعة من جنود الله لمراقبة سير الانتخابات في المجلس وعقاب من يخالف أمر الجماعة ومنع الفوضى بحيث لا يسمحون لأحد يدخل أو يسمع ما يدور في مجلس أهل الحل والعقد[29]، وهذا بيان ما أجمل في الفقرات السابقة:
أ- العدد الذي حدده للشورى وأسماؤهم:
أما العدد فهو ستة وهم؛ علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم جميعاً. وترك سعيد بن زيد بن نفيل وهو من العشرة المبشرين بالجنة ولعله تركه لأنه من قبيلته بني عدي[30].
ب- طريقة انتخاب الخليفة:
أمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا وفيهم عبد الله بن عمر يحضرهم مشيراً فقط وليس له من الأمر شيء ويصلي بالناس أثناء التشاور صهيب الرومي وأمر المقداد بن الأسود وأبا طلحة الأنصاري أن يرقبا سير الانتخابات[31].
جـ- مدة الانتخابات أو المشاورة:
حددها الفاروق رضي الله عنه بثلاثة أيام وهي فترة كافية وإن زادوا عليها فمعنى ذلك أن شقة الخلاف ستتسع ولذلك قال لهم: لا يأتي اليوم الرابع إلا وعليكم أمير[32].
د- عدد الأصوات الكافية لاختيار الخليفة:
لقد أمرهم بالاجتماع والتشاور وحدّد لهم أنه إذا اجتمع خمسة منهم على رجل وأبى أحدهم فليضرب رأسه بالسيف وإن اجتمع أربعة وفرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما[33].
وهذه من الروايات التي لا تصح سنداً فهي من الغرائب التي ساقها أبو مخنف مخالفاً فيها النصوص الصحيحة وما عرف من سير الصحابة رضي الله عنهم، فما ذكره أبو مخنف من قول عمر لصهيب: وقم على رؤوسهم أي أهل الشورى فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان، فاضرب رؤوسهما[34]: فهذا قول منكر وكيف يقول عمر رضي الله عنه هذا وهو يعلم أنهم هم الصفوة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي اختارهم لهذا الأمر لعلمه بفضلهم وقدرهم[35]، وقد ورد عن ابن سعد أن عمر قال للأنصار: أدخلوهم بيتاً ثلاثة أيام فإن استقاموا وإلا فادخلوا عليهم فاضربوا أعناقهم[36]، وهذه الرواية منقطعة وفي إسنادها سماك بن حرب وهو ضعيف وقد تغير بآخره[37].
والصحيح في هذا ما أخرجه ابن سعد بإسنادٍ رجاله ثقات أن عمر رضي الله عنه قال لصهيب: صل بالناس ثلاثاً وليخل هؤلاء الرهط في بيت فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فاضربوا رأسه[38]، فعمر رضي الله عنه أمر بقتل من يريد أن يخالف هؤلاء الرهط ويشق عصا المسلمين ويفرق بينهم، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: من أتاكم وأمركم جميع، على رجل واحد منكم، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه[39].
هـ- الحكم في حال الاختلاف:
لقد أوصى بأن يحضر عبد الله بن عمر معهم في المجلس وأن ليس له من الأمر شيء، ولكن قال لهم: فإن رضي ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً منهم فحكّموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له، فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، ووصف عبد الرحمن بن عوف بأنه مسدد رشيد فقال عنه: ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف مسدد رشيد له من الله حافظ فاسمعوا منه[40].
و- جماعة من جنود الله تراقب الانتخابات وتمنع الفوضى:
طلب عمر أبا طلحة الأنصاري وقال له: يا أبا طلحة إن الله عز وجل أعز الإسلام بكم فاختر خمسين رجلاً من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلاً منهم[41]، وقال للمقداد بن الأسود: إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلاً منهم[42].
هكذا ختم حياته –رضي الله عنه- ولم يشغله ما نزل به من البلاء ولا سكرات الموت عن تدبير أمر المسلمين، وأرسى نظاماً صالحاً للشورى لم يسبقه إليه أحد، ولا يشك أن أصل الشورى مقرر في القرآن والسنة القولية والفعلية وقد عمل بها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر ولم يكن عمر مبتدعاً بالنسبة للأصل ولكن الذي عمله عمر هو تعيين الطريقة التي يختار بها الخليفة وحصر عدد معين جعلها فيهم وهذا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصديق -رضي الله عنه- بل أول من فعل ذلك عمر ونعم ما فعل فقد كانت أفضل الطرق المناسبة لحال الصحابة في ذلك الوقت[43].
ثالثاً: وصية عمر رضي الله عنه للخليفة الذي بعده:
أوصى الفاروق عمر -رضي الله عنه- الخليفة الذي سيخلفه في قيادة الأمة بوصية مهمة قال فيها: أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له، وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيراً أن تعرف لهم سابقتهم وأوصيك بالأنصار خيراً، فاقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم، وأوصيك بأهل الأمصار خيراً، فإنهم ردء العدو، وجباة الفيء، لا تحمل منهم إلا عن فضل منهم وأوصيك بأهل البادية خيراً، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام أن تأخذ من حواشي أموالهم فترد على فقرائهم، وأوصيك بأهل الذمة خيراً، أن تقاتل من وراءهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدّوا ما عليهم للمؤمنين طوعاً، أو عن يد وهم صاغرون، وأوصيك بتقوى الله، والحذر منه، ومخافة مقته أن يطلع منك على ريبة وأوصيك أن تخشى الله في الناس، ولا تخشى الناس في الله وأوصيك بالعدل في الرعية، والتفرغ لحوائجهم وثغورك، ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم، فإن في ذلك بإذن الله سلامة قلبك، وحطاً لوزرك، وخيراً في عاقبة أمرك حتى تفضي في ذلك إلى من يعرف سريرتك ويحول بينك وبين قلبك وآمرك أن تشتد في أمر الله، وفي حدوده ومعاصيه على قريب الناس وبعيدهم، ثم لا تأخذك في أحد الرأفة، حتى تنتهك منه مثل جرمه، واجعل الناس عندك سواء، لا تبال على من وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وإياك والمحاباة فيما ولاك الله مما أفاء على المؤمنين، فتجور وتظلم، وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك، وقد أصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة، فإن اقترفت لدنياك عدلاً وعفة عما بسط لك اقترفت به إيماناً ورضواناً، وإن غلبك الهوى اقترفت به غضب الله، وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذّمة، وقد أوصيتك، وخصصتك ونصحتك فابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة، واخترت من دلالتك ما كنت دالاً عليه نفسي وولدي، فإن علمت بالذي وعظتك، وانتهيت إلى الذي أمرتك أخذت منه نصيباً وافراً وحظاً وافياً، وإن لم تقبل ذلك، ولم يهمك، ولم تترك معاظم الأمور عند الذي يرضى به الله عنك، يكن ذلك بك انتقاصاً، ورأيك فيه مدخولاً، لأن الأهواء مشتركة، ورأس الخطيئة إبليس داع إلى كل مهلكة، وقد أضل القرون السالفة قبلك، فأوردهم النار وبئس المورود، وبئس الثمن أن يكون حظ امرئ موالاة لعدو الله، الداعي إلى معاصيه، ثم اركب الحق، وخض إليه الغمرات، وكن واعظاً لنفسك، وأناشدك الله إلا ترحمت على جماعة المسلمين، وأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم، ووقرت عالمهم، ولا تضربهم فيذلوا، ولا تستأئر عليهم بالفيء فتغضبهم، ولا تحرمهم عطاياهم عند محلّها فتفقرهم، ولا تجمّرهم في البعوث فينقطع نسلهم ولا يجعل المال دُولة بين الأغنياء منهم، ولا تغلق بابك دونهم، فيأكل قويهم ضعيفهم هذه وصيتي إليك، وأشهد الله عليك، وأقرأ عليك السلام[44].
هذه الوصية تدل على بعد نظر عمر في مسائل الحكم والإدارة، وتفصح عن نهج ونظام حكم وإدارة متكامل[45]، فقد تضمنت الوصية أموراً غاية في الأهمية، فحق أن تكون وثيقة نفيسة، لما احتوته من قواعد ومبادئ أساسية للحكم متكاملة الجوانب الدينية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية يأتي في مقدمتها:
1- الناحية الدينية، وتضمنت:
‌أ-الوصية بالحرص الشديد، على تقوى الله، والخشية منه في السر والعلن في القول والعمل، لأن من اتقى الله وقاه ومن خشيه صانه وحماه أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له وأوصيك بتقوى الله والحذر منه.. وأوصيك أن تخشى الله.
‌ب- إقامة حدود الله على القريب والبعيد لا تبال على من وجب الحق ولا تأخذك في الله لومة لائم لأن حدود الله نصت عليها الشريعة فهي من الدين، ولأن الشريعة حجة على الناس، وأعمالهم وأفعالهم تقاس بمقتضاها، وأن التغافل عنها إفساد للدين والمجتمع.
‌ج- الاستقامة استقم كما أمرت وهي من الضرورات الدينية والدنيوية التي يجب على الحاكم التحلي بها قولاً وعملاً أولاً ثم الرعية كن واعظاً لنفسك وابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة.
2- الناحية السياسية، وتضمنت:
أ‌- الالتزام بالعدل، لأنه أساس الحكم، وإن إقامته بين الرعية، تحقيق للحكم قوة وهيبة ومتانة سياسية واجتماعية، وتزيد من هيبة واحترام الحاكم في نفوس الناس وأوصيك بالعدل واجعل الناس عندك سواء.
ب‌-العناية بالمسلمين الأوائل من المهاجرين والأنصار لسابقتهم في الإسلام، ولأن العقيدة وما أفرزته من نظام سياسي، قام على أكتافهم، فهم أهله وحملته وحماته وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيراً، أن تعرف لهم سابقتهم، وأوصيك بالأنصار خيراً، فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم.
3- الناحية العسكرية، وتضمنت:
‌أ- الاهتمام بالجيش وإعداده إعداداً يتناسب وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه لضمان أمن الدولة وسلامتها، والعناية بسد حاجات المقاتلين التفرغ لحوائجهم وثغورهم.
‌ب- تجنب إبقاء المقاتلين لمدة طويلة في الثغور بعيداً عن عوائلهم وتلافياً لما قد يسببه ذلك من ملل وقلق وهبوط في المعنويات، فمن الضروري منحهم إجازات معلومة في أوقات معلومة يستريحون فيها ويجددون نشاطهم خلالها، من جهة، ويعودون إلى عوائلهم لكي لا ينقطع نسلهم من جهة ثانية ولا تجمرهم في الثغور فينقطع نسلهم وأوصيك بأهل الأمصار خيراً، فإنهم ردء العدو.
‌ج- إعطاء كل مقاتل ما يستحقه من فيء وعطاء، وذلك لضمان مورد ثابت له ولعائلته يدفعه إلى الجهاد، ويصرف عنه التفكير في شؤونه المالية ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم.
4- الناحية الاقتصادية والمالية، وتضمنت:
‌أ- العناية بتوزيع الأموال بين الناس بالعدل والقسطاس المستقيم، وتلافي كل ما من شأنه تجميع الأموال عند طبقة منهم دون أخرى ولا تجعل الأموال دولة بين الأغنياء منهم.
‌ب- عدم تكليف أهل الذمة فوق طاقتهم إن هم أدوا ما عليهم من التزامات مالية للدولة ولا تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدّوا ما عليهم للمؤمنين.
‌ج- ضمان الحقوق المالية للناس وعدم التفريط بها، وتجنب فرض ما لا طاقة لهم به ولا تحمل منهم إلا عن فضل منهم أن تأخذ حواشي أموالهم فترد على فقرائهم [46].
5- الناحية الاجتماعية، وتضمنت:
‌أ- الاهتمام بالرعية، والعمل على تفقد أمورهم وسد احتياجاتهم وإعطاء حقوقهم من فيء وعطاء ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها.
‌ب- اجتناب الأثرة والمحاباة واتباع الهوى، لما فيها من مخاطر تقود إلى انحراف الراعي، وتؤدي إلى فساد المجتمع واضطراب علاقاته الإنسانية وإياك والأثرة والمحاباة فيما ولاك الله ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم.
‌ج- احترام الرعية وتوقيرها والتواضع لها، صغيرها وكبيرها، لما في ذلك من سمو في العلاقات الاجتماعية، تؤدي إلى زيادة تلاحم الرعية بقائدها وحبها له وأناشدك الله إلا ترحمت على جماعة المسلمين، وأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم ووقرت عالمهم.
‌د- الانفتاح على الرعية، وذلك بسماع شكاواهم، وإنصاف بعضهم من بعض وبعكسه تضطرب العلاقات بينهم ويعم الارتباك في المجتمع ولا تغلق بابك دونهم، فيأكل قويهم ضعيفهم.
‌ه- اتباع الحق، والحرص على تحقيقه في المجتمع، وفي كل الظروف والأحوال، لكونه ضرورة اجتماعية لابد من تحقيقها بين الناس، ثم اركب الحق، وخض إليه الغمرات واجعل الناس عندك سواء، لا تبال على من وجب الحق.
‌و- اجتناب الظلم بكل صوره وأشكاله، خاصة مع أهل الذمة، لأن العدل مطلوب إقامته بين جميع رعايا الدولة مسلمين وذميين، لينعم الجميع بعدل الإسلام وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذمة.
‌ز- الاهتمام بأهل البادية ورعايتهم والعناية بهم وأوصيك بأهل البادية خيراً، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام [47].
‌ح- وكان من ضمن وصية عمر لمن بعده: ألا يقر لي عاملاً أكثر من سنة، وأقروا الأشعري أربع سنين[48].
رابعاً: اللحظات الأخيرة:
هذا ابن عباس رضي الله عنه يصف لنا اللحظات الأخيرة في حياة الفاروق حيث يقول: دخلت على عمر حين طُعنْ، فقلت: أبشر بالجنة، يا أمير المؤمنين، أسلمت حين كفر الناس، وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راضٍ، ولم يختلف في خلافتك اثنان، وقُتلت شهيداً فقال عمر: أعد عليَّ، فأعدت عليه، فقال: والله الذي لا إله إلا هو، لو أن لي ما في الأرض من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطلع[49]، وجاء في رواية البخاري، أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه فإن ذلك من الله جل ذكره منَّ به علي، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله لو أن لي طِلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه[50].
لقد كان عمر رضي الله عنه يخاف هذا الخوف العظيم من عذاب الله تعالى مع أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة، ومع ما كان يبذل من جهد كبير في إقامة حكم الله والعدل والزهد والجهاد وغير ذلك من الأعمال الصالحة، وإن في هذا لدرساً بليغاً للمسلمين عامة في تذكر عذاب الله الشديد وأهوال يوم القيامة[51].
وهذا عثمان رضي الله عنه يحدثنا عن اللحظات الأخيرة في حياة الفاروق فيقول: أنا آخركم عهداً بعمر، دخلت عليه، ورأسه في حجر ابنه عبد الله بن عمر فقال له: ضع خدي بالأرض، قال: فهل فخذي والأرض إلا سواء؟ قال ضع خدي بالأرض لا أم لك، في الثانية أو في الثالثة، ثم شبك بين رجليه، فسمعته يقول: ويلي، وويل أمي إن لم يغفر الله لي حتى فاضت[52] روحه، فهذا مثل مما كان يتصف به أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه من خشية الله تعالى، حتى كان آخر كلامه الدعاء على نفسه بالويل إن لم يغفر الله جل وعلا له، مع أنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، ولكن من كان بالله أعرف كان من الله أخوف، وإصراره على أن يضع ابنه خده على الأرض من باب إذلال النفس في سبيل تعظيم الله عز وجل، ليكون ذلك أقرب لاستجابة دعائه، وهذه صورة تبين لنا قوة حضور قلبه مع الله جل وعلا
 
كان أمير المؤمنين الفاروق رضي الله عنه مثالاً للخليفة العادل المؤمن، المجاهد النقي الورع، القوي الأمين، الحصن المنيع للأمة وعقيدتها، قضى رضي الله عنه خلافته كلها في خدمة دينه وعقيدته وأمته التي تولى أمر قيادتها
فكان القائد الأعلى للجيش والفقيه المجتهد الذي يرجع الجميع إلى رأيه، والقاضي العادل النزيه، والأب الحنون الرحيم بالرعية، صغيرها وكبيرها، ضعيفها وقويها، فقيرها وغنيها، الصادق المؤمن بالله ورسوله، السياسي المحنك المجرب والإداري الحكيم الحازم، أحكم بقيادته صرح الأمة، وتوطدت في عهده دعائم الدولة الإسلامية، وتحققت بقيادته أعظم الانتصارات على الفرس في معارك الفتوح، فكانت القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند، وتمّ فتح بلاد الشام ومصر من سيطرة الروم البيزنطيين[1]، ودخل الإسلام في معظم البلاد المحيطة بالجزيرة العربية، وكانت خلافته سداً منيعاً أمام الفتن، وكان عمر نفسه باباً مغلقاً لا يقدر أصحاب الفتن الدخول إلى المسلمين في حياته، ولا تقدر الفتن أن تطل برأسها في عهده[2].
أولاً: حوار بين عمر وحذيفة حول الفتن واقتراب كسر الباب:
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: كنّا عند بن الخطاب رضي الله عنه. فقال أيكم يحفظ حديث رسول الله في الفتنة؟ فقلت: أنا أحفظه كما قال! قال: هات، لله أبوك، إنك لجريء. قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال عمر: ليس هذا أريد. إنما أريد الفتن التي تموج كموج البحر! قلت: مالك ولها
يا أمير المؤمنين؟ إنّ بينك وبينها باباً مغلقاً!! قال: فيكسر الباب أو يفتح؟ قلت: لا. بل يُكسر!! قال: ذاك أحرى أن لا يغلق أبداً، حتى قيام الساعة!!! قال أبو وائل الراوي عن حذيفة: هل كان عمر يعلم من الباب؟ قال حذيفة: نعم. كما يعلم أن دون غد الليلة! إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط. قال أبو وائل: فهبنا أن نسأل حذيفة: من الباب؟ فقلنا لمسروق: سل حذيفة من الباب؟ فقال مسروق لحذيفة: من الباب؟ قال حذيفة: هو عمر[3]!!! إن حذيفة قدّم العلم لعمر رضي الله عنهم، بأن الباب المنيع هو الذي يمنع تدفق الفتن على المسلمين، ويحجرُها عنهم، إنَّ هذا سيُكسر كسراً، وسيتحطم تحطيماً، وهذا معناه أنه لن يغلق بعد هذا حتى قيام الساعة، وهذا ما فهمه عمر، أي أن الفتن ستبقى منتشرة ذائعة بين المسلمين، ولن يتمكَّنوا من إزالتها أو توقُّفها أو القضاء عليها، وحذيفة رضي الله عنه لا يقرر هذا من عنده، ولا يتوقعه توقعاً، فهو لا يعلم الغيب وإنما سمع هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعاه وحفظه كما سمعه، ولهذا يعلق على كلامه لعمر قائلاً:إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط. أي حدثته حديثاً صحيحاً صادقاً، لا أغاليط ولا أكاذيب فيه، لأنني سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم إن عمر رضي الله عنه يعلم الحقيقة التي أخبره بها حذيفة، فهو يعلم أن خلافته باب منيع يمنع تدفق الفتن على المسلمين، وأن الفتن لن تغزو المسلمين أثناء خلافته وعهده وحياته[4]،وكان عمر رضي الله عنه يعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه سيقتل قتلاً، وسيلقى الله شهيداً، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: صعد رسول الله جبل أحد، ومعه
أبو بكر و عمر وعثمان، فرجف الجبل بهم. فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله، وقال له: اثبت أُحُد: فإنما عليك نبيّ، وصديق، وشهيدان[5].
1- دعاء عمر في آخر حجة له سنة 23:
عن سعيد بن المسيب: أن عمر رضي الله عنه لما نفر من منى أناخ بالأبطح فكوم كومة من بطحاء، فألقى عليها طرف ثوبه، ثم استلقى عليها، ورفع يديه إلى السماء فقال: اللهم كُبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيّتي، فأقبضني غير مضيِّع، ولا مفرط، ثم قدم المدينة[6].
2- طلب الفاروق للشهادة:
عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد نبيك وجاء في رواية: اللهم قتلاً في سبيلك ووفاة في بلد نبيك. فقال عمر رضي الله عنه: وأنى يكون ذلك؟ قال: يأتي به الله إذا شاء[7] وقد علق الشيخ يوسف بن الحسن بن عبد الهادي على طلب عمر للشهادة فقال: وتمني الشهادة مستحب، وهو مخالف لتمني الموت فإن قيل: ما الفرق بينهما؟ قيل: تمني الموت، طلب تعجيل الموت قبل وقته، ولا يزيد الإنسان عمره إلا خيراً، وتمني الشهادة هو أن يطلب أن يموت عند انتهاء أجله شهيداً، فليس فيه طلب تقديم الموت عن وقته، وإنما فيه طلب فضيلة فيه[8].
3- رؤيا عوف بن مالك الأشجعي:
قال عوف بن مالك الأشجعي: رأيت سبباً[9] تدلى من السماء، وذلك في إمارة
أبي بكر رضي الله عنه وأن الناس تطاولوا له، وأن عمر فضلهم بثلاثة أذرع، قلت: وما ذاك؟ قال: لأنه خليفة من خلفاء الله تعالى في الأرض، وأنه لا يخاف لومة لائم وأنه يقتل شهيداً قال: فغدوت على أبي بكر فقصصتها عليه فقال: يا غلام انطلق إلى أبي حفص فادعه لي، فلما جاء قال: يا عوف اقصصها عليه كما رأيتها، فلما أتيت أنه خليفة من خلفاء الله تعالى قال عمر: أكل هذا يرى النائم؟ قال فقصها[10] عليه فلما ولي عمر أتى الجابية، وإنه ليخطب فدعاني فأجلسني، فلما فرغ من الخطبة قال: قص علي رؤياك. فقلت له: ألست قد جبهتني[11] عنها؟ قال: قد خدعتك أيها الرجل[12] وجاء في رواية: قال أولم تكذب بها؟ قال: لا ولكني استحييت من أبي بكر، فقصها علي[13]. فلما قصصتها، قال: أما الخلافة فقد أوتيت ما ترى، وأما أن لا أخاف في الله لومة لائم، فإني أرجو أن يكون قد علم ذلك مني، وأما أن أقتل شهيداً، فأنى لي بالشهادة وأنا في جزيرة العرب[14].
4- رؤيا أبي موسى الأشعري حول وفاة عمر:
قال أبو موسى الأشعري قال: رأيت كأني أخذت جواداً كثيراً فجعلت تضمحل حتى بقيت واحدة، فأخذتها فانتهيت إلى جبل زلق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه أبو بكر، وإذا هو يومئ إلى عمر أن تعال، فقلت: ألا تكتب بها إلى عمر؟ فقال: ما كنت لأنعي له نفسه[15].
5- آخر خطبة جمعة لعمر في المدينة:
وقد ذكر عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بعض ما قاله عمر في خطبة الجمعة 21 ذي الحجة 23هـ وهي آخر خطبة له. وقد ذكرت ما قاله عبد الرحمن بن عوف من الخطبة عند حديثي عن كيفية استخلاف أبي بكر الصديق في كتابي الانشراح ورفع الضيق بسير أبي بكر الصديق. وقد أخبر عمر نفسه المسلمين عن رؤيا رآها، وعبّرها لهم. قال في نفس الخطبة: إني رأيت رؤيا، لا أراها إلا حضور أجلي. رأيت كأن ديكاً نقرني نقرتين!!! وإن قوماً يأمرونني أن أستخلف وأعين الخليفة من بعدي!! وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، ولا الذي بعث به نبيّه، فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض[16]!
6- اجتماع عمر مع حذيفة قبل طعنه:
قبل استشهاد الفاروق بأربعة أيام أي يوم الأحد 23 ذي الحجة قابل الصحابيين حذيفة بن اليمان وسهل بن حنيف رضي الله عنهما، وكان قد وظَّفَ حذيفة ليقدِّرَ خراج الأرض التي تُسقى بماء نهر دجلة، ووظَّفَ سهل بن حنيف ليقدِّر خراج الأرض التي تسقى بماء نهر الفرات. وقال لهما: كيف فعلتما؟ أخاف أن تكونا قد حمَّلتما الأرض ما لا تطيق. قالا: حمّلناها أمراً هي له مطيقة. فقال عمر: لئن سلّمني الله، لأدعنَّ أرامل أهل العراق لا يحتَجْنَ إلى رجل بعدي أبداً، ولكنه طعن في اليوم الرابع من هذه المحاروة بينه وبينهما[17].
7- منع الفاروق للسبايا من الإقامة في المدينة:
كان عمر رضي الله عنه لا يأذن للسبايا في الأقطار المفتوحة بدخول المدينة المنورة، عاصمة دولة الخلافة، فكان يمنع مجوس العراق وفارس، ونصارى الشام ومصر من الإقامة في المدينة إلا إذا أسلموا ودخلوا في هذا الدين، وهذا الموقف يدل على حكمته وبعد نظره، لأن هؤلاء القوم المغلوبين المنهزمين حاقدون على الإسلام، مبغضون له، مهيئون للتآمر والكيد ضد الإسلام والمسلمين ولذلك منعهم من الإقامة فيها لدفع الشرِّ عن المسلمين ولكنّ بعض الصحابة رضي الله عنهم كان لهم عبيد ورقيق من هؤلاء السبايا النصارى أو المجوس، وكان بعضهم يلحُّ على عمر أن يأذن لبعض عبيده ورقيقه من هؤلاء المغلوبين بالإقامة في المدينة، ليستعين بهم في أموره وأعماله، فأذن عمر لبعضهم بالإقامة في المدينة، على كره منه ووقع ما توقَّعه عمر، وما كان حذّر منه[18].
 
ثانياً: مقتل عمر وقصة الشورى:
1- مقتل عمر رضي الله عنه:
قال عمرو بن ميمون: إني لقائم[19]، ما بيني، وبينه إلا عبد الله بن عباس، غداة أصيب وكان إذا مرّ بين الصفين، قال استووا، فإذا استووا ، تقدّم فكبّر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى، حتى يجتمع الناس، فما هو إلا أن كبَّر، فسمعته يقول: قتلني – أو أكلني – الكلب، حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين، لا يمرُّ على أحد يميناً ولا شمالاً إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً، مات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرْنساً، فلما ظنّ العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدّمه – للصلاة بالناس – فمن يلي عمر، فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرُون، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون: سبحان الله، فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة، فلما انصرفوا قال عمر: يا ابن عباس، انظر من قتلني، فجال ساعة، ثم جاء فقال: غلام المغيرة، قال: الصَّنَع[20]، قال: نعم، قال: قاتله الله لقد أمرت به معروفاً، الحمد لله الذي لم يجعل منيّتي بيد رجل يدّعي الإسلام قد كنت أنت وأبوك يريد العباس، وابنه عبد الله تحبّان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقاً، فقال عبد الله إن شئت، فعلت، أي: إن شئت قَتَلنا. قال: كذبت - أي: أخطأت – بعدما تكلموا بلسانكم، وصلّوا قبلتكم، وحجوا حجّكم. فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فأُتي بنبيذ[21] فشربه، فخرج من جوفه، ثمّ أتي بلبن فشربه فخرج من جُرْحه، فعلموا أنه ميت، فدخلنا عليه، وجاء الناس فجعلوا يثنون عليه.. وقال: يا عبد الله بن عمر انظر، ما عليّ من الدَّين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوه، قال: إن وفى له مال آل عمر، فأدّه من أموالهم، وإلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف أموالهم، فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأدّ عني هذا المال، وانطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل، يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يبقى مع صاحبيه.. فسلّم عبد الله بن عمر، واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السَّلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرنّه به اليوم على نفسي، فلما أقبل، قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنت، قال: الحمد لله، ما كان من شيء أهمُّ إليّ من ذلك.. فإذا أنا قضيت فاحملني ثم سلم فقل: يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذن لي فأدخلوني، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين. قال: فلما قبض خرجنا به، فانطلقنا نمشي، فسلّم عبد الله بن عمر، قال: يستأذن عمر بن الخطاب، قالت عائشة: أدخلوه، فأدخل، فوضع هنالك مع صاحبيه[22]، وجاءت روايات أخرى فصلت بعض الأحداث التي لم تذكرها رواية عمرو بن ميمون قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن عمر رضي الله عنه طُعن في السحر، طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، وكان مجوسياً[23]. وقال أبو رافع رضي الله عنه: كان أبو لؤلؤة عبداً للمغيرة بن شعبة وكان يصنع الأرحاء[24]، وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، فلقي أبو لؤلؤة عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن المغيرة قد أثقل عليَّ غلتي، فكلِّمه أن يخفف عني. فقال عمر: اتق الله، وأحسن إلى مولاك، ومن نية عمر أن يلقى المغيرة فيكلمه يخفف عنه، فغضب العبد، وقال: وسع كلهم عدله غيري؟‍‍! فأضمر على قتله، فاصطنع خنجراً له رأسان، وشحذه، وسمّه، ثم أتى به الهُرْمُزان، فقال: كيف ترى هذا؟ قال: أرى أنك لا تضرب به أحداً إلا قتلته. قال: فتحين أبو لؤلؤة عمر، فجاءه في صلاة الغداة حتى قام وراء عمر، وكان عمر إذا أقيمت الصلاة يتكلم يقول: أقيموا صفوفكم، فقال كما كان يقول: فلما كبَّر، وجأه[25]، أبو لؤلؤة وجأةً في كتفه، ووجأة في خاصرته، فسقط عمر[26]، قال عمرو بن ميمون رحمه الله: سمعته لما طعن يقول: } وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا { الأحزاب،آية:38.
2- ابتكاره طريقة جديدة في اختيار الخليفة من بعده:
استمر اهتمام الفاروق عمر رضي الله عنه بوحدة الأمة ومستقبلها، حتى اللحظات الأخيرة من حياته، رغم ما كان يعانيه من آلام جراحاته البالغة، وهي بلا شك لحظات خالدة، تجلى فيها إيمان الفاروق العميق وإخلاصه وإيثاره[27]، وقد استطاع الفاروق في تلك اللحظات الحرجة أن يبتكر طريقة جديدة لم يسبق إليها في اختيار الخليفة الجديد وكانت دليلاً ملموساً، ومعلماً واضحاً على فقهه في سياسة الدولة الإسلامية. لقد مضى قبله الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يستخلف بعده أحداً بنص صريح، ولقد مضى أبو بكر الصديق واستخلف الفاروق بعد مشاورة كبار الصحابة ولما طلب من الفاروق أن يستخلف وهو على فراش الموت، فكر في الأمر ملياً وقرر أن يسلك مسلكاً آخر يتناسب مع المقام؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الناس وكلهم مقر بأفضلية أبي بكر وأسبقيته عليهم فاحتمال الخلاف كان نادراً وخصوصاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه الأمة قولاً وفعلاً إلى أن أبا بكر أولى بالأمر من بعده، والصدّيق لما استخلف عمر كان يعلم أن عند الصحابة أجمعين قناعة بأن عمر أقوى وأقدر وأفضل من يحمل المسؤولية بعده، فاستخلفه بعد مشاورة كبار الصحابة ولم يخالف رأيه أحد منهم، وحصل الإجماع على بيعة عمر[28]، وأما طريقة انتخاب الخليفة الجديد تعتمد على جعل الشورى في عدد محصور، فقد حصر ستة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم بدريون وكلهم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وكلهم يصلحون لتولي الأمر ولو أنهم يتفاوتون وحدد لهم طريقة الانتخاب ومدته، وعدد الأصوات الكافية لانتخاب الخليفة وحدد الحكم في المجلس والمرجح إن تعادلت الأصوات وأمر مجموعة من جنود الله لمراقبة سير الانتخابات في المجلس وعقاب من يخالف أمر الجماعة ومنع الفوضى بحيث لا يسمحون لأحد يدخل أو يسمع ما يدور في مجلس أهل الحل والعقد[29]، وهذا بيان ما أجمل في الفقرات السابقة:
أ- العدد الذي حدده للشورى وأسماؤهم:
أما العدد فهو ستة وهم؛ علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم جميعاً. وترك سعيد بن زيد بن نفيل وهو من العشرة المبشرين بالجنة ولعله تركه لأنه من قبيلته بني عدي[30].


ب- طريقة انتخاب الخليفة:
أمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا وفيهم عبد الله بن عمر يحضرهم مشيراً فقط وليس له من الأمر شيء ويصلي بالناس أثناء التشاور صهيب الرومي وأمر المقداد بن الأسود وأبا طلحة الأنصاري أن يرقبا سير الانتخابات[31].
جـ- مدة الانتخابات أو المشاورة:
حددها الفاروق رضي الله عنه بثلاثة أيام وهي فترة كافية وإن زادوا عليها فمعنى ذلك أن شقة الخلاف ستتسع ولذلك قال لهم: لا يأتي اليوم الرابع إلا وعليكم أمير[32].
د- عدد الأصوات الكافية لاختيار الخليفة:
لقد أمرهم بالاجتماع والتشاور وحدّد لهم أنه إذا اجتمع خمسة منهم على رجل وأبى أحدهم فليضرب رأسه بالسيف وإن اجتمع أربعة وفرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما[33].
وهذه من الروايات التي لا تصح سنداً فهي من الغرائب التي ساقها أبو مخنف مخالفاً فيها النصوص الصحيحة وما عرف من سير الصحابة رضي الله عنهم، فما ذكره أبو مخنف من قول عمر لصهيب: وقم على رؤوسهم أي أهل الشورى فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان، فاضرب رؤوسهما[34]: فهذا قول منكر وكيف يقول عمر رضي الله عنه هذا وهو يعلم أنهم هم الصفوة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي اختارهم لهذا الأمر لعلمه بفضلهم وقدرهم[35]، وقد ورد عن ابن سعد أن عمر قال للأنصار: أدخلوهم بيتاً ثلاثة أيام فإن استقاموا وإلا فادخلوا عليهم فاضربوا أعناقهم[36]، وهذه الرواية منقطعة وفي إسنادها سماك بن حرب وهو ضعيف وقد تغير بآخره[37].
والصحيح في هذا ما أخرجه ابن سعد بإسنادٍ رجاله ثقات أن عمر رضي الله عنه قال لصهيب: صل بالناس ثلاثاً وليخل هؤلاء الرهط في بيت فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فاضربوا رأسه[38]، فعمر رضي الله عنه أمر بقتل من يريد أن يخالف هؤلاء الرهط ويشق عصا المسلمين ويفرق بينهم، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: من أتاكم وأمركم جميع، على رجل واحد منكم، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه[39].
هـ- الحكم في حال الاختلاف:
لقد أوصى بأن يحضر عبد الله بن عمر معهم في المجلس وأن ليس له من الأمر شيء، ولكن قال لهم: فإن رضي ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً منهم فحكّموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له، فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، ووصف عبد الرحمن بن عوف بأنه مسدد رشيد فقال عنه: ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف مسدد رشيد له من الله حافظ فاسمعوا منه[40].
و- جماعة من جنود الله تراقب الانتخابات وتمنع الفوضى:
طلب عمر أبا طلحة الأنصاري وقال له: يا أبا طلحة إن الله عز وجل أعز الإسلام بكم فاختر خمسين رجلاً من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلاً منهم[41]، وقال للمقداد بن الأسود: إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلاً منهم[42].
هكذا ختم حياته –رضي الله عنه- ولم يشغله ما نزل به من البلاء ولا سكرات الموت عن تدبير أمر المسلمين، وأرسى نظاماً صالحاً للشورى لم يسبقه إليه أحد، ولا يشك أن أصل الشورى مقرر في القرآن والسنة القولية والفعلية وقد عمل بها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر ولم يكن عمر مبتدعاً بالنسبة للأصل ولكن الذي عمله عمر هو تعيين الطريقة التي يختار بها الخليفة وحصر عدد معين جعلها فيهم وهذا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصديق -رضي الله عنه- بل أول من فعل ذلك عمر ونعم ما فعل فقد كانت أفضل الطرق المناسبة لحال الصحابة في ذلك الوقت[43].
 
ثالثاً: وصية عمر رضي الله عنه للخليفة الذي بعده:
أوصى الفاروق عمر -رضي الله عنه- الخليفة الذي سيخلفه في قيادة الأمة بوصية مهمة قال فيها: أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له، وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيراً أن تعرف لهم سابقتهم وأوصيك بالأنصار خيراً، فاقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم، وأوصيك بأهل الأمصار خيراً، فإنهم ردء العدو، وجباة الفيء، لا تحمل منهم إلا عن فضل منهم وأوصيك بأهل البادية خيراً، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام أن تأخذ من حواشي أموالهم فترد على فقرائهم، وأوصيك بأهل الذمة خيراً، أن تقاتل من وراءهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدّوا ما عليهم للمؤمنين طوعاً، أو عن يد وهم صاغرون، وأوصيك بتقوى الله، والحذر منه، ومخافة مقته أن يطلع منك على ريبة وأوصيك أن تخشى الله في الناس، ولا تخشى الناس في الله وأوصيك بالعدل في الرعية، والتفرغ لحوائجهم وثغورك، ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم، فإن في ذلك بإذن الله سلامة قلبك، وحطاً لوزرك، وخيراً في عاقبة أمرك حتى تفضي في ذلك إلى من يعرف سريرتك ويحول بينك وبين قلبك وآمرك أن تشتد في أمر الله، وفي حدوده ومعاصيه على قريب الناس وبعيدهم، ثم لا تأخذك في أحد الرأفة، حتى تنتهك منه مثل جرمه، واجعل الناس عندك سواء، لا تبال على من وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وإياك والمحاباة فيما ولاك الله مما أفاء على المؤمنين، فتجور وتظلم، وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك، وقد أصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة، فإن اقترفت لدنياك عدلاً وعفة عما بسط لك اقترفت به إيماناً ورضواناً، وإن غلبك الهوى اقترفت به غضب الله، وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذّمة، وقد أوصيتك، وخصصتك ونصحتك فابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة، واخترت من دلالتك ما كنت دالاً عليه نفسي وولدي، فإن علمت بالذي وعظتك، وانتهيت إلى الذي أمرتك أخذت منه نصيباً وافراً وحظاً وافياً، وإن لم تقبل ذلك، ولم يهمك، ولم تترك معاظم الأمور عند الذي يرضى به الله عنك، يكن ذلك بك انتقاصاً، ورأيك فيه مدخولاً، لأن الأهواء مشتركة، ورأس الخطيئة إبليس داع إلى كل مهلكة، وقد أضل القرون السالفة قبلك، فأوردهم النار وبئس المورود، وبئس الثمن أن يكون حظ امرئ موالاة لعدو الله، الداعي إلى معاصيه، ثم اركب الحق، وخض إليه الغمرات، وكن واعظاً لنفسك، وأناشدك الله إلا ترحمت على جماعة المسلمين، وأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم، ووقرت عالمهم، ولا تضربهم فيذلوا، ولا تستأئر عليهم بالفيء فتغضبهم، ولا تحرمهم عطاياهم عند محلّها فتفقرهم، ولا تجمّرهم في البعوث فينقطع نسلهم ولا يجعل المال دُولة بين الأغنياء منهم، ولا تغلق بابك دونهم، فيأكل قويهم ضعيفهم هذه وصيتي إليك، وأشهد الله عليك، وأقرأ عليك السلام[44].
هذه الوصية تدل على بعد نظر عمر في مسائل الحكم والإدارة، وتفصح عن نهج ونظام حكم وإدارة متكامل[45]، فقد تضمنت الوصية أموراً غاية في الأهمية، فحق أن تكون وثيقة نفيسة، لما احتوته من قواعد ومبادئ أساسية للحكم متكاملة الجوانب الدينية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية يأتي في مقدمتها:
1- الناحية الدينية، وتضمنت:
‌أ-الوصية بالحرص الشديد، على تقوى الله، والخشية منه في السر والعلن في القول والعمل، لأن من اتقى الله وقاه ومن خشيه صانه وحماه أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له وأوصيك بتقوى الله والحذر منه.. وأوصيك أن تخشى الله.
‌ب- إقامة حدود الله على القريب والبعيد لا تبال على من وجب الحق ولا تأخذك في الله لومة لائم لأن حدود الله نصت عليها الشريعة فهي من الدين، ولأن الشريعة حجة على الناس، وأعمالهم وأفعالهم تقاس بمقتضاها، وأن التغافل عنها إفساد للدين والمجتمع.
‌ج- الاستقامة استقم كما أمرت وهي من الضرورات الدينية والدنيوية التي يجب على الحاكم التحلي بها قولاً وعملاً أولاً ثم الرعية كن واعظاً لنفسك وابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة.
2- الناحية السياسية، وتضمنت:
أ‌- الالتزام بالعدل، لأنه أساس الحكم، وإن إقامته بين الرعية، تحقيق للحكم قوة وهيبة ومتانة سياسية واجتماعية، وتزيد من هيبة واحترام الحاكم في نفوس الناس وأوصيك بالعدل واجعل الناس عندك سواء.
ب‌-العناية بالمسلمين الأوائل من المهاجرين والأنصار لسابقتهم في الإسلام، ولأن العقيدة وما أفرزته من نظام سياسي، قام على أكتافهم، فهم أهله وحملته وحماته وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيراً، أن تعرف لهم سابقتهم، وأوصيك بالأنصار خيراً، فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم.
3- الناحية العسكرية، وتضمنت:
‌أ- الاهتمام بالجيش وإعداده إعداداً يتناسب وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه لضمان أمن الدولة وسلامتها، والعناية بسد حاجات المقاتلين التفرغ لحوائجهم وثغورهم.
‌ب- تجنب إبقاء المقاتلين لمدة طويلة في الثغور بعيداً عن عوائلهم وتلافياً لما قد يسببه ذلك من ملل وقلق وهبوط في المعنويات، فمن الضروري منحهم إجازات معلومة في أوقات معلومة يستريحون فيها ويجددون نشاطهم خلالها، من جهة، ويعودون إلى عوائلهم لكي لا ينقطع نسلهم من جهة ثانية ولا تجمرهم في الثغور فينقطع نسلهم وأوصيك بأهل الأمصار خيراً، فإنهم ردء العدو.
‌ج- إعطاء كل مقاتل ما يستحقه من فيء وعطاء، وذلك لضمان مورد ثابت له ولعائلته يدفعه إلى الجهاد، ويصرف عنه التفكير في شؤونه المالية ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم.
4- الناحية الاقتصادية والمالية، وتضمنت:
‌أ- العناية بتوزيع الأموال بين الناس بالعدل والقسطاس المستقيم، وتلافي كل ما من شأنه تجميع الأموال عند طبقة منهم دون أخرى ولا تجعل الأموال دولة بين الأغنياء منهم.
‌ب- عدم تكليف أهل الذمة فوق طاقتهم إن هم أدوا ما عليهم من التزامات مالية للدولة ولا تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدّوا ما عليهم للمؤمنين.
‌ج- ضمان الحقوق المالية للناس وعدم التفريط بها، وتجنب فرض ما لا طاقة لهم به ولا تحمل منهم إلا عن فضل منهم أن تأخذ حواشي أموالهم فترد على فقرائهم [46].
5- الناحية الاجتماعية، وتضمنت:
‌أ- الاهتمام بالرعية، والعمل على تفقد أمورهم وسد احتياجاتهم وإعطاء حقوقهم من فيء وعطاء ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها.
‌ب- اجتناب الأثرة والمحاباة واتباع الهوى، لما فيها من مخاطر تقود إلى انحراف الراعي، وتؤدي إلى فساد المجتمع واضطراب علاقاته الإنسانية وإياك والأثرة والمحاباة فيما ولاك الله ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم.
‌ج- احترام الرعية وتوقيرها والتواضع لها، صغيرها وكبيرها، لما في ذلك من سمو في العلاقات الاجتماعية، تؤدي إلى زيادة تلاحم الرعية بقائدها وحبها له وأناشدك الله إلا ترحمت على جماعة المسلمين، وأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم ووقرت عالمهم.
‌د- الانفتاح على الرعية، وذلك بسماع شكاواهم، وإنصاف بعضهم من بعض وبعكسه تضطرب العلاقات بينهم ويعم الارتباك في المجتمع ولا تغلق بابك دونهم، فيأكل قويهم ضعيفهم.
‌ه- اتباع الحق، والحرص على تحقيقه في المجتمع، وفي كل الظروف والأحوال، لكونه ضرورة اجتماعية لابد من تحقيقها بين الناس، ثم اركب الحق، وخض إليه الغمرات واجعل الناس عندك سواء، لا تبال على من وجب الحق.
‌و- اجتناب الظلم بكل صوره وأشكاله، خاصة مع أهل الذمة، لأن العدل مطلوب إقامته بين جميع رعايا الدولة مسلمين وذميين، لينعم الجميع بعدل الإسلام وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذمة.
‌ز- الاهتمام بأهل البادية ورعايتهم والعناية بهم وأوصيك بأهل البادية خيراً، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام [47].
‌ح- وكان من ضمن وصية عمر لمن بعده: ألا يقر لي عاملاً أكثر من سنة، وأقروا الأشعري أربع سنين[48].
رابعاً: اللحظات الأخيرة:
هذا ابن عباس رضي الله عنه يصف لنا اللحظات الأخيرة في حياة الفاروق حيث يقول: دخلت على عمر حين طُعنْ، فقلت: أبشر بالجنة، يا أمير المؤمنين، أسلمت حين كفر الناس، وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راضٍ، ولم يختلف في خلافتك اثنان، وقُتلت شهيداً فقال عمر: أعد عليَّ، فأعدت عليه، فقال: والله الذي لا إله إلا هو، لو أن لي ما في الأرض من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطلع[49]، وجاء في رواية البخاري، أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه فإن ذلك من الله جل ذكره منَّ به علي، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله لو أن لي طِلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه[50].
لقد كان عمر رضي الله عنه يخاف هذا الخوف العظيم من عذاب الله تعالى مع أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة، ومع ما كان يبذل من جهد كبير في إقامة حكم الله والعدل والزهد والجهاد وغير ذلك من الأعمال الصالحة، وإن في هذا لدرساً بليغاً للمسلمين عامة في تذكر عذاب الله الشديد وأهوال يوم القيامة[51].
وهذا عثمان رضي الله عنه يحدثنا عن اللحظات الأخيرة في حياة الفاروق فيقول: أنا آخركم عهداً بعمر، دخلت عليه، ورأسه في حجر ابنه عبد الله بن عمر فقال له: ضع خدي بالأرض، قال: فهل فخذي والأرض إلا سواء؟ قال ضع خدي بالأرض لا أم لك، في الثانية أو في الثالثة، ثم شبك بين رجليه، فسمعته يقول: ويلي، وويل أمي إن لم يغفر الله لي حتى فاضت[52] روحه، فهذا مثل مما كان يتصف به أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه من خشية الله تعالى، حتى كان آخر كلامه الدعاء على نفسه بالويل إن لم يغفر الله جل وعلا له، مع أنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، ولكن من كان بالله أعرف كان من الله أخوف، وإصراره على أن يضع ابنه خده على الأرض من باب إذلال النفس في سبيل تعظيم الله عز وجل، ليكون ذلك أقرب لاستجابة دعائه، وهذه صورة تبين لنا قوة حضور قلبه مع الله جل وعلاhttp://companions1.blogspot.com/2014/07/blog-post_31.html#.V1-kX4IpM4c
 
عودة
أعلى