تحدث الشيخ عبدالعزيز الرشيد في كتابه «تاريخ الكويت» عن الأحداث التي تلت معركة الصريف تحت عنوان «ابن الرشيد في أطراف الكويت» فقال: «في جمادى 1319 الموافق 23 سبتمبر 1901- بعد معركة الصريف بسبعة أشهر- أقبل ابن الرشيد بجيشه العظيم، فأغار على الصبيحية، ولكن لم يجد فيها إلا الدمن والأثافي السود، ثم أغار منها على وارة، فصادف قافلة من مطير خارجة من الكويت فاستولى على أموالها بعد قتال عنيف قتل فيه كاتب بن الرشيد، وهو جار الله يوسف العتيق، ونهب أيضا نحو ثمانية آلاف من الغنم وألفين وسبعمئة من الإبل للكويتيين وأتلف كثيرا من مزارعهم.
أما الكويت فقد أيقن ابن الرشيد أنه من العبث مهاجمتها بعد تلك الاحتياطات التي استعد بها مبارك، وعلم أن ليس وراء مهاجمتها إلا الويل والثبور والخسارة، فاكتفى بما نالته يده من الأموال وذهب الى الحفر، ورابط هناك مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وكان له من وراء إقامته هناك ثلاثة أهداف :
1- حماية عربانه القاطنين في تلك الجهات.
2- رغبته في خوض غمار الحرب مع مبارك مرة أخرى، لا سيما بعد تلك الواقعة التي شرب فيها من كأس النصر.
3- تطلبه الغرة في عربان ابن صباح.
ولكنه مع هذا كله لم يفز بشيء يستحق الذكر، وما ذاك إلا لأن مبارك أقام في الجهراء قوة كافية تشرف على أعمال الرشيد وتراقب تحركاته من كثب وتقف في وجهه إذا ما أراد الهجوم أو الاعتداء».
ﻣﻮﻗﻊ ﻣﻌﺮﻛﺔ اﻟﺼﺮﻳﻒ
تجهيز جيش قوي لحماية الكويت
تحدث صقر الغانم مع المقربين منه عما دار بينه والشيخ مبارك إثر معركة الصريف، عندما ذكره بما كان قد نصحه به بشأن طريقة الاستعدادات العسكرية، حيث كان صقر يخشى من بعض القبائل من غير قبائل الكويت حتى وإن كانت حليفة للكويت، بسبب معرفته بتركيز رجالها على الغنائم وتراخيهم في القتال، وهو أمر كان صقر الغانم يهتم به في جميع المعارك التي خاضها، مثلما جاء في حديثه للجند في إحدى المعارك التي قادها إلى جوار جابر المبارك مع الظفير، شمالي آبار جابدة، في العراق حيث خاطب الجند قائلا حسب ما ذكر عبدالعزيز بن رشيد في الصفحة 187: «لا تنظروا إلى نيل الغنائم من عدوكم، فهو سيضحي بالغالي والنفيس فعليكم بالثبات»، لقد كانت مسألة ثبات الجند وخوفه من تفضيل الغنائم سببا لعدم رضاه عن تركيبة الجيش الذي توجه الى معركة الصريف.
وحدث في معركة الصريف ما توقعه صقر، ففي بداية المعركة كانت بوادر النصر لجيش مبارك، وبمجرد أن شن بن رشيد هجمة مضادة صاح رجل من القبائل المشاركة طلبا للغنائم فقط (الكسيرة، الكسيرة) فانسحبت تلك القبائل، في حين بقي الجيش الكويتي صامدا بعدهم خمس ساعات حتى تحول النصر الى هزيمة.
بعد أن استمع الشيخ مبارك الى تذكير صقر له بما سبق أن حذر منه، قال له: «جرى اللي جرى يا صقر، وشفايدة الكلام الحين؟»، فقال له صقر: «العلوم عندي أن بن رشيد جايك بالكويت بعدما ذبح الرجال في بريدة وكل من وقف معانا، وملأ القلبان بالجثث، فإذا كان هذا فعله مع اللي ناصرنا فماذا سيفعل بأهل الكويت؟»، فأصيب الشيخ مبارك بصدمة شديدة، وقال: «منين هالكلام؟».
وتابع صقر: «الكلام اللي قلته لك وصلني اليوم، ولا بد نطلع له برة بجيش قبل لا يوصل الكويت، وإلا إذا دخلها وصار بين البيوت ما نقدر عليه، أحتاج رجالا من أهل الكويت والقبايل اللي معانا»، وبالفعل وصل بن رشيد الى مشارف الكويت في 2 جمادى 1319 هجري، الموافق 23/9/1901، أي بعد سبعة أشهر فقط من معركة الصريف التي حدثت في 26 من ذي القعدة 1318 الموافق 17/3/1901.
وافق مبارك على قيام صقر الغانم بالتحضير للمعركة القادمة، فلم يضيع صقر الوقت وبادر بإرسال رجاله الى القبائل الموالية للكويت، وسار بقوة عسكرية كبيرة انطلقت من الجهراء وعسكرت خارجها جهة جبل سنام بانتظار جيش بن رشيد، الذي صدمته أخبار خروج جيش بهذا الحجم بعد تلك الهزيمة الكبيرة، حيث ساعدت علاقات صقر الغانم الوثيقة بالقبائل المجاورة للكويت في تجاوبها مع دعوته للنفير، فقد كانت تعلم أن انتصار بن رشيد على الكويت مرة ثانية سيعقبه إيذاؤه لتلك القبائل بسبب ولائها للشيخ مبارك، فنجح صقر في حشدها من خلال التحرك بسرعة في التعبئة والتموين، ووجد صقر في معسكره وسط ذلك الجيش الذي تمتع بجاهزية عالية لمواجهة العدو، وأرسل صقر العيون لرصد تحركات جيش بن رشيد، الذي علم بأمر الجيش الكويتي واستعداداته فاضطر الى التوقف عن المسير نحو الكويت والتحول باتجاه الصبيحية، بعد أن تغير الوضع الذي بنى حساباته عليه، والذي يقوم على أن هزيمة الصريف لم تبق للكويتيين قوة كافية للصمود أمامه، فكان تجهيز هذا الجيش الكويتي بهذه السرعة صدمة له وضربة لمخططه الذي يقوم على معاجلة الكويت المهزومة الضعيفة بضربة أشد قسوة.
كما قام الشيخ مبارك بمراسلة الإنكليز فأرسلوا بدءا من تاريخ 24 سبتمبر ثلاثة طرادات بحرية وهي (ماراثون، سفنكس، آساي، الأخير خرج من كراتشي) حسب البرقيات المنشورة في كتاب «التاريخ السياسي للكويت، في عهد مبارك»، د. فتوح الخترش، صفحة 144، كما أمر الشيخ بحفر خندق حول مداخل مدينة الكويت لعرقلة أي هجوم قد يصل إليها، وبالرغم من أهمية تلك الإجراءات الدفاعية، فإن مبدأ «الهجوم هو خير وسيلة للدفاع» جعل من خروج جيش جرار إلى خارج مدينة الجهراء لملاقاة العدو، بمشاركة جميع أهل الكويت مع إخوانهم من القبائل الحليفة، أمرا مختلفا في الجانب القتالي عن وصول الطرادات الإنكليزية التي رابطت في البحر ولم تصل الى ساحة القتال غرب الجهراء.
وعند التدقيق في تاريخ وصول تلك السفن البريطانية وموعد وصول القوات الغازية فإن تأثير المواجهة البرية- من الناحية الزمنية- قد حسم الأمور بالنسبة إلى الجيش الغازي، فغير اتجاهه ولم يحاول حتى الالتحام مع الجيش الكويتي، فاتجه نحو الصبيحية بعد أن تغير الوضع الذي بنى حساباته عليه، والذي يقوم على أن هزيمة الصريف لم تبق للكويتيين قوة كافية للصمود أمامه، فكان تجهيز هذا الجيش وبهذه السرعة صدمة له وضربة لمخططه الذي يقوم على معاجلة الكويت المهزومة والضعيفة بضربة أشد قسوة لا تقوم بعدها للكويت ولا لأهلها قائمة.
عبدالعزيز بن سعود يهزم «الإخوان» في السبلة
ﻓﻴﺼﻞ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺪوﻳﺶ
قام الإخوان بهجوم حتى على قافلة لتجار من أهل نجد إثر عودتهم من العراق ببضائع لبيعها في مدن القصيم، وبعد سنتين من ذلك التاريخ عقد الإخوان مؤتمرا في قرية «أرطاوية» بتاريخ 25 رجب 1345 الموافق 29/1/1927، وأعلنوا في ذلك الاجتماع وبحضور زعماء الإخوان خروجهم على الملك عبدالعزيز، وهؤلاء الزعماء هم: فيصل بن سلطان الدويش، زعيم مطير، وسلطان بن بجاد بن حميد، شيخ عتيبة، وضيدان بن حثلين، شيخ العجمان.
فحدثت معركة السبلة الشهيرة في 30/3/1929، بين الملك عبدالعزيز بن سعود والإخوان شمال شرق مدينة الزلفي وإلى الجنوب من أرطاوية، وحدثت فيها مقتلة عظيمة انتهت بانتصار الملك عبدالعزيز على الإخوان، وذلك بعد أن فشلت المحادثات بين الطرفين، فالتقى الجيشان في صبيحة الخامس من مارس 1929 في موقع يسمى «السبلة» وكان جيش عبدالعزيز متفوّقاً من ناحية التجهيز العسكري، لحصوله على رشاشات جديدة من البريطانيين، وانتهت المعركة بهزيمة جيش الإخوان، وأصيب الدويش في المعركة، ونقل عن أرض المعركة إلى الأرطاوية، في حين كان عناصر جيشه يتساقطون بين قتيل وجريح وأسير.
في حالة الكويت وإمارة بن رشيد في حائل تسببت مثل تلك الهجمات ضد رعايا البلدين بنشوب عداوة بين أمير حائل والشيخ مبارك الصباح، وكانت تلك العداوة تشتد وتهدأ والسبب المباشر هو حماية كل منهم لرعاياه من هجوم رعايا الآخر عليهم، إلا أن عنصراً جديداً حدث عندما انتقل يوسف الإبراهيم من بومبي إلى حائل ضمن مساعيه للحشد ضد مبارك الصباح، وهي جهود بذلها الإبراهيم في أكثر من اتجاه ليس هذا مقام التفصيل فيها، إلا أن ذلك كان سببا لأن يبدأ مبارك تحركه المضاد، فجهز جيشا بقيادة حمود الصباح للهجوم على شمر في منطقة الرخيمة بشهر صفر 1318، الموافق 3/6/1900، حسب ما ورد في الصفحة 161 من كتاب عبدالعزيز الرشيد «تاريخ الكويت»، تلا ذلك بفترة قصيرة التحرك نحو حائل نفسها، وما يعرف بمعركة الصريف، أو الطرفية.