إسماعيل يس ....

الغيص

Active Member
طاقم الإدارة

post_old.gif
11-10-2011, 12:57 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,789

icon1.gif

رئيس جمهورية الضحك... واجه الموت بألف نكتة (1)
إسماعيل يس... حكاية رجل حزين
خلف الحبايب
القاهرة - ماهر زهدي
قبل رحيله بثلاثة أيام قال الفنان الراحل إسماعيل يس: {أنا لست خائفاً من الموت، فقد أعددت له ألف نكتة... سوف أموت كما عشت... من الضحك}!!
بين الحياة والموت قصة طويلة تروي كفاح فنان عاش طفولة بائسة ومعذّبة وشقية. حياته كتاب مفتوح، لسبب بسيط ووحيد، أنه روى أدقّ تفاصيلها بنفسه... الأهم أنه رواها بصدق وبلا خجل، وإن ما زالت هناك مراحل كثيرة من حياته غير معروفة، ليس لأنه لم يتطرق إلى تفاصيل بعينها في حياته، فلم يكن هذا الأمر يمثل أدنى مشكلة له، بل لأنها تعدّ جزءاً من الظلم الكبير الذي تعرّض له هذا الفنان- الأسطورة، سواء في حياته، منذ لحظة ولادته، مروراً بكل مراحل صعوده ثم هبوطه، انتهاء برحيله عن الدنيا.
لم ينل هذا الفنان - الأسطورة ما استحقه من تكريم ومكانة لائقين به، بعد ما مرّ به من رحلة شقاء حتى وصل إلى القمة، ليبدأ المنحنى في الرجوع مرة أخرى وينتهي من حيث بدأ، بالتالي ظلّ التعتيم على مراحل طواها النسيان بمرور السنين.
ربما كان هذا هو السبب الرئيس والأهم لتناولنا في «الجريدة» رحلة هذا الفنان - الأسطورة في حلقات يومية، في محاولة لدرء ظلم كبير وقع عليه وإعطائه ولو النذر القليل من كثير جداً يستحقه.
قدّم هذا الفنان - الأسطورة للسينما المصرية الكثير من الأعمال، ففي يوم وفاته كان رصيد إسماعيل ياسين من الأفلام حوالى 800 فيلم، ما عدا المسرحيات. نعم الرقم صحيح وليس خطأ مطبعياً، وهو ما قدّر بما يقرب من ربع رصيد السينما المصرية عند رحيله، ما بين أدوار ثانوية وأدوار ثانية وبطولات مطلقة، فضلا عن أنه الفنان الوحيد في تاريخ السينما المصرية لغاية اليوم الذي قدمت له سلسلة أفلام ـ تزيد على 20 فيلماً ـ تحمل اسمه.
لذا كان من أهم الصعوبات التي واجهتنا، بعيداً عن البحث والتدقيق في المراحل المعتمة في حياة هذا الفنان- الأسطورة، اختيار عنوان لهذه الحلقات بعد الانتهاء من كتابتها. غير أن المثير في الأمر أننا اكتشفنا أن أفلاماً كثيرة لهذا الفنان تصلح عنواناً رائعاً لحلقاته أو الحديث عنه، من بينها: «خلف الحبايب»، «البني آدم»، «الصيت ولا الغنى»، «السعادة المحرّمة»، «الناصح»، «المليونير»، «ماكنش ع البال»، «نهاية قصة»، «قليل البخت»، «الدنيا لما تضحك»، «بشرة خير»، «إنسان غلبان»، {المليونير الفقير» وغيرها.
فضلاً عن سلسلة أفلامه التي تحمل اسمه «إسماعيل ياسين في...» ومن بينها ما يصلح عنواناً لهذه السيرة الدرامية أيضاً مثل: «مغامرات إسماعيل ياسين» و{إسماعيل ياسين للبيع»!
الأسطورة بين التاريخ والجغرافيا
أبصر هذا الفنان النور في مدينة السويس في 15 سبتمبر 1912، التحق طفلا بأحد «الكتاتيب» ثم بمدرسة ابتدائية مدة أربع سنوات، انتهت بعدها علاقته بالدراسة، لأن الأحداث المؤلمة بدأت رحلتها معه. توفيت والدته ودخل والده السجن إثر إفلاس محل بيع الذهب الذي كان يملكه، ثم كفلته جدته لأمه، التي كانت إحدى علامات القسوة في حياته، ما اضطر الفتى إلى العمل «منادياً» أمام محل لبيع الأقمشة (يقف على الرصيف ليحث الناس على الدخول والشراء، معدداً مزايا الأقمشة المتوافرة في المتجر) فقد كان عليه أن يتحمل مسؤولية نفسه منذ صغره، في تلك المدينة الفقيرة والقليلة الموارد، ما خلا استثناءات لبعض العائلات التي اختارتها موطناً لها، من بعض المحافظات والمدن القريبة منها، لأسباب مختلفة ربما كان أهمها موقعها الجغرافي الذي حباها الله به، تقول كتب الجغرافيا إن المدن التاريخية ذات الأصول الحضارية تنشأ وتنمو دائماً على موقع طبيعي متميز، كأن تطل على البحر وتتصدر قناة ملاحية أو تتربع على واد، ما يجعلها على احتكاك مستمر بحضارات العالم القديمة والحديثة.
وهكذا كانت مدينة السويس منذ آلاف السنين، لا يخلو كتاب للجغرافيا أو التاريخ من ذكر اسمها أو الإشارة إليها.
هذا الموضع الذي شغلته مدينة السويس، إن كان قد تغير وتبدل نتيجة ظروف جغرافية وسياسية، إلا أنها بقيت مدينة تطلّ على ميناء مصر وعلى برزخ السويس رغم اختلاف اسمها على مر العصور.
شاء القدر لهذه المدينة المناضلة أن تظلّ الحارسة الأمينة بمكانتها الفريدة على حدود مصر الشرقية، فسطرت بدماء شهدائها أسمى آيات البطولة والبذل والعطاء، استعذب شعبها كل التضحيات لإعلاء شريعة الحق ولواء الشرف والكرامة، سجلت أسطورة تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل، أكّد شعبها أن إيمان الإنسان بالله ووطنه لا ينفصل عن إيمانه بقضيته وبحقه في الحياة الكريمة. كذلك أثبت شعبها المناضل أن إرادة الشعوب فوق كل عدوان وهي التي تنتصر دائماً، فقد حملت في عنقها اسم الشعب المصري كله وعبرت عن بطولة كل مدينة وكل شبر من أرض مصر، منذ أن وجدت هذه المدينة الباسلة على أرض مصر، التي يؤكد المؤرخ «جيم برستد « أنها تعود الى فجر التاريخ.
المدينة الباسلة
مدينة السويس لها تاريخ عريق بدأ مع العصر الفرعوني، ففى عام 2563 ق. م. كانت تسمى “سيكوت” وفي عهد الأسرتين الفرعونيتين 19 و22 كان الفراعنة يطلقون عليها “يو ـ سويتس” وقد اتخذ منها فرعون مصر قاعدة لعملياته الحربية لتأمين مناجم سيناء ولردع الغزاة .
أطلق على مدينة السويس أثناء حكم اليونان لمصر اسم “هيرو بوليس” ومعناها مدينة الأبطال، وفي عصر الملكة كليوباترا أطلق عليها اسم “كليو باتريس» وفي القرن التاسع الميلادي أطلق عليها خمارويه بن أحمد بن طولون اسم {السويس}.
تحتلّ هذه المدينة العريقة موقعاً فريداً، جعلها مطمعاً لكثير من الاستعماريين ومدخلاً لأي هجوم على مصر من جهة الشرق، كذلك تعتبر، بمكانتها في برزخ السويس، ملتقى ومعبراً بشرياً للأجناس العربية والآسيوية على مرّ العصور، إذ تقع مدينة السويس جنوب شرقي الدلتا في أقصى غرب خليج السويس وعلى المدخل الجنوبي لقناة السويس على البحر الأحمر، يحدّها شرقاً قناة السويس ثم شبه جزيرة سيناء، غرباً الصحراء الفاصلة بينها وبين القاهرة والجيزة وبني سويف، شمالا محافظة الإسماعيلية، جنوباً البحر الأحمر عند منطقة الزعفرانة.
تمتاز مدينة السويس القديمة بشوارعها الضيقة ومبانيها ذات الطابع المملوكي. بدأت نهضة السويس بشق القناة وإنشاء ميناء “بور توفيق”، ليستقبل السفن القادمة إلى الشرق الأقصى وحوض إصلاح السفن.
شريان الحياة
ظلت السويس مدينة صغيرة هادئة، حتى القرن التاسع عشر، تقوم بوظيفة الميناء الذي يربط مصر بالأراضي المقدسة والشرق عموماً، وما أن حُفرت القناة حتى دخلت المدينة عهداً جديداً في تاريخها الحافل، فاطّرد نمو العمران فيها وازداد عدد سكانها بمعدلات سريعة، وعندما أُنشئ الخط الحديدي بين القاهرة والسويس، تولّت الحكومة المصرية نقل الماء من القاهرة إلى السويس في صهاريج، لذلك يُعدّ حفر ترعة السويس العذبة «ترعة الإسماعيلية»، أحد العوامل المهمة التي أدّت إلى تطوّر المدينة ونموّ العمران فيها.
ما إن وصلت مياه النيل العذبة إلى السويس، حتى انقلبت الحياة البشرية في منطقة برزخ السويس رأساً على عقب وتحوّل الهدوء إلى حياة صاخبة، وإن لم تكن هذه الحياة من صنْع قناة السويس بقدر ما هي من صنْع مياه النيل التي وصلت إلى هناك.
كان سكان السويس قبل الفتح الإسلامي يعملون بالصيد والقرصنة، لكن لم تلبث السويس أن شهدت نشاطاً واسعاً وانتعشت انتعاشاً واضحاً، في العصر الإسلامي.
أول ما اشتهرت به السويس، في ميدان النشاط الاقتصادي، بناء السفن وكان لها أهميتها الكبرى في صناعتها، وكانت أحد مراكز ثلاثة كبرى في مصر، لبناء السفن التجارية وغير التجارية.
كذلك، ظهر لمنطقة السويس أهمية اقتصادية، خصوصاً في العصور الوسطى، تجلت في غِنى تلك المنطقة بالثروة المعدنية، مثل الذهب والزمرد، وهو ما جعل السويس مركزاً مهماً لصياغة الحلي وصناعة المشغولات الذهبية في ذلك الوقت، على وجه الخصوص في حي الأربعين، الحي الأشهر على مرّ تاريخ المدينة، الذي يمثل أكبر نسبة من عدد السكان وكان يحمل طابعاً شعبياً، بما يناسب غالبية سكانه الذين يعملون في الحرف اليدوية والمنسوجات وصياغة الذهب.
صائغ أباً عن جد
وفي حي الأربعين العتيق في مدينة السويس ورث «ياسين علي نخلة» صياغة الذهب وبيع الحلي عن والده التاجر «علي نخلة»، وكانت من المهن التي يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، ليس لما فيها من حرفية عالية وأسرار في الصياغة، لكن لما تحتاجه من أموال كثيرة، فكان لا بد من أن تكون العائلة التي تمتهن هذه المهنة ، ليست ميسورة الحال فحسب، بل ثرية وفق معايير نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، فضلا عن اختيار بعض الأسر لتتخصص في مهنة بعينها.
اختار «المعلم علي نخلة» الاتجار بالذهب وتصنيعه ـ على الرغم من أنه كان من المهن المقصورة على التجار الأقباط آنذاك، ولم تكن بالانتشار الكافي في مدينة السويس ـ وكان حريصاً على أن تنتقل هذه المهنة بأسرارها إلى نجله الوحيد من الذكور «ياسين».
- علي نخلة: اسمع يا ياسين.. أعرف أنك ما زلت طفلا ولكن لابد من أن تعرف أنك إبنى البكر والرجل الوحيد الآن. صياغة الذهب وبيعه مهنتنا، فإذا أخلصت لها ستعطيك الكثير. لا تظن أنني بدأت كما ترى الآن، فما أكثر ما عانيته حتى أجد لي مكاناً بين التجار وأصنع اسماً، لا أريد أن يضيع على يدك.
- ياسين: سأكون إن شاء الله كما تريد وأكثر.
على الرغم من ذلك لاقى ياسين الكثير من التدليل والرفاهية، ليس لأنه الابن الذكر الوحيد للأسرة إلى جانب فتاة أخرى شقيقة فحسب، بل لأن الأسرة كانت ميسورة الحال أيضاً، وهو ما جعل ياسين ينال ما يطلبه من أموال ينفقها على لهوه ولعبه.
كان ياسين حريصاً على أن ينال حظه من الشباب، وكان لا يترك مناسبة من أفراح أو حفلات يقيمها التجار الكبار إلا ويحضرها ويتباهى بشبابه وأمواله، ولم يترك مكاناً يمكن أن يكون فيه لهو ورقص إلا وطرقه.
في الوقت الذي كانت مصر تئن من وطأة الاحتلال البريطاني، كان كثر من جنود الاحتلال ينتشرون، ليس في مدينة السويس وحدها، بل في كل الشريط الساحلي لمدن القناة: السويس، الإسماعيلية، بور توفيق، بور فؤاد، بور سعيد، بالإضافة إلى جاليات أخرى يونانية وإيطالية وتركية تعيش في مدينة السويس بحكم أنها مدينة ساحلية وكانت تنحصر تجارة هؤلاء في غالبيتهم في فتح البارات والمراقص والملاهي، وهو ما كان يجد فيها ياسين ضالته!
الفتى المدلل
بعدما أصبح ياسين شاباً يافعاً، لم يجد بداً من أن يقف إلى جوار والده في تجارته، وكان هذا الأخير يلحّ عليه في أن يلتفت إلى مهنته ومهنة آبائه وأجداده، فاضطر ياسين إلى الالتزام بمشاركة والده عمله، على مضض، غير أن اللافت سرعته في التقاط أسرار المهنة وتفاصيلها، حتى أنه أصبح، خلال فترة قصيرة، واحداً من أمهر صنّاعها، وهو ما جعل والده يعتمد عليه بشكل كبير في البيع والشراء بل وفي التصنيع.
شعر ياسين بذاته ولم يكن قد أكمل عامه الحادي والعشرين حتى أصبح واحداً من أمهر صنّاع الذهب وراح يتعامل مع الناس على هذا الأساس، فما إن ينتهي يومه في المساء، حتى يعود إلى بيته يتهيأ بأفخم الملابس ليبدأ يومه الحقيقي في بارات حي الأربعين ومراقصه وبقية أحياء مدينة السويس.
لم يكن ياسين يعود إلى بيته إلا مع النسمات الأولى للصباح، في الوقت الذي كان والده يستعدّ فيه لأداء صلاة الفجر، ولأنه الولد المدلل لوالده لم يرغب هذا الأخير في أن يثير معه المشاكل، خصوصاً أنه كان يراه يتقدم بشكل جيد في مهنته. على عكس ما كانت تجري العادة، أي أن يثور الأب ويغضب لتصرفات الابن والأم تدافع، كانت أم ياسين هي التي تثور دائماً على تصرفات الابن ويؤكد لها الأب دائماً:
- علي نخلة: أتركيه فلن يبقى على هذه الحال طويلا... أعرف أنها مرحلة طيش وشباب، وهو يريد أن يأخذ حظه منها.
- الأم: إلى متى؟ فقد بلغ مبلغ الرجال وبدلا من الحالة التي يعيش عليها لماذا لا نزوجه، فهو الولد الوحيد في العائلة ونريد أن يملأ الدنيا علينا أولاداً ليعوّض عدم وجود أشقاء ذكور له.
- علي: لا تشغلي بالك كثيرا بهذا الأمر، فزواجه سيحدث اليوم أو غداً، لكن أكثر ما يهمني الآن أن يتحمل المسؤولية ويحمل تجارة والده وجده خصوصاً أن العمر يجري.
تتكرر شكاوى الأم، مرة تتحدث مع ياسين وأخرى مع والده، وفي كل مرة يأتي الجواب على لسان الأب:
- علي نخلة: ابحثي له عن عروس من عائلة محترمة، لأقيم له فرحاً تتحدث عنه السويس بأكملها.
لم يكن هذا الكلام يشغل بال ياسين أو يعبأ به، فهو يريد أن يعيش مثل أصدقائه من أولاد كبار التجار، الذين زاد عليهم مجموعة من الأصدقاء الجدد من اليونانيين والإيطاليين وغيرهم سواء من الرجال أو النساء، وتحديداً النساء!
مع ذلك ربما كان ياسين أكثر حرصاً من والده على ألا تكون هناك علاقة من أي نوع مع جنود الإحتلال البريطاني، الذين كانت تعج بهم المدينة، تحديداً عندما تجمعهم الصدفة في البارات والحانات والمراقص الليلية.
البحث عن عروس
بفعل ذكاء ياسين وحرص والده بدأت تجارته تزداد وتنمو، ما جعل والده يتوسع في تجارته ويزداد عدد الصناع والعاملين لديه، بعدما اطمأن إلى مهارة نجله، ويتغاضى عن كثير من أحواله التي لم تكن ترضيه. غير أن التوسعات الجديدة خلقت من ياسين شخصاً جديداً، فزاد إحساسه بذاته وشبابه وثرائه، وبدأ يمارس سطوته كصاحب تجارة، في الوقت الذي تراجع دور والده في التجارة لكبر السن وانحصر في أن يجلس في الدكان الذي ازدادت مساحته ليضمّ في خلفيته ورشة للتصنيع، يبيع ويشتري وربما يذهب لتحصيل الأموال من بعض التجار، في حين أصبح ياسين المشرف على التصنيع والصياغة، وقبل أن ينهي يومه يتفق مع أصدقائه على المكان الذي سيقضى فيه ليلته.
زاد إحساس الثقة بالنفس عند ياسين، لدرجة أنه لم يعد يعبأ متى يعود إلى البيت وفي أي شكل، حتى اليوم الذي عاد فيه قبيل الفجر، فبينما كان والده يستعدّ لصلاة الفجر، سمع صوت عربة «سوارس» فأطلّ برأسه من شرفة البيت، ليرى ابنه الوحيد ينزل من العربة التي فيها امرأة.
وقف الأب في انتظاره ودخل ياسين البيت كعادته، فازداد الأمر تعقيداً حين شم والده رائحة الخمر تفوح من فمه، عندئذ جن جنونه، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يصفع فيها الأب الابن المدلل على وجهه وعلى صراخه استيقظ كل من بالبيت، الأم والشقيقة.
- علي: نساء وخمر، وصل الموضوع إلى هذا الحد!
أصبح هذا اليوم علامة فارقة في حياة الفتى المدلل، بعدما تبدلت علاقة والده به وتحول الأمر، فبعدما كان الحزم والشدة يأتيان من الأم، واللين والحنان المتدفق من الأب، خيم جو من التوتر على العلاقة بين الأب والابن، التدقيق في كل خطوة، الإنفاق بحساب، من يأتي إليه ومن يخرج معه ومتى يعود إلى البيت... لدرجة جعلت الأم تشفق على «المدلل» الذي كان.
على عكس ما جرت العادة بين الأسر في ذلك الوقت، إذ يكون البحث عن زواج الفتيات أولا ومع اقتراب شقيقة ياسين من سن الزواج، إلا أن الأب قرر أن يكون الزواج للولد أولا، قبل أن ينجرف في طريق اللاعودة.

مدينة السويس إسماعيل يس في أحد أفلامه


 

الغيص

Active Member
طاقم الإدارة

post_old.gif
18-10-2011, 01:10 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,789

icon1.gif

رئيس جمهورية الضحك... واجه الموت بألف نكتة (2)
إسماعيل يس... حكاية رجل حزين
فرحة ما تمّت








القاهرة - ماهر زهدي
لم يتأزم الموقف بين ياسين ووالده تماماً، غير أنه أحدث شرخاً في العلاقة بينهما، خصوصاً مع إحساس الأب أنه كان وراء وصول الابن إلى هذه الحالة، فربما نجح في أن يجعل منه صائغاً ماهراً ومشروع تاجر متميز، سرعان ما أخذ مكانه بين كبار تجار المدينة، غير أن دافعه إلى ذلك يعود إلى خوفه عليه من أن يسلك طريق الفدائيين الذين يحاولون مقاومة الاحتلال الإنكليزي في المدينة، كحال بقية مدن المحروسة، وهو الطريق الذي يمكن أن يأخذ منه ابنه الوحيد، لذا كان تدليله الزائد عن الحد. كل هذه الأسباب أدت إلى ابتعاد الابن عن الأب، فاتخذ طريقاً خاصاً به واهتمامات خاصة، زاد فيها انغماسه في حياة اللهو والنساء، توسيع صداقاته وعلاقاته، خصوصاً مع أبناء الجاليات الأجنبية الموجودة في المدينة في ذلك الوقت.
على الرغم من صغر هذه المدينة وهدوئها، إلا أنها كان تتسم بكثرة المراقص والملاهي الليلية والحانات وكان أكثر المترددين عليها من الجاليات الأجنبية وجنود الإحتلال والأهالي المتعاملين معهم، فضلا عن كبار التجار الذين كانوا يعملون في تجارة الأسماك والأقمشة والزيوت والمعادن.
عاش الأجانب لا سيما اليونانيين والأرمن والفرنسيين في السويس كأنهم من أبنائها وكانوا يملكون المتاجر والمصانع الصغيرة أو ما يطلق عليها «الورش» ومحلات البقالة والمطاعم، الأمر المدهش أن هؤلاء الأجانب كانوا يتكلمون العربية كأنهم مصريون ولم يعاملهم أبناء المدينة باعتبارهم غرباء أو أجانب، بل جزء منهم. لكن اختلف الأمر بالنسبة إلى الإنكليز، لأنهم مثلوا دائماً رمز الظلم والطغيان والإحتلال وكانت معسكراتهم وثكناتهم تنتشر على أطراف المدينة من كل الجهات وتجثم على صدر سكانها.
كانت المدينة تعيش تحت نير الاحتلال البريطاني على غرار بقية مدن مصر، ولم يكن لشعب تحت الاحتلال أحلام أبعد من حلم الاستقلال، فكان هذا الأخير الهمّ الأكبر الذي استحوذ على القادة والشباب على السواء، لذا لم يكن ذلك الزمن جميلا مرصعاً بالأحلام والآمال، من حيث التكوين الاجتماعي أو التركيبة السكانية.
على غرار بقية مدن القناة، تكونت السويس من خليط شكلته هجرات المصريين اليها في وقت تزامن مع افتتاح القناة وظهور شكل جديد للحياة في هذه المنطقة، ولم يجد أهل الجنوب، الذين نزحوا مع حفر القناة، أمامهم سوى الانخراط في أعمال وحرف تتطلبها حاجات الحياة والمعيشة في المدينة، مفضلين ذلك على العودة إلى منابع هجرتهم في صعيد مصر.
أما الهجرة الثانية فجاءت من شمال الدلتا وتكونت من الصيادين في المناطق التي تطلّ على بحيرة المنزلة، الذين وجدوا في المجرى المائي للقناة الجديدة مورداً جديداً للرزق، فنزحوا مع عائلاتهم إلى مدنها من بينها السويس، ليكوّنوا مجتمعاً يقوم على صيد الأسماك والتجارة فيها.
قلق على المستقبل
كان للمعلم علي نخلة علاقات اضطرارية مع البريطانيين، باعتباره أحد تجار تصنيع الذهب وكان هذا الأخير يُنقل بالسفن إلى بريطانيا أولاً بأول لأن سوقه لم تكن رائجة في مصر في ذلك الوقت، وكان الاعتماد بشكل أساسي على البيع للجاليات الأجنبية، ثم البيع الاضطراري بأبخس الأثمان للبريطانيين ليتم تصديره إلى بريطانيا وإعادة تصنيعه.
لهذه الأسباب كلها ولضعف التجارة وهبوطها وصعودها وفقا لأهواء المحتل، كان الأب يخشى على نجله ومستقبله، لذا حرص على أن يتعلم ياسين أصول التجارة ويكوّن شبكة علاقات واسعة مع كبار التجار، وهو ما جعله لا ينظر سوى إلى هذه الزاوية المهمة، لذلك كان إحساسه بالندم على ما جرى مع ابنه، إلا أنه جاء متأخرا، فقد بلغ ياسين مبلغ الرجال وأصبحت له جلساته الخاصة بعيداً عن الجلسات التي كان يصطحبه فيها الأب وراح يظهر في شكل كبار التجار. كان ملفتاً بين أصدقاء الأب سؤالهم الدائم له كيف يترك ولده يصل إلى هذه السن ـ العشرينيات ـ من دون زواج؟!
- إلى متى تنتظر على زواج ياسين، فمن هم في مثل عمره لديهم أولاد يجرونهم أمامهم، كيف تتركه من دون زواج؟
- هل تظن أن هذا يرضيني؟ تعبت من كثرة الحديث معه في هذا الموضوع، ليس لي دعاء في كل صلاة سوى أن أرى حفيداً لي من ياسين، فهذه أمنيتي قبل أن أموت.
- الرجال ليس لهم في هذا الموضوع، فهو من اختصاص الحريم فلتبحث أم ياسين عن عروس بين الجيران والأقارب والمعارف.
رحيل الأب
بدأت رحلة البحث عن عروس للفتى المدلل ياسين، كان ذلك من مهام النساء بحكم لقاءاتهن في البيوت وجلسات الحريم وعرض كل واحدة منهن ما لديها من مواصفات فتيات في سن الزواج. كانت تسفر هذه الجلسات في الغالب عن زواج، من ثمّ بدأت رحلة استعراض العرائس على الفتى المدلل.
- الأم: ما رأيك في نسب المعلم أمين الحداد؟
- ياسين: يا أم ياسين، اللي يجاور الحداد ينكوي بناره.
- الأم: بلاش الحداد، الحاج علي القماش لديه ابنة في سن الزواج يتحاكون بأخلاقها.
- ياسين: نعم يتحاكون بأخلاقها لأنه لن يجرؤ أحد على أن يتحدث عن خلقتها، فلي صديق على صلة قرابة بأسرتها وأكد لي مرة أن والدها الحاج علي القماش يفوقها في الجمال!
- الأم: احترت معك، سأنفض يدي من هذا الموضوع وسأدع والدك يبحث لك عن العروس المناسبة ووقتها قل له: هذه جميلة وتلك قبيحة.
يتقدم ياسين من والدته ويقبّل يدها.
ـ ياسين: أبوس يديك، فأنا أعرف بمَ يفكر ولو أنه زوجني ابنة صديقه يوسف تاجر السمك، سألقي بنفسي في المالح ـ يقصد البحر ـ فأنا لا أحب أكل السمك، كيف أتزوجه!!
لم يدم البحث عن زوجة لياسين طويلا، ففي الوقت الذي كان والداه مشغولين بذلك، كان هو أكثر انشغالا منهما في البحث عن زوجة، ليس حباً في الزواج ولكن خوفاً من أن يختارا له زوجة تكون سبباً في شقائه طيلة حياته، حتى عثر أخيرا على الفتاة المناسبة، ربما لم تكن أكثرهن جمالا أو أكثرهن ثراء لكنه تعلّق بها منذ اللحظة الأولى التي رآها تدخل عليه لتشتري أساور ذهب. على الفور قرر ياسين أن ينقذ نفسه من العروض التي تنهال عليه ودخل على أمه يوماً وهو متهلل الوجه.
ياسين: خلاص يا أم ياسين وجدت العروسة المناسبة وعرفت كل شيء عنها وعن أهلها، من بكره نروح نزورهم. كلمي أبو ياسين وحاولي تقنعيه.
الأم: أقنعه!! ليه هي مش بنت ناس؟
ياسين: بنت ناس طبعاً... بس...!
لم يكد ياسين يكمل جملته حتى سمع ووالدته طرقاً على الباب، دخل الأب محمولا بين أيدي أصدقائه بعدما سقط في الشارع أثناء عودته. وظل أياماً طريح الفراش. يبدو أنها النهاية التي لم يكن يتوقعها ياسين بهذه السرعة، فرحل الأب قبل أن يحقق أمنيته برؤية أحفاده.
رجل البيت الوحيد
بفقدان الأب شعر ياسين أنه أصبح في العراء، على عكس ما كان يظن البعض من أنه برحيل والده سيصبح أكثر تحرراً وسيهمل تجارته ويضيّع كل ما كوّنه أبوه في سنوات عمره في الملذات وشرب الخمر والنساء، بل كل ما فعله رحيل الأب هو تأجيل فكرة الزواج، ربما إلى أجل غير مسمى، لكن في المقابل زاد إحساس ياسين بالمسؤولية، أصبح فجأة مسؤولاً عن تجارة والده بمفرده، لذا حرص على ألا تضيع منه بعدما تكاتف عليه بعض أصدقاء الأب حرصاً منهم على ألا يكون سبباً في ضياع اسم والده.
- أنت الآن كبير الأسرة والرجل بعد والدك، ووالدتك وشقيقتك أمانة في عنقك، لا بد من أن تلتفت إلى تجارة والدك وتبتعد عن الطريق الذي يمكن أن يأخذك بلا عودة.
- أعرف كل ما تريدون قوله، فليس لي غيرهما الآن ويجب أن تتزوج شقيقتي في فرح تحكي عنه السويس كلها وليس حي الأربعين. إذا كان الحاج علي بذل سنوات عمره ليصنع اسمه وتجارته، فلن يكون لي همّ سوى أن يكبرا وستكشف الأيام صدق كلامي.
التفّ كبار التجار حوله واعتبروه واحداً منهم، مرت الأشهر وياسين يفي بما قطعه على نفسه. أصبح الرجل في البيت وفي التجارة التي تكبر وتنمو ويزداد فخر الأم به يوماً بعد يوم.
لكن مع أول عرض من أحد الأصدقاء القدامى، بدأت مرحلة الانهيار والتراجع.
- إيه يا عم ياسين، خلاص نسيتنا ونسيت أيامنا؟
- معقول وإحنا نستغني، بس من يوم المرحوم والواحد حاسس إن الدنيا كلها على دماغه وبعدين يا سيدي الأيام جايه. شوف أنت بس مناسبة ورتب لنا سهرة حلوة.
- المناسبة موجودة والسهرات الحلوة مفيش أكتر منها.
- وأنا جاهز من دلوقتي.
- كلام جميل، يبقى النهاردة عند المعلم أبو العز السويسي.
- بتاع السمك؟
- أيوه، جايب صييت من مصر والسهرة صباحي.
- أكيد جايب الشيخ يوسف المنيلاوي، ده مفيش زيه.
- الشيخ يوسف المنيلاوي تعيش أنت من قبل رمضان اللي فات.
- عليه رحمة الله، أمال جايب مين ؟!
-الشيخ عبد الحي حلمي والتخت بتاعه.
- يبقى السهرة صباحي.
زواج الفتى المدلل
كانت تلك الليلة شرارة العودة إلى أيام السهر واللهو، فلاحظت أم ياسين عودة ابنها إلى الحال الذي كان عليه قبل رحيل والده: السهر حتى آذان الفجر والعودة إلى المنزل مترنحاً ورائحة الخمر تفوح من فمه والنوم إلى ما بعد صلاة عصر اليوم التالي، في الوقت الذي يأتي فيه العمال في المحل وورشة صياغة الذهب منذ الصباح الباكر إلى المنزل من دون جدوى، ويعودون للوقوف أمام المحل والورشة إلى حين استيقاظ ياسين والذهاب إليهم، ولا يلبث أن يمضي ساعات قليلة في المحل ثم ينصرف مسرعاً إلى سهرات اللهو والطرب والحانات والمراقص. كل يوم مخصص لمكان يذهب إليه.
لم تجد أم ياسين حلاً سوى إعادة إحياء فكرة الزواج مرة أخرى، فقد مضى ما يزيد على العام على وفاة والده.
عاد الكلام عن العروس التي كان وقع اختيار ياسين عليها، فهي ما زالت غير متزوجة خصوصاً أنها انشغلت به، فوجد ياسين أنها فرصة ليبعد عن رأسه الصداع الدائم الذي تسببته له والدته بضرورة الزواج، وهو على يقين بأنها لن ترفض هذه العروس، على الرغم من بساطة أسرتها، فهي لم تكن في المستوى الاجتماعي نفسه لأسرة ياسين، إنما من أسرة بسيطة توفي عائلها والأم «أليفة» هي الحاكم الآمر في كل شيء وتتمتع بجرأة الرجال وصلابتهم، وليس لأشقاء الفتاة أو أعمامها أو حتى أخوالها كلمة بعد كلمتها.
كانت المعلمة أليفة ـ كما كانوا يطلقون عليها ـ من نوعية النساء اللواتي خلعن قلوبهن ووضعن مكانها قطعة من الحجر أو الحديد الذي لا يلين. ففي الوقت الذي كان فيه الرجال يخشون التجوّل في شوارع المدينة ليلا، كانت «أليفة» تذهب لتدخّن «الشيشة» في منطقة مهجورة على أطراف المدينة، بالقرب من المقابر، وفي كثير من الأحيان كان ذلك يتمّ داخل أحد أحواش المقابر!
هذه الأمور كلها جعلت لها كلمة مسموعة عند الرجال قبل النساء، فإذا قالت كلمة لا تردّها، مهما كلفها ذلك، وإذا أخذت انطباعاً عن شخص ما تعاملت معه، لا يتغير هذا الانطباع مهما اجتهد هذا الشخص في تغييره.
كانت تتاجر في الأقمشة والزيوت وتعمل كوسيط بين كبار التجار وبين الباعة بالتجزئة، لم يكن ذلك يدرّ عليها بالمال الوفير، في الوقت الذي كانت تنفق فيه الكثير على حياتها الشخصية، لذا لم تجلس معها أم ياسين سوى مرة واحدة، تم الاتفاق فيها على كل شيء ولم تستطع مجالستها مرة أخرى بعدما عرفت أنها تدخّن «الشيشة» حتى في وجود الرجال، وتولى ياسين في ما بعد الاتفاق معها على ما تبقى من تفاصيل الزواج.
على الرغم من الاتفاق على كل شيء، إلا أنه حرص على أن يزوّج شقيقته قبل أن يزفّ إلى عروسه، ما أدخل السرور إلى قلب أمه، فشعرت بالفعل أنه يمكن أن يحلّ محل الأب.
عودة إلى السهر والملذات
لم يمضِ وقت طويل على زواج شقيقة ياسين، حتى أقيمت الأفراح، وزف ياسين لعروسه في مطلع عام 1911، فأصبح مسؤولاً عن أسرة جديدة وعاش ياسين مع زوجته وأمه، كأسعد ما يكون الزواج. كان حريصاً على أن يبني أسرة جديدة وأن يحقق حلم والده في أن يكون له «عزوة» من الأولاد يملأون عليه حياته، وهو ما جعل أم ياسين تطمئن عليه بعد شهر واحد من الزواج.
- مش تتجدعني بقى علشان نفرح بذريتكم .
في خجل واضح
- بلاش الكلام ده يا نينة.
لكن سرعان ما تبددت أجواء السعادة التي كانت تخيّم على البيت، مع انتهاء الأسابيع الأولى من الزواج، إذ بدأ الحنين إلى الحياة الأولى يأخذ ياسين مرة أخرى وعاد أصدقاء السوء يتكالبون عليه.
- يبدو أن أخلاقك فسدت بعد الزواج، فأصبحت لا تغادر البيت بعد العشاء.
- اتركه ربما كانت زوجته تغلق باب البيت مبكراً!!
- لا داعي لهذا الكلام وبدلا من السخرية أنت وهو إبحثا لنا عن المكان الذي سنقضي فيه ليلتنا.
- هذا هو الكلام، لتعود أيام الأنس.
- ما رأيكما أن نسهر اليوم عند «ياسو» فقد سمعت أنه أتى براقصة من مصر، يتحاكون بجمالها.
- فلتكن الليلة عند «ياسو»!
في انتظار ولي العهد
كانت الأم تظن أن الزواج سيجعل من ياسين رجلا جديداً، بعيداً عن الفتى المدلل الذي تربى على أن تلبى كل طلباته حتى فسدت أخلاقه، وعندما بدأ يتعامل مع زوجته بعد الشهر الأول من الزواج بفظاظة، كانت تعمل على إرضائها وتطييب خاطرها حتى لا تنقل ما يحدث معها إلى أمها المعلمة «أليفة» وحتى لا يفشل زواج ابنها الوحيد وتتركه فريسة لحياة اللهو والعبث في الوقت نفسه، ومع كل محالات الود والحب التي كانت تحاول زرعهما في نفس زوجة ياسين، إلا أن ياسين عاد مرة أخرى إلى سابق عهده مع حياة الليل وصحبة السوء، النساء والخمر والسهر حتى الصباح.
لم يستطع الزواج أن يغير من حياة ياسين التي اعتاد عليها سنوات طويلة: نوم طوال النهار، سهر طوال الليل، دائم الشجار مع زوجته. ما إن تبدأ بمفاتحته في ما وصل إليه حاله وحال تجارته، بناء على نصيحة والدته لها، حتى يبدأ الشجار الذي كان ينتهي غالباً بالضرب، وفي إحدى المرات وقبل أن يهوي بيده على وجهها، سقطت مغشياً عليها، حملها إلى السرير على الفور وحاولت الأم إفاقتها، غير أن هذه الأخيرة لم تمرر حادث سقوطها مغشياً عليها مرور الكرام، فاستدعت على الفور السيدة «رزقة المولدة» لتكشف عليها، صدق حدسها، خرجت السيدة «رزقة» من الغرفة وهي تزغرد، لتؤكد أن على ياسين أن ينتظر ستة أشهر ليستقبل ولي العهد.
لم تتمالك أم ياسين نفسها من الفرحة وانهمرت دموعها، سوف تتحقق أمنية الأب ويأتي الحفيد.
نزل الخبر على سمع ياسين ليفعل فعل السحر، فلم تكن زوجته تتصور أنه سيفرح كل هذا الفرح. لم يتمالك نفسه من الفرحة وخرج إلى الشارع ليخبر كل من يقابله بأنه سيصبح أباً خلال أشهر قليلة. عاش الجميع الأشهر المتبقية في شوق ولهفة بانتظار وصول المولود المنتظر.

إسماعيل يس في أحد أفلامه
 

الغيص

Active Member
طاقم الإدارة

post_old.gif
26-10-2011, 01:21 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,789

icon1.gif

رئيس جمهورية الضحك... واجه الموت بألف نكتة (3)
إسماعيل يس... حكاية رجل حزين
بيت النتاش
القاهرة - ماهر زهدي
درجت العادة أن يستقبل أهل مصر شهر رمضان بالاحتفالات والفرح والطبول تعبيراً عن سرورهم بهذا الشهر الكريم، فتضاء الشوارع والحواري والأزقة بالفوانيس، في الليل يسهر الصائمون حتى وقت السحور لصلاة الفجر، وفي النهار تضجّ الأسواق بالباعة والمشترين. ولشهر رمضان عادات وتقاليد خصوصاً في مدينة السويس يتوارثها الناس عن آبائهم وأجدادهم، فما أن تثبت رؤية الهلال إيذانا ببدء الصوم، حتى تغلق أغلب الحانات والمراقص ـ مع أن أصحابها ليسوا مصريين أو مسلمين ـ ويجتمع الناس، رجالا ونساءً وأطفالا، في المساجد والساحات العامة يستمعون إلى الأناشيد والمدائح النبوية والصوفية، ابتهاجاً بحلول هذا الشهر الفضيل، ويطوف العلماء والفقهاء على المساجد والتكايا التي كانت تفتح أبوابها طوال الشهر ـ على طريقة موائد الرحمن الحالية ـ لتفقد ما يجري فيها من تنظيف وإصلاح وتعليق قناديل وإضاءة شموع وتعطيرها بأنواع البخور والمسك والعود الهندي والكافور وتجهيز أدوات الطهي والطبخ.
كان للفانوس أهمية خاصة - منذ دخول الفاطميين مصر- واستعمالات عديدة، يحمله الكبار لينير دروبهم أثناء السير ويجوب به الأطفال الحواري والأزقة والشوارع وهم ينشدون الأغاني الرمضانية الجميلة.
رحيل الأم... وولادة النجم
ما إن حلّ شهر رمضان في العام 1330 في التقويم الهجري، الذي يقابله أغسطس وسبتمبر من العام 1912 في التقويم الميلادي، وهو الشهر الذي كان مقدراً أن تلد فيه زوجة ياسين مولودها الأول، وفق حسابات السيدة {رزقة المولدة}، حتى بدأت أسرة ياسين الاستعداد لاستقبال مولودها، وراح ياسين يشتري كل ما لذ وطاب بما في ذلك {الفانوس}، غير أن حسابات السيدة {رزقة المولدة} لم تكن دقيقة بالقدر الكافي، ومرّ الشهر سريعاً من دون أن يصل الضيف المنتظر.
أبى القدر أن يمهل والدة ياسين لتتحقق أمنيتها برؤية حفيدها الذي انتظرته طويلا، إذ وافتها المنية ورحلت وهي في شوق ولهفة لأن ترى ذرية ياسين. حزن هذا الأخير حزناً كبيراً على فراقها كما لم يحزن في السابق، حتى على والده الذي كان مصدر سعادته وتدليله. شعر باليتم ـ على كبر سنه ـ واعتصر الحزن قلبه على فراق من أحب... وانتظر بفارغ الصبر أن يأتي الحفيد الذي أحبته والدته قبل أن تراه.
مرّ شهر رمضان بأكمله وثلاثة أيام من عيد الفطر المبارك، وفي اليوم الرابع استقبل ياسين والدنيا كلها هذا المولود الذي أطلق عليه والده اسم {إسماعيل} وذلك في الخامس عشر من سبتمبر عام 1912، الموافق الرابع من شوال عام 1330، فأعلن عن مولد {إسماعيل يس}.
آمال... وآلام
فرحت الأم كما لم تفرح في السابق بقدوم مولودها {إسماعيل}، فعلى الرغم من أن زواجها لم يمرّ عليه سوى عام أو يزيد قليلا، إلا أنها شعرت بأن السماء أرادت أن تعوضها أيام الشقاء والتعاسة التي عاشتها خلال هذه الفترة... فها هو إسماعيل سيملأ عليها حياتها، بعدما فرغ البيت برحيل الحماة جدة إسماعيل، وسيكون هو سلواها في ظل غياب والده ياسين عن البيت.
على الرغم من حالة الانكسار التي أصبح عليها ياسين برحيل والدته، إلا أنه فرح بمولوده الأول، وراح يمني نفسه بأن ما إن يشتد عود إسماعيل حتى يبدأ في إعداده ليكون خليفة له، كما فعل معه والده، يعلمه تجارته ويشربه {الصنعة} التي نشأ وتربى عليها، وهي صياغة الذهب، وإن كان لأم إسماعيل رأي آخر، فهي تريد أن يكون طالب علم أو أحد علماء الأزهر الشريف في مصر، أو يلتحق بمدرسة {المهندس خانة} - كلية الهندسة - أو غيرها من المدارس العلمية، وهو ما جعلها ترفض نية الأب في أن يكون الابن امتداداً له.
قرر ياسين أن يبدأ حياة جديدة بوصول ابنه إسماعيل، أصبح أكثر حرصاً على العودة مبكراً إلى البيت، لم يعد إلى سهرات المراقص والملاهي الليلية، ابتعد عن شرب الخمور، أصبح أكثر انضباطاً كرب أسرة مسؤول عن أسرته، وزاد من إحساسه بالمسؤولية أنه فقد من كان يركن إليهما، أي والده ووالدته.
التغيير الذي حدث في حياة ياسين بوصول نجله شعرت به {أم إسماعيل}، وراحت تمني نفسها بحياة جديدة بعيداً عن المشاكل التي أرقتها في السنة الأولى من زواجها، وبتربية {إسماعيل} كما تريد، ولم تكن تدري أن هناك الكثير ـ بين المر والحلو ـ الذي يخفيه القدر لها ولهذا الطفل الذي لم يمض على وجوده في الدنيا سوى أشهر قليلة.
كانت بداية المصائب برحيل الجدة وانعكس ذلك بشكل كبير على الأب ياسين، الذي شعر بأنها رحلت وأخذت معها كل شيء جميل، رحلت وأخذت معها الخير، وحين جاء إسماعيل اعتقد المقرّبون من الأب أنه سيقلع عن ألاعيبه وما عُرف عنه من تحرر وسيتفرغ لتربية ابنه والإعتناء بعائلته، وحاول هؤلاء ثنيه عما كان يعيش فيه من لهو وعبث:
- أنت الآن كبير العائلة يا ياسين، وأصبحت أبا ولا بد من أن تلقي خلف ظهرك ما كنت تفعله في السابق وأن تلتفت إلى تجارتك وابنك لتحسن تربيته.
- أعرف ذلك، هذا بالفعل ما أنوي فعله، لكن لا أخفي عليك أنني أشعر للمرة الأولى بالوحدة في هذه الدنيا وبالمسؤولية بحق.
- جميل أن تشعر بالمسؤولية، لكن لست وحدك فكلنا أهلك واعلم أننا معك في الخير فحسب، لكن إذا عدت إلى ما كنت عليه، فلن تجد أحداً بجوارك!
بداية الكوارث
منذ بداية الحرب العالمية الأولى، أصبحت السويس ميناء مهماً على الحدود الشرقية لمصر، تضج بالجنود في معسكرات جيش الاحتلال الإنكليزي، وكانت القناة إحدى نقاط الارتكاز له في الحرب، وقد أدى هذا الوضع إلى انتشار المحلات التجارية التي تقوم على خدمتهم، خصوصاً البارات والملاهي الليلية وبيوت البغاء، كذلك على خدمة أهالي السويس الذين يتعاملون معهم، خصوصاً الفئات التي تجد في يدها في آخر اليوم فائضاً من الربح من دون تعب أو عناء!
لم يمض وقت طويل على استقامة ياسين حتى عاد إلى سابق عهده، غير أنه كان هذه المرة أسوأ، عاد من جديد إلى سهراته ومغامراته النسائية والسهر حتى الصباح. انصرف عن عمله وشغلته غرامياته عن أسرته وابنه فعاشت زوجته المرّ والشقاء من جديد، انصرف عنه الجميع، بمن فيهم أصدقاء السهرات والحظ، لسبب بسيط أنه لم يعد لديه ما يبتغونه منه بعدما بدا إفلاسه وشيكا، أهمل تجارته وقلّص عدد العاملين لديه ولم يبقِ إلا على قلة منهم.
بسبب سوء أحواله أصبح ياسين دائم الشجار مع زوجته {أم إسماعيل} لأنه لم يعد ينفق على البيت، حتى مصروف الأكل والشرب، كان يترك الأم وطفلها أياما وربما أسابيع من دون أن يسأل عنهما وكيف يأكلان ويشربان وكيف تدفع ثمن تعليم الصغير في {الكُتاب} الذي حرصت على أن يلتحق به ليتعلم قراءة القرآن الكريم.
لم يكن أمامها إلا اللجوء إلى أسرتها لتدبير بعض النقود للمأكل والمشرب. شكت الزوجة لأمها {أليفة} فهي الأقرب لها ومستودع أسرارها، لكن لم تكن الأم تملك من الأمر شيئاً سوى أن تدبّر لها نقوداً بسيطة تكفل لها الأكل والشرب بالكاد، وتفعل ذلك على مضض، من أجل ابنتها!!
لم تقبل والدة إسماعيل يس بهذا الوضع المهين بأي شكل من الأشكال، كرهت الحياة مع زوج يهمل بيته وابنه ويهجرها ليلا، وما أكثر الخلافات التي وقعت بينهما وكانت تؤدي أحياناً إلى الغضب وإساءة معاملة الزوجة، بل وتشويه صورتها أمام الجيران!
حاولت الأم أن تتماسك وتتحمل من أجل ابنها وبيتها الذي يوشك على الانهيار، وزوجها الذي يسير في طريق لا نهاية له ويجرف استقرار البيت ومستقبل الابن معه، الذي بدأ يكبر ويفهم معنى أن يتشاجر والداه يومياً، لدرجة أنه كان يستيقظ في أواخر الليل على أصوات صراخهما، عندما يأتي الوالد في ساعات متأخرة ويتمايل مخموراً.
يتم مبكر
مع انتهاء الحرب العالمية الأولى عمّت البلاد حالة جديدة من الكساد ووصل الأمر بياسين إلى حد الاستدانة من القريب والغريب وما أن تدخل جيبه أية نقود حتى يسرع إلى شراء الخمر.
مع برد الشتاء القارس، وفي ظل عدم وجود ما يحمي الأم وصغيرها من البرد ولا يملأ معدتها من طعام، بدأت الأمراض تداهمها، فأصاب المرض صدرها، مع ذلك كان همها الوحيد الحرص على حياة هذا الوليد، فلا ذنب له ليأتي إلى الدنيا ليشقى. كانت تمنع نفسها من الطعام لتطعمه وتتحمل برودة الجو لتدفّيه وتدبر بالكاد ما يكفل استمرار تعليمه الذي كانت حريصة عليه علّه يحقق حلمها يوماً ويكون كما تمنت، كل ذلك جعل صحتها تتدهور وتصبح وهي في ريعان الشباب، عجوزا طاعنة في السن!
يمضي الحال بالأسرة من سيئ إلى أسوأ حتى جاء اليوم الفصل، ليس الفصل في العلاقة بينهما بل في حياتهما معاً وحياة طفلهما، فلم يكن شجارهما في هذا اليوم مثلما سبق، كانت المرة الأولى بل الأخيرة التي يصل فيها الشجار بينهما إلى هذا الحد:
- ألم تعد ترى كيف أصبحنا أنا وابنك؟! هل تدري أننا نتسول قوت يومنا؟! هل ترى الملابس التي نرتديها؟! هل تعلم أننا لم نذق الطعام منذ عصر الأمس؟!
- وماذا أفعل البلد حالها توقف تماماً ولم يعد هناك لا بيع ولا شراء
- أي حال وأي بلد، أنت وحدك الذي توقف حالك وأوقفت حالنا معك. الناس تعمل وأحوالها إلى خير إلا أنت وحدك لأنك اخترت طريق الشر والخمر والنساء والعربدة.
- ألن ننتهي من هذه السيرة، أية نساء؟! فلم يعد لي علاقة بهن ، ألن تنتهي غيرتك العمياء تلك؟
- أنت واهم، أية غيرة وأية نساء؟! افعل ما تشاء ولكن أمّن لي ولهذا الطفل طعامنا وشرابنا وكسوتنا.
- لماذا لا تتحملين معي هذه الظروف العصيبة؟! فهي فترة وسيعود كل شيء إلى ما كان عليه بل وأفضل.
- لقد تحملت الكثير، ويمكن أن أتحمل أكثر، لكن ما ذنب هذا الطفل الذي يشعر باليتم وأهله على قيد الحياة؟!
احتدّت الزوجة واحتدّ ياسين، ولم يتحمل كلامها الذي شعر بأنه سكين يمزق أحشاءه فدفعها بيده ليبعدها عن طريقه وهمّ بالخروج من البيت، غير أنه فوجئ بها تسقط على الأرض، فعاد إليها مسرعاً.
- أم إسماعيل، مالك، ردي عليّ، أم إسماعيل!
لكنها لم تنطق سوى بكلمة واحدة
- إسماعيل...
وضع رأسه على صدرها لم يسمع نبضاً، خرج إلى الشارع وحاول أن يستغيث بالجيران، أو يفعل أي شيء. وتجمع الجيران، لكن أحدا لم يستطع أن يفعل شيئاً، ماتت الزوجة المسكينة على الفور.
عزيز قوم ذل
مع أن والد إسماعيل كان يسوم زوجته سوء العذاب في حياتها إلا أنه حزن حزناً شديداً على رحيلها، ربما لأنه أدرك أنه السبب في العذاب الذي عاشته بسبب الجري وراء ملذاته، ولم يشعر بمدى حبه لها إلا بعد فقدها وحرمانه منها للأبد. ففي ظل المشاكل والشجار اليومي الذي كان يدور بينهما باستمرار، لم تكن تترك بيتها، بل حرصت على أن يظل مفتوحاً لترعى شؤون الصغير الوحيد إسماعيل، الذي أصبح مشكلة المشاكل بالنسبة إلى أبيه، فقد خلا البيت عليهما.
لم يجد ياسين ما ينسيه همومه وتراكم الكوارث فوق رأسه سوى أن يعود مرة أخرى إلى الخمر، شعر بأنه يضيع، أصبح عاجزاً عن فعل أي شيء، وبعدما فشلت الخمر في أن تنسيه ما هو فيه، اتجه إلى تعاطي المخدرات، فأهمل الورشة، لدرجة أنه لم يبقِ على أحد من العاملين فيها، ولم يعد قادراً على أن يدفع لهم أجورهم بعدما تراكمت عليه الديون، فاضطر في النهاية إلى أن يبيع ما فيها ليدفع جزءاً من ديونه وينفق ما تبقى على شرب الخمر، وتحول المحل من بيع الذهب إلى بيع بعض مشغولات الفضة التي لم تكن تكفي حتى لقوته اليومي هو والصغير إسماعيل، وعندما زاد الموقف تأزماً اضطر إلى التضحية بتجارته وتجارة والده وأجداده، لتنتهي إلى الأبد، فباع الورشة وأغلق المحل، مع ذلك لم يبق ثمن الورشة معه أكثر من شهر، وما إن نفدت نقوده حتى تبدل شكله وحاله، وبعدما كان يرتدي أفضل الملابس وأغلاها ثمناً، أصبحت ملابسه رثة، وفي بعض الأحيان ممزقة، فيبدو لمن يراه ولا يعرفه أنه يتسول قوت يومه!!
اضطر إلى العمل عند زميل له، عطف عليه وأشفق على حاله بعدما وجد أنه تحطم تماماً، ولم يعد يجد ما يسدّ به رمقه ورمق صغيره.
على الرغم من أن إسماعيل كان في سن مبكرة من عمره، إلا أنه كان على درجة من الوعي والمعرفة ما جعله يدرك حجم الكارثة التي حلّت بأبيه فضلا عن حزنه الشديد على رحيل أمه، القلب الوحيد الذي عشقه وتألم له، حتى وهي في النفس الأخير لم يكن هناك شيء في الدنيا يهمها سواه، وكان اسمه آخر ما نطقت به.
أيام الرعب... والشقاء
كان الصغير يقضي نهاره مع الأولاد في الشارع، يلعب ويلهو معهم، وكان أكثر ما يتمناه أن يستمر اليوم نهاراً بشكل دائم، لأن ما كان يثير الرعب في نفسه أن يأتي الليل ويضطر مثل بقية أقرانه إلى أن يعود إلى البيت، غير أن هؤلاء يعودون ليرتموا في أحضان آبائهم وأمهاتهم يأكلون ويشربون وينامون وهم يشعرون بالأمان.
كانت الساعات تمضي ثقيلة مرعبة، وإسماعيل بمفرده في البيت، الذي يسيطر عليه الظلام من كل جانب، شعرت بذلك إحدى الجارات فتطوعت لتشعل له {لمبة الغاز}، وفي كثير من الأحيان يتم نسيانه، أو تأخذه إحداهن ليأكل ويظل مع أولادها حتى تنتهي رحلة الأب من العمل ثم المرور على إحدى الخمارات ليشرب كأسين أو {ربع زجاجة} ويعود إلى البيت، معه بعض اللقيمات التي يسدّ بها جوع صغيره، وربما لا يأكل هو ليوفر للصغير هذه اللقيمات ويكتفي هو بالشراب.
حياة بؤس وشقاء وجوع وفقر بل ورعب، تلك التي كان من المفترض أن يتحملها هذا الصغير في هذه السن المبكرة. كان والده كلما رأى ما عليه صغيره يزيد حزنه وغمه ويفرط في الشراب وكأنه كان يتمنى لو انتهت حياته هو وبقيت أم إسماعيل، فربما تبدل حال الصغير إلى أفضل مما هو عليه الآن عشرات المرات، لكنه القدر الذي اختارها ليتركه يتعذب بذنبها.
مرت الأيام ثقيلة وياسين يعاني الأمرّين، سواء من حالة الكساد التي يعيشها أو من الحمل الثقيل الذي تركته له زوجته برحيلها. فهو غير قادر على الاعتناء بابنه إسماعيل وتربيته، وكان يتألم عندما يراه أمامه صامتاً، غير أن نظرات الصغير تحولت إلى سكاكين تقطع أحشاءه، فكان يحنو عليه أحيانا ويصطحبه معه إلى العمل ويتركه يلهو ويلعب أمامه إلى حين الانتهاء من عمله. يبدو أن وجود إسماعيل معه جعله يخجل من أن يذهب كعادته اليومية إلى الخمارات والمراقص التي اعتاد أن ينفق فيها ما لديه من مال.
بعد فترة بدأت الأموال تجري في يد ياسين من جديد، فقرر شراء المشغولات الذهبية والفضية بالأجل، وأعاد فتح المحل مرة أخرى وعادت الحياة تبتسم من جديد، ولو قليلا، إلا أن الحال أصبح غير ذي قبل وانتبه ياسين إلى أن البيت أصبح مهجوراً، وأنه لم يعد قادراً على خدمة إسماعيل، والأهم من هذا وذاك أنه لم يعد قادراً على العيش من دون امرأة، ففكر في الزواج من أخرى ربما استطاع أن يكوّن أسرة من جديد تعيد إليه ما فقده.
وتسرع الأيام لتقدم له مفاجأة جديدة، سرعان ما نسي الأب المحب للحياة والنساء، الزوجة التي ماتت، وأن ابنه في حاجة إلى رعايته، فقرر الزواج مرة أخرى، بما أن المال أصبح متوافراً وهو يحتاج إلى امرأة.

125933_2ismae.jpg
مع شادية وزينات صدقي في أحد أفلامه الجريدة



 

الغيص

Active Member
طاقم الإدارة

post_old.gif
11-11-2011, 09:50 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,789

icon1.gif

رئيس جمهورية الضحك... واجه الموت بألف نكتة (4)
إسماعيل يس... حكاية رجل حزين
الستات عفاريت
القاهرة - ماهر زهدي
لم تكد الحرب العالمية الأولى تطوي صفحاتها في العام 1918، حتى اشتعلت كل مدن مصر ومحافظاتها بالثورة في العام التالي 1919، كان المصريون يطالبون بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه الذين اعتقلهم الإنكليز لأنهم طالبوا باستقلال مصر، ومنعوهم من السفر إلى باريس لحضور مؤتمر الصلح والمطالبة بحق مصر في تقرير مصيرها، طبقاً للمبدأ الذي أعلنه الرئيس الأميركي ويلسون {حق كل شعب في تقرير مصيره}.
رفضت سلطات الاحتلال البريطاني السماح لهم بالسفر بحجة أنهم لا يمثلون الشعب المصري وليست لهم أية صفة رسمية، بناء على ذلك طبع الوفد آلاف التوكيلات ووزعها في كل أقاليم مصر للحصول على توقيع المصريين عليها، وقد أرسل سعد زغلول برقية إلى ويلسون يطالبه فيها بمساندة القضية المصرية.
نجحت حملة جمع التوكيلات نجاحاً كبيراً وتوالت البرقيات على الديوان السلطاني تعلن تأييد سعد زغلول وعليها آلاف التوقيعات؛ ما جعل السير وينجت ـ المندوب السامي البريطاني آنذاك ـ يخشى تبلور زعامة مصرية جديدة بعدما خلت الساحة من زعيم يلتفّ حوله المصريون بوفاة مصطفى كامل وهجرة محمد فريد، لذلك ألقى وينجت القبض على أعضاء الوفد وأرسلهم إلى بورسعيد في 8 مارس 1919، من هناك نُقلوا في إحدى السفن الحربية إلى مالطة.
في اليوم التالي قامت التظاهرات في كل محافظات مصر، بدأها طلاب الجامعة المصرية، ثم طلاب الأزهر وانتشرت في كل الأقاليم وشاركت فيها فئات الشعب من عمال وفلاحين وتجار وغيرهم، كذلك شاركت النساء في التظاهرات للمرة الأولى، وانهالت الاحتجاجات والبرقيات على الديوان السلطاني تعلن تأييد الأمة لسعد زغلول والاحتجاج على القبض عليه وتطالب بالإفراج عنه والسماح له بالسفر إلى باريس. فلم تجد انكلترا بُداً من الإفراج عنه والسماح له بالسفر إلى باريس، لإقناع برلمانات الشعوب الأوروبية بحق مصر في تقرير مصيرها.
عملت انكلترا على عزل الوفد المصري والالتفاف عليه في محاولة التفاوض مع الحكومة المصرية وبعض زعماء الصف الثاني للوصول إلى حلّ وسط خصوصاً أن سعد زغلول لم يكن يرضى عن الاستقلال التام بديلاً، فأرسلت انكلترا لجنة برئاسة اللورد ملنر لهذا الغرض، لكن الشعب المصري قاطعها وأعلن احتجاجه عليها مؤكداً أن الوفد المصري برئاسة سعد زغلول هو الممثل الشرعي والوحيد للشعب المصري، فعاد ملنر خاوي الوفاض وأوصى في تقريره بضرورة التفاوض مع سعد.
استجابت انكلترا للتوصية، لكن مفاوضات (سعد ـ ملنر) فشلت نتيجة إصرار سعد على حصول مصر على الاستقلال التام وإصرار ملنر على ضرورة الإبقاء على الوجود البريطاني في قناة السويس تحت دعوى حماية الأجانب في مصر، ما أدى إلى زيادة قوات وجنود الاحتلال في مدن القناة (السويس والإسماعيلية وبورسعيد) وأشعل الحركة الوطنية ونشط حركة الفدائيين في مدن القناة من ناحية وزاد حركة التجارة وارتفاع الأسعار من ناحية أخرى، كل هذه العوامل أدت إلى خلق حالة جديدة من النشاط وثراء بعض التجار الذين أوشكوا على الإفلاس.
كان من بين هؤلاء التجار الذين انتعشت حالتهم ياسين، فأقدم على الزواج من جديد، إلا أنه ما لبث أن عاد إلى سابق عهده في السهر والنساء والخمر وترك صغيره {إسماعيل} فريسة بين براثن زوجته الجديدة.
- خد يا إسماعيل، جبت لك جلابية جديدة أهه، زي ما جبت لنفسي.
- بس أنت جبت تلاتة لنفسك وكمان جبت طواقي وشيلان.
- أيوه ما هو علشان العروسة، أنا عايزك تسمع كلامها علشان تحبك وتاخد بالها منك، دي هتبقى زي أمك.
نظر إليه إسماعيل طويلا ثم انصرف بعدما قال:
- أنا أمي ماتت عند ربنا.
عذاب زوجة الأب
مرّ عامان على زواج الأب وبلغ إسماعيل الثامنة من عمره وبدأ يعرف معنى اليتم وفقدان الأم، القلب الحنون الذي كان يحتضنه ويحميه، وراح الصغير يبحث عن الحنان المفقود وعن القلب الذي يضمه ويعوّضه ما فقد لكن بلا جدوى.
كالعادة... لا تطيق الزوجة الجديدة، أن ترى ابن {ضرتها} السابقة، فأذاقته صنوف العذاب وتعاملت معه باعتباره خادماً في البيت وليس صاحبه وله الحق قبلها وبعدها في كل شيء، فكانت تجبره على التنظيف وقضاء حاجياتها من الشارع، لدرجة أنه لم يكن يلتقط أنفاسه أو حتى يشعر بطفولته أو يمارس حياته مثل بقية أقرانه في الشارع من لعب ولهو، ومنعته من الذهاب إلى المدرسة التي ألحقه بها والده لينال حظه من التعليم.
- تعليم إيه... هو ده وش مدارس... ده يفضل في البيت علشان يجيب اللي يحتاجه البيت... ولاِّ عايزني أنا أخرج إلى الشارع!
- أيوه بس الولد لازم يدخل المدرسة ويتعلم.
- أهو كفاية اللي أخده في الكتاب.
لم يكن إسماعيل يشكو لوالده سوء معاملة زوجته، بل كان يحدث العكس. فما إن يدخل ياسين البيت، حتى تسرد له زوجته شكاواها من إسماعيل، فهو برأيها قليل التربية ولم يجد من يربيه وعلى والده إيجاد حلّ، فإما هو أو هي في البيت.
وضعت الزوجة الجديدة الأب في مأزق، فاسماعيل ابنه الوحيد وليس له غيره، وعندما فكر أن يذهب به عند شقيقته (عمة إسماعيل)، ألمح زوج شقيقته أن بيته أولى به.
هنا طرأت فكرة على رأس ياسين، لماذا لا يعهد بإسماعيل إلى جدته؟ من غير المعقول أن تتركه هذه الأخيرة في هذا العذاب، خصوصاً أنه لم يعد قادراً على أن يرعاه، فقرر أن يذهب به إلى جدته لأمه {أليفة}، فهي الوحيدة في هذا العالم التي يمكن أن تعتني به وترعاه، أو على أقل تقدير يضمن له أن يأكل ويشرب وينام في أمان، بعدما تبدلت آمال والدته بتحصيله العلم قبل رحيلها!
الانتقال إلى عذاب الجدة
انتقل الطفل إلى جدته على أمل أن يجد الأمان الذي حرم منه مرتين: مرة بوفاة الأم، ومرة بتخلي الأب عنه حين اصطحبه إلى جدته!
- إسماعيل أهوه يا خالة أليفة... سلم على جدتك يا سمعة.
- أيوه عارفاه... أهلا.
- خالة أليفة... أنا... أنا كنت عايز...
- عايز إيه... فلوس... أنا سمعت إن الأشيا معدن معاك والفلوس رجعت تجري تاني في إيدك... ده حتى بيقولوا أنك اتجوزت.
- أيوه... الحمد لله... أنا بس كنت جايب إسماعيل يومين كده بس يتفسح عندك.
- كانوا قالولك إني صاحبة جناين... جايبه يتفسح هنا.
- لا مش القصد... بس يعني...
- متكملش... سيب الواد واتكل أنت.
وكأن الجدة {أليفة} انتظرت هذه الفرصة الذهبية التي ساقتها إليها السماء، لتستطيع {أن تفش غلها} وتنتقم من زوج ابنتها في ابنه.
كانت الجدة تعتقد أن ياسين السبب في قصف عمر ابنتها مبكراً، وأن سوء معاملته لها هي التي أودت بحياتها سريعاً، فضلا عن تنكره لذكراها بزواجه السريع من أخرى.. كلها مبررات كانت كافية لتقتصّ منه في شخص ابنه إسماعيل الذي يحمل اسمه.
على عكس ما توقع إسماعيل أو والده... كانت الجدة تتعمد أن تعامل الصغير معاملة قاسية جافة بل وسيئة، ليس لأنها قاسية بطبيعتها وتتعامل بقلب خال من العواطف والمشاعر فحسب، بل لأنها كانت تفعل ذلك بدافع الانتقام من ياسين في صورة {إسماعيل}، فكانت لا تهتم بطعامه أو شرابه أو نومه وبلغت قسوتها أنها كانت تحضر لنفسها ما لذ وطاب من أنواع الطعام، وما إن ترمقه يقف بعيداً يبلع ريقه، حتى تنهره:
- واقف عندك بتعمل إيه؟
- ولا حاجة.
- طب امشى انجر أدخل نام.
- أنا ما أكلتش من الصبح.
- فين الطبق اللي كنت بتاكل فيه الصبح.
- جوه.
- خلاص خش كل اللي فاضل فيه.
- ده فاضي... خلص مفهوش حاجة.
- طب أمال إيه ... عايز تاكلني أنا كمان... خش اتخمد نام.
وما أكثر الليالي التي نام فيها إسماعيل طاوياً بطنه على الجوع ويحلم بلقمة خبز يسدّ بها جوعه وليس قطعة من الدجاج الذي كانت تأكله جدته، غير أنه استخدم ذكاءه الفطري في سدّ جوعه وملء بطنه، ووجد فرصته التي ينتظرها كل يوم عندما يذهب لشراء طعام الإفطار لجدته، فكان يأخذ نصيبه منه وهو في طريق العودة إلى المنزل. تنبهت الجدة لفعلته وبعد ما نال {علقة ساخنة} ثمن ما ذاقه من طعام، قررت في ما بعد أن تحرمه فرصة شراء الطعام.
الرعب بين المقابر
هكذا قضى إسماعيل السنوات الأولى في حياته يتيم الأم، وحرم من حنان الأب وحياة الأسرة ودفئها، عاني من هذه الجدة القاسية التي كانت حياته معها سلسلة ممتدة من الآلام والعذاب.
لم يعرف الأب شيئاً عن تعاسة ابنه، فقد كان مشغولا بزوجته التي زادت من همه وعرف بعدها قيمة أم إسماعيل، ما جعله يدمن المخدرات إلى جانب الخمور، وكان يجهل بالطبع أن الجدة كانت تحرم إسماعيل من الطعام وتضع له كل يوم وجبة واحدة عبارة عن رغيف واحد بالسمن والسكر وتمنعه من طلب المزيد وحتى التعبير عن شعوره بالجوع إلى أن توقف تماماً عن المطالبة بالأكل، لأنها كانت في كثير من الأحيان تعرضه لما يخيفه إذا تجرأ وطلب قلة منه.
كان أشد ما يخيفه ويثير الرعب في نفسه أن يزور القبور، ليس طواعية بل مرغماً، كانت جدته تصحبه بشكل شبه يومي إلى هناك، ليس لزيارة موتاها ومنهم ابنتها أم إسماعيل، بل لأنها كانت تلتقي هناك مجموعة من النسوة على شاكلتها، يقمن بتدخين {الشيشة}، وكان مكانهن المفضل لتدخينها بين الأموات! وكان دور إسماعيل أن يحمل لها {الشيشة} ومستلزماتها، ثم يتولى خدمتها وخدمة أولئك النسوة أثناء جلسة التدخين.
ذات يوم تأخرت جدة إسماعيل عن موعد عودة النساء اللواتي كن معها، وبقيت وحدها وإسماعيل حتى حلّ الظلام، هي تدخن {الشيشة} وهو يكاد قلبه يتوقف من شدة الرعب الذي يزداد كلما زاد الظلام، فهما يجلسان في المقابر وسط الأموات وصور له عقله الطفل أن هذا هو المكان الذي يجتمع فيه {العفاريت} كل ليلة قبل أن يتم توزيعهم على المناطق، فيقف كبيرهم ليقول لهذا أنت اذهب إلى هنا ولذاك أنت اذهب إلى هناك، وهكذا، بالتالي لا بد من أن يطلع لإسماعيل أحد هؤلاء العفاريت الآن، يكفي عفريت واحد ليقضي عليه، فما بالك بمجموعة من العفاريت؟!
مرت الدقائق على إسماعيل ثقيلة مرعبة، عيناه في وسط رأسه وكلما زاد الظلام زاد اتساع عينيه ليرى جيداً ولا يغافله أحد العفاريت، حتى ابتلع ريقه أخيرا حين طلبت جدته أن يلملم الأشياء ليرحلا.
في رحلة العودة كان الظلام قد خيم على المكان بأكمله ولا يوجد مصباح واحد على امتداد الطريق، لدرجة أنك إذا بسطت يدك أمامك قد لا تراها، ما جعل الجدة تضل الطريق.
وكما يقال في المثل الشعبي المصري {اللى يخاف من العفريت يطلع له}، حدث ما كان يخشاه إسماعيل: عينان واسعتان تطلقان الشرر، لابد أنهما عينا عفريت كبير.. التصق إسماعيل بملابس جدته وهي تبعده وتطلب منه أن يبتعد عنها، وكلما اقتربت العينان زاد رعبه، فجأة وجد إسماعيل نفسه في مواجهة سيارة لجيش الإحتلال البريطاني.
ما كاد الجنود يرون الجدة وحفيدها حتى شهروا أسلحتهم واقتربوا منهما وهددوهما لأنهما دخلا منطقة محرمة على المدنيين من الأهالي.
- قفا مكانكما.
- إيه ده؟ هو فيه إيه؟
- من أين أتيتما وإلى أين أنتما ذاهبان؟!
- احنا كنا في المقابر بنزور بنتي أم الولد ده.
- ماذا تقولين... لماذا دخلتما المعسكر؟!
- معسكر إيه... إحنا كنا مروحين.
- هذا معسكر الجيش البريطاني.
- أنا معرفش.
- هل معك سلاح أو نقود؟
- أنا مش معايا أي حاجة غير الولد ده تاخدوه.
ينكمش إسماعيل من الرعب وينظر إلى جدته في استعطاف، ماذا تقول؟ هل تريد أن تبيعه؟ هل تتخلص منه حتى ولو من دون مقابل؟
كاد الجنود أن يفتكوا بها وبإسماعيل لولا أن حدثت معجزة تمثلت بوصول ضابط برتبة عالية وتساءل عن سبب ذلك الهرج وطلب أن تؤخذ العجوز والطفل للتحقيق، تم ذلك بعد أخذ الشيشة منهما، وأمام المحقق وقفت الجدة تقول:
- ارحموني، أنا ست كبيرة في السن، لو عايزين تاخدوا الولد ده خدوه وافعلوا به ما تريدون، حتى لو قتلتوه، ولكن اتركوني في حال سبيلي!!
- انصرفي أنت وهذا الولد. ولو رأيتك ثانية أنت التي ستقتلين.
خرج إسماعيل مع جدته من مكتب الضابط الإنكليزي وقد خلق منه هذا الموقف شخصا آخر. أدرك أي كره تكنّه له جدته، لكن ماذا يفعل وكيف يتصرف وإلى أين يذهب؟
علقة ساخنة
أدرك إسماعيل بعد هذا الموقف أن الحياة مع جدته أصبحت صعبة وتكاد تكون مستحيلة، خصوصاً أن هذا الموقف لم يكن الأول، كما أنه لم يكن الوحيد، فقد كانت جدته تعمد، في كثير من الأحيان، إلى وضعه في مواقف مخيفة تثير الرعب في نفسه، كأنها تريد له أن يموت، لا سيما عندما ترسله في الليل إلى أماكن بعيدة، في الوقت الذي كان التجول ممنوعاً بعد العشاء بأوامر من جيش الإحتلال.
وذات مرة أرسلته عند قريبة لها تعمل في رعي الغنم وتربية الماعز، حين دخل إسماعيل {الحوش} الذي تربى فيها الماعز، فرح برؤيتها وبدأ يداعب {الماعز} وهو يصرخ فرحاً:
- معيز معيز!
وعلى الفور تعالت أصوات سكان البيت بالاستغاثة ظناً منهم أن الولد كان يقول إنكليز إنكليز، وكانت مجرد كلمة {إنكليز} تثير الرعب في النفوس لأن هؤلاء كانوا يهجمون على البيوت في ذلك الوقت من الليل ويعتدون على حرماتها!
على أصوات النساء هب نصف سكان الحي لنجدة العائلة المسكينة، غير أنهم اكتشفوا أن الحكاية ليست حكاية إنكليز بل حكاية {معيز}، وظنوا أن الصغير إسماعيل فعل ذلك عمداً فأوسعوه ضرباً، وأخذوه إلى جدته وهم يضربونه طوال الطريق، فما كان منها إلا أن زادت في ضربه، بل حبسته ثلاثة أيام في المنزل وربطت يديه ورجليه بحيث لا يستطيع الحراك.
عانى الصغير كثيرا وكان أول ما فعله حين أطلقت جدته سراحه أن هرب من البيت ولكن الجدة عثرت عليه وأعادته وشدّت وثاقه من جديد، وراحت تتفنن في ابتكار أساليب جديدة من العذاب.
وفي ذلك الوقت كان إسماعيل يغتنم فرصة غياب جدته ساعة أو بعض الساعة ليخرج إلى الشارع ويلتقي أصدقاءه الصغار ويسلي نفسه معهم باللعب تارة وبالغناء لهم تارة أخرى، فعلى الرغم من صغر سنه، إلا أنه كان يتردّد على المقهى القريب من الميدان بجوار الشارع الذي تسكن فيه جدته، فيجلس على الرصيف المجاور للمقهى، لا لشيء إلا ليسمع صوت {الفونوغراف}، الذي كان يخرج أصواتا لم يكن إسماعيل يعرفها في ذلك الوقت، غير أنه كان يتمايل معها طرباً، وفي كثير من الأحيان كان يردد مع {الفونوغراف} هذه الأغاني، حتى حفظ الكثير منها ورددها على مسامع أصدقائه من الأولاد الذين يلعب معهم، فاشتهر بينهم بـ {الصييت} لجمال صوته وإتقانه أداء الأغاني على غرار أصحابها: عبد اللطيف البنا وزكي مراد وصالح عبد الحي، والمطرب الجديد محمد عبد الوهاب.

كمال الشناوي وراقية إبراهيم وإسماعيل يس وفؤاد شفيق وزيزة حلمي محمد عبد الوهاب


 

الغيص

Active Member
طاقم الإدارة

post_old.gif
26-11-2011, 08:59 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,789

icon1.gif

كانت المقاهي المنتشرة في حي الأربعين هي السلوى الوحيدة للطفل إسماعيل ياسين، فما أن يلاحظ {صبي المقهى} جلوسه وقتاً طويلا حتى يبادر إلى سؤاله:

* قاعد كده ليه... عايز حاجة يابني؟

** لا مش عايز.

* طب اسرح... هنا مش تكية.

** لو طلبت شاي ممكن أقعد؟

* أيوه... بس أنت هتشرب شاي!! عشنا وشفنا العيال تشرب شاي.

** والشاي بكام يا عم؟

* بتلاتة مليم... معاك ولا هتشرب على النوتة (بالأجل).

قبل أن يكمل صبي المقهى حديثه ينصرف إسماعيل على الفور، فهو لا يملك ما يأكل به، وهكذا يتنقل من مقهى إلى مقهى، وكلما لاحظ {صبي المقهى} وجوده يهم إسماعيل بالانصراف قبل أن ينهره هذا الأخير أو أحد الرواد.

كانت تجذبه {حضرة الذكر} التي يقيمها أصحاب {الطرق الصوفية} في إحدى الزوايا القريبة من بيت جدته، أو أحد الموالد الكثيرة التي كانت تقام في الحي أو في أحد الأحياء المجاورة. كذلك كانت تجذبه دقات {الصاجات} المتناغمة وأناشيد الذكر المسجوعة وهمهمات التجلّي الصاعدة من الحناجر وقراءة القرآن الكريم مرتلا وأصوات المنشدين المنغمة ذات الإيقاعات من الطبقات المختلفة.

عرف عنه أصدقاؤه ولعه وحفظه للأغاني، فكان يغني لهم في جلسات اللهو البريء وكانوا يحبون خفة دمه وسرعة بديهته، فأصبح إسماعيل {مطرب الشلة} الذي يغني لها في جلسات المرح أو المناسبات الخاصة.

حفظ إسماعيل في ذلك الوقت أغاني عبد اللطيف البنا وزكي مراد وصالح عبد الحي والشاب الجديد محمد عبد الوهاب من {الفونوغراف} المنتشر في أغلب مقاهي الحي باستثناء المقهى المواجه لبيت جدته، وهو أمر أراح ياسين بعض الشيء لأنه كان يحبذ أن يكون المقهى بعيداً.

كان أصحاب المقاهي يتبارون في تقديم كل ما هو جديد لروادهم لا سيما اسطوانات سيد درويش، فيحضر بعضهم عشاءه معه ويتخذ كل منهم ركناً ويستعدّ لوصلة استماع من العيار الثقيل، يعيش فيها لحظات جميلة من الطرب والتجلي.

- جاي النهارده قهوة المعلم فنجري؟

- أنا وظروفي، يمكن أعدي شويه بعد المغرب.

- لا النهارده مفيهاش يمكن... وكمان مفيهاش بعد المغرب... لازم تيجي من بدري.

- اشمعنى؟! هم هيجوزوا المعلم فنجري من تاني ولا إيه؟

- لا وأنت الصادق النهارده هنسمع الشيخ سيد درويش عند المعلم فنجري.. بيقول جايب أسطوانة محصلتش.

- من العصرية هكون هناك طبعاً.

فإذا كان هؤلاء مجرد {سميعة} يحتفون كل هذا الاحتفاء بسماع إحدى أسطوانات الشيخ سيد، فكيف يكون حال إسماعيل وهو يحضّر نفسه ليكون في يوم من الأيام أحد هؤلاء {الصييتة} ويجلس السميعة هكذا في انتظار أن يطل عليهم بصوته.

استعداد خاص لسيد درويش



يكون هذا اليوم بمثابة عيد عند إسماعيل، يجهز نفسه مثل الرواد تماماً، فيحتفظ بطعام غدائه ولا يأكله، مثلما اعتاد بعد صلاة العصر، بل يدخره إلى المساء، ويحضر أحد {الأجولة} التي كان يمتلئ بها بيت جدته، بعدما تفرغ من البضائع التي كان يحضرها لها التجار، ويأتي إلى أحد الأركان على {الرصيف} الملاصق للمقهى ويفترش {الجوال} ويجلس عليه وبحوزته طعامه.

ويدور {الفونوغراف} وتبدأ وصلة السماع والسميعة يهتفون:

- الله الله يا شيخ سيد..

- الله يفتح عليك يا شيخ سيد.

ويجد إسماعيل نفسه يهتف مثلهم وما إن تنتهي وصلة السماع الأولى حتى يبدأ الجميع باحتساء الشاي والزنجبيل واليانسون.

مثلهم يفعل إسماعيل، يبدأ بتناول طعامه ولكن من دون أن يطلب شراباً، وحتى لو لم يأكل فيكفيه أن يعيش مع صوت الشيخ سيد، وهو يردد خلفه ما يسمعه منه ويسرح بخياله ويحلم بأن يكون يوماً مكانه.

في تلك الفترة أي في العشرينيات من القرن الماضي بدأت تنمو لهفة الطفل إسماعيل ياسين إلى الفن، وكثيراً ما كان يتخيّل نفسه مطرباً مشهوراً يرتدي ملابس {السموكنغ}، التي كان يرتديها المطربون في الحفلات الكبرى، ويغني للناس الكبار.

ظلت هذه الصورة تملأ خيال الطفل إسماعيل ياسين كلما طلب منه أولاد الجيران أن يغني أحدث ما سمعه وحفظه، وكان يفرح عندما يطلبون منه الإعادة ثانية وثالثة ولم يكن يفسد عليه الانسجام إلا وصول جدته فجأة وهي تصرخ في وجهه.

- ولد يا إسماعيل، تعالَ هنا... انت مش عايز تبطل المسخرة اللي بتعملها دي.

- دي أغاني الشيخ عبد اللطيف البنا وصالح عبد الحي والشيخ سيد.

- أغاني... ما أنت عايز تطلع هلاس زي أبوك... قطيعة تقطعك أنت وأبوك في يوم واحد.

- أبويا ملوش دعوة... أنا اللي بحب الغنا.

- بتحب الغنا... والله ما أنت فالح في حاجة... أمشي قدامي... داهية تاخدك وتاخد أبوك.

تسحبه من يده بعنف وهي تنهره عن هذه {الهيافة} وتأمره بأن يتوجه إلى فراشه المكون من {حصيرة خشنة و{لحاف} رقيق والذي لم يتغير سواء في الصيف أو في الشتاء،

التفكير في الاحتراف مبكرا

قضى الطفل اسماعيل ياسين أيامه في الشوارع يستمع إلى الغناء في المقاهي ويلعب مع الأولاد ويغني لهم بمتعة. عندما لاحظ مدى الإعجاب والاستحسان اللذين ينالهما من الأولاد، فكر في حيلة يستغل بها هذا الإعجاب ليسد بها جوعه، لماذا لا يدفعون ثمن هذا الإعجاب؟! على أن يكون الثمن أن يقتسم معهم السندويشات التي يجلبونها من منازلهم أو يشترونها. كانت هذه الحيلة تفلح أحيانا وتفشل أحياناً أخرى.

مرّت الأيام ثقيلة، وزاد من ثقلها إحساس إسماعيل بها، كمن ينتظر حدوث حادث ما أو شيء، من دون أن يدري ماذا تخبئ له الأقدار. غير أن أكثر ما أحزنه وأشعره باليتم الحقيقي، غياب أم تدافع عن مستقبله أو أب يحرص على ابنه الوحيد، وذلك عندما قررت جدته منعه من متابعة تعليمه في المدرسة الابتدائية، ليس لتوفير المال الذي تنفقه عليه في المدرسة ولكن نكاية بوالده الذي ارتكن إلى وجوده عند جدته ونسي مجرد السؤال عن أحوال ابنه.

- لحد امتى هفضل أصرف عليك... وأنت بقيت زي البغل كده.

- أنا مش عايز أكل ولا أشرب... بس بلاش أخرج من المدرسة.

- يعني هتبقى إيه... قنصل زى أبوك... الولاد كلهم بيشتغلوا... شوفلك شغلانه أصرف بيها على نفسك... اللي أقوله تنفذه بالحرف الواحد... مفيش مدرسة يعني مفيش مدرسة.

حزن إسماعيل على خروجه من الصف الرابع في المرحلة الابتدائية، وصدم بقرار جدته الذي قضى على طموحاته.

الطرد بسبب الغناء

في الوقت الذي كان فيه إسماعيل يبحث عن مكان له في الحياة، كان سقوط الأب يزداد وحياته تنهار، فإدمانه المخدرات جعله ينسى تماماً الابن الذي بدأ يكبر، ولم يعد قادراً حتى على الإنفاق على نفسه وبيته وزوجته.

لم يجد إسماعيل بداً من أن يعتمد على نفسه ويشقّ طريقه بحثاً عن عمل حتى لا يظلّ عالة على جدته، التي أعلنت تخليها تماماً عن الإنفاق عليه.

حاول إسماعيل أن يستغلّ علاقاته التي كوّنها من خلال تردده على المقاهي، ولأنه كان خفيف الدم يحفظ النكات وله أسلوب خاص في إلقائها، أحبّه كثر، ما شجعه على أن يطلب عملا من هذا أو ذاك، فكان يجد مبتغاه أحياناً في بعض الأعمال الهامشية الصغيرة، كأن يعمل منادياً أمام أحد محلات بيع الأقمشة عن الأسعار وأنواع الأقمشة الموجودة في الداخل. غير أنه في أحد الأيام طرأت فكرة على رأسه، طالما ينادي بصوت جهوري على البضائع والأقمشة، فما المانع من اعتماد طريقة الغناء؟

- قرب تعالَ {لحم الهوانم} دي قماشة عال.

قرب تعالَ بضاعة رخيصة وعال العال.

عندما سمعه صاحب المحل ظنّ أنه يسخر من البضائع أو يتخذ من عمله لعباً ولهواً، فنهره ووبخه قبل أن يطرده، عندها انتقل للعمل عند خواجة يوناني لديه محل لبيع الساعات، لكن ما لبث هذا الأخير أن طرده بعدما دأب إسماعيل على التأخر عن موعد العمل بسبب سهره في المقاهي لسماع الأسطوانات الجديدة.

لم يعجب هذا {الحال المايل} الجدة واضطرارها للبحث عنه يومياً في المقاهي التي يسهر فيها لتعكر صفوه وتسوقه إلى المنزل من بين أصدقائه، حتى لا يتأخر في الاستيقاظ مبكرا للذهاب إلى عمله.

ولم يكن أمام إسماعيل من متنفس ينسيه عناء العمل وقسوة الحياة ومطالبها سوى جلسات الأصدقاء على المقهى أو المشي بمفرده ـ ربما لساعات ـ يغني لنفسه الأغنيات التي سمعها أخيراً.

الأفراح... تجمع الابن مع الأب

ما بين استهزاء الجدة بموهبته التي بدأت تظهر وتدهور حالة الأب المالية والصحية، عاش إسماعيل أياما صعبة، لم يهون عليه صعوبتها إلا حلمه بأن يصبح يوماً مطرباً كهذا الشاب {محمد عبد الوهاب}، الذي بدأ يشق طريقه بسرعة، فقرر أن يتخذ خطوات عملية لتحقيقه، لا سيما أن المحيطين به يؤكدون له أن صوته جميل، بل ويطربهم، فما المانع من أن يكون مطرباً بالفعل، ولكن كيف؟!

وجد إسماعيل في حفلات الطهور والسبوع والأفراح التي يحضرها مجاملة للأصدقاء والأحباب متنفساً له ليفرغ طاقته وشحنته الغنائية ويقترب من تحقيق حلمه ويجد مهرباً له من الحياة البائسة التي يعيشها.

لم يلاحظ الجمهور في صوت اسماعيل ما يطربه لكنه شجعه لأنه كان يستمتع بأدائه الفرح.

في الثالثة عشرة من عمره بدأ إسماعيل يسأل عن أبيه، وكان يهرب من بيت جدته ليبحث عنه لعله يجده ويطلب منه أن يخلصه من عذابه، لكنه كان يعود بائساً، فلا أحد يعرف مكان والده.

في إحدى الليالي سمع إسماعيل من أحد أصدقائه أن فرحا سيقام في أحد الأحياء القريبة لأحد كبار التجار، وأن هذا الأخير استقدم مطربين و{صييته} من مصر ـ القاهرة ـ وستكون السهرة {صباحي}، فوجد إسماعيل فيها فرصة ليرى المطربين و{الصييته} الذين طالما استمع إليهم، ولم يعلم أن القدر يحمل له مفاجأة أخرى، فما كاد يدخل الفرح حتى وجد نفسه وجها لوجه مع والده الذي بحث عنه طويلا.

وما كاد الاثنان يلتقيان حتى غمرتهما الدموع، احتضنا بعضهما البعض، وغسلت دموع الأب عذاب الابن، وتحول {الفرح} الذي حضر كل منهما للمشاركة فيه، إلى مأتم حقيقي، شعر إسماعيل كأن والدته ماتت اليوم، وشاهد ياسين شريط حياته الطويل وما مرّ بها من عذابات ومراحل صعود وهبوط. جلسا معا، وراح يشكو كل منهما همه للآخر. يشكو الأب تدهور أحواله الاقتصادية وضياع تجارته وتجارة أبيه وحياة الشقاء التي يعيشها مع زوجته الأخرى، ويشكو له إسماعيل أيام العذاب والشقاء، ومعاناته في بيت جدته.

قبل أن ينتهي الفرح طلب إسماعيل من والده أن يعيش معه ورحب الأب بذلك.

- معلش يا أبويا... أنا ما بقيتش قادر أتحمل أعيش في بيت جدتي، متعرفش هي بتعاملني إزاي.

- عارف يا بني... عارف... هي كده {أليفة} طول عمرها شايله قلبها وحاطة مكانه حجر... حتى أيام المرحومة... مكانتش بترضى تروح عندها علشان كانت عارفه طبعها.

- أبويا... تزعل يعني لو...

- لو إيه قول يا إسماعيل... لو إيه...

- يعنى تزعل لو جيت أعيش معاك في البيت.

- أزعل... إنت بتقول إيه يا بني... أنا أزعل انك تيجي تعيش معايا... صدقنى يا بني أنا اللي خلاني بعتك عند جدتك القلة والعجز عن تأمين قوتك اليومي...

- يعنى يمكن مراتك تزعل ولا تخليك تضربني.

- ولا تعمل حسابها... ما تتحرق بجاز... صدقني يا إسماعيل يا بني أنا مطلعتش من الدنيا دي غير بيك... أنت اللي فاضللي.

في تلك الليلة لم يعد إسماعيل إلى بيت جدته التي نامت ملء جفنيها ولم يجزع قلبها لعدم عودته ولا حتى في الليالي التي تبعتها، إلى أن عرفت من بعض المقربين أن إسماعيل عاد إلى والده، ولم يزد تعليقها عن:

- والله بركة... في ستين داهيه... اتلم المتعوس على خايب الرجا!

عاش إسماعيل ياسين أياماً جديدة في بيت والده، رأى فيها بعض ملامح السعادة التي كاد أن ينساها: يأكل... يشرب... ينام مطمئناً... يخرج ويدخل وقتما يريد، يذهب إلى المقهى الذي يجلس فيه والده... يشرب زنجبيل ويانسون، والحساب عند والده.

- خد يا إسماعيل.

- إيه ده يا ابويا؟

- فلوس.. امسك.

- نص ريال بحاله؟ أنا مش مصدق نفسي!!

- لا صدق وكمان عايزك تصرفه كله النهارده ولو صرفته النهارده هديلك زيه بكره.

- أنت بتتكلم جد يا أبويا.

- وجد الجد، الفلوس في ايدك، وجرب وأنت تشوف.

- ده كده أنا بقيت ابن معلم بجد.

- أبوك طول عمره معلم ابن معلم... بس هو الزمن... لكن معلش بكره الحال يرجع أحسن من اللي كان.




من الجريدة
 

الغيص

Active Member
طاقم الإدارة

post_old.gif
11-03-2012, 06:06 AM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,789

icon1.gif

إسماعيل يس... حكاية رجل حزين(6)
يحيا الفنّ


القاهرة - ماهر زهدي
مرت أيام قليلة، كان إسماعيل يجتهد فيها لإنفاق {النصف ريال} وكان يفلح أحياناً، ويخفق أحياناً أخرى، حتى اكتشف سر هذا السخاء الذي هبط فجأة على والده، وسر {الأنصاف ريالات} الكثيرة التي تنهال عليه يومياً منه، ولماذا كان يعنّفه طالباً منه أن ينفقها كلها. اكتشف بطريق الصدفة أن والده على صلة بعصابة تزيّف النقود! نعم والده يعمل بتزييف النقود، مع عصابة تملك آلة تزييف للعملات الصغيرة الفضية من فئة القرش، والقرشين، والخمسة قروش، والعشرة قروش.
لم ينكسر ياسين أمام ابنه عندما انكشف أمره... بل كانت المفاجأة الأكبر التي لم يتوقعها اسماعيل، أن يطلب منه والده وبلهجة الآمر، ترويج هذه العملات التي يتم تزييفها في الأسواق بين الباعة والمتاجر، أي أنه عرض صريح لأن يعمل إسماعيل معه ضمن أفراد {عصابة التزييف}!
لم يكن إسماعيل يملك غير الطاعة خوفاً من أن يطلب منه والده العودة إلى جدته، فوافق على مضض، وكان دوره، كما أوضح والده، أن يصرف العملات المعدنية من فئتي الخمسة والعشرة قروش.
يبدو ألا راحة في العمل حتى إذا كان {تصنيع النقود}. كان على اسماعيل أن يتنقل طوال اليوم على قدميه من حي إلى حي، ومن شارع إلى آخر، ومن حارة إلى زقاق، كي يتمكّن من تصريف ما معه من عملات، ليعود آخر اليوم وقد صرف ما صرف وبقي معه ما بقي... كانت مهمته تحويل العملة المزيفة إلى صحيحة، بالتحايل على أصحاب المحلات التجارية بإعطائهم العملات المزيفة لشراء شيء ما، ويعطيه صاحب المحل بقية المبلغ من العملة الصحيحة... وهكذا. في أحد حواراته مع والده:
- صرفت كام النهارده يا سمعه؟
- أخدت خمسة جنيه واللي فاضل معايا بعد المصاريف أربعة جنيه وخمسة وستين قرش واتناشر مليم.
- طب عال كويس قوي.
دخل عليهما رجل يعمل مع والده في التزييف، لكن هيئته تقول غير ذلك لأنه كان خفيف الدم مرحاً. تحدث بلغة غير مفهومة ليست إيطالية ولا إنكليزية ولا يونانية... قد تكون خليطاً بين هذه اللغات أو لا شيء إطلاقاً، مجرد هواء!
- كليسيرا معلم ياسين.
- أهلا... معلم فرج.
- (يشير إلى إسماعيل) بيبتو.
- أيوه ابني سمعه.
- ياسو... ياسو... أفخر ستوبولي لا فروتا.
- الواد مش هيفهم اللي بتقوله.
- أوه... إكسي أوريستا لا ذاكي كليمارا.
- هو بيقول إيه يابا.
- متخدش في بالك يا سمعه.
- موسخري لافروتا لابيستا لاميرميلاتا... كليسيرا.
أخذ الرجل بعض النقود من ياسين وانصرف...
- أول مرة أشوف خواجة لابس جلابية.
- خواجة إيه ده مصري سويسي... ومن حي الجناين.
- سويسي ويتكلم أجنبي كده.
- أجنبي إيه ده حمار... كلمتين إيطالي على كلمة جريجي على كلمة إنكليزي والباقي هوا من عنده.
- بس عاجبني قوي.
- لأنك حمار زيه!
ثم نال إسماعيل نصيبه الذي لا يتعدى {القرشين} فقد انتهت مرحلة {النصف ريال} لأنه اكتشف أنها مرحلة {جر رجل}، وعلى رغم أن القرشين كانا كافيين لأن ينفقهما إسماعيل في ذلك الوقت، فضلاً عن مأكله ومشربه ونومه في بيت والده، إضافة إلى ما ينفقه وهو يصرف النقود المزيفة، إلا أن هذا كله لم يكن أبداً طموحه، ولا حتى الهدف من العودة إلى بيت أبيه، بل كان هدفه البحث عن الحضن الدافئ والإحساس بالأمان وملء بطنه من قهر الجوع، ثم بعد ذلك التفكير في مستقبله، والسعي إلى تحقيق حلمه الذي أصبح يسيطر عليه ويملأ حياته، ولم يكن مزيداً من النقود أو الثراء، فهو يبحث عن حلم آخر لم يعد له وجود في بيت أبيه... في ظل المهمة الجديدة التي أسندها إليه.
البحث عن مخرج
في هذه الفترة كان إسماعيل على عتبة الشباب، وهنا بدأ الأصدقاء ينصحونه بعد أن سمعوا صوته بأن يصبح مطرباً، لكن أهم ما ينقصه تعلم أصول الموسيقى مثلما يفعل كبار المطربين، والمكان الوحيد الذي قد يدرس فيه الموسيقى {معهد الموسيقى العربية} في القاهرة، فما إن كان إسماعيل يلتقي بأحد المطربين الذين يزورون السويس، حتى يقول له هذا الكلام:
- يا بني علشان تبقى مطرب حقيقي لازم تتعلم أصول الموسيقى.
- إزاي؟ ما أنا بفهم في الموسيقى كويس، وأقدر أفرق بين أصوات المطربين وكمان أقلد لك أي واحد منهم.
- مش كفاية إنك تسمع كويس أو تقلد أو حتى تغني كويس. لازم تدرس أصول الموسيقى، ودلوقت أي حد عايز يغني أو يعزف لازم يدرس في معهد الموسيقى.
- حتى الشيوخ اللي لابسين عمة وجبة وقفطان.
- اللبس ملهوش دعوة، أنت عايز تتعلم موسقى ومغنى ولا عايز تبقى شيخ بعمة؟
- عايز أبقى مطرب زي المطرب الجديد اللي اسمه محمد عبد الوهاب.
- خلاص... عليك وعلى معهد الموسيقى.
ظل كل من يقابله يقول له ذلك، حتى اقتنع بأنه لا مفر من هذا الطريق، وليس الطريق الذي اختاره له والده، مرغماً، وقد يودي به إلى السجن، أو أن يكون أحد كبار المزورين أو المهربين.
وفكر اسماعيل أن أفضل طريقة لتحقيق حلمه أن يسافر إلى القاهرة حيث محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وصالح عبد الحي والفرص الكثيرة... فمصر أم الدنيا: الشهرة، المجد، المال، وفرص العمل... سواء في شارع عماد الدين، أو شارع محمد علي. وكبر الحلم في عقل اسماعيل، وحلم بالأضواء والشهرة والنجاح.
عزم على اتخاذ قراره بالسفر إلى القاهرة التي لم يكن قد رآها سابقاً، لكن قبل أن يتخذ هذه الخطوة كانت أسئلة عدة تلح عليه ويبحث لها عن إجابات:
- يا ترى أقول لوالدي على اللي نويت أعمله؟
- وياترى والدي هيوافق؟
- وإذا وافق... إزاي هسافر وأنا مفيش في جيبي مليم واحد؟
بحث إسماعيل في داخله ولم يتوصل إلى إجابات شافية إلى درجة أنه فكر في أن يأخذ حصيلة ما يقوم بتصريفه من نقود مزيفة ويهرب بها إلى القاهرة، لكن الحصيلة قد لا تتعدى الجنيه أو الإثنين... وهذا المبلغ لن يكون كافياً بأية حال، فهو لا يعرف ماذا ينتظره في القاهرة، وكيف ستكون حياته فيها، ولا يعرف كيف سيعيش ويأكل ويشرب ويتعلم؟
فكر أن يطلب من والده مبلغاً يعينه على السفر إلى القاهرة والعيش فيها لتعلم الموسيقى، لكنه عاد بسرعة وأكد لنفسه أن والده سيرفض حتماً، فقد تقدم به السن ويريد منه أن يبقى إلى جواره، لكنه في هذه الحالة سيبقى مزيفاً للنقود، وسيضيع مستقبله.
وطرد إسماعيل من رأسه فكرة أن يستعين بوالده، وتذكر أن جدته {أليفة} كانت تحتفظ ببعض المال في خزانة ملابسها، لكن كيف الوصول إليها وقد تركها وهرب من بيتها حتى من دون أن يستأذنها، وكيف يعود إليها الآن، وماذا سيقول لها؟
- أطلب منها الصفح والغفران كي تطمئن لي، وهكذا أستطيع أن أحصل منها على بعض المال.
- لكن كيف سترضى أن تقرضني مبلغاً كبيراً، وهي التي لم تكن تعطيني {قرش تعريفة} طوال فترة إقامتي عندها، هل ستأتي الآن وتقول خذ هذا المبلغ الكبير؟
- ولم لا؟ فأنا أعرف أنها لا تحبني بسبب والدي، لكن عندما تعرف أنني سأبتعد عنها وعن أبي وأسافر إلى مصر لتعلم الموسيقى حتماً ستعطيني.
لكن الظروف وفرت على إسماعيل ما كان يفكر به، فقد تصادف حين وصل إلى بيت جدته أنها لم تكن موجودة، جلس ينتظرها طويلاً، لكنها لم تأت، وعندما هم بالانصراف طرأت على رأسه فكرة قرر تنفيذها. تردد، وقف ثم مشى، ثم عاد ثم وقف، فكر قليلاً ثم اتجه بسرعة قبل أن يتردد ثانية إلى {خزانة ملابس} جدته، أخذ آلة حادة وفتحها، ووجد فيها نقوداً كثيرة، لكن كما يقال، أخذ ما غلا ثمنه وخف وزنه، فلم يقترب من الجنيهات الذهبية أو النقود المعدنية، واكتفى بأن يأخذ ستة جنيهات، وهو يؤكد لنفسه أنها ليست سرقة بل قرضاً سيرده فور أن يفتح الله عليه ويعمل في هوايته التي يحبها، الغناء...
وضع إسماعيل الجنيهات الستة في جيبه وغادر البيت فوراً من دون أن يراه أحد، متجهاً إلى محطة {السكك الحديدية} حيث جلس في انتظار أول قطار إلى القاهرة ليستقله.
في محطة مصر
مع النسمات الأولى من صباح اليوم التالي يصل قطار السويس إلى {محطة مصر} في قلب العاصمة المصرية القاهرة، التي كان، ولا يزال، يطلق عليها جميع أهل الريف والمدن والمحافظات الأخرى اسم {مصر} مجازاً...
ومعروف أن القاهرة لا ترحب عادة بالصور المقلدة ولا ترضى بأقل من الأصل، بل والمتميز والجديد، فهي تضج بمن يطلق عليهم {الصور الكربونية} سواء في شارع محمد علي، أو في عماد الدين، أو روض الفرج.
وجاء اسماعيل وحيداً، غريباً لا يعرف أحداً، وليست لديه بوصلة تهديه، لكن يكفي أن لديه الرغبة الصادقة ويملك الأمل والثقة في النفس، وجنيهات ستة {اقترضها} من جدته، وملابسه المتمثلة في {بدلة} قديمة، و{جلباب بلدي} للنوم، وقبل ذلك كله رأس ماله الحقيقي... صوته، إضافة إلى قدرته على تقليد الآخرين في الغناء، وأحلامه في أن يصبح مطرباً.
خرج إسماعيل من {محطة مصر} ينظر يميناً ويساراً، مبهوراً بما يراه، فهي المرة الأولى التي يخرج فيها من مدينته السويس، التي كان يظن أنها أجمل بقاع الأرض، بشوارعها المزدحمة بالمحلات ومبانيها القديمة، وبمياهها الصافية، لكنه اصطدم بواقع لم يره سابقاً، وكان أول ما وقعت عليه عيناه تمثال {نهضة مصر} الذي انتقل إلى هذا المكان حديثاً، عندما أسهم الشعب المصري في اكتتاب عام لإقامته، حيث أقيمت حفلة كبيرة في ميدان باب الحديد لوضعه في هذا المكان في 2 مايو (أيار) من عام 1928، قبل أن ينتقل إلى مكانه الحالي في مواجهة جامعة القاهرة.
انتقل إسماعيل من أمام باب محطة مصر إلى الرصيف المقابل وهو يتأمل التمثال والمكان المحيط به، ومباني وسط القاهرة، وبانتقاله إلى الرصيف المقابل شعر بالجوع عندما وقعت عيناه على عربة تبيع {الفول المدمس} يلتف حولها مجموعة من البشر يلتهمون طعامهم بشراهة، لم يتردد... واندس بينهم وراح يأكل وقلبه يتراقص من الفرح.
قبل أن يفرغ إسماعيل من طعامه كان قد سأل عن مكان معهد الموسيقى العربية، واكتشف أنه ليس بعيداً، فقط محطتين بالترام، الذي شعر إسماعيل باستمتاع غريب وهو يركبه متجهاً إلى المعهد.
ذهب إسماعيل إلى معهد الموسيقى العربية ففوجئ به مغلقاً، وسأل عن السبب:
- كل سنة وأنت طيب المعهد دلوقت في {المسامحة} (الأجازة الصيفية) ارجع وعليك خير بعد أربعة أشهر.
- أربعة أشهر؟
- أيوه المسامحة أربعة أشهر.
حسنا لا بد طبعاً من أن يعود، لكن ماذا سيفعل حتى تنتهي هذه الأشهر الأربعة، وأين يمضيها؟ وتاه إسماعيل في شوارع القاهرة فكان يمشي من مكان إلى آخر من دون هدف أو غاية، لأنه لا يعرف إلى أين يذهب أو ما هي غايته، وكان يفكر أحياناً:
- ترى هل أعود إلى والدي أو إلى جدتي، وهل تغفر لي جدتي ما فعلته حين سرقت جنيهاتها لوعدت إليها؟
واستقر رأيه على أن يبقى في القاهرة، وليفعل فيه القدر ما يشاء. لكن القاهرة قاسية القلب، لا تحسن استقبال الغرباء، فهي تستقبل الألوف مثله يومياً من النازحين من قرى ومدن الريف ليس بحثاً عن فرصة عمل فحسب، لكن أيضاً لأجل ثراء المدينة وحياة الترف.
لكنه ليس مثل هؤلاء الذين لا يهمهم ماذا سيعملون، سواء في معسكرات الإنكليز، أو لدى الأسر التي تحتاج إلى خدم.
هنا القاهرة
ذهب إسماعيل إلى إحدى {اللوكاندات} الرخيصة والقريبة من منطقة وسط القاهرة ومحطة مصر، وفي الوقت نفسه قريبة من معهد الموسيقى. أقام فيها أياماً عاطلاً عن العمل، يخرج صباحاً ويجوب شوارع القاهرة ومنطقة وسط البلد، ثم الأزبكية وشارع عماد الدين ليلاً، ويعود إلى اللوكاندة منهكاً لينام، وتتكرر الحال في اليوم التالي، يوماً تلو آخر انتهت نقوده، ولم يبق معه من الجنيهات الستة سوى قروش بسيطة، وقد صادر صاحب اللوكاندة كل ما يحمله من ثياب ومتاع:
- الفلوس خلصت وبقيت {أبيض ياورد}... تعمل إيه وتروح فين يا واد يا سمعه. ده كمان لسه المعهد قدامه فترة طويلة علشان يفتح...
وخطرت له فكرة، فهو يعرف أن ابنتي خاله تزوجتا هنا في مصر، بل إن عناوينهما معه، فقد ذكرها خاله لجدته أمامه مراراً، وهنا قرر أن يلجأ إلى إحداهما. وذهب إلى ابنة خاله الأولى، التي كان زوجها أزهرياً عصبي المزاج يكره أقاربها، وما كاد يرى اسماعيل حتى {كشّر} في وجهه، خصوصاً بعد أن قال إنه جاء إلى القاهرة كي يتعلّم الموسيقى:
- قلت لي بقى جاي مصر ليه؟
- علشان أقدم في معهد الموسيقى العربية، نفسي يا عمي أبقى مطرب مشهور.
- مطرب مشهور! عليك لعنة الله. عايز يعني تشتغل مع العوالم وبتوع {هشك بشك}.
- لا مش العوالم. بقولك زي سي محمد أفندي عبد الوهاب، أو الشيخ زكريا أحمد.. أو...
- والشيخ زكريا بقى شيخ في أي مسجد إن شاء الله. قوم فز من قدامي، باب السكة أهه قدامك شايفه.
- أيوه شايفه.
- تخرج منه وماتورنيش وشك هنا تاني... فز امشي.
البحث عن مأوى
خرج إسماعيل حزيناً، لكنه لم ييأس بعد، فما زال الأمل معقوداً على ابنة خاله الثانية. ذهب إليها فوراً، لكن القدر لعب لعبته معه:
- الست إحسان سافرت من هنا.
- وراجعة امتى؟
- لا يا بني مش راجعة. دي قاعدة مع جوزها القاضي الشرعي في المنصورة أصله اتنقل من الشتوية اللي فاتت هناك.
هكذا وجد إسماعيل نفسه بلا مأوى وبلا مليم في جيبه. هام مجدداً على وجهه في شوارع القاهرة حتى قادته قدماه إلى مسجد {السيدة زينب}، دخله فرأى الصلاة قائمة، توضأ وأدى صلاة المغرب، وبقي في المسجد حتى حانت صلاة العشاء فصلى مع المصلين، وقبل أن يخلو المسجد من المصلين كان قد اختفى في أحد أركانه، وحين أطفئت الأنوار غرق في نوم عميق إلى أذان الفجر.
عاش أسبوعاً في المسجد، يأتيه عند صلاة العشاء ويتركه بعد صلاة الفجر أما الطعام فقد كان يقتسمه مع بعض من يطلق عليهم {مجاذيب الست} الذين يعيشون حول المسجد وبجواره، يقتاتون على {الحسنات والخيرات والنذور} التي يقدمها أهل الخير، وكان أحياناً يتظاهر بأنه واحد منهم، فيعطونه حصته من الطعام.





http://www.elm7ata.com/vb/archive/in...p/t-22263.html


 

السيب

Active Member
طاقم الإدارة
/ إسماعيل يس... حكاية رجل حزين (7)
متشرِّد مظلوم
إسماعيل يس... حكاية رجل حزين (7)
متشرِّد مظلوم




الأحد 30 أغسطس 2009 - الساعة 00:00
ظلّ اسماعيل على هذه الحال أياماً طويلة، حتى اكتشفه أحد خدام المسجد، رجل ضخم فظ وغليظ القلب، هوى على وجه اسماعيل بصفعات عدة قبل أن يطرده. مرّت الأيام، وازدادت حالته سوءاً! وظهرت على هيئته ملامح البؤس والفقر، إضافة الى قذارة ملابسه، وكما تبخرت نقوده تبخرت الوعود والأحلام كافة، فلم تسنح فرصة واحدة للمطرب الشاب القادم...

126581_pic1.jpg

126581_pic2.jpg

T+ | T-
أخبار ذات صلة
فؤاد المهندس... أستاذ الكوميديا ومهندس الضحك (الأخيرة) ... رحل «يا مولاي كما خلقتني»
نعيمة عاكف... التمر حنة (الأخيرة) ... «اللقاء الأخير»
نعيمة عاكف... التمر حنة (29) ... «يا حبيبي»
فؤاد المهندس... أستاذ الكوميديا ومهندس الضحك (14) ... صدمة الرفاق في انفصال «المهندس وشويكار»
فؤاد المهندس... أستاذ الكوميديا ومهندس الضحك (13)

ظلّ اسماعيل على هذه الحال أياماً طويلة، حتى اكتشفه أحد خدام المسجد، رجل ضخم فظ وغليظ القلب، هوى على وجه اسماعيل بصفعات عدة قبل أن يطرده.


مرّت الأيام، وازدادت حالته سوءاً! وظهرت على هيئته ملامح البؤس والفقر، إضافة الى قذارة ملابسه، وكما تبخرت نقوده تبخرت الوعود والأحلام كافة، فلم تسنح فرصة واحدة للمطرب الشاب القادم من السويس لغزو القاهرة. ازداد انبهاره بشارع عماد الدين ورواده من الفنانين، وبالأضواء التي لا تنطفئ ليلاً وتحيل الشارع إلى نهار.


ازدادت مشاكل إسماعيل، فلجأ إلى محطة {كوبري الليمون} بعد طرده من النوم في المساجد، ثم هرب منها خوفاً من عساكر الشرطة وعاد مجدداً إلى رحلة البحث عن مأوى. تجوّل في شوارع القاهرة، حتى أعياه التعب فجلس وارتاح على الرصيف ومن شدة التعب نام في مكانه.


ومع إشراقة الفجر الأولى، وحين بدأ الناس يتجولون في الشوارع، خاف أن يلاحظه أحد العساكر فيأخذه إلى السجن، فواصل رحلة المشي على غير هدى، وبلغ به التعب ليلاً حداً كبيراً فكان يمشي وهو نائم إلى أن وجد مقهى ليس فيه كثير من الناس فدخله وارتمى بجسده المتهالك في زاوية بعيدة عن العيون ونام.


مجدداً، فتح إسماعيل عينيه صباحاً على رجل غليظ القلب يضربه برجله ويقول له:


- قوم يا متشرد يا ابن المتشردة، قوم من هنا.


ثم عاد كي يضربه في بطنه الخاوية من الطعام منذ يومين، وليت الرجل اكتفى بذلك، بل تطلع الى اسماعيل وصرخ:


- هو ده الواد اللي سرق طقم الشاي إمبارح. أنا الخلقة دي متروحش من بالي أبداً... هو يعني هو.


فجاء أهالي الحي وشاركوا الرجل في ضرب اسماعيل، وهم يصرخون:


- كده تسرق طقم الشاي يا حرامي يا وش الإجرام.


انسابت دموع إسماعيل ساخنة على خديه وبكى من أثر الاتهام الكاذب وقسوته، وعلى ما ينتظره من مستقبل مظلم نهايته السجن:


- والله عمري ما شفت أي طقم شاي في حياتي، ولا حتى سرقت جدتي ولا حاجة، أنا مش حرامي يا ناس... أنا غلبان!


لكن الجميع صمّم على اقتياده إلى مركز الشرطة، وبدأت التظاهرة صغيرة وما لبثت أن كبرت وانضم إليها كثر أخذوا يشاركون في جذبه وصفعه وشتمه، ويشهدون هم أيضاً على أنه هو الذي سرق طقم الشاي، وإسماعيل يقول لهم:


- يا ناس حرام عليكم تشهدوا زور.


لكن لم تشفع له دموعه وملامح البراءة البادية على وجهه وتصرفاته وحيرة الإنسان الصادق عندما تحاصره الأكاذيب، ونبرات الصوت المشحونة بالحزن والمرارة الصادرة منه نافية الاتهام، ونظرات عينيه الحائرة المستجيرة، الباحثة عن قلب رحيم يأخذ بيده وينقذه من هول الموقف الذي يقف فيه، وفي الطريق إلى مركز الشرطة سقط إسماعيل مغشياً عليه من شدة الضرب. فتدخل القدر لينقذه حين جاء شيخ المسجد الذي كان لمح السارق وهو يهرب ونظر إلى اسماعيل، قائلاً لمن تجمّعوا حوله:


- أتركوه يا جماعة، إنه ليس سارق الشاي.


تركه الجميع، وحين أفاق من إغمائه وجد شيخ المسجد أمامه فارتمى على صدره واندفع في نوبة بكاء حادة، ارتعش فيها جسده كله ونبرات صوته، وقص على الشيخ قصته بكلمات حارة صادقة، وبعينين حزينتين نافياً الاتهام الظالم الذي تعرض له، فنصحه الشيخ بالعودة إلى السويس كي لا تسوء حالته أكثر، ولا يتعرض إلى مصاعب أخرى في بلد غريب:


- اسمع مني يا ابني، الأفضل لك أن تعود إلى والدك في السويس.


فأجاب إسماعيل:


- حاضر يا مولانا.


صمت إسماعيل وهو يجفف دموعه، ومدّ الشيخ يده في جيبه وأخرج منها جنيهاً (مبلغ ضخم في ذلك الوقت) وأعطاه له. تردد إسماعيل ثم مدّ يده على استحياء وأخذه، ومن دون تفكير اتجه فوراً إلى محطة السكة الحديدية ليقطع تذكرة إلى السويس، فأخذ الشيخ بيده وودّعه في المحطة، وهو يستقل القطار إلى السويس، بعد أن تكفّل له أيضاً بوجبة غذائية.


شعر إسماعيل بالاطمئنان والثقة في الناس مجدداً، وأن القلوب الرحيمة لا تزال موجودة وعلى استعداد كي تنقذ غريقاً، أو بريئاً قد يحيط به الاتهام.


وحين بدأ القطار يتحرّك هطلت دموعه مجدداً، لكن هذه المرة ليس لأن الدنيا لا تزال بخير، بل لإحساسه بأنه فشل في تحقيق أحلامه، فشل في أن يتعلم الموسيقى كي يصبح مطرباً ولا بد من أن يطرد من ذهنه هذا الحلم، ويعود إلى بلده مهما حدث بعدما شاهد قسوة الظروف التي مرّ بها.


العودة إلى السويس


عاد إسماعيل إلى السويس حزيناً، مكتئباً، مهزوماً، غير أن جذوة الأمل لم تنطفئ بالكامل في قلبه المتعلّق بالغناء والطرب. وصل إلى بيته، ولم يجد ما يسّره أو يزيح عنه هموم ما رآه في القاهرة، فقد وجد والده في حالة يرثى لها، كان يرتدي ملابس رثة، وقد تدهورت صحته، وقُبض على عصابة تزييف النقود، لكن لحسن الحظ كان الأب تركهم، وتبدلت حالته وتحوّل إلى {صنايعي} أجير في أحد محلات {الصاغة} بعد أن كان صاحب محل، ولم يعد بإمكانه مساعدة ابنه أو الإنفاق عليه، فهو بالكاد يسد متطلبات حياته وزوجته.


أذلّ المرض والد إسماعيل وهدّه إدمان المخدرات، وبدأت تظهر عليه آثارهما، فأصبح أكثر تفهماً لأحلام ابنه الغامضة في السفر إلى القاهرة.


محو آثار الهزيمة


أكثر ما أسعد إسماعيل أن {شلّة} الأصدقاء التي تركها ما زالت تحمل له الود والحب، واستقبلته كابن لها يعود من رحلة غياب، وليس من رحلة فشل يستحق عليها التأنيب أو السخرية منه، كما كان يخشى.


روى اسماعيل لأصدقائه تجربته المريرة القاسية في القاهرة، وأخبرهم عن أحلامه لو أنه استطاع الاستمرار، فمعركة إثبات الوجود طويلة وتحتاج جهداً كبيراً من المثابرة والصبر.


وكعادة الأصدقاء، لم ترضَ {الشلّة} بفشل أحد أعضائها، فتولّدت الرغبة في المساعدة والتصميم على إعادة المحاولة، والوقوف إلى جانب إسماعيل كي يعود ليغزو القاهرة. استقبلت السويس إسماعيل في حفلات الزفاف، مع تلك الفرق البسيطة التي تحيي الليالي بالغناء والموسيقى والرقص، لتبعث البهجة في النفوس المتعبة، وتحاول أن تكسر رتابة أيامها وإن من خلال مناسبة بسيطة تخفّف عنها أعباء الحياة، وما تعيشه من ضيق وذلّ في ظلّ وجود الاحتلال البريطاني.


اجتهد الأصدقاء في دفع إسماعيل إلى المناسبات لمساعدته، فلم يعد لديه عمل أو مهنة، حتى قادته الصدفة في أحد الأيام إلى إحياء فرح في منزل أحد أثرياء مدينة السويس يدعى الشيخ إسماعيل الفار، وهناك لقي قبول الجميع، وأصبح محط أنظارهم، وما إن انتهى من الغناء حتى تقدم منه شاب وسيم يحييه على غنائه، فأثار فضول إسماعيل هذا الثناء والإعجاب، وتعرف إلى الشاب الذي اتضح أنه من عائلة قدري باشا التي كان أفرادها يحضرون الفرح، فأبدوا إعجابهم بإسماعيل ووجدوا فيه {شيئاً} طريفاً جديداً، ثم طلبوا منه أن يزورهم في القاهرة، فقد وجدوا فيه وجهاً جديداً لم يشاهدوه في أمثاله من المطربين من أبناء القاهرة، وخفّة ظل و}نكات وقفشات} يستطيع من خلالها إدخال البهجة والسرور إلى قلوبهم. وبدوره وجد اسماعيل فيهم إصراراً على أن يحيي لهم ليالي {السمر} بنكاته وطريقة تقليده المطربين الجدد.


عودة الروح


ناوله الشاب الوسيم بطاقة تعريف، فيها الاسم والمهنة والعنوان. اندهش إسماعيل عندما لم يجد شيئاً في البطاقة، مجرد أحد الأثرياء، فماذا سيفعل عنده؟ لكن ما من مانع، فقد تكون البداية من هنا.


رأى أصدقاء إسماعيل أن هذه {الدعوة الفرصة} هي {القشة} التي ينتظرها الغريق لتحمله إلى بر الأمان في القاهرة، وأن الفرصة أصبحت مواتية له ليعيد التفكير في تحقيق طموحاته وأحلامه التي وضعها جانباً منذ عودته من القاهرة، فقرروا التكاتف في ما بينهم، وتذليل عقبة المصاريف الأولى اللازمة لبداية الرحلة. جمعوا مبلغاً من المال، ربما لا يتعدى المبلغ نفسه الذي بدأ اسماعيل به رحلته السابقة، الجنيهات الستة التي بقيت عالقة في ذهنه وربما لم ينسَها طوال حياته.


شعر والد اسماعيل بالوحدة والعجز، وعارض سفر ابنه معارضة العاجز الذي لا يقدر على المساعدة أو المنع، لكنه لم يجد بداً من أن يوافق على سفره، فربما فُتحت له أبواب مغلقة، واستطاع أن يعيد الأسرة إلى سيرتها الأولى.


سافر إسماعيل إلى القاهرة ورغبته في الانتصار عارمة، فهذه المرة ليست كما الأولى، لأنه يسافر الآن على هدى، يعرف أين يذهب، ومن المؤكد أن القاهرة ستفتح له ذراعيها مجدداً.


{مصر من تاني}


لم تستقبل القاهرة إسماعيل هذه المرة بقسوة، كما فعلت أول مرة. توجه فور وصوله إلى قصر قدري باشا، وكما توقع وربما أكثر كان الاستقبال حافلاً، واستطاع خلال ساعات قليلة أمضاها في القصر أن يكسب ثقة جميع من يعيش فيه، من نساء ورجال، تحديداً الأطفال، فقد روى لهم بظلّه الخفيف النكات والحكايات، فسُعدوا به وبدأوا يعاملونه بطريقة طيبة. بعد أيام قليلة أصبح كأحد أفراد الأسرة، فاختاره الشاب الذي استدعاه ليكون سكرتيراً خاصاً له: يأكل ويشرب وينام ويلبس على نفقته، إضافة إلى راتب يعطيه له في نهاية الشهر.


كانت مهمة اسماعيل مرافقة هذا الشاب في كل مكان يذهب إليه، والغناء له في سهراته الخاصة، ومسامرته في جلساته ورواية نكات تثير ضحكاته كلما تجهّم وجهه، أو غضب من شيء:


- اسمع يا سمعه... أنت مش مطلوب منك أي شيء غير أنك تخليني أضحك على طول.


- بس كده سيادتك تأمر... أنا مفيش حاجة ورايا غير كده.


- أيوه، أنا عندي هموم كتير، حسابات وأطيان وبورصة.


- طب والغنا، مش هغني؟


- تغني ترقص تقول نكت، إعمل أي حاجة تبسطني.


وكان هذا الرجل أعطى اسماعيل مفتاح السعادة، فقد كانت أسعد أوقاته خلال الأيام التي كان مخدومه يمضيها مساءً بين المسارح والملاهي الليلية ودور السينما، ولم يكن هذا يحدث كلما سمحت الظروف، بل يومياً، فلم يكن لدى هذا الشاب ما يشغله، وتحديداً مساء، سوى ساعات الحظ فهو ابن ذوات، ولا بد من أن يجد ما يقتل به الوقت كل ليلة، ويسعد نفسه.


وكان من عادة الأسر الثرية آنذاك إقامة سهرات تتضمن الغناء والرقص كنوع من الترفيه، إذ لم تكن ثمة وسائل ترفيهية سوى {الفونوغراف} أو العزف على {البيانو} وكانت كل أسرة تحتضن مغنياً أو راقصة كضيف دائم لإحياء هذه الليالي.


بدأ اسماعيل، من خلال تلك السهرات التي كان يحضرها برفقة ذلك الشاب في المسارح والملاهي والحفلات الخاصة، التعرّف الى نجوم فن {المونولوغ} في القاهرة آنذاك، من أمثال حسين المليجي وسيد سليم، ومصطفى صالح وحسين إبراهيم وغيرهم. وبتردّده على تلك الأماكن والسهرات بدأ يحفظ مونولوغاتهم ويردّدها في السهرات الخاصة التي يحضرها مع مخدومه.


من هنا عادت أحلام الفن تراود إسماعيل، فآهات الاستحسان والتصفيق اللذين كان يتلقاهما جعلت أفكاره تمنيه بأن يصبح مطرباً حقيقياً مثل عبد الوهاب، وليس مجرد {مسلياتي} لمخدومه ومجموعة أصدقائه، غير أنه بعد السهرات والليالي الملاح، وحفظه الكثير من المونولوغات، بدأ يجد في نفسه ميلاً شديداً إلى فن {المونولوغ الفكاهي} بل إنه اختبر نفسه في ذلك الفن من خلال جلساته مع مخدومه التي كان يقلِّد فيها الذين يقدِّمون المونولوغ في الملاهي.


عشق المونولوغ


غرق إسماعيل تماماً في حب المونولوغ وحفظ أعمال سيد سليمان، وحين كان يردّدها في السهرات الخاصة كان الجميع يشجعه ويصفق له ويطلب منه المزيد. من هنا اتخذ إسماعيل القرار الأهم في حياته وهو احتراف فن {المونولوغ}، وتخلّى لأول مرة عن حلمه بأن يصبح مطرباً كبيراً مثل محمد عبد الوهاب. وشجّعه على ذلك أحد أبناء الذوات من أصدقاء مخدومه، الذي كان بدوره يهوى التلحين والمونولوغ، فتعرّف إليه إسماعيل وتقترّب منه، وعرف أنه خليل حمدي المحامي، وكانت تلك الصدفة بمثابة {طاقة القدر} التي فُتحت له، فقد كان ذلك المحامي مغرماً بالغناء والرقص والموسيقى ومحباً لجلسات اللهو والمرح، وكان دائم التردد على المسارح والصالات.


كان على اسماعيل أن يتخذ قراراً بشأن مستقبله، وبقاؤه لدى أسرة قدري باشا ليس بالأمر السيئ، لكنه هكذا سيظلّ على حاله، بل سينتهي به الأمر كما بدأ، وليس هذا ما يتمناه، وإذا كان تخلى عن أحلامه وطموحاته الفنية، فذلك موقتاً حتى تسير الأمور وتضحك له الدنيا ويتخلى عن أيام الفقر والبؤس، لكن لن يقبل بأية حال أن يكون هذا دوره في الحياة، ومنتهى طموحه. وقبل أن يتخذ قراره راح يعاتب نفسه:


- لكن يا سمعه مش لما تتخلى عن أسرة قدري باشا تبقى {قلة أصل} منك؟


- وإيه قلة الأصل في كده؟


- الناس أكرموك وفتحوا لك بيتهم كأنك واحد منهم وبعدين تسيبهم أول ما تلاقي غيرهم؟


- وبعدين انت عارف كويس... إنهم لو زهقوا منك ممكن بسهولة يرموك ويشوفوا حد غيرك برضه علشان يسليهم ويضحكهم.


- يعني فكرك اسيبهم واشتغل عند المحامي ده؟


- مفيش غير كده... لازم تفكر بقى في مستقبلك.


- تقصد إيه؟


- أقصد اللي أنا وأنت فاهمينه.


- إيه يا أخويا اللخبطة دي... ما هو أنا أنت وأنت أنا.


- أنا عارف بقى... أنا قلتلك وخلاص... سلامو عليكو.


قرر إسماعيل الانتقال الى العمل لدى المحامي، لكن قبل ذلك استأذن أسرة قدري باشا، وجاء الرد بسيطاً وسهلاً:


- إحنا موافقين بس بشرط... أوعى تنسانا... ونحب نشوفك دايماً ولما نحتاجك متقولش لأ.


- بس كده... من عنيا الجوز.


لم يستغرق الأمر طويلاً حتى انتقل إسماعيل ياسين من العمل لدى أسرة قدري باشا إلى العمل لدى المحامي الثري
 
أعلى