نحو فهم الاسلام .......

السيب

Active Member
طاقم الإدارة
التوكل على الله... يحقق المطلوب ويقضي الحاجات ويدفع المكروه
سمة بارزة عند الأنبياء... وعده العلماء نصف الدين
إسلاميات - الجمعة، 8 يناير 2016 / 1,136 مشاهدة / 15
«لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً و تروح بطاناً»
×
1 / 1
شارك:
n.png
n.png
n.png

+ تكبير الخط - تصغير الخط ▱ طباعة
• لا يصح ترك الأخذ بالأسباب بزعم التوكل كما لا ينبغي التعويل على الحول و الطول أو الركون إلى الأسباب
التوكل على الله و تفويض الأمر إليه سبحانه، و تعلق القلوب به جل و علا من أعظم الأسباب التي يتحقق بها المطلوب و يندفع بها المكروه، وتقضى الحاجات، و كلما تمكنت معاني التوكل من القلوب تحقق المقصود أتم تحقيق، و هذا هو حال جميع الأنبياء و المرسلين، ففي قصة نبي الله إبراهيم – عليه السلام – لما قذف في النار روى أنه أتاه جبريل، يقول: ألك حاجة ؟ قال: «أما لك فلا و أما إلى الله فحسبي الله و نعم الوكيل» فكانت النار برداً و سلاماً عليه، و من المعلوم أن جبريل كان بمقدوره أن يطفئ النار بطرف جناحه، و لكن ما تعلق قلب إبراهيم – عليه السلام – بمخلوق في جلب النفع و دفع الضر.

و نفس الكلمة رددها الصحابة الكرام يوم حمراء الأسد – صبيحة يوم أحد – يقول تعالى: ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ ) «سورة آل عمران: 173 – 174».

و لما توجه نبي الله موسى – عليه السلام – تلقاء مدين ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) «سورة القصص: 23 – 24» أوقع حاجته بالله فما شقي ولا خاب، و تذكر كتب التفسير أنه كان ضاوياً، خاوي البطن، لم يذق طعاماً منذ ثلاث ليال، و حاجة الإنسان لا تقتصر على الطعام فحسب، فلما أظهر فقره لله، و لجأ إليه سبحانه بالدعاء، و علق قلبه به جل في علاه ما تخلفت الإجابة، يقول تعالى: ( فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ ) «سورة القصص: 25» وكان هذا الزواج المبارك من ابنة شعيب، و نفس الأمر يتكرر من نبي الله موسى، فالتوكل سمة بارزة في حياة الأنبياء – عليهم السلام – لما سار نبي الله موسى و من آمن معه حذو البحر، أتبعهم فرعون و جنوده بغياً و عدواً، فكان البحر أمامهم و فرعون خلفهم، أي إنها هلكة محققة، و لذلك قالت بنو إسرائيل: إنا لمدركون، قال نبى الله موسى: (كلا إن معي ربى سيهدين) قال العلماء: ما كاد يفرغ منها إلا و أُمر أن أضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، فكان في ذلك نجاة موسى و من آمن معه، و هلكة فرعون و جنوده، و لذلك قيل: فوض الأمر إلينا نحن أولى بك منك، إنها كلمة الواثق المطمئن بوعد الله، الذي يعلم كفاية الله لخلقه: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ) «سورة الزمر: 36»

التوكل والتواكل: قد تنخرق الأسباب للمتوكلين على الله، فالنار صارت برداً و سلاماً على إبراهيم، و البحر الذي هو مكمن الخوف صار سبب نجاة موسى و من آمن معه، ولكن لا يصح ترك الأخذ بالأسباب بزعم التوكل كما لا ينبغي التعويل على الحول و الطول أو الركون إلى الأسباب، فخالق الأسباب قادر على تعطليها، و شبيه بما حدث من نبى الله موسى ما كان من رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الهجرة، عندما قال أبو بكر – رضي الله عنه -: لو نظر أحد المشركين تحت قدميه لرآنا، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم:«ما بالك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا»، و هذا الذي عناه سبحانه بقوله: ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) «سورة التوبة: 40». والأخذ بالأسباب هو هدى سيد المتوكلين على الله – صلوات الله و سلامه عليه - في يوم الهجرة و غيره، إذ عدم الأخذ بالأسباب قدح في التشريع، و الاعتقاد في الأسباب قدح في التوحيد، و قد فسر العلماء التوكل فقالوا: ليكن عملك هنا و نظرك في السماء، و في الحديث عن أنس بن مالك – رضى الله عنه – قال: قال رجل: يا رسول الله أعقلها و أتوكل، أو أطلقها و أتوكل ؟ قال: «اعقلها و توكل» رواه الترمذي و حسنه الألباني، وأما عدم السعي فليس من التوكل في شيء، و إنما هو اتكال أو تواكل حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه و سلم، و التوكل على الله يحرص عليه الكبار و الصغار و الرجال و النساء، يحكى أن رجلاً دخل مسجد النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة فرأى غلاماً يطيل الصلاة، فلما فرغ قال له: ابن من أنت؟ فقال الغلام: أنا يتيم الأبوين، قال له الرجل: أما تتخذني أباً لك، قال الغلام: و هل إن جعت تطعمني ؟ قال له: نعم، قال: و هل إن عريت تكسوني؟ قال له: نعم، قال: و هل إن مرضت تشفيني؟ قال: هذا ليس إلي، قال: و هل إن مت تحييني، قال: هذا ليس إلى أحد من الخلق، قال: فخلني للذي خلقني فهو يهدين و الذي هو يطعمني و يسقين، و إذا مرضت فهو يشفين،و الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، قال الرجل: آمنت بالله، من توكل على الله كفاه. و في قصة الرجل الذي كان يعبد صنماً في البحر، و التي نقلها ابن الجوزي عن عبد الواحد بن زيد دلالة على أن التوكل نعمة من الله يمتن بها على من يشاء من خلقه حتى و إن كان حديث العهد بالتدين، فهذا الرجل لما جمعوا له مالاً و دفعوه إليه، قال: سبحان الله دللتموني على طريق لم تسلكوه، إني كنت أعبد صنماً في البحر فلم يضيعني فكيف بعد ما عرفته، و كأنه لما أسلم وجهه لله طرح المخلوقين من حساباته، فغنيهم فقير، و كلهم ضعيف و كيف يتوكل ميت على ميت: (فتوكل على الحي الذي لا يموت و سبح بحمده). و في الحديث:«لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً و تروح بطاناً» رواه أحمد و الترمذي و قال: حسن صحيح. و كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم:«اللهم أسلمت وجهي إليك و فوضت أمري إليك و ألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك». رواه البخاري و مسلم و كان يقول: «اللهم لك أسلمت و بك آمنت و عليك توكلت و إليك أنبت و بك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت و الجن و الإنس يموتون». رواه مسلم، و كان لا يتطير من شيء صلوات الله و سلامه عليه، و أخذ بيد رجل مجذوم فأدخلها معه في القصعة ثم قال: «كُلْ ثقةً بالله و توكلا عليه» رواه أبو داود و ابن ماجة.

التوكل على الله نصف الدين:

ينبغي للناس كلهم أن يتوكلوا على الله عز و جل مع أخذهم بالأسباب الشرعية، فالتوكل كما قال ابن القيم: نصف الدين و النصف الثانى الإنابة، فإن الدين استعانة و عبادة، فالتوكل هو الاستعانة و الإنابة هي العبادة، و قال أيضاً: التوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق و ظلمهم و عدوانهم، و قال سعيد بن جبير: التوكل على الله جماع الإيمان، و عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون و يقولون: نحن المتوكلون، فإن قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: ( وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) «سورة البقرة: 197» وروي أن نبي الله موسى – عليه السلام – كان يقول: اللهم لك الحمد و إليك المشتكى و أنت المستعان، و بك المستغاث و عليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك. عباد الله إن الله هو الوكيل، الذي يتوكل عليه، و تفوض الأمور إليه ليأتي بالخير و يدفع الشر.

من أسماء الرسول:المتوكل

و من أسماء رسول الله صلى الله عليه و سلم «المتوكل» كما في الحديث: «و سميتك المتوكل».و إنما قيل له ذلك لقناعته باليسير و الصبر على ما كان يكره، و صدق اعتماد قلبه على الله عز و جل في استجلاب المصالح و دفع المضار من أمور الدنيا و الآخرة و كلة الأمور كلها إليه، و تحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه، و لكم في نبيكم أسوة حسنة و قدوة طيبة، فلابد من الثقة بما عند الله و اليأس عما في أيدي الناس، و أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك، و إلا فمن الذي سأل الله عز وجل فلم يعطه، و دعاه فلم يجبه و توكل عليه فلم يكفه، أووثق به فلم ينجه؟ إن العبد لا يؤتى إلا من قبل نفسه، و بسبب سوء ظنه، و في الحديث: «أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء» و الجزاء من جنس العمل، فأحسنوا الظن بربكم و توكلوا عليه تفلحوا، فإن الله يحب المتوكلين. و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الراي
 

السيب

Active Member
طاقم الإدارة
«الشماتة»... مجلبة للشر... مفسدة للدين وعدّها القرآن من أخلاق الكفار والمنافقين
خلق ذميم وسلوك شائن يدل على نفس غير سوية وقلب يكاد يخلو من الحب والمودة والعطف وحب الخير
إسلاميات - الجمعة، 8 يناير 2016 / 1,326 مشاهدة / 14
لا يجوز إظهار الفرح والسرور بما ينزل بالآخرين من مصائب وما يحل بهم من كوارث وما يلحقهم من أقدار الله عز وجل
×
1 / 1
شارك:
n.png
n.png
n.png

+ تكبير الخط - تصغير الخط ▱ طباعة
| كتب عبدالله متولي |
• خلق الشماتة غالباً ما تقترن به مظاهر كريهة من السخرية والهمز واللمز وألوان الاستهزاء قولاً وفعلاً وإشارة

• حرَّم الله تعالى الشماتة بالآخرين إذا تعرّضوا لمصيبة أو نكبة لأن ذلك يتصادم وقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)

• نهى الإسلام عن الشماتة بمن هو دونك في النعمة عموماً ولأنها ليست من صفات المسلم الملتزم بالأخلاق الحميدة

• «لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك» أي أن عقوبة الشامت في الدنيا هي انتقال المصيبة إليه
الإسلام دين الأخلاق الحميدة، دعا إليها، وحرص على تربية نفوس المسلمين عليها. وقد مدح الله -تعالى- نبيه، فقال: {وإنك لعلى خلق عظيم}.[القلم: 4].

وجعل الله -سبحانه- الأخلاق الفاضلة سببًا للوصول إلى درجات الجنة العالية، يقول الله -تعالى-: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} [آل عمران: 133-134]. وأمرنا الله بمحاسن الأخلاق، فقال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34]. وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على التحلي بمكارم الأخلاق، فقال: (اتق الله حيثما كنتَ، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالقِ الناسَ بخُلُق حَسَن) [الترمذي].

فعلى المسلم أن يتجمل بحسن الأخلاق، وأن يكون قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أحسن الناس خلقًا، وكان خلقه القرآن، وبحسن الخلق يبلغ المسلم أعلى الدرجات، وأرفع المنازل، ويكتسب محبة الله ورسوله والمؤمنين، ويفوز برضا الله -سبحانه- وبدخول الجنة. يقول إمام الحرم المكي الشيخ بن حميد:«جاء الإسلام ليطهّر البشرية من أدران الجاهلية وأمراضها، ويُقوِّم السلوك ليستقيم على الفطرة السوية والرابطة بين أهل الإسلام هي رابطة الدين، وأخوّةُ الإيمان، ولها معالمها من حُسن المعتقد، والمحبة، والسرور، وحب الخير للناس، والفرحِ به، واجتنابِ ما يكدّر على ذلك ويشوش عليه، من الحسد، والشحناء، والتهاجر، والتباغض، والسباب، والتنابز بالألقاب، والناصحون من عباد الله المحبون لخلق الله أهلُ أدب، ورحمة، وحب، ومودة، وصدق ووفاء».

لقد استوعبت الشريعة في شمولها وعلاجها كلَّ أمراض النفوس ومعايبها؛ أقوالاً، وأفعالاً، ومشاعر، وانفعالات. وإن في مستجدات العصر وتقنياته ما وسع ذلك كله، ابتلاء وعلاجاً. إن هناك ثمة خُلُقاً ذميماً، وسلوكاً شائناً، يدل على نفس غير سوية، وقلبٍ مدخول، يكاد يخلو من الحب، والمودة، والعطف وحب الخير؛ ذلكم هو خلق الشماتة، وغالباً ما يقترن به مظاهر كريهة من السخرية، والهمز، والغمز، واللمز، وألوان الاستهزاء؛ قولاً، وفعلاً، وإشارة.. وإن الشماتة وصف، ولقب، ولفظ، فيه تنقُّصٌ، أو حطُّ مكانة، أو احتقارُ، أو ذمٌ، أو طعنٌ، أو تعدٍ على كرامة والشماتة فرحٌ ببليةِ مَن تُعاديه، والسرورُ بما يكره من تجافيه. يقول ابن بطال: «شماتة الأعداء ما ينكأ القلب، وتبلغ به النفس أشد مبلغ، وهي لا تحصل إلا من عداوة، أو حسد؛ بل قال أهل الحكمة:»إن الحسد والشماتة متلازمان؛ فالحاسد إذا رأى نعمة بُهت، وإذا رأى عثرة شمت«.

الشماتة هي: الفرح ببلية العدو، وكان عليه الصلاة والسلام يدعو»اللهم لا تشمت بي عدوا حاسدا «رواه الحاكم من حديث ابن مسعود وابن حبان من حديث ابن عمر. وقد حكى الله عز وجل عن موسى عليه السلام أنه قال: { فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين } وقيل لأيوب عليه السلام: أي شيء من بلائك كان أشد عليك قال: شماتة الأعداء وقال: الكلبي: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم شمت به نساء كندة وحضرموت وخضبن أيديهن وأظهرن السرور لموته صلى الله عليه وسلم وضربن بالدف.

وحرَّم الله تعالى أيضاً الشماتة بالآخرين إذا تعرضوا لمصيبة أو نكبة أو كارثة، لأن فعل مثل هذه الأشياء يتصادم وقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10] وقال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) [النور:19].

لا تظهر...!

والشماتة مظهر قبيح يتنافى مع مبدأ الأخوة الإيمانية التي تقتضي مشاركة الأخ في آلامه وآماله، كما أنها تتنافى مع تحريم أعراض الآخرين، لما رواه مسلم: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه».

وجزاء الشامتين: أن يتعرضوا للبلاء، ويعافي الله تعالى المشموت به مما ابتلاه الله به، فقد روى الترمذي وحسنه عن واثلة بن الأسقع قال: قال عليه الصلاة والسلام: «لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك». أي أن عقوبة الشامت في الدنيا هي انتقال المصيبة إليه، وبراءة المشموت به ومعافاته برحمة الله تعالى.

والشماتة.. مجلبة للشر ومفسدة للدين، وهي سلوك شائن وخلق قبيح يدل على نفس غير سوية وقلب مدخول. وحقيقة الشماتة: إظهار الفرح والسرور بما ينزل بالآخرين من مصائب وما يحل بهم من كوارث وما يلحقهم من أقدار الله عز وجل من مرض وموت. وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يستعيذ بالله كثيرا من الشماتة فيقول: (عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء» صحيح البخاري.

وسوء القضاء: يدخل فيه سوء القضاء في الدين والدنيا والبدن والمال والأهل وقد يكون ذلك في الخاتمة. ودرك الشقاء: يكون في أمور الآخرة والدنيا ومعناه أعوذ بك أن يدركني شقاء و شماتة الأعداء: هي فرح العدو ببلية تنزل بعدوه يقال منه شمت يشمت فهو شامت وأشمته غيره. جهد البلاء: روى عن ابن عمر أنه فسره بقلة المال وكثرة العيال وقال غيره هي الحال الشاقة.

لا يضركم...!

وأوضح القرآن العظيم أن الشماتة من أخلاق الكفار والمنافقين قال الله – عز وجل: { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } آل عمران: (120)، وقال تعالى: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ. قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ } التوبة [51، 52 ]. وفي غزوة أحد فرح المنافقون والكفار بما أصاب الرسول – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين من جراحات فأنزل الله عز وجل قوله ( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } آل عمران (140)

.

لا يحل...!

ولأنه خلق ذميم وسلوك قبيح نهى عنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أكثر من مناسبة فيقول: (عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ ) مسند أحمد. فلا يحِلُّ إيصالُ الأذى إلي مؤمن ولا مؤمنة بوجهٍ مِنَ الوجوهِ من قولٍ أو فعلٍ بغير حقٍّ، وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} الأحزاب ( 58 ).

ولصعوبة تحمل هذا السلوك الشائن على النفوس الزكية نجد هارون عليه السلام يرجو موسى عليه السلام عدم الإسراف في معاتبته قائلا:(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } الأعراف: (150)، أما إذا أنزل الله – عز وجل – عقوبته بظالم أو أحل غضبه بطاغية جبار أو انتقم من مجرم فاجر فلا شك أن قلوب المؤمنين ستسعد لذلك وتسر، قال تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } التوبة:[ 14، 15].

لا يؤمن...!

إذن فمن علامات الإيمان أن يحب المؤمن لأخيه ما يحب لنفسه: عن أَنَسٍ، قَالَ (صلى الله عليه وسلم): ( لايُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ) البخاري. معناه: لا يؤمن أحدكم الإيمان التام، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وقال أبو الزناد: ظاهره التساوي وحقيقته التفضيل، لأن الإنسان يحب أن يكون أفضل الناس، فإذا أحب لأخيه مثله، فقد دخل هو في جملة المفضولين، ألا ترى أن الإنسان يجب أن ينتصف من حقه ومظلمته، فإذا كمل إيمانه وكانت لأخيه عنده مظلمة أو حق، بادر إلى إنصافه من نفسه، وآثر الحق، وإن كان عليه فيه بعض المشقة. وقد روى هذا المعنى عن الفضيل بن عياض، أنه قال لسفيان بن عيينة: إن كنت تريد أن يكون الناس كلهم مثلك، فما أديت لله النصيحة، كيف وأنت تود أنهم دونك. وقال بعض الناس: المراد بهذا الحديث كف الأذى والمكروه عن الناس، ويشبه معناه قول الأحنف بن قيس، قال: كنت إذا كرهت شيئًا من غيرى لم أفعل بأحد مثله.( شرح البخاري لابن بطَال ). وقال ابن رجب في فتح الباري: وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد والغل والغش والحقد، وذلك واجب كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا “، فالمؤمن أخو المؤمن يحب له ما يحب لنفسه ويحزنه ما يحزنه كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالحمى والسهر “ فإذا أحب المؤمن لنفسه فضيلة من دين أو غيره أحب أن يكون لأخيه نظيرها من غير أن تزول عنه كما.

لا تجوز...!

الشماتة ليست من صفات المسلم الملتزم بالأخلاق الإسلامية وهي من صفات النفس الظالمة الحقودة. فالله فضَّل الطعام بعضه على بعض في الأكل، كما فضَّل الناس بعضهم على بعض في الرزق، وهذا التفضيل ليس تفضيلاً عبثياً أو كيدياً، حاشا لله، بل هو خاضع لمشيئة الله الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم الغيب في السماوات والأرض. وقد يكون في بسط الرزق ابتلاء من الله عز وجل، وامتحان أشد صعوبة، لأن فيه غواية أكبر ومقدمة للوقوع في المعصية. كما أنه من الممكن أن يكون في التضييق حكمة لا يعلمها إلا الله، كالحماية من الوقوع في شرك المعاصي.

لذلك فقد نهى الإسلام عن الشماتة بمن هو دونك في النعمة عموماً، وليس فقط في الرزق، إذ لا تجوز الشماتة بمن لم يرزقه الله الذرية، أو لم يرزقه الصحة أو العلم. لا تحزن...!

و أنت أيها المبتلى بالشامتين؛ فلا تحزن ممن يشمت بك، أو يسخر، واستحضر مواقف الأقوام من أنبيائهم حين سَخِروا منهم واستهزأوا بهم فكان النصر والعلو»، وقد قال عز شأنه: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون}،

وقل لهم صبراً؛ فإن أيام الدنيا دوّارة، والأحوال متغيرات متقلبات؛ بل إن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله يقول: «ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد، غَمُّ، وإثم، ونَفَسٌ متتابع».

الشماتة بالمسلمين


إن الشماتة بالمسلمين والفرح بما ينزل بهم من بلاء أو مصيبة لا يجوز – حتى وإن أساءوا - فإنه مناف للأخلاق الكريمة، والشيم المرضية التي أمر الله عباده بها، ولا يتصف بذلك من كمل إيمانه وقوي يقينه بربه. ولكن هذا الفعل – مع قبحه – لا يخرج صاحبه عن دائرة الإيمان، لأنه من نواقص الإيمان وليس من نواقضه، وقوله – صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. ليس المراد به نفي الإيمان عمن لم يحصل هذه المرتبة، بل المراد به نفي كمال الإيمان وتمامه. جاء في شرح النووي على صحيح مسلم: قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وهذا قد يعد من الصعب الممتنع وليس كذلك، إذ معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الاسلام مثل ما يحب لنفسه، والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئا من النعمة عليه وذلك سهل على القلب السليم، وانما يعسر على القلب الدغل عافانا الله وإخواننا أجمعين والله أعلم. انتهى. فلنجاهد أنفسنا، ونعودها على خلق العفو والصفح عمن أساء وأخطأ،ونكفها عن الشماتة بالمسلمين، ولنتذكر ما حدث من أهل النفاق، بل ووقع فيه بعض الصحابة من الخوض في عرض أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وعندما همّ أبو بكر أن يمنع الخير عن بعضهم عاتبه الله سبحانه بقوله: «وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ». {النور: 22} ومن الأدوية المفيدة في علاج مثل هذه الأمراض – بعد التضرع إلى الله والإلحاح عليه أن يكشف السوء - المواظبة على صوم ثلاثة أيام من كل شهر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر ؟ صوم ثلاثة أيام من كل شهر». رواه النسائي وصححه الألباني.

كلمة للشامتين


وللمبتلى بالشماتة نقول: «عافاك الله من هذا الداء وهداك كأنك تزهو بكمالك، وتفاخر بجمالك، وتغفل عن موادعة الأيام لك، وتظن أن هذا المبتلى، لم يبتلَ بما ابتُلِيَ به إلا على كرامة في نفسك، أو بسبب إجابة دعوة منك أو من غيرك؛ فهذه تزكية، وعجب، وغرور، وغفلة؛ بل قد يكون استدراجاً ومكراً.. أما علمت أن الشماتة قد تكون انعكاساً لأمراض نفسية تدل على عدم الثقة، مع الإحساس بالفشل؛ فتسلي نفسك بهذا الخلق الذميم الشامت، محروم من المحامد الجميلة، والمسالك الراقية، والشعور الإنساني النبيل.

فالشامت لا يفرح بمصيبة غيره إلا مِن لؤم طبعه؛ بل يقرر أهل العلم أن الشماتة من أخلاق أهل النفاق؛ فقد قال عز شأنه في وصف المنافقين: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط}».

لقد استعاذ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشماتة وسوئها كما في الحديث الصحيح: «اللهم إني أعوذ بك من سوء القضاء، ودرك الشقاء، وشماتة الأعداء»، وقد قال هارون لأخيه موسى عليهما السلام: كما في التنزيل العزيز: «ولا تُشمت بي الأعداء» أي لا تُفْرحهم بمصيبتي يقول: استعاذ صلى الله عليه وسلم من شماتة الأعداء، وأمر بالاستعاذة منها؛ لعِظَم موقعها، وشدة تأثيرها في الأنفس البشرية، ونفور طباع الناس منها، وقد يتسبب عمقُ ذلك تعاظمَ العداوة المفضية إلى استحلال ما حرم الله، ويقول المناوي: «وإنما حُسن الدعاء يدفع شماتة الأعداء؛ لأن مَن له صيت عند الناس وتأمل وجد في نفسه كمن يمشي على حبل معلق والأقران والحساد ينظرون، وينتظرون متى ينزلق».

فلا تشمت بأخيك مهما صغُر شأنه، وظهر عيبه، وبان نقصه في أمر الدين أو الدنيا؛ فإن الشماتة تجلب البلاء والابتلاء؛ ولكن تَضَرّع إلى الله مستعيناً به خائفاً مستخفياً، مشفقاً على نفسك وعلى أخيك وقل: «الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به، وفضلني على كثير من خلقه تفضيلاً»، ومثل هذا الدعاء لو تأملت لعلمتَ أن المقصود به الوقايةُ والحذرُ من الوقوع في الشماتة، والاستهزاءِ، والسخرية، والانتقاصِ من إخوانك.

والأيام دول؛ فكم من غني افتقر، وفقير اغتنى، وعزيز ذل، وذليل عَز، ووضيع ارتفع، ورفيع اتضع، وقويّ ضعف، وضعيف قوي، وسليم ابُتلي، ومبتلى عوفي. والدهر حين يجر بكلكله على قوم فإنه يُنيخ على آخرين، وسيلقى الشامتون كما لقي غيرهم، يقول ابن مسعود رضي الله عنه:«والله لو أن أحداً عيّر رجلاً رضع من كلبة لرضع هو من كلبة»، وورد عن عمر رضي الله عنه:«والله لو عيّرت امرأة حبلى لخشيت أن أحمل»، ويقول إسماعيل الهروي:«أي عيب عيّرت به أخاك فهو صائر إليك»، ويقول الحسن البصري رحمه الله:«أدركت أقواماً لم تكن لهم عيوب فتكلموا في عيوب الناس؛ فأحدث الله لهم عيوباً، وأدركت أقواماً كانت لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس فستر الله عيوبهم».

كيف وقد جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تؤذوا عباد الله، ولا تُعَيّروهم، ولا تطلبوا عوراتهم؛ فإن من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته»، رواه أحمد. ويقول إبراهيم النخعي رحمه الله:«إني لأرى الشيء أكرهه؛ فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن ابتلى به». ويقول ابن القيم رحمه الله:«ما من عبد يعيب على أخيه ذنباً إلا وابتلي به؛ فإذا بلغك عن فلان سيئة، فقل من كل قلبك غفر الله لنا وله».

فلا تراقب الناس، ولا تتبع عوراتهم، ولا تكشف سترهم، ولا تتجسس عليهم.. اشتغل بنفسك، وأصلح عيوبك؛ فلن تُسأل بين يدي ربك إلا عن نفسك، والله أرحم بك وبهم منك ومن أنفسهم؛ بل إن المؤمن الصادق المخلص يحب أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به على حد قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»رواه البخاري ويقول ابن رجب رحمه الله:«إنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد، والغل، والغش، والحقد».

* من خطبة للشيخ بن حميد إمام الحرم المكي

الشماتة في الموت والمصائب


إن المسلم الذي تربى على الأخلاق الإسلامية الفاضلة ووعى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا يشمت في أحد ولا يفرح في مصائب الآخرين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.

إن المسلم يكره أفعال العصاة ويكره أفعال الكفار لكنه لا يشمت بهم ولا يفرح في مصائبهم لأنه لا يكن حقدا لأحد ولا يبغض أحدا ولكنه يكره أفعال العصاة والبعيدين عن طريق الله ويدعو للجميع بالهداية والمغفرة.

وليعلم كلُّ إنسان أن التشفِّيَ بالموت ليس خُلقا إنسانيًّا ولا دينيًّا، فكما مات غيره سيموت هو، وهل يُسَرُّ الإنسان إذا قيل له: إن فلانًا يُسعده أن تموت؟ والنبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:«لا تُظهر الشَّماتة بأخيك فيُعافيه الله ويَبتليكَ» رواه الترمذي وحسنه.

إن الشماتة بالمَصائب التي تقع للغير تتنافَى مع الرحمة التي يُفترض أنّها تسودَ بين المسلمين، والنبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الرغم من إيذاء أهل الطائف له ـ لم يشأْ أن يدعوَ عليهم بالهلاك وقد خيَّره جبريل في ذلك، ولكن قال في نبل وسموِّ خلق:«لا، بل أرجو أن يُخرجَ الله من أصلابِهم من يعبده لا يشرك به شيئًا» ثُمّ تسامَى في النبل والكرم فدَعا لهم بالهداية والمغفرة.

إن الشماتة بالغير خلق الكافرين والمنافقين الذين قال الله فيهم (إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسَؤُهُمْ وإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وإِنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ) (سورة آل عمران: 120) ألا فليعلم الشامتون بغيرهم أن الأيّام دُول والشاعر الحكيم يقول:

فقُلْ للشَّامِتينَ بِنَا أَفِيقُوا

سَيَلْقَى الشّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا

قال الله تعالى عندما شمت الكافرون بالمسلمين في غزوة أحد (إنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وتِلْكَ الأيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ) (سورة آل عمران: 140).

لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك..فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره...

وإن العيب كل العيب المجاهرة بالخلق الذميم في وسط المسلمين بل وبين طلبة العلم أو أشباه طلبة العلم... !!

إن الشماتة لا تليق بمسلم تجاه أخيه المسلم أبداً، بل هي من صفات الأعداء الذين حذر الله منهم ووصفهم بقوله تعالى: ( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط ) ( آل عمران:120 ).

وقد أجابت لجنة أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، حول حكم التشفي بالموت والمرض والمصائب، بقولها: لا شك أن الموت من أعظم ما يقع بالمؤمنين من الابتلاء له ولمن يتركهم بعده، وعند المصائب يجب الاعتبار والاتعاظ، والرحمة الإنسانية تحمل على الحزن بل والبكاء مهما كانت معاملة الميت، لقد قام النبي -صلى الله عليه وسلم- لجنازة، ولما قيل له: إنها ليهودي قال «أليست نفسا»!، رواه البخاري ومسلم.

ولما منع ثمامة بن أثال عن قريش إمدادهم بالطعام وكانوا في قحط، لم يظهر الرسول بهم شماتة ولم يفرح لما أصابهم، بل أمر بإمدادهم بما كان معتاداً، عندما ناشدوه الله والرحمة وسألوه بأخلاقه السمحة المعهودة فيه، وقد قال في صفات المنافقين «وإذا خاصم فجر» ومن الفجور الشماتة.

الراي
 

السيب

Active Member
طاقم الإدارة


497122_215038_Org__-_Qu65_RT728x0-_OS1063x705-_RD728x482-.jpg



الثناء على الله

من آداب الدعاء
إسلاميات - الجمعة، 15 يناير 2016 / 1,165 مشاهدة / 15
إِنّ رَبّكُمْ تَبَارَكَ وتعَالى حَيِيّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدّهُما صِفْرا خائبتين
×
1 / 1
شارك:
n.png
n.png
n.png

+ تكبير الخط - تصغير الخط ▱ طباعة
• من الثناء على الله عَزّ وَجَلّ ذِكْر عادته تبارك وتعالى مع عِباده وكَرَمِه وجُوده وعظيم فضله وامتنانه عليهم

• يجب على من يتوجه إلى الله بالدعاء أن يُوحّده عَزّ وَجَلّ ويُثني عليه بأنه لا إله إلاّ هو ويذكر تفرّده بالْخَلْق والأمْر
مَن أراد أن يسأل الله شيئا، فليُقدِّم بين يدي مسألته ثناء على الله، وتَمْجيدا، ومَدْحَا، فإن الله عَزّ وَجَلّ يُحبّ الْمَدْح.

قال عليه الصلاة والسلام: لاَ شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَة مِنَ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية: ولا أحَد أحبّ إليه الْمِدْحَة من الله، فلذلك مَدَح نفسه، لذا يُشْرَع مدْح الله عزّ وَجَلّ والثناء عليه قبل الدعاء وقبل سؤال الحاجات.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: كُنْتُ أُصَلّي والنبيّ صلى الله عليه وسلم وأبُو بكرٍ وعُمَرُ معه، فلما جَلَسْتُ بَدَأْتُ بالثناءِ على الله، ثم الصّلاةِ على النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم دَعوْتُ لنَفْسِي، فقال النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: سَلْ تُعْطَهْ. سَلْ تُعْطَهْ. رواه الترمذي، وقال: حسنٌ صحيح. وعن فَضَالَة بن عُبَيْدٍ صَاحِب رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: سَمِعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رَجُلاً يَدْعُو في صَلاَتِهِ لَمْ يُمَجّدِ الله وَلَمْ يُصَلّ عَلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: عَجِلَ هَذَا. ثُمّ دَعَاهُ فَقَالَ - لَهُ أوْ لِغَيْرِهِ -: إذا صَلّى أَحْدُكُمْ فَلْيبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبّهِ وَالثّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمّ يُصَلّي عَلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ثُمّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شاء. رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن خزيمة والحاكم.

الكرم والجود

ومِن الثناء على الله عَزّ وَجَلّ ذِكْر عادته تبارك وتعالى مع عِباده، وكَرَمِه وجُوده، وعظيم فضله وامتنانه عليهم، ولذلك لِمّا دعا زكريا عليه الصلاة والسلام قال: (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا).

ومِن ذلك: ذِكْر عادة الله تعالى مَع مَن دَعاه مُخلِصا، وأنه لا يَردّ الدّاعي صِفرا خائب اليدين. قال عليه الصلاة والسلام: إِنّ رَبّكُمْ تَبَارَكَ وتعَالى حَيِيّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدّهُما صِفْرا خائبتين. رواه أبو داود والترمذي وحسّنه.

وروى ابن أبي الدنيا مِن طريق زافر بن سليمان عن يحيى بن سليم، بَلَغَه أن ملك الموت استأذن ربه أن يُسَلِّم على يعقوب عليه السلام، فأذن له، فأتاه فسلم عليه، فقال له: بالذي خلقك، قبضت روح يوسف؟ قال: لا، قال: أفلا أعلمك كلمات لا تسأل الله شيئا إلا أعطاك ؟ قال: بلى، قال: قُل: يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا ولا يحصيه غيره. قال: فَمَا طَلَع الفجر حتى أُتِي بِقَميص يوسف عليه السلام.

إثبات الحمد

وأن يُدْعَى الله عَزّ وَجَلّ بإثبات الحمد له والْمِـنَّة، وأنه تبارك وتعالى ذو الجلال والإكرام. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا أوْ قام مِن الليل ليُصلّي أثنى على الله عزّ وَجَلّ بما هو أهله.

ففي الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: اللهم لك الحمد أنت قيّم السماوات والأرض ومن فيهن.ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومَن فيهن.ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومَن فيهن.

ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض.ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق والنَّبِيُّون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق والساعة حق.اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكَمْت، فاغفر لي ما قدمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت الْمُقَدِّم وأنت الْمُؤخِّر، لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك.

وروى ابن أبي شيبة من طريق عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول:اللهم تَمّ نُورك فَهَدَيت فَلَكَ الْحَمْد، وعَظُم حِلمك فَعَفَوْت فَلَكَ الْحَمْد، وَبَسَطْتَ يَدك فأعطيت فَلَكَ الْحَمْد، ربنا وَجهك أكْرم الوُجوه، وجَاهك خير الجاه، وعطيتك أفضل العطية وأهنأها، تُطاع ربنا فتَشْكُر، وتُعْصَى ربنا فَتَغْفِر، تُجيب المضطر، وتَكْشِف الضُّرّ، وتَشْفِي السَّقِيم، وتُنَجّي مِن الكَرْب، وتقبل التوبة، وتغفر الذنب لمن شئت، لا يَجزي آلاءك أحد، ولا يُحْصِي نعماءك قول قائل. ودَعَا رَجُل فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم. قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعْطَى. رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني والأرنؤوط.

توحيد الله

ومِن الثناء على الله تبارك وتعالى أن يُوحَّد الله عَزّ وَجَلّ، ويُثنَى عليه بأنه لا إله إلاّ هو.

فقد دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ، وَهُوَ يَتَشَهَّدُ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. فَقَالَ: قَدْ غُفِرَ لَهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ. ثَلاَثًا. رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني.

وصح أن رجلا دَعا بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد الصمد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد سَألتَ الله باسْمِه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعْطى. رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وصححه الألباني. ودُعاء الكَرْب الذي دعا به يونس عليه الصلاة والسلام متضمِّن لإفراده تعالى بالتوحيد، والإقرار بالذَّنْب.

قال عليه الصلاة والسلام: دَعْوَةُ ذِي النّونِ - إذْ دَعَا وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ -: لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ، فَإِنّهُ لَمْ يَدْعُ بها رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطّ إلاّ اسْتَجَابَ الله لَهُ. رواه الإمام أحمد والترمذي، وصححه الألباني.

وأنه سبحانه وتعالى لا يهتِك السِّتْر، ولا يُؤاخِذ بالجريرة

كَانَ عَلِيُّ بِنُ الحُسَيْن بِمِنى، فَظَهَرَ مِنْ دُعَائِهِ أَنْ قَالَ: «كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ أَنْعَمْتَهَا عَلَيَّ قَلَّ لَكَ عِنْدَهَا شُكْرِي، وَكَمْ مِنْ بَلِيَّةٍ ابْتَلَيْتَنِي بِهَا قَلَّ لَكَ عِنْدَهَا صَبْرِي، فَيَا مَنْ قَلَّ شُكْرِي عِنْدَ نِعَمِهِ فَلَمْ يَحْرِمْنِي، وَيَا مَنْ قَلَّ صَبْرِي عِنْدَ بَلائِهِ فَلَمْ يَخْذُلْنِي، وَيَا مَنْ رَآنِي عَلَى الْمَعَاصِي وَالذَّنُوبِ الْعِظَامِ فَلَمْ يَهْتِكْ سِتْرِي، وَيَا ذَا الْمَعْرُوفِ الَّذِي لا يَنْقَضِي، وَيَا ذَا النِّعَمِ الَّتِي لا تَحُولُ وَلا تَزُولُ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا». رواه البيهقي في «شُعب الإيمان».

وقال يُوسُفُ بِنُ الْحُسَيْن: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ فِي مُنَاجَاتِهِ: كَمْ مِنْ لَيْلَةٍ بَارَزْتُكَ يَا سَيِّدِي بِمَا اسْتَوْجَبْتُ مِنْكَ الْحَرَمَانَ، وَأَسْرَفْتُ بِقَبِيحِ فِعَالِي مِنْكَ عَلَى الْخُذْلانِ، فَسَتَرْتَ عُيُوبِي عَنِ الإِخْوَانِ، وَتَرَكْتَنِي مَسْتُورًا بَيْنَ الْجِيرَانِ، لَمْ تَكْأَفُنِي بِجَرِيرَتِي، وَلَمْ تُهَتِّكْني بِسُوءِ سَرِيرَتِي، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى صِيَانَةِ جَوَارِحِي، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى تَرْكِ إِظْهَارِ فَضَائِحِي، فَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ الصَّالِحُ: لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. رواه البيهقي في «شُعب الإيمان».

التفرد بالخلق

ومِن الثناء على الله عَزّ وَجَلّ: ذِكْر تفرّده بالْخَلْق والأمْر.

روى مسلم من طريق سهيل قال: كان أبو صالح يأمُرُنَا إذا أراد أحدنا أن يَنام أن يَضطجع على شِقِّه الأيمن، ثم يقول: اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى، ومنْزِل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك مِن شَرّ كل شيء أنت آخذ بِنَاصِيَتِه، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقْضِ عَنّا الدَّيْن وأغْنِنَا من الفقر. وكان يَروى ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأنه تبارك وتعالى بيده مقاليد الأمور، وخزائن السماوات والأرض، وأنه أكْرَم الأكرَمِين، وأجوَد الأجودِين، وأن يَمينه سحّاء الليل والنهار لا تغيضها نَفَقة، وأن خزائنه ملأى لا تنفَد. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أُحُدٍ دَيْنًا لأدَّاه الله عنك ؟ قُل يا معاذ: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء، وتَنْزِع الملك ممن تشاء، وتُعِزّ مَن تشاء، وتُذِلّ من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير. رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تُعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك.

قال المنذري: رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد وقال الألباني: حَسَن.

ويُثْنَى على الله عَزّ وَجَلّ بأنه خالِق السماوات والأرض، وأنه الحيّ القيوم، الذي لا تأخذه سِنة ولا نَوم.وأنه تبارك وتعالى الذي خَلَق العَرْش العظيم، وهو ربّ العرش العظيم،ولهذه المعاني وغيرها كانت آية الكرسي أعظم آية، لتضمّنها هذه المعاني. وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ. رواه البخاري ومسلم.

ودَعَا رَجُل فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم. قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعْطَى. (سبق تخريجه)
الراي
 

السيب

Active Member
طاقم الإدارة
التدرّج في الطاعات
وقل رب زدني علما
إسلاميات - الجمعة، 15 يناير 2016 / 817 مشاهدة / 15
شارك:
n.png
n.png
n.png

الراي
| ناصر الغيث |
من الملاحظ أن الانسان يسعى دائما إلى منفعة نفسه في الحياة الدنيا، وهذا ليس عيباً إذا كان عن الطرق المشروعة وغير المضرة للنفس أو للغير، أو المخالفة للشرع أوللقانون، فهذا شيء مشروع لا غبار عليه، بل هذا محبب إذا كان في مصلحة دينه لرفع قدره في الآخرة، بل من الواجب عليه في هذه الحالة الحرص على ذلك وبذل الجهد فيه لما له من مردود واضح يوم القيامة، من زيادة في الحسنات ومحو للسيئات،

فقد ترى بعض الشباب وبعد التزامه بالدين يحاول بكل جهد واندفاع العمل بحماس لكسب الحسنات في أقصر مدة ممكنة،حتى يعوض ما فاته من تقصير أو تهاون في ما مضى من العمر، فتراه يحاول القيام بما يرضي الله سبحانه وتعالى بكل الطرق،


وفي اندفاعه لهذا الأمر لا يلاحظ أن الشيطان الرجيم عدو المؤمنين والناس أجمعين يخطط له كذلك للسيطرة عليه واقصائه عن الطريق القويم، و إعادته الى ما كان عليه من غير التزام وتهاون، بل يريد أيضا أن يزيد في غوايته وضلاله لكي يترك الالتزام ويدخل في مجاهل المعاصي والسيئات، ومثال على ذلك شاب التزم حديثا، صلاة في المسجد، صيام وصدقات ونوافل، وغيرها مما يقربه الى الله سبحانه وتعالى ويبعده عن النار،

هذا الشاب قرر أن يقوم الليل لما قرأه في كتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم من فضل القيام، وما له من أجرعظيم عند الله سبحانه وتعالى، ترى هل يتركه الشيطان اللعين يفعل ذلك ؟ كلا، بل يأتيه على هيئة الناصح الأمين، المشجع والراغب في المساعدة، لاحظ أن الشاب في بداية التزامه وقد تعود على أمور كثيرة لن يتخلص منها إلا بعد مدة قد تطول، من جهاد للنفس وعزيمة وتصميم ودحر للشيطان اللعين، وإفشال مكائده، بل وتدرج في العبادة خصوصا في النوافل والسنن،

المهم يأتيه الشيطان اللعين على هيئة الناصح فيوسوس له ويقول له: لم لا تقوم الليل بما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقوم به، كان يصلي في الركعة الواحدة بالبقرة وآل عمران والنساء، ويقوم بإقناعه في التطويل في صلاة القيام، وهذا الشاب ملتزم حديثا، وجسمه ونفسه وطبيعته لن تقوى على هذه الإطالة،فيحاول مرة أو مرتين، فإذا عجز ترك فكرة قيام الليل الى غير رجعة،إلا من رحمه الله سبحانه وتعالى، وقام بالتدرج في هذه العبادة العظيمة،

وقد يأتيه كذلك اذا نوى الصوم فيقول له: لماذا لا تصوم كنبي الله داوود عليه السلام، تصوم يوما وتفطر يوما، فيعجز عن ذلك ويترك صيام النافلة، أخي الشاب العزيز: تدرج في النوافل تستمر وتكسب رضا الله وعباده ولا يغرنك الشيطان فإنه لك عدو مبين واعلم بأن نفسك، وجسمك، وطبيعتك، لها طاقة محدودة فلا تحملها فوق الطاقة المتاحة لها، وقم بالعبادة وهي من السنن عادة، بالتدريج، وذلك لكي تكتسب اللياقة الكاملة مع مرور الأيام سنة، سنتين، أو ربما أكثر حتى تشعر بلذة العبادة ولا تنسى بأنك تتعامل مع من بيده مقاليد السماوات والأرض،

فإذا رأى منك الإخلاص في العبادة والتوجه إليه وحسن نيتك أمدك بطاقة من عنده قد لا تكون في حسبانك في يوم من الأيام ولا تنسى هذه الآيات العظيمة من كتاب الله العزيز حيث يقول سبحانه وتعالى: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) العنكبوت 69، نعم،كن مجاهدا في الله العزيزالحكيم ولكن، بروية وحكمة، وعدم استعجال وأخذ بالأسباب، والنظرة البعيدة الصائبة، ولا يغرنك الشيطان الرجيم وتزيينه لك بالإطالة في بداية التزامك فإنه يضع لك السم في العسل كما يقال وتوكل على الله العزيز الحكيم.
 
أعلى