رحلتي... الأوراق الخاصة جداً......يا سلااااااام يا محمد أفندي عبدالوهاب

الغيص

Active Member
طاقم الإدارة
محليات / «رحلتي... الأوراق الخاصة جداً» (الحلقة 1)
محمد عبدالوهاب مُجرم حرب أم مُجرم موسيقى؟



الثلاثاء 02 مارس 2010 - الساعة 00:04

1423066858_15_1263980947465872000.jpg

1423066858_26_1267358045450649200.jpg

1423066858_38_1267358111730650800.jpg

1423066858_54_1267358001210647600.jpg

1423066858_65_1267358831400681300.jpg

T+ | T-
أخبار ذات صلة
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة الأخيرة)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 9)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 8)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 7)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 6)
خلّف الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب وراءه أوراقاً خاصة، ومدونات في الحياة والسياسة والفن، كان قد كتبها على مراحل قبل وفاته. وبحسب قرينته السيدة نهلة القدسي، فإنه بدأ في كتابتها بعد زواجهما مباشرة. وبعد مضي ما يقرب من عشرين عاماً على رحيل الموسيقار المبدع، يتصدى الشاعر فاروق جويدة لهذه الأوراق، وبإيعاز من القدسي لتصدر في كتاب عن دار شرقيات يحمل عنوان: "محمد عبدالوهاب: رحلتي الأوراق الخاصة جداً". يؤكد جويدة في تقديمه أن الكتاب ليس مذكرات شخصية، لأنه لم يبق من حياة عبدالوهاب ما لم يطلع الناس عليه، بل هو يحوي آراء سياسية حادة، وفنية جريئة وصريحة وقاطعة، وفيها تعرية لجوانب كثيرة من حياتنا، نخجل من الحديث المباشر عنها. ويقسم جويدة الكتاب إلى خمسة محاور أساسية، تدور حولها مجمل آراء عبدالوهاب، وهي رحلته الخاصة مع الفن وخواطره بشأن الموسيقى العربية والعلاقة بينها وبين الموسيقى الغربية. المحور الثاني يتعلق برحلة عبدالوهاب مع الناس، خاصة المشاهير منهم. وأما المحور الثالث فهو مخصص لرحلة عبدالوهاب مع المرأة، وهي من أصعب الموضوعات لأنه عالجها بوضوح شديد، متطرقاً إلى الجنس والحب والزواج. المحور الرابع يحوي رحلة عبدالوهاب مع السياسة وآراءه في هذا الجانب. ويتطرق المحور الخامس إلى آراء عبدالوهاب ومواقفه الحياتية بشكل عام.
"الجريدة" تقدم لقرائها في حلقات متتالية رحلة محمد عبدالوهاب كما وردت في أوراقه الخاصة.
يتحدث في الحلقة الأولى عن هواجسه، وشعوره لحظة تداهمه خواطر التلحين، كما يتحدث عن أهمية الثقة في حياة الفنان، ويطرح تساؤلاً بشأن انتهاء زمن الأصوات الجميلة ودور الجمهور في ذيوع وانتشار الأغنية.



لحظة الإبداع عندي هي التي اشعر فيها بأنني احب... وانني عاشق ولهان ولا استطيع ان افارق حبيبتي ولو لحظة واحدة... هذا الاحساس يجيئني عندما يفاجئني خاطر لحن اشعر بقيمته، لو جاءني هذا الخاطر وانا في مكان في سهرة... في اجتماع... في لجنة... في حفل عشاء اعتذر على الفور واقوم مسرعا الى منزلي، وكأني ذاهب الى ميعاد مع حبيبتي التي لا يمكن الحياة بدونها... أعود مسرعا وكأني في خوف من ان تمل معشوقتي انتظاري وتذهب.
وعندما اصل الى منزلي ادخل فورا الى غرفتي... ومع ان الخدم في جهة بعيدة عن غرفتي فإنني احكم اغلاق باب الغرفة... وكأني اخاف ان يرانا عذول فيفضح امري، ثم آخذ عودي والمسجل امامي. وكأن الخاطر تجسد في شكل فتاة جميلة انظر الى عينيها وشفتيها وشعرها وقوامها واظل في هذه المتعة، متعة لقاء الحبيب بحبيبته شاكرا ربي ان انعم علي بهذه الحبيبة الفاتنة الجميلة التي اسميها الخاطر.
وعندما استمع لنفسي وانا اغني في اذاعة او شريط او اسطوانة اجدني انهج وألهث وكأني صاعد الى جبل لأنني في هذه الحالة اسمع نفسي بأذن الناقد وليس بأذن المستمع، واهمس الى نفسي لماذا لم اطل هنا لماذا لم اقصر هنا... لماذا لم اؤد هذا المقطع بالشكل الفلاني... لماذا لم اعمل "لازمة" موسيقية هنا لماذا لم ألغ هذه "اللازمة".

صراع مع النفس

وأظل في صراع مع نفسي وأحاول بكل أنفاسي وأعماقي وأعصابي ان اغير ما اسمع كأنني سأتمكن فعلا من ذلك، ولعل هذا يذكرني بشخص يركب سيارة بجانب السائق فإذا أحس بخطر سيصيب السيارة أمامه ضغط برجله على ارض السيارة كأنه يوقفها اتقاء للخطر.
هكذا افعل عندما أسمع نفسي، أحاول بغير وعي أن أصلح ما كان يجب عليّ ان اقوم به أداء ولحنا، لكنني اكتشفت انني لا استطيع ان افعل ذلك.
وكثيراً وانا نائم يجيئني خاطر موسيقي جميل واحاول ان احفظه في خيالي، لكنه يؤرقني واخشى ان انساه فتضيع عليّ فرصة العمر...
ولا استطيع ان اقوم من فراشي لأسجله وأرتاح، لأن قيامي معناه ان اتعرض للبرد وصحتي لا تحتمل البرد، واظل في قلق... أقوم أم لا أقوم، واخيرا ينتصر الفن، لأنني إذا لم اسجله ضاعت هذه النعمة، نعمة الخاطر الجديد الذي سيهز العالم الموسيقي.
واقوم وأمري لله لا أنام انتظارا للصباح لأسمع المعجزة، وبمجرد صحوي وأنا في سريري لعدم صبري على الانتظار تحضر لي الخادمة المسجل وأسمع، وتصيبني الدهشة عندما اجد ان الذي سمعته آخر "هيافة"... كلام لا طعم له.
ما احوج الفنان إلى المراجعة، فإن فيها اتقانه... وكماله، ومع ذلك لا اتعظ وأعود الى القلق والهيافة، لا يمكن لفنان ان يراجع نفسه ولا يجد الافضل، ولابد للفنان ان يعيش بين الحقيقة والسراب.
وعندما اندمج في عمل فني احس انني اقرب الى الله اكثر من اي وقت... وربما كان السبب في ذلك ان الفن يخاطب مواقع الطهر في الانسان... كالحب والجمال والخلق والمثل العليا والضمير،
والوجدان، والخير، والله سبحانه وتعالى خير، فأنا اكثر قربا منه، وأنا ألامس هذه المواقع الطاهرة.
وهناك سبب آخر غامض على الإنسان، بسبب عطائه من الله تعالي، فالرضا من الناس على عمل الفنان ليس مرتبطا بموهبته فقط او قدرته فقط او خبرته او تجاربه، بل هناك شيء آخر اسمه القبول... الشيء الذي ليس له تفسير لكنه عطاء من الله يهبه من يشاء... فالفنان له علاقة مباشرة بالله ورضاؤه هو اكبر تكريم له.
وعندما اقوم بعمل فني اهتم بمقابلتين، مقابلة الموسيقيين في أول بروفه، واول عرض للعمل الفني على الجمهور.
فعندما اذهب لأول مرة الى الموسيقيين لعمل اول تجربة، اذهب وكأني على موعد مع حبيبي... اذهب وكأني عاشق ولهان لرؤية من احب، وعندما ألقن هذا العمل الفني سواء كان اغنية او موسيقى أنظر الى وجوه الموسيقيين ومشاعرهم البادية وهل هم متحمسون، ام نظروا الى الساعة مللا، أم مر عليهم الوقت ولم يشعروا. والموسيقيون بالنسبة لي في أول تجربة هم الحكم، فهم صفوة المستعمين، وهم أول جمهور يطّلع على هذا العمل، واكون مشغولا بهم وبنقد ما عملته لأصلحه في التجربة الثانية.
وأما في المقابلة الثانية عند عرض العمل على الجمهور فإحساسي يختلف فأنا امام غيب. فالجمهور قدر ليس له ضابط فربما يبدع الفنان شيئا يقدره بينه وبين نفسه ولا يرضى عنه الناس. وربما عمل شيئا لا يرضى هو عنه تمام الرضا وينجح انه الشيء الذي تتركه لله تعالي، انه الغيب الذي احتفظ الله به لنفسه.

الخوف والثقة

والحقيقة انه لا يوجد شيء يؤدي الى فشل الفنان مثل الخوف فإذا فكر الانسان وهو خائف، فلا يمكن ان يصل الى الحل السليم. واذا احس وهو خائف فلا يمكن ان يصل الى الشعور الصادق. واذا الرسام مثلا رسم لوحة ويداه ترتعشان من الخوف فلا يمكنه الا ان يرسم شيئا مشوشا لا جمال فيه. فما بالك بالمغني الذي يعطي انفاسه واعماقه وصدقه للفن. ان وراء هذه الانفاس والاعماق فكرا وصدقا وقدرة، كيف يمتزج كل هذا الخوف ثم يمكنه بعد ذلك ان يوصل شيئا جميلا الى المستمع؟
والثقة في ذاتها تقوي الانسان واول مراتب توصيل الثقة للناس ان يثق الانسان بنفسه، ولذلك كنت دائما حريصا على ان تكون بروفاتي في اعمالي جيدة بل اكثر من جيدة، بل اقول انها خرافية لأنني كنت دائما ادرك ان العمل حين يعرض سيكون هناك شيء من الخوف من الاحساس بالمسؤولية وهذا يضعف العمل الى حد ما ولذلك اردت دائما ان تصل البروفات الى درجة اكثر من الاجادة لتكون النتيجة حين يعرض العمل على الناس اكثر من جيدة، ولهذا فإن نصيحتي للمطرب والمطربة والعازف الا يخاف لان الخوف يعني ان يصل العمل الى المستمع مزيجا من الشوشرة والنشاز وكلاهما نهايته الفشل.
وانا اول من قدم للمستمع غناء وموسيقى وكأنها حرة بلا قيود زمنية او كأنها لا تخضع لإيقاع وقوانين زمنية يمكن كتابتها. كان ذلك في اغنية "في الليل لما خلى" وايضا قدمت فيها اول آلات وترية اوروبية تستخدم في فرقة عربية، وهذه الآلات كانت "الشللو" و"الكنترباس" و"الكاستانيس".
ويبدو الفرق بين شكل الحرية في الغناء والايقاع في بعض جمل الاغنية، فالحرية مثلا تبدو في "الليل لما خلى الا من الباكي... والنوح على الدوح حلى للصادح الشاكي" ثم يبدو الايقاع في "ما يعرف المبتلى" واعود الى حرية الشكر في جملة "مسكون ووحده" وهكذا اخضعت الغناء في الأغنية الواحدة لجمل حرة الشكل وجمل موزونة وايقاعية الشكل، كما هو في الالحان الغربية ثم مشى الملحنون على نهجي بعد ذلك للآن واصبح دستورا في عالم الالحان بوجه عام.
اي انني "فكيت" سجن الجملة اللحنية من قيود الايقاع الواضح الذي غالبا ما يحرك في المستمع الحس المادي اكثر من الوجدان الروحي... جعلت المستمع يحلق في سماء التأمل والخيال والتسامي بدلا من أن ينشغل بإيقاع يحرك يديه ورجليه بدلا من أن يحرك روحه وخياله.
وكنت أيضا اول من خالف قاعدة هامة من قواعد التلحين الشرقي التي تعلمناها من الاساتذة القدامى والتي تقول "ان الملحن اذا ما لحن قصيدة او توشيحا أو دورا أو اغنية أو طقطوقة وابتداء من نغمة ومن مقام معين عليه ان ينتهي بنفس النغمة وعلى نفس المقام".
وقد كسرت هذه القاعدة في "جارة الوادي" فقد بدأت من نغمة البياتي على مقام "الدوكا" وانتهيت بها بمقام البياتي ايضا، ولكن على مقام العشيران... اي ابتدأت ببياتي على "الري" وانتهيت الى بياتي على "اللا" وهذه مخالفة صريحة للمقام.
وثار اساتذة نادي الموسيقى في ذلك الوقت وحاكموني في جلسة ضخمة شارك فيها اساتذة اجلاء وقلت لهم: ان النغمة تشبه حديقة جميلة يتجول فيها الملحن في لحنه، ويكتشف فيها مواقع جميلة اذا ما اراد في مشواره داخل الحديقة ان يرتاح عند موقع جميل وينتهي من مشواره فما هو المانع؟ فلم يوافقوا على ذلك الرأي ولكنهم لم يتخذوا اي اجراء، لانهم كانوا في حاجة الي... فقد كان النادي يقدمني في حفلاته للحكام على اني طالب بالنادي وكان يحصل على اعانات من الدولة بسبب ذلك.
وعندما انفصل جزء من النادي كمعهد للموسيقى واصبح تابعاً للحكومة... وابتدأ النادي يستغني عن الحفلات وزاد تحطيمي للوثنية الموسيقية لم يطيقوا على ذلك صبرا واجتمع مجلس الادارة وقرر فصلي... وكان أحمد الألفي عطيه في مجلس ادارة النادي ولم يوافق على فصلي فطردوه معي.
ومع ذلك فأنا احمل لهؤلاء الاساتذة كل الاجلال... اولا: لأنهم علموني ما لم اكن اعلمه، وثانيا: لانهم بتزمتهم اشعلوا داخلي جذوة الثورة، وكان مثلي كمثل طلاب الأزهر في ذلك الوقت، فالذي يتعلم في الأزهر يخرج منه اما متزمتا او ساخطا... والحمد لله لقد خرجت ساخطاً... والسخط اول مراتب التطور... عندما طردوني اطلقوا عليّ هذه الكلمة: عبدالوهاب مجرم الموسيقى كمجرمي الحرب.

لماذا انتهى زمن الأصوات الجميلة؟

ذهبت ام كلثوم بأدائها المعجز... وفريد بلون صوته الفريد... وعبدالحليم بتأديته الحساسة وشخصيته الذكية... فماذا بعد ذلك؟!
ان الغناء عمل موسيقي اولا والغناء جزء منه فالمطرب او المطربة جزء من التركيبة الموسيقية يقوم بدور بجانب الأدوار الاخرى المنوط بها للعمل الموسيقى الى حد كبير.
وقد جذبت الاصوات الثلاثة الجماهير بأدائها وشخصيتها وشغلتها عن محاسبتهم عن العمل الموسيقي في حد ذاته. وكان الجمهور لا يهمه الا ان يسمع اداء ام كلثوم ويستمتع بشخصيتها... وكذلك فريد وعبدالحليم وهذه الاصوات جعلت الجماهير لا تهتم بالعمل الموسيقي... لان الاصوات الثلاثة التي كانت تسيطر على الجماهير كانت تقف حائلا بين اهتمام الجمهور بالموسيقى كأساس.
وفي يقيني ان الصوت البشري لن يكون له سيادة كما كان في السابق... وستتجه الاغنية عموما بعد غياب هذه الاصوات نحو العمل الموسيقي المتكامل الذي يكون المطرب فيه صاحب دور ولكنه ليس الدور الاول والوحيد، اي ان عهد سيادة الصوت سيخف عن ذي قبل ويحل محله عهد العمل الموسيقي. ورب قائل: ان الاغنية الآن فيها موسيقى فالمقدمة ومقدمات الكوبليهات موسيقى، هذا صحيح... ولكنها موسيقى ليست على صلة وثيقة بلحن الغناء، بحيث اننا لو حذفنا او غيرنا او بدلنا هذه الموسيقى بموسيقى اخرى لا يحس السامع بخلل.. لان هذه المقدمات ليست من صلب الغناء اي انها منعزلة عنه... والعمل الموسيقي كل لا يتجزأ... صحيح ان غياب هؤلاء الشوامخ خسارة كبيرة لكن رب ضارة نافعة.
والفرق الموسيقية الحديثة التي تقدم أغاني متطورة تقوم بعملية غسل مخ للجمهور من أجل إلا يسمع الجيد من الأغاني... وأنا ليس عندي مانع من ظهور الجديد، ولكن للآن كل من بدأ لم يرسخ أقدامه كلون جديد له قيمة، بل إنه ينتهي ليظهر ما هو أتفهه منه.
وهذا واضح من اختيار اصوات لا تصلح لأن تغني في الكورال. هذا اللون من الألحان سيكون سببا في عدم ظهور أصوات لها قيمة، اذ ان الارض التي تنبت فيها الاصوات هي اللحن... فاللحن الذي يحتاج الى «قفلة»، إلى "عفقة"، الى صوت، ليس موجودا الآن، فهل سيقضى على الاصوات لهذا الأسباب؟ خصوصا أن الجهاز الخطير الذي نسميه التليفزيون يعطي لهؤلاء فرصة عريضة لعرض هذه الاعمال التي سبق ان قلت انها غسل لمخ المستمع العربي... نريد جديداً لا يختفي لتفاهته، بل يكون هو الاساس لظهور الأجود على منواله لا أن يظهر دائما الأسوأ.

تجار الشنطة

وأستطيع ان اسمي الفن اليوم فن تجار الشنطة، فالفن اليوم يشبه اسلوب تجار الشنطة، فهناك نفر من اللصوص يسرقون الفن من الاذاعات والتسجيلات الأصلية على كاسيتات ثم يضعونها في شنط ثم يذهبون بها الى بائعي الأرصفة ويبيعونها لهم وهم بدورهم يبيعونها للمارة على الأرصفة.
يا للحسرة، المؤلفون على الأرض... والملحنون على الأرض والمؤدون والعازفون على الأرض، وربما كان هذا هو الجزاء الطبيعي لما وصل إليه الفن من انحدار.
لقد كان الفنان في السابق يخرج بهوايته الصافية فنا يستمتع به المثقفون، واذا استمتع المثقفون بفن فلا بد ان تستمتع به الجماهير غير المثقفة ولو بعد حين، وربما تأخر تقديرهم لهذا الفن، ولكنهم في وقت ما يتلذذون به.
واما الفن الذي يخرج للجماهير غير المثقفة فلا يصل الى اعجاب المثقفين في الغالب، اي اننا اذا شبهنا الجماهير كشكل هرمي، المثقفون في القمة وغير المثقفين في السفح، فإن الفن يخرج مباشرة الى القمة اي الى المثقفين ثم يهبط رويدا الى السفح اي الى غير المثقفين... أما الآن فالفن يخرج الى السفح اولا وهيهات له ان يصعد الى القمة.
وفنان اليوم محروم من الجمهور الناقد وقد عرفنا هذا الجمهور المتذوق من الطبقة الوسطى التي تتألف من المثقفين... هؤلاء المثقفون لا تجدهم الآن في الصفوف الأولى التي يدفع اصحابها 50 جنيها واكثر في التذكرة... وانما نجد جمهورا آخر لا يتذوق الفن ولكنه جمهور يحضر للترف، اما جمهور الترسو فيحضر للتهريج... ولذلك نجد ان الصالات اليوم قد خلت من نوع هام جدا من الجمهور المثقف الناقد الذي يحسب له المؤدي ألف حساب.
ولا شك ان الجمهور طرف في اخراج الاصوات وتدريبها. كان الجمهور الذي يدخل حفلات الغناء جمهوراً واعيا عالي الاحساس، فكان المطرب يحترمه ويهابه، وكان يؤدي المطرب فيعطي الاستحسان بالقدر الذي يساويه، فلما ظهر جمهور جديد... طبقة جديدة من الجمهور غير المثقف، غير واع لكنه غني وعنده فلوس، هذا الجمهور هو الذي يملأ القاعات الآن ويحب الغناء الرخيص، فلم يعد المطرب يحترم رأيه لأنه يصفق ويهلل لأي مطرب او مطربة، ولذلك اختفت مدرسة هامة وواقعية، كان المطرب يتعلم منها ويخشى محاسبتها له. ولكن المثقف اصبح الآن يعيش على التلفزيون او الفيديو ولا يذهب الى الحفلات لغلاء تذاكرها فالدولة الآن مسؤولة مباشرة عن تقديم فن رفيع من خلال التلفزيون هل هذا يتحقق الان؟ لا اظن.


http://www.aljarida.com/news/index/2012713332/محمد-عبدالوهاب-مُجرم-حرب-أم-مُجرم-موسيقى؟
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رحلتي... أوراق محمد عبدالوهاب الخاصة جداً (الحلقة 2)
متى يستثمر الغرب ألحاننا العربية؟



الأربعاء 03 مارس 2010 - الساعة 00:01

1423070163_75_1263980947465872000.jpg

1423070163_89_1267445194424290900.jpg

1423070164_03_1267444927184267100.jpg

1423070164_14_1267444616894247700.jpg

1423070164_25_1267446979254432700.jpg

T+ | T-
أخبار ذات صلة
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة الأخيرة)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 9)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 8)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 7)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 6)
خلّف الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب وراءه أوراقاً خاصة، ومدونات في الحياة والسياسة والفن، كان قد كتبها على مراحل قبل وفاته. وبحسب قرينته السيدة نهلة القدسي، فإنه بدأ في كتابتها بعد زواجهما مباشرة. وبعد مضي ما يقرب من عشرين عاماً على رحيل الموسيقار المبدع، يتصدى الشاعر فاروق جويدة لهذه الأوراق، وبإيعاز من القدسي لتصدر في كتاب عن دار الشروق يحمل عنوان: «محمد عبدالوهاب: رحلتي الأوراق الخاصة جداً». يؤكد جويدة في تقديمه أن الكتاب ليس مذكرات شخصية، لأنه لم يبق من حياة عبدالوهاب ما لم يطلع الناس عليه، بل هو يحوي آراء سياسية حادة، وفنية جريئة وصريحة وقاطعة، وفيها تعرية لجوانب كثيرة من حياتنا، نخجل من الحديث المباشر عنها. ويقسم جويدة الكتاب إلى خمسة محاور أساسية، تدور حولها مجمل آراء عبدالوهاب، وهي رحلته الخاصة مع الفن وخواطره بشأن الموسيقى العربية والعلاقة بينها وبين الموسيقى الغربية، المحور الثاني يتعلق برحلة عبدالوهاب مع الناس، خاصة المشاهير منهم. وأما المحور الثالث فهو مخصص لرحلة عبدالوهاب مع المرأة، وهي من أصعب الموضوعات لأنه عالجها بوضوح شديد، متطرقاً إلى الجنس والحب والزواج. المحور الرابع يحوي رحلته مع السياسة وآراءه في هذا الجانب. ويتطرق المحور الخامس إلى آراء عبدالوهاب ومواقفه الحياتية بشكل عام.
"الجريدة" تقدم لقرائها في حلقات متتالية رحلة محمد عبدالوهاب كما وردت في أوراقه الخاصة.
تطرح الحلقة الثانية تساؤلات بشأن الموسيقى العربية، وألحانها وعلاقتها بالغناء الأوروبي، وكذلك مواطن التأثر بالنسبة إلى كلِّ من مصر والمغرب وبلاد الشام بدول الجوار، كما يتحدث عن الفنانين العرب الوافدين إلى مصر وضرورة استيعابهم وتوطينهم في مصر.



الفن عند بعض الفنانات الآن غاية لا وسيلة... وعند البعض الآخر وسيلة لا غاية... فالفنانة من النوع الأول تضحي بكل شيء في حياتها حتى نفسها في سبيل الحصول على فن جيد... ولربما أعطت نفسها لمؤلف كلمة أو ملحن أو مخرج أو أي انسان يعطيها ما يشبع فنها... وهذه الفنانة لو جاءها إنسان غني أو صاحب سلطان أو وجيه لرفضته، لأن كلاً من هؤلاء ليس له علاقة بفنها.
وعندما تريد اختيار شخص لحياتها فسيختاره قلبها، فهي تضحي لفنها أولا ثم تضحي لذاتها.
والفنانة من النوع الثاني الفن عندها وسيلة، هي تريد الفن وتريد الجاه والسلطان، وتعلم ان هؤلاء لا يريدون فنانة تعيش في ظلام البيوت، لكنهم يريدون الضوء، يبهرهم الضوء، فهم يفخرون باقتناء السلعة التي يتمناها كل انسان، انهم يذهبون إلى الضوء ليتلألأوا تحته، والفنانات يظهرن فلا يجدن أقوى من ضوء الفن، فالإعلام كله في خدمة الاذاعة والتلفزيون والمسرح والصحف والمجلات والسينما.
ومثل هذه الفنانة تجدها تختفي ثم تظهر ثم تختفي ثم تظهر، انها تقوم بالعمل الفني لتحصل به على شحنة من الضوء تدفعها الى تحقيق اغراضها الدنيوية، فإذا أحست أن الضوء بهت وتحتاج الى شحنة اخرى قامت بعمل يدفعها دفعة اخرى.
أما الفنانة الاولى فهي دائمة العمل لأن لها هواية فنية ولا يمكن للهواية ان تشبع... وهذا ايضا ينطبق على الفنانين الرجال.

حوار صادق

قديماً كان الملحن يلقي لحنه للمغني بنفسه وتنشأ صلة علاقة بينهما، ويحاول الملحن ان يبصّر المغني الى ما في صوته من مزايا فينتفع بها... ويبصّره الى العيوب فيبعده عنها.
كان هناك حوار صداقة بين الملحن والمؤدي... اما اليوم فالملحن يسجل اللحن على كاسيت ويرسله الى الشركة المنتجة ويحفظه المغني بعيداً عن الملحن وقد لا يرى كل منهما الآخر، وربما قابل الملحن المغني الذي اعطاه اللحن في مكان ما بعد ذلك ولم يعرف كل منهما الآخر، انها ألحان أنابيب، كحمل الأنابيب تماما... ليست هناك علاقة روحية بين الملحن والمؤدي... كما انه ليست هناك علاقة روحية بين الأب وولده.
والحقيقة انني اسأل نفسي كثيراً، من الذي اغتال الفن في مصر، هل هي نوعية الجمهور، أم نوعية الفنانين، أم البيئة والمناخ والظروف الاجتماعية؟!
إن طه حسين مثلا نشأ في عائلة فقيرة ومرض بالجدري وفقد بصره، ومع ذلك شمخ وأصبح طه حسين، وكذلك العقاد، وأم كلثوم، وسيد درويش. هل البيئة الاجتماعية والمناخ العام يساعدان الفنان على الارتفاع ثم يرفع الفنان بدوره الجمهور؟
أسئلة كثيرة تريد إجابة

تساؤلات تشغلني بشأن الموسيقى العربية، الاغنية الفردية «جزء» من «كل»... و «الكل» هو المسرح الغنائي... أو الاوبريت والأوبرا.
والأغنية الفردية مجالها الحفلات والأفراح وليالي الأنس، فلا يمكن ان تكون إلا في حب، ونوع محدود من الحب.. الهجر او السعادة او حول هذه الموضوعات فقط. حتى الألوان الاخرى في الحب كالغضب مثلا لا يمكن ان يغنيها مطرب في حفلة.
أما المسرح الغنائي أو الابريت والأوبرا فإنها تحتوي على كل شيء خاص بالفن الغنائي والموسيقي، فهي تحتوي على الاغنية الفردية والدويتو والحوار بين المطربين والكورال رجالا ونساء، والموسيقى الراقصة والرقص ذاته، والألوان المختلفة من الغناء، اغنية في الحب بكل الوانه من هجر وسعادة وغضب، اغنية من عامل في مصنعه، اغنية من طائفة معينة، اغنية وطنية، اغنية اجتماعية، وفوق ذلك كله تجد فيها القصة المعبرة حيث المضمون... والحدوتة... والأسلوب إنها تحوي كل شيء... إنها «الكل».
اما الاغنية الفردية فهي تبدو أمامي امرأة جميلة لا يظهر منها إلا عيناها... او فمها... او شعرها... في هذه الحالة يمكن ان استمتع بما ظهر لي منها. لكن اين هي كله؟ ان الاستمتاع بالنظر إلى المرأة كلها بكل مفاتنها ومظاهر الجمال فيها هو المسرح الغنائي او الابريت او الأوبرا، اما الأغنية الفردية فهي مجرد جزء من مفاتن امرأة جميلة نسميها الفن.

الغناء الجماعي

ومن اسباب عدم وجود الغناء الجماعي والرقص الجماعي في مصر عدم اختلاط الجنسين منذ زمن سحيق، بعكس لبنان مثلا.
ان الاختلاط عند اللبنانيين من طبيعة الحياة الاجتماعية منذ زمن بعيد، ولهذا كان الغناء الجماعي... والرقص الجماعي. فمثلا عندما يجتمع الشبان والفتيات في لبنان في سهرة او حديث او مجتمع.. تلعب غريزة الجنس دورها، فلا يكفي الشباب ان يجلسوا بجانب الفتيات يتحدثون معا، بل ان جاذبية تلاحم الجنس تدعوهم الى الاختلاط الأعمى، فينهضون جميعا وتتشابك الايدي في حلقة منسقة وتتحرك ارجلهم، وتنقر الارض بنقر له ايقاع موسيقي علمي بسيط، يمكن لأي شخص ان يؤديه بمجرد سماعه، ومشاهدته، مادام وجد ايقاعا موسيقيا لهذه الخطوات وهذا النقر، فلا بد ان يكون هناك غناء لضمان الانضباط ولابد للغناء من رقصة جماعية تصاحب الموسيقى لتتم الوحدة الفنية.
يُضاف إلى هذا ان الغناء والموسيقى ذات الطابع الايقاعي تساعد الاجسام والايدي والأرجل أن تعبر تعبيرا رشيقا لا يتأتى لها من دون غناء او موسيقى.
وهكذا نبع الغناء الجماعي والرقص الجماعي من واقع حياتهم... ولهذا اصبح لهم غناء جماعي يمكنهم أن يغنوه حتى من دون ان يرقصوا... واصبح لهم رصيد كبير من الغناء الجماعي الذي يجري على الرقصات الجماعية واصبح لهم رقص جماعي بحكم الاختلاط.
أما نحن في مصر فقد عوضنا هذا بالتفوق الفردي، سواء كان ذلك في الغناء او الرقص.
وكثيرا ما أتساءل: هل الربع مقام في موسيقانا موضع لاعتزازنا لأنه يوجد عندنا شيء ليس موجوداً في الموسيقى الأوروبية، ام انه عقبة في طريق تطورنا الموسيقي؟
ان الهارموني لم يستطع حتى الآن تغطية كل النغمات العربية، فالموسيقى العربية تتقابل مع الموسيقى الغربية في نغمات كثيرة كالنهوند... والحجاز... وتختلف في بعض المقامات الاخرى في انغام الموسيقى الاوروبية كالبياتي... والراست والصبا والسيفاه والحجاز.
فنحن نتقابل مع الغرب في بعض مقامات من هذه الانغام، ثم نفاجأ بمقامات في نفس النغمة بها ربع مقام، ومن غير المعقول ان نضع هارموني لبعض مقامات من النغمة ثم يتوقف الهارموي عند المقام الذي به ربع المقام.. فنصبح أمام اسلوبين مختلفين.
إذن ماذا نفعل؟

ان الهارموني علم رياضي يقوم على اسس السلامة والتوافق السليم... ولا يمكن لسليم ان يتفق مع غير سليم.
ماذا نفعل... هل نضع هارموني بصرف النظر عن الناحية الرياضية العلمية والجمالية ايضا... نترك الاستساغة «للإلحاح»... لان نصف الاستساغة تقوم على «الاعتياد»، فهل نترك هذا للاعتياد؟... أم نلغي ربع المقام من موسيقانا الرسمية ونحن انفسنا وموسيقانا من جمال حسي... ونحرم انفسنا من القفلة «الحراقة»... التي ستختفي بدخول الهارموني اختفاء خفيفا... لانه لا يمكن وضع هارموني للقفلة التي تخضع لنبرات واحساس وكفاءة كل مطرب على حدة،
فهل نُقدم على هذا وفي سبيل اكتسابنا لشيء... نترك شيئا... وتصبح المقامات التي بها ربع مقام موسيقي محلية موروثة من تاريخ سحيق وتصبح كالبطل «الشعبي»؟ لا أدري، إنها مشكلة... ومشكلة جديرة بالبحث... والحوار... مع العلم والذوق والتاريخ والجمال.
كما انني ألاحظ ان الاغاني والموسيقى المعبرة التي نلحنها كلها بلا استثناء تصابحها الايقاعات التقليدية... الرق... والطبلة، وفي بعض الاحيان ينضم الى هذه الايقاعات البنادير... والتساؤل هو: لماذا ادخلنا الكنترباس والجيتار... والأورغ؟
كل هذه الآلات يمكن لها ان تعزف الايقاع بمقامات مختلفة حسب لحن الجملة الموسيقية الملحنة... اي انها ذات ايقاع مغنى بعكس الايقاعات التي ذكرتها كالرق والطلبة الى آخره، فانها ايقاعات خرساء لا تعطي مقاما واحدا من الجملة الملحنة التي تصاحبها هذه الايقاعات.
والسؤال: ألا يمكن لنا ان نخصص لهذه الايقاعات مكانا محددا نلتزم به... ثم نترك الفرصة للايقاعات التي تغنى كالجيتار والكنترباس... لكي تقوم بهذه المهمة، على ان يكتب لها ما يجب ان تعزفه من ايقاعات، وحينما يحين الموضع الذي يمكن للإيقاعات التقليدية العزف فيه تقوم بمهمتها. وعلى هذا يكون العمل الفني اكثر دراسة، واكثر جمالا، بدلا من هذا الملل الذي يصحب الايقاعات وعزفها المرتجل؟
يتصور البعض ان التراث العربي واحد في كل انحاء البلاد العربية من تواشيح وادوار وفلكلور وطقاطيق الى آخره، وانا اقول ان هذا غير صحيح، لأن التأثر بالجوار امر محتوم، فالتأثر واقع، والأخذ والعطاء في الفن محتوم.
فمثلا بلد كالمغرب بجوار اسبانيا لابد ان ألحانه قد تأثرت بالألحان الاوروبية، كما تأثر الاسبان ببعض الالحان العربية.
ومثلاً بلد كالعراق بجوار ايران لابد انه تأثر بالألحان الايرانية، كما تأثرت الجزيرة العربية ببعض الايقاعات الإفريقية.
وعلى هذا لا يمكن ان تكون الألوان التلحينية متشابهة في كل انحاء البلاد العربية بسبب تاثر كل بلد بجارتها، ولذلك نجد اننا في مصر نجاور بلاد الشام اي الاردن ولبنان وسورية، فنحن نتفق كثيرا في «نوتاتنا» وحتى في تطور الاغنية عندهم يأخذون عنا لهجتنا التلحينية ونحن ينساب فينا شيء من لهجتهم التلحينية.

الموسيقى كنز

وأنا دائما اقول ان للعرب كنزين، هما كنز البترول وكنز الموسيقى... او بمعنى ادق الألحان العربية.
وقد تنبه الغرب الى كنز البترول فاستثمروه وعصروه وسيعصرونه... وسيظل الغرب يعصر هذا الكنز الى ما شاء الله.
وللآن لم يتنبه الغرب الى كنز الالحان العربية، لكنه تنبه الى الايقاعات الافريقية والألحان الآسيوية، والرومانسية في ألحان اميركا اللاتينية وعصروها واستثمروها.
وهم الآن يبحثون عن كنوز موسيقية اخرى... وسيجيء دورنا ويتنبه الغرب الى كنز الموسيقى العربية وسيستثمرونها ويعصرونها كما عصروا البترول.
فتنبه ايها الفنان العربي واستثمرها انت قبل الغرب.. وهذا لن يكون إلا بالفن والحس العربي الصافي الطروب الذي تشبع وعاش في البيئة العربية، وفي الوقت ذاته تعلم الموسيقى الاوروبية ليستخلص منها ما يثرى هذا الكنز.
تنبه ايها الفنان العربي... وتنبهي ايتها الدول... تنبهوا قبل أن يتنبه الغرب ويستثمر موسيقانا كما استثمر بترولنا.

نحن... والفنانون العرب

أما وقد أصبحت مصر منتهي أمل كل فنان عربي للحضور إليها والنهل من خيراتها الفنية.. وأقصد هنا الموسيقى والغناء حيث يوجد في مصر: العمل... اللحن والكلمة... والموسيقى... والحفلات والسينما والفرق الموسيقية... واجهزة الاعلام الخرافية من تلفزيون واذاعة وصحف ومجلات... كل هذا جعل الفنان العربي من جميع الاقطار العربية يحضر الى هنا للانطلاق.
هنا «الفترينة» الكبيرة للعالم العربي... وغير العربي في كثير من الأحيان... إذا كان هذا واقعا... فلماذا هذه النغمة المرذولة... هذا مصري وهذا غير مصري...؟ ان وجود الفنانين العرب هنا وانصهارهم في المصرية السمحة واحساسهم بأن ليس هناك تفرقة تجعلهم دائما لا يفكرون في العودة الى بلادهم، ان في ذلك مكسبا لمصر.
فالفن سيقوى ويشتد... لأن الفن أخذ وعطاء... وسيأخذون منا شهرة وانتشارا، وسنأخذ منهم دما جديداً وقوة تبعث دائما الحياة في فننا.
لماذا لا ننسى انهم غرباء، لماذا لا يكونون مصريين فعلا... وننسى نحن وينسون هم انهم غرباء... اميركا مثلا... ماسر قوتها؟... لقد فتحت ذراعيها لكل فنان... الطلياني... واليوناني... والسويدي... والإنكليزي... والتركي... والعربي... والايراني... اي فنان او فنانة من اي جنس يصبح أميركيا، وينسى الأميركيون انه اجنبي.. لماذا نخيف الفنان العربي الوافد عندما نجعله قلقا من مصر... وأهل مصر... وصحافة مصر... ليحضروا... سنقوى بهم... وسينتشرون بنا... ولتصبح مصر أميركا الفن في الشرق... وربما تكون بعد ذلك أميركا الفن في العالم.

قوة أميركا

سيكون عندنا تركيبات فنية مختلفة مصهورة بدم مصري يحقق لها استيعابه بحكم اختلاف أساليبه في جميع أنحاء العالم... قوة أميركا أنها تستطيع أن ترضي كل ذوق من أذواق العالم بفضل احتوائها جميع فناني العالم بإحساسهم واذواقهم المختلفة، ثم يصقلون مواهبهم بالعلم بالمال بالنفوذ الاميركي وبذلك يصلون إلى ذوق كل بلد في العالم... أميركا بكل هذه الامكانات وبكل هذه الأذواق جعلت من نفسها سيدة للفن في جميع أنحاء العالم.
أكرر أن الفنان الوافد إذا لم يشعر أننا ننظر إليه نظرة الغريب لكان هنا وطنه، فالوطن دائما هو موضع الرزق، ولما كان حذرا ولما توقع أن يجيء اليوم الذي سيترك فيه مصر ليعود إلى بلده، بل سيستثمر أمواله هنا في البلد الذي يعيش فيه ومنه، مثل اللبناني الذي يعيش في اميركا فإنه أميركي يعيش فيها ومنها... ويشتري الأرض والمزرعة والعقار هناك، لأنه أصبح اميركيا وأطمأن إلى أنه لا توجد قوة تخرجه من بلده الجديد.
ونحن كمصريين أليس أغلب أمهاتنا تركيات أو شركسيات أو سوريات أو ليبيات أو حبشيات أو سودانيات، وأجدادنا أليس فيهم التركي والشركسي والسوري وأجناس أخرى؟ ولاتزال حتى الآن عائلات بعضها في تركيا أو سورية أو ليبيا أو فلسطين إلى آخره... فلماذا لم يشعروا بالذي نشعر به الآن؟ لأنه لم تكن هذه النغمة موجودة في ذلك الوقت.
وعلى سبيل المثال أليس نجيب الريحاني عراقيا... وجورج أبيض لبنانيا... وروز اليوسف لبنانية... وأنور وجدي سورياً... ونجاة سورية... ومع ذلك لم تكن توجد هذه النغمة الممجوجة، عاشوا مصريين وماتوا مصريين.
علينا بدل أن يقيم الفنانون في مصر بفكرة احتمال العودة إلى بلدهم ويرسلون ما يكسبونه من أموال إلى بلادهم رسميا أو تهريبا، علينا أن نجعلهم يعيشون في مصر وتظل أموالهم التي كسبوها من مصر في مصر.

http://www.aljarida.com/news/index/2012713423/متى-يستثمر-الغرب-ألحاننا-العربية؟-
 
3





عدد من شاهدوا ما تقدم من الموضوع في الموقع القديم 1084
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رحلتي... أوراق محمد عبدالوهاب الخاصة جداً (الحلقة 4)
الموزّع تصنعه المعاهد والتلحين هبة الله



الجمعة 05 مارس 2010 - الساعة 00:01

1423149911_09_1263980947465872000_1.jpg

1423149911_2_1267623824002428600.jpg

1423149911_33_1267623913542432800.jpg

1423149911_48_1267624338732481500.jpg

1423149911_6_1267623562672415900.jpg

T+ | T-
أخبار ذات صلة
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة الأخيرة)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 9)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 8)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 7)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 6)
خلّف الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب وراءه أوراقاً خاصة، ومدونات في الحياة والسياسة والفن، كان قد كتبها على مراحل قبل وفاته. وبحسب قرينته السيدة نهلة القدسي، فإنه بدأ بكتابتها بعد زواجهما مباشرة. وبعد مضي ما يقرب من عشرين عاماً على رحيل الموسيقار المبدع، يتصدى الشاعر فاروق جويدة لهذه الأوراق، وبإيعاز من القدسي لتصدر في كتاب عن دار الشروق يحمل عنوان: "محمد عبدالوهاب: رحلتي الأوراق الخاصة جداً". يؤكد جويدة في تقديمه أن الكتاب ليس مذكرات شخصية، لأنه لم يبق من حياة عبدالوهاب ما لم يطلع الناس عليه، بل هو يحوي آراء سياسية حادة، وفنية جريئة وصريحة وقاطعة، وفيها تعرية لجوانب كثيرة من حياتنا، نخجل من الحديث المباشر عنها. ويقسم جويدة الكتاب إلى خمسة محاور أساسية، تدور حولها مجمل آراء عبدالوهاب. المحور الأول يتضمن رحلته الخاصة مع الفن وخواطره بشأن الموسيقى العربية والعلاقة بينها وبين الموسيقى الغربية، المحور الثاني يتعلق برحلة عبدالوهاب مع الناس، خاصة المشاهير منهم. أما المحور الثالث فهو مخصص لرحلة عبدالوهاب مع المرأة، وهي من أصعب الموضوعات لأنه عالجها بوضوح شديد، متطرقاً إلى الجنس والحب والزواج. المحور الرابع يحوي رحلة عبدالوهاب مع السياسة وآرائه في هذا الجانب. يتطرق المحور الخامس إلى آراء عبدالوهاب ومواقفه الحياتية بشكل عام.
"الجريدة" تقدم لقرائها في حلقات متتالية رحلة محمد عبدالوهاب كما وردت في أوراقه الخاصة.
يطرح عبدالوهاب في الحلقة الرابعة تساؤلاً بشأن إتقان الفنانين العرب «الهارموني» أو علم التوزيع، مشيراً إلى حشو الألحان العربية بجمل لحنية متعددة، مفصلاً في الوقت ذاته الحديث عن الآلات الموسيقية العربية، ومؤكداً أن الألحان التي تحوي أسئلة وأجوبة أكثر قدرة على إمتاع العقل والتحليق بخياله عالياً.



يوجد بيننا من يتساءل: لماذا لا يفعل الملحن العربي ما يفعله الملحنون في الغرب... ففي الغرب يوجد ملحنون لا يوزعون ألحانهم، بل يوزعها موزع آخر، فلماذا ننتقد ذلك إذا حدث في مصر؟
واقول... في الغرب يعيش الملحّن والموزع في بيئة واحدة ويسمعان الحانا واحدة، وحياتهما الاجتماعية واحدة، واحساسهما وشعورهما وتربيتهما واحدة، لذلك عندما يوزع احد الغربيين لحنا لآخر، فالشعور واحد والارتباط واحد.
أما نحن في مصر فالملحن العربي ذو الاحساس العربي منفصل عن اخيه الذي تعلم التوزيع الغربي... فنحن نعطي الحاننا لموزعين اجانب حتى ولو كانوا مصريين لم يؤمنوا بالبيئة العربية ولا بالمشاعر العربية ولا بالتراث العربي، وعندما نسمع توزيعهم لألحاننا نشعر بانفصالها عن اللحن الأصلي، لأن الموزع يريد اثبات علمه، فيحشوا الجملة اللحنية، «الورّات» لإبراز عضلاته العلمية بدون ايمان منه بما وراء هذا اللحن من عمق بيئة واحساس متفرد.
والموزع المقيم في مصر لم يندمج في بيئته المصرية وكل ما يسمعه هو الموسيقى الغربية، انه انسان ذهب الى اوروبا باختياره وربما عن طريق وساطة ولم يستمع الا الى موسيقى غربية، ولما حضر الى مصر ظل غربيا، اما الموزع والملحن الغربيان فيستمعان منذ طفولتهما الى موسيقى واحدة، هي موسيقاهما.
ولهذا لا يزال التوزيع الموسيقي في مصر عاجزا عن مهمته المثلى، فهنا نعتبر ان التوزيع تحلية الملحن الأصلي وليس جزءا منه.
وانا اعتبر ان التوزيع السليم جزء من اللحن، بحيث اذا حذف هذا التوزيع اشعر بان هناك نقصا ما، وان اللحن لم يتم بصورة كاملة.
وفي مصر يعتبرون اللحن مثل الشقة والتوزيع عبارة عن كرسي هنا وكرسي هناك، وفاز هنا وفاز هناك، وستارة دانتيل على الشباك.
وربما صارت الشقة أجمل لو أننا لم نحشر هذه الحليات في هذه الأماكن، ولذلك أريد أن يكون التوزيع عضوا من أعضاء جسم اللحن كجسم الإنسان.

التوزيع السليم

مثلا إذا فقد الإنسان رجله أو يده أو أنفه أو أذنه أو عينه يحس الناس أن الإنسان الذي أمامهم نقص فيه شيء ما، وهذا هو التوزيع السليم، يجب أن يكون استمرارا لجسم اللحن وتكوينه بحيث لو توقف التوزيع أحس بأن اللحن ليس لحنا كاملا، وهذا يرجع أيضا إلى تفكير الملحن عندما يلحن، فإذا فكر في اللحن ككل ولم يفصل الجملة الأساسية عن التوزيع. استمعنا إلى لحن لا ينفصل عن توزيعه، لحن له نسيج متماسك سليم.
والسبب في التجاء الملحن العربي إلى حشو لحنه بجمل لحنية متعددة وكثيرة هو عدم إدخال الهارموني أو علم التوزيع كما يقولون على الجملة اللحنية.
فمثلا لو أن هناك جملة أو جملتين أو ثلاثا عزفت كما تعزفها الآن الفرق العربية أي كل آلة تؤدي الجملة كما تؤديها الآلة الأخرى تماما، الكمان مثل القانون مثل الناي مثل الشيللو مثل العود كلها متشابهة، لو سمعنا هذه الجمل الثلاث مثلا وأعادوها ثلاث أو أربع أو خمس مرات لما استغرق سماعها، أكثر من دقيقتين أو ثلاثا على الأكثر، ثم بعد ذلك سنمل قطعا سماعها وهنا يلجأ الملحن إلى تغيير الجملة جملة أخرى... وأخرى ليستغرق الوقت المطلوب أو الذي تعود عليه المستمع.
وأما إذا دخل على هذه الجمل الثلاث علم الهارموني ففي كل مرة نسمع فيها هذه الجمل سيؤلف الموزع لها مصاحبة هارمونية في كل مرة نسمعها بحيث يُدخل في كل مرة حياة جديدة ودما جديدا وطعما جديدا بحيث إن الجمل الثلاث التي استغرق سماعها ثلاث دقائق عند عزفها بالطريقة العربية الموجودة الآن ممكن أن نسمعها بدون ملل لمدة ربع الساعة.

أسلوب وذوق

والتوزيع اسلوب وذوق في أوروبا فغالبا ما يقوم مؤلف الجملة أو الجمل التلحينية بتوزيع أعماله الموسيقية لأنه أقدر الناس على فهم ما يليق لعمله من علم الهارموني، ولذلك نرى أن أسلوب كل منهم واضح ونعرفه فورا، كالرحبانية مثلا لأنهم هم الذين يوزعون لألحانهم، لذلك نجد لهم أسلوبا نعرفه على الفور كأسلوب الأديب أو الكاتب المتميز.
أما في مصر فلا يوجد اسلوب واضح للتوزيع الموسيقي حيث يتغير الموزع مع كل لحن بسبب جهل المؤلف الأصلي بقواعد اللحن الهارموني، واضطرارنا لاختيار موزع يقوم بذلك في أغلب الحالات.
وسوف تظل الميلودية أو الجملة اللحنية التي يقوم الموزع بتوزيع لها هي الأصل، والدليل أنه يمكن لجملة موسيقية واحدة أن يوزع لها أكثر من توزيع من عشرات الموزعين وتظل الجملة اي الميلودية هي هي لا تتغير ومعنى هذا انها الاصل، ودليل آخر هو اننا اذا اضفنا الى جملة موسيقية توزيعا واردنا ان نسمع التوزيع بمفرده من غير الجملة الميلودية فلن يفهم السامع منها اي شيء فهي بالنسبة له سمك لبن تمر هندي.
وما دام اللحن الميلودي لا يمكن ان تمسه او تغير فيه فسيظل هو الاصل اما التوزيع فيمكن ان تغيره وتجمله ويمكن ايضا ان تفسده.
ويستطيع التوزيع ان يبرز محاسن اللحن تماما كصورة جميلة تختار لها بروازا او مكانا يبرز جمالها اي اطارا يزيدها حسنا ولكن اذا لم نجد البرواز ولا المكان فهل تختفي الصورة من الوجود، ابدا فالصورة هي الخلق الاصلي للعمل الفني والتوزيع علم يدرس بالمدارس وكل من تعلمه يمكن ان يضع توزيعا لجملة او جمل موسيقية كل يختار من العلم حسب ذوقه.
ولكن لا يمكن لكل من تعلم التوزيع ان يؤلف جملة ميلودية موسيقية او غنائية لان تأليف الجملة موهبة من عند الله يهبها لمن يشاء، اما التوزيع فعلم يمكن ان نتعلمه في اي مدرسة وفي متناول اي انسان، فاذا لم يهب الله لمن يتعلمون التوزيع هبة تأليف الجملة الموسيقية فسيظلون يتسكعون على ابواب الموهوبين لان ابداع الجملة الموسيقية موهبة، اما اضافة الهارموني للجملة فهو علم وتحصيل.
ومع تمسكي بأن على الموهوب ان يتعلم علم الهارموني حتى لا يضطر الى اعطاء لحنه لمن درس علم الهارموني، وقد يضع هارموني من غير فهم لمضمون الجملة اللحنية او انه يذهب بعيدا عن تصور وضع اللحن الاصلي أقول بالرغم من هذا فإنه توجد حقيقة لا حقيقة غيرها وهي انه يمكن لاي انسان ان يتعلم الهارموني، ولكن لا يمكن لاي انسان ان يبدع جملة موسيقية الا اذا اعطاه الله موهبة ذلك، والدليل على ذلك انه يوجد مئات المتعلمين والدارسين العلم الهارموني. ولكن ملحني الجملة الموسيقية او الغنائية يعدون على اصابع اليد الواحدة.
ولا يوجد ولا يسمع هارموني بدون ميلودي ولكن يوجد ويسمع ميلودي بدون هارموني. والميلودي او ما نسميه الجمل اللحنية لا تدرس في مدارس، لكنها هبة من الله تعالى، ولكن الهارموني يدرس في المدارس والمعاهد.
ولذلك فان التوزيع الموسيقي يجب ان يكون مجندا لخدمة ميلودي وليست الميلودية مجندة لخدمة التوزيع او علم الموسيقى وهذا يرجع الى شخصية الموزع ومبلغ الدفعة الشعورية التي يشعر بها الموزع نحو الميلودية او اللحن الاصلي، هناك اغنيات نجحت بتوزيع وبغير توزيع واغنيات اتعبها التوزيع وارهقها وغيّر من طابعها كل هذا يدل على مبلغ الشخصية الموزعة ومدى ثقافتها.

أصوات مختلفة

والهارموني اصوات مختلفة في مواقعها وبأزمان مختلفة، لكنها علم التآلف وتعزف في وقت واحد وهذه التركيبات رغم انها مختلفة لكنها نغمات جميلة. وكذلك آلات النقر عند الاوروبيين فإذا كان هناك مثلا اربع او خمس او ست آلات نقر، كل آلة تنقر في زمن يختلف عن الاخرى كل آلة لها مكانها المختار. ولا يشذ عنه بحكم التركيبة الموضوعة بحيث تعزف الآلات النقرية مع بعضها وتعطي معها شيئا بالرغم من هذا الاختلاف.
ونحن هنا لا نستعمل آلات النقر بصورة محددة فكل يستخدمها على "كيفه".
وبعد هذا كله يبقى الفارق وهو ان الملحن من صنع الله ، وان الموزع من صنع المعاهد.
الملحن هو الذي يخلق شيئا من العدم. والموزع هو الذي يستلهم من هذا الشيء ما يحتاج اليه او ما يضيفه لتجميله.
والملحن هو صانع الصورة والموزع هو صانع البرواز فلا يوجد صانع برواز قبل ان يوجد رسام الصورة، والموزع يجب ان يكون له ذوق ولكنه يختار مما تعلمه مما يزيد اللحن جمالا كبرواز الصورة تماما، اذا لم يكن لائقا بها يشوه جمالها، وتكون الصورة بدونه افضل.
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الارض قبل الانسان، فلولا الارض ما وجد الانسان ولا جاهد في الانتفاع بها، فاللحن هو الخلق الاول فهل يمكن للموزع ان يضع توزيعا بدون لحن؟ هذا مستحيل.
ولهذا انصح الفنانين العرب الذين يدرسون علم الهارموني في الخارج ان يغيّروا مفهوم ما تعلموه عندما يضعون توزيعا لموسيقانا العربية كمثل من يصنع بدلة لشخص معين ثم يلبسها شخص اخر قبل ان يجعلها صالحة لجسمه، وهذا ما يحدث في معظم الاحيان في توزيع الالحان العربية.
والميلودي او الجملة الاساسية في اي عمل موسيقي او غنائي هي كالوجه في جسم الانسان والهارموني للجملة الموسيقية هي كأعضاء الجسم فلا يمكن لإنسان ان يصادق اعضاء جسم ولكنه يصادق الوجه. فملامحه دائما في خاطره وهو شاشة العاطفة التي يتعرف الانسان منها على ما في صدر صاحبه.
فالإنسان لا يستغني باعضاء الجسم عن الوجه، كذلك الموسيقي لا يمكن لإنسان ان يستمع الى هارموني لجملة ويستغني بها عن الجملة التي وضع لها اللحن الهارموني، فالجملة الموسيقية غناء او موسيقى هي التعبير الواضح لاحساس من وضعها هي وتصادقه في العمل الموسيقي.
وفي بعض الحالات يمكن ان اعتبر التوزيع الموسيقي للحن الاصلي هو عملية خلق، فالذين تعلموا ودرسوا علم الهارموني على مستوى واحد من العلم والمعرفة. والكل يعرف تفاصيله مثل الآخر، ومع ذلك، اعطي جملة موسيقية لاحد الموزعين واعطي نفس الجملة لآخرين فأجد ان لكل منهم اسلوبا مميزا وكل منهم اختار من الهارموني ما لم يختره الآخر فكل منهم خلق من هذا العلم "التوليفة" التي تناسب هذه الجملة.
انه يخلق لهذه الجملة ما يناسبها باستعداده لخلق المناسب من هذا العلم الكبير بمعنى ان اختياره فيه خلق وذوق كالباحث الكيميائي الذي يخلق من الاعشاب الموجودة توليفة تعالج مرضا معينا. الاعشاب موجودة، ولكنه خلق من مزج بعضها ببعض دواء جديدا انه شيء من الخلق والابداع هكذا الهارموني "ذوق" و"ابداع".

مخاطبة العقل

ان الموسيقى المخاطبة للعقل تمنع الانسان لان الانسان عاطفة وعقل فإذا جمع الانسان بين الاثنين كان الكمال.
في تقديري انه اذا وقفت القيود والاصول بيني وبين فني وحالت دون ان اصل الى الاجمل والاجدد فأنا لا اعيرها اهتماما... ولا آخذ بها على الاطلاق.
وهناك فنان يتمتع بأجهزة اصلاح داخلية فهو ناقد ومعلم ويزداد خبرة على مر المزمن وفي داخله جهاز لتطوره كل هذا يجب فيه في رأسه في صدره، وفنانا آخر تجيء اجهزة الاصلاح هذه من خارجه فلابد لناقد ان ينقده لينتبه، ولابد له من استاذ ليتعلم منه ولابد له من شيء يوقظه ليتطور.
والفرق بين الاثنين كالفرق بين البحر و"البركة"، فالبحر هو الذي يصنع امواجه اما البركة فلابد لها من احد يقذفها دائما بالحجارة لتتحرك امواج لم لا تلبث ان تتلاشى.
والحقيقة انني لا اهتم في حياتي بأي تقييم أو إعجاب جماهيري لأي فنان بل كنت اهتم بالفنان الذي يشدني انا شخصيا، كنت اهتم به وأتابعه حتى اذا لم يحظ بأي اعجاب او تقدير من الجماهير.
ان الجمهور الآن يحن الى القديم من الغناء الموسيقي ويخيل لي ان من بين اسباب ذلك، حالة السخط الطبيعي الذي يتولد عند كل انسان على الواقع الموجود... الطبيعة البشرية تفرض السخط على الحياة الحاضرة مهما كانت. وهذا السخط يجر الانسان الى ان يتحسر على القديم فيحن اليه، لا يمكنه ان يعيش في المستقبل لأنه غير موجود وليست له معالم واضحة. واما القديم فله معالمه.
والعرب يهاجرون الان الى مصر للاستمتاع بها، ومشاهدة الفنانين وبالأخص سماع المطربين والمطربات المصريين، وكان المتعهد يقدم في بعض الاحيان مطربا عربيا ينتمي الى العرب الحاضرين تحية لهم، وهذه الفقرة الغنائية كانت تعتبر ثانوية ووجودها او غير وجودها لا قيمة له. والان انقلب الحال فأصبح المهاجرون العرب يقدم لهم المطربون غير المصريين كأساس للحفلة كطلال مداح ومحمد عبده. واصبحت الفقرات الغنائية من المصريين فقرات ثانوية وربما لا تكون.
والمتعهد لا يهتم بالحفلات ناجحة او غير ناجحة وايضا لا يهتم بمن يقدمه واخشى مع التعود وعدم وجود الدليل ان يتعود المصريون على هذا النوع من الغناء ونصبح مستودرين بعد ان كنا من الازل مصدرين.
وكثيرا ما أسال نفسي ما قيمة هذه اللحظة المؤثرة الممتعة للناس واقصد بها لحظة اقامة حفلة في التليفزيون او الراديو على الهواء. ما هو التأثير النفسي على الجمهور؟ انه يرى او يسمع حفلة لحظة ادائها لو اننا سجلنا هذه الحفلة اي حفلة كما هي او صورناها بالتليفزيون بكاملها. ثم اذعناها على الناس بعد ذلك والناس تعلم انها تسجيل فلن يهتم الجمهور، فلن يتمتع ولن يتأثر لأنها ليست اللحظة التي يريدها، لحظة الحضور، لحظة الاحساس والتفاعل بين الفنان والجمهور.
والفنان اكثر الناس تاثرا بالبيئة ويظهر هذا التأثر في فنه.
واذا غير الفنان بيئته وانتقل الى بيئة اخرى، ومكث فيها طويلا فإنه يتأثر بالبيئة الجديدة ويظهر ذلك في فنه يظهر فيه شيء جديد، ولو سألته عن هذا الجديد فإنه يعجز عن تفسيره.

سؤال وجواب

احب الالحان التي بها الاسئلة واجوبتها، اي ان توجد جملة تسأل ثم تجيبها جملة اخرى بجواب مقنع، مثل هذا الاسلوب من الالحان يمتع العقل ايضا فالفرق بين الانسان والحيوان هو العقل والعقل دائب السؤال ولا يرتاح الا بالاجابة المقنعة.
وهناك تساؤلات مادية وتساؤلات فوق المادية والاسئلة المادية يشترك فيها الانسان والحيوان فتساؤل الجوع جوابه الشبع.
وتساؤل الارهاق جوابه النوم.
وتساؤل الجنس جوابه الممارسة... كل هذا يشترك فيه الانسان مع الحيوان.
اما التساؤلات العقلية كالمعرفة في كل نواحيها فهي من خصائص الانسان وحده ولا يهدأ عن التساؤل ولا يرتاح الا بالاجابة المقنعة ايضا. في الموسيقى النوع الرفيع منها هو النوع الذي يحمل الجملة المتسائلة والجملة المجيبة المقنعة والمريحة.
والموسيقى الرفيعة هي التي تخاطب القلب والعقل لأنها اذا خاطبت القلب فقط سرعان ما ينساها مستمعها لان القلب اي العاطفة لها نزوات والعاطفة مذبذبة دائما في تغير والموسيقى التي تخاطب العاطفة اغلبها يخاطب الغرائز السطحية، وايضا تزول وتتغير كما تتغير هذه الغرائز.
اما العقل فهو الاستمرارية... التأمل... التفكير.
ولهذا تظل الموسيقى في العقل لان له ارشيفا يعبئ فيه ما يحبه ويتذكره كلما اراد، اما العاطفة فهي متغيرة يطير منها ما تحس به بمجرد ان تعيش لحظتها.


http://www.aljarida.com/news/index/2012713706/الموزّع-تصنعه-المعاهد-والتلحين-هبة-الله
 
«رحلتي»... أوراق محمد عبدالوهاب الخاصة جداً (الحلقة 5)
الموسيقى الغربية تخاطب العقل والشرقية تخاطب الغرائز



الأحد 07 مارس 2010 - الساعة 00:01

1423155406_27_1263980947465872000_1.jpg

1423155406_39_1267710499376692700.jpg

1423155406_51_1267710314646674400.jpg

1423155406_64_1267710443046691000.jpg

1423155406_8_1267710353346677400.jpg

T+ | T-
أخبار ذات صلة
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة الأخيرة)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 9)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 8)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 7)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 6)
خلّف الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب وراءه أوراقاً خاصة، ومدونات في الحياة والسياسة والفن، كان قد كتبها على مراحل قبل وفاته. وبحسب قرينته السيدة نهلة القدسي، فإنه بدأ في كتابتها بعد زواجهما مباشرة. وبعد مضي ما يقرب من عشرين عاماً على رحيل الموسيقار المبدع، يتصدى الشاعر فاروق جويدة لهذه الأوراق، وبإيعاز من القدسي لتصدر في كتاب عن دار الشروق يحمل عنوان: "محمد عبدالوهاب: رحلتي الأوراق الخاصة جداً". يؤكد جويدة في تقديمه أن الكتاب ليس مذكرات شخصية، لأنه لم يبق من حياة عبدالوهاب ما لم يطلع الناس عليه، بل هو يحوي آراء سياسية حادة، وفنية جريئة وصريحة وقاطعة، وفيها تعرية لجوانب كثيرة من حياتنا، نخجل من الحديث المباشر عنها. ويقسم جويدة الكتاب إلى خمسة محاور أساسية، تدور حولها مجمل آراء عبدالوهاب، المحور الأول يتضمن رحلته الخاصة مع الفن وخواطره بشأن الموسيقى العربية والعلاقة بينها وبين الموسيقى الغربية، المحور الثاني يتعلق برحلة عبدالوهاب مع الناس، خاصة المشاهير منهم. أما المحور الثالث فهو مخصص لرحلته مع المرأة، وهي من أصعب الموضوعات لأنه عالجها بوضوح شديد، متطرقاً إلى الجنس والحب والزواج. المحور الرابع يحوي رحلة عبدالوهاب مع السياسة وآراءه في هذا الجانب. ويتطرق المحور الخامس إلى آراء عبدالوهاب ومواقفه الحياتية بشكل عام.
"الجريدة" تقدم لقرائها في حلقات متتالية رحلة محمد عبدالوهاب كما وردت في أوراقه الخاصة.
في الحلقة الخامسة يؤكد عبدالوهاب أن الموسيقى الكلاسيكية الغربية تبعث على التأمل والمتابعة، وتخاطب العقل والإحساس معاً، وتجذب المستمع إليها، مشيراً إلى ضرورة تمسك الموسيقى العربية بهويتها المحلية، إذا ما أرادت الانطلاق والوصول إلى العالمية.



ان الالحان العربية منبثقة من اخلاقهم، فالخلق العربي ليس له خطوط واضحة فالأخلاق العربية تعتمد على المجاملة الكثيرة ذات اللف والدوران والزخرفة الكلامية، والفهلوة، وسرعة الخاطر وخفة الدم، والحس المادي، وكل هذا يتجلى في الحاننا، الزخرفة الصوتية المستمرة، زخرفة العازف، خصوصا "العزف المنفرد" حيث يلاحظ في عزفه "الرغي" المستمر في الجمل اللحنية، ومخاطبة الحس المادي ومخاطبة الحس الجسدي بتصفيق الأيدي وضرب الارض والارجل والصفير والزعيق. بعكس الالحان الغربية فإنها تحاكي اخلاقهم... الخطوط المضيئة، الاعمدة الواضحة، الاعتماد على اسس واضحة اكثر من التفاصيل. انها تشدك الى التفكير البعيد اكثر مما تشدك الى متعة اللحظة الحاضرة، وأعترف اننا بدأنا، ولكن امامنا الكثير لنغير خلقنا، فتتغير موسيقانا.
والفنان عندي هو الذي ينهار امام الجمال ولا يفكر في اي شيء دونه. فمثلا لو قتل شخص إنسانا هو أقرب الناس إليّ واحبهم لديّ، وذهبت لأقتله وكان هذا القاتل فنانا عازفا مثلا أو مطربا مثلا، وفوجئت أنه يؤدي فنه وأحسست بجمال تأديته وأقنعني، عند ذلك سأركع على قدميه أقبلهما اعجابا وحبا. هذا أولا، وثانيا.. وبعد ذلك فليفعل الله ما يشاء.
لقد دخل عليّ شاب طالب في مدرسة التجارة المتوسطة وقال لي: إنه يحب الغناء ويريد أن يكون مطربا، وإنه في خلاف مع أهله لأنهم لا يريدونه مطربا وسيضطر الى أن يتركهم إذا لم يوافقوا على أن يكون مطربا... فقلت له: اسمعني صوتك، فأسمعني، وإذا بصوته قبيح فأحسست بمسؤوليتي إذا أنا جاملته فسيترك أهله، ولا ينفع أن يكون مطربا، فقلت له: يا بني، الحقيقة أن صوتك قبيح ولا يصلح للغناء... فرد علي قائلا: معلهش الماكياج يصلح كل حاجة!

روز اليوسف

وأذكر أننا كنا نجتمع عند روزاليوسف وكان بيتها جلسة أدبية وسياسية اجتماعية يحضرها العقاد والمازني وحفني محمود التابعي وابراهيم المصري وغيرهم، وكان لنا صديق قديم لأولاد الذوات يذهب عندهم ويمتعهم بأساليبه، وكان مشهورا بمهارته في تقليد الشخصيات الكبيرة المعروفة في مصر، فهو يقلد حيدر باشا وحفني محمود والعقاد وتوفيق دياب وطلعت حرب وغيرهم، وكان يغني فقد كان عضوا في نادي الموسيقى، ولكن صوته لم يكن جميلا ورغم هذا كان يصر على الغناء لهم، والناس تقبل منه هذا لأن دمه كان خفيفا.
وذات يوم استدعته روزاليوسف وكان العقاد لم يره، ولكنه يسمع عنه ويعلم أنه يقلده، وحضر وقلد جميع الشخصيات المعروفة ومنهم العقاد بمهارة وخفة دم لدرجة ان العقاد كاد يغمى عليه من الضحك.
ثم فاجأنا الصديق بأنه استدعى ثلاثة عازفين يصاحبونه للغناء واراد ان يغني وجاملناه طبعا بالقبول والاستحسان، وغنى ولكن غناءه كان قبيحا، وبعد أن انتهى نظر اليه العقاد وقال له: يا أستاذ... قال للعقاد: نعم، وانتظر الصديق الثناء عليه وعلى صوته من العقاد، لكن العقاد قال له: يا أستاذ ما دمت بارعا بهذه الدرجة في التقليد، لماذا لا تختار مطربا جميل الصوت وتقلده!
والحقيقة أننا يمكن ان نقول فلان «مغني» أي انه يحترف الغناء وقد يكون مغنيا بارعا او مغنيا قوالا فقط، وهذا لا قيمة له أما إذا استعملت كلمة فلان مطرب، فهنا قد حددت مهنته وقدرته أي أنه «مغني» يطرب أي أنه «مغني» يملك من الاحساس والصدق ما يجعله يطربك.
لهذا فإن العمل الفني الجيد كائن حي لا يموت، وربما لا يحدث شيء وقت ولادته، ولكن انتظره فسوف يجيء دوره. والعمل الفني الجيد كإنسان عبقري ولد هو الآخر انتظره فسيجيء دوره في يوم من الايام. ولهذا أقول دائما اعثر على خاطر جميل... تضمن له البقاء.
يارب اغفر لي بقدر ما أحب فني.

العقل والغرائز

عندما أسمع موسيقى غربية أشعر أن الوقت ليس له قيمة عندي. وعندما أسمع موسيقى عربية، أو بمعنى آخر غناء عربيا أقول عندما أسمع الغناء العربي أشعر أن الوقت له قيمة عندي.
فعندما أسمع الموسيقى الغربية فأنا أمام عمل وبناء موسيقى هندسي معماري... فالجملة التي اختارها المؤلف لعمله الموسيقي أتابعها كيف لعب بها، كيف فكها، ثم جمعها، كيف احتفظ بملامح الجملة في كل العمل الذي أسمعه، كيف يفاجئني، كيف يرتفع بي، كيف يهبط، استمع وأنا مشدود ومأخوذ لذلك لا أحس بالوقت، الوقت لا قيمة له كأنني استمع إلى قصة وأشعر أنني مشدود لأن أعرف بدايتها ونهايتها.
وعندما أسمع غناء عربيا، فالجملة الواحدة تتردد عشر مرات أو عشرين مرة بنفس اللحن وبنفس الطريقة، لا جديد، لا علم، لا إضافة، لا هندسة، لا بناء، لا مفاجأة، عند ذلك أحس بالوقت وقيمته. اللهم إلا إذا كان يوجد صوت خارق القدرة فيضيف بعض التطريز الذي يشجعني على البقاء قليلا. هذا هو الفرق وما هو العلاج؟ أقول: العلم... العلم... العلم.
والموسيقى الكلاسيكية الغربية تبعث على التأمل والمتابعة وتخاطب العقل والإحساس معا ومعبرة وتشد المستمع إليها لتستبقيه معها، ولا ينسى المستمع أبدا وهو يسمعها أنه يسمع موسيقى تدفعه إلى التفكير والسمو.
والموسيقى الخفيفة مهدئة تبعث على الاسترخاء اللطيف، وكثيرا ما ينسى المستمع أنه يستمع إلى موسيقى، وربما تكلم مع زميل له أثناء عزفها، بعكس الموسيقى الكلاسيكية التي لا يمكن للمستمع أن ينشغل عنها بأي كلام.
أما موسيقى الجاز فهي تخاطب الجبلة البشرية الطينية وتخاطب الحركة الآلية في الإنسان، فإذا أردنا وصف الأفرع الثلاثة بإيجاز أقول: الكلاسيكية توقظك فتظل مستيقظا، تفكر وتسأل وتتابع ويدفعك الفضول إلى أن تسأل نفسك: ماذا يريد مؤلف هذه الموسيقى أن يقول؟ ترتفع معها وهي قوية وتنخفض معها وهي تهمس، تظل مصغيا لها.
أما الموسيقى الخفيفة فلا تعي إلا أنك تسمع موسيقى ذات جملة حلوة تريحك ويمكنك أن تنام وهي تعزف.
والجاز توقظك بلا تفكير ولا فعل ولا تأمل ولا تساؤل إنها موسيقى تحركك بلا هدف تحرك فيك النشاط والحياة الأرضية البشرية.
لقد تفنن الغرب في تلوين أصوات الآلات بحيث إنه لا يمكن ان تتشابه آلة مع آلة أخرى في طعم صوتها ولونها، حتى في الفصيلة الواحدة نجد هذا التباين، فمثلا فصيلة الوتريات صوت الكمان الرقيق العالي غير صوت الشللو الخشن وهو يشبه صوت العجل المذبوح غير صوت الباز بقوته. وفي جميع الآلات نجد هذا التباين. الأوبوا غير الكلارنيت غير الفلوت غير الترمبون غير الكرنو غير الترمبيت وهكذا.
هذه الآلات يكمل بعضها بعضا ولكن لكل آلة طعما ولونا مختلفا تماما عن طعم ولون الآلة الأخرى، وهذا يعطي فرصة ميسرة للملحن حين يمزج هذه الآلات ببعضها أن يعبر عن أي شيء، الغضب، الفرح، الحب، العاطفة، الهدوء، الرعب، لأن كل هذا موجود في هذه الآلات، والملحن بعلمه وذوقه يستطيع مزج بعضها مع البعض لإبراز ما يريد إبرازه من تعبير.

شخصية فريدة

نصل بهذا الى ان كل آلة موسيقية لها شخصية فريدة لا شبيه لها. وفي الاصوات البشرية نجد غير هذا تماما. فالاصوات البشرية دخلت في قالب واحد ولا يوجد غيره: النفَس... اخراج الصوت في قالب خاص او قناة واحدة بحيث تخرج متشابهة فيصعب علينا ان نفرق بين صوت وصوت خصوصا في الغناء الكلاسيكي الاوبرالي مثلا.
وعندنا في البلاد العربية اصوات المطربين والمطربات تشبه آلات الغرب الموسيقية كل صوت له طعم ولون وطريقة. وذبذبات ونبرات تختلف عن الصوت الآخر، وليس هذا نتيجة علم او قصد ولكن نتيجة عفوية. فكل مطرب او مطربة تغني كما تشاء وتتنفس كما تشاء وتخرج الالفاظ كما تشاء، وتستعمل نبراتها كما تشاء، لم يعلّمها احد اخراج الصوت او كيف تتنفس او استعمال النبرات، ولذلك يسهل علينا في لحظات ان نعرف من يغني او من تغني.
فمثلا صوت عبدالحليم غير صوت فريد، وصوت ام كلثوم غير صوت فيروز، وصوت نجاح سلام غير صوت وردة، وصوت فايزة احمد غير صوت شادية، وصوت محرم فؤاد غير صوت محمد قنديل.
في لحظة تعرف وتضع يدك على من يغني، فهذا قوي، وهذا ضعيف، وهذا رقيق، وهذا عنيف، وهذا مفرح، وهذا مشجي، وهذا له صوت ضيق، وهذا له صوت جهوري وكل منهم يتجاوز منطقة حدود صوته فنسمع صوته في بعض الجمل التي خارج حدود صوته، نسمع وكأنه صوت آخر. كل هذا جاء من العفوية من اللاعلم ومع ذلك اباركه، لانه اوجد لنا اصواتا مختلفة المذاق والالوان والطعم.
وربما كان الاعوجاج في اخراج حرف معين او خطأ في اخراج صوت يعطي لنا نبرة حلوة غير مطروقة.
انني افضل هذه العفوية الطبيعية على ان اسمع اصواتا دخلت في قالب واحد واخرجت في لون واحد كوجوه اليابانيين كالأشياء الجاهزة مثل الملابس والاحذية، وكرر، انني شخصيا ابارك احيانا العفوية والارتجال الذي يبدع لي ما لا يبدعه الفكر والقصد.
واللحن العربي يمكن الاضافة عليه والاختصار منه لأنه جملة او جمل موسيقية متشابكة او ما نسميه «الميلودية» وهذه الجمل تُعزف او تُغنى، الموسيقيون اي العازفين يعزفون نفس الجملة او الجمل مع المغني سواء بسواء، فلو اختُصر او أُضيف شيء اليه وليس هناك بناء متكامل سينهار.

أصوات مختلفة

اما الالحان الغربية «فالمليودية» اي الجمل او الجملة عندما تعزف وتغنى، فالعازفون لا يعزفون نفس الجملة بل يعزفون اصواتا مختلفة تماما عن اصوات الميلودية، اي ان الاصوات الاخرى المصاحبة للحن الاصلي هي ما يسمى بالهارموني منها، هذا العلم الواسع الذي يختار منه الملحن ما هو ملائم للحنه. ويُصاغ الهارموني بقيود وقوانين وعلم يستقل مع اللحن الاصلي فلكل نوتة مكانها بكل انضباط، بحيث اذا حدث اي تغيير في اللحن الاصلي او في اي لزمة انهار البناء الهارموني كله.
والملحن الاوروبي يضع اللحن ويصوغ له الصياغة الهارمونية ويكتبه. ومن يعزفه من جيله او من اجيال اخرى ملتزم بما كتبه الملحن لحنا هارمونيا، اما الالحان العربية او التراث كما نسميه فليس هناك كتابة لأن من يلحنون كانوا لا يعرفون كتابة النوتة.
فليس لهذه الألحان هارموني لأننا لانزال حتى في جيلنا الحاضر لا نستعمل الهارموني إلا نادرا، ولذلك يسهل على كل إنسان ان يغير في هذا التراث لأنه انتهى الينا بالرواية فكذب من يقول إن ما نغنيه الان هو من أدوار وتواشيح هي بالضبط ما لحنه صاحب هذه الألحان لأن كل مطرب يغنيها بذوقه الخاص ولا شيء يمنعه من أن يزيد أو يحذف أو يغير.
ولكن اللحن الاوروبي بناء مكون من جمل اساسية وتركيبات هارمونية تربط هذا البناء برباط لا يمكن العبث به إلا إذا اراد موسيقي أن يأخذ جملة كلاسيكية مثلا ويخضعها للون الجاري. عند ذلك فقط يمكن أن يضع لها اطارا آخر يختلف اختلافا كليا من حيث الايقاع والهارموني وما يزيده على الجملة من حليات ليدخلها في نطاق الشكل الجاري، ويُعتبر هذا الموسيقي صاحب فضل كبير في فكرة تقديم هذه الجملة بالشكل الجديد.

خطاب اللذة

والشرقي بطبعه «لذائذي» فموسيقاه تخاطب اللذة فيه، واللذة بمجرد ان تذوقها مرة أو مرتين تموت، واما الغربي فموسيقاه تُخاطب العقل، موسيقى منطقية موسيقى ممنطقة والعقل لا تموت متعته ابدا والموسيقى الغربية تحرص على السيمترية، ولكن في الوقت نفسه كسر هذه السيمترية بما لا يجعلها مملة كوجه الإنسان فقد أبدعه الله وأودع فيه سيمترية عجيبة فهذه عين وعين أخرى مقابلها وهذه اذن وأذن في الناحية الثانية وهذا حاجب، وحاجب آخر في الناحية المقابلة ثم يكسر الله سبحانه وتعالى هذه السيمترية بأنف واحد وفم واحد وجيد واحد. إنه ابداع ممتع ومعجز إنني أعتقد لو أننا مزجنا بين ما في احساس اللذة في موسيقانا الشرقية وبين علم وعقلانية ومنطق الغرب لحصلنا على موسيقى خرافية.
والعزف المنفرد على أية آلة متعة للمستمع بلاشك، وهي غالبا ما تكون عفوية، فالعزف مرتجل أو على الاقل هذا هو ما ينبغي ان يكون.
فأنا عندما اسمع العزف المنفرد اتتبع ذكاء العازف وسرعة البديهة وسرعة الخاطر، وكيف جمع كل هذا من جمل لحنية جميلة، ومع هذا فأنا لا استطيع ان اسمع العزف المنفرد طويلا ولا متكررا. بعكس العمل السيمفوني، فالعمل السيمفوني عمل فني متكامل نشعر فيه بالجمال والذكاء والتناسق البارع في علم الهارموني.
وأنا لا أمل عند سماعه في السيمفونية، حيث يرتفع بك ويهبط ويتوسط ويعطيك في أحيان جزءا من آلات، وفي أحيان أخرى يسمعك نصف الفرقة، وفي أحيان ثالثة الفرقة كلها بكل قوتها ثم يهبط بك رويدا رويدا حتى تصبح هذه الفرقة الكبيرة وكأنها تهمس همسا تحبس انفاسك لتسمعها ويعود ويرتفع بها ثم يعود ويقسمها. اظل هكذا استمتع بالجمال والذكاء.
وعندما استمع إلى سيمفونية اشعر كأنني استمع إلى ندوة من العلماء والأدباء والفلاسفة في حوار رائع فيه العلم والجمال والتأمل والفكر.
كل هذا يخاطب روحي وعقلي، ندوة على مستوى رفيع. وعندما أسمع العزف المنفرد أشعر كأنني استمع إلى خطيب، فالخطيب مهما كان بليغا فلابد لي بعد فترة غير طويلة من أن أتمنى أن يسكت.
ولأضرب مثلا بفننا نحن في الغناء، فقد يكون هناك مطرب مشهور بغناء الموال، فمهما كان هذا المطرب محبوبا، فالموال هنا كالعزف المنفرد يعتمد على الارتجال والعفوية. أقول مهما كان محبوبا فإنه لا يستطيع أن يأخذ من الزمن المحدد له في ليلته أكثر من 20 في المئة وباقي الزمن يغني فيه دورا أو مونولوجا، أي أنه لابد أن ينتقل بالسامع إلى عمل فيه دراسة.
هذا هو الفرق بين الخطيب البليغ الذي يخطب بعفوية وارتجال يحرك في أغلب الأحيان المشاعر وليس المشاعر والعقل معا. وبين ندوة تستمتع فيها بالعلم... والبراعة والجمال.

موسيقانا والعالمية

الموسيقى الغربية الكلاسيكية هي تشريح للنفس البشرية، لقد شرح الجراحون جسم الإنسان ليتعرفوا على أعضاء الجسم المذهلة وما تقوم به من مهام خلقها الله تعالى لها. أما تشريح النفس البشرية وما فيها من متناقضات غضب ورضا، عنف ورقة، تفكير وتأمل، وجدان، ضمير، شذوذ... إلى آخر هذه الصفات المذهلة التي يشرحها ويعبر عنها الفن، وهذا واضح في الموسيقى الكلاسيكية إنها تشريح عجيب جميل وذكي، عميق لما في داخل الإنسان من متناقضات غريبة متغيرة، إني أحس بهذا عندما استمع إلى الموسيقى الغربية.
لا أرى علاقة مطلقا بين الحركات الثلاث في السيمفونية كل حركة منفصلة تماما عن الأخرى، ولقد قرأت أن السيمفونية هكذا لأن الملحن في السابق كان يكتب السيمفونية لتعزف في قصور الأمراء، ولذلك كان الملحن يقسمها على نظام الحفلة، فالحركة الأولى يسمعها الحاضرون فيجب ان تكون هادئة، ويكتب الحركة الثانية سريعة ليرقصوا ويكتب الحركة الثالثة عندما يدخلون للطعام.
هكذا قسمت الحركات ليس لاسباب فنية ولكن للضرورة إلى أن جاء بيتهوفن ولم يعبأ بهذا وجعل السيمفونية من حركة واحدة حتى أنهم سموا ذلك العهد بعهد بيتهوفن.
من أجل أن تجعل موسيقاك عالمية، أي أن تجد لها جمهورا في أوروبا يجب أن تتمسك أولا بمحليتك، أي أن تذهب وأنت مصري الموسيقى، فمثلا إذا ذهبت إلى ألمانيا ومعك موسيقى أوروبية فلن يلتفت إليك أحد، أما إذا ذهبت بموسيقى مصرية متطورة فسوف تجد لها صدى جميلا هناك، فكن محليا من أجل أن تكون عالميا.
إن البعض منا يتساءل متى تكون موسيقانا عالمية؟
وهذه الكلمة لا قيمة لها إلا إذا فهمنا أن الغناء أو الصوت البشري ما هو إلا فرع من فروع هذا الفن الضخم الموسيقى.
في أوروبا عندما تظهر أغنية بالانكليزية مثلا، وتكون موسيقاها وتركيبها واطارها وجمالها ذات قيمة يحذفون الكلام ويوضعون عليه كلاما آخر بأي لغة أخرى، أو تسمع الموسيقى من غير كلام... ما معنى هذا... معناه أن الموسيقى هي الأساس.



http://www.aljarida.com/news/index/2012713818/الموسيقى-الغربية-تخاطب-العقل-والشرقية-تخاطب-الغرائز
 
«رحلتي»... أوراق محمد عبدالوهاب الخاصة جداً (الحلقة 6)
طلعت حرب رائد الصناعة... ودرويش مبتكر «التعبيري»



الاثنين 08 مارس 2010 - الساعة 00:01

1423233239_32_1267889108263891000.jpg

1423233239_51_1263980947465872000_1.jpg

1423233239_63_1267888814183860200.jpg

1423233239_76_1267888287893823000.jpg

1423233239_9_1267961734176605700.jpg

T+ | T-
أخبار ذات صلة
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة الأخيرة)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 9)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 8)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 7)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 6)
خلّف الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب وراءه أوراقاً خاصة، ومدونات في الحياة والسياسة والفن، كان قد كتبها على مراحل قبل وفاته. وبحسب قرينته السيدة نهلة القدسي، فإنه بدأ في كتابتها بعد زواجهما مباشرة. وبعد مضي ما يقرب من عشرين عاماً على رحيل الموسيقار المبدع، يتصدى الشاعر فاروق جويدة لهذه الأوراق، وبإيعاز من القدسي لتصدر في كتاب عن دار الشروق يحمل عنوان: "محمد عبدالوهاب: رحلتي الأوراق الخاصة جداً". يؤكد جويدة في تقديمه أن الكتاب ليس مذكرات شخصية، لأنه لم يبق من حياة عبدالوهاب ما لم يطلع الناس عليه، بل هو يحوي آراء سياسية حادة، وفنية جريئة وصريحة وقاطعة، وفيها تعرية لجوانب كثيرة من حياتنا، نخجل من الحديث المباشر عنها. ويقسم جويدة الكتاب إلى خمسة محاور أساسية، تدور حولها مجمل آراء عبدالوهاب، المحور الأول يتضمن رحلته الخاصة مع الفن وخواطره بشأن الموسيقى العربية والعلاقة بينها وبين الموسيقى الغربية، المحور الثاني يتعلق برحلة عبدالوهاب مع الناس، خاصة المشاهير منهم. أما المحور الثالث فهو مخصص لرحلته مع المرأة، وهي من أصعب الموضوعات لأنه عالجها بوضوح شديد، متطرقاً إلى الجنس والحب والزواج، المحور الرابع يحوي رحلة عبدالوهاب مع السياسة وآراءه في هذا الجانب. ويتطرق المحور الخامس إلى آراء عبدالوهاب ومواقفه الحياتية بشكل عام. "الجريدة" تقدم لقرائها في حلقات متتالية رحلة محمد عبدالوهاب كما وردت في أوراقه الخاصة.
تستعرض الحلقة السادسة جوانب خاصة من رحلة عبدالوهاب مع الناس، وعلاقاته مع كبار الشخصيات السياسية والاقتصادية والفنية في مصر، مثل طلعت حرب رائد الصناعة المصرية ورجل الاقتصاد الأول، وكذلك الاقتصادي البارز النقراشي باشا. تأتي هذه الرحلة على هيئة قصص ومواقف شخصية طريفة، وذات بُعد اجتماعي معبر، كما يعبر عبدالوهاب بصدق عن رأيه في أم كلثوم، وأحمد شوقي وسيد درويش، وغيرهم من الشخصيات الثقافية البارزة آنذاك.



طلعت حرب هو أول من وضع الأسس الاقتصادية للصناعة في مصر.
وهو أول من أنشأ بنك مصر وكان لا يوجد في مصر إلا بنوك أجنبية، وكان المصريون لا يودعون أموالهم إلا في بنوك أجنبية... وكان لشخصية طلعت حرب البارزة الفضل في نجاح كل عمل قام به.
كان الرجل صادقاً لا يكذب، شجاعاً، ذكياً، عاقلاً، دعكته الخبرة وأصقلته التجارب.
وكان تكوينه الخلقي وسلوكه يبعث على الاحترام والخوف.
وقد قال لي زوج ابنته "محمد رشدي" بالحرف الواحد: أنا متزوج ابنة طلعت حرب منذ عشرين سنة، وللآن عندما أقابل طلعت حرب أخاف مقابلته وأخشاها كأني سأراه لأول مرة.
وعندما كنت أزوره في مكتبه بالصدفة في البنك ويُعرض عليه تقرير أو خطاب ألاحظ أنه لا يقرأه كما يقرأ الناس من اليمين إلى الشمال.
أي كل سطر بسطره، بل كان ينظر إليه من أعلى إلى أسفل وفي لحظات يكون قد وعي كل ما احتواه الخطاب أو التقرير.
وكان نافذ البصيرة بدرجة أنني كنت أتصور أنه وهو جالس في مكتبه ينظر أمامه على حائط الغرفة فأتخيل أنه نفذ ببصره مخترقا الحائط ورأى الموظفين في البنك وماذا يفعلون.
وقد استغل بذكائه الروح الوطنية التي بعثها سعد زغلول في الأمة المصرية وانشأ البنك مستغلا حماس المصريين نحو كل عمل مصري.

مصري صميم

ولم ينتسب طلعت حرب إلى أي حزب، كما لم يصادق ابدا احدا من البارزين في الأحزاب السياسية حتى لا يأخذ حزب آخر هذه الصداقة ذريعة للنيل من مشاريعه.
وكان مصريا صميما مع أنه تربى في بيوت الارستقراطية المصرية البعيدة عن المصرية.
وكنت أزوره مع شوقي في الغرفة المخصصة له في مسرح الأزبكية ـ هو الذي أقام هذا المسرح ـ كنت أذهب مع شوقي في التاسعة مساء لزيارة طلعت حرب، وهذه الغرفة كان يتناول فيها العشاء ليلاً مع اصدقائه الخاصين جدا، وكان لا يحب إلا الأكل الشعبي مثل الفول المدمس والطعمية والعجة والجرجير والكرات.
وكنا كثيرا ما نتناول العشاء معه في غرفته "كباب" من عند الحاتي... وكان يحلى بالبسبوسة أو بالحمصية والسمسمية أي حلاوة المولد وكان طلعت حرب يكره الكذب كرها شديدا...
وأذكر أنه في الحرب العالمية الثانية خاف الناس على أموالهم بسبب قرب الألمان من الاسكندرية، وسحبوا اموالهم من البنوك وكنت وقتها أودع في بنك مصر كل ثروتي وكانت أربعين ألف جنيه.
وانتهزت فرصة سفر طلعت حرب للاسكندرية، وذهبت إلى البنك وسحبت الأربعين الف جنيه، وأحضرت قماشا طويلا ووضعت النقود رزما رزما وخيطت عليها شبه حزام، وأحضرت أخي الشيخ حسن وألبسته هذا الحزام واشترطت عليه بألا يركب تاكسي... وإذا أراد الانتقال إلى أي مكان ارسل له سيارتي، ونصحته ألا يقلع الحزام أبدا... وينام به... ويصلي به... وبعد ثلاثة أيام كلمني الشيخ حسن وقال لي: "محمد... أنا حاموت من فلوسك لا عارف أنام ولا عارف أخرج... تعال يا أخي وخلصني من المصيبة دي".
وبعد اسبوع كلمني سيد كامل سكرتير بنك مصر وقال لي: إن الباشا يريد رؤيتك، فذهبت إلى البنك معتقدا أن الباشا سيكلفني بعمل فني في افتتاح مشروع من مشاريعه، وكان قد سبق لي أن غنيت أغنية في افتتاح البنك وأغنية في افتتاح بواخر الحج.
فذهبت ودخلت على طلعت حرب، وكان مشغولا بإمضاء بعض الأوراق وبعد قليل نظر إلي وقال لي: محمد قلت له أفندم يا باشا... قال: أنت في اليوم الفلاني الساعة كذا حضرت وسحبت أموالك من هنا، أين هي؟ وفي لحظة تذكرت أنه يكره الكذب، وأنني لو كذبت فلن أراه إلى الأبد.
فقلت: إن النقود عندي... فقال: ولماذا سحبت النقود؟ قلت: علمت بأن الألمان إذا دخلوا القاهرة سيسطون على أموالنا.
فقال لي: محمد... قلت له: أفندم يا باشا... قال: بكره الفلوس ترجع البنك: قلت: حاضر يا باشا. وفعلا أعدتها الى البنك في اليوم التالي.
وذات شتاء كان طلعت حرب باشا يستجم في حلوان يستمتع بدفئها ونظافة جوها. وفي هذه الفترة توثقت صلته بأحمد سالم الممثل المعروف وعينه مديرا "لاستوديو مصر" وكان هذا المنصب في ذلك الوقت هاما ويتطلع إليه من هم أكفأ من أحمد سالم.

فول مدمس

وكان أحمد سالم يذهب كل صباح إلى حلوان في الثامنة صباحا ويفطر مع الباشا ثم يذهب إلى الاستديو في الحادية عشرة حتى المساء.
وفي يوم من الأيام وهو يتناول الإفطار مع الباشا قال له الباشا: "أحمد... بكره وأنت جاي الصبح هات معاك فول مدمس من عند أبوظريفة" وكان أبوظريفة أشهر من يبيع الفول. قال له أحمد: حاضر ياباشا، وثاني يوم حضر أحمد سالم ونسي أن يحضر معه الفول ودخل على الباشا وقال له: صباح الخير يا باشا، فبادره الباشا سائلا: أحضرت الفول يا أحمد، قال أيوه يا باشا ثم تسلل إلى خارج الغرفة واعطى جنيها لأحد الخدم وقال له بسرعة اشتري فول من أقرب دكان، ورجع أحمد إلى الباشا وقال له الباشا: أين الفول؟ فقال: "بيوضبوه" يا باشا... وانتظر خمس دقائق ثم عشرا ثم ربع ساعة والباشا يسأل عن فول أبوظريفة وأخيرا حضر الفطور وبه الفول ثم ذاق الباشا الفول فلم يجد فيه جودة فول أبوظريفة التي يعرفها... فقال لأحمد: الفول ده من أبوظريفة؟ فقال أحمد: أيوة يا باشا، وأكل ثم تبين للباشا بعد يوم أن أحمد سالم كذب عليه. وأحضر الفول من حلوان، وليس من عند أبوظريفة... وبعد يومين كان أحمد سالم مطرودا من استوديو مصر، وحاول أحمد بكل الوسائل أن يسترد ثقة طلعت حرب فلم يفلح.
تذكرت هذا الذي جرى بين طلعت حرب وأحمد سالم وكراهية طلعت حرب للكذب، وأنا أقرأ حكمة لسيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول فيها:
الكذاب والميت سواء. وذلك لأن فضل الحي على الميت هو الثقة به فإذا ضاعت هذه الثقة فهو ميت.
ولقد رأيت طلعت حرب في المحلة الكبرى يحضر مجلس ادارة لشركة النسيج، وكان فيها مدحت يكن وعلي ماهر. لقد رأيتهم وكأنهم يجلسون امام مدرس يأمرهم ويوافقون رغم أنه كان زميلا لهم.

النقراشي باشا ومدرسة الحياة...

من يجعل الحياة مدرسته عليه أن يكون دائما يقظا ملاحظا لكل همسة... تعليقة... سُخرية... حوار... حادث، ففي كل هذا تعليم له ومدرسة حتى سلوكه أخلاقه يمكنه أن يرتفع بهما من خلال يقظته وملاحظاته، وقد حدث يوما أن جاءني زوج عمتي في الاربعينيات وهو من مركز أبوكبير. وأخبرني أنه اقترض على أطيانه من بنك التسليف الزراعي مبلغا. وكان اسماعيل صدقي قد أنشأ هذا البنك ليقرض الفلاحين ضمانا لخدمة أراضيهم وعملا على زيادة الانتاج، وحتى لا يضطروا إلى بيع اراضيهم إذا ساءت اسعار المحاصيل الزراعية.
قال لي زوج عمتي إنه تأخر في دفع ما عليه للبنك شهرين ثم دفع ما عليه منذ اربعة ايام ثم عاد الى البنك لتجديد السلفة، ولكن البنك رفض ذلك بحجة انه لم يلتزم بدفع ما عليه في مواعيد السداد المحددة، ورجاني ان اكلم النقراشي باشا وكان وزير المالية بالنيابة في ذلك الوقت.
وكان النقراشي صديقا حميما لي فقد عرفته مع صفوة المفكرين والسياسيين والادباء عندما كانوا يجتمعون في مقهى سولت مع شوقي.
والنقراشي رجل جاد... "دوغري" صريح، شجاع، وطني.
وذهبت في اليوم التالي الى وزارة المالية فوجدت النقراشي في اجتماع وهممت بالعودة ولكن مدير مكتبه قال لي سأرسل له ورقة في الاجتماع بوجودك وارسل له الورقة فجاءه الرد بأن اذهب الى حجرة مجاورة لحجرة الاجتماع ليراني فيها. وذهبت الى الحجرة وانتظرت دقيقة ثم فتح الباب ودخل النقراشي وقال لي: ايه يا محمد خير ايه اللي جابك، فرويت له المسألة ملخصة في ان زوج عمتي تأخر شهرين عن سداد قرض ثم دفع ما عليه من اربعة ايام ويريد التجديد والبنك يرفض ذلك.
واردت وانا اروي له الحكاية ان اطمئنه فقلت له: يمكنك يا باشا ان تأمر مدير مكتبك ان يتصل بالبنك ليتأكد من ان زوج عمتي دفع ما عليه للبنك فنظر الي النقراشي وكأنه ينفذ الي والى صدقي والى ضميري وقال: انت مش بتقول انه دفع، فقلت له ايوه فقال خلاص وضرب الجرس وقال لمدير المكتب اطلب بنك التسليف واطلب منه ان ينفذ ما يقوله عبدالوهاب ثم عاد الى الاجتماع.
واحسست ان الدنيا تدور بي ورجلي "لخلخت" وان النقراشي عندما قال لي انت بتقول ان زوج عمتك دفع كأنه يقول لي انا لا اعرف زوج عمتك، ولكن اعرفك انت والمفروض انك لا تكذب ولا تقول شيئا غير متأكد منه وليس من الخلق ان تنقل كالببغاء دون ان تتأكد مما تقول. كانت عيناه تقولان كل هذا وذهبت الى البنك لأتاكد بنفسي من ان الرجل قد دفع ما عليه وفكرت كيف اقابل النقراشي اذا كان الرجل لم يدفع وصلت البنك وتأكدت من انه دفع فعلا وحمدت الله وتعلمت من ذلك الوقت الا اروي شيئا الا اذا تأكدت تماما من صحته.

أحمد شوقي أعظم الشعراء

سألت مرة امير الشعراء احمد شوقي لماذا انت اعظم شاعر عرفه العرب؟ فقال: اولا هي الموهبة قلت: ثانيا قال لأنني حصلت على شهادة ليسانس الحقوق قلت: وما علاقة الحقوق بالشعر قال: الشعر موهبة ومنطق والقانون منطق ولم افهم ما قاله شوقي حتى الآن.
كان شوقي يقول لي دائما: اذا كنت بتحبني غني لي شعري وقرأت قولا للمتنبي يقول فيه: لن استريح حتى يُكنس بشعري وسألوه: ماذا تقصد بقولك يكنس بشعري؟ فقال: ان ينتشر شعري لدرجة ان الكناس وهو يكنس الشوارع يتغنى بشعري ويردده مع الناس.

سيد درويش الفكر والثورة

يخطئ من يتصور ان سيد درويش اغنية او لحن. إن سيد درويش فكر... تطور.. ثورة. فسيد درويش هو الذي جعلني استمتع عند سماعي الغناء بحسي وعقلي. بعد ان كنت قبله استمتع بحسي فقط. انه فكرة العصر التي لولاها لما لحن الملحنون بالاسلوب الذي يلحنون به الآن ولا ننسى انه اول من ادخل اللهجة المسرحية السليمة الحقيقية للأعمال الغنائية المسرحية.
من افضال الشيخ سيد درويش على الالحان العربية انه ادخل الاسلوب التعبيري في ألحانه حتى في الادوار التقليدية الكلاسيكية التي لحنها... ويظهر هذا جيدا في ادواره الثلاثة التي لحنها في المسارح الغنائية وهذا يدل على انه بفطرته تعبيري وبطبيعته مسرحي والمسرح هو المكان الطبيعي للتعبير.
ومن افضاله ايضا انه كسر المقامات المتجاورة في لحنه. فقبل الشيخ سيد كان الملحن يتحسس المقامات، اي يحوم حول مقامات النغمة مقاما مقاما، ولا يجرؤ على ان يقفز من مقام الى مقام على مسافة بعيدة خوفا من الضياع او من النشاز، واذا قفز فإنه يقفز في حدود المقامات المعدة لها اذن المستمع. كالثالث او الخامس او "جوام" النغمة مثلا. فجاء الشيخ سيد وقفز قفزات غير موجودة في اذن المستمع ولا هو مهيأ لها، وكأنه بذلك يريد ان "يلطش" المستمع.
ويقول له تنبه وتتبع لما اسمعك اياه ويظهر هذا جيدا في الآهات الموجودة في دور "ضيعت مستقبل حياتي".
وكان الملحنون قبل سيد درويش لا يفكرون كثيرا في التعبير باللحن عن معنى الكلمة، فربما تسمع لحنا حزينا على كلام بهجة وفرح. وربما تسمع لحنا مفرحا على كلام قاتم وحزين، لان الغرض كان الطرب وابراز مواهب المؤدي من قدرات صوتية. وكان الغناء وهو متعة حسية فطرية قبل ان يكون متعة عقلية، كان الغناء والكأس والليل هي كل شيء. متعة حسية وطرب بالفطرة وجمال لحني.
سيد درويش له افضال كثيرة على كل ألوان الغناء من توشيح ودور واغنية خفيفة واغنية شعبية ومسرح وكان مفهوم الدور او الغناء انه تكملة للسهرة الحلوة من شراب ومزة.
وكان الدور يجب ان يكون فيه البهجة والظرف وكفى، فنجد مثلا حوارا بين المغني والمرددين مثل سيدي يا ملك عيني يا ملك ومثل زعلان ليه كده كده زعلان والعجب العجب وكل هذه الجمل ملحنة بكل الهيصة والرتم الراقص حتى لو كان الكلام حزينا مثل زعلان ليه.
وجاء سيد درويش وخلع على الدور نوعا من الدراما. والدراما شجن والم، وشوقي قال: أنْبَغ ما في الحياة الألم، والألم جدية ومعاناة، ولذلك نسمع ادوار الشيخ سيد درويش مثل "انا هويت". و"ضيعت مستقبل حياتي" فتحس بالجدية والتفكير والتعبير عن الكلمة بما يتفق ومعنى الكلام بالموسيقى والمعاناة ثم نجده في التواشيح ايضا فذا ومبدعا.
لقد ابتكر ضربا وايقاعا جديدا لم يعرف من قبل، وهذا الايقاع سماه "فكرتي" وهو عبارة عن السماعي الثقيل زائد بلانش اي ان السماعي الثقيل عشرة 8 من 8 وفكرتي 11 من 8 ولحن عليه كلاما مطلعه "حبي دعاني" وفي الاغاني الشعبية نجده فذا فلا يوجد لحن له لم يغنه الشعب، وفي المسرح وجد الارض التي يريدها والتي يحبها وهو الاسلوب التعبيري وقد تألق فيه وكان رائدا له.

أم كلثوم وزعامة الصوت

من اهم مزايا ام كلثوم زعامة الصوت، فالصوت كالمظهر الشكلي للإنسان.
احيانا يدخل عليك شخص فتجد في قوامه وارتفاع هامته وسمات وجهه ما يأخذك ويجعلك تحترمه وتجله. وصوت ام كلثوم يتمتع بهذه الصفات.
ومن مزاياها ايضا تقديسها لفنها والمحافظة عليه فهي بذكائها تشعر بأنه لا يمكن المحافظة على فنها الا بالاستقامة في حياتها الخاصة فهي تنام مبكرا ولا تقابل اي شخص الا اذا كان هناك عمل ولا تهتم بالزيارات الخاصة الا بما يحتم عليها الواجب.
وبالرغم من اشتهائها لبعض ما يتمتع به الانسان العادي فإن ارداتها كانت اكبر من كل مظاهر الاشتهاء.
ولقد كان غياب ام كلثوم سببا في هبوط مستوى الألحان خصوصا بين الناشئين من الملحنين وملحني الدرجة الثانية لأن ام كلثوم كانت املا لهؤلاء جميعا كانت هدفا يريدون الوصول اليه، فأم كلثوم غنت للسنباطي وهو ناشئ وغنت لبليغ وهو ناشئ وغنت لسيد مكاوي وهذا كل امله.
كل هؤلاء وغيرهم كانوا لا يطمعون في شيء اكثر من عرض اعمالهم في "المع" فاترينة واكثرها انتشارا على العالم، وهي ام كلثوم وحتى غيرهم من الملحنين كانوا يتنافسون الى الاجود لأن التي تغني لهم ام كلثوم الصوت الذي ينتظره مئة مليون شخص.
وبعد جنازة ام كلثوم وفريد الأطرش وعبدالحليم ادركت ان الجماهير كفرت بالزعامة السياسية واتجهت الى الزعامة الفنية في مصر.


http://www.aljarida.com/news/index/2012713993/طلعت-حرب-رائد-الصناعة...-ودرويش-مبتكر-«التعبيري»
 
رحلتي... أوراق محمد عبدالوهاب الخاصة جداً (الحلقة 7)
قصبجي الملحن الثائر... والسنباطي صدق الإبداع الفني



الثلاثاء 09 مارس 2010 - الساعة 00:00
T+ | T-
أخبار ذات صلة
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة الأخيرة)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 9)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 8)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 7)
من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 6)

خلّف الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب وراءه أوراقاً خاصة، ومدونات في الحياة والسياسة والفن، كان قد كتبها على مراحل قبل وفاته. وبحسب قرينته السيدة نهلة القدسي، فإنه بدأ في كتابتها بعد زواجهما مباشرة. وبعد مضي ما يقرب من عشرين عاماً على رحيل الموسيقار المبدع، يتصدى الشاعر فاروق جويدة لهذه الأوراق، وبإيعاز من القدسي لتصدر في كتاب عن دار الشروق يحمل عنوان: «محمد عبدالوهاب: رحلتي الأوراق الخاصة جداً». يؤكد جويدة في تقديمه أن الكتاب ليس مذكرات شخصية، لأنه لم يبق من حياة عبدالوهاب ما لم يطلع الناس عليه، بل هو يحوي آراء سياسية حادة، وفنية جريئة وصريحة وقاطعة، وفيها تعرية لجوانب كثيرة من حياتنا، نخجل من الحديث المباشر عنها. ويقسم جويدة الكتاب إلى خمسة محاور أساسية، تدور حولها مجمل آراء عبدالوهاب. المحور الأول يتضمن رحلته الخاصة مع الفن وخواطره بشأن الموسيقى العربية والعلاقة بينها وبين الموسيقى الغربية، المحور الثاني يتعلق برحلة عبدالوهاب مع الناس، خاصة المشاهير منهم. وأما المحور الثالث فهو مخصص لرحلة عبدالوهاب مع المرأة، وهي من أصعب الموضوعات لأنه عالجها بوضوح شديد، متطرقاً إلى الجنس والحب والزواج. المحور الرابع يحوي رحلة عبدالوهاب مع السياسة وآراءه في هذا الجانب. ويتطرق المحور الخامس إلى آراء عبدالوهاب ومواقفه الحياتية بشكل عام.


»الجريدة» تقدم لقرائها في حلقات متتالية رحلة محمد عبدالوهاب كما وردت في أوراقه الخاصة.


في الحلقة السابعة يكشف عبدالوهاب عن جوانب خاصة وملامح فنية في إبداعات عدد من الموسيقيين مثل محمد القصبجي ورياض السنباطي، كما يتحدث عن شخصيات أدبية وفكرية من بينها الأديب الروائي نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، وكذلك الصحافيان البارزان مصطفى أمين ومحمد حسنين هيكل.


كان القصبحي مفكرا اكثر منه طروبا وكان ثائرا اكثر منه جميلا، وقبل هذا كله كان رائدا.


واول ثورته كانت على السلاح الذي يقبض عليه بيده وهو عوده، فقد ابتدع القصبجي اسلوبا جديدا على العود، في ايامه كان يسمع كثيرا للموسيقى التركية واليونانية والارمنية والأوروبية ويحفظ بعضها ويعزفها على عوده فتولد عند مزيج غريب فيه كل هذه الأساليب مع اسلوبه التركي الاصلي فبهر المستمعين بعزفه. ولاول مرة كان يُسمع العود من القصبجي كالمطرب تماما، وقد زحف بيده الشمال الى اليد التي تعفق الأوتار وصعد بها على الوتر في الوقت الذي كان عازف العود يضع يده الشمال على رقبة جامدة لا تتحرك فيها الا اصابع على الاوتار، اما اليد ذاتها فانها كانت كالحجر لا تتحرك.


واحيانا يضرب على مقام ومقام آخر معا كالثالث او الرابع حسب امكانية اصابعه، الامر الذي كان لا يُعرف في ذلك الوقت فقد كانت اليد الشمال في ذلك الوقت جامدة لا تتحرك ومتشنجة على رقبة العود، بدرجة ان العواد عندما كان يعزف على الاوتار العليا ثم يعفق بأصابعه الى ان يصل الى جواب الحركة ويريد ان يصعد الى جواب «النوا» كان لا يكلف خاطره بتحريك يده الى اعلى ليضرب جواب النوا، ولكن يستلفه من النوا المنخفض الموجود اصلا في العود.



أسلوب جديد


جاء القصبجي وغيّر من كل هذا وخلق اسلوبا وروحا جديدة في العزف على العود، وكان بحكم سماعه للألحان الاجنبية قد وجد تركيبات من جمل مختلفة وصنع توليفة حفظها وكأنها الحان ملحنة يعزفها مع التقاسيم التي كان يقسمها في الحفلات.


وقد اثرى القصبجي العود بأوتار جديدة، واصلح منها بطريقة تعطيه مقامات اضافية عن المقامات التقليدية، وعلى سبيل المثال كان القصبجي اول من اصلح «البكاه» بعد ان كان قرارا للنوا «كصوت» خفضه الى قرار «الجهامكان»... واحيانا الى قرار «البوسلك» وكسب بذلك مقامين جديدين تماما... ثم اضاف وترا منخفضا بعد «البكاه» وهذا لم يكن موجوداً ايضا. وهذا الوتر ربطه كقرار «للدوكاه». كل هذا كان اثراء للعود ماديا.


ثم كان ثائرا في ألحانه، فبحكم سماعه كما ذكرت لموسيقات غير مصرية تولدت في رأسه تركيبات رياضية موسيقية كان استعمالها في ذلك الوقت جديدا بالرغم من انها كانت بلا روح او عاطفه، ولكنها ثورة على كل حال.


والفرق بين القصبجي والسنباطي هو ان القصبجي كان مفكرا أكثر منه طروبا... وثائرا اكثر منه جميلا... والسنباطي طروبا اكثر منه مفكرا، وجميلا اكثر منه ثائرا.


والقصبجي كان يثور على البناء الذي فوق القواعد فقط، واما القواعد والاصول والقوانين فقد كان ملتزما بها ويخاف منها، وكثيرا ما نراه عندما يجد ان شطرة شعرية اقل زمنا في الوقت المطلوب للحنه يضيف كلمة «آه» قبل الشطرة، لا لشيء الا لتكملة الوقت الزمني بدون ان يكون لها مبرر او ضرورة لنطقها.


وربما يرجع التزامه لانه كان مدرسا للغة العربية في مدرسة عبدالعزيز الابتدائية، فهو يحترم القواعد والاصول بحكم الانغماس فيها. وربما كان مستعدا لأن يثور على الشكل وعلى القواعد لو كان عمل مع احد غير ام كلثوم، فأم كلثوم لا تحب الاغراب ولا الشذوذ ولا غير المألوف.


والقصبجي كان محتاجا الى أم كلثوم فهي الواجهة الفخمة التي كان يعرض فيها اعماله، لا يمكن له الا ان يرضيها وحتى «اللزم» التي تتخلل الجمل اللحنية تخضع لانتقائها.


ورب سائل، إذا كان القصبجي ثائرا، فلماذا لم تظهر ثورته هذه عند غيره من المطربين والمطربات؟ واقول انه لا يمكن لثورة ان تصل الى الجمهور الا عن طريق شخصية كبيرة ولا يمكن للصغار ان يحملوا شيئا غريبا للناس. وقد جاءني القصبجي مرة وهو يضرب كفا على كف بل لطم امامي وقال: تصور ان ام كلثوم بتقول على اللازمة اللي انت ملحنها في قصيدة «عندما يأتي المساء» والتي تجيء بعد كلمة «وجهت عيني نحو لماح المحيا»... انها نشاز... «ويقول يا خبر اسود».


كان القصبجي يحبني ويحب ثورتي ويريد ان يحذو حذوها، ولكن لم تتح امامه الفرصة.


ولما عمت موجة التطور وتراخت ام كلثوم قليلا... لحن لها «رق الحبيب» ويبدو انه شيء جديد على ام كثلوم من حيث سرعة انطلاق الكلمات... وتغير الايقاعات وتعددها.


وعلى كل حال القصبجي ثار على عوده في عزفه اكثر مما ثار في ألحانه الغنائية، وربما يرجع هذا الى أنه لم يكن لديه صوت، اي انه لم يكن قادرا على الغناء. وكان يغني مثل الشيوخ وغناؤه غير واضح، لذلك لم يفعل شيئا باهرا في الحانه الغنائية. لان هذا يحتاج الى اقناع صوتي وهو الشيء الذي افتقده القصبجي.


وغالبا فإن الملحن الذي يملك صوتا جميلا بصوته ويقنع المستمع به، خاصة اذا كان يحمل جانب الصوت الفكر والثورة، فيصبح شيئا فذا قادرا على اقناع المستمع بفكره الجديد المغلف بالجمال، جمال الأداء.



جميل وثائر


السنباطي... كان جميلاً أكثر منه ثائراً.


سألت نفسي ما هو السر في استمتاعي عندما اسمع ألحان رياض السنباطي؟ وجدت الجواب سريعا، انه الصدق... فالسنباطي صادق في ما يقدمه، لا يقدم شيئا الا اذا كان مؤمنا به، ولا يوجد داخل السنباطي غير السنباطي لأن منبعه منه. ولم يقلد السنباطي احدا رغم معايشته للعصر الموجود حوله، والحان السنباطي فيها الجلال... والاحترام... والجمال... وتحترم التقاليد والآداب والعرف... وعندما اسمع الحانه اشعر انها قادمة من زمن سحيق،


فيها جذور عريقة... وهو من اقدر المطربين الذين استمعت اليهم.


في صوته نبرات مرنة عالية مطيعة يتمكن بها من ان يؤدي القفلات التي تستعصي على مطرب آخر، وبدون عناء لأنه فنان موهوب.


ويمكن للسنباطي ان «يُعدي» المستمع اليه بشجنه عندما يغني، وهو عواد نادر الوجود. وربما لا يوجد في كفاءته... وشرقيته في الاداء. وهو يهوى الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية ويحتفظ بأغلب السيمفونيات والكونشرتات لكبار العباقرة. وقد تأثر بهذه الموسيقى ويعزف بعضها على العود، ويظهر هذا في بعض اعماله.


ففي بعض الحانه الطويلة احيانا ما نسمع له مقدمة جليلة... ثرية... طويلة الجمل كالتأليف السيمفوني، ولكن ما يلبث عندما تجيء لحظة الغناء ان تجد الثراء، وهذه الفخامة اختفت وانتقلت الى شيء آخر لا يمت لهذه المقدمة بصلة من حيث اللون والفخامة والجلال. وتشعر في الحانه بالتفكير الهادئ والتريث واحترام التقاليد. ولا تحس في الحانه بثورة او تمرد. واحس في الحانه بكبرياء واعتزاز. ويشعرني دائما بانه استاذ لونه، واشعر ان الحانه تحترم التقاليد والآداب ولم اشعر ان الحان السنباطي كسرت التقاليد او تعدت على القواعد او ثارت او تمردت أو خالفت المنطق، واشعر دائما انها تجبرني على احترامها.


والسنباطي ملحن «القفل» فلا يمكن ان يلحن جملة غنائية من غير ان ينهيها بقفلة «ساخنة» معقدة تحتاج الى صوت فيه ذبذبات معينة لتكون القفلة مثيرة وحارة. وهذه «القفلات» من الصعب كتابتها لان الإحساس الشخصي لكل مؤد يلعب دورا كبيرا في تأديتها بحيث تختلف من شخص لآخر.


والسؤال المطروح هو: هل ستظل القفلة وهي سمة مصرية مع الألوان الجديدة المتسمة بالبساطة وقراءة النوتة. والأصوات التي يصعب عليها تأدية القفلات لأنها تحتاج الى خبرة وتجربة وممارسة طويلة.


هل ستختفي وتصبح شكلا من اشكال التأدية القديمة، اي انها ستصبح تراثا. ان القفلة ادق واخطر ما يمر به المغني اثناء تأديته، والسنباطي اقدر من يتسلل بالجملة اللحنية بمنطقة توصله الى قفل مثيرة وحلوة، ولهذا فأنا اعتبر السنباطي من اقدر الملحنين على تجهيز لحنه «اللقفلة» وتحضير مستمعيه الى القفلة فهو يحضر للقفلة تحضيرا محكما منطقيا بحيث ان المستمع اليها يبدو وكأنه يعلمها او كأنه لحنها.


وفي ألحانه لأم كلثوم نجد الجمهور قد صفق قبل ان تقفل لأن السنباطي قد جهزها وحبكها... ومنطقها... بحيث ان السامع قد سمعها قبل ان يسمعها. سمعها في احساسه وتفكيره فهو يصفق لما ستؤديه ويعلمه مسبقا. مثله كمثل شاعر يسمعنا قصيدة لم نسمعها من قبل، وعندما يصل الى بيت ما، وفي اغلب الاحيان يكون «بيت القصيد» كما يقولون، وبيت القصيد هو البيت المضيء الذي له اول وله نهاية.


وعندما نستمع الى مثل هذا البيت نجد انفسنا قد قلنا مع الشاعر في وقت واحد الكلمة التي انهى بها البيت بحرفها ورويها وليس بكلمة اخرى تحل محلها. وهكذا كان السنباطي في اغلب قفلاته مع ام كثلوم.


ولو ان الملحن كان متلعثما ومترددا في نهاية جملته اللحنية اي «القفلة» كما نسميها، واذ احس الجمهور بهذه الذبذبة ولم يتعرف الى نهاية منطقية، اذا شعر الجمهور بذلك كله لما صفق قبل نهاية الجملة، اي قبل القفلة كما يفعل مع ام كثلوم، لان الجمهور احس بوضوح بتسلل الجملة وسمع نهايتها. بل اقول انه اشترك في تلحينها مع الملحن. الملحن ارادها هكذا... ولهذا فطن لها الجمهور فصفق.


ونحن نسمع احيانا مطربين ومطربات يقتلون القفلة... والجمهور صامت. ويكاد المطرب او المطربة يقول للجمهور صفق فقد انتهينا فيصفق الجمهور «مجاملة» لا شعورا بالنهاية الجميلة او النهاية السعيدة او النهاية المنطقية كما اسميها.


ان ملحنا عنده هذه الرؤية وهذه السلاسة عندما يلحن نهاية الجملة بمنطقية وسلاسة، في يقيني انه قد لحن القفلة ولحن تصفيق الجمهور ايضا... وهذا ما كان يفعله السنباطي.



مصطفى أمين الصرح الشامخ


الفرق بين مصطفى أمين وعلي أمين، أن مصطفى يعمل من الحبة قبة... وعلي يعمل من القبة حبة.


ولم أر إنسانا مثل مصطفى أمين يحب العمل بجنون... ويتحمس له بجنون وينسى كل شيء ما عدا ذلك، ومصطفى أمين الذي شيد هذا الصرح الشامخ (أخبار اليوم) وهو سيد هذا الصرح وإمبراطوره لو فرض عليه أن يعمل فراشا في أخبار اليوم لعمل بنفس الحماس الذي يعمل به كرئيس للتحرير، أو كرئيس لهذا الصرح الشامخ.


وقد قال مصطفى أمين عندما كان يمشي في جنازة أخيه المرحوم علي أمين أنه كان حزينا وسعيدا. قلت له: كيف؟ قال: كنت حزينا لأنني كنت أودع أخي الوداع الاخير، نحن اللذان لم نفترق في حياتنا لحظة واحدة إلا مضطرين وكنت سعيدا لأنني رأيت بعيني كيف سيشيع الناس جنازتي.


بيتهوفن... فنان العمل المتكامل


عندما أسمع بيتهوفن العبقري العظيم أشعر بتناقض غريب، فموسيقاه أو جمله الموسيقية بمعنى آخر بطيئة. والمعروف أن البطء يلازمه البرود. ولكن جمل بيتهوفن بطيئة وساخنة هادئة وعنيفة. إن بيتهوفن كان أصم لا يسمع في آخر حياته... ولذلك أشعر عند سماع موسيقاه أنه غير متأثر بما حوله فهو لا يسمعها بل يسمع ما بداخله. إن بداخله دنيا أخرى وهو يترجم دنياه بالموسيقى. أشعر أن موسيقاه تصل إلينا من عالم آخر لا نعيش فيه.


وأشعر أن عطاءه لا ينتهي فأحيانا وأنا أسمع موسيقاه أقول لنفسي إنه في نقطة معينة قد وصل إلى أعلى درجة من القوة والعطاء والكمال. ثم يخيب ظني فأجده في موضع آخر أكثر عطاء مما سمعت... وأقول إن عطاءه انتهى هنا... فيخيب ظني مرة أخرى وأجده قد أعطى أكثر وأكثر وهكذا كان عطاء بيتهوفن لا ينتهي.


وربما لا يوجد عند بيتهوفن الكثير من الجمل الموسيقية التي يصادقها الإنسان ويرددها مع نفسه، ولكنه فنان العمل المتكامل، نجد في موسيقاه الكون بأكمله بطبيعته بكواكبه بكل ما فيه من توازن غاية في السلاسة والمعرفة.


وبيتهوفن أقدر الموسيقيين قاطبة على فك الجمل الموسيقية وتجميعها مرة أخرى، فالجملة يفكها إلى جزأين ويضيف على الجزء المنفصل ما يريد اضافته، إنه مبدع يهتم كثيرا بكليات الأشياء.



كمال الطويل عاشق الجمال


كمال الطويل فنان موهوب وعاقل، يوحى إليه بجمل جميلة وهو لا يؤمن بأن الجملة الجميلة هي كل شيء. بل يؤمن بالعمل الفني ككل، وأنت تحس في عمله الفني بالمعاناة، والتعب، والعرق وهو لا يعرف كيف ينتفع بالخاطر الحلو الذي يوحى إليه. وكثير من الجمل الجميلة تمر سريعا وتختفي من غير أن ينتفع بها، أو تلتفت أذن السامع لها. وربما يكون أجمل خاطر عند كمال لا يبلغ أكثر من ثمانية من عشرة، ولكنه يضعه في إطار لا يقل عن سبعة أو ستة من عشرة، ولذلك تسمع الجملة عملا متكاملا ليس فيه مونتاج لأنه مدروس، وفيه جهد وتعب ومعاناة.


وكمال ليس تاجرا في فنه، بالرغم من أنه تاجر جدا في حياته، وهو ملحن صالون وشارع، ولكنه ملحن صالون أكثر مما هو ملحن شارع.


وهو يحس الجمال ولا يمكنه إنكاره، فإذا ما استمع إلى لحن جميل لا يمكن لغرض في نفسه أن ينكره ويترك احساسه الصافي للاستماع إليه والاستمتاع به. وهو يستحي أن يمدحه أحد أمامه والخجل في الفنان دليل الاحساس.


والخاطر الجميل الذي يخرج من كمال مهما كان مستوى إبداعه وجماله أشعر أن فيه لمحة من عنائه وتألمه... وقلقه... وجهده. وهذا يُشعرني أن العمل كله من ذات كمال وانه عانى فيه كله. لا فرق بين الخاطر الموحي إليه به أو ما صنعه هو إتماما له.



هيكل.. صاحب المقال الجديد


الجديد في محمد حسنين هيكل... والذي شد الناس إلى كتاباته أنه لم يكتب مقالة تقليدية كما كان متبعا من قبل في كتابة المقال.


وعندما كان هيكل في أخبار اليوم اختار أن يكون محققا صحافيا، فكان من أمهر المحققين الصحافيين. والتحقيق الصحافي حوار وخبر.


وعندما جاء هيكل إلى الاهرام وكتب المقال السياسي شأنه شأن رؤساء التحرير، جاءت مقالته خليطا من المقال والتحقيق والخبر. وبذلك أصبح شيئا جديدا يرى فيه القارئ عذوبة الأسلوب والحوار والخبر. ثم ساعده على ذلك قربه من جمال عبدالناصر فكان الخبر الذي يجيء في مقاله خبرا جديرا بالاحترام والثقة...


هكذا كان رأيي دائما في هيكل أنه لم يكن صحافيا تقليديا.


توفيق الحكيم والبرج العاجي


لا يوجد أديب او مفكر في مصر أدار شيخوخته بذكاء ومقدرة مثل توفيق الحكيم.


ان الحكيم بالرغم من كبر سنه لم يختف، بل ظل حاضراً طوال الوقت بحيث يختار بذكاء المشاكل التي يعانيها الشباب والمشاكل التي يعانيها المجتمع شيوخا وشبابا ونساء. ويكتب فيها بخبرة واسلوب العصر الذي نعيشه وهو يحيط نفسه بدعاية خفية يخطط لها حتى يظل اسمه حيا حاضرا حتى اذا تناول موضوعا بالكتابة تكون الناس حاضرة له لأن اسمه جاهز لأن يقرأ الناس ما يكتبه.


إن توفيق الحكيم بالرغم من سنه فهو عملة متداولة بين الناس.


والفرق بين توفيق الحكيم ونجيب محفوظ هو أن الحكيم يناقش القضايا ويحللها من برجه العاجي... من غرفته، يفكر، ويتخيل، ويستنتج، ويصل إلى ما يريده وهو قابع في برجه العاجي.


أما نجيب محفوظ فإنه يناقش القضايا في الشارع مع الناس، مع العامة مع الدهماء، يلبس العفريتة ويذهب إلى المصنع ليحل مشكلته، أو مشكلة المجتمع.


توفيق الحكيم يعالج المشاكل فلسفيا في البرج العاجي... ونجيب محفوظ يعالجها واقعيا في الشارع. الحكيم يتخيل، ويفلسف، ومحفوظ يعايش ويمارس ما يكتبه.



http://www.aljarida.com/news/index/378799/قصبجي-الملحن-الثائر...-والسنباطي-صدق-الإبداع-الفني
 
عودة
أعلى