تعرف على تاريخ الاخوان المسلمين .. و نهجهم الذي تسبب بكل مانراه من فتنة و إرهاب بإسم الدين

السيب

Active Member
طاقم الإدارة
توابل / 80 عاماً من الدم والغدر (1): دماء الباشا بين أصابع البنا
80 عاماً من الدم والغدر (1): دماء الباشا بين أصابع البنا



الجمعة 03 يوليو 2015 - الساعة 00:01
القراءة المنصفة لتاريخ الجماعات الإسلامية في مصر، تكشف أن العنف كان سمة مشتركة بين عدد من هذه التنظيمات، خصوصاً في ظروف نشأتها خلال النصف الأول من القرن العشرين، وكلها جماعات خرجت من عباءة الجماعة التي تعتبر «الأم»، وهي جماعة «الإخوان» المصنفة «إرهابية» في مصر.
«الجريدة»، قرأت الكثير مما كتبه المؤرخون، حول ظروف نشأة جماعة «الإخوان»، في مصر، قبل أكثر من ثمانين عاماً، وملابسات التكوين والنشأة وظروفها، لتتعرف إلى أي مدى تورطت فيه هذه الجماعة من دماء، بادئة بقصص القتل التي اتهمت فيها عناصر الجماعة، والعمليات التي اعترف بها رموزها وقياداتها في مذكراتهم.

1435837831_19_2.jpg

1435837831_33_5.jpg

1435837831_49_3.jpg

1435837831_66_1.jpg

كتب الخبر: حسن حافظ
T+ | T-

وفقاً لشهادات الكثير من المؤرخين المصريين، فإن العمليات الإرهابية والعنف المفرط الذي نشاهده الآن في الشارع العربي، ليس وليد اللحظة أو ابن الظروف الحالية، بل هو خطوة في طريق العنف والإرهاب وضعت أسسه منذ عقود، منذ ظهور جماعة «الإخوان المسلمين»، عميدة الجماعات الإسلامية، والتي خرج من تحت عباءتها الكثير من جماعات العنف المسلح.
هكذا قال المؤرخون، أمثال عبدالعظيم رمضان، وجمال شقرة، ورؤوف عباس حامد، صاحب مقولة إن فصيل الإخوان «نجح في تبديد طاقات الحركة السياسية لقطاع عريض من الجماهير المصرية»، ولهذا المؤرخ الاستثنائي أهمية خاصة، لكونه أول من نشر وثائق رسمية تثبت تعاون الإخوان مع الإنكليز، تحديداً خلال فترة الأربعينيات من القرن الماضي.
لم يخف حسن البنا يوماً طموحه في السلطة، بل عبر عن أحلامه فتلقب بـ»المرشد» ليعطي نفسه هالة دينية ورفعة عن أتباعه، مؤكداً أن هدفه الأسمى هو «أستاذية» العالم، أيّ إقامة الخلافة، ودشن مقولته «الإسلام دين ودنيا»، تحت شعارات تربوية دينية، اعتبرت على نطاق واسع خلطاً غير بريء، وتدنيساً للمقدس على حساب غايات دنيوية بحتة.
رؤوف عباس حامد، وصف هذه الأهداف قائلاً في بحثه «الإخوان المسلمون والإنكليز»: «هي أهداف يلفها الغموض، يستطيع كل طرف أن يفهمها على هواه... ويعكس هذا الموقف الهلامي القدرة التنظيمية التي تمتع بها حسن البنا، فهو يريد لدعوته الانتشار من خلال النشاط الديني، والاجتماعي دون أن يلزم نفسه أو جماعته بموقف سياسي محدد».
البنا (من مواليد عام 1906) جاء من أصول ريفية في محافظة البحيرة شمال غربي القاهرة، ولم يكن في ذهنه في البداية إلا الدعوة باستخدام وسائل سلمية، كان واقعا تحت تأثير صدمة سقوط الخلافة العثمانية، بعدما قرر مصطفى كمال أتاتورك إلغاءها، وإعلان الجمهورية التركية، لذلك عمل البنا على استخدام الدعوة كمحاولة لإحياء الخلافة، وعندما وجد أن وسائل الدعوة صادفت بعض النجاح، لكنه ظل أقل من المأمول في تأسيس دولة إسلامية يحكمها البنا، بدأ في تحويل جماعة «الإخوان المسلمين»، التي تم تأسيسها في الإسماعيلية سنة 1928، من العمل الدعوي إلى العمل المسلح، عبر تشكيل ميليشيات شبه عسكرية، بحسب توصيف المؤرخ الراحل الدكتور رؤوف عباس حامد، بداية من «فرق الرحلات».
وكان البنا، وفقاً للدكتور عبدالعظيم رمضان في كتابه «الإخوان المسلمون والتنظيم السري»، يساير موجة تشكيل الأحزاب الفاشية في إيطاليا وألمانيا لميليشيات مسلحة لقمع المعارضين، وهي تجربة عرفتها مصر على يد حزب مصر «الفتاة»، لكنه زاد فعمل على إعطاء صبغة إسلامية لهذه الميليشيات باستدعاء نماذج من التاريخ، خصوصاً أن مشروع البنا لم تكن له علاقة بقضايا الاستقلال والدستور والتحديث التي شغلت القوى السياسية المدنية القائمة في مصر طوال فترة الثلاثينيات والأربعينيات، بل كان مشروعه في المقام الأول بمنزلة الرد العاطفي على انهيار الخلافة الإسلامية بسقوط الدولة العثمانية سنة 1924م.
من الثابت تاريخياً، أن البنا بدأ بعد نحو 10 سنوات من العمل الدعوي، الانتقال إلى مرحلة أعلى من العمل الميداني، فنقل البنا مقر الجماعة الرئيس من الإسماعيلية إلى القاهرة سنة 1932، وبدأ في الانخراط في أنشطة سياسية منذ يناير 1939، بالتزامن مع إصدار مجلة «النذير» الأسبوعية، لسان حال جماعة «الإخوان»، والتي صدر العدد الأول منها بافتتاحية كتبها البنا ذاته، وتضمنت رؤية الجماعة وخطواتها التالية، وفي تلك الأثناء كانت الجماعة تمارس الإرهاب الفكري والتضييق على رموز الفكر الليبرالي، ما أدى إلى ردة وانخفاض سقف الحريات.
كتب البنا في هذه الوثيقة الخطيرة قائلاً: «... سننتقل من دعوة الكلام حسب، إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال، وسنتوجه بدعوتنا إلى المسؤولين من قادة البلد، وزعمائه، ووزرائه، وكل حكامه، وشيوخه، ونوابه، وأحزابه، وسندعوهم إلى مناهجنا، ونضع بين أيديهم برنامجنا، فإن أجابوا الدعوة... آزرناهم، وإن لجأوا إلى المواربة... فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام، ولا تسير في الطريق لاستعادة كلمة الإسلام ومجد الإسلام، سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة».
وأكد البنا أن التحول من الدعوي إلى السياسي طبيعي، وأنه مجرد «خطوة ثانية في طريقتنا الإسلامية»، محذراً من أن «الجهاد العملي» بعد «الدعوة القولية»، له ثمن، والمتمثل في الاضطهاد، والمضايقات المختلفة، لكن الغريب حقاً تذييل البنا للافتتاحية بإبداء أمل الإخوان في «جلالة الملك المسلم»، في إشارة إلى الملك فاروق، ما يكشف التحالف القوي بين القصر والإخوان في تلك الفترة، خصوصاً أن الملك وحاشيته كانوا أجهزوا على الحياة السياسية، وأطاحوا بحكومة الأغلبية وفرضوا نمطاً فاشياً لقمع المعارضة.

تحالف غير مقدس

التحالف والتعاون بين الإخوان والقصر، والذي رصده بدقة رؤوف عباس حامد في مقاله «الإخوان المسلمون والإنكليز»، لم يكن بعيداً عن أعين قوات الاحتلال البريطاني، التي أحكمت قبضتها على البلاد منذ سنة 1882، وبدأ رجال الإمبراطورية البريطانية في مطلع الأربعينيات فتح قنوات اتصال مع البنا، ولم يكن تحالف الإنكليز مع «الإخوان» شيئا فريدا، بل كان جزءا من سياستها بالتحالف مع القوى الإسلامية في إطار سياسة فرق تسد، وهي السياسة الإنكليزية المتبعة طوال النصف الأول من القرن العشرين.
هذه السياسة الإنكليزية في احتواء الحركات الإسلامية تلاقت مع رغبة الملك فاروق، في تحجيم نفوذ حزب «الوفد»، من خلال الاستعانة بـ»الإخوان»، ونبه تقرير للمخابرات البريطانية في عام 1942 إلى أن «القصر بدأ يرى أن الإخوان مفيدون وأضفى حمايته عليهم»، هنا تلاقت أهداف الاستعمار والقصر، فبدأت بريطانيا جس نبض الإخوان وفتح قنوات اتصال مبكرة مع الجماعة، ووفقاً للمؤرخ الإنكليزي مارك كورتيس في كتابه «التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين»، فإنه بحلول سنة 1942 بدأت بريطانيا في تمويل جماعة «الإخوان» بشكل قاطع.


http://www.aljarida.com/news/index/...-الدم-والغدر--1---دماء-الباشا-بين-أصابع-البنا
 

الغيص

Active Member
طاقم الإدارة
80 عاماً من الدم والغدر (2)
صندوق الـ«بندورا» الذي كشف أسرار «الجماعة»
80 عاماً من الدم والغدر (2)
صندوق الـ«بندورا» الذي كشف أسرار «الجماعة»




السبت 04 يوليو 2015 - الساعة 00:01

1435925989_5_1.jpg

1435925989_62_3.jpg

1435925989_76_2.jpg

1435925989_91_4.jpg

1435925990_05_5.jpg

كتب الخبر: حسن حافظ
T+ | T-
أخبار ذات صلة
80 عاماً من الدم والغدر (1): دماء الباشا بين أصابع البنا
جاء اغتيال رئيس الحكومة أحمد ماهر، ليشعل الأمور في قاهرة الأربعينيات من القرن الماضي، حيث تبادل فرقاء السياسة التهمة، وإن كان القصر والحكومة السعدية، استقر في يقينهم أن جماعة «الإخوان» تقف خلف الجريمة، في وقت سعت الجماعة الى ترسيخ نفوذها في شارع السياسة المصرية متحدية القصر، ما أدى إلى تفجر الصراع بين القصر وحكوماته غير المنتخبة، وبين جماعة «الإخوان»، التي لجأت إلى سلاحها المفضل، الإرهاب، ما فتح أنهار الدماء من جديد.
تحكي الأسطورة اليونانية القديمة أن بندورا (حواء اليونانية)، حصلت على هدية خبيثة من كبير الآلهة زيوس، تمثل في صندوق مغلق، حذرها بروميثيوس، الجبار الذي أحب البشر فأهداهم سر النار، من خطورة فتح الصندوق، لكن الفضول غلب الحذر، ففتحت بندورا الصندوق فخرجت جميع الشرور التي يعج بها العالم الآن، هذه الأسطورة تحولت إلى واقع مع الإخوان، فأسرار الجماعة كشفت مرة واحدة، بمحض المصادفة، لأن صندوق بندورا الإخوان تمثل في سيارة «جيب» كشف سقوطها في قبضة الأمن المصري حقيقة التنظيم الإرهابي.
الخبير الأمني خالد عكاشة، يقول في كتابه «أمراء الدم» إن انكشاف تنظيمات الإخوان المسلحة تزامن مع توتر الأجواء بين حسن البنا وجماعته، والقصر ورئيس الحكومة الجديد محمود فهمي النقراشي، صديق أحمد ماهر الذي قضى على يد الإخوان، فرغم ادعاء القاتل الانتماء للحزب الوطني، ليبعد الشبهة عن البنا ورفاقه، فإن الأجواء توترت بعدما بدأ التنظيم الخاص بقيادة عبدالرحمن السندي في تنفيذ عمليات تصفية جسدية لمخالفي الجماعة.
وبات المراقب للعلاقة بين القصر والإخوان يؤمن أنها علاقة حكمتها قاعدة بندول الساعة، من النقيض إلى النقيض، علاقة تحكمها النفعية، القصر يريد استخدام الجماعة لتحجيم نفوذ «الوفد»، ما يسمح للقصر باحتكار السلطة بشكل مطلق، بينما ترغب الجماعة في استغلال علاقتها بالقصر لتوفير غطاء يسمح لأنصارها بممارسة جميع المخالفات دون ملاحقات.


كل من المؤرخ ريتشارد ميتشل وعبدالعظيم رمضان أكدا في دراستيهما عن الإخوان أن التقارب بين القصر والإخوان بات القاعدة مع وصول إسماعيل صدقي باشا إلى رئاسة الوزراء في فبراير 1946، وهو الرجل سيئ السمعة والمعروف بأنه رجل القصر القوي، ورغم رفض مختلف القوى الوطنية لقرار الملك تعيين صدقي، فإن الإخوان أبدوا ترحيبهم بقرار الملك، وخرجت المظاهرات الإخوانية المؤيدة، بل إن زعيم الإخوان داخل الجامعة المصرية (جامعة القاهرة فيما بعد)، علق على وعد إسماعيل صدقي بعدم استخدام العنف ضد طلاب الجامعة، مستشهدا بالآية القرآنية: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد} [مريم: 54].
وحصل الإخوان على ثمن تأييدهم لقرار الملك فاروق، فوفقا للمؤرخ ميتشل في دراسته المرجعية عن {الإخوان}، حصلت الجماعة على ترخيص بإصدار صحيفة باسم الجماعة، ظهرت بالفعل في مايو 1946 باسم {الإخوان المسلمين}، مع امتياز شراء ورق الطباعة بالأسعار الرسمية، امتياز لم تحصل عليه الصحف القاهرية على اختلاف مشاربها، والتي اضطرت لشراء ورق الطباعة من السوق السوداء بأثمان باهظة، كما منحت الحكومة المصرية لجوالة الإخوان بعض الامتيازات المتعلقة باستخدام المعسكرات الحكومية، ومنحها قطع أرض لبناء مبان للجماعة في المناطق الريفية، فضلاً عن تقديم معونات حكومية للجماعة بوصفها مساعدات لخدمات تعليمية واجتماعية!
وتم تفعيل التحالف بين القصر والإخوان عبر تصدي الجماعة لتحركات الوفد والقوى الوطنية، وبلغ الأمر مداه باستخدام الإخوان العنف لمطاردة أعضاء القوى الوطنية حماية للقصر ورئيس الحكومة إسماعيل صدقي، وبلغت الجرأة بأعضاء الجماعة حدا دفعهم لتحدي قرار الحكومة بمنع تسيير أي طوابير أو مواكب في الشارع، ونظموا مسيرة أمام قسم شرطة الخليفة (وسط القاهرة) نهاية عقد الأربعينيات، ما أدى إلى اشتباكات مع مأمور القسم ورجاله، لكن الحكومة عادت ووبخت مأمور القسم، وسوت الموقف بالسماح للإخوان بتنظيم احتفالية ضخمة أمام قسم الخليفة تأكيدا على انتصار الجماعة.
في تلك الأجواء تخلص حسن البنا من رفيق دربه أحمد السكري، الذي تجمع الكثير من المصادر والشهادات الموثقة على أنه المؤسس الحقيقي لجماعة {الإخوان}، فتم طرد السكري من الجماعة سنة 1947، وعين صالح العشماوي رئيسا للتنظيم السري خلفا للسكري، ثم آلت القيادة الفعلية إلى عبدالرحمن السندي الذي أشرف على الشق العسكري للجماعة، في ظروف يكتنفها الغموض.
في وقت بدأت الجماعة تكثف من التدريبات العسكرية لأعضائها بحجة المشاركة في حرب تحرير فلسطين، وهو ما اعتبره ميتشل {حجة لم تفعّل قط}، وكل ما حدث هو تنفيذ عدة عمليات إرهابية ضد اليهود المصريين، فتم نسف محل شكوريل، ثم وقع انفجاران في حارة اليهود (شرق القاهرة)، وتوالت التفجيرات، وكان أكبرها ما وقع بشركة {الإعلانات الشرقية}، التي أشيع مساندتها للنشاط الصهيوني، في 22 نوفمبر 1948، ما أدى إلى تصدع جميع المنازل والمحال القريبة من موقع الانفجار.
ومع تزايد وتيرة التفجيرات الإخوانية، سقط بعض شباب الإخوان في قبضة قوات الأمن، وجرت محاكمتهم أمام القاضي أحمد الخازندار، الذي سبق له أن حاكم قاتلاً شغل الناس في مصر وعرف بـ{سفاح الإسكندرية}، وحكم عليه بالسجن سبع سنوات، لكنه حكم على المتهمين الإخوان بالسجن لمدد تتراوح بين ثلاث وعشر سنوات، كان الحكم اختبارا لقوة الجماعة، وتوجهت الأنظار إلى حسن البنا لمعرفة الرد.

رسالة تهديد

تسرع حسن البنا وعبدالرحمن السندي في جني ثمار العمل السري الممتد منذ سنة 1928، حيث أرادا أن تصل رسالتهما واضحة إلى الجميع، من ليس معنا فمصيره القتل، كان شعورهما بالقوة يتعاظم، أدركا أن اللعب على نغمة الجهاد ضد المستعمر يجني فوائده، تقاربا مع بعض القوى السياسية على خلفية مواجهة المحتل، كما أكسبهما التحالف مع القصر غطاء من المشروعية في العمل، ومنح الإخوان حرية في شراء السلاح وجمعه.
ووفقاً لرفعت السعيد، ترك البنا الحبل على غاربه لأعضاء التنظيم السري لممارسة العنف وإرهاب جميع الخصوم، وجاءت لحظة الحقيقة عندما حكم الخازندار بإدانة شباب الإخوان، ما اعتبرته الجماعة بمثابة الإهانة وإلقاء لقفاز التحدي، فجاء قرار تصفية الخازندار، وأعطى البنا مشروعية لعملية الاغتيال، قائلاً فور سماعه بالأحكام :}لو ربنا يريحنا من الخازندار وأمثاله}، وهو ما اعتبره عبدالرحمن السندي بمثابة حكم بالإعدام على القاضي الجليل، ليقرر الدفع ببعض شباب التنظيم لتصفية الخازندار، ما كان مؤشراً على قرب نهاية {التحالف التاريخي} بين القصر والإخوان، بحسب توصيف المؤرخ رؤوف عباس حامد.
وتروي مجلة {آخر ساعة} في عددها الصادر في 24 مارس 1948 التفاصيل الدقيقة للدقائق الأخيرة في حياة الخازندار، في يوم 22 مارس 1948م، فقد استيقظ القاضي يوم مقتله في الخامسة والربع صباحا وهو الوقت الذي اعتاد أن يستيقظ فيه، وبعد أن راجع بعض أوراق قضاياه بدأ يرتدي ملابسه، ثم اتجه إلى مكتبه وظل فيه إلى الساعة السابعة والثلث، وعاد إلى المنزل مرة أخرى فلم يقض فيه إلا دقائق قليلة ثم خرج في السابعة والنصف تقريبا ليلحق بقطار اللوكس السريع في حلوان في الساعة الثامنة.
وبعد خروجه من منزله وعلى بعد أمتار قليلة ظهر من العدم محمود سعيد زينهم (يبلغ من العمر 22 عاما لحظة وقوع الجريمة) وحسن عبدالحافظ ( يبلغ من العمر24) من شباب الإخوان اللذين انهالا على جسد الخازاندار رميا بالرصاص حتى بلغ عدد الرصاصات التي أُطلقت عليه 14 رصاصة، استقرت منها سبع في جسد الشهيد.
ترصد {آخر ساعة} بقية أجواء الجريمة قائلة إن منفذي العمل الإجرامي طاردهم أهالي حلوان وأصحاب المحلات، بل وأطفال المدارس، ما أدى إلى ارتباك الجناة واضطرارهما إلى الهروب إلى الجبل بديلا عن الذهاب إلى المدينة كما هو متفق عليه لسهولة التخفي، لحق البوليس بالجناة وبعد تبادل قصير للنيران استسلم الإخوان الجناة، وبدأت التحقيقات التي أشرف عليها النائب العام –وقتذاك- محمود باشا منصور، قدم المتهمان إلى محكمة الجنايات وقام رئيس محكمة الجنايات المستشار عبدالفتاح بك البشري، بمحاكمة الجناة بنفسه وأصدر حكمه عليهما بالسجن المؤبد نتيجة لفعلتهم الشنعاء.
وكان للحكم وقعه على المتهمين فترصد لنا صحف ذلك العصر أن {محمود سعيد زينهم} قفز في قفص الاتهام، قفزة طاول بها سقف القاعة، أما {حسن عبدالحافظ} فقد انطلق في ضحك هيستيري، فطبقا للمؤرخ عبدالرحمن الرافعي كان ظن الجناة أن المحكمة ستحكم بإعدامهما، فما كادا يسمعان الحكم حتى قابلاه بالبشر والفرح العظيم وتعانقا وتبادلا التهاني كأنما قد حكم ببراءتهما، ما حدث بالفعل بعد نحو 4 أعوام ومع وصول الضباط الأحرار إلى سدة الحكم، كانت العلاقات الودية مع {الإخوان} مسيطرة، حيث أفرج {الأحرار} عن جميع المسجونين من {الإخوان} في السجون المصرية على رأسهم محمود سعيد زينهم.
ارتباك القيادات

جن جنون الحكومة المصرية بقيادة فهمي النقراشي، الذي تولى رئاسة الحكومة بعد إقالة إسماعيل صدقي، وبدأ في دراسة إجراءات متشددة ضد الإخوان، فالنقراشي قبل التحدي وقرر مواجهة إرهاب الإخوان بكل حزم، ما أصاب قيادات الإخوان بالارتباك، لدرجة أن البنا فور تنفيذ عملية الاغتيال وسقوط الجناة في قبضة الأمن، صلى العشاء ثلاث ركعات وسها في الركعة الرابعة، وهي المرة الوحيدة التي شاهده فيها أعضاء الجماعة يسهو في صلاته، ووفقًا لشهادة عضو التنظيم الخاص، الدكتور عبدالعزيز كامل، في كتابه {في نهر الحياة}، أنه دخل في نقاش حاد مع البنا والسندي، حول جريمة الاغتيال.
وقال كامل للبنا: هل أصدرت أمرا صريحا لعبدالرحمن السندي باغتيال الخازندار، وهل تحمل دمه على رأسك وتلقى به الله يوم القيامة؟
قال البنا: لا.
فقال كامل: إذاً فضيلتكم لم تأمر ولا تحمل مسؤولية هذا العمل أمام الله؟
فأجاب البنا: نعم.
توجه كامل بأسئلته إلى السندي بعد استئذان البنا، قائلاً: ممن تلقيت الأمر بهذا؟
السندي: من الأستاذ حسن البنا.
كامل: هل تحمل دم الخازندار على رأسك يوم القيامة؟
رد السندي: لا.
كامل: إذاً من يتحمل مسؤولية الشباب الذين دفعتم بهم إلى مقتل الخازندار؟
السندي: عندما يقول الأستاذ إنه يتمنى الخلاص من الخازندار فرغبته في الخلاص منه أمر.
كامل: مثل هذه الأمور لا تؤخذ بالمفهوم أو بالرغبة.
وسأل كامل المرشد: هل ستترك المسائل على ما هي عليه أم تحتاج منك صورة جديدة للقيادة وتحديد المسؤوليات؟
فرد البنا: بل لابد من تحديد المسؤوليات.
وفقا لشهادة كامل فتلك الواقعة كشفت عن عمق الخلافات بين البنا والسندي، ومدى شعور الأخير بالقوة لرئاسته التنظيم الخاص، وانتهاجه لمنهج أكثر دموية، فيما كان البنا يرغب في مزيد من التدرج والتراجع خطوات، والبعد عن الاصطدام المباشر مع القصر والحكومة، بعدما استشعر أن اندفاعه عرض الجماعة كلها للخطر، لكن خيوط لعبة العنف والقتل التي أطلقها البنا من قبل، أفلتت بالكامل من بين يديه، فلم تعد تخضع له بقدر ما بات يخضع هو لها، تقوده أنى شاءت.

سقوط {الجيب}

في ظل هذه الأجواء المشحونة بالتوتر، وصلت العلاقة بين الإخوان والدولة المصرية إلى نقطة الصدام، تم إلقاء القبض على البنا لكن أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة ضده، في وقت بدأ القصر وحكومة النقراشي في استشعار خطر جماعة {الإخوان} التي تحولت إلى كيان مواز للدولة المصرية، دولة داخل الدولة، لا تعلم الدولة المصرية عنها شيئا.
كان أكثر ما يخشاه القصر، وفقا لكتاب ريتشارد ميتشل، أن يعلن الإخوان الثورة على النظام القائم، رأى القصر أن عملية رعاية الإخوان ودعمها في مواجهة الوفد، انتهت بتحويل الإخوان إلى خطر لا يقل خطورة عن الوفد، فتقاربت وجهات النظر بين القصر وحكومة النقراشي بضرورة توجيه ضربة قاصمة، لكن نقص المعلومات حول التنظيم وقف حائلا أمام التحرك ضد الإخوان.
ويقول عبدالعظيم رمضان إن القدر حل إشكالية القصر وحكومة النقراشي، ففي يوم 15 نوفمبر 1948، وأثناء قيام عدد من أعضاء النظام الخاص بنقل أوراق فائقة السرية وبعض الأسلحة والمتفجرات في سيارة جيب من إحدى شقق الإخوان السرية إلى شقة أخرى بحي العباسية (شمال القاهرة)، اشتبه الأمن في السيارة التي لم تكن تحمل أرقاما، ومع توقيف السيارة عثرت قوات الأمن على كنز معلوماتي تمثل في أسماء 32 قياديا من قيادات التنظيم الخاص، الذي لم تكن سلطات الأمن تعلم عنه شيئا، فضلا عن وثائق وأرشيفات الجهاز بأكمله.
وحتى ذلك التاريخ لم يكن الأمن المصري يعلم شيئا عن التنظيم الخاص، ففي يناير 1948 اكتشفت قوات الأمن وجود مخزن سلاح في جبل المقطم، يحتوي على 165 قنبلة ومجموعة ضخمة من السلاح، وعند إلقاء القبض على من تواجد في المكان، قالوا إنهم يجمعون السلاح لحرب تحرير فلسطين، فتم الإفراج عنهم، على الرغم من أن قائدهم كان سيد فايز، القيادي بالتنظيم السري، فالمعلومات كانت معدومة عن هذا التنظيم المسلح قبل واقعة الجيب.
وفي مساء ذلك الیوم كانت إحدى عربات الجیب تتأهب للوقوف أمام أحد المنازل بالقاهرة في نفس اللحظة التي تصادف فيها مرور قوة من رجال البولیس، وعندما لاحظ رجال الشرطة أن العربة غیر مطلیة بأي دهان وأنها محملة بالأقفاص، ذهبوا لمواجهة الرجلین اللذین هبطا منها ولاذا بالفرار في الحال، إلا أن الأهالي الذين تجمعوا بعد أن أخذ رجال الأمن في الصیاح: {صهاینة.. صهاینة}، أوقفوهما على بعد مسافة قصیرة.
وخلال لحظات قلیلة كان رجل ثالث یحمل حافظة جلدیة یسیر في طریقة إلى المكان المحدد للقاء- قد أثار الشبهات وأوقف هو أیضا عن طریق الأهالي، وكشف تفتیش شقة الشخص الثالث- والتي كانت هي المكان المحدد للقاء بين رجال التنظيم- عن ثلاثة آخرین من المجموعة، وخلال ساعات قلیلة وصل عدد المقبوض عليهم إلى 32 شخصا، ومن خلال الأوراق والوثائق التي عثر علیها في السیارة الجیب والحافظة الجلدیة وملفات المذكرات والأجندة ومحفظة الجیب والسجلات الشخصیة الأخرى التي عثر عليها في منازل المقبوض عليهم، انكشف أمر الجهاز السري للإخوان المسلمین.
بعدما وضعت حكومة النقراشي يدها على تلك الوثائق بدأت في إجراءات حل جماعة {الإخوان}، وفي 28 نوفمبر ألقي القبض على حسن البنا، الذي أمضى نحو شهر في الحجاز لأداء فريضة الحج، لكن أفرج عنه بعدها، وحاول البنا إنقاذ ما يمكن إنقاذه ومحاولة تأجيل لحظة مواجهة العاصفة.
لكن الأحداث بسرعتها طوت الجميع، فأثناء تظاهرات للطلبة من جميع التيارات داخل الجامعة المصرية ضد قبول الهدنة في حرب فلسطين، خرجت قوات الشرطة بقيادة حكمدار القاهرة، سليم زكي، وخلال المعركة الساخنة بين الطرفين، ألقيت قنبلة على زكي أودت بحياته، وعلى الفور تم اتهام الإخوان بالوقوف خلف الجريمة.
حاول البنا، وفقا لرفعت السعيد في كتابه {الإرهاب المتأسلم}، التدخل بكل السبل لفتح خط اتصال بالملك والقصر، بذل ماء الوجه، ذكّر بالتحالفات القديمة، حاول التواصل مع رئيس الديوان الملكي إبراهيم عبدالهادي، لكنه لم يحصل على أكثر من كلمات مبهمة من صديقه وكيل وزارة الداخلية، عبدالرحمن عمار، بأن شيئا ما سينقذ الموقف، وكان ذلك في 8 ديسمبر 1948.
انتظر حسن البنا تحرك القصر في مقر الجماعة، بعد ساعات من مكالمته مع عمار، استمع البنا ورفاقه إلى نبأ عاجل على الراديو بصدور قرار من وزارة الداخلية بحل جماعة {الإخوان المسلمين} بكل فروعها في عرض البلاد وطولها، الغريب أن القرار جاء بناء على مذكرة أعدها عبدالرحمن عمار نفسه.
وفي الحال أحاطت قوات الشرطة بمقر الجماعة الرئيسي وألقي القبض على الجميع باستثناء البنا، الذي ترك وحيدا في مقر الجماعة يشاهد والحسرة تأكل قلبه انهيار ما بناه في نحو عشرين عاما، حاول البنا أن يستجدي النقراشي لكن الأخير رد بقسوة قائلا: {لا خطر منك بعد أن قصصنا أجنحتك}، فالتنظيم الخاص كان انهار بعد سقوط معظم قيادته –وفي مقدمتهم السندي نفسه- في قبضة الأمن، ما مكن الدولة المصرية من فصل قيادات الإخوان عن قواعدها التنظيمية فسادت الفوضى صفوف الجماعة.
وحاولت الجماعة التخلص من أوراق قضية سيارة {الجيب} بأي وسيلة ممكنة، ووصل الأمر إلى محاولة تفجير محكمة الاستئناف (13 يناير 1949) لإتلاف أدلة الاتهام ضد قيادات الجماعة وتدمير جميع المستندات التي عثرت عليها الشرطة في سيارة {الجيب}، لكن أمكن ضبط المتفجرات وتم إخراجها خارج المحكمة، حيث انفجرت وأسقطت 25 مواطناً بجروح مختلفة
... يتبع
 

الغيص

Active Member
طاقم الإدارة
عاماً من الدم والغدر 3: دماء النقراشي والبنا تؤجِّج صراع الدولة والتنظيم
80 عاماً من الدم والغدر 3: دماء النقراشي والبنا تؤجِّج صراع الدولة والتنظيم



الأحد 05 يوليو 2015 - الساعة 00:01

1436018835_78_22165165w.jpg

1436018835_91_331515w.jpg

1436018836_08_551516w.jpg

1436018836_23_115156w.jpg

كتب الخبر: حسن حافظ
T+ | T-
أخبار ذات صلة
80 عاماً من الدم والغدر (2)
صندوق الـ«بندورا» الذي كشف أسرار «الجماعة»

80 عاماً من الدم والغدر (1): دماء الباشا بين أصابع البنا
يتوقف التاريخ عند لحظات حاسمة فارقة ليسجلها، فما بعدها لا يشبه ما سبقها، في أوقات معينة يقف التاريخ منتبهاً مسجلاً تلك الأحداث التي تعيد تشكيل تاريخ الأمم، ومن تلك اللحظات التي عاصرتها مصر في تاريخها الحديث، تعد الأيام القليلة الممتدة من الشهر الأخير في عام 1948 حتى الشهر الأول من عام 1949 عامرة بالأحداث التي كشفت طبيعة الصدام بين الدولة المصرية وتنظيم «الإخوان المسلمين»، بين دولة كانت ترغب في احتكار كل السلطة وتقصي جميع أشكال الحكم الديمقراطي، وتنظيم يريد الوصول إلى السلطة لاحتكارها مستخدما وسائل لا تقل إجراما عن النظام الملكي المصري، فكان طبيعيا أن يحدث الصدام.

كانت الأمور مشتعلة، الإخوان كشفت عن وجهها الإرهابي، فيما صعد القصر وحكومة النقراشي من إجراءات وقرارات ضد جماعة «الإخوان»، وتم تمهيد المشهد للوصول إلى قمة المأساة بإعلان حل جماعة «الإخوان المسلمين»، وشنت الصحف القاهرية هجوما ساحقا على جماعة «الإخوان»، ولخصت مجلة «آخر ساعة» الموقف قائلة: «لقد تخلصت الحكومة من جماعة يمكن اعتبارها أقوى خصومها، وهذه الجماعة لم تكن مجرد حزب بل كانت تشبه بالأحرى دولة كاملة بأسلحتها ومستشفياتها ومدارسها ومصانعها وشركاتها».
واستندت الحكومة في قرار الحل إلى مذكرة اتهام أعدتها وزارة الداخلية، تتضمن جميع أعمال العنف التي ارتكبتها الجماعة، وضمت المذكرة 13 مادة، من بينها سعي الجماعة لقلب نظام الدولة السياسي القائم عبر استخدام عصابات مسلحة والقنابل والآلات المفرقعة، فضلا عن تخريب المنشآت الحكومية وأقسام ومراكز الشرطة، فضلا عن تعريض حياة الناس وأموالهم عمداً للخطر باستعمال القنابل والمفرقعات، وهي تهم يمكن إعادة توجييها إلى إخوان القرن الواحد والعشرين الذين عادوا لممارسة العنف بالطريقة القديمة.
على كل حال، استند النقراشي إلى مذكرة الاتهام لإصدار قرار عسكري بصفته الحاكم العسكري من 9 مواد، نصت المادة الأولى على أن: «تحل فوراً الجمعية المعروفة باسم جماعة الإخوان المسلمين بشعبها أينما وجدت، وتغلق الأمكنة المخصصة لنشاطها، وتضبط جميع الأوراق والوثائق والسجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال، وكل الأشياء المملوكة للجمعية، ويحظر على أعضائها والمنتمين إليها بأي صفة كانت، مواصلة نشاط الجمعية، وبوجه خاص عقد اجتماعات لها أو لإحدى شعبها أو تنظيم مثل هذه الاجتماعات أو الدعوة إليها أو جمع الإعانات أو الاشتراكات أو الشروع في شيء من ذلك».
انطلقت أجهزة الأمن المصرية تطارد أعضاء جماعة «الإخوان» بشراسة، حاول البنا التصدي لهذه الهجمة فأجرى كل اتصالاته، لكنه لم يلق القبول ولم يتلق إلا ضحكات شامتة، الدولة المصرية كانت مصممة على سحق التنظيم بكل ما أوتيت من قوة، وكان البنا يعيش أسوأ أيام حياته على الإطلاق، فمن ناحية رأى بأم عينيه كيف انهار ما سعى إلى بنائه طوال عقود، ومن ناحية أخرى فقد القدرة على توجيه التنظيم الذي تعرض لضربة فككت أوصاله، في تلك الأجواء وصلت الأمور إلى قمة المأساة.
حاول البنا اللعب على القصر والنقراشي عله ينقذ ما يمكن إنقاذه، ففي وثيقتين وجدتا ضمن أوراق النقراشي باشا نكتشف تضارب البنا وتخبطه السياسي، أولهما رسالة البنا إلى الملك فاروق، وتقرير من وزارة الداخلية مرفوع للنقراشي حول زيارة مرشد «الإخوان المسلمين» لديوان الوزارة، لا يفصل بين الاثنين سوى ثلاثة أيام، في الرسالة الأولى يستعدي المرشد العام الملك على النقراشي، بينما نجده في زيارته الى ديوان وزارة الداخلية يمتدح النقراشي، ويتنصل من مسؤوليته تجاه من «اندسوا على الإخوان المسلمين»- على حد قوله.
من الوثيقة الأولى التي أرسلها البنا إلى الملك نقتبس: «يا صاحب الجلالة إن الإخوان يلوذون بعرينكم وهو خير ملاذ، ويعوذون بعطفكم وهو أفضل معاذ، ملتمسين أن تتفضلوا جلالتكم بتوجيه الحكومة أو بإعفائها من أعباء الحكم ليقوم بها من هو أقدر على حملها»، ويغازل البنا الملك فيقول: «الإخوان هي أطهر مجموعة على ظهر الأرض... وأكسب ورقة في يد كل عامل لخير البلاد والعباد».
الوثيقة الثانية هي مذكرة رفعها وكيل وزارة الداخلية عبدالرحمن عمار، إلى النقراشي، الذي جمع بين منصب رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية، عن ملخص مقابلته مع البنا يقول فيها عكس ما قاله للملك تماماً، كتب عمار: «حدثنا البنا أنه يريد أن ينهي إلى دولة رئيس الوزراء بأنه قد عول نهائياً على ترك الاشتغال بالشؤون السياسية، ثم تكلم مادحاً دولة النقراشي باشا قائلاً إنه على يقين من نزاهته وحرصه على خدمة وطنه وعدالته في كل الأمور.. ومن مصلحة الحكومة والأمة معاً أن يبقى الصرح الضخم الذي جاهد الإخوان المسلمون سنوات طويلة في إقامته».
كما هو متوقع فشلت مناورة البنا، لم يدرك أن القصر والحكومة اتفقا على تصفية تنظيم الإخوان، وأن آلة العنف دارت ولم يعد في الإمكان السيطرة عليها، تملك اليأس من البنا الذي رأى كل حلفائه خانوه، أدرك أنه خسر كل شيء، التنظيم يترنح تحت قسوة ضربات الأمن وإلقاء القبض على المئات من أنصار جماعته، ندم على موافقته على افتتاح الحكومة للمعتقلات اعتقادا منه أنها لن تستقبل إلا معارضيه، أخذته المفاجأة وهو يرى العشرات من أبناء تنظيمه يساقون إلى المعتقلات، والبنا في قمة يأسه، جاء خبر هز كيانه كله، وأدرك وقتها أن كل شيء انتهى.

اغتيال

إزاء الملاحقات الأمنية لأنصار الجماعة، جاء رد فعل الإخوان عنيفاً، فبعد مرور عشرين يوماً على قرار حل الجماعة، روعت القاهرة بنبأ مقتل رئيس الحكومة محمود فهمي النقراشي باشا على يد شاب إخواني، يدعى عبدالمجيد أحمد حسن، الذي ألقي القبض عليه واعترف فيما بعد أنه قام بفعلته انتقاما من النقراشي بعد قراره بحل جماعة «الإخوان المسلمين».
وأجمعت صحف ذلك الزمان على وصف تفاصيل الحادثة، إلا أن صحيفة «الزمان» المسائية، لصاحبها إدجار جلاد بك ورئيس تحريرها جلال الدين الحمامصي، كانت سباقة لصدورها في مساء يوم الحادثة بنقل التفاصيل الأولية للحادثة.
ففي العاشرة إلا الثلث من صباح يوم 28 ديسمبر 1948، دخل ضابط بوليس برتبة ملازم أول صالة وزارة الداخلية في الطابق الأول، فأدى له حراس الوزارة التحية العسكرية، وأخذ يقطع الوقت بالسير البطيء في صالة الوزارة كأنه ينتظر شيئا ما، وعندما أحس بقرب وصول دولة النقراشي باشا، الذي نزل من سيارته محاطاً بحرسه الخاص واتجه الى المصعد، فأدى له هذا الضابط التحية العسكرية فرد عليه مبتسماً، وعندما أوشك النقراشي على دخول المصعد أطلق عليه هذا الضابط ثلاث رصاصات في ظهره فسقط قتيلا، ونقل جثمانه إلى داره بمصر الجديدة، وأعلنت محطة الإذاعة الحداد مدة يومين تقتصر فيهما البرامج على القرآن الكريم والأخبار والأحاديث، بمعرفة المذيعين وحدهم مع إعفاء المذيعات كنوع من الحداد.
أما القاتل فقد اتضح أنه ضابط مزيف كان يتردد على قهوة بالقرب من وزارة الداخلية، وقال رواد المقهى إنهم عرفوا الضابط المزيف باسم حسني أفندي، وأنه تلقى مكالمة هاتفية قبل الجريمة بعشرين دقيقة من شخص مجهول أخبره أن النقراشي باشا في طريقه إلى مكتبه بوزارة الداخلية، وقام المارة والمتواجدون من العامة بالقبض على المجرم وأوسعوه ضربا وسلموه إلى الشرطة.
ورفض عبدالحميد حسن، الذي كان طالبا بكلية الطب البيطري، الاعتراف بأي تفاصيل عن ملابسات الجريمة ملتزما الصمت مدة ثلاثة أسابيع تعرض خلالها لجميع صنوف التعذيب، حتى أصدر المرشد العام للإخوان حسن البنا بيانه الشهير «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين»، الذي تبرأ فيه من هذه الأعمال الإرهابية ومرتكبيها، في محاولة أخيرة من البنا لإنقاذ الجماعة من مصيرها، لكن البيان بالصيغة التي خرج بها كان له أثر سلبي على الإخوان الذين انهارت معنوياتهم إلى الصفر، فالرجل الذي بايعوه على الجهاد، تخلى عنهم في أحلك الظروف.
ما إن تأكد القاتل عبدالمجيد حسن بأن البنا أصدر بيانه يعلن تبرأه منه، حتى انهار وأدلى باعتراف تفصيلي، وقال لمدير المباحث الجنائية الأميرالاي محمود عبدالمجيد بك، :»أيوه قتلته وأعترف بكده لأنه أصدر قرارا بحل جمعية الإخوان المسلمين، وهي جمعية دينية ومن يحلها يهدم الدين... قتلته لأني أتزعم شعبة الإخوان منذ كنت تلميذا في مدرسة فؤاد الأول الثانوية».

غضب

شيعت جنازة رئيس الحكومة النقراشي باشا وسط مشاعر غضب من أنصاره، الذين هتفوا «الموت لحسن البنا»، وبدأت ردود الأفعال تتوالى في أعقاب مقتل النقراشي، فقد توالت برقيات العزاء من دول العالم المختلفة وهي البرقيات التي أفردت لها الجرائد وقتها مساحات واسعة في حين تقدم سفراء وقناصل الدول المختلفة بتقديم واجب العزاء.
وخرجت جريدة الكتلة، لسان حال حزب الكتلة الوفدية بعنوان رئيسي «مصرع المغفور له دولة النقراشي»، وهو نفس موقف جريدة «المصري» اليومية وفدية الهوى المعادية للنقراشي فقد تناست عداءها للرجل، فخرجت بعنوانها الرئيسي «اغتيال دولة النقراشي باشا في وزارة الداخلية»، وأفردت صفحتها الأولى لتفاصيل الجريمة.
في حين قدمت جريدة «صوت الأمة» لسان حال حزب الوفد-المنافس الرئيسي للحزب السعدي- تغطيتها للحادث بالتأكيد على أن يدا أثيمة فاجرة امتدت بثلاث رصاصات غادرة إلى المغفور له محمود فهمي النقراشي فسقط صريعا، وتابعت مجلة «آخر ساعة» تفاصيل الجريمة وتحقيقات النيابة مع القاتل حتى خرجت باعترافات عبدالمجيد أحمد حسن بانتمائه الى جماعة الإخوان.
وبعد الحادث بأربعة أيام، وفي صحيفة «أخبار اليوم» الصادرة صباح (السبت) أول يناير سنة 1949 نقرأ العنوان الرئيسي بالبنط الأسود الكبير «قاتل النقراشي له شركاء»، مع عنوان ثانوي باللون الأحمر «إبراهيم عبدالهادي باشا سيجري الانتخابات القادمة»، إضافة إلى صورة الفقيد بجوار صاحبة العصمة السيدة الجليلة أرملته وكان النقراشي يمانع في نشر هذه الصورة عندما كان على قيد الحياة.
على الصفحة الثالثة أيضا من نفس عدد «أخبار اليوم السابق»، نجد مقالا بقلم الكاتب الصحافي الكبير مصطفى أمين تحت عنوان «النقراشي كان يعرف أنه سيموت»، يقول فيه إنه ذهب لزيارة النقراشي باشا في منزله قبل اغتياله بأسبوعين تقريبا ولفت نظره أثناء جلوسه في الصالون، انتظارا لنزول الباشا، أن حوائط المنزل مزينة بصور أصدقاء النقراشي الراحلين، ومنهم د. محجوب ثابت وشاعر النيل حافظ إبراهيم ورفيق كفاحه أحمد ماهر، وصورة مصطفى النحاس باشا رغم اختلاف النقراشي معه.
ودار الحوار بين مصطفى أمين والنقراشي حول القرار الذي ينوي إصداره بحل الإخوان المسلمين، فتمسك النقراشي برأيه في ثبات عجيب، وقال بالنص: «سوف أصدر القرار وأنفذه وبعد الاطمئنان على الحالة سأستقيل، وأعود معلما كما بدأت وأعلم ابني هاني وصفية بنفسي».
ولما رأه مصطفى أمين مصرا على تنفيذ رأيه تنبأ باغتياله، وقال له: «قد تكسب رأيك ولكننا سنخسرك». وعاد مصطفى أمين الى بيته باكيا وكان يشعر وهو يصافحه أنه الوداع الأخير، وتحققت النبوءة واغتيل النقراشي، فختم مصطفى أمين مقاله قائلا: «تلقيت نبأ مقتل النقراشي فلم أبك ولم أنتحب لأني بكيته بالدمع السخين قبل أن يموت بأسبوعين».
حزنت مصر وجزعت لمقتل النقراشي باشا، وشيعه مجموع الشعب ليدفن بجوار صديقه ورفيق عمره أحمد ماهر باشا في المدفن المقام بشارع الملكة نازلي (رمسيس حاليا)، بالقرب من مستشفى دار الشفا بالعباسية ومن الغريب أن القاتل أعلن ندمه عقب اعترافه الجريمة، وقد توالت حفلات تأبين النقراشي باشا وتبارى الشعراء والأدباء في رثائه ومنهم صديقه علي بك الجارم بقصيدته الغائية الفخمة ومطلعها:
ماء العيون على الشهيد ذراف ... لو أن فيضا من معينك كافي
وإذا بكى القلب الحزين فماله ... راق ولا لبكائه من شافي
ورثاه أيضا صديقه الشاعر والمفكر الكبير عباس محمود العقاد بقصيدة أنيقة عنوانها ‹الشهيد الأمين» مطلعها:
أسفي أن يكون جهد رثائي ... كلم عابر ورجع بكاء الانتقام
انتهت مشاهد الحزن سريعاً، وبدأ القصر الملكي في الاستعداد للانتقام من قتلة النقراشي، تم تحميل حسن البنا المسؤولية كاملة على جريمة الاغتيال، رغم محاولته التنصل بإصدار بيانه الشهير الذي تبرأ فيه من أعضاء جماعته، إلا أن القصر اتخذ قراره بتصيفة البنا سياسياً ومعنوياً أولا، ثم إطلاق رصاصة الرحمة لتصفيته جسدياً ثانياً، فقد تولى رئاسة الحكومة إبراهيم عبدالهادي، الصديق الحميم للنقراشي ورئيس الديوان الملكي، الذي أصبح اسمه في الشهور التالية مرتبطا في أذهان جميع المصريين بالسلطة الرسمية الغاشمة، فمن خلاله كان القصر الملكي يحكم بصورة مباشرة ويتحكم في الحياة السياسية، فضلا عن لجوء عبدالهادي إلى العنف المفرط في مواجهة الإخوان.
في تلك الأثناء، كان حسن البنا على وشك الانهيار، يستجدي العفو من القصر، استغلت الحكومة حالة البنا في التلاعب به، وافق عبدالهادي على عرض البنا في مساعدة الحكومة لاستعادة الأمن مقابل إعادة الشرعية للجماعة، شكلت لجنة وساطة، ضمت صالح حرب باشا وزكي علي باشا ومصطفى مرعي بك ومحمد الناجي ومصطفى أمين، وهم جميعا من أصدقاء الجانبين، وكان ثمرة عمل هذه اللجنة إصدار البنا لبيانه الشهير الذي حمل عنوان «بيان للناس»، الذي استنكر فيه عملية اغتيال النقراشي وتبرأ فيه من قاتليه، وكان البيان خطوة في طريق قتل البنا سياسياً.
استغل رئيس الحكومة عبدالهادي محاولة الإخوان لتفجير محكمة الاستئناف في 13 يناير 1949، وإلقاء القبض على عضو التنظيم الخاص شفيق إبراهيم أنس، الذي اعترف بإعطاء القنبلة لأحد السعاة لوضعها داخل المحكمة، لكنها انفجرت خارجها، استغل عبدالهادي الحادث لممارسة مزيد من الضغوط على البنا، الذي أصدر بيانا جديدا ضمنه عبارته الشهيرة «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين»، ثم وجه البنا نداء عاما إلى شباب الجماعة للكف عن كتابة خطابات التهديد وارتكاب أعمال العنف، معتبرا أي أفعال أخرى موجهة إليه شخصيا.
عندما حصل عبدالهادي على ما يريد من البنا، أغلق باب المفاوضات معه، وقرر استخدام مزيد من العنف في مطاردة الإخوان وتعذيبهم في السجون، وعندما فقد البنا أي أمل في استعادة الود المفقود مع القصر، أصدر البنا بيانه الأخير بعنوان «القول الفصل»، وزع سراً، برر فيه لجوء الإخوان إلى العنف، في محاولة بائسة لاستعادة شعبيته المتداعية بين صفوف جماعته.
دقت ساعة النهاية لحسن البنا، ففي مساء السبت 12 فبراير 1949، وبعد اجتماع مع صهره عبدالكريم منصور في مقر جمعية الشبان المسلمين، بشارع الملكة نازلي (شارع رمسيس الحالي بوسط القاهرة)، وطلبا من ساعي الجمعية عوض باستدعاء سيارة أجرة، في الثامنة و12 دقيقة، وكانت الأجواء هادئة في الشارع في تلك اللحظة، لم ينتبه أحد للسيارة السوداء الموجودة على الناحية الأخرى من الشارع.
جلس البنا في المقعد الأيمن من السيارة وصهره في المقعد الأيسر، فجأة ظهر رجلان من العدم، عبرا الطريق قادمين من السيارة السوداء، اتجه أحدهما صوب البنا أطلق عليه النار من مسدس يحمله، حاول البنا المقاومة وأمسك المسدس، لكن المهاجم المجهول عاجله بضربة قوية ثم أجهز عليه، بإطلاق رصاصة قاتلة من مسافة متر، ابتلع الظلام المهاجمين، ولم يعثر لهما على أثر، تركا خلفهما البنا قتيلا وفي جسده 6 أعيرة نارية.
من قتل البنا؟ ظل السؤال معلقا، وإن كانت أسهم الاتهام صوبت إلى القصر وحكومة عبدالهادي، باعتبارهما المستفيد الأول من قتل البنا، لكن وفقاً للمؤرخ مارك كويتس في كتابه «التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين»، فإن تقرير هيئة المخابرات الخارجية البريطانية بهذا الشأن يتحدث بكل وضوح عن أن الحكومة «دبرت الاغتيال بموافقة القصر، فقد تقرر إزاحة حسن البنا من مسرح نشاطاته بهذه الطريقة، لأنه طالما ظل حراً، فالأرجح أن يسبب إزعاجاً للحكومة، في حين أن اعتقاله سيؤدي يقينا إلى مزيد من الاضطرابات مع أنصاره، الذين لا ريب في أنهم يعتبرونه شهيداً لقضيتهم»، هكذا تم التخلص من حسن البنا لينهي الملك فاروق ورئيس حكومته الفاشية إبراهيم عبدالهادي إرهاب الإخوان بإرهاب مماثل.
انتهت مواجهة أربعينيات القرن الماضي بين الدولة والإخوان بعد عاصفة الدم وسقوط الجماعة في فخ الإرهاب، واعتماد منهج التصفية الجسدية والتفجيرات للمنشآت العامة، فكانت الحصيلة مقتل رئيسي حكومة أحمد ماهر ثم محمود فهمي، واغتيال حكمدار القاهرة، والقاضي أحمد الخازندار، فضلا عن وفاة وإصابة العشرات في التفجيرات التي طالت منشآت عامة وخاصة، ثم سقط حسن البنا نفسه ضحية لدائرة العنف التي أطلقها، لكن الجماعة الدموية كانت على أعتاب مواجهة أعنف فالخمسينيات تطل بوجهها ومعها ثورة 23 يوليو 1952، وبدأت نذر المواجة بين الضباط الأحرار والإخوان تلوح في الأفق
الجريدة
 

الغيص

Active Member
طاقم الإدارة
/ 80 عاماً من الدم والغدر 4
الطريق إلى «المنشية»
80 عاماً من الدم والغدر 4
الطريق إلى «المنشية»




الاثنين 06 يوليو 2015 - الساعة 00:01

1436098793_06_2.jpg

1436098793_22_3.jpg

1436098793_33_1.jpg

كتب الخبر: حسن حافظ
T+ | T-
أخبار ذات صلة
80 عاماً من الدم والغدر 3: دماء النقراشي والبنا تؤجِّج صراع الدولة والتنظيم
80 عاماً من الدم والغدر (2)
صندوق الـ«بندورا» الذي كشف أسرار «الجماعة»

80 عاماً من الدم والغدر (1): دماء الباشا بين أصابع البنا
تعد حادثة المنشية، التي حاول فيها بعض عناصر جماعة «الإخوان المسلمين» اغتيال الزعيم جمال عبدالناصر، أكتوبر 1954، من أهم فصول الإرهاب الذي تعرضت له مصر ولاتزال، وفي هذه الحلقة والحلقات التالية نستعرض تفاصيل الصراع الذي دار في الظل بين فرقاء المشهد المصري، ورسم الطريق إلى حادثة المنشية الإرهابية، فما دار في الظل كان أكثر إثارة وحسما مما دار في العلن.في نهار صامت تترقب فيه شوارع القاهرة ما ستسفر عنه أحداث ميدان «التحرير»، حيث أيقونة ثورة 25 يناير 2011، ممتلئ على آخره، والقيادي الإخواني محمد مرسي يفتح أزرار بدلته محتفيا بانتصاره في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2012، وغير بعيد عن مشهد الاحتفال بوصول أول «إخواني» إلى رئاسة مصر.
وفي أستوديو إحدى الفضائيات خرج ابن القيادي في الجماعة عبدالقادر عودة، د. خالد عودة، معلنا قبول العزاء في والده الذي أعدمه نظام الضباط الأحرار سنة 1954، نافيا مشاركة والده في محاولة اغتيال الزعيم جمال عبدالناصر، إلا أن أحد المشاركين في عملية الاغتيال المدعو، خليفة عطوة، يدخل على الخط معلنا صحة الواقعة قائلا: «مش هنكدب على ربنا تاني، كفاية كدب، الواقعة صحيحة».


يختلط الماضي بالحاضر، ليعيد تشكيل المستقبل، فجماعة «الإخوان» لم يغادرها العنف طويلا، ولم تقلع عن الإرهاب وأساليب الدم إلا على سبيل «التُقية»، تركت العنف لفترة لأنها أوكلت لجماعات خرجت من عباءتها مهمة القتل باسم الإسلام، لكن الأقنعة لا تنجح في إخفاء النوايا إلا لبعض الوقت، عنف الإخوان عاد إلى الواجهة وسقطت كل أحاديث المعايشة والمشاركة، اكتشف الجميع أنها كانت محض سراب.
وظل «الإخوان» ينكرون محاولتهم اغتيال الزعيم جمال عبدالناصر لعقود، حتى تم الاعتراف بصحة الواقعة عقب وصول محمد مرسي في يونيو 2012، وقتها شعر الإخوان بالتمكين، لاعبهم حلم أستاذية العالم، لم يدركوا طبيعة الشعب المصري، مد لهم الأخير الحبل لكي يسقطوا في مصيدة أفعالهم، تم إطاحة الإخوان من السلطة سريعا، فسقطت مقولات الجماعة عن المشاركة وعادت إلى العنف، في وقائع مسجلة بالصوت والصورة.
محاولة اغتيال عبدالناصر ظلت الجريمة الوحيدة التي بذل الإخوان جل جهدهم في نفيها عنهم، لا تعرف لماذا، الأمر الذي يطرح عدة أسئلة عن طبيعة العلاقة الملتبسة بين الإخوان والزعيم العربي، يلح علم النفس على المرء لتحليل هذه العلاقة، فهل وقع الإخوان في عشق جلادهم، ألم يكن عبدالناصر صورة البطل الذي انتظروه ليعيد إحياء أمجاد الأمة؟ هل وقع الإخوان في فخ العلاقات غير السوية في نظرتهم لعبدالناصر، فلم ينسوا يوما ما فعله في التنظيم، لكنهم يتذكرون له أنه كاد يحقق أحلام حسن البنا يوما؟ هل حكمت عقدة أوديب نظرة الإخوان، الأب الذي عبدوه وحاولوا قتله؟ أسئلة متروكة لتحليلات علماء النفس.
ما جرى في 7:55 ليل 26 أكتوبر 1954 لم يكن إلا قمة الجبل الجليدي الغاطس في سنوات مضطربة سبقت هذا التاريخ، ولولا ما جرى في سنوات نهاية الأربعينيات حتى مطلع الخمسينيات، ما كان يمكن أن تصل الأمور إلى قمة مأساتها بالصدام بين نظام يوليو وجماعة «الإخوان»، والذي فلت من عقاله في منتصف الخمسينيات وامتد إلى منتصف الستينيات، في مواجهة تكسير عظام كانت الأعنف بين الدولة المصرية وتنظيم الإخوان، حتى تاريخه.

علاقات قديمة

تبدو خيوط القصة مفككة، وجمعها يلقي بعض الضوء على ما جرى، في الأربعينيات كانت هناك مجموعة من ضباط الجيش الصغار، الذين ساءهم ما وقعت فيه البلاد من تراجع وضياع لاستقلالها في حادثة 4 فبراير 1942، عندما أجبر الاحتلال الإنكليزي الملك فاروق على تغيير الحكومة بعد حصار قصر عابدين.
ثم جاءت حرب تحرير فلسطين 1948 لتعمق الجروح، هزيمة موجعة للجيوش العربية أمام العصابات الصهيونية، أثبتت أن التغيير في القيادة مطلوب، من رحم تلك المعاناة خرج إلى الوجود تنظيم الضباط الأحرار داخل صفوف الجيش المصري.
وبينما سنوات الأربعينيات تغلي بالتغيرات الاجتماعية والسياسية، كان طبيعيا أن يتنقل الشباب بين مختلف التيارات بحثا عن حل لأزمة بدت مستحكمة، في تلك الأجواء اطلع بعض ضباط الجيش على فكر «الإخوان»، كان بينهم جمال عبدالناصر، بينما كان أنور السادات على علاقة وثيقة بالمرشد العام لجماعة الإخوان حسن البنا، وبدا البعض منحازا للفكر اليساري مثل خالد محيي الدين.
ورغم التباين في تقييم مدى عمق علاقة عبدالناصر بتنظيم الإخوان في الفترة الأولى من حياته، فإن شهادة خالد محيي الدين في مذكراته «والآن أتكلم» حسمت الأمر بتأكيد وجود صلة بين الضباط الأحرار و»الإخوان»، في إطار سعي الضباط في مقتبل الأيام للبحث عن القوى القادرة على الاصطفاف لمواجهة الاستعمار الإنكليزي، لكن الأمر لم يتعد مرحلة جس النبض والتقارب في مواجهة نفس الخطر الذي يتهدد الجميع، فظل ما يفرق بين الضباط الأحرار وجماعة «الإخوان» أكبر من أي محاولة لتقريب وجهات النظر.
ويرصد محيي الدين أول لقاء جمعهم بالبنا قائلا: «... كان حسن البنا يمتلك مقدرة فذة على الإقناع وعلى التسلل إلى نفوس مستمعيه، وكان قوي الحجة واسع الاطلاع، وفي اللقاء الأول معه بدأنا نحن بالحديث، وطرحنا –أنا وعبدالناصر- آراءنا، وعندما تكلم البنا أفهمنا بهدوء وذكاء أن الجماعة تعاملنا معاملة خاصة، ولا تتطلب منا نفس الولاء الكامل الذي تتطلبه من العضو العادي... تناقشنا معه، كان رحب الصدر، ألححت في ضرورة إعلان برنامج (للإخوان)... وأجاب (أي البنا): لو وضعت برنامجا لأرضيت البعض وأغضبت البعض، سأكسب ناسا وأخسر آخرين، وأنا لا أريد ذلك».
ويتابع محيي الدين: «وتتالت مقابلاتنا مع حسن البنا، وقد كان يمتلك حججا كثيرة لكنها لم تكن كافية ولا مقنعة بالنسبة لأكثرنا، وظل عبدالناصر مستريبا في أن الجماعة تريد أن تستخدمنا كمجموعة ضباط لتحقيق أهدافها الخاصة»، مؤكدا أن علاقة مع الإخوان سرعان ما أصابها الفتور قائلا: «... لا يمكن أن نقول إننا في يوم كذا انسحبنا من الجماعة، فقط أصبحت الشكوك تملؤنا وأصبحنا على غير وفاق، وغير متحمسين، وبدأنا نتباعد أنا وجمال، وربما بدأت الجماعة هي أيضا تستشعر أننا لا نمتلك الولاء الكافي فبدأت تتباعد عنا، وتدريجيا يأتي عام 1947 ليجد علاقتنا –جمال وأنا- وقد أصبحت باهتة تماما مع جماعة الإخوان».
وبغض النظر عن مدى دقة هذه الشهادة التي كتبت بعد رحيل عبدالناصر بسنوات، وبعد الوقائع نفسها بعقود، فإن المؤكد أن علاقة ما جمعت الإخوان بتنظيم الضباط الأحرار، وعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952، كان الإخوان على معرفة بأبرز قادة الثورة الجديدة، بل إن بعض الإخوان تمادوا واعتقدوا أن الثورة التي أطاحت الملك فاروق هي ثورة إخوانية، ونظروا إلى قادة التنظيم نظرة تقدير وعرفان، وانتظروا منهم البدء في إقامة دولة إخوانية، فيما لم يكن الضباط الأحرار -وخاصة عبدالناصر- يدينون لأحد بما حققوه من نجاح إلا لأنفسهم فقط.

إعادة بناء

كانت الأمور مهيأة داخل جماعة «الإخوان» للقبول بتحالف غير معلن مع تنظيم الضباط، فقبل ثورة 23 يوليو وفي مطلع الخمسينيات كان تنظيم «الإخوان المسلمين» يعيد ترتيب صفوفه بعد الضربة الساحقة التي تعرض لها على يد الملك فاروق ورجال قصره، بحل التنظيم وتصفية حسن البنا، وإلقاء معظم قيادات الجماعة في السجون في أحداث 1948-49، وهي الأحداث التي خلفت انقسامات حادة داخل التنظيم، إذ بدأ الصراع بين الجناح المتطرف بقيادة صالح عشماوي، وآخر أكثر اعتدالا، وتأجيلا للصراعات تم اختيار المستشار حسن إسماعيل الهضيبي لشغل منصب المرشد العام للجماعة، رغم انه لم يكن من قيادات التنظيم.
ولم يمر اختيار الهضيبي مرشدا عاما مرور الكرام، بل أدى إلى أزمة داخل التنظيم، في ظل رفض العديد من قيادات الجماعة له، فهذا مراقب المركز العام للإخوان، فتحي العسال، يعتبر في شهادته التي أصدرها في كتاب «الإخوان المسلمون بين عهدين»، وصول الهضيبي إلى منصب المرشد «بداية النهاية في تاريخ الإخوان»، قائلا: «واختير الهضيبي الذي لا يعرفه أحد من الإخوان مرشدا عاما، واعترف الإخوان بزلتهم بعد اختياره، وعرفوه قريبا ونسيبا وصهرا لأربعة من رجال السراي الملكية... وكانت هذه القرابات بمثابة نعش لجماعة الإخوان، لأنها حكمت باختياره مرشدا»، معتبرا إياه مرشدا (أي مخبرا) للسراي لا للجماعة، ودلل العسال على ما اعتبره ثمنا لصفقة تعيين الهضيبي، أن الأخير تسلم من الدولة المركز العام للجماعة في حي الحلمية بالقاهرة، والذي كانت الدولة صادرته في أزمة 1948.
أما عن السياق العام للأحداث فيؤكد أن الجماعة التي بدأت عملية لملمة أوراقها، كانت تريد أن تنتهز الفرصة السانحة لإجراء عملية غسل، فاستكانت الجماعة تتحين الفرصة المناسبة للانقضاض على كرسي الحكم، منتظرة ما تسفر عنه الأيام من صراعات بين مختلف القوى السياسية، فالقوى الليبرالية نجحت في إقصاء حكومة السعديين التابعة للقصر، وأجريت الانتخابات التي فاز بها حزب الوفد باكتساح، وشكل مصطفى النحاس الحكومة في يناير 1950، وكان من أول قراراته الإفراج عن المعتقلين السياسيين بمن فيهم كوادر الإخوان، نكاية في القصر.
لكن جماعة «الإخوان» رفضت التحالف مع حزب الوفد، بل إن صالح عشماوي استصدر قرارا من مكتب الإرشاد لطرد مصطفى مؤمن من الجماعة، وهو الشخص المسؤول عن ملف الاتصال بين الجماعة والوفد، وكان هدف الجماعة استخدام ورقة العداء مع الوفد من أجل أن تستعيد علاقتها بالقصر، بل إن عملية اختيار المرشد الجديد كانت محاولة واضحة للتزلف للملك فاروق، فالهضيبي كان صهرا لناظر الخاصة الملكية نجيب باشا سالم.
ونجحت خطة الإخوان في التقرب من الملك فاروق الذي لم يبغض في حياته أكثر من حزب الوفد، وكان يرغب في الإطاحة بحكومة النحاس بأي شكل، ولم يجد أفضل من الإخوان والقوى السياسية الهامشية لتنفيذ رغباته، لذلك لم يكن غريبا أن يستقبل الملك -الذي رفض لقاء حسن البنا دوما- المرشد العام الجديد حسن الهضيبي في القصر الملكي نوفمبر 1951، ووفقا لشهادة الأخير المنشورة في مجلة روز اليوسف، فإن الملك طلب من الجماعة التخلص من العناصر الثورية داخل صفوف الجماعة، والالتزام بمهادنة الإنكليز والعمل على مواجهة الخطر الشيوعي.
لكن الهضيبي، وإن التزم بشكل واضح وصريح بكل ما اتفق عليه مع الملك، إلا أنه عمل على فتح خطوط اتصال مع تنظيم الضباط الأحرار، وكان المسؤول عن هذا الملف داخل الجماعة هو حسن العشماوي، يعاونه صالح أبو رقيق، في وقت كان الصراع على أشده داخل الجماعة بين التيار المتشدد بقيادة عبدالرحمن السندي وصالح عشماوي، والتيار الأقل تشددا بقيادة الهضيبي ومعظم أعضاء مكتب الإرشاد، ووجود تيار ثالث مهادن أقل شأنا.
كان الهضيبي اعتمد نهج التهدئة مع القصر تجنبا لأي صدام قد يكلف الجماعة البقية الباقية من قوتها من ناحية، والعمل على كسب ثقة الملك فاروق من أجل الحصول على وضع أفضل للجماعة في خريطة السياسة المصرية، لذلك نراه يستغل أي فرصة لإعلان ولائه الكامل للقصر، فمرة يزور الملك في أوج التظاهرات الرافضة لسياسات الملك وفساده في 1951، ليخرج بعدها مطالبا شباب الإخوان بالعكوف على قراءة القرآن والبعد عن التظاهرات، ومرة ثانية يزور القصر في 16 يناير 1952، مهنئا بمولد ولي العهد الأمير أحمد فؤاد.
سياسة الموالاة التي اتبعها الهضيبي كانت سببا في اشتعال الصراع داخل تنظيم الإخوان، وبلغ الصراع مستوى التصفية الجسدية، فالقيادي الإخواني محمد عبدالحليم، الذي يعد أحد أهم مؤرخي الإخوان، رصد في كتابه «الإخوان المسلمين أحداث صنعت التاريخ» كيف أن عبدالرحمن السندي دبر جريمة اغتيال القيادي الإخواني سيد فايز، الذي أوكلت له مهمة تحرير التنظيم الخاص من سيطرة السندي، يقول عبدالحليم: «لقد تخلص (أي السندي) منه (أي فايز) بأسلوب فقد فيه دينه وإنسانيته ورجولته وعقله»، شارحا كيفية تنفيذ الجريمة بالقول: «انتهز السندي فرصة ذكرى المولد النبوي الشريف، وأرسل إليه في منزله هدية علبة مغلقة عن طريق أحد عملائه... فلما حضر وفتح العلبة انفجرت فيه وقتلته».
كانت الرغبة الإخوانية عارمة في التخلص من السمعة السيئة للتنظيم الخاص بتحميل السندي جميع الأخطاء والجرائم، وكان الأخير عنيفا في طرحه فثبتت عليه التهمة سريعا، خاصة عندما حاول احتلال المركز العام للجماعة هو وأنصاره، بل توجهوا إلى بيت الهضيبي وأساءوا إليه، وكان الهدف اقتحام المنزل وإجبار الهضيبي على الاستقالة، وتعيين أحد كبار رجال التنظيم الخاص مرشدا للجماعة، إلا أن المخطط فشل لأن الهضيبي تمسك بمقعده.
كما أن القطاع الأكبر من قيادات الإخوان رفضوا تحركات السندي، على الفور اجتمع مكتب الإرشاد في 22 نوفمبر 1953، وتقرر تشكيل لجنة من الهيئة التأسيسية للتحقيق في جرائم السندي، انتهت إلى إدانته، فصدر القرار بفصل السندي وصالح عشماوي ومجموعة من أبرز معاونيه.

اتصالات جديدة

في تلك الأجواء، بدأت الجماعة تعيد التواصل مع تنظيم الضباط الأحرار الذي بدأ يكتسب شعبية واسعة داخل صفوف الجيش المصري، خاصة بعد الهزيمة في حرب 1948، والتي انتهت بميلاد الكيان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية، وكان عبدالناصر واضحا في البداية بعدم تبعية الضباط الأحرار لأي تنظيم آخر بما فيها جماعة «الإخوان»، ما أدى إلى انسحاب عبدالمنعم عبدالرؤوف من تنظيم الضباط الأحرار لرغبته الواضحة في إعلان تبعية الضباط الأحرار للإخوان، الأمر الذي رفضه عبدالناصر، مكتفيا بصلة التعاون المشترك.
وعلمت قيادات الإخوان أن شباب الضباط داخل الجيش يريدون القيام بعمل حاسم ضد الملك فاروق، ويقول حسن العشماوي: «بعض الزملاء –الذين لم نسمع لهم يومئذ- رفضوا إلى آخر لحظة قيام الجيش بحركة عسكرية كخطوة نحو الثورة العامة، لأنهم لا يثقون بحركات الجيوش، أما المتحمسون منا ومن غيرنا، المؤملون كثيرا في مستقبل الحرية، فلم يستمعوا إلى الزملاء الذين أشرت إليهم، ورأوا مخاطر مشاركة العسكريين في الثورة أهون من بقاء النظام القائم في مصر».
ووفقا للمؤرخ المصري د. عبدالعظيم رمضان، في كتابه «الإخوان المسلمون والتنظيم السري»، فإن صالح أبو رقيق كان أول من علم بميعاد الثورة قبل وقوعها، فوفقا لشهادة عضو مجلس قيادة الثورة، ففي صباح اليوم السابق على الثورة مباشرة، ذهب عبدالناصر وكمال الدين حسين إلى صالح أبو رقيق، وكان من قادة الإخوان، وأخطراه حسب الاتفاق المسبق بموعد الثورة، بهدف كسب تأييد الإخوان للثورة، كما تم الاتفاق على أن تقوم قوات من متطوعي «الإخوان» بالمعاونة مع وحدات الجيش للسيطرة على طريق السويس، لصد أي هجوم إنكليزي محتمل أن يتحرك نحو القاهرة لقمع تحركات الضباط وإعادة فاروق إلى عرشه.
كان الأمر أكبر من قدرة أبورقيق على الفصل فيه منفردا، اتصل بمرشد الإخوان، الهضيبي، الذي كان متواجدا في الإسكندرية وقتها، أخبره بالأمر الجلل، حصل سريعا على الرد، وافق الهضيبي على مساندة التنظيم للضباط الأحرار في مسعاهم، هنا توقف التاريخ لحظات، فمصر كانت مقبلة على صفحة جديدة في تاريخها، التحالفات القديمة كانت على وشك السقوط، وتحالفات جديدة على وشك أن تُعقد، لكن الحقيقة التي ظلت راسخة أن ما جرى في يوم 23 يوليو 1952 غير تاريخ مصر للأبد.

http://www.aljarida.com/news/index/2012758321/80-عاماً-من--الدم-والغدر-4-br-الطريق-إلى-«المنشية»
 

السيب

Active Member
طاقم الإدارة
الإخوان المسلمين .. هم من أسس نهج إستخدام الدين في ممارسة السياسة و السيطرة على السلطة ..
 

السيب

Active Member
طاقم الإدارة
«التاريخ الأسود للجماعة»



untitled_2.jpg

السبت ٣١ يناير ٢٠١٥ - ١٢:٢١:٣٣ ص
لقراءة كتاب "التاريخ الأسود للجماعة.. للدكتور ياسر حلمي الشاعر.. اضغط هنا
 
أعلى