1983 | رئيس أول مجلس تأسيسي عبداللطيف الغانم: العيب ليس في الدستور.. بل في عدم تطبيقه 20 سنة
حوارات محمد الصقر
١٨ أكتوبر ٢٠٢٢
7,065
0 تعليق
نشرت القبس، في عدد 29 يناير 1983، حوار رئيس تحرير القبس محمد جاسم الصقر مع عبداللطيف محمد الثنيان الغانم رئيس أول مجلس تأسيسي ورئيس اللجنة التي وضعت الدستور.. حيث نصح الحكومة ومجلس الأمة ألا يمسوا أي شيء في الدستور.. فالعيب ليس في الدستور.. بل في عدم تطبيقه 20 سنة وأن التعديل لن يفيد الحاكم ولا المحكوم.
وفيما يلي نص الحوار:
في مثل هذا اليوم قبل عشرين سنة عقد أول مجلس أمة أولى جلساته
ولمناسبة رفض اللجنة التشريعية مشروع الحكومة لتنقيح الدستور
حوار مع رئيس أول مجلس تأسيسي ورئيس اللجنة التي وضعت الدستور (1)
عبداللطيف محمد الثنيان الغانم: نصيحتي للحكومة والمجلس.. ألا يمسوا أي شيء في الدستور
** العيب ليس في الدستور.. بل في عدم تطبيقه 20 سنة
** التعديل لن يفيد الحاكم ولا المحكوم.. والمواد المقترحة مرفوضة
أجرى الحوار: محمد جاسم الصقر ونبيل الحسيني
في مثل هذا اليوم، قبل عشرين سنة، أي في 29 / 1 / 1963، كانت الحياة الديموقراطية في الكويت، تعيش لحظات تاريخية، إذ شهدت البلاد افتتاح أول جلسة لأول مجلس أمة ينتخبه الشعب، برئاسة السيد عبدالعزيز حمد الصقر، قبل ذلك بسنة وعشرة أشهر تقريباً، أي في 30 ديسمبر 1961، كانت البلاد على موعدها الأول مع خطواتها الرسمية نحو الديموقراطية البرلمانية. ففي ذلك التاريخ جرت انتخابات المجلس التأسيسي، الذي شكل، في 3 مارس 1962، لجنة برئاسة رئيس المجلس السيد عبداللطيف محمد الثنيان الغانم، سُميت اللجنة الدستورية، وكانت مهمتها وضع الدستور. وفي 30 أكتوبر 1962، وافق المجلس التأسيسي على الدستور، ورُفع إلى الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الذي صدق عليه في 11 نوفمبر 1962. وفي 23 يناير، جرت بموجب الدستور الجديد الانتخابات لأول مجلس أمة، وعقد المجلس الجديد أول جلسة له في مثل هذا اليوم قبل عشرين سنة.
إنها مناسبات تاريخية متلاحقة، وقف خلفها رجال كافحوا لتحقيق الهدف. وفي مناسبة كهذه، يتذكر التاريخ أولئك الرجال الذين وضعوا لنا القاعدة، نسير عليها بتؤدة وحذر، من أجل الحفاظ على الأمانة.
من هؤلاء الرجال، واحد أنجز المهمة واعتزل.. أيضاً قبل حوالي العشرين عاماً.
اعتزل العمل السياسي، ولم يكن اعتزاله خوفاً أو تراجعاً أمام المسؤولية، وإنما رغبة في أن يمنح للآخرين، الذين يحبون الوطن أيضاً، الفرصة في أن يخدموه على طريقتهم. ذلك، لأن طريقته هو، في حب الوطن مختلفة، جاهزة في كشف الأخطاء إلى حد التطرف.
وعلى الرغم من اعتزاله العلني العمل في السياسة، فإنه لم يستطع أن ينتزع من عقله وقلبه التفكير بكل ما قد ينتاب الوطن. لهذا، عاشت مشاكل البلاد معه، وعاش معها، ولو من وراء الستار.
فإذا كان الوطن هو حبه الأكبر، فإن الدستور هو همه، والديموقراطية عشقه. ولهذا، ربط بين هذا الثلاثي في وحدة لا يرى أنها يجب أن تتجزأ بأي شكل من الأشكال. ولهذا، كان عندما يخرج إلى الأضواء في المرات القليلة طوال السنوات الماضية، فإنما ليتحدث عن هذه الوحدة في المجلس التأسيسي الذي أقره الدستور، في عهد الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم ألقي على كاهله عبء متابعة هذا الدستور. ولذا، عندما حُل مجلس الأمة السابق، وشُكلت لجنة تنقيح الدستور، وجد نفسه مستنفراً بلا إلزام، ومبارزاً بلا دعوة، ومحامياً موكله الوحيد ضمير وطني يعيش في داخله، ويلح عليه في أن يقول رأيه. وقد كان هذا هو السبب الذي دفعه إلى الموافقة على حوار مع القبس حول الدستور ومقترحات تنقيحه.
ويأتي هذا الحوار في وقته المناسب تماماً، مع استمرار الحديث عن تنقيح الدستور، ورفض اللجنة التشريعية لمشروع التنقيح، الذي قدمته الحكومة.
فلسفة الدستور
قلنا للرئيس عبداللطيف محمد الثنيان الغانم:
• لقد كنت رئيس أول مجلس تأسيسي ورئيس اللجنة الدستورية المنبثقة منه، والتي وضعت الدستور. وبصفتك مرجعاً تاريخياً من مراجع الدستور الكويتي، لك رأي خاص فيه، هل يمكن أن تحدثنا عنه؟
- المجلس التأسيسي انتُخب أساساً لمهمة وضع الدستور، ولكن قلة من ذلك المجلس، كانت تملك تصوراً معيناً حول الطريقة التي يجب أن تكون عليها الديموقراطية في الكويت.
ولهذا، فقد شُكلت لجنة دستورية برئاستي، وعضوية يعقوب الحميضي (مقرراً)، والشيخ سعد، وسعود العبدالرزاق، وحمود الزيد الخالد، بالإضافة إلى الخبيرين محسن عبدالحافظ (الذي مثل الحكومة)، والدكتور عثمان خليل (الذي مثل المجلس). وكانت مهمة ليست سهلة، إذ كان عليها أن تختار المواد بعد استمزاج آراء بعض أهل الرأي في المجلس.
على كل، أنا الآن لا أريد الحديث في تفسير الدستور أو الجوانب الأخرى، بل في فلسفة الدستور.
لقد كانت الكويت بلداً لم يتعود على النظام القضائي أو القانوني المعمول به في الخارج. كانت بلداً قبلياً يعتمد الحكم الشرعي في تسيير أمور الناس. وكُلف الدكتور السنهوري في وضع القوانين للبلاد قبل تشكيل المجلس التأسيسي بمدة قصيرة. في تلك الأيام، لم يكن الشعب يستسيغ القوانين، فكيف يمكن له أن يألف الدستور، أبا القوانين؟
لقد كان هناك تطلع شعبي إلى ما أتى به المجلس التشريعي الأول سنة 1938 - 1939. ومن حُسن الحظ أن الأمير عبدالله السالم كان رئيس ذلك المجلس. وبما أنني كنت عضواً في المجلس التشريعي نفسه، فقد أصبحت العضو الوحيد الذي له تجربة سابقة بالمجلس التشريعي، ومن ثم في المجلس التأسيسي. معنى هذا، أن توجيهات الأمير، وتجربتي بالمجلس التشريعي الأول سوف يكون لهما تأثير فيما سيحدث لدى وضع الدستور.
لقد كان الشعب، في تلك الفترة، يتطلع إلى الحياة الديموقراطية. وقد رفض كل ما يخالفها، ويخالف أيضاً الأنظمة الأخرى التي كانت سائدة في الدول العربية الأخرى. لكنه، مع هذا، كان يتمنى لو يُصار إلى وضع نظام يربطه بالأمير في حدود معينة. ومن هذا المنطلق، تكونت فكرة لدى اللجنة الدستورية، وهي أنه تجب المحافظة على الوضع القائم، على النظام الأميري الموجود مع تشذيبه وتأييده، وفي الوقت نفسه إرساء الحريات العامة التي تكفلها الدساتير الأخرى.
لقد كنا، ونحن حديثو العهد بالاستقلال، ونتميز بوضع جغرافي دقيق، في حاجة إلى ترابط بين الحاكم والمحكوم.
ولهذا، نجد في دستورنا ما يميزه عن الدساتير العالمية، وهو الباب الرابع منه، الذي يتعلق بتنظيم الصلة بين السلطتين.
لقد مُنح الأمير سلطة أقوى من سلطة المجلس، وأُعطي حق تأليف الوزارة وكذلك صعوبة إسقاطها، مثلما منحنا الوزراء حق التصويت في المجلس.
كل هذا، كان الهدف منه الاستقرار واستمرار الأمور. فحقوق الأمير محفوظة، وفي الوقت نفسه، فإن حقوق الشعب أيضاً محفوظة. والقرار بيد الأمير. مع استشارة المجلس والاشتراك معه في كثير من الآراء، في حدود القوانين الموجودة. كل هذا، مراعاة وحفظاً للاستقلال الذي حصلنا عليه.
لقد كنا تحت الحماية البريطانية.. أما الآن، فنحن ننطلق لوحدنا، وعلينا أن نخشى على البلاد من الاهتزازات، ولهذا، يجب أن يكون الحكم قوياً.
والشيء الذي كنا نلاحظه، أن الشعب لا يزال يتمنى بقاء النظام القائم بما فيه من ترابط وود ومحبة، ويقبل بما ينص عليه الدستور من قوة الحاكم. لكن، على السلطة، من جانب آخر، أن تراعي القوة التي بيدها، فلا تتعدى الخط الذي نص عليه الدستور.
الآن، العيب ليس في تغيير المواد فقط، لأن هذا التغيير لن يفيد الحاكم ولا المحكوم.. العيب في عدم تطبيق الدستور. فالدستور لم يُطبق حقيقة طوال السنوات العشرين الماضية. وهناك مآخذ كثيرة.
المواد المقترحة مرفوضة أصلاً، خصوصاً المواد الخمس الأولى منها. وما بقي، لا يساوي حتى التعديل.
وفي رأيي، أن على الحاكم والمحكوم إبقاء كل شيء على حاله، وفي هذا حل وسط في مصلحة الاثنين، وأن يحرصا على تطبيق الدستور بدقة.. فإذا فعلا، فإنهما لن يحتاجا إلى تغيير مادة واحدة.
عندما وضعنا شرط السنوات الخمس في المادة الـ174، فلم يكن ذلك لتغيير الدستور أو اللعب فيه. وعندما قوينا السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية، فذلك كان مراعاة للظروف التي كانت سائدة. وقد كنا نأمل أن تزول تلك الظروف بعد 15، 20 أو 30 سنة، فتتقدم معارف الشعب ويعرف حقوقه كاملة. وعند ذاك، يطالب بالتعديل إلى الأحسن، إلى الأمام لا إلى الوراء.
الحريات
• المادة الـ174 من الدستور تنص على أنه لا يجوز تعديل الدستور إلا بعد مرور خمس سنوات على إقراره. وماذا بخصوص الحريات؟
- ما يمس بالحريات، فلا يجوز تعديله. والحريات الموجودة في الدستور، يجب ألا تمس. فعندما تأخذ بعض المواد من سلطة المجلس مثل الفيتو على بعض القوانين عند الأمير، فهذا معناه أنه لا وجود للسلطة التشريعية. وأنا، في الاستشارة العليا عند سمو الأمير وسمو رئيس الوزراء، اعترضت على التعديل كمبدأ عام لعدة أسباب، أولها ينطلق من اعتقادي بأن الكثير من أعضاء المجلس الحالي، لا يملكون الاستيعاب الكافي لمواد الدستور، بحيث لا يفهمون في كيفية تعديلها.
ونصيحتي إلى أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية بألا يمسوا أي شيء في الدستور. وهذا في مصلحة السلطة التنفيذية أكثر من السلطة التشريعية، لأن الكويت بلاد معرضة دائماً للخطر لثرائها وقلة عدد سكانها. ولا يحفظها البذل المالي ولا الجيش الصغير. ما يحفظها هو الديموقراطية غير الموجودة في العالم العربي، والكويت هي الوحيدة في هذا البحر التي تملك حياة ديموقراطية. والدول الكبرى والصغرى، تقدر للكويت هذا الوضع. وهذا يكفي. فلا يمكن لأحد أن يجرؤ على إيذائها، وهي تملك هذه الحياة الديموقراطية. وحتى لو كانت ناقصة، فنحن راضون بها في الوقت الحاضر، وهي كافية شرط الالتزام بتطبيق الدستور، والمحافظة على الأموال العامة.
تمثيل المجلس
• تعرضت للحديث عن مستوى تمثيل المجلس. هل تعتقد أن المستوى لو كان كما تظن، يكفي لتبرير التعديل؟
- أنا لا أستطيع الحكم على ما قد يراه النواب في المستقبل، هذا لو كانوا نواباً يملكون القدرة على تقييم التعديلات التي قد يتعرض لها الدستور. إنما هناك قيود، مثلاً هم لا يستطيعون التعديل دون موافقة الأمير. وقد لا يوافق الأمير على فكرة تعديل الدستور. لكن من المؤكد أن هذا الدستور، لو طُبق على الوجه الصحيح الكامل، ولم يعط نتيجة، أو أظهر نقصاً أو عجزاً في بعض النواحي، فللنواب أن ينظروا في أمر التعديل، وهذا حق نظمته المادة الـ174. هناك مواد قد يطالبون بتعديلها في المستقبل. فقد يطلبون منع الوزراء من التصويت في المجلس، وإلزام الحكومة بأن تكون منبثقة من المجلس نفسه لا من خارجه، كل هذا قد يكون جائزاً. أما اليوم، فلو سألتني: هل توافق على تعيين الوزراء من داخل المجلس أو لا، لأجبتك بالنفي. إذ لو أُخذ الوزراء من داخل المجلس، لما بقي هناك من يشرع. كما أنني لن أوافق الآن على إلزام الأمير برئيس وزراء يوافق عليه المجلس، فقد يكون في هذا إحراج للأمير، مع العلم بأن الأزمات الحالية التي تمر بها الكويت حدثت نتيجة انعدام المحاسبة السليمة للحكومة. فلو كان هناك من يحاسب، لكانت الحكومة انتبهت قبل سنتين أو ثلاث، وأوقفت هذه الموجة العارمة غير الطبيعية.
تصويت الوزراء
• هل كان للوزراء، في المجلس التأسيسي، حق التصويت مثلما هم عليه الآن في مجلس الأمة؟
- كان الوزراء، ما عدا الشيوخ، يصوتون.
• لماذا امتنع الوزراء عن التصويت؟
- الذين امتنعوا هم الشيوخ، وذلك لمنح الدستور الصفة أو القوة الشعبية، وحتى لا يقال إن الدستور أتى بتأييد من عائلة الحاكم، مع العلم أنهم غير منتخبين.
• الوزراء الذين صوتوا، هل كانوا مع أم ضد الدستور؟
- كانوا مع الدستور.
• هل تعتقد أنه من الأفضل على الحكومة الحالية أن تترك حرية التصويت على التنقيح إلى النواب فقط؟
- أنا أرى أن تصويت الوزراء مع التعديل غلطة، وأنا أعتقد أنه لو تُركت لهم الحرية كما كان الحال بالنسبة للشيوخ بالمجلس التأسيسي، لصوت بعضهم ضد التعديل.
وما طريقة عرض المرسوم الأميري على مجلس الوزراء إلا تكتيك لأخذ موافقتهم وربطهم عن طريق المرسوم. ولذلك لا تجد خلال المناقشة الدستورية في مجلس الأمة، إلا وزيراً واحداً يتكلم. أما الآخرون، فصامتون وكأنهم محرجون.
• ما تذكره يعني أن الأمير ينبغي أن يحوِّل تعديل الدستور مباشرة إلى مجلس الأمة ويترك الحكومة على الحياد؟
- هذا هو المطلوب، وهو في الواقع تكتيك يهدف إلى كسب أصوات الوزراء، حتى تحوز الحكومة على الأكثرية. ومع ذلك، فقد سمعت من بعض النواب المؤيدين للحكومة أنهم سيعارضونها في حال التصويت على المواد الخمس المهمة، ويؤيدونها في المواد الثانوية. لكنني أنصح بعدم المس بمواد الدستور، سواء أكانت مهمة أم ثانوية.. فهذا أشرف للسلطة والمجلس معاً.
الولاء للجنسية
• دستور الكويت في رأيك، هل هو من الدساتير الجامدة أم المرنة؟
- الدستور الكويتي يعتبر من الدساتير الجامدة.
• لماذا تُنقح الدساتير عادة؟
- إذا مرت عليها عدة سنوات، ووجد المشرع أن هناك عقبات أو ظروفاً جديدة نشأت تتطلب مواد غير موجودة في الدستور، فيُصار إلى إضافتها عليه، أو أن هناك مواد تعوق تطبيقه وسيره بسلام فيغير فيها. وفي الوقت الحاضر، ليس هناك أي مبرر لتعديل الدستور الكويتي.
(في الجزء الثاني والأخير من الحوار: التعديل لن يمر والولاء أصبح للجنسية)
1983| عبداللطيف الغانم: مجلس الأمة يتراجع.. وإيجابيته الوحيدة تنفيق العوائد النفطية
https://www.alqabas.com/article/5852240 :إقرأ المزيد
1983 | عبداللطيف الغانم: مجلس الأمة يتراجع.. وإيجابيته الوحيدة تنفيق العوائد النفطية
حوارات محمد الصقر
٢٩ أغسطس ٢٠٢٢
7,511
0 تعليق
نشرت القبس، في عدد 30 يناير 1983، حوار رئيس تحرير القبس محمد جاسم الصقر مع عبداللطيف محمد الثنيان الغانم رئيس أول مجلس تأسيسي ورئيس اللجنة التي وضعت الدستور، حيث نصح الحكومة والمجلس بعدم مس الدستور قائلاً إن العيب ليس فيه بل في عدم تطبيقه طوال 20 سنة، معرباً عن اعتقاده بأن التعديل لن يفيد الحاكم ولا المحكوم. معلنا أنه لا يؤمن بمستوى بعض من في المجلس وأهليتهم في تعديل الدستور. فعندما وضعوا الدستور كانوا قلة من أهل البلد الأصليين، وقد انطلقوا من ولاء واحد هو الولاء للبلد وللسلطة.
وفيما يلي نص الحوار:
في الذكرى العشرين لافتتاح الجلسة الأولى لأول مجلس أمة
ولمناسبة الحديث عن تعديل الدستور ورفض اللجنة التشريعية مقترحات الحكومة (2)
عبداللطيف محمد الثنيان الغانم:
التعديل لن يمر وولاء البعض أصبح للجنسية لا للوطن
** كنا 120 ألفاً فأصبحنا 600 ألف.. ومعظم المُجنسين أميون لم يفيدوا البلد بل أصبحوا عالة عليه
** مجلس الأمة يتراجع وكان مفروضاً أن يتقدم لتقدم الثقافة وتعميق الديموقراطية
** الإيجابية الوحيدة لمجلس الأمة عبر تاريخه هي تنفيق العوائد النفطية
** تغيير المادة الثانية يعني إيجاد قوانين جديدة وقضاة متخصصين وهذا يحتاج 20 سنة
** عندما وضعنا الدستور انطلقنا من ولاء واحد للبلد وللسلطة
** المواد الخمس المهمة لن تمر من المجلس لا من المؤيدين ولا المعارضين
** يجب اشتراط الثانوية على الأقل في المرشح لمجلس الأمة
** تعامل النواب مع دوائر الحكومة أفسد الإدارة وأحرجها
••في التاسع والعشرين من شهر يناير سنة 1963، أي في مثل يوم أمس، كانت الحياة الديموقراطية في الكويت تعيش لحظات تاريخية، إذ كانت البلاد تشهد افتتاح أول جلسة لأول مجلس أمة ينتخبه الشعب برئاسة السيد عبدالعزيز حمد الصقر، قبل ذلك، كانت اللجنة الدستورية التي شكلها المجلس التأسيسي برئاسة السيد عبداللطيف محمد الثنيان الغانم قد أنهت مهمتها ورفعت الدستور إلى الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم، الذي صدق عليه في 11 نوفمبر 1962. بعد ذلك جرت الانتخابات لاختيار 50 ممثلاً للشعب في مجلس دعي مجلس الأمة. إنها ذكريات تصادف مناقشات مجلس الأمة الحالي لمقترحات الحكومة بتعديل بعض مواد الدستور، وتصادف أيضاً رفض اللجنة التشريعية من المجلس مشروع الحكومة.
بالمناسبة، التقت القبس في حوار مع رئيس أول مجلس تأسيسي ورئيس اللجنة الدستورية التي وضعت الدستور، السيد عبداللطيف محمد الثنيان الغانم، الذي تحدث في حلقة الأمس حول مقترحات التعديل، فنصح الحكومة والمجلس بعدم مس الدستور قائلاً إن العيب ليس فيه بل في عدم تطبيقه طوال 20 سنة، معرباً عن اعتقاده بأن التعديل لن يفيد الحاكم ولا المحكوم.
وفي الجزء الثاني والأخير من الحوار الذي ننشره اليوم، يواصل الرئيس الغانم حديثه فيؤكد أن التعديل، وخصوصاً ما يتعرض للمواد الخمس المهمة في الدستور، لن يقره المجلس، ويتطرق ضمن تشريحه للمواد المقترح تعديلها للحديث عما خلقه التجنيس للبلاد، التي تحول عدد سكانها من 120 ألفاً إلى 600 ألف، ولاء نصفهم للجنسية لا لتراب الوطن••
• ذكرت في جواب سابق أن دستور الكويت دستور فريد من نوعه في العالم. لكن ألم يسبق أن عدلت دساتير لتأكيد ما ورد في مذكرتها التفسيرية مثلاً؟
- الدساتير «تتعدل». خذ الدستور الأميركي مثلاً. لقد عدل عدة مرات. لكن، هل ما ينطبق في أميركا ينطبق على الكويت؟ في أميركا، الشعب هو الحاكم ولا يأتي الحاكم إلا بطرق ديموقراطية انتخابية سليمة. والمستوى الثقافي والاجتماعي لهذا الشعب متقدم جداً، وحياته الديموقراطية عمرها 200 سنة. في المقابل، لا يزيد عمر حياتنا الديموقراطية على العشرين عاماً، والأمية لا الثقافة تزداد بين أفراد الشعب، ومن ينتخب في الكويت الآن لا يزيد توطنه فيها على العشرين أو الثلاثين سنة.
عندما أُقر الدستور الكويتي كان عدد سكان الكويت لا يتجاوز الـ120 ألفاً. والآن، الذين يحملون الجنسية ويحق لهم الانتخاب يبلغ عددهم حوالي 600 ألف. نصفهم تقريباً من المتجنسين الجدد.. وولاء هؤلاء يتجه للجنسية لا لتراب هذا الوطن. وذلك، فإن هؤلاء لا يمكن أن يقودوا إلى رأي سليم في الانتخابات يفيد المجتمع.
ولو شئنا التوسع أكثر، لقلت إن كان هناك نواب دخلوا بطريق غير شرعي إلى مجلس الأمة، بطريق مخالف للقانون، والسبب.. انهم ليسوا كويتيين بالولادة. ومع ذلك، فهم نواب.
من أجل هذا، لا أؤمن بمستوى بعض من في المجلس وأهليتهم في تعديل الدستور. نحن، عندما وضعنا الدستور كنا قلة من أهل البلد الأصليين، وقد انطلقنا من ولاء واحد هو الولاء للبلد وللسلطة. أما اليوم، مع احترامي الشخصي لهم، فليسوا قادرين على تعديل الدستور بالطريقة التي تحتاجها البلاد.
لن تعدل المواد
• يقال ان تعديل الدساتير لا يتم إلا إذا كانت هناك أزمة دستورية، كما حصل في الدستور الفرنسي أيام الجمهورية الثالثة. ويقال ان هناك مواد مهمة من شأنها ان تحول مجلس الأمة إلى مجلس استشاري بعد اقرار تعديلها، مثلما ان هناك مواد غير مهمة. فهل ترى ان من المفروض ان يتم اقتراح التنقيح لتعديل مواد لا تقدم ولا تؤخر في شيء؟
- أنا ضد التعديل بأجمعه. وقد قلت سابقاً انه لا يمكن تعديل المواد الخمس المهمة، وانها لن تمر من المجلس لا من المؤيدين للحكومة ولا من معارضيها. فإذا لم يشمل التعديل هذه المواد المهمة، فلماذا يحرك الدستور لتعديله من أجل مواد تافهة يجب ألا يعدلوها؟
• ما مخاطر تفويض السلطة التنفيذية بمهمات تشريعية في الحالات الاستثنائية وبشروط محددة؟
- هذا التفويض موجود وبشروط محددة موجودة. أما ما طلب منها، فأن تنطلق السلطة التنفيذية بأكثر مما حدد لها فتقول إحدى المواد بعدم طغيان أي من السلطتين على الأخرى. وأي خلل بهذا الميزان، يفلت الزمام. فلذلك، ما هو مكتوب عن الاستثناء وضع في حالة الحرب في حالة الأحكام العرفية. كل هذه الاستثناءات موجودة حتى في التصرف المالي المستعجل. لكن تؤخذ موافقة المجلس بعد مدة معينة قصيرة، ولا تعطي تفويضاً إلى مدى طويل.
مجلس استشاري
• هل التفويض المتلاحق المعطى من مجلس الأمة للسلطة التنفيذية يعتبر مساساً بالاختصاص الأصيل للسلطة التشريعية؟
- الآن؟
• نعم.
- نعم. هذا يمس.
• هل الشروط الواردة في التعديل المقترح للمادة 50 تعتبر ضمانات كافية لعدم الاخلال بالتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية؟
- الآن؟
• نعم.
- لا يجوز اعطاؤها ما تطلب لأن هذا يخل بالتوازن.
• بالنسبة للمادة 65، هل التنقيح المقترح يسقط حق مجلس الأمة نهائياً في تقرير حقه بالاستعجال للمشاريع ويصبح حقاً مطلقاً للحكومة وحدها؟
- نعم هذا يعطي الحكومة سلطة ربما تحول المجلس إلى مجلس استشاري بدل ان يكون مجلساً تشريعياً.
• اعطاء صفة الاستعجال للمشاريع، هل هو حق يمنح في الأصل للسلطة التشريعية أو للسلطة التنفيذية، وتمتع الحكومة بهذا الحق هل هو الأصل أو الاستثناء؟
- اعطاؤها هو استثناء. الحق يجب ان يكون للسلطة التشريعية. هي التي تقرر. إذا كان هناك استعجال أم لا.
كنت وزيراً وأعرف..
• إقرار صفة الاستعجال في مجلس الأمة يتطلب الأغلبية، وقرارات مجلس الوزراء تصدر بأغلبية الحاضرين بحيث يمكن لخمسة وزراء فقط تقرير صفة الاستعجال. فهل يشكل هذا الأمر ضمانة كافية؟
- اعطاء المجلس التشريعي يتم بموجب نص الدستور، بمعنى انه لا يمكن أخذ الموافقة إلا بالأكثرية. وهذا نص دستوري. أما بالنسبة لمجلس الوزراء فهذا نص كيفي، ممكن لرئيس الوزراء ان يسمح حتى لوزيرين، أما كونه مجلساً للوزراء فيؤخر قرار خمسة دون اطلاع الآخرين، فهو أمر لا يجوز، والمسؤولية تقع على رئيس مجلس الوزراء. وفي ذلك الوقت، بامكان الوزراء الباقين ان يستقيلوا إذا كانوا لا يوافقون. أما هنا في مجلس الأمة، فالحق فيه ليس لأعضاء المجلس بل للشعب الذي انتخبه.
أما في ما يتعلق بالسلطة التنفيذية (رئيس الوزراء والوزراء) فجائز ان يعطي تفويضاً.. جائز ان يعطي، والذي لا يوافق «يطلع برة».
هناك قرارات تؤخذ بنصف أصوات في مجلس الوزراء، أنا كنت وزيراً وأعرف ماذا يعملون هناك. قرارات تتخذ بثلاثة ويحرجون الآخرين بالموافقة عليها دائماً، وأنا أعتقد ان مجلس الوزراء ما زال لا يأخذ دائماً بالأكثرية.
التنقيح مادة مادة غير جائز إلا...!
• إذا أراد المجلس تعديل قانون أصدرته الحكومة، فذلك لا يتم في دور الانعقاد نفسه، ويتطلب غالبية الثلثين أي %90 من النواب المنتخبين (44 نائباً من أصل 50) فهل هذا يمس بتوازن السلطتين التنفيذية والتشريعية؟
- نعم يضر بالتوازن والمادة الأصلية هي الأصح.
• التنقيح المقترح الذي يلغي حق مجلس الأمة في اعطاء صفة الاستعجال للمشاريع، هل يعتبر ادانة للمجلس في سوء استخدام حقه الذي أعطاه إياه الدستور؟
- في هذا الموضوع لا نقول إدانة، بل نقول انه سحب لحق المجلس بالرقابة الذي كفله له الدستور ويجب على المجلس ان يستعمل حقه.
• بالنسبة للمادة 66. التنقيح ينص على أن إقرار المشروع ثانية قبل مشاريع «الإسكان» و«الأشغال» في أي دور انعقاد آخر يتطلب أغلبية الثلثين، في حين أن أخطر موضوعين، وهما الأحكام الخاصة بتوارث الإمارة وتنقيح الدستور، لا يفرضان هذه التسمية، إذ لا يكفي أن يشارك 28 نائباً الحكومة لإقرار المشروع. ما رأيك؟
بالنسبة لتوارث الإمارة، فإن القانون الذي صدر هو قانون دستوري، لا يمكن تغييره إلا مثلما يغيّر الدستور. والغالبية المطلوبة في التصويت هي على اختيار تزكية الأمير لولي العهد أو تزكية لثلاثة يختار أحدهم، وهذا شيء طبيعي.
انه اختيار الأمير ولا يمكن التصحيح فيه، لأنه سيقع الاختيار على أحدهم. والمجلس لا يستطيع أن يغير. فلذلك تكفي الأغلبية هنا.
أما بالنسبة لتنقيح الدستور، فالمواد تنص على أنه لا يجوز تنقيحه إلا بالثلثين، ولا يجوز تنقيحه مادة مادة إلا بالثلثين.
الحكم العرفي
• هل هذا الوضع يؤدي إلى غل يد السلطة التشريعية وتحجيم دورها؟
- إذا تغيّر ما هو موجود بالدستور فإنه، طبعاً، يغل دورها. والمادة 50 نصت على ألا تتنازل السلطة التشريعية عن اختصاصات للسلطة التنفيذية ولو جزئياً.
• بالنسبة للمادة 69 المتعلقة بالحكم العرفي. التنقيح المقترح حذف الفقرة الثانية، التي تنص على صدور قرار بأغلبية المجلس كشرط لاستمرار الحكم العرفي. فهل يعني هذا حصر قرار الحكم العرفي بالحكومة وحدها؟ ولماذا؟
- أعطي القرار للاستعجال بجوز لأن الحكومة قد تحتاج يومها إلى إصدار الحكم العرفي لأسباب عسكرية أو ما يشابهها من الاضطرابات. فخلال ثلاثة أشهر يجب أن تعرض على المجلس. والتعديل يريد أن يضعها خلال ستة أشهر. فتمديد المدة معناه الحذف لتمديد أكثر مثل ما هو جار الآن في مصر. الأحكام العرفية الموجودة بعد السادات بقيت موجودة، ولا تزال، لأن الحكومة استساغت الأحكام العرفية ومشت فيها. فلذلك، إن التشدد بما نص عليه الدستور هو الأفضل.
أخطر تعديل
• بالنسبة للمادة 71، التنقيح المقترح ألغى الشرط القاضي بألا تكون المراسيم بقوانين مخالفة للتقديرات المالية، لماذا؟
- لتتصرف الحكومة بالمال أكثر مما مسموح لها.
• هل هذا جائز؟
- لا، لا يجوز.
• اعتبر التنقيح أن مرور ثلاثة أشهر على إحالة المراسيم بقوانين إلى مجلس الأمة من دون البت فيها بمنزلة موافقة عليها. فهل يعتبر مثل هذا الأمر سليماً من حيث المبدأ؟ وهل يجوز أن «ينسب إلى ساكت قول؟».
- هذا أخطر تعديل في المواد، ومعناه ان يصبح المجلس مجلس شورى. عندما تمر ثلاثة أشهر من دون أن يوافق عليها المجلس، فمعنى ذلك أنها شبه مرفوضة. فكيف يحق للحكومة أن تمررها وهي شبه مرفوضة؟
• بالنسبة للمادة 83. ما رأيك بمبدأ تعديل مدة الفصل التشريعي إلى خمس سنوات بدلاً من أربع؟
- أنا أعارض أي تعديل، وإن كان ظاهرياً. إن هذا التعديل لا أهمية قصوى له، ولكنني ضد أي تحريف في مواد الدستور.
• التنقيح (في المادة 83 نفسها) يقترح مد مدة المجلس في حالة الضرورة، وليس في حالة الحرب كما هو النص الأصلي. ما الآثار المترتبة على هذا التعديل؟
- الضرورة هي تشابه الحرب. وجائز تمديده إذا هو قائم بغير نص دستوري، كما هو حاصل في لبنان. «مضبوط والا لأ؟».
• بالنسبة للمادة 95، أناط التنقيح المقترح حق النظر في الطعون بالمحكمة الدستورية لا مجلس الأمة. ما رأيكم في ذلك؟
- تقصد الطعن بالعضوية، أنا أفضل انه «يروح» المحكمة الدستورية. لقد ثبت أن مجلس الأمة لا يدين أعضاءه.
• ما اختصاص المحاكم الدستورية؟ وهل يقتصر فقط على الفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين؟
- والله أظن أن كل شيء اسمه دستوري يجب أن تنظر فيه المحكمة الدستورية.
زيادة النواب
• بالنسبة للمادة 80 حول زيادة عدد أعضاء مجلس الأمة من 50 إلى 60 هل تؤيدونه ولماذا؟
- نعارضه، لأن هذه الزيادة سوف تحتاج إلى تغيير بعض المواد الدستورية، وثانياً لأنه يخل بالتوازن ما بين الحكومة والمجلس بالتصويت. وإذا فكرنا يوماً من الأيام في ان نزيد عدد النواب أولاً، فلننظر إلى عدد الدوائر حتى لا نظلم دائرة على حساب أخرى، وان نحرص على ان تكون النوعية نوعية فاهمة لتملأ الفراغ، الذي تدعي الحكومة انها محتاجة إليه.
وثالثاً، يجب ان ننظر إلى موضوع عدد الوزراء الذين سيدخلون الوزارة ويصوتون بالمجلس. وأنا أفضل إذا كان لابد من زيادة العدد أكثر من هذا، ان تتغير الدوائر الانتخابية ويوزع عليها بالقسطاس، وان نحرص في هذا التوزيع على ان تصل إلى مجلس الأمة طبقة متعلمة، بل أنا من أنصار وضع شرط بألا يدخل مجلس الأمة إلا الحاصل على الثانوية وما فوق، لأن النقص اليوم في مجلس الأمة ليس بالعدد بل بالنوعية.
المثقفون القادرون على ان ينطقوا برأي سليم لا يتجاوزون الـ 10 أنفار. وإذا كان المقصود بزيادة العدد إدخال جماعة أميين، فالأمية ليست بالكتابة والقراءة، الأمية بالتفهم، فهم القوانين، فهم الدستور، الفهم السياسي. فإذا كان المقصود إدخال مثل هذا النوع، فلا خير فيهم. وفي رأيي ان الحكومة إذا استمرت في هذا الطريق بإدخال الأميين، فسينعكس على الوزارة، وعلى القوانين التي سوف تصدرها أو سوف يصدرها مجلس مستواه سيكون ضعيفاً. وهكذا، ستبقى هي دائماً في حرج.
تعيين الوزراء
• لماذا تجاهل التنقيح المقترح الأخذ بالقاعدة البرلمانية التي تنص على تعيين الوزراء من داخل مجلس الأمة ولو بصورة غير مطلقة؟
- لقد شرحت هذا الموضوع وقلت ان الأسباب في قلة النوعية التي قد تكون في مجلس الأمة. فإذا اختيرت العناصر الجيدة للوزارة، فلن يبقى أحد يستفيد المجلس منه.
وفي رأيي انه كلما زادت نسبة المتعلمين في المجلس، استفادت الحكومة منهم، بل وضمنت تأييدهم أكثر، لأنه سيكون بإمكانها ان تأخذ وزراء متعلمين من داخل المجلس.
الدستور لم يطبق
• لقد كنت رئيساً لأول مجلس تأسيسي شهدته الكويت سنة 62. وفي 3 مارس وكانت الكويت حديثة العهد بالاستقلال، شكل المجلس لجنة الدستور التي عقدت اجتماعاتها يوم 27 مارس 62، واستمرت جلساتها حتى يوم 27 أكتوبر 62 ورفع مشروع الدستور إلى المجلس التأسيسي الذي أقره في 30 أكتوبر عام 62 ووقعه الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم في 11 نوفمبر 62.
ثم عقد المجلس جلسته الختامية التي انتهت بها مهمته 15 يناير 63. انه تاريخ لا ينسى مضى عليه أكثر من 20 سنة أسفر عن تجربة خامسة تعيشها الحياة البرلمانية الكويتية حتى اليوم:
1 - لو عاد بك الزمن إلى الوراء حاملاً تجربة هذه الأعوام فهل كنت تسعى إلى إيجاد تغييرات ما على صعيد الدستور التي كنت تراها بالأمس غير ضرورية؟
2 - كيف تقيم التجربة البرلمانية من خلال إيجابيات وسلبيات عمل مجلس الأمة خلال تلك السنين؟
- لو رجعت إلى الوراء لكان لي رأي يختلف عن رأيي آنذاك بعد هذه التجربة. وما زلت أكرر ان الدستور لم يطبق لنقيم حسناته من سيئاته. انما من خلال بعض ما طبق خلال السنوات العشرين، فأنا أفضل ألا يصوت الوزراء غير المنتخبين داخل المجلس.
الشيء الآخر، ان يكون سحب الثقة من مجلس الوزراء بأجمعه لا فرادى. ففي العشرين سنة الماضية، لم يستطع المجلس استعمال حقه بسحب الثقة من وزير أو رئيس للوزراء.
ثالثاً: أريد ان أشدد على النواب بألا يتعاملوا مع دوائر الحكومة، لأن هذا أفسد الإدارة وأحرجها، مع الاحتياط بأن تبقى السلطة العليا التنفيذية قوية وان لا تختل السيطرة على الإدارة من الرقابة العليا. هذا رأيي في الوقت الحاضر.
مجلس الأمة تراجع
من جهة ثانية، فإن مجلس الأمة، في السنوات الأخيرة تراجع. لقد كان في أول دورة أقوى منه، وبدأ يتراجع تدريجياً شيئاً فشيئاً، بينما المفروض ان يتقدم لتقدم الثقافة وتعميق الديموقراطية في السنوات السابقة كان يخوف الوزراء وان كان لم يستطع سحب الثقة منهم. أما الآن، ومنذ سنوات وفي دورات سابقة فلم يكن له ذلك التأثير.
سيف الجنسية
• ما الأسباب التي أدت إلى ذلك؟
- تكاثر السكان غير المربوطين بتربة البلاد وتجنيس أعداد كبيرة. فبدلاً من ان تشهد البلاد الزيادة العالمية المعروفة وهي 5 في المئة سنوياً، شاهدنا العكس. المفروض ان تزيد الكويت في خلال العشرين سنة الماضية حوالي الـ150 ألف نسمة، ومع وجود الـ120 ألفا السابقين، يصبح العدد 270 ألفاً. هذا على أكثر تقدير. أما الآن فعدد سكان الكويت 600 ألف يحملون الجنسية، لأن التجنيس منح لأُناس أقرب ما أقول انهم أميون. وهم لم يفيدوا البلد بل صاروا عالة عليه، حتى وصلنا إلى هذا اليوم الذي بتنا نتساءل فيه عن كيف يمكننا ان نعيش هذه الأعداد الكبيرة وميزانيتنا بدأت تحس بالضيق، وما هو العمل الذي سوف نوكل إليه. فالبلاد ليست صناعية ولا زراعية. نحن الآن نصرف عليهم وعلى أولادهم في المدارس والمستشفيات وغيرها بينما هم لا ينتجون شيئاً. قد تكون السياسة العليا لها نظرة أخرى من ناحية الحجم السكاني لاعطاء البلد قوة عسكرية أو ما شابه. لكن حتى هذا لن يفيد في وقت القنبلة الذرية.
إيجابية واحدة
• تكلمت عن السلبيات أليس للمجلس ايجابيات في تاريخه؟
- له ايجابية واحدة تذكر وهي تنفيق العوائد النفطية. أما الايجابيات الأخرى الروتينية مثل القوانين المحلية أو سواها، فهذه من الأشياء العادية التي يضطر المجلس للنظر فيها. وهذا أبرز شيء يلفت النظر في ايجابياته.
• تؤكد المادة السادسة من الدستور ان نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً. وبطبيعة الحال فإن المجلس هو الأمة هنا لأنه يمثلها. فكيف يمكن تفسير ما تدعو إليه المادة السادسة وما نسمع حول الانتقاص من بعض صلاحيات المجلس من خلال مقترحات التعديل المطروحة؟
- لهذا، المعركة قائمة الآن ما بين المجلس ومن يمثل السلطات العليا والعمل ديموقراطي لا اعتراض عليه.
القضاة والوزير والمادة الثانية
• في 24 مايو سنة 77 وفي تعقيب صحافي لك أشرت إلى ان مسألة المادة الثانية من الدستور نوقشت باللجنة الدستورية في المجلس التأسيسي باستفاضة، وان اللجنة رأت انه لا بد من اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع لأن هذا النص يعطي مرونة للتشريع، بحيث لا يمنع من الأخذ بالقوانين الحديثة التي لا بد منها شريطة ألا تتعارض مع الشرع الإسلامي. إذا كنت ما زلت ترى هذا الرأي، فما الذي يؤكده من خلال التجربة العملية بعد هذه السنوات؟
- أنا لا أزال على رأيي وانما الشكوى هي من ضعف ضمانات العدالة، وهذه مسؤولية المراجع العليا بالوزارة عليها تدبر الأمر. وأرجو الوزير ان يتفرغ لذلك.
واليوم كلما تقدم العلم وكثر الاتصال ما بين الأمم، من الصعب أن ننعزل عنها وألا أُحرجنا. ولو أردنا ان ننتقل رأساً إلى تغيير المادة الثانية بما يريده بعض الإخوان، فإننا نحتاج إلى عشرين سنة، أولاً لإبطال القوانين الموجودة وإيجاد قوانين جديدة، وبعد ذلك إيجاد قضاة ومحامين متخصصين. هذا كله يحتاج إلى عشرين سنة أخرى. ولذلك، سنكتفي الآن بسن القوانين وهذا جائز.
عبداللطيف محمد الثنيان الغانم
السيد عبداللطيف محمد الثنيان الغانم من مواليد سنة 1911. تلقى علومه في المدرسة المباركية والأحمدية. قام مع والده بعدة رحلات إلى الهند، خلال ذلك، تلقى تعليماً آخر في بعض المدارس الهندية، وبإشراف معلمين خصوصيين في خلال الأشهر التي يكون فيها والده موجوداً في الهند.
في سن الثامنة عشرة، بدأ والده يعتمد عليه في تصريف بعض أعماله، كانت تتطلب منه القيام بالعمل منفرداً.
بعدها، عمل مع والده في الكويت والبصرة. واستمر على ذلك عدة سنوات، في الثلاثينات، ومع بداية الثورة الفلسطينية دخل المعترك السياسي بقوة منتسباً ومشاركاً في عدة حركات قومية.
وكان من أوائل المشاركين في الكتلة الوطنية، التي أنشئت في الكويت، والتي كانت مهمتها في البداية، جمع المال والسلاح لنجدة الثورة الفلسطينية. أهداف الكتلة تطورت فيما بعد للمطالبة بقضايا داخلية كتحسين الإدارة في البلاد.
وعقدت الكتلة اجتماعات عديدة، وأصبحت لها حركات، وانبثق منها المجلس التشريعي الأول، الذي وافق على إنشائه الأمير الشيخ عبدالله السالم. وقد انتخب السيد الغانم عضواً في هذا المجلس الذي تألف من أربعة عشر عضواً.
وبعد انتهاء مهمته بحله، انتخب مجلس تشريعي آخر، وكان السيد الغانم عضواً فيه أيضاً بالانتخاب الشعبي، لكن المجلس التشريعي الثاني لم يُعمر بعد الأحداث السياسية التي شهدتها الكويت في ذلك الوقت، التي كان السيد الغانم مشتركاً فيها. ونتيجة لذلك، أدخل السجن مع بعض أعضاء المجلس التشريعي، حيث ظل فيه أربع سنوات وثلاثة أشهر وثلاثة عشر يوماً.
بعد انتهاء الحرب، أطلق سراحه وسراح رفاقه في حركة إفراج قام بها الإنكليز والحلفاء، وشملت غالبية المعتقلين الوطنيين في البلاد، التي كانت خاضعة لسيطرتهم، ومن بينها الكويت.
تحول السيد الغانم اثر ذلك إلى العمل التجاري الخاص حتى سنة 1958، عندما انتخب عضواً في المجلس البلدي. وكان قد سبق له الخدمة في المجالس البلدية سنوات. في المجلس البلدي انتخب مديراً للبلدية، وظل في منصبه حتى صدر مرسوم يدعو لانتخاب مجلس تأسيسي. وخاض المعركة الانتخابية ففاز عن منطقة كيفان.
ثم انتخب رئيساً للمجلس التأسيسي ورئيساً للجنة الدستورية التي كلفت وضع الدستور.
وقد ظل في هذا الموقع حتى انتهى وضع الدستور ورفعه إلى الأمير الشيخ عبدالله السالم.
دخل الوزارة، وتسلم وزارة الصحة والأشغال بالوكالة.. وكذلك رئاسة البلدية بالوكالة لعدة سنوات. وعندما استقالت الحكومة سنة 1964، ترك العمل الحكومي وتفرّغ لأعماله الخاصة التي ظل يمارسها حتى اليوم.
وإذا سئل اليوم عن سبب تخليه عن العمل السياسي، يجيب: السبب الوحيد هو كبر السن والمرض.
.. وأطال الله عمره..
https://alqabas.com/article/5852577 :إقرأ المزيد