سيرة الفشل الذاتية الطويلة.. دليل «الكفاح»!
AddThis Sharing Buttons
Share to طباعةShare to FacebookShare to TwitterShare to Google+Share to PinterestShare to ارسال ايميلShare to WhatsApp
لوسي كيلاوي |
نشر جوهانيس هاوشوفر- الأستاذ المساعد- في قسم علم النفس بجامعة برينستون، الشهر الماضي سيرته الذاتية، مسجلا فيها كل مراحل الفشل الوظيفي التي تعرض لها خلال حياته المهنية، إذ قام بسرد الدورات الجامعية التي لم يستطع الحصول عليها، والوظائف الأكاديمية التي لم يتم قبوله فيها، وكتاباته التي رُفض نشرها، وأيضا المنح والزمالات التي حازها شخص آخر غيره.
ردود الفعل حول «سيرة الفشل الذاتية» أحدثت ضجة كبيرة على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، إلى جانب التقاط الصحافة للموضوع ونشره حول العالم.
ومن هذه التعليقات: «تواضع كبير، ملهم جدا، وشجاعة كبيرة كان اتخاذ مثل هكذا قرار». الموضوع برمته اكتسب شهرة واسعة جدا، فالأمر أصبح يشكل كما وصفه د.هاوشوفر فشلا إبداعيا، حيث لفتت هذه الفكرة الأنظار أكثر من كل نتائجه الأكاديمية الفاشلة.
المسلي في هذا الأمر، أن السيرة الذاتية لهاوشوفر لا تبدو- بالنسبة لي- أنها تصل إلى أدنى مراحل الشجاعة. فإذا كنت تُدرس في برينستون، فإن سرد مراحل فشلك يتطلب القليل من الشجاعة، ولنفترض أن جامعة استوكهولم للاقتصاد قامت برفضك، ستشعر بلا مبالاة من الأمر، في حين أننا لا يمكن اعتباره تواضعا، بل هو تواضع متفاخر به.
لإثبات أنه من السهل الشعور بعدم المبالاة من الفشل عندما تكون قد لمست القليل من النجاح، في الأسبوع الفائت جلست بمرح لكتابة «سيرة الفشل الذاتية» الخاصة بي، وتطلب الأمر بعضاً من الاستحضار الذهني، خصوصا أن ذاكرتي قامت بواجبها تجاهي في نسيان معظم مراحل الفشل التي مررت بها خلال الـ40 عاما الماضية، لكن وفق ما أذكره، فإن ما حدث معي تقريبا كالتالي:
في عام 1977 فشلت في الحصول على قبول من جامعة إكسيتير، يورك، وسوسكس لدراسة درجة البكالوريوس في الاقتصاد.
في عام 1981 رفضت مجموعة بوسطن الاستشارية، بين، شيل، بي بي، وذا تريجوري، البدء معهم كمتدرب حديث التخرج، وبعد سنتين فشلت في الحصول على وظائف في ذا تايمز، ذا تليغراف، وأي ثينك «الصحيفة المسائية». تقريبا في عام 1985 تم رفضي من قبل صحيفة الإيكونوميست وفي عام 1987 فشلت في الحصول على زمالة ذا لورينس ستيرن في «واشنطن بوست».
في عام 2004 وعام 2010 روايات متتالية لي تم رفضها من قبل الكثير من الناشرين في مختلف البلدان. بينما في عام 2015 أجريت مقابلة لمنصات ومناصب في الـ«أي تي في»، بريتيش لاند، وبيلموند، وتم رفضي من الجميع. ومنذ عام 1985 إلى اليوم فشلت في الحصول على الكثير من الجوائز الصحافية التي في حال تم تعدادها فإنها ستملأ نصف هذه الجريدة.
إن أكثر أمر مثير في دراسة سيرتي الذاتية هي الفترة الزمنية الطويلة من الفشل التي مررت بها، على الرغم من كوني أظهر في الواقع بمظهر من لم يتعرض للفشل في حياته نهائيا.
ومنذ عام 1991 إلى عام 2004 تقريبا لم أتلقَ أي رفض واحد، وهذا الأمر أبعد ما يكون للجزء الأكثر نجاحا في حياتي المهنية، بل كانت الفترة الأكثر كسلا! كنت مشغولة جدا بتربية أطفالي، ومحاولة التمسك بوظيفتي في الفايننشال تايمز، وتسير الأمور على ما يرام.
نستخلص من ذلك أنه في حال كانت «سيرة الفشل الذاتية» قصيرة، فهذا بحد ذاته فشل لأنك لم تحاول بجهد كافٍ. وإذا كانت سيرتك الذاتية في الفشل طويلة جدا، ذلك قد يعني أنك لا تمل، أو قد يعني ذلك أنك تسعى للأفضل. فلكل منا سبب مثالي لرفض قبوله في أماكن معينة وغالبا تتراوح ما بين أربعة أسباب إلى سبب واحد، والأقل من ذلك يعني أنك لم تبذل الجهد المناسب.
الأمر الآخر الذي يحدث لي هو أنه ليست كل أنواع الرفض التي تعرضت لها متساوية، بعضها يجرح كثيرا، فعلى سبيل المثال: «عندما يحصل منافس أمقته على الجائزة التي كنت أتمناها» بينما البعض الآخر من الرفض لا يؤلمني بتاتا.
الفشل الذي يسبق النجاح يصبح في مرحلة ما غير مهم أبدا، مثلما يمكنك الحصول على وظيفة ما، أو تحاول الحصول على قبول في تخصص معين، فإنه بإمكانك نسيان ما فقدته بمجرد حصولك على ما تسعى له ليصبح الأمر بعد ذلك بلا معنى. فأنا لا أمانع في الحصول على وظيفة في «إيكونوميست» إلى حين حصولي على فرصة وظيفية في «فايننشال تايمز»، المهم هو التوقف عن القلق والتفكير بما سيحدث.
في الحقيقة، الرفض الوحيد الذي ما زال يؤلمني لأكثر من نصف قرن تقريبا، لم أدرجه في قائمة الفشل التي كتبتها، وهي عندما كنت أبلغ من العمر 10 سنوات، لم أستطع الحصول حتى على دور صغير في العمل الإذاعي لنهائي المرحلة الابتدائية، وكان اسم العمل الإذاعي «الولد الصديق».
عندما سألت زملائي عن «سيرة الفشل الذاتية الخاصة بهم»، الكثير منهم تحدث عن أمر مماثل. لا أحد منهم صنف فشله في رفض «بي بي سي» أو المكاتب الأجنبية لهم، بل كان فشلهم في الرفض المبكر أثناء مرحلة المدرسة وأغلب أنواع الفشل الذي ما زال يثيرهم كان في الرياضة.
زوجي كان يدعي دائما أن فشله كان في القدرة على الدخول لأول فريق كريكيت، الذي كان يتكون من 11 شخصا في إيتون، وكان هذا الفشل من أكثر الأشياء ألما التي حصلت في حياته، وجعلته ينقلب على المؤسسة لـ20 سنة.
السيرة الذاتية الفارغة تكون صامتة وبلا مضمون على الرغم من الألم الكثير الموجود فيها، البروفيسور هاوشوفر يعرض الأفكار المطمئنة التي توضح أن غالبية الفشل هي ليست أكثر من سوء حظ، مثلما هو العالم عشوائي بطبيعته، وطلبات التوظيف هي محاولات حمقاء، واختيار اللجان دائما للموظفين فيها العديد من الأخطاء.
أنا لست متأكدة تماما من أنها أفضل طريقة للنظر في الموضوع، فإذا عدت بذاكرتي إلى لحظات فشلي، فأنا أذكر أنني كنت في تلك اللحظات أختلق العديد من القصص التشجيعية لأبرر ما يحدث من قبلهم، وأقول لنفسي إن عملية التوظيف قد تكون في بعض الأحيان استبدادية، أو أنني كنت صريحة جدا في حديثي، أو أن الوظيفة من الأساس لم تكن مقدرة لي.
مازال النظر إلى «سيرة الفشل الذاتية» الخاصة بي يظهر تفسيرات معقولة، فقد فشلت في الغالب في كل الفرص التي تقدمت إليها، والسبب كان ببساطة أن هناك شخصاً ما وضع طلباً وظيفياً أقوى أو أعطى انطباعاً أفضل في المقابلة الشخصية.
ترجمة وإعداد مجد عثمان
القبس