« أيام هادئة في غزة »..كتاب

السيب

Active Member
طاقم الإدارة
31-12-2012, 02:40 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,782

icon1.gif
« أيام هادئة في غزة »..كتاب
03/08/2010


«أيام هادئة في غزة» جاكوزي عباس دليل حماس على فساد {السلطة} (1)



القبس

Pictures%5C2010%5C08%5C03%5C8fb8ae32-a51f-41c2-b5a4-adccdd997bc0_main.jpg


المؤلف: كريم لبحور - ترجمة: سليمة لبال
كيف يعيش مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة؟ ما هي يومياتهم؟ وكيف يواجهون الحصار الاسرائيلي داخل سجن لا تفتح الا نادرا بوابتاه، سواء باتجاه اسرائيل أو مصر؟
كان على الفلسطينيين أن يواصلوا الحياة، ويصمدوا رغم الحاجة والندرة والفقر، لكن كيف السبيل الى المقاومة واسرائيل تشدد الخناق وتمنع حتى الشوكولاتة على أطفال غزة؟
هي صور كان كريم لبحور الصحافي باذاعة فرنسا الدولية وجريدة لاكروا، شاهدا عليها طيلة ثلاث سنوات قضاها في قطاع غزة منذ استيلاء حماس على السلطة والى غاية الحرب الاسرائيلية في يناير 2009.
سنغوص من خلال يوميات كريم لبحور، التي جمعها في كتاب سماه «أيام هادئة في غزة»، في عمق حياة الغزاويين، سيدخلنا الى سهرات البورجوازية السرية، كما سيروي لنا قصصا لا تنتهي عن الثأر بين العصابات أو الفصائل المسلحة، وقصصا أخرى عن نساء ثائرات يرفضن الحجاب، ومختصين في علم الفلك يحلمون بمرصد فلكي يطلع من خلاله أطفال غزة على ما يجري في السماء بعيدا عن الطائرات الحربية والصواريخ.
كما ستأخذنا هذه اليوميات أيضا الى أنفاق رفح التي يقول الصحافي لبحور إنها أضحت الدورادو المهربين، باختصار سنتقاسم خلال حلقات الكتاب الذي تقدم القبس ترجمته لقرائها، مع سكان غزة معاناتهم وأيضا أملهم في غد أفضل.
«أيام هادئة في غزة» يروي يوميات نساء ورجال ضحايا، لكنهم ليسوا ضحايا كارثة طبيعية وإنما فضيحة سياسية هي الأشنع منذ بداية القرن..
 

الغيص

Active Member
طاقم الإدارة

post_old.gif
31-12-2012, 02:41 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,783

icon1.gif

1- جاكوزي عباس دليل حماس على فساد {السلطة}
إنهم يصوبون أسلحتهم تجاهنا وكأننا أرانب

ذهبت لأول مرة الى غزة في نوفمبر 2005 وكنت حينها موفدا لاذاعة فرنسا الدولية، أما أول تسجيل صوتي سجله جهازي، فكان صوت الباب الحديدي الضخم وهو يُغلق ورائي في معبر ايريز.
لم أزر اسرائيل والأراضي الفلسطينية في ما سبق الا كسائح، وكان ذلك في صيف 2000، أسابيع قليلة قبل بداية الانتفاضة الثانية.
في تلك الفترة ترددت كثيرا في ركوب الحافلات الفلسطينية التي كانت تنقل الركاب الى غزة انطلاقا من باب دمشق في القدس.
كان الطريق سالكا، لكن بشرط تجنب الفترات التي يغلق فيها، لكن لم يعد الأمر ممكنا بعد مضي خمس سنوات، بوعد أن تم تشديد شروط الدخول.
لم يكن الفلسطينيون يحصدون الا اسمنتا مسلحا ومراقبة شديدة وتضييقا أكثر بعد كل هجوم انتحاري ضد نقاط العبور الى اسرائيل، ليتحول المكان الى سجن، بعد أن أصبح الخروج من قطاع غزة مستحيلا.
كان الغزاويون يشعرون بالفرح في نوفمبر 2005، بعد أن غادر المستوطنون والجنود الاسرائيليون المكان، وبعد ان زالت كل الحواجز العسكرية التي فخخت لفترة طويلة طرقات قطاع غزة، والغزاويون كانوا يشعرون بالفرح أيضا لان السير في كل أرجاء القطاع بات ممكنا رغم أن اسرائيل عمدت في المقابل الى غلق كل المنافذ فيما تعرضت كميات كبيرة من الفراولة والفلفل الى التلف في معبر كارني.
أما العمال الفلسطينيون في اسرائيل وعلى قلتهم، فقد تم تعويضهم بعمال من تايلند والفلبين بعد أن ألغيت رخص عملهم.
لقد أسرفت السلطة الفلسطينية من جهتها في صرف ملايين اليورو من المساعدات الدولية دون أن تتطور الأمور الى الأحسن في الأراضي التي تركها المستوطنون، وأما «غزة الجديدة» فلم تر النور، ذلك أن عمليات الاغتيال والاختطاف واطلاق النار، كانت ما يميز الوضع، لقد أغرقت الفصائل الفلسطينية الاقليم في فوضى أمنية غير مسبوقة، في تلك الأثناء كنت احرص على البقاء في الفندق عندما يحل الظلام خوفا من أي اعتداء.
ليست غزة التي عرفتها طيلة خمس سنوات هي غزة التي تسوقها مختلف وسائل الاعلام، ففي غزة مناظر خلابة ورائعة ونخيل ورمال وسكان صرحاء جدا.
لقد تدهورت حياة سكان غزة بسبب الحصار والعنف ونقص المواد الغذائية، لكنهم يبدعون في الاستمرار في العيش.
لقد تعلمت منهم معنى كلمة «الصمود»، فهذه الكلمة تجذرت بكل معانيها في عمق الشخصية الفلسطينية، غزة هي «مملكة يُحل فيها كل شيء معقد».
الحدود مغلقة والبنزين غير متوافر والمنازل منهارة بفعل التفجيرات، لكن الغزاويين حفروا الأنفاق لكسر الحصار واستعملوا الغاز وقودا لسياراتهم ورفعوا الاعلام فوق بيوتهم المدمرة، انها يوميات سأرويها لكم عن أناس عاديين يعانون من سجن داخل قطاع غزة.

صوت الرصاص
غزة في حالة حصار، والحواجز تملا الطرقات، فيما تراقب مجموعات من الرجال متاريس من جذوع الأشجار وحاويات القمامة وصوت الرصاص يلعلع في كل مكان، بينما يدوي صوت القنابل بين البنايات، هل هم رجال فتح أم حماس؟
من المستحيل أن يعرف الواحد من يطلق الرصاص ولم؟ انها حرب من دون جبهة، فحماس تراقب شارعا، وفتح تراقب الشارع الآخر.. يحدث هذا منذ أشهر والحواجز وحدها هي التي تسمح بمعرفة في أي معسكر نحن.
اطلاق نار وحالة من الملل سائدة ورصاصات طائشة هنا وهناك، مثل تلك الرصاصة التي اخترقت ساق مراسل ليبيراسيون الفرنسية، أما أنا فكنت متضايقا جدا من واقي الرصاص بسبب ثقل وزنه.
أثناء مهمتي في قطاع غزة كنت برفقة فلسطينيين هما رجاء واياد وكنت اشعر بالخزي، لكوني الوحيد الذي يرتدي واقي الرصاص بينهما.
نزعت السترة ووضعتها على باب السيارة للحماية من الرصاص الذي كان يلعلع في السماء.
كان عدد الجرحى كبيرا في مستشفى الشفاء. وأما أفراد العائلات فكانوا متوترين جدا ويتعاملون بعصبية مع سائقي سيارات الاسعاف، الذين فاق الطلب قدرتهم بكثير، بسبب ارتفاع اعداد الجرحى.
وأما على الأرض فكان شابان ممددين على النقالة، لقد تلقى كل واحد منهما رصاصة في القدم خلال عبورهما الشارع، كانا ينتظران دورهما فيما كان ضحايا آخرون يصلون بعد الغارة التي شنتها القوات الاسرائيلية على بيت حانون شمال غزة.
كانت غزة تعيش حربين. وهذا كثير جدا على هذه المنطقة الصغيرة جدا، لذلك كنت أتساءل في قرارة نفسي كيف يمكن أن ألخص ما يحصل هنا في المساحة التي منحتني اياها صحيفة لا كروا، والتي لا تزيد على 700 كلمة.
كان الأطباء متعبين جدا بعد أن استقبلوا أكثر من 200 جريح خلال أسبوع واحد. وكنت ألاحظ آثار الرصاص على بوابة المستشفى، حيث كان مقاتلو الجانبين لا يترددون في تسوية حساباتهم عندما يلتقون في المستشفى، وروت لي ممرضة هذه الحادثة، حيث قالت لي «جاء عناصر الميليشيا الى غرفة الجراحة وأجبرونا باستعمال السلاح على ترك الطفلة التي كانت على طاولة الجراحة للاعتناء بجريحهم والتكفل بحالته».
بدأ الرصاص من جديد، وكان قريبا جدا في اتجاه مصلحة حفظ الجثث، هذه المرة كان الرجال يطلقون الرصاص على جثة عاطف (29 سنة)، الذي اغتيل خلال هجمة اسرائيلية على سيارة كانت تقل عسكريين تابعيبن لحركة حماس.
وبصوت مرتفع، كان اخو عاطف يقول «الحمد لله، انهم الاسرائيليون من قتله، لقد مات شهيدا».
غُلفت جثة عاطف بعلم حماس الأخضر، فيما كان المكان لا يتسع في ثلاجة حفظ الموتى للمزيد من ضحايا الهجمة الاسرائيلية، لكن في حدود الساعة الثالثة بعد الظهر، أعلن التلفزيون وقف اطلاق نار جديد بين حماس وفتح، كان السادس من نوعه في ظرف ستة ايام.

معركة غزة
لا تحتوي نقطة التفتيش الفلسطينية الا على طاولة بلاستيكية، والنقطة غير بعيدة عن معبر ايريز، أما الضابطان المشرفان على العملية فيدونان الأسماء على دفتر صغير.
جنود حماس قريبون جدا من النقطة، فيما كان طريق الشمال، الذي يربط ايريز بمدينة غزة تحت سيطرة موظفي السلطة الفلسطينية، الذين لم يتأخروا في الهروب عبر الحقول.
ادى تقدم حماس الى حدوث حالة من الركود، كنت انتظرها برفقة مراسل صحيفة لوموند بنيامين بارث، حتى نتمكن من دخول غزة، بعد أن جاء السائق الخمسيني فايز لاصطحابنا الى هناك.
مررنا في طريقنا الى غزة بثكنة لقوات الأمن الوطني، كانت ترفرف على سطحها راية الاسلاميين الخضراء، فيما كان الملتحون يجوبون الشوارع في سيارات جيب سوداء، هي ملك للسلطة الفلسطينية.
كان المسؤول عنهم يدعى أبو طلال، وكان يرتدي زيا عسكريا كاكي اللون، لقد دعانا الى القيام بجولة في المكان، بينما كان رجاله الملثمون يحضرون الشاي.
جنود السلطة الفلسطينية لا يتقاضون رواتب جيدة وغير مجهزين، ولا تتم قيادتهم بطريقة جيدة. ويقول ابو طلال «نعرف كلانا أننا سنتخلص من فوضى وفساد فتح... هزيمة قوات فتح قريبة جدا».
لحق بنا المترجم، ويدعى رامي أبو جاموس، وهو موظف بوزارة الداخلية، وعادة ما يشتغل مع الصحافيين الفرنسيين. كانت المرة الأولى التي اعمل فيها معه.
بدأت عناصر الميليشيات في إطلاق الرصاص في كل مكان في غزة، فيما اجبر السكان على البقاء في منازلهم. في ذلك الوقت كانت «فتح» تسيطر على ابرز مقار قوات الأمن التي كان يحرسها جنود ملثمون..... واللثام في كل مكان هو رمز من رموز الحرب الأهلية.
عندما اقتربنا من الحاجز الأمني، صوب ملثم من ملثمي «فتح» سلاحه نحو سيارتنا، ثم بدأ في إطلاق الرصاص من دون إخطار أو أمر بالتوقف. عندها صرخت بأعلى صوتي، وإذا بالسائق فايز يتراجع والجندي يوقف إطلاق الرصاص.... لم تكن سوى طلقات تحذيرية.
كانت المرة الأولى التي يصوب فيها سلاح نحوي، حينها أدركت بأني أواجه الموت، ببساطة لأن الجندي اختلط عليه الأمر بين سيارة التاكسي التي كنا نستقلها ولونها اصفر والسيارات من الموديل نفسه، التي تستعمل من قبل قوات «حماس».
في تلك الأثناء فكرت في الجندي الفلسطيني الذي التقيته قبل أسابيع خلال مواجهة وكان يتكلم اللغة الفرنسية بطلاقة، لأنه عاش في الجزائر، لقد قال لي «إنهم يصوبون أسلحتهم تجاهنا وكأننا أرانب، وأما في المساجد فأئمتهم يقولون إننا نتعاون مع إسرائيل وإننا خنازير وإن قتلنا ليس خطيئة ولا معصية».
ويقول هذا الجندي إنه لم يتلق راتبه، الذي يموله الاتحاد الأوروبي، منذ أربعة أشهر، في وقت أعلنت فيه أوروبا قطع المساعدات الغذائية عن السلطة الفلسطينية، بسبب مشاركة «حماس» في الحكومة، وكانت لهذا القرار نتائج كارثية جدا.

ما يمكن إنقاذه من «فتح»
يقضي مجموعة من الشباب كل وقتهم منذ أربعة أيام في استوديوهات راديو الشباب، انه راديو منظمة فتح، إنهم ينامون بالقرب من الميكروفون ويؤمنون بشكل كبير بـ «فتح».
يقول إبراهيم ذو الواحد والعشرين «حركة حماس تكذب، «فتح» مسيطرة في خان يونس ورفح، ومحمد دحلان في طريقه إلى غزة لتنظيم هجوم مضاد».
محمد دحلان هو رئيس الأمن الوقائي، وهي وحدة خاصة من القوات الفلسطينية، ويعتبر الولد المدلل بالنسبة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، وأما «حماس» فتكرهه.
كشفت المجلة الأميركية فانيتي فار في تحقيق عن خلفيات هزيمة «فتح»، عن ضربة ملتوية لإدارة بوش للتخلص من «حماس» بتوفير السلاح والعتاد للقوات الشرعية التي يرأسها دحلان، إن فاز الإسلاميون في الانتخابات التي يشترطها الرئيس، لكن السلاح لم يصل و«حماس» أول من ضرب.
وأما صحفيو راديو الشباب فيؤمنون بقدرات «فتح»، إبراهيم كان يملك انفرادا ذلك اليوم، لقد تمكن من الاتصال هاتفيا بقائد «فتح» في خان يونس بعد أن أعلنت إذاعة «حماس» عن وفاته قبل، ثم جاء دور ضابط في قوات الأمن الوطني ليؤكد على الهواء «أن «فتح» بصدد استعادة سيطرتها».
وهنا قال لي إبراهيم «أنت ترى جيدا ان «حماس» تكذب».
كانت مراكز «فتح» القوية تسقط الواحدة تلو الأخرى، وبدا أن «فتح» خسرت المعركة لكنها ترفض تقبل الهزيمة، وفجأة بثت قناة الأقصى الإسلامية صورا لرجال يرتدون زيا موحدا اسود ويحملون أعلام «حماس» داخل مقر الأمن الوقائي في غزة.
أصيب إبراهيم بالدوار وصعق لسماع الخبر، فيما فضلنا مغادرة المكان قبل أن تسيطر قوات «حماس» على الاستوديوهات وبالفعل توقف في ما بعد بث راديو الشباب.
في الخارج كان جنود قوات الأمن الوطني يدافعون عن مقر قيادتهم، قبالة مقر وكالة اسوشيتد برس، حيث كنت انوي أنا وبنيامين إعداد تقاريرنا الصحفية لإرسالها للجهات التي نشتغل لفائدتها.
في تلك الأثناء كانت ضوضاء كبيرة تملأ المكان، لكن سرعان ما خف إطلاق الرصاص، وتبين أن عناصر «حماس» اختبأوا في البناية، فيما كان الجنود الفلسطينيون يطلقون الصواريخ بشكل عشوائي على عدو لا يرونه.
دخل احدهم إلى البناية وهو يحمل كيسين بلاستيكيين، هذا الرجل لم يخرج منذ ثلاثة أيام، لكنه خاطر بحياته ليجلب بعض علب بودرة الحليب لرضيعه، ذلك أن الخروج من ذلك المكان يستدعي سيارة مصفحة لتجنب الحرب التي تدور في الشارع.
كان الجندي الذي يقف قبالة البناية يرتدي بنطالا رياضيا وحافي القدمين، فغزة لا تحميها سوى فرق لا تملك ما تحمي به نفسها... في الجهة الأخرى من المدينة كان مقر الرئاسة محاصرا و«فتح» قد انهارت.
في الرابع عشر من يونيو 2007 سيطرت «حماس» على كل مراكز السلطة في غزة وأما محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية و«فتح» أيضا، فقد أقال حكومة الوحدة الوطنية وعين وزير المالية سلام فياض رئيسا لحكومة الطوارئ، فيما أعلن إسماعيل هنية في المقابل أنه سيستمر في ممارسة مهامه على مستوى قطاع غزة.

جاكوزي محمود عباس
صباح هذه الجمعة، كان سكان غزة يرقصون على آثار وأطلال فتح، فيما تجمع كثيرون في الحي الذي يقع فيه مقر الرئاسة، لقد حملوا كل شيء من حواسيب ومكاتب وأغطية بما فيها سيارة كبيرة سوداء كان بعض الشباب اللصوص يحاولون جرها بواسطة جرافة، لكن هيكل السيارة لم يقاوم.
أخيرا وجد من يكرهون السلطة الفلسطينية المتهمة بالفساد ضالتهم.
كان ملثمون من حماس يحاولون صد الجموع قبالة مدخل قصر المنتدى الرئاسي، بإطلاق الرصاص في السماء، أما في الداخل فكان عناصر حماس يقتسمون غنيمة الحرب.كان احدهم يحمل كيسا كبيرا و قطعا من الذخيرة على كتفيه وقاذف صواريخ على ظهره فيما كان يحمل جهاز كمبيوتر في يده، فيما كان اثنان في الطابق الأول يتشاجران على طابعة، فكان الأول يقول للثاني «أنت تملك اثنتين، أعطني هذه».
أُفرغت المكاتب كلها. وها نحن في مكتب محمود عباس، في المكتب ميداليات كثيرة وأشياء ذات قيمة أيضا.
بدا رامي مندهشا، إنها صفحة من تاريخه تطوى أمام عينيه وهو الولد الذي نشأ في تونس بعد أن رافق والداه ياسر عرفات إلى المنفى وعادا معه الى قطاع غزة في 1994.
قادنا احد عناصر الميليشيا إلى حمام الشقة الصغيرة المجاورة لمكتب عباس وهنا صرخ «شوف شوف، جاكوزي أبو مازن».
هذا الجاكوزي لم يكن سوى حوض حمام، لكنه بالنسبة لهذا الحمساوي دليل على فساد السلطة الفلسطينية. ودون شك كان يتصور الرئيس الفلسطيني مستلقيا في الحمام وبيده سيجارة وباليد الأخرى كأس ويسكي.
قال لي وهو يشير إلى مصراع الباب الخشبي الثقيل «كم من العائلات يمكن ان يعيلها هذا الباب؟
لقد ولد هذا الحمساوي قبل عشرين عاما في مخيم اللاجئين في جباليا شمال غزة، غير انه لم يفكر إطلاقا في ان قدميه ستطآن في يوم من الأيام مكتب الرئيس....حدق طويلا في كرسي الرئيس الوثير وفي جلده الأسود، تردد قليلا ثم جلس عليه وقال «أنا الرئيس».


الحلقة الثانية
أولى بشائر سيطرة حماس على قطاع غزة
Pictures%5C2010%5C08%5C03%5Cda5e90b1-88a5-45ca-95f9-120bc0fe6089_maincategory.jpg


 

الغيص

Active Member
طاقم الإدارة

post_old.gif
31-12-2012, 02:52 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,783

icon1.gif

أيام هادئة في غزة أولى بشائر سيطرة حماس على قطاع غزة (2)

Pictures%5C2010%5C08%5C04%5C20794e9c-e127-435b-96a4-6185cbf1ee6d_main.jpg


المؤلف: كريم لبحور - ترجمة: سليمة لبال
كيف يعيش مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة؟ ما هي يومياتهم؟ وكيف يواجهون الحصار الاسرائيلي داخل سجن لا تفتح الا نادرا بوابتاه، سواء باتجاه اسرائيل أو مصر؟
كان على الفلسطينيين أن يواصلوا الحياة، ويصمدوا رغم الحاجة والندرة والفقر، لكن كيف السبيل الى المقاومة واسرائيل تشدد الخناق وتمنع حتى الشوكولاتة على أطفال غزة؟
هي صور كان كريم لبحور الصحافي باذاعة فرنسا الدولية وجريدة لاكروا، شاهدا عليها طيلة ثلاث سنوات قضاها في قطاع غزة منذ استيلاء حماس على السلطة والى غاية الحرب الاسرائيلية في يناير 2009.
سنغوص من خلال يوميات كريم لبحور، التي جمعها في كتاب سماه «أيام هادئة في غزة»، في عمق حياة الغزاويين، سيدخلنا الى سهرات البورجوازية السرية، كما سيروي لنا قصصا لا تنتهي عن الثأر بين العصابات أو الفصائل المسلحة، وقصصا أخرى عن نساء ثائرات يرفضن الحجاب، ومختصين في علم الفلك يحلمون بمرصد فلكي يطلع من خلاله أطفال غزة على ما يجري في السماء بعيدا عن الطائرات الحربية والصواريخ.
كما ستأخذنا هذه اليوميات أيضا الى أنفاق رفح التي يقول الصحافي لبحور إنها أضحت الدورادو المهربين، باختصار سنتقاسم خلال حلقات الكتاب الذي تقدم القبس ترجمته لقرائها، مع سكان غزة معاناتهم وأيضا أملهم في غد أفضل.
«أيام هادئة في غزة» يروي يوميات نساء ورجال ضحايا، لكنهم ليسوا ضحايا كارثة طبيعية وإنما فضيحة سياسية هي الأشنع منذ بداية القرن..

2 - أولى بشائر سيطرة حماس على قطاع غزة
رئيس تحرير صحيفة فرنسية طلب مني ريبورتاجا عن النساء غير المحجبات

في تلك الفترة تصدر الإسلاميون الصفحات الأولى للصحف العالمية، وكنا مجموعة قليلة جدا من الصحافيين الأجانب في غزة، فيما أغلقت إسرائيل معبر ايريز.
تلقيت آنذاك مكالمات هاتفية من العديد من مسؤولي تحرير الصحف، الذين طلبوا مني ان انقل لهم ما يجري في غزة، فيما كان احد رؤساء التحرير مستعدا ليملي علي مقالي، بعد أن طلب مني ريبورتاجا عن الإسلاميين الذين يُحرّمون الموسيقى والطائرات الورقية والنساء غير المحجبات. «لقد شرحت له بأن غزة ليست أفغانستان وبأن الحمساويين ليسوا طالبان وبأن النساء غير المحجبات لسن فيلقا عسكريا في غزة، لكن كلامي لم يعجبه وأصابه بالإحباط».
كان للأيام التالية نتائج ثقيلة في الشرق الأوسط، فالحركة الإسلامية التي خرجت منتصرة في انتخابات ديموقراطية، أخذت السلطة بالقوة بعد أن مُنعت من ممارسة حقها، لقد أسال الحدث العرق البارد لملك الأردن والرئيس المصري وعددا آخر من القادة العرب الذين يهددهم صعود الإسلاميين.
لم يتغير لحد الساعة أي شيء في غزة، ما عدا أن حماس نشرت مجموعة من الشباب الذين ارتدوا سترات صفراء لتنظيم المرور في مفترقات الطرق بعد أن سادت الفوضى نتيجة المعارك.
لم تنشغل السلطة الفلسطينية أبدا بهذا الأمر فيما قبل، لان قوافلها كانت تمر بعد أن يتم تشغيل صافرات الإنذار، لذلك فإن قادة فتح لم يعانوا أبدا زحمة المرور. وأما بالنسبة لي فقد شعرت بالأمن، فلأول مرة استطعت التجول بمفردي في الشوارع وتوقيف سيارة تاكسي من دون أن اشعر بالخوف من الاختطاف أو القتل.
التقيت صدفة في طريقي بجندي من الأمن الوقائي، لقد بقي ثلاثة أيام تحت وابل رصاص حماس، فيما كان قادته اول من غادر، لذا قرر أن يخلع الزي العسكري والذهاب إلى بيته، لقد قال لي «لن اقتل نفسي من اجل أبو مازن».
أعاد فندق الديرة الذي تقيم فيه الصحافة الأجنبية فتح أبوابه ذلك اليوم، كان الجو رائعا، خاصة في الشرفة المقابلة للبحر، حيث كان عدد من نزلاء الفندق يتابعون غروب الشمس، وتلاطم الأمواج... إنها الليلة الأكثر هدوءا في غزة منذ قدومي.
غزة في 16 يونيو 2007

18 يونيو 2007: قرر الاتحاد الأوروبي تطبيع علاقاته مع السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس، واستئناف تقديم المساعدات المالية المباشرة لحكومة سلام فياض الجديدة.
27 يونيو 2007: تعيين الوزير الأول البريطاني السابق طوني بلير ممثلا للرباعية في الشرق الأوسط، ليعوض بذلك جيمس وولفونسون المستقيل منذ مايو 2006.

ألان حر

وعدت حركة حماس باستعادة النظام، في هذا الصباح سجل قادة غزة الجدد أول انتصار لهم بعد أن تم الإفراج عن ألان جونسون مراسل الـ«بي.بي.سي»، الذي كان رهينة لدى جماعة مسلحة.
بدا الصحافي متعبا وهزيلا، وهو يجلس إلى جانب إسماعيل هنية ومحمود الزهار أثناء تناول فطور الصباح، وهي الصورة التي نقلتها قناة الجزيرة مباشرة، وقد بدا قياديو حماس مبتسمين طول الوقت.
كانت قوات حماس تحاصر منذ عدة أيام حي صبرا معقل جيش الإسلام، وهي جماعة جهادية مرتبطة بعائلة دغمش. لقد روى ألان جونسون كيف صفعه مختطفوه قبيل تحريره بعد أربعة أشهر من الاختطاف.
كان جيش الإسلام يطالب بالإفراج عن الإمام الإسلامي المتطرف أبو قتادة المسجون في بريطانيا، والذي يعتبر سفير القاعدة في أوروبا. لقد اختطف عشرات الأجانب خلال السنتين الأخيرتين في غزة كروبرتو الذي يشتغل لفائدة منظمة إنسانية اسبانية، بعد أن أطلق أربعة مسلحين النار على سيارته، ليتم إطلاق سراحه بعد ساعات، وأما في نابلس فقد روت فلورانس وهي فتاة شقراء تعمل لمصلحة الأمم المتحدة، روت كيف أخذها عنصر من عناصر ميليشيا بالقوة إلى منزل والديه، بعد أن ركب سيارتها التي تحمل شارة منظمة الأمم المتحدة.
انتظرت فلورانس أن تبحث عنها الشرطة الفلسطينية، وهي تشرب الشاي في بيت ذلك الرجل بينما كانت والدته تعتذر منها، لقد كان هذا الرجل يسعى إلى الضغط على حاكم المدينة فقط لينضم إلى قوات الشرطة.
غزة في الرابع من يوليو 2007

والأسود أيضاً..

معاناتها استمرت سنتين، في هذا اليوم بالضبط أطلق سراح صبرينة، بعد أن اختطفت لمدة هي الأطول في قطاع غزة، وصبرينة هذه هي لبؤة من حديقة حيوانات قطاع غزة، وحررتها قوات حماس. لقد اختطفت صبرينة، ولم يكن عمرها قد تجاوز الأشهر الثلاثة في عام 2005 من قبل عصابة كان زعيمها مهربا للمخدرات.
كان المختطفون يجبرون الناس على دفع مبالغ مالية نظير التقاط صور تذكارية مع صبرينة، غير أن الاختطاف كلف الكثير لهذه اللبؤة التي فقدت أربعة من أسنانها، ومخالبها، وجزءا من ذيلها. ويرمز اختطاف اللبؤة من حديقة الحيوانات بالنسبة للغزاويين إلى حالة الفوضى التي كانت تعم القطاع منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي، فقوات الشرطة الفلسطينية لم تتضايق على الإطلاق من عصابة الإخوة حسنين المسلحة.
وحتى تتخلص المنطقة من تصرفات هذه العصابة، قامت بمهاجمتها في معقلها في الشجاعية شرق المدينة، ما أسفر عن مقتل ثلاثة من الأشقاء الذين يكونون العصابة.
حررت اللبؤة وأرجعت إلى حديقة الحيوانات، حيث أكد رئيس الحديقة بأنه مجبر على إطعامها اللحم المفروم بسبب وضعها الصحي، لكن الغريب هو ان الأسد شاكر عرف شقيقته اللبؤة بسرعة بعد أن نجح في الهروب من اللصوص ومقاومتهم بشراسة.
غزة في التاسع من يوليو 2007

20 يوليو 2007: إسرائيل تطلق سراح 255 سجينا فلسطينيا غالبيتهم ينتمون إلى فتح. وأما عدد الفلسطينيين الذين تعتقلهم إسرائيل فيتراوح بين 8000 و10 آلاف سجين.

القرآن والفلسطينيون

لقد غير قائد شرطة غزة الجديد كل ديكور مكتب سابقه، حيث عوضت صورة الشيخ ياسين الزعيم الروحي لحركة حماس صورة محمود عباس المعلقة على احد الجدران، فيما وضع نسخة من القرآن على المكتب.
يصافح الرجل زواره بحرارة كبيرة، لكنه اعتذر وبأدب شديد عن مصافحة مراسلة جريدة سويسرية تدعى كارين فينغر.
لقد ذهبنا لطلب ترخيص لزيارة سجن غزة. بعد ان قررت الحكومة الإسلامية بحكمة في ذلك الوقت، تخفيف العقوبات على المساجين الذين يتمكنون من حفظ القرآن عن ظهر قلب، فحفظ سورة قرآنية يخفف السجن شهرا واحدا، وأما حفظ القرآن بأكمله فيمكن صاحبه من تخفيف الحبس لمدة سنة كاملة.
كان هذا الموضوع فكرة جيدة لانجاز ريبورتاج شيق. وبالفعل تلقينا الموافقة لزيارة السجن بسرعة، وكانت هذه فرصة لحماس أيضا حتى تثبت بان أيام الفوضى التي تلت انسحاب الجيش الإسرائيلي قد انتهت.
سمح النظام الجديد لجنوده فقط بحمل السلاح، ولبعض الفصائل التي تضع ذخيرتها وعتادها العسكري في خدمة المقاومة ضد إسرائيل، كما تم منع إطلاق الرصاص بمناسبة أفراح الزواج، وتم انتخاب القيادة الجديدة للشرطة في ثكنة تدعى ثكنة مشتل، وهي عبارة عن مركز اعتقال سيئ السمعة، كانت تحقق فيه الشرطة السرية السابقة مع المعتقلين الإسلاميين... وهنا أيضا غذى الحمساويون كراهيتهم وبغضهم للفتحاويين.
قال احد جنود حماس «كل شيء انتهى، نحن نطبق القانون» فيما بدا احد أعضاء منظمة العفو الدولية ساخطا حين قال «اعرف بأنه يكذب، مساء أمس التقينا عسكريين فتحاويين، تم ترهيبهم هنا بين هذه الجدران، في الليل إنهم هم من يعيشون الساعات السوداء، ببساطة يمكن أن أقول بان ما حدث هو انتقال الخوف من معسكر إلى آخر».
غزة في 9 أغسطس 2007

بيبسي من دون فقاعات

لا يقوم مصنع بيبسي كولا في غزة بإنتاج الفقاعات، ذلك أن غاز الكربون لا يدخل إلى القطاع بعد أن منعته إسرائيل. لأول مرة منذ أكثر من ثلاثين عاما تتوقف سلسلة الإنتاج هذه فيما تراكمت هنا وهناك الزجاجات المجهزة لتعبئة بيبسي كولا.
كان محمد يازجي مالك المصنع قد جدد لتوه المصنع. وحين ذهبنا لزيارته، اصطحبنا في جولة إلى كل ارجائه، انه خمسيني يتقن الانكليزية ورجل لطيف للغاية.
وعن تماطل السلطة الفلسطينة حول مسالة الحصار على غزة يقول «لا يستطيع محمود عباس إضفاء الشرعية على حماس بمنحها حق مراقبة نقاط العبور نحو غزة».
ويتفهم محمد رفض إسرائيل التعامل مع حماس التي يريد هزيمتها . لكن كل ما يطلبه هذا الرجل هو الحفاظ على ما يمكن أن نسميه اقتصادا في غزة، وان يتركوا المجال لأولئك الذين يريدون العمل.
ويقول الرجل ذاته إن اثنين من ثلاثة سكان يعيشون على المساعدات الإنسانية. لقد اقترح التكفل ببناء أنبوب على طول 300 متر لنقل الغاز من الحدود أو شراء شاحنات بصهاريج توافق الاشتراطات الأمنية الإسرائيلية، لكن السلطات الإسرائيلية ترفض الاستماع، مادامت حماس تسيطر على السلطة. والحصار يمنع كل المواد الأولية من دخول القطاع كالاسمنت والزجاج والحديد والورق... الخ، لذلك أغلقت الشركات الواحدة تلو الأخرى أبوابها بما فيها شركة اليازجي الذي سرح 200 موظف احدهم زاره قبل فترة واخبره أنه عثر على وظيفة في شرطة «حماس»، لقد أصبح الإسلاميون الوحيدون الذين يوظفون في القطاع.
غزة في 12 أغسطس 2007

أفراد عائلة دغمش يضعون السلاح

حلقة جديدة من المعركة، لكن هذه المرة بين «حماس» وعائلة دغمش، فحي صبرا محاصر من جديد وأفراد شرطة حماس الذين لم يتقبلوا -على الإطلاق- أن يتم استقبالهم بالرصاص، تمكنوا من توقيف عنصرين من العصابة فيما قتل اثنان، لكن الطرفين تحالفا بعد فترة قصيرة وجيش الإسلام شارك في توقيف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في يونيو 2006، لكن هذه القوة العائلية المدججة بالأسلحة، ترفض الولاء للسلطة الجديدة، لذلك قررت حماس التدخل لتصحيح الأمور، مما اجبر أفراد العائلة على وضع سلاحهم، حيث تمت عملية الاستسلام في ثكنة سابقة للسلطة الفلسطينية أصبحت اليوم مقرا لقوات حماس.
كان الجو مكهربا جدا، حين وصلت سيارات جيب تقل عمالقة ملتحين وسمر البشرة، يحملون بنادق، سرعان ما أشهروها عند نزولهم من السيارات في أوجه رجال «حماس».
لم يكن العمالقة هؤلاء سوى رسل عائلة دغمش الذين هددوا باستعمال سلاحهم/ فيما حاول رجال حماس تهدئتهم.
صعد مبعوثو العائلة إلى احد الطوابق، لتدعى الصحافة فيما بعد لحضور حفل المصالحة، حيث قرأ ممثل حماس بيانا، شكر فيه الإخوة دغمش لوضع سلاحهم وأعلن رفع الحصار المفروض على العائلة.
وأما على الطاولة فقد تمكنت من عد عشرين مسدسا صدئة. فهل هذه هي أسلحة العصابة؟
كانت الغنيمة بلا قيمة تذكر، لذلك تبادل المصورون الفلسطينيون الابتسامات، فيما غادر العمالقة حاملين أسلحتهم على أكتافهم.
غزة في 16 أغسطس 2007

قانون العصابات

الرجل الذي سقانا الشاي في صالون وجيه في رفح كان مختارا، أي زعيم عصابة. يرتدي راضي قشطة الكوفية الفلسطينية والجلبية التقليدية الطويلة، التي كان يرتديها أجداده. حين يتحدث، يصمت جميع أولاده وأولاد إخوانه الذين يجلسون إلى جانبه، وأما محدثوه فيلقبونه بــ «الحاج» احتراما وتقديرا له بعد تأديته فريضة الحج.
عائلة قشطة عائلة قوية ومحترمة جدا في جنوب قطاع غزة، حيث تعد حوالي 10 آلاف شخص ويقول راضي إنها لا تقبل أن توقف الشرطة أي فرد من أفرادها من دون أن تطلب ترخيصا «نحن من نقوم بالتحقيق وإذا ما ثبت بأنه مدان، فنحن من نسلمه للشرطة، نحن عائلة قشطة، نقيم في رفح منذ مئات السنين، لقد عايشنا مرور الأتراك والبريطانيين والإسرائيليين والسلطة الفلسطينية، واليوم حماس بالمنطقة، لكنهم لا يفاجئوننا، والسبب هو أن عائلتنا تعتمد على ميليشيا تضم مئات من الرجال المسلحين».
ولدت عصابات غزة، التي تحول دون قيام نظام قضائي بسبب ضعف السلطة المركزية. فالاعتداء على فرد من عائلة قشطة مثلا يعني الاعتداء على العائلة بأكملها، واما إذا مات احدهم في حادث سير فإنها الحرب ومن يمارسون وظيفة المختار مثل راضي قشطة، فتوكل اليهم مهمة الوساطة. ففي الشهر الماضي، ناقش مجلس العائلة قضية وفاة الشاب إسماعيل قشطة (19 عاما ) الذي قتل في ميدان كرة قدم من قبل احد أفراد عائلة زعنون.
لقد اعتذر القاتل واعترف بأنه ارتكب خطأ، وان إسماعيل لم يكن الهدف. كان على عائلة قشطة أن تجيب. العين بالعين والسن بالسن، لان القضية قضية شرف وسمعة وبدل أن تتطور الأمور إلى حرب بين العائلتين، جلس الجانبان في جلسة حوار.
شهدت الجلسة تهديدات وحدة في الكلام، لكن الجانبين تفاوضا وتمكنتا من الاتفاق على دفع دية تقدر بــ 30 ألف دولار لمقتل إسماعيل.
ضرب والد الضحية صدره، لكنه قبل في النهاية. وبهذا الثمن تنازلت عائلة قشطة عن الانتقام.
غزة في 19 أغسطس 2007

الحلقة الثالثة
شتاء غزة برد وشح في الوقود وغلاء لا يطاق




Pictures%5C2010%5C08%5C04%5C4f51d7fb-1ffe-4920-a611-897a1252d1bf_maincategory.jpg













05/08/2010


أيام هادئة في غزة شتاء غزة برد وشح في الوقود وغلاء لا يطاق (3)

Pictures%5C2010%5C08%5C05%5C8bb5240e-8c22-41ba-8095-0e5c07768578_main.jpg


المؤلف: كريم لبحور - ترجمة: سليمة لبال
كيف يعيش مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة؟ ما هي يومياتهم؟ وكيف يواجهون الحصار الاسرائيلي داخل سجن لا تفتح الا نادرا بوابتاه، سواء باتجاه اسرائيل أو مصر؟
كان على الفلسطينيين أن يواصلوا الحياة، ويصمدوا رغم الحاجة والندرة والفقر، لكن كيف السبيل الى المقاومة واسرائيل تشدد الخناق وتمنع حتى الشوكولاتة على أطفال غزة؟
هي صور كان كريم لبحور الصحافي باذاعة فرنسا الدولية وجريدة لاكروا، شاهدا عليها طيلة ثلاث سنوات قضاها في قطاع غزة منذ استيلاء حماس على السلطة والى غاية الحرب الاسرائيلية في يناير 2009.
سنغوص من خلال يوميات كريم لبحور، التي جمعها في كتاب سماه «أيام هادئة في غزة»، في عمق حياة الغزاويين، سيدخلنا الى سهرات البورجوازية السرية، كما سيروي لنا قصصا لا تنتهي عن الثأر بين العصابات أو الفصائل المسلحة، وقصصا أخرى عن نساء ثائرات يرفضن الحجاب، ومختصين في علم الفلك يحلمون بمرصد فلكي يطلع من خلاله أطفال غزة على ما يجري في السماء بعيدا عن الطائرات الحربية والصواريخ.
كما ستأخذنا هذه اليوميات أيضا الى أنفاق رفح التي يقول الصحافي لبحور إنها أضحت الدورادو المهربين، باختصار سنتقاسم خلال حلقات الكتاب الذي تقدم القبس ترجمته لقرائها، مع سكان غزة معاناتهم وأيضا أملهم في غد أفضل.
«أيام هادئة في غزة» يروي يوميات نساء ورجال ضحايا، لكنهم ليسوا ضحايا كارثة طبيعية وإنما فضيحة سياسية هي الأشنع منذ بداية القرن..

3 - شتاء غزة برد وشح في الوقود وغلاء لا يطاق
غزة تختلف باختلاف الطريقة التي نشاهدها بها.. نريد أن يراها الناس بعين جديدة

إنها ليلة بيضاء في غزة، لقد تجمع بضع مئات من الأشخاص أمام المركز الثقافي الفرنسي، لمتابعة أول تظاهرة ثقافية منذ مواجهات شهر يونيو وانتصار «حماس».
كان الزوار ينتقلون من مكان إلى آخر وهم يضحكون: ففي الحديقة كانت فرقة راب وأما في الداخل فكانت مطربة تغني الطرب التقليدي، تصدح بصوتها في المركز الثقافي، الذي كان يحتضن تلك الليلة معرضا للرسم، ركز فيه الفنانون على موضوع «غزة تلتف حول نفسها».
هناك وجدت شريف شهران، وكنت قد التقيته خلال النهار في ورشته. شريف ثلاثيني، اقرب إلى تشي غيفارا ببرنيطته ولحيته، وأما رسوماته فبلا إطار، وغير متوافرة في غزة إطلاقا. لقد أهداني واحدة من الصور التي لفتت انتباهي: إنها منظر لسماء غزة بالقرب من الشاطئ والغابة. بدا لي أن الصورة ملتقطة في تل أبيب أو ريو دي جانيرو، غير أن شريف قال لي «غزة تختلف باختلاف الطريقة التي نشاهدها بها.. أريد أن يراها الناس بعين جديدة».
كان غايتن بيلان، مدير المركز الثقافي الفرنسي، مرتاحا جدا لليلة التي حضرها ممثلون عن «حماس» لإلقاء نظرة على المكان، لكنهم لم يجدوا شيئا للتعليق عليه. وان نظمت هذه الليلة داخل أسوار المركز الثقافي الفرنسي إلا أنها كانت ليلة بيضاء ناجحة بكل المقاييس.
ألغى غايتن منذ أن تسلم منصبه العديد من النشاطات بسبب المواجهات بين الفلسطينيين تارة أو بسبب عدم تمكن الفنانين من اجتياز معبر ايريز تارة أخرى، ذلك أن إسرائيل تشح في منح التراخيص.
وأما المتعودون على زيارة المركز الثقافي الفرنسي فيتم إخطارهم عن طريق الرسائل الهاتفية، ففي غزة يستحيل أن نعرف ما إذا كان المهرجان سينظم أم لا، وان كان ذلك ساعة قبل موعده، بسبب الظروف الأمنية.
أغلقت المؤسسات الثقافية أبوابها، الواحدة تلو الأخرى، فالمجلس الثقافي البريطاني أضرم فيه فلسطينيون النار في 2006، ما اجبر غايتن على الاستعانة بحراس شخصيين لحماية المركز الذي لا يزال يعلوه العلم الفرنسي.
غزة 16 أكتوبر 2007.

الدخول إلى القطاع
تجلس وراء نافذة نقطة عبور ايريز، جندية إسرائيلية شابة، قامت بختم جواز سفري، فالدخول إلى غزة يبدأ من هذا المكان الذي تراقب كل شبر منه كاميرات منصوبة في كل مكان.
وصلت إلى باب مدرع يتم تحريكه عن بعد، وحين فتح وجدت نفسي قبالة رواق طويل. مشيت تاركا ايريز ورائي، غير أن المنظر كان مختلفا تماما عن الريف الإسرائيلي، حيث البيوت جميلة والطرق عصرية.
كان علينا أن نعبر أرضا تمتد على مئات الأمتار، عليها بقايا قطع حديدية وركام بنايات مدمرة.
لقد قامت السلطات الإسرائيلية بتدمير كل ما في المنطقة وأغلقت معبر ايريز، حيث لا يسمح بعبور المعبر إلا لقلة من الفلسطينيين أو بعض الحالات التي تحتاج إلى تكفل طبي أو الشخصيات المهمة، ليتحول بذلك قطاع غزة، الذي يفتقر إلى مطار وميناء، إلى سجن كبير.
في ذلك اليوم، كانت المنطقة تعج بالحركة،ذلك أن الدبابات الإسرائيلية كانت تحاول تسوية الأرض التي تراكمت عليها بقايا البنايات.
وصلت إلى حيث الموظفين الفلسطينيين،الذين كانوا في كوخ صغير في هذه الورشة وكانت مسؤوليتهم تقتصر على اطلاع الإسرائيليين على هوية من يخرجون، فيما كان عدد من الصحافيين ينتظرون الترخيص للمرور.
سمعنا في تلك الأثناء صوت الرصاص،حيث أكد لي صحافي روسي،حارب فترة في الشيشان أن الأمر يتعلق بكلاشينكوف الأمر الذي نفاه احد الفلسطينيين.
بعدما خرجت من المعبر ودخلت القطاع،قادني فايز سائق التاكسي إلى المدينة واقترح علي أن ادفع له المقابل سجائر: ثلاث علب مقابل الرحلة.
لقد تضاعف ثمن السجائر في القطاع ثلاث مرات بسبب الحصار.
غزة في 21 نوفمبر 2007.

أنابوليس ومفاوضات السلام
جمع جورج بوش في ندوة انابوليس للسلام في الشرق الأوسط،ايهود اولمرت بمحمود عباس في عاصمة ميريلاند،وكان هدفه دفع مبادرة السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.لكن المؤكد هو ان لا احد كان يؤمن بهذا.فولاية الرئيس الأميركي تشرف على النهاية والتحالف الحكومي للوزير الأول الإسرائيلي لا يملك رؤية واحدة والرئيس الفلسطيني فقد شعبيته في قطاع غزة.
لكنها كانت المفاوضات الأولى بين الطرفين منذ اندلاع الانتفاضة الثانية قبل سبعة أعوام.
لم تتم دعوة حركة حماس لمؤتمر انابوليس،حيث نظم الإسلاميون في غزة جبهة للرفض،شارك فيها عشرات الآلاف من المتعاطفين مع الحركة.
جلس الرجال في جهة والنساء في الجهة الأخرى قبالة برلمان غزة وعبروا عن رفضهم لأي تسوية للقضايا الرئيسية للصراع :كالوضع القانوني للقدس وحق العودة للاجئين الفلسطينيين وترسيم الحدود.
لقد شجب المتحدثون هذه المفاوضات وقالوا إنها بلا فائدة،كما قالوا ان محمود عباس لا يفهم سوى العبرية ودعوا أن تهتز الأرض في انابوليس ويقتل المشاركون في هذا المؤتمر البائس.
كانت الجماهير ترد على هذا بـ«لن نعترف ابدا بإسرائيل»، في تلك الأثناء كانت صحافية غربية بصدد الاستعداد لنقل الأحداث مباشرة على التلفزيون وكانت ترتدي خمارا يغطي كامل شعرها، لكنها سرعان ما نزعته بعد أن انتهى تدخلها أمام الكاميرا.
في نهاية هذه التظاهرة، تحدث محمود الزهار، هذا البارع في اللغة الانكليزية والذي يعتبر القائد الحقيقي لحماس في قطاع غزة.حين تحدث اضحك كثيرا الصحافيين الأجانب بالعبارة التي قالها «انابوليس، هي صورة وعشاء لذيذ وشكرا والى اللقاء»، وأما عن رؤيته لمستقبل الدولة الفلسطينية فقال : «كل فلسطين من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط ومن سوريا إلى مصر» لقد فوجئنا، الم تقبل حماس حدود 1967في ندوة مكة في بداية 2007؟
أوضح متحدث باسم حركة حماس ان حدود 1967 مقبولة،بصفة مؤقتة كمرحلة أولى،لكن الحركة ترفض الاعتراف بإسرائيل،على كل ليس قبل أن تنسحب الدولة العبرية من الأراضي التي احتلها في 1967وهذه هي نقطة الاختلاف وسبب القطيعة مع فتح.
حين غادرت المكان،قال لي سائق التاكسي «إنهم مجانين،يريدون حيفا ويافا، وإسرائيل أين سيضعونها؟في البحر؟
ولد هذا السائق الستيني في قرية عربية بالقرب من تل أبيب،لكن لم يعد لها وجود الآن، ثم لجأ والداه إلى غزة بعد حرب 1948، سألته عما إذا كان يود العودة مثل الفلسطينيين الآخرين فأجاب «كل هذا هراء،لن نعود أبدا إلى موطننا، كل العالم يعرف ذلك».
غزة في 27 نوفمبر 2007.

ليلة سوداء
الجو بارد جدا في غزة، هذه الأيام. لقد أعطاني مالك البناية مدفأة كهربائية لكن التيار الكهربائي كان ينقطع أربع مرات في اليوم فيما كان وسط المدينة غارقا في الظلام.
لم أكن أرى من نافذتي سوى أضواء السيارات وأنوار بعض ممن كانوا يملكون مولدات كهربائية، ورغم أن البناية التي كنت أقيم فيها، تتوافر على مولد كهربائي، فان غلاء البنزين منع المالك من استخدامه. شعرت وكأني في ثلاجة، فأحكمت اغلاق النافذة بكيس بلاستيكي مثلما رأيتهم يفعلون في السكن الجامعي.
تنقطع الكهرباء في الكثير من مدن العالم وفي بعض المناطق، يمكن أن يستمر الانقطاع عشرين ساعة يوميا، لكن الاختلاف في غزة هو أن هذه الانقطاعات ليست بسبب قدم البنى التحتية وانما لأسباب سياسية، فالكهرباء وسيلة ضغط تستعملها اسرائيل ضد حركة حماس التي تسيطر على القطاع وضد صواريخ الجماعات المسلحة، باختصار انه عقاب جماعي.
لا تكفي كميات الكهرباء التي تصل من مصر الى جنوب قطاع غزة واسرائيل، فيما يرتبط تشغيل المحطة الكهربائية للقطاع كلية بالنفط الذي يشترى هو الآخر من اسرائيل.
حددت السلطات الاسرائيلية كمية الوقود الذي يدخل الى قطاع غزة ويدفع الاتحاد الأوربي فاتورته، لذلك تشتغل المحطة ببطء على كل حال، يشتغل توربينان فقط من اصل أربعة منذ تفجيرات يونيو 2006 التي وقعت بعد القاء القبض على الجندي الاسرائيلي جيلعاد شاليط، ولا تزال اسرائيل لحد الساعة ترفض دخول قطع الغيار الضرورية لتشغيل التوربينين اللذين تضررا بفعل التفجيرات.
كنت بحاجة الى شموع، لكنها غير متوافرة لدى البقالات، ذلك أنها ضمن قائمة المواد التي تمنع اسرائيل دخولها، لذلك وبدل أن استسلم للظلام، فضلت القيام بجولة بالسيارة مع رامي على طول الشاطئ، حيث بدا لي نور مدينة عسقلان الاسرائيلية على بعد بضعة كيلومترات في اتجاه الشمال فيما كانت غزة تبدو كبقعة داكنة اللون.
غزة في 18 نوفمبر 2007.

الأرض لم تهتز هذا المساء
انتشرت اشاعة مفادها ان هزة أرضية ستضرب القطاع بسرعة، حيث أكد لي صديق هاتفني من القدس انتشارها في اقل من ساعة من الزمن، حتى ان الجامعة العبرية اتخذت قرارا باخلاء حجراتها ومدرجاتها بعد أن انتشر الخبر عن طريق المكالمات الهاتفية والرسائل الهاتفية.
زادت حدة الاشاعة.. بالفعل اهتزت الأرض خلال الأيام القليلة الماضية بالقرب من البحر الميت، لكن يبدو الأمر غير مؤكد هذه المرة.
و اما في رام الله فقد تم اجلاء كل الناس من المدارس والمكاتب، وأنا ارصد وأتابع الأخبار قال لي رامي «هذا ما ينقص غزة، فقط تسونامي».
لكن ورغم الاشاعة، بقي البحر هادئا والأرض لم تهتز، ما عدا ما وقع لجنود حماس الأربعة، الذين قتلوا هذا المساء خلال القصف الجوي الاسرائيلي.
غزة في 29 نوفمبر 2007.

مع السلامة لينين
لمن لم يعرف حرمان دول أوروبا الشرقية قبل انهيار المعسكر الشيوعي، عليه أن يزور غزة، لان غزة في هذه الأيام هي أفضل رحلة عبر الزمن، فمنذ عدة أسابيع، تفتقر المحلات لمختلف المنتجات والسلع كعصير الفواكه والبسكويت والشوكولاتة ومشتقات الحليب و....
في ذلك الصباح تفاجأت بالبقال وهو يعرض شرائح الديك الرومي المدخن وشرائح اللحم البقري للبيع وحين سألته، قال لي انها حركات فقط يقوم بها ليعطي الانطباع بان الثلاجة فيها شيء ما.
وأما الروتز وهو احد أفخم مطاعم قطاع غزة فقد ألغي من قوائم الطعام التي يقدمها كالمرق بسبب عدم توافر الكريمة.
بلغ سعر السجائر 10 يورو للعلبة، مما دفع الناس الى صرف النظر عنها والتحول الى استعمال تبغ محلي في تدخين النرجيلة في المقاهي، فاسرائيل لا تسمح بدخول أي شيء بما فيها المواد الأولية كالاسمنت والحديد والزجاج والخشب وأيضا الكتب والسجائر وكرات القدم ومعجون الطماطم والأجهزة الالكترونية وتزيد القائمة أو تنقص دون أي منطق، وأما الهدف فهو الضغط على حركة حماس ودفع الشعب الغزاوي الى الثورة ضدها.
غزة لا تملك ميناء تجاريا ولا مطارا ولا طرقا تربطها بالضفة الغربية، فالعديد من المشاريع أعدت لكنها لم تنجز، لذلك فان كل السلع تمر عبر إسرائيل.
قبل يونيو 2007، كانت تدخل إلى قطاع غزة، 500 شاحنة يوميا عبر معبر كارني، لكن عددها انخفض مع اعتلاء حماس سدة الحكم، إلى اقل من 30 شاحنة، يتم تفريغها وتفتيشها ثم وضع شحناتها في حظيرة يفتحها الفلسطينيون من جهتهم. في تلك الأثناء يحاول كل تاجر الحصول على سلعته وقد يستمر انتظاره يوما كاملا لتزيد المعاناة اليومية للفلسطينيين الذين يعيشون وكأنهم داخل قفص في البرية.
غزة في 1 ديسمبر 2007

هل سنجد البنزين في أعياد الميلاد؟
لم تعد تتوافر في غزة كميات كافية من البنزين، فالمؤسسة البترولية الإسرائيلية التي تزود القطاع بالبنزين تلقت تعليمات بخفض الكمية إلى النصف، مما حرم الكثيرين ممن اصطفوا في طوابير طويلة أمام محطات البنزين من التزود بالوقود. فيما حاول البعض ومنهم رامي أيضا تعبئة سياراتهم للمرة الأخيرة عن طريق صديق يشتغل في إحدى المحطات بعد الساعة الحادية عشرة ليلا.
وصلنا إلى المحطة، حيث عبأ لنا العامل خزان السيارة، وقال لنا ان المحطة لم تزود الناس بالوقود منذ خمسة أيام فيما نفد وقود الديزل وأما البنزين فينتظر أن ينفد كلية في الغد.
وتصوروا معي نتائج نفاد الوقود في القطاع؟ لقد ارتفعت أسعار الحمير بشكل جنوني بسبب عدم توافر الوقود، حيث بلغ سعر الحمار الواحد 300 يورو أي أكثر مرتين من سعره في الأيام العادية.
غزة في 2 ديسمبر 2007

فراولة دو رانجي
عرضت أكوام من الفراولة الحمراء اللامعة للبيع هذا الصباح في سوق غزة. هذه الفراولة التي تتم زراعتها في البيوت البلاستيكية تصدر في العادة للأسواق الأوربية لبيعها بمناسبة أعياد الميلاد ويمكن أن تقرأ على السلات البلاستيكية التي وضعت فيها عنوان المستورد في سوق دو رانجي الباريسي، لكن الحدود مغلقة ولا شيء يخرج ليبيع مزارعو غزة منتوجهم هنا مقابل شيكلات معدودة للكيلوغرام الواحد.
غزة في 4 ديسمبر 2007.

الحلقة الرابعة
حين يتحول مقر الهلال الأحمر
إلى متنفس لشباب غزة



Pictures%5C2010%5C08%5C05%5C86f0d3ce-99a8-498d-ab88-0fec15c79995_maincategory.jpg















06/08/2010
كتاب
أيام هادئة في غزة حين يتحول مقر الهلال الأحمر إلى متنفس لشباب غزة (4)
الفتيات والفتيان يستغلون النشاطات الثقافية للتمرد على ضوابط حماس

Pictures%5C2010%5C08%5C06%5Cb7fd43ad-6ad7-41b6-b569-7e5d0031a7e4_main.jpg


المؤلف: كريم لبحور
ترجمة: سليمة لبال
كيف يعيش مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة؟ ما هي يومياتهم؟ وكيف يواجهون الحصار الاسرائيلي داخل سجن لا تفتح الا نادرا بوابتاه، سواء باتجاه اسرائيل أو مصر؟
كان على الفلسطينيين أن يواصلوا الحياة، ويصمدوا رغم الحاجة والندرة والفقر، لكن كيف السبيل الى المقاومة واسرائيل تشدد الخناق وتمنع حتى الشوكولاتة على أطفال غزة؟
هي صور كان كريم لبحور الصحافي باذاعة فرنسا الدولية وجريدة لاكروا، شاهدا عليها طيلة ثلاث سنوات قضاها في قطاع غزة منذ استيلاء حماس على السلطة والى غاية الحرب الاسرائيلية في يناير 2009.
سنغوص من خلال يوميات كريم لبحور، التي جمعها في كتاب سماه «أيام هادئة في غزة»، في عمق حياة الغزاويين، سيدخلنا الى سهرات البورجوازية السرية، كما سيروي لنا قصصا لا تنتهي عن الثأر بين العصابات أو الفصائل المسلحة، وقصصا أخرى عن نساء ثائرات يرفضن الحجاب، ومختصين في علم الفلك يحلمون بمرصد فلكي يطلع من خلاله أطفال غزة على ما يجري في السماء بعيدا عن الطائرات الحربية والصواريخ.
كما ستأخذنا هذه اليوميات أيضا الى أنفاق رفح التي يقول الصحافي لبحور إنها أضحت الدورادو المهربين، باختصار سنتقاسم خلال حلقات الكتاب الذي تقدم القبس ترجمته لقرائها، مع سكان غزة معاناتهم وأيضا أملهم في غد أفضل.
«أيام هادئة في غزة» يروي يوميات نساء ورجال ضحايا، لكنهم ليسوا ضحايا كارثة طبيعية وإنما فضيحة سياسية هي الأشنع منذ بداية القرن..
أُغلق معبر ايريز دون أن يتم إخطار الغزاويين، لقد أصبح الخروج منذ ثلاثة أيام مستحيلا. كان الدخان الذي تخلفه قاذفات الصواريخ، غير بعيد عن المعبر نذير شؤم، لان إسرائيل تعمد بعد كل عملية إطلاق صواريخ إلى إغلاق معبر ايريز.
اغتنمت الفرصة نهاية هذا الأسبوع للذهاب إلى مقر الهلال الأحمر الفلسطيني، حيث يعرض المركز الثقافي الفرنسي فيلم «انديجان» أو «الأهالي» للمخرج الفرنسي الجزائري الأصل رشيد بوشارب.
كانت هذه الشاشة، الشاشة الوحيدة التي تعرض أفلاما في غزة بعد أن أغلقت جميع دور السينما أبوابها في بداية التسعينات خلال الانتفاضة الأولى وفي الغالب بسبب ضغوط من الجماعات المسلحة.
قال لي مسؤول القاعة وهو يبتسم «الكثير من الأطفال لا يفهمون لماذا نطفئ الأنوار خلال العرض». هذه العروض هي الوسيلة الوحيدة التي تربط أطفال غزة بعالم السينما.
الجمهور مكون في الأساس من طلبة المرحلة الثانوية، إنهم يدخلون ويخرجون ويثرثرون ويردون على هواتفهم النقالة، دون أن يعبأوا إطلاقا بالفيلم ومجرياته، فيما لم تتوقف الفتيات اللواتي كن يجلسن ورائي عن قراءة الرسائل الهاتفية التي يبدو أن من يرسلها، هم شباب يجلسون في الجهة الأخرى من القاعة.
لقد أتى هؤلاء المتفرجون في الأساس للاستمتاع بلحظات من الاختلاط بحجة متابعة نشاط ثقافي، ذلك أن مناسبات مثل هذه لا تتكرر كثيرا.
فقبل أيام فقط تضرر مقهى يقع بالقرب من الجامعة بعبوة ناسفة وضعت أمام مدخله بسبب الاختلاط ما دفع المالك إلى غلق المحل نهائيا.
تعاني صالونات الحلاقة والمقاهي من التهديدات نفسها، من قبل الجماعات المسلحة كجماعة جنود الله وسيوف الحقيقة.
على الشاشة كان الممثل رشدي زيم ينزع ملابس امرأة وهو يقبلها. انه فيلم فرنسي قبل كل شيء. تعالت الضحكات والهمسات وفجأة طغى الأسود على الشاشة وما عدنا نسمع غير صوت الممثلين. ففي مصر رأيت فيلما طويلا قامت الرقابة بحذف عدد من مشاهده دون أن تهتم بالتسلسل المنطقي لأحداث القصة، وأما في سوريا فقد شهدت توقيف عروض سينمائية بسبب الآذان وأما في غزة فقد وضع القائم على جهاز العرض يده على العدسة فيما تمكنت من رؤية بعض الضوء من الفراغات بين أصابعه... تحيا الأفلام الحربية لان لا مجال فيها لتدخل الرقيب.
غزة في 7 ديسمبر 2007

مياه بحر غزة
في غزة، يستحم الناس بالمياه المالحة، ذلك أن مياه الحنفيات مقطوعة وأما المياه الجوفية التي تم استخراجها فقد بينت التحاليل، ان اختلاطها مع مياه البحر، رفع من نسبة ملوحتها، التي تجاوزت معايير منظمة الصحة العالمية.
لقد ارتفعت نسبة النيترات في البحر بسبب مياه الصرف الصحي والمياه غير المعالجة التي ترمى فيه مباشرة، ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى حظر السباحة واستهلاك الأسماك، وأما في قرية أم ناصر بالقرب من بيت لاهية في الشمال، فيعيش الناس على مياه سد كبير تزيد مساحته على مساحة ثلاثة ملاعب كرة قدم.
لكن هذا السد يحتاج إلى حواجز، تحول دون سقوط الأطفال فيه، حيث تم تسجيل خمس وفيات خلال شهر مارس الماضي، لكن هذا الانجاز يحتاج أيضا إلى شباك حديدية غير متوافرة الآن.
غير بعيد عن هنا يتم بناء محطة لتنقية المياه، لقد قمت بزيارتها لكن الأشغال متوقفة، رغم أن الاتحاد الأوروبي دفع الأعباء، إلا أن إسرائيل تمنع دخول وسائل البناء كالاسمنت والاسفلت والأنابيب، ويقول الإسرائيليون ان حركة حماس يمكن أن تحول هذه المواد إلى قنابل متفجرة.
يأمل أنور موسى الذي يشتغل مهندسا في مصلحة المياه أن تناقش ندوة المانحين التي تفتتح هذا الصباح هذا الملف، انه يريد أن تراجع إسرائيل موقفها ليس بسبب الضغط الدولي ولكن على الأقل بسبب التهديدات البيئية التي تحيط بها، ففي كل يوم تصب عشرات الملايين من الليترات من مياه الصرف الصحي مباشرة في البحر دون أن تخضع لأي معالجة تذكر، لتنتقل في اتجاه مدينة عسقلون الإسرائيلية على بعد بضعة كيلومترات فقط نحو الشمال، فالتيارات البحرية لا تعرف لا حدودا ولا حصارا.
غزة في 17 ديسمبر 2007

سديروت وصواريخ القسام
تقع سديروت، هذه المدينة الإسرائيلية على بعد بضعة كيلومترات فقط عن غزة، والصحافيون الأجانب من بين القلة التي يسمح لها بالتجول بحرية على جانبي الحدود.
يعيش إسرائيليو سديروت وفلسطينيو غزة في عالمين منفصلين تماما، ففي سديروت، كل ما يعرفه الناس عن سكان الجانب الآخر هو تلك الصواريخ التي تقذف باتجاه مركز الشرطة.
ففي الخمسة عشر يوما الأخيرة، أطلق أكثر من 200 صاروخ من نوع القسام على هذه المنطقة الإسرائيلية الأقرب إلى قطاع غزة والأفقر مقارنة بمناطق إسرائيل الأخرى.
تعيش المدينة على وقع صافرات الإنذار. يحذر الشرطي «إذا ما سمعتم صافرة الإنذار، أمامكم 15 ثانية فقط لتحصين أنفسكم والاختباء في مكان امن».
وصواريخ القسام التي أخذت اسمها من كتائب عز الدين القسام الجناح المسلح لحركة حماس، ليست سوى معدات بدائية يتم تصنيعها في ورشات سرية. وتقذف هذه الأنابيب المعدنية بطريقة عشوائية وتسقط في أي مكان.
وأما فعاليتها من الناحية العسكرية، فتقترب من الصفر لكن فعاليتها كبيرة من الناحية النفسية، ذلك أن ملامسة رأس الصاروخ للأرض ينشر كرات صغيرة من الرصاص وشظايا عدة يمكن أن تؤدي إلى الوفاة في محيط لا يتجاوز الخمسة أمتار.
تمكنت صواريخ القسام من قتل 17 شخصا في ظرف ستة أعوام ما زرع الخوف والكراهية، حيث كتب احدهم على احد الجدران «لا نريد عربا ولا إرهابيين».
يود دانييل الذي يدير مركزا تجاريا وسط المدينة المغادرة، لكن يتساءل الى أين يذهب وماذا يفعل؟ «لقد انهار العقار ولا نملك الإمكانات الكافية للعيش خارج هذه المنطقة».
لقد قتلت سيدة شابة أمام متجره الأسبوع الماضي. وهو الآن يستحضر الزمن فيقول «قبل فترة قصيرة فقط كان سكان سديروت يبتاعون أغراضهم من أسواق غزة وبيوتهم بناها في الغالب عمال فلسطينيون».
دانييل رجل معتدل فهو يحلم برؤية أطفال غزة هناك في سديروت في إطار رحلة مدرسية. ويضيف «واحلم أيضا بان أرى أطفالنا هناك، على كل حال لن يغادر الفلسطينيون المكان ولن نفعل نحن ذلك أيضا».
في المركز التجاري حيث كنت، دعاني رجل طاعن في السن باللغة الفرنسية، انه من الأقدام السوداء – الفرنسيين الذين ولدوا في الجزائر-، لقد وصل إلى سديروت في ستينات القرن الماضي مع أول موجة من موجات الهجرة قبل الروس والأثيوبيين. حين قلت له ان والدي جزائري أيضا، حاول أن يعرف اسم عائلتي، لكنه لم يكن يعرف عنها شيئا، ثم قال لي «يمكن أن تكون عائلة وهرانية أي من وهران في الغرب الجزائري».
تملصت من الشيخ لأني أصبحت في نظره الآن فرنسيا من أصول غير يهودية مثلما كان يظن في دواخله لكن قبل ذلك سألته عن الصواريخ التي تسقط هنا وهناك وعن غزة، فأجابني «اليهود خائفون، فالإيرانيون يريدون تدميرنا والعرب موجودون في كل مكان من إسرائيل».
سديروت في 20 ديسمبر 2007
رفح هي مدينة الانفاق، أنا اليوم برفقة صحافي فرنسي يدعى الكسيس مونشوفيت، وهو من أنجز فيلما وثائقيا عن أنفاق التهريب. لقد دعانا احد أصدقائه الى حفلة العقيقة، وهي الحفلة التي تقام في اليوم السابع من ولادة المولود.
لقد نحر عابد والد الصغيرة هداية كبشا بالمناسبة وكان سيذبح اثنين لو رزق بولد.

المهربون يجنون ثروات طائلة
جلسنا على وسادات في الأرض وبينما كنت الاحظ الآيات القرآنية المعلقة على الجدران، بدأ الحاضرون في الحديث عن نفوذ وتأثير حماس والحصار الذي يضيق يوما بعد يوم ويروون قصصا عن الانفاق. آخرها تتحدث عن تعاسة شاب يحفر الانفاق، فشل في الخروج الى الجانب المصري وفي بنك مثلما أراد... انها قصة ليست حقيقية لكنها أضحكت الجميع.
الانفاق ليست جديدة في رفح، فهي موجودة منذ أن قسمت المدينة بين اسرائيل ومصر. انه عالم سري، يجني فيه المهربون ثروات طائلة. التقيت بالعديد من الحفارين على طول الحدود، لكني لاحظت ان احد الشباب يلتزم الصمت، كان يرتدي جلبية وأما لحيته فقد أطلقها وفق النموذج السلفي، حاولت استفزازه فسألته «هل أنت باكستاني؟ انفجر الجميع ضحكا، لكنه فوجىء وذهب ثم عاد حاملا كيسا كبيرا من السلاح وضعه بهدوء على الأرض دون أن ينبس ببنت شفة. انها ترسانة حقيقية تتكون من قنابل وقاذفات صواريخ ار بي جي وبنادق رشاشة، «انه من حركة الجهاد الاسلامي، هكذا همس في أذني احد زملائه. لكني شعرت باني قبالة صبي يحاول التستر على خجله بمثل هذا اللعب الصعب.. في غزة هذا اللعب قاتل. حاولت ألا المس شيئا . «على كل حال الأسلحة لا تؤمن الكثير، فهناك منها الكثير في غزة»، وأضاف اكبر واحد في المجموعة سنا، الكلاشينكوف الذي كان سعره لا يزيد على 1500 دولار أصبح لا يباع بأكثر من 600 دولار، بينما تشكل السجائر سوقا رائجة جدا ويجني بائعوها الكثير».
منذ أن أغلقت اسرائيل الحدود، راج التهريب عبر الانفاق، فعبرها تمر السجائر والملابس والشوكولاتة والكباش وحتى الأسود استقدمت الى غزة عبر هذا الطريق، ففي احدى الأيام استفاق أسد من آثار التخدير، بينما كان ينقل عبر النفق دون قفص، مما أصاب المارين بالذعر ودفع اثنين منهما الى بناء نصفي قفص، حيث تمت محاصرة الأسد من جانبي النفق الى أن اخرج في جهة القطاع بحذر شديد.
وقصص انفاق غزة من المواضيع التي يفضلها الصحافيون الأجانب واما الحفارون فلا يترددون في المطالبة بمبالغ تصل الى 500 دولار لقبول التصوير، وأسر لي احدهم بان هناك نفقا غير مكتمل يأخذ اليه الصحافيين الذين يصرون على رؤية الانفاق والسير فيها، ويطلق هذا الرجل تسمية «المتحف» على هذا النفق.
رفح في 28 ديسمبر 2007.

الوزير وحل كتائب شهداء الأقصى
القرار رسمي وكتائب شهداء الأقصى لم يعد لها وجود الآن، من أعلن القرار كان وزير الداخلية الفلسطيني عبدالرزاق اليحيي، لقد دعيت كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لفتح، وفق هذا القرار الى تسليم أسلحتها والانضمام الى أجهزة الأمن.
كان على الوزير التدخل بعد الهجوم الذي تبنته كتائب شهداء الأقصى وأدى الى مقتل جنديين اسرائيليين كانا في اجازة في ضواحي الخليل. لم يكن توقيت العمل مناسبا بالنسبة للسلطة الفلسطينية، التي كانت تؤكد قدرتها على استعاد الأمن في الضفة الغربية. وفي يوليو 2007 مباشرة بعد سقوط غزة، منع مرسوم رئاسي وقعه محمود عباس جميع الميليشيات بعد أن أصبحت أي عصابة مسلحة تدعي بأنها من كتائب شهداء الأقصى.
اقترح علي رامي الذهاب للقاء احد يدعى أبو طاهر لأفهم ما يجري على الأرض وابو طاهر هذا هو الناطق باسم كتائب أيمن جودا احدى الفصائل المرتبطة بمنظمة فتح.
تم اللقاء في مقهى يقع وسط المدينة. وصل الرجل وهو يعرج وكان علينا أن نساعده حتى يتمكن من الجلوس بسبب ما تعرض له أثناء استجواب عناصر حماس له قبل بضعة أيام، «الاسرائيليون لم يعذبونا بهذه الطريقة»، وأما قرار حل كتائب شهداء الأقصى من قبل الوزير في رام الله فعلق عليه ضاحكا بالقول «لا نستقبل أوامر منه» وماذا عن صواريخ القسام التي تطلق باتجاه اسرائيل رغم ادانة محمود عباس؟
أجابني بحدة «نحن ندافع عن أنفسنا فقط، فالاسرائيليون يهاجموننا باستمرار، جيشهم قوي والصواريخ نستعملها ليشعروا هم كذلك بالخوف». لم يكلف أبو طاهر نفسه عناء وضع لثام أثناء لقائي به، على كل حال هو أشهر من علم في المنطقة ويمكن أن تنتهي حياته في أي وقت لتعلق صورته الى جانب صور الشهداء التي تغطي جدران غزة.
أجاب أبو طاهر على أسئلتي بكل صراحة وأضاف «لعب كل واحد منا دوره في مسرح الكفاح المسلح هذا وعبدالرزاق اليحيي يعرف جيدا بان قرار الحل هذا لن يمنع أحدا من حمل السلاح ومن المقاومة ومن تأسيس فصيلته الخاصة، لكن يبدو أن صفحة الانتفاضة قد طويت بالنسبة للسلطة الفلسطينية في رام الله».
غزة في 30 ديسمبر 2007.


الحلقة الخامسة

هكذا يقضي بورجوازيو غزة ليلة رأس السنة
 

الغيص

Active Member
طاقم الإدارة

post_old.gif
31-12-2012, 03:37 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,783

icon1.gif

07/08/2010


أيام هادئة في غزة هكذا يقضي بورجوازيو غزة ليلة رأس السنة (5)

Pictures%5C2010%5C08%5C07%5C185d679a-6a5e-40fa-8cd8-a2625166546c_main.jpg


المؤلف: كريم لبحور - ترجمة: سليمة لبال
كيف يعيش مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة؟ ما هي يومياتهم؟ وكيف يواجهون الحصار الاسرائيلي داخل سجن لا تفتح الا نادرا بوابتاه، سواء باتجاه اسرائيل أو مصر؟
كان على الفلسطينيين أن يواصلوا الحياة، ويصمدوا رغم الحاجة والندرة والفقر، لكن كيف السبيل الى المقاومة واسرائيل تشدد الخناق وتمنع حتى الشوكولاتة على أطفال غزة؟
هي صور كان كريم لبحور الصحافي باذاعة فرنسا الدولية وجريدة لاكروا، شاهدا عليها طيلة ثلاث سنوات قضاها في قطاع غزة منذ استيلاء حماس على السلطة والى غاية الحرب الاسرائيلية في يناير 2009.
سنغوص من خلال يوميات كريم لبحور، التي جمعها في كتاب سماه «أيام هادئة في غزة»، في عمق حياة الغزاويين، سيدخلنا الى سهرات البورجوازية السرية، كما سيروي لنا قصصا لا تنتهي عن الثأر بين العصابات أو الفصائل المسلحة، وقصصا أخرى عن نساء ثائرات يرفضن الحجاب، ومختصين في علم الفلك يحلمون بمرصد فلكي يطلع من خلاله أطفال غزة على ما يجري في السماء بعيدا عن الطائرات الحربية والصواريخ.
كما ستأخذنا هذه اليوميات أيضا الى أنفاق رفح التي يقول الصحافي لبحور إنها أضحت الدورادو المهربين، باختصار سنتقاسم خلال حلقات الكتاب الذي تقدم القبس ترجمته لقرائها، مع سكان غزة معاناتهم وأيضا أملهم في غد أفضل.
«أيام هادئة في غزة» يروي يوميات نساء ورجال ضحايا، لكنهم ليسوا ضحايا كارثة طبيعية وإنما فضيحة سياسية هي الأشنع منذ بداية القرن..

5 هكذا يقضي بورجوازيو غزة ليلة رأس السنة
رغم المواجهات بين حماس وفتح.. مطاعم غزة الراقية احتفلت برأس السنة الميلادية

بدأت سهرة نهاية السنة في غزة باطلاق الألعاب النارية، ولكن ليس للاحتفال بالسنة الجديدة، وانما لاحياء ذكرى تأسيس منظمة فتح التي كانت في الأول من يناير 1965.
لقد منعت حماس المتعاطفين مع منظمة فتح من الاحتفال بهذا اليوم، لذلك حاصرت قواتها المدينة ووضعت رجالا مسلحين في كل مفترقات الطرق، لتوقيف كل من يشتبه في احتفاله مع فتح، حتى أنهم كانوا يوقفون كل من يرتدي الكوفية التي تحمل اللونين الأبيض والأسود، اللذين يرمزان لمنظمة فتح.
بدأت أولى المناوشات بين الجانبين في خان يونس التي سقط فيها أولى الضحايا، لكن لم يكونوا آخر الضحايا أيضا، حيث سقط آخرون في مناطق أخرى.
كانت الأماكن الراقية في غزة كمطاعم الروتس والديرة ولايت هاوس تنتظر زبائنها في تلك الليلة، وقد أعدت لهم عشاء خاصا لاستقبال العام الجديد.
تلقيت دعوة لحضور احدى هذه الحفلات الخاصة، حيث تجد البورجوازية الغزاوية فرصة للتنفيس عن نفسها، بعيدا عن الأعين.
كان البيت عصريا وحميميا، وأما ديكوراته فيبدو أنها اختيرت بعناية، ومن اختارها صاحب ذوق راق جدا. خلت نفسي وكأني في باريس او تل أبيب، فالناس يرقصون ويضحكون ويشربون أيضا.
همس علي وهو رجل اعمال غزاوي في أذني «نحن نحيي حفلة في كل مناسبة، كي لا نسقط في فخ التشاؤم»، سألته عن مصدر زجاجات الويسكي الفاخر والعادي التي قدمت للمدعويين؟ فقال لي انه يحصل عليها سواء من المهربين أو من الأجانب الذين يمرون بغزة ويأتون بها من اسرائيل.
والكحول غير ممنوع رسميا في غزة، لكن لا احد يخاطر ببيعه أو استهلاكه علنا. ونحن نتحدث، بدأت شابة أميركية في التقاط بعض الصور، لكن صاحب المكان تدخل ومنعها بلباقة حيث أكد لها ان الحضور لا يودون ان تظهر صورهم على الفايسبوك.
بكثير من الأسى والحسرة حدثني حازم، وهو موظف شاب في الأمم المتحدة عن حانة الشاطئ، التي احرقها عناصر ميليشيا فتح ليلة عيد الميلاد في 2004، بعد أن رفض صاحبها دخولهم للمشاركة في الاحتفالات «لقد كان مكانا رائعا جدا، كانت هناك قاعة بيلياردو وحانة، وأما اليوم فلا يوجد أي مكان نتوجه اليه، لا متاحف ولا قاعات سينما، أنا املك المال، لكني لا استطيع أن افعل به شيئا، ففي غزة من يركب سيارة مرسيدس ليس أفضل حالا من الآخرين».
يتقاضى حازم رغم صغر سنه، مرتبا جيدا لكنه سجين هو الآخر في القطاع، لان اسرائيل نادرا ما تمنح تراخيص للخروج من غزة لمن تقل أعمارهم عن 35 سنة.
لم يتوقف المدعوون عن الرقص الا عند منتصف الليل، كان ذلك لشرب الخمر وتبادل القبلات والضحكات أيضا.
دخل العام الجديد، كم من الغزاويين سيبقون هنا؟
تابع حازم «أنا أحب غزة، لكن لن أضيع حياتي في انتظار انفراج الأمور، اذا ما تمكنت من افتكاك وظيفة في الخارج، سأغادر بأي وسيلة كانت».
في الخارج لم تكن الأخبار جيدة للغاية، ذلك أن نطاق المواجهات اتسع، والحصيلة ارتفعت أيضا بعد وفاة سبعة مواطنين واصابة خمسين بجراح متفاوتة الخطورة.
لدى عودتنا، أوقف ملثمو ميليشيا حماس سيارتنا في احد الحواجز، فأجاب السائق على استفسارهم «أنا.... وكنا عند.... اعرف قائدكم...........»
تركنا الملثم نمر بعد أن تمنى لنا عاما سعيدا في قوله «سنة حلوة» كانت الساعة الثالثة صباحا ومع ذلك لم يتوقف اطلاق النار.
غزة في 31 ديسمبر 2007.

قتيل في إيريز

ورد الخبر في بضعة اسطر في برقية لإحدى وكالات الأنباء، ويتعلق بمقتل فلسطينية في نقطة عبور ايريز، وإصابة أربعة آخرين بجراح، لكن البرقية لم توضح ظروف وفاتها ولا التفاصيل.
لكن البرقية أكدت أن جنودا إسرائيليين أطلقوا النار من برج للمراقبة على مجموعة من الحجاج، كانوا عائدين من مكة ويملكون ترخيصا للمرور عبر إسرائيل بفضل تنسيق مع السلطات الفلسطينية في رام الله.
أصابتني القصة بنوع من الاضطراب، لمَ يطلق جندي محصن في برج، النار على مجموعة من المدنيين؟
أوردت هارتس القصة في بضعة اسطر على موقعها الالكتروني، من دون أن تتساءل عن دوافعها فيما تطرقت باقي وكالات الأنباء إلى كل الاحتمالات إلى أن أعلنت وسيلة إعلامية فلسطينية عن اسم الضحية، ويتعلق الأمر بخالدية حمدان 55 عاما.
لكن التقرير اهتم على الخصوص بالفوضى التي خلفها حضور أعضاء في حماس لجنازة هذه السيدة التي تنتمي إلى عائلة مرتبطة بفتح، لكنها لم تتحدث إطلاقا عن أسباب إطلاق النار. اتصلت بالجيش الإسرائيلي، الذي اختار مجموعة من الشباب المجندين للإجابة عن أسئلة الصحافيين، فأجابتني سيدة شابة بان الجيش فتح تحقيقا في القضية لمعرفة الأسباب. قلت لها بان 24 ساعة كثيرة جدا لسؤال الجنود عن الأسباب التي دفعتهم إلى إطلاق النار، لكنها لم تجب وفضلت اخذ رقم هاتفي ووعدتي بالاتصال، لكنها لم تفعل ذلك.
علمت فيما بعد من تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بان رواية الجيش تقول بان الجنود شعروا بأنهم مهددون حين رأوا مجموعة كبيرة العدد تتجه نحو نقطة العبور، فأطلقوا النار عليهم لتفريقهم، وعلمت أيضا بان خالدية حمدان لم تكن تتجاوز الثالثة والثلاثين من عمرها، وأما زوجها فقد أصيب على مستوى الرقبة، لقد فاجأهم وابل الرصاص حين كانوا يجمعون حقائبهم.
غزة في 1 يناير 2008

غضب السماء

عند الساعة الثامنة والنصف مساء، هز انفجار قوي واجهات غزة، لقد سقط صاروخ إسرائيلي وسط المدينة، وأما الهدف فهو سيارة قائد ألوية القدس الجناح المسلح للجهاد الإسلامي المسؤولة عن إطلاق صواريخ على إسرائيل.
قتل ثلاثة كانوا في السيارة فيما جرح ستة من المارين. لقد كانت هذه المرة الثالثة التي تحاول فيها إسرائيل اغتيال مجيد الحرازين.
بعد ساعة واحدة فقط سمع صوت انفجار آخر في ضاحية من ضواحي المدينة، تسبب في مقتل خمسة مواطنين.
لقد سقط في تلك الصبيحة 13 قتيلا خلال أربع عمليات قصف إسرائيلية.
اتصلت مباشرة بالناطق الرسمي باسم الجهاد الإسلامي، وبالفعل قبل الرد على أسئلتي عبر الهاتف، لكنه في البداية قال لي: عليك أن تأتي برفقة رجال ملثمين إذا ما أردت أن تسجل للتلفزيون، لكني أجبته باني اشتغل لمصلحة الإذاعة، وان الحوار لها، وباني سأبث صوت القصف الإسرائيلي كخلفية لحديثه: قلت له إسرائيل تضرب بقوة، لكنه أجابني بحدة «إذا ما سقط احد من قادتنا، فالمئات مستعدون لخلافته».
غزة في 3 يناير 2008.

الهروب الكبير

سقط الجدار. لقد سقط الجدار الفولاذي الذي يبلغ علوه ستة أمتار، ويفصل بين قطاع غزة ومصر بفعل الديناميت.
ما إن انهار الجدار حتى بدأ الآلاف في القفز على ارتفاع حوالى متر للانتقال إلى الجانب المصري، فيما كان أفراد الشرطة المصرية يلاحظون. كان الفلسطينيون يحاولون الهروب من قفصهم.
لقد عثرت رفح الفلسطينية على نصفها الثاني المصري. بدا وكأن حماس وراء العملية، فعند الفجر، تخطى رجال جناحها العسكري الحدود بفضل 17 تفجيرا، في الوقت الذي كانت تعرض فيه قناة الجزيرة صورا لمدينة غزة الغارقة في الظلام بعد أن تم توقيف المحطة الكهربائية المركزية.
لم تستطع القوات المصرية فعل أي شيء، لان عددها لا يزيد على 700 فرد، وهو العدد الذي حدده الاتفاق الموقع بين مصر واسرائيل.
لم يكن الفلسطينيون يستقدمون الأكل من الجانب المصري فقط وإنما السجائر والبسكويت والشوكولاتة والهواتف النقالة أيضا.
لقد رأيت طفلا يمر حاملا بين يديه صندوق كوكاكولا، وحين سألته قال لي إنه لم يرها منذ ستة أشهر.
وأما رامي فكان يبحث عن التبغ الذي يستعمل في تدخين النارجيلة لوالدته، وبالفعل عاد إلى القطاع محملا بصندوقين على كتفيه.
حاولت أن استوقف بعض المارة لأنجز تقريري، كان الأول مختصا في الإعلام الآلي، وعبر إلى الجانب المصري بحثا عن دواء لعلاج ارتفاع الضغط الدموي غير المتوافر في قطاع غزة «لم اخرج من قطاع غزة منذ 12 عاما، أنا فرح جدا لأني تمكنت من تغيير الجو ولو لساعة واحدة. لقد عدت من المملكة العربية السعودية في عام 1996 لأنهم قالوا لنا إننا نملك الآن دولة، لكننا لم نجد هذه الدولة إطلاقا».
كان الفلسطينيون يحاولون حفر مداخل أخرى أكثر اتساعا لكن الجنود المصريين منعوهم، فيما بدا عدد الفلسطينيين يتزايد ما دفع الجنود إلى التراجع بسبب الحجارة التي كانت تسقط على رؤوسهم.
غزة في 23 يناير 2008

سائح مصري في غزة

ناصر هو سائح مصري، كان هذا الخمسيني الذي يرتدي معطف بدو سيناء الطويل يتجول في شارع عمر المختار برفقة آلة تصوير رقمية، كان يلتقط صورا مع كل الفلسطينيين الذين يلتقيهم. لكن كيف دخل القطاع؟
لقد تمكن ناصر برفقة سيارته المرسيدس من المرور عبر فتحة في الجدار وكان قد زار غزة قبل عشرين عاما.
كانت هذه الزيارة فرصة لا تعوض بالنسبة إليه، لالتقاط الصور ورؤية غزة من الداخل قبل حلول الليل، ذلك أن الحدود ربما تغلق في أي لحظة ولن يكون أمامه سوى العودة عبر الأنفاق. في تلك الفترة لم يبق شيء في رفح المصرية يباع، لقد نفذ كل شيء بحسب احد التجار.
عدت مع رامي لمتابعة احد سكان غزة ويدعى أنور. لقد قبل أنور أن أصور جولته في الجانب المصري وكانت هذه المرة الثالثة التي يتخطى فيها الحدود لشراء حاجياته.
بعد جولة لساعتين من الزمن وتحت المطر لم يجد أنور ما يشتري سوى حاويات بنزين صغيرة. لقد نفذ كل شيء من المحلات، فيما استوقفت الشرطة المصرية الشاحنات على مستوى قناة السويس حتى تمنع وصول السلع إلى سيناء وتقفل كل نقاط العبور.
كان أنور يبحث عن السجائر، فيما لمحت سيدة تحمل حقيبة، سألتها عن الوجهة، فقالت إنها تملك جواز سفر مصريا وانها ستلتحق بوالدتها المقيمة في القاهرة «أنا لا أريد أن أبقى دقيقة واحدة هنا».
لقد حاول الطلبة وحملة جوازات السفر الأجنبية المغادرة، فيما لم يتمكن الفلسطينيون من الهروب من القطاع، ولكن إلى أين يذهبون؟
انهم لا يستطيعون السفر لأنهم لا يملكون وثائق ولا فيزا، لذلك ما عليهم سوى الانتظار.. وانتظار رفع الحصار.
غزة في 29 يناير 2008

العودة إلى الفقر

أغلقت الحدود مرة أخرى وعاد الحصار أيضا، لكن مع فرق هذه المرة، هو أن البقالات انتعشت بالشوكولاتة وبطاطس في شكل شيبس وكوكاكولا التي كانت غير متوافرة إلى وقت قريب جدا، غير أن ندرة الوقود لا تزال تشل المحطة الكهربائية المركزية.
كان التيار الكهربائي ينقطع عن بعض البيوت لمدة تصل إلى 16 ساعة يوميا، يقول رفيق مليحة مدير المحطة «نحتاج إلى 12 صهريجا لنقل النفط يوميا، أتظن حقا أننا نستطيع إدخاله عبر الحاويات الصغيرة وعبر الأسلاك الشائكة، لا شيء تغير إطلاقا. لقد نفذ المخزون منذ شهر والمحطة تشتغل وفق القدر الذي تسمح إسرائيل بإدخاله من الوقود».
يقول الخبير الاقتصادي عمر شعبان ان غزة كانت تتحصل على 5000 نوع من السلع المستوردة قبل يونيو 2007 مقابل 30 نوعا مرخصا اليوم، وأما دعوات بعض مسؤولي «حماس» لقطع أي علاقة مع الدولة العبرية للتعامل مع «الشقيقة مصر» تشعره بالإحباط، حيث يقول «ليس لمصر ما توفره لقطاع غزة، فالمصريون ينتجون نفس ما ننتج، وليس عندنا ما نبيعه لهم. وأما بالنسبة الى إسرائيل فبإمكاننا تصدير النسيج والمنتجات الزراعية وقوة العمل التي يملكها عمالنا». ويضيف «غزة سجن مكتظ، نحن مثل قطط محتجزة في قفص، أنا مقتنع بان غزة هي كوبا الجديدة، أربعون سنة من الحصار الأميركي وفيدال كاسترو لا يزال موجودا».
غزة في 5 فبراير 2008.

ركاب الدراجات النارية في غزة

قمت بجولة مع سامي على متن دراجته النارية، على طول الشاطئ، لم نتجاوز سرعة 100 كلم في الساعة، لان ما كنت أهفو إليه هو تلك اللذة التي يخلفها ركوب الدراجة النارية في قلبي.
كنت ازور سامي في كل زيارة لي لغزة، فهذا الأربعيني قضى نصف حياته في كاليفورنيا. هو ابن عائلة ميسورة الحال وأراد العودة الى القطاع للمشاركة في بنائه، وأما صالونه فقد أصبح ملتقى الصحافة الأجنبية.
يملك سامي سيارة فخمة جدا من نوع هوندا، قبل أن يشتريها كان متحفظا جدا على صرف مبلغ طائل مقابلها، فيما يعيش آخرون على هبات الأمم المتحدة، لكنه اقتنع في الأخير بان شراءها هو وسيلة تجعله يشعر بأنه حي.
يقود سامي سيارته مرة أو مرتين في الأسبوع، حيث يسير بها على طول طريق صلاح الدين، إنها 45 كيلو مترا، التي تفصل البابين اللذين يغلقان غزة، معبر ايريز الذي تسيطر عليه إسرائيل ومعبر رفح الذي يحرسه المصريون.
في ذلك اليوم لم نكن بمفردنا على طول الطريق، لان آلاف الدراجات النارية عبرت إلى القطاع عبر الحدود المصرية، وهذا جديد على غزة، لان استيراد الدراجات كان ممنوعا عبر إسرائيل لأسباب أمنية، فالإسرائيليون يقولون انهم يمنعونها لتجنب العمليات التي يمكن أن تنفذ بواسطتها.
لقد ارتفع عدد حوادث السير بسبب الدراجات النارية في قطاع غزة، ففي ظرف ثلاثة أسابيع تم تسجيل سبعة وفيات، وأما السبب فيعود بحسب طبيب في مستشفى الشفاء إلى مشكلة في دواسات سرعة هذه الدراجات المصنعة في الصين، لتتحول الدراجات النارية بذلك إلى ثاني سبب للموت أو الإقامة في المستشفى في قطاع غزة بعد أحداث العنف المسلح.
غزة في 20 فبراير 2008.

الحلقة السادسةالح.داد في غزة.. بسبب ذكرى النكبة




Pictures%5C2010%5C08%5C07%5C8e0624b0-a254-4b16-877f-93d3cfc76beb_maincategory.jpg












08/08/2010


أيام هادئة في غزة الحِداد في غزة.. في ذكرى النكبة (6)

Pictures%5C2010%5C08%5C08%5Cd1e25642-556e-4b37-90a0-1ba5873c0836_main.jpg


المؤلف: كريم لبحور - ترجمة: سليمة لبال
كيف يعيش مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة؟ ما هي يومياتهم؟ وكيف يواجهون الحصار الاسرائيلي داخل سجن لا تفتح الا نادرا بوابتاه، سواء باتجاه اسرائيل أو مصر؟
كان على الفلسطينيين أن يواصلوا الحياة، ويصمدوا رغم الحاجة والندرة والفقر، لكن كيف السبيل الى المقاومة واسرائيل تشدد الخناق وتمنع حتى الشوكولاتة على أطفال غزة؟
هي صور كان كريم لبحور الصحافي باذاعة فرنسا الدولية وجريدة لاكروا، شاهدا عليها طيلة ثلاث سنوات قضاها في قطاع غزة منذ استيلاء حماس على السلطة والى غاية الحرب الاسرائيلية في يناير 2009.
سنغوص من خلال يوميات كريم لبحور، التي جمعها في كتاب سماه «أيام هادئة في غزة»، في عمق حياة الغزاويين، سيدخلنا الى سهرات البورجوازية السرية، كما سيروي لنا قصصا لا تنتهي عن الثأر بين العصابات أو الفصائل المسلحة، وقصصا أخرى عن نساء ثائرات يرفضن الحجاب، ومختصين في علم الفلك يحلمون بمرصد فلكي يطلع من خلاله أطفال غزة على ما يجري في السماء بعيدا عن الطائرات الحربية والصواريخ.
كما ستأخذنا هذه اليوميات أيضا الى أنفاق رفح التي يقول الصحافي لبحور إنها أضحت الدورادو المهربين، باختصار سنتقاسم خلال حلقات الكتاب الذي تقدم القبس ترجمته لقرائها، مع سكان غزة معاناتهم وأيضا أملهم في غد أفضل.
«أيام هادئة في غزة» يروي يوميات نساء ورجال ضحايا، لكنهم ليسوا ضحايا كارثة طبيعية وإنما فضيحة سياسية هي الأشنع منذ بداية القرن..

(6) الح.داد في غزة.. في ذكرى النكبة
الإسرائيليون يحتفلون بشواء إسرائيل اللحم.. و « هآرتس » تخصص لذلك ملحقاً كاملاً

بمناسبة الذكرى الستين لقيام اسرائيل، خرج الاسرائيليون الى الحدائق العمومية لشواء اللحم برفقة افراد عائلاتهم، فيما خصصت صحيفة هآرتس ملحقا كاملا لتقديم افضل طرق شواء مختلف انواع اللحوم.
هذا المساء سيتم اطلاق الالعاب النارية في الجانب الاسرائيلي، فيما سيستذكر الفلسطينيون يوم النكبة الذي شهد الاعلان عن قيام دولة اسرائيل وطرد 700 الف فلسطيني من اراضيهم. فرحة في جهة وحداد في الجهة الاخرى، انهما وجهان وحادثتان تاريخيتان يختصرهما هذا اليوم.
كانت جريدة لاكروا تود ان تفسح المجال على صفحاتها لشاهدين، احدهما اسرائيلي والآخر فلسطيني ممن عايشا حرب 1948. الاسرائيلي الذي اخترت ان أتحدث معه هو حاييم غوري (85 عاما) وهو شاعر وصحافي ترجم الكثير من الاعمال لبودلير وابولينار، واما الفلسطيني الذي اخترته فهو مصطفى عبدالشافي (86 عاما) وهو والد سامي.
مصطفى عبدالشافي هو وريث عائلة برجوازية في غزة وشارك في كل الحروب الاسرائيلية العربية على امل ان يتعايش الفلسطينيون مع اليهود.
لقد اراني مجموعة من الصور في صالون بيته وكانت صورا مصفرة لشباب يرتدون بدلات من ثلاث قطع برفقة نساء جميلات، شعرهن طويل وهذا ما قال لي «في عام 1948، كنت قد انهيت لتوي دراسة الطب وكان اول من عالجتهم هم عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الهاربين من المعارك التي كانت تدور في الشمال. لقد نصبت مخيمات في كل من النصيرات والبرج وجبالية.. البعض كان يعتقد ان الحرب ستطول، فيما كان البعض الآخر يظن انه سيعود الى منازله بعد عام او عامين على اقصى تقدير. بقيت خارج نطاق القتال، وهذا ما لم يؤاخذني عليه عدد من أصدقائي الذين التحقوا بجيش التحرير العربي، في الواقع لم اكن أؤمن بالكفاح المسلح ولكن بحل يتم التفاوض عليه، لم نكن يوما بقوة الاسرائيليين، فل.م نحارب؟ لو كنا مسلحين جيدا واكثر استعدادا، لكنت تبنيت موقفا ورأيا آخرين. على كل، كانوا بصدد سلب بلادنا بمخطط التقسيم الذي تبنته الامم المتحدة، منح 56 في المائة من فلسطين لليهود، بينما لم يكونوا يمثلون سوى ثلث السكان.
كنت اعرف ان هذا الامر غير عادل، لكن السؤال كان هو: ما اذا كنا قادرين على منع هذا الظلم. والاجابة هي: لا. كان اليهود مستفيدين من دعم البريطانيين والامم المتحدة، وكنت اقول اننا ان لم نقبل فسنندم. وها نحن اليوم نقاتل من اجل 26 في المائة فقط من فلسطين التاريخية ولسنا أبدا متأكدين من الحصول عليها. لقد استمر الجنود الاسرائيليون في الزحف الى غزة، فيما ارسل المصريون جنودا لكننا لم نستطع الدفاع الا على هذا القطاع. لم تكن غزة ملكا لأحد يمكن ان يكون هذا وراء قوة الشعور بالانتماء الوطني الفلسطيني هنا».
كان مصطفى عبدالشافي في عام 1961 عضوا في وفد فلسطيني ذهب الى الامم المتحدة وعن هذه الرحلة يقول «لقد عدت خائبا، لقد كانوا كلهم في صف اسرائيل».
بعد 30 عاما، تم تعيين شقيقه الاكبر حيدر عبدالشافي رئيسا للوفد الفلسطيني في ندوة مدريد 1991 فكان بذلك اول من جلس مع الاسرائيليين في اول مفاوضات رسمية بشأن السلام.
نصح حيدر ياسر عرفات بقطع المفاوضات بسبب رفض الاسرائيليين توقيف بناء المستوطنات على الاراضي الفلسطينية، لكنه انتهى الى تقديم استقالته احتجاجا على اتفاقيات أوسلو التي وقعت من دونه «لم تكن اتفاقيات أوسلو جيدة»، ويبرر عبدالشافي هذا في قوله «كان نصا غير واضح، تجاهل العديد من المواضيع المهمة، كترسيم الحدود واللاجئين والقدس، لقد تم تأجيل النظر في كل هذه القضايا ولم ينظر فيها ابدا، لكن عرفات كان يريد العودة الى غزة بأي ثمن وها نحن اليوم لا نلمس اي تقدم في الوضع. لقد توصل الاسرائيليون الى التفريق بيننا واضعفانا، انها النكبة نفسها التي نشهد استمرارها الى اليوم».
غزة في 15 مايو 2008.

درس العبرية

إنه درس في اللغة العبرية في بناية صغيرة تقع وسط غزة. بدا الأستاذ جمال بتحية تلامذته بالقول «سلام، شالوم».. انه أول درس في العبرية بالنسبة اليهم.
لقد فتح مركز أبراهام أبوابه في عام 1974 ولم تكن آنذاك الحدود بين اسرائيل وقطاع غزة موجودة، فيما لم يكن معبر ايريز سوى حاجز مروري.
يقول جمال: كنا نستطيع بلوغ تل أبيب في ظرف ساعة من الزمن فقط لكن الأمور تغيرت الى أن أصبحنا اليوم محاصرين.
لكن، لماذا يتم تعليم العبرية؟ يجيب الأستاذ جمال «لكن نحن بحاجة الى تحدث العبرية لطلب ترخيص أو للعلاج أو للتجارة».
معدل أعمار التلاميذ لم يكن يتعدى العشرين، وأما آباؤهم فيعملون في اسرائيل ويتحدثون العبرية بطلاقة. لقد أكدوا لي ان أقدامهم لم تطأ اسرائيل ولا معبر ايريز، فمصطفى (19 عاما) لم يغادر أبدا غزة منذ ولادته لكنه يقول «حقيقة هي لغة عدونا، لكن لن يتغير شيء اذا ما كنا بحاجة الى العبرية للعمل، انهم جيراننا قبل كل شيء».
رغم احتدام الصراع، لكن سميرة مديرة المركز لم تتوقف يوما عن الايمان بالتعايش، لقد كان الاسرائيليون يأتون إلى غزة الى غاية الانتفاضة الثانية في عام 2000 من اجل تعلم اللغة العربية ولا تزال سميرة التي تعتبر ان الانقسام لحظة تاريخية، تتحدث هاتفيا مع البعض منهم.
غزة في 10 يونيو 2008.

كونداليسا رايس وطلبة برنامج فولبرايت و«العالم الآخر»

لقد تعرف المراسلون الأجانب في المنطقة على مصطلح جديد هو فولبرايت، وفولبرايت ليس ماركة معجون أسنان، وانما برنامج أكاديمي أميركي يتم بموجبه منح عدد من المنحات الدراسية لمدة عام في جامعة أميركية يختارها الطالب.
لقد تم اختيار سبعة طلبة من غزة، لكن هل بمقدورهم الالتحاق بالولايات المتحدة الأميركية، في وقت لا يستطيع فيه احد الخروج من قطاع غزة، بينما يفتح معبر رفح باتجاه مصر لحالات استثنائية مرة واحدة كل شهرين أو ثلاثة ولعدد محدد من الأشخاص، وأما معبر ايريز في اتجاه اسرائيل فيفتح فقط أمام الحالات الانسانية؟!
لقد أبلغت الحكومة الأميركية متفوقي غزة السبعة بتحويل المنح التي خصصتها لهم الى فلسطينيين آخرين، مقيمين بالضفة الغربية، لأنهم لا يواجهون أي مشاكل في السفر.
أحصت الجمعية الاسرائيلية غيشة، عشرات المئات من الطلبة الغزاويين المحرومين من الدراسة في الخارج، لكن قضية برنامج فولبرايت كان لها صدى كبير بعد أن تداولتها وسائل الاعلام الى أن وصلت أسماع كونداليسا رايس التي ما ان تحركت حتى أعيدت المنح الى طلبة غزة.
في ذلك الصباح، التقيت في مقهى غزاوي زهير ابوشعبان وهو احد الطلبة المستفيدين من برنامج فولبرايت. بدا قلقا جدا بعد أن تمكنت الفتيات الثلاث من الخروج، بينما تعذر على الذكور الأربعة المغادرة بسبب رفض الجيش الاسرائيلي مرورهم للالتحاق بمقر القنصلية الأميركية والحصول على التأشيرة قبل المغادرة الى الأردن.
ورغم أن القنصلية الأميركية اقترحت مرافقة الطلبة على طول الطريق، لكن الجيش الاسرائيلي رفض لأسباب أمنية، ويتساءل زهير «اذا لم تكن كونداليسا رايس غير قادرة على اخراجنا، أنا لا أرى كيف يمكن أن تساعدنا الولايات المتحدة الأميركية في اقامة دولة».
هذا الطالب المتخصص في الهندسة الكهربائية تنتظره جامعة كونكتيكات ليتخصص في التصوير الطبي، ذلك أن هذا التخصص غير متوافر في غزة.
بامكانه أن يحصل على الدروس عبر شبكة الانترنت، لكنه يقول انه يريد الذهاب الى «العالم الآخر..» العالم الآخر «هو الاسم الذي يطلقه الفلسطينيون على كل ما يقع خارج أسوار سجنهم».
غزة في 13 يونيو 2008.

الهدنة

يوم هادئ في غزة. لا اطلاق نار ولا صواريخ فلسطينية ولا طائرات إف 16 تحلق فوق الحدود ولا ضربات اسرائيلية.. انها الهدنة.
لم يتم التوقيع على أي اتفاق، لكن الهدوء هو ثمرة اتفاق شفهي تم التفاوض عليه من قبل الوسيط المصري.
ستتوقف «حماس» ابتداء من هذا اليوم عن إطلاق الصواريخ، فيما التزم الإسرائيليون من جانبهم بتخفيف الحصار تدريجيا على قطاع غزة، كما أبدت مصر استعدادها لإعادة فتح الحدود مع قطاع غزة.
كانت هذه الهدنة بالنسبة الى حماس خطوة نحو الأمام للاعتراف بها، كما مكنت قيادييها المتوارين عن الأنظار، من الظهور في الأماكن العامة بعد أن فتحوا هواتفهم النقالة التي كانوا يغلقونها طول الوقت خوفا من عمليات الاغتيال.. لقد استمرت هذه الهدنة ستة أشهر، فيما لم تتمكن المحاولات السابقة من الصمود لأسابيع. ففي الضفة الغربية وفي اليوم التالي أطلق إسرائيليون من مستوطنة يتزهار بالقرب من نابلس صاروخين تقليديين باتجاه قرية فلسطينية غير بعيدة. وبالفعل سقط الصاروخان اللذان يحملان اسمي «شارون 1» و«شارون 2» على احد المخيمات.
غزة في 20 يونيو 2008.

عدّاء بحذاء رياضي مثقوب!

نادر المصري هو الرجل الأسرع في قطاع غزة، حيث يقطع 5000 متر في ظرف 15 دقيقة و24 ثانية، وينتظر أن يحمل الألوان الفلسطينية في اولمبياد بكين في الــ 20 من أغسطس المقبل.
لقد بدا الطريق إلى بكين بالنسبة الى هذا الشرطي، من الأربعة عشر كيلو مترا، التي تفصل بيته ببيت حانون عن وسط مدينة غزة وعلى طول المنطقة الحدودية التي تشهد بانتظام مواجهات بين الجماعات المسلحة والجيش الاسرائيلي.
كان نادر يركض والمروحيات تحلق والصواريخ تسقط في كل مكان، حيث فقد احد زملائه خلال التدريب بعد أن أصابته رصاصة طائشة فيما نجا بأعجوبة من صاروخ فلسطيني سقط عن طريق الخطأ فوق بيته.
لقد منع نادر من الخروج طيلة شهرين بسبب ثأر بين عائلته وعائلة أخرى والسبب هو أن العربة التي كان يجرها حماره أصابت سيارة جيب يملكها احد أفراد عائلة كفارنة.
لقد استمرت المواجهات بين العائلتين لمدة شهرين، قتل خلالها تسعة أشخاص. وخلال تلك الفترة لم يكن أحد من العائلتين يجرؤ على مغادرة محيطه بما في ذلك نادر الذي كان يتدرب على بعد 200 متر فقط عن منزله.
لم يتمكن نادر من الالتحاق بزملائه في الفريق الفلسطيني للتدريب في مركز الضفة الغربية بعد ان رفض الجيش الاسرائيلي منحه ترخيصا، لكن الجيش انتهى في الأخير الى منحه رخصة خروج.
لقد غادر نادر المصري قطاع غزة منتعلا حذاء رياضيا مثقوبا والفدرالية القطرية هي التي أهدته حذاء جديدا، أصر على انتعاله في بكين.
لن يذهب نادر الى بكين للفوز، لان رقمه لا يزال بعيدا بدقيقة واحدة عن أفضل الارقام العالمية، لكن مشاركته في حد ذاتها رسالة سياسية، ففي بكين سيقف الفلسطينيون الذين لا يملكون دولة وراء علمهم.
غزة في 31 يوليو 2008.

متحف غزة

لم تكن غزة أبدا هذا الإقليم الفقير الذي يقصم العنف ظهره، فالمدينة تعتبر مفترق طرق مهما بين مصر وآسيا، كما كانت مركزا تجاريا مزدهرا للخمور والزيوت ومركزا استراتيجيا، فكل الفاتحين من الفراعنة الى نابليون مروا بغزة، لكن هذه الذاكرة الإنسانية والتاريخية ضاعت مع التوسع العمراني.
لقد اخذ جودت خودري على عاتقه مسؤولية إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فهذا المقاول يعمل منذ عشرين عاما على استرجاع كل ما يعثر عليه عماله في مختلف ورشات البناء والأشغال العمومية، التي يتكفل بها.
شيئا فشيئا وبمرور السنوات، بدأت مجموعة الخودري تكبر إلى أن عرضها في متحف الفن والتاريخ في جنيف وحينها وعده الرئيس محمود عباس ببناء متحف في غزة لعرض هذه القطع، لكن المشروع بقي يراوح مكانه بسبب انقسامات الفلسطينيين، لكن في المقابل تمكن جودت خودري من بناء المتحف بماله الخاص وقد دشّنه منذ فترة قصيرة.
انه عبارة عن بناية جميلة قبالة البحر، تحتضن مئات القطع التي يعود بعضها إلى العصر البرونزي، وعن ذلك يقول «لقد عايشت هذه المنطقة خمسة آلاف سنة من الحضارة، على سكان غزة أن يعرفوا ان البؤس والتجاهل والإرهاب ليست سوى فترة مؤقتة من تاريخنا، كنا امة بحر بيد أننا اليوم لا نملك ميناء، لكن هذا الحصار ليس الأول، فالاسكندر الأكبر والفرس والبريطانيون ارادو كلهم قهرنا، لكننا لا نزال هنا. سينتهي الحصار الاسرائيلي مثلما انتهى السابقون».
لكن القطعة الوحيدة التي لا يعرضها جودت خودري، هي قطعة زجاجية من الفترة الإسلامية، هي قطعة عثر عليها في الرمال ويحتفظ بها، لأنها كانت أول قطعة في هذه الثروة التي يملكها الآن.
غزة في 8 أغسطس 2008.

الحلقة السابعة
هكذا استفاد أوباما من دعم فلسطينيي غزة المحاصرة


Pictures%5C2010%5C08%5C08%5Cd1fe5d98-d9b8-4be1-a274-8b036d7a4dd0_maincategory.jpg






09/08/2010


أيام هادئة في غزة (7) هكذا استفاد أوباما من دعم فلسطينيي غزة المحاصرة

Pictures%5C2010%5C08%5C09%5C5a73f073-fcea-47e3-ae9a-f657414613de_main.jpg


المؤلف: كريم لبحور - ترجمة: سليمة لبال
كيف يعيش مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة؟ ما هي يومياتهم؟ وكيف يواجهون الحصار الاسرائيلي داخل سجن لا تفتح الا نادرا بوابتاه، سواء باتجاه اسرائيل أو مصر؟
كان على الفلسطينيين أن يواصلوا الحياة، ويصمدوا رغم الحاجة والندرة والفقر، لكن كيف السبيل الى المقاومة واسرائيل تشدد الخناق وتمنع حتى الشوكولاتة على أطفال غزة؟
هي صور كان كريم لبحور الصحافي باذاعة فرنسا الدولية وجريدة لاكروا، شاهدا عليها طيلة ثلاث سنوات قضاها في قطاع غزة منذ استيلاء حماس على السلطة والى غاية الحرب الاسرائيلية في يناير 2009.
سنغوص من خلال يوميات كريم لبحور، التي جمعها في كتاب سماه «أيام هادئة في غزة»، في عمق حياة الغزاويين، سيدخلنا الى سهرات البورجوازية السرية، كما سيروي لنا قصصا لا تنتهي عن الثأر بين العصابات أو الفصائل المسلحة، وقصصا أخرى عن نساء ثائرات يرفضن الحجاب، ومختصين في علم الفلك يحلمون بمرصد فلكي يطلع من خلاله أطفال غزة على ما يجري في السماء بعيدا عن الطائرات الحربية والصواريخ.
كما ستأخذنا هذه اليوميات أيضا الى أنفاق رفح التي يقول الصحافي لبحور إنها أضحت الدورادو المهربين، باختصار سنتقاسم خلال حلقات الكتاب الذي تقدم القبس ترجمته لقرائها، مع سكان غزة معاناتهم وأيضا أملهم في غد أفضل.
«أيام هادئة في غزة» يروي يوميات نساء ورجال ضحايا، لكنهم ليسوا ضحايا كارثة طبيعية وإنما فضيحة سياسية هي الأشنع منذ بداية القرن..

٧ هكذا استفاد أوباما من دعم فلسطينيي غزة المحاصر ة
غزاويون يتصلون بأميركيين لحثهم على التصويت لمصلحة اوباما

«تستمعون إلى صوت الشعب، صوت الحقيقة، شكرا لدعمكم» .في استديو، غلفت أفيشات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جدرانه، عاود المذيع معانقة الميكروفون بعد انقطاع دام أسبوعا كاملا.
فحماس لم تعجبها طريقة تغطية الإذاعة لاعتدائها على عائلة حلس الموالية لفتح، ذلك أن صحافيي المحطة علقوا على المواجهات، وكأن الأمر يتعلق بعملية إسرائيلية.لم يخف الصحافيون شيئا مما حدث، حيث تحدثوا عن قذائف الار بي جي والمتفجرات التي ألقيت وطلقات النار القاتلة التي صوبت باتجاه مبنى العائلة. لقد أكدت الشهادات التي تمت إذاعتها بأن حماس لم تتردد في ضرب بنايات آهلة بالسكان، مما دفع وزير الداخلية إلى إيقاف الإذاعة ووصف ما بثته بالإشاعات المغرضة والأكاذيب.
وحالة صوت الشعب ليست حالة معزولة، ففي تلك الأيام شهدت غزة أسوأ أيامها بعد أن ضيقت حماس الخناق وأعلن النظام الإسلامي توقيف 200 شخص وغلق 150 جمعية خلال بضعة أيام ولكن ما هي أسباب هذه العاصفة كلها؟
السبب هو سيارة مفخخة استهدفت في الخامس والعشرين من يوليو الماضي احد مناضلي الحركة، قبالة البحر. لقد أججت الحادثة المواجهات بين الفلسطينيين من جديد.
أقسمت حماس أن فتح هي من نفذ العملية وهي حجة روجت لها لتكميم أفواه الجمعيات وكل المعارضين لها، ولم يكن أفراد الشرطة من قادوا عمليات التوقيف ولكن ملثمين ينتمون إلى كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس.
نقلت هذه الشهادات إلى احمد يوسف احد قياديي الحركة ومستشار رئيس الحكومة في غزة إسماعيل هنية، فانزعج كثيرا وقال لي «إنها أخطاء وتجاوزات من الجناح العسكري»، لكن ألا يستجيب الجناح العسكري لأوامر السلطة السياسية؟
تهرب احمد يوسف من الجواب عن سؤالي، لكني تساءلت في قرارة نفسي وأنا انظر إلى هذا الرجل القصير الملتحي، هذا الخمسيني، الذي يتحدث اللغة الانكليزية بطلاقة ويجيب بانتظام عن أسئلة الصحافيين الأجانب، أي ثقل للرجل داخل الحركة؟
هل هو فعلا الوجه الضاحك للحركة فقط، مثلما وصفه احد الزملاء البريطانيين؟
في تلك الفترة كانت الاشاعات تتحدث عن انقسام بين الجناح المعتدل في الحركة والجناح المتطرف الذي يدعو إلى إقامة دولة إسلامية مستقلة عند حدود غزة. والاشاعات ذاتها قالت ان إيران تدعم الجناح المتطرف في حماس ضد أنصار المصالحة مع فتح.
بعد تدهور الوضع، استدعت مصر كلا من فتح وحماس إلى القاهرة، في محاولة منها لرأب الصرع بين الطرفين، فغزة أصبحت قطعة بسيطة على أجندة لعبة الشرق الأوسط الكبيرة.
غزة في 10 أغسطس 2008.

أول فيلم حمساوي

كان مخرج الفيلم منزعجا للغاية لان الظلمة لا تزال تظهر على كاميرته التي كانت موجهة صوب مقر الجامعة الإسلامية. ويروي الفيلم قصة عماد عقل، احد شهداء حماس الذين قتلوا خلال الانتفاضة الأولى وهو منفذ أول عمليات الهجوم المسلح ضد الجنود الإسرائيليين.
كانت المشاهد التي صورت في النهار عن جنازته، لكن الحضور كان اقل مما رسمه المخرج في مخيلته، لذلك تساءل «أين هم الطلبة؟»، فأجابه احد مساعديه «إنهم خائفون من الظهور في فيلم من إنتاج حماس»
وضع مجيد جندية رأسه بين يديه، لأنه كاد أن يلغي قبل أيام مشهدا عن تظاهرة لفتح لان لا احد قبل النزول الى الشارع حاملا اعلام فتح، خوفا من أي مواجهة مع أنصار حماس.
قال لي مجيد بأنه اضطر للمشي في الأحياء لابلاغ الناس عن طريق مكبر الصوت بان ما يحدث في الشارع ليس سوى فيلم.
ولم تتوقف متاعب مجيد عند هذا الحد، فالممثلون الذين جيء بهم من المساجد، وجدوا صعوبة في حفظ السيناريو، فهذا الرجل الذي درس السينما في ألمانيا يعاني من خيبات أمل تراكمت منذ بداية تصوير هذا الفيلم.
كان عليه أن يصنع سيارات جيب اسرائيلية مقلدة لتصوير مشاهد المعارك، وبالفعل نجح في ذلك لدرجة أن المطاردات الاسرائيلية اشتبهت في الأمر، وحلقت فوق مكان التصوير ما زرع الرعب في نفوس أعضاء الفريق.
كاتب سيناريو الفيلم هو محمود الزهار احد مؤسسي حماس في غزة، ورغم انه غير معروف بحسه الفني وانتاجاته الأدبية، الا أن للرجل ثلاثة روايات وسيناريوهين. كان عماد عقل فنانا في التخفي واستعمال الرشاشة، لقد قتل وهو في الثالثة والعشرين بعد أن حاصره عدد من الجنود. وأما حماس فتعتبره أسطورة، حيث يقول عبدول منتج الفيلم «عماد عقل يمثل المقاومة الشريفة، لم يكن يستهدف سوى الجنود، لم يطلق أبدا النار على مدنيين».. لكني ذكرته بان الأمر تغير منذ بدء تنفيذ العمليات الانتحارية، فأجابني «هذا نقاش داخل حماس».
سيكون هذا الفيلم التلفزيوني أول فيلم يتناول المقاومة الاسلامية، حيث لا يضم نساء يرتدين ملابس خفيفة ولا قبلات.. واذا ما تمت الامور على ما يرام سيكون الفيلم جاهزا للعرض نهاية السنة، لكن على شاشات التلفزيون فقط، لكن آخر قاعة سينما في غزة أضرم فيها أفراد ميليشيات حماس، النار في 1996.
غزة في 20 أغسطس 2008.

ميناء غزة

يؤوي ميناء غزة الصغير بعض قوارب الصيادين وركام لسفن محطمة هنا وهناك، لكن يستحيل أن يتصور الواحد أمام هذه المناظر بان النقل البحري كان مزدهرا في هذه المدينة.
يعرف المكان منذ الصباح حركة غير عادية، فلأول مرة منذ احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية في عام 1967 تبحر سفينتان باتجاهه. ويتعلق الأمر بسفينة «غزة الحرة» وسفينة ليبرتي «الحرية» اللتين رستا قبل أسبوع، حاملتين على متنهما مناضلين من اجل القضية الفلسطينيين هدفهم كسر الحصار المفروض على قطاع غزة.
واما اليوم فتغادر هاتان السفينتان باتجاه قبرص، لذلك قررت حماس اعادة فتح الجزء المخصص للصعود، فيما كانت جمركيتان ترتديان الحجاب والزي الرسمي، تقومان بختم جوازات سفر أول المسافرين بحرا في تاريخ السلطة الفلسطينية.
تسيطر اسرائيل على مياه غزة، حيث حددت اتفاقيات أوسلو منطقة لا تزيد أبعادها عن 20 ميلا أي 37 كلم للصيد، لكن الاسرائيليين يمنعون الفلسطينيين من تجاوز مسافة ستة أميال أي 11 كلم، لذلك لا يزيد ما يصطاده الصيادون في هذا الشريط عن بضعة كيلوغرامات من السمك.
على الرصيف كان هناك كثيرون ينتظرون الصعود على متن السفينتين، لكن لم يبق سوى سبعة أماكن. كان من بين المرشحين للمغادرة رجل ضعيف، لكن يبدو أن السلطات القبرصية رفضت مغادرته بسبب انتهاء تأشيرته.
سليمان بركة عالم فيزياء فلكية، وتنتظر ناسا وصوله الى الولايات المتحدة الأميركية، لكنه لا يستطيع الخروج لا عبر اسرائيل ولا عبر مصر، لذلك كانت هذه الباخرة أمله الوحيد.
لقد صرف عديد من النشطاء النظر عن العودة عبر البحر، فلوران بوث، شقيقة زوجة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير قررت العودة عبر مصر، وأما المختص في الانثربولوجيا الاسرائيلي جيف هالبر فقد غادر عبر معبر ايريز، حيث تم توقيفه لعدة أيام بسبب الاقامة غير الشرعية في غزة.
ويقول هذا الشيخ الاسرائيلي الذي يعتبر أول مدني اسرائيلي يهودي تطأ قدماه ارض غزة منذ عامين «لقد أثبتنا بان اسرائيل ما تزال تحتل قطاع غزة لان الوصول اليها عبر البحر ممنوع، عكس ما تدعيه الحكومة».
وعد منظمو الرحلة بالعودة مرة أخرى، حيث يقول فاجيليس بيسياس القائد اليوناني لسفينة غزة الحرة «على الفلسطينيين أن يكونوا أحرارا في تنقلاتهم، سواء عبر اسرائيل او مصر، لماذا هم الشعب المتوسطي الوحيد الذي لا يملك منفذا ومدخلا بحريا».
غزة في 28 أغسطس 2008.

أوباما وغزة والهدنة

إطلاق نار في كل الاتجاهات. كان الطالبان إبراهيم وعبدول منشغلين في مخيم اللاجئين في النصيرات بالانتخابات الأميركية، وأخبار المعارك التي اندلعت للتو بين الجنود الإسرائيليين وميليشيات «حماس»، لذلك لم يكن أمامهما أي مجال للالتحاق بأصدقائهما في المقهى.
يقول عبدول «لهذا السبب ننتظر اوباما حتى يوقف ما يحصل في الخارج، لا نعرف منذ ثماني سنوات سوى لغة القوة، عليه أن ينعش المفاوضات»... في تلك الأثناء انقطعت الصورة على شاشة التلفزيون، لقد بدأ الإسرائيليون بالتشويش على الموجات.
منذ أشهر عدة يتجمع المتعاطفون الفلسطينيون مع اوباما في هذه الغرفة المهترئة، حيث يقومون بالاتصال بأرقام هاتفية عشوائية في الولايات المتحدة الأميركية عن طريق الانترنت لحث أصحابها وإقناعهم بالتصويت لمصلحة المرشح الديموقراطي. وعن هذه الانتخابات يقول احدهم «هذه الانتخابات لا تعني الولايات المتحدة الأميركية ولكنها تعني العالم اجمع، إذا لم نستطع لعب دور مباشر، فلن نستطيع إسماع صوتنا انطلاقا من غزة».
في الخارج كانت المعارك محتدمة، وكان الجنود الإسرائيليون يقتربون، فيما كانت سيارات «حماس» رباعية الدفع تتجه نحو جبهة القتال.
كانت الساعة الثالثة صباحا، حين أعلن عن فوز أوباما برئاسة الولايات المتحدة الأميركية، حينها قال إبراهيم ابوجايا (24 عاما) إن المرحلة المقبلة ستكون واعدة بالنسبة للشرق الأوسط «لقد وعد اوباما بسحب قواته من العراق في ظرف 16 شهرا. انه رجل سلام، سيقوم بإنهاء سياسة جورج بوش العدائية».
لن ينسى إبراهيم أبدا عبارة المرشح اوباما «لا شعب يعاني بقدر معاناة الشعب الفلسطيني....»، لكن ماذا عن الجملة التي تلفظ بها اوباما أمام لجنة العلاقات العامة الأميركية ـــ الإسرائيلية خلال حملته الانتخابية حين قال «القدس عاصمة اسرائيل ولا تتجزأ»؟!
يقول إبراهيم «إن هذه الجملة كانت غلطة، سرعان ما صححها اوباما في قوله إن تسوية قضية القدس ستكون عن طريق المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين».
يود إبراهيم أن يؤمن بالقوة بان رياح التغيير التي وعدت بها واشنطن ستهب قريبا في مخيم النصيرات حيث يقيم.
في فجر ذلك اليوم، وبينما كان اوباما المنتخب يلقي كلمة في شيكاغو، سقط ستة قتلى في قطاع غزة، لكن لا احد تحدث عن الهجمة الإسرائيلية بعد أن قال الجيش الإسرائيلي إنه تدخل لمنع جنود «حماس» من حفر أنفاق تحت الحدود، لترد «حماس» بوابل من الصواريخ وتنتهي بذلك الهدنة التي تم الاتفاق عليها قبل خمسة أشهر فقط.
مخيم النصيرات في 5 سبتمبر 2008

ملوك البترول

حين وصلت إلى نفق من أنفاق رفح كان ستة عمال بصدد إخراج علب بطاطا شيبس ودلاء البنزين، لكن احمد دليلي قال لي إني تأخرت قليلا لأنهم اخرجوا قبل قليل خمسين خروفا جيء بها من مصر.
تملك عائلة احمد العديد من الأنفاق، وأما هذا فهو ملك ابن عمه..
عرفت المالك من هاتفه النقال، حيث كان يتحدث إلى مصري في الجهة الثانية عن الشحنة التالية، التي سيتم تسليمها هذه الليلة.
لقد تزايد عدد الأنفاق، حيث يقدر احمد عددهم بألف نفق، لكن رئيس بلدية رفح قال لي إن العدد لا يتجاوز 600 نفق.
تفرض البلدية ضريبة تقدر بــ 10 آلاف شيكل، أي ما يعادل 2000 يورو على كل نفق يتم حفره، وبالمقابل توفر مصالحها الكهرباء للأنفاق. والقائمون على حفر الأنفاق لا يختبئون لكنهم يمارسون نشاطهم وراء قطع من البلاستيك الأبيض ليُحوّلوا بذلك المنطقة الحدودية التي تفصل بين رفح ومصر إلى منطقة تدر ثروات طائلة.
يقول احمد «ما عسانا نفعل، الإسرائيليون يخنقوننا، انظر ما الذي نأتي به، إنها أحذية ومنسوجات وحفاظات أطفال وليست أسلحة».
مع ازدهار تجارة الأنفاق بدأ يظهر في المدينة أثرياء جدد يقودون أفخم السيارات التي اشتروها من رجال أعمال غزة، الذين تسبب إغلاق نقاط العبور إلى إسرائيل في كساد أعمالهم وتجارتهم.
يقول احمد «هنا كانت نهاية العالم، كان علينا أن نذهب الى غزة لشراء أغراضنا، حيث كان ناسها يفرضون قانونهم علينا وأما الان فهم يأتون لتسول العمل لدينا».
قادني احمد إلى نفق يحتوي على ثلاثة أنابيب بطول 900 متر، وتنقل البنزين والديزل والمازوت وهي موصولة مباشرة بصهريج في الجانب المصري وأما مالكها فيدعى حسان، وقد بات يعرف في المنطقة باسم «ملك البترول»، حيث يمد غزة يوميا بكميات تصل إلى 70 ألف ليتر.
لقد تمكن حسان الذي كان يعمل في إسرائيل ثم أحيل الى البطالة بسبب الحصار، من شراء بيت جديد وسيارة رباعية الدفع مؤخرا بفضل نشاطه عبر الأنفاق.
ويصف علي أبو شهلة رئيس جمعية رجال الأعمال الغزاويين من ينشطون عبر الإنفاق بالمستفيدين من الحرب، حيث يقول إن نجاح الإنفاق روج لعقلية التهريب في المنطقة «إذا ما استطعنا أن نربح مليون دولار في بضعة أشهر فكيف سنقنع أطفالنا بالدراسة وببناء أنفسهم».
لقد أفلست شركات هذا الستيني المختص في الاستشارات والهندسة المعمارية مثل باقي شركات غزة، وإسرائيل، بحسبه، حطمت الأشخاص القادرين على بناء جسور بين الشعبين.
ويقول أبو شهلة «حماس ليست سوى ذريعة فالدولة العبرية تود الإبقاء على الحصار، لكن «حماس» الان بصدد تنفيذ الحلم الإسرائيلي القديم: عزل غزة عن الضفة الغربية ودفع الجميع إلى الاعتراف بدولة فلسطينية في قطاع غزة فقط».
غزة في 14 ديسمبر 2008

الحلقة الثامنة
هكذا حاولت إسرائيل اغتيال الحلم الفلسطيني


 

الغيص

Active Member
طاقم الإدارة

post_old.gif
31-12-2012, 04:08 PM
البريمل
user_offline.gif

عضو مميز

تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 9,783

icon1.gif

10/08/2010


أيام هادئة في غزة (8) هكذا حاولت إسرائيل اغتيال الحلم الفلسطيني

Pictures%5C2010%5C08%5C10%5C3f60deb4-74d8-490a-8f9a-a035aa0fb752_main.jpg


المؤلف: كريم لبحور - ترجمة: سليمة لبال
كيف يعيش مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة؟ ما هي يومياتهم؟ وكيف يواجهون الحصار الاسرائيلي داخل سجن لا تفتح الا نادرا بوابتاه، سواء باتجاه اسرائيل أو مصر؟
كان على الفلسطينيين أن يواصلوا الحياة، ويصمدوا رغم الحاجة والندرة والفقر، لكن كيف السبيل الى المقاومة واسرائيل تشدد الخناق وتمنع حتى الشوكولاتة على أطفال غزة؟
هي صور كان كريم لبحور الصحافي باذاعة فرنسا الدولية وجريدة لاكروا، شاهدا عليها طيلة ثلاث سنوات قضاها في قطاع غزة منذ استيلاء حماس على السلطة والى غاية الحرب الاسرائيلية في يناير 2009.
سنغوص من خلال يوميات كريم لبحور، التي جمعها في كتاب سماه «أيام هادئة في غزة»، في عمق حياة الغزاويين، سيدخلنا الى سهرات البورجوازية السرية، كما سيروي لنا قصصا لا تنتهي عن الثأر بين العصابات أو الفصائل المسلحة، وقصصا أخرى عن نساء ثائرات يرفضن الحجاب، ومختصين في علم الفلك يحلمون بمرصد فلكي يطلع من خلاله أطفال غزة على ما يجري في السماء بعيدا عن الطائرات الحربية والصواريخ.
كما ستأخذنا هذه اليوميات أيضا الى أنفاق رفح التي يقول الصحافي لبحور إنها أضحت الدورادو المهربين، باختصار سنتقاسم خلال حلقات الكتاب الذي تقدم القبس ترجمته لقرائها، مع سكان غزة معاناتهم وأيضا أملهم في غد أفضل.
«أيام هادئة في غزة» يروي يوميات نساء ورجال ضحايا، لكنهم ليسوا ضحايا كارثة طبيعية وإنما فضيحة سياسية هي الأشنع منذ بداية القرن..

(8) هكذا حاولت إسرائيل اغتيال الحلم الفلسطينيروايات الفيلسوف اليهودي الفرنسي برنار هنري ليفي على أعمدة لوجورنال دوديمانش زوّرت الحقائق

كانت الحرب تبدو من سيديروت، وكأنها معركة من المعارك التي خاضها نابليون، وأما فرق التلفزيونات فقد نصبت كاميراتها في أطراف المدينة، حيث كان الصحافيون ينقلون على المباشر ما يجري هناك في غزة، فيما قدم الى المنطقة سكان الضواحي للوقوف على ما يحدث عن قرب.
البعض منهم كانوا يتجولون في الهواء الطلق، وأما البعض الآخر فقد اختاروا الجلوس على كراسيهم، فيما كانت المنظارات تنتقل من يد الى أخرى.
احد الرجال توشح العلم الاسرائيلي، وعن سبب قدومه قال لي «أتيت لأرى الجيش الاسرائيلي، وهو يلقن حماس الدرس الأخير».
كانت الحصيلة ذلك اليوم ثقيلة جدا، حيث سقط 1155 فلسطينيا، فيما أصيب 5200 آخرين بجراح متفاوتة الخطورة.
«انهم يريدون قتلنا، لكن نحن من سيقتلهم» انها حرب عادلة.. هذا ما تعتقده الأغلبية العظمى في اسرائيل.لا تبعد بيت ايتمار ضابط الاحتياط في الجيش الاسرائيلي الا ببضعة أمتار عن هذا المكان، وحين سألته عن الوضع العام أجابني قائلا: سقطت على حيّنا أكثر من 60 قذيفة. لقد استمر هذا الوضع ثمانية أعوام. أخيرا نحن نقوم بشيء ما».
كنت أود ان أحدثهم عن رامي وعن والدته وشقيقه، الذين يعيشون من دون كهرباء منذ 15 يوما، في بناية مهددة بالانهيار مع كل هجمة إسرائيلية.
في تلك الأثناء انشغلت بتبادل الرسائل الهاتفية مع سامي، التي كنت اجد بين الفترة والاخرى صعوبة في ارسالها بسبب انقطاع في شبكة الاتصال.
لم ينم سامي منذ أيام بسبب التفجيرات الاسرائيلية، وعن ذلك كتب لي في احدى الرسائل الهاتفية «حين تسمع دوي التفجيرات، يهتز جسدك كله وكأن شبحا يضربك».
غزة ليست سوى «عش للأفاعي» بالنسبة لسكان المناطق الاسرائيلية البعيدة، كالنقف بسبب سياسة الحصار التي تعتمدها الحكومة الاسرائيلية.هناك لا يعرفون غزة ولا يتحدثون عنها، وأما الفلسطينيون فهم بالنسبة لهم، ملثمون يكنون الضغينة والكراهية لاسرائيل، التي يعدون بتحطيمها على شاشات التلفزيون.
بدأت الشمس في الغروب، حين استقر مراهقون على احد منحدرات سيديروت لتدخين النرجيلة، كانوا يصفقون بقوة، كلما حلقت مروحية أو طائرة فوق رؤوسهم. لكن الاسرائيليين لا يتقاسمون كلهم هذا الموقف، حيث أسس سكان من سيديروت جمعية كول اشر وتعني «الصوت الآخر» للترويج لخيار آخر غير الحرب.
كانوا يلتقون مرة كل أسبوع للتحادث هاتفيا مع فلسطينيي غزة، حتى يتأكدوا من أن هناك أحياء في تلك المنطقة.
ففي مقال نشرته لوموند الفرنسية،كتب نوميد زيون صاحب هذه المبادرة « لا ينبع خوفي من الصواريخ الفلسطينية وإنما كل خوفي من انتشار العنف في المجتمع الإسرائيلي» لقد صنعت لنا وسائل الإعلام مستغلة في ذلك حماس،شيطانا ضخما وداكن اللون، بلا وجه ولا جسد ولا صوت»
لو لم تكن الحواجز تفصل بين قطاع غزة وسيديروت، لكنت بدون شك التقيت بنوميكا على إحدى طاولات صالون سامي.
سيديروت في 15 يناير 2009

الانتظار في رفح

استمر الانتظار ثلاثة أيام. كنا ثلاثين صحافيا أجنبيا جالسين أمام معبر رفح، ننتظر الترخيص بالدخول إلى قطاع غزة، لكن افرد الشرطة المصرية رفضوا طلبنا.
قررت أنا وبنجامان بارث صحافي لوموند، ودافيد بورث من إذاعة هولندا، وشيرا فرانكل عن التايمز، ومصور الوكالة الفرنسية «عين الجمهور» فريديريك سوتيرو القيام برحلة طويلة عبر القاهرة لدخول غزة من معبر ايريز، لكننا لم نتمكن من ذلك لأنه مغلق بأمر من السلطات الإسرائيلية.
كان معنا ضابط المخابرات المصرية إسلام، انه متحدث بارع ووعدنا بالمرور الى غزة مع البدوي احمد. كان هذا السائق خبيثا،حيث عرف بسرعة ما يوده الصحافيون.أوصلنا مقابل 50 جنيها مصريا إلى فنادق العريش على بعد 50 كيلومترا عن المكان الذي كنا فيه، ثم اقترح علينا المساعدة في العبور إلى غزة مقابل 500 دولار عن طريق احد الأنفاق.
ترددنا، ذلك أن الطيران الإسرائيلي لا يتوقف عن ضرب هذه الأنفاق، لكن المصريين لعبوا بأعصابنا، حيث سمحوا في اليوم التالي بمرور موظفي الجمعيات الإنسانية غير الحكومية فقط.
كانت أعداد المرابطين أمام معبر رفح تتزايد يوميا، وفيهم برلمانيون أوروبيون ومتعاطفون مع القضية الفلسطينية وصحافيون أيضا.
اقنع السائق احمد مراسل صحيفة هارتس بإلقاء نظرة على احد الأنفاق، التي لم يسبق له أن رآها في حياته، فالصحافيون الاسرائيليون ممنوعون من دخول غزة منذ عام 2006.
كانت أعداد الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية تتزايد، ما دفع المصريين إلى تحويلها باتجاه نقطة العبور الإسرائيلية كرم شالوم، لكن لم يكن يسمح بالدخول إلا لأعداد قليلة جدا.
لاحظت أن رواية مسؤولي المنظمات الإنسانية غير الحكومية مختلفة تماما عن رواية برنار هنري ليفي على أعمدة لوجورنال دوديمانش،حيث تحدث ببساطة عن «شائعات حول حصار غزة إنسانيا ومنع المساعدات الإنسانية عنها».
لقد أكد احد المتحدثين باسم الاونروا دخول مئات الشاحنات إلى غزة خلال الأيام القليلة الماضية. قال لي إنه تقدم ملموس، لكن غزة تحتاج إلى خمسة أضعاف ما يدخل بسبب الحصار والتدمير الذي طالها، ورغم كل هذا كتب برنار هنري ليفي، الذي زار بسرعة غزة على متن إحدى مدرعات الجيش الإسرائيلي «بالتأكيد أن التدمير الذي طال غزة لم يصل إلى درجة التدمير الذي طال غروزني، وبعض أحياء سراييفو».
أخيرا وصلنا خبر بان المصريين قرروا فتح أبواب معبر رفح. جمع شرطي حمساوي من الجانب الفلسطيني جوازات سفرنا، ثم قام بختمها بختم السلطة الفلسطينية.
رفح (مصر )في 20 يناير 2009.

أفراد شرطة تحت الشجر

مرت الحرب ومع ذلك ما نزال نشم رائحة الحرائق في القطاع. لم نجد مكانا شاغرا في الفنادق، بسبب الأعداد الكبيرة للصحافيين الذين دخلوا إلى غزة، حتى البناية التي كنت متعودا على التأجير فيها لم يعد فيها مكان، بعد ان منحها المالك، لمقربيه الذين هربوا من التفجيرات التي كانت تستهدف شمال القطاع. فهناك كانت الحرب عنيفة وقوية جدا.
عثرت برفقة بنجامين على رامي، كان منهكا ومتعبا جدا لكنه حي. لقد روى لنا كيف عاش الحرب وكيف كان الطيران الاسرائيلي يغير على المنطقة أكثر من 100 مرة يوميا.
لقد منعت إسرائيل دخول الصحافيين لذلك استنجدت به كثير من الصحف الفرنسية، لقد ركض رامي طيلة 23 يوما لتصوير ما يحدث، أو التدخل على المباشر على التلفزيون. من دون شك خاطر كثيرا بحياته، لكن من دون ما فعل ومن دون ما قام به المصورون الصحافيون والمصورون التلفزيونيون الفلسطينيون، ما كنا سنعرف ما يجري وراء أسوار هذه المدينة؟
غزة في 21 يناير 2009

وفاة هداية

عابد هو واحد من معارفي الذين كنت أتردد عليهم، عند كل زيارة لي لرفح، هو أستاذ لغة انكليزية، حيوي ويعرف المدينة جيدا.
في ذلك اليوم قررت أن اعرف كيف أثرت الحرب في أنفاق التهريب، لذلك ذهبت إلى عابد في بيته. بمجرد رؤيته شعرت بأن شيئا ما غير عادي حصل، وبالفعل اكتشفت أن ابنته هداية ذات السنة الواحدة في قاعة الإنعاش.
لقد حضرت حفلة العقيقة التي نظمها والدها بمناسبة ولادتها. أدخلت هداية إلى المستشفى اثر ارتطامها بالجدار بعد أن فقدت توازنها بسبب دوي انفجار.
جلسنا على طاولة الشاي، وأنا مذهول من شدة الخبر الذي آلمني لأنه آلم شخصا عزيزا علي.
الحدود مع مصر هي حقل ألغام كبير، لكن ذلك لم يمنع الحفارين من مواصلة عملهم في أنفاق دمرتها الصواريخ.
قررت مرافقة مجموعة من الحفارين على آثار نفقهم المدمر، لقد تمكنوا من العثور على مدخله بعد عشر دقائق من الحفر عن طريق المجرفة والمعول.
لقد أكد مالك النفق بان نفقه لم يتضرر، وقال لي «تسبب القنابل أضرارا على عمق عشرة أمتار لكن هذا النفق عميق جدا»
وأما في الجانب الآخر من الحدود، فكانت الشاحنات المحملة بالبضائع تحاول الالتفاف على حواجز الشرطة المصرية حتى تتمكن من تفريغ شحنتها.
صرخ احد العمال والمعول بين يديه «يا الله لماذا دمروا هذه الأنفاق؟ إننا نستعملها لتزويد الناس بالمواد الغذائية، إذا ما كان الإسرائيليون لا يريدون الأنفاق، فليرفعوا عنا الحصار».
لكن ماذا عن الأسلحة؟ هل تمر هي الأخرى عن طريق الانفاق أو لا؟
أجاب مالك النفق «لن ترى أبدا الأسلحة هنا، أنفاق الجماعات المسلحة أعمق ولا احد بمقدوره الاقتراب منها».
تساءلت مرة أخرى «لماذا الحرب مادامت حماس والأنفاق هنا دوما؟
تلقيت رسالة هاتفية في المساء لدى عودتي إلى غزة، انه عابد، غير أن رسالته كانت مقتضبة جدا وجاء فيها «ابنتي هداية توفيت» لقد كان عمرها 13 شهرا.
غزة في 22 يناير 2009

اليوم التالي

أول الكلمات التي كتبتها على دفتري حين وصلت إلى عزبة عبد ربه في أعالي جبالية هي «أطلال» و«زلزال».. من المؤكد أن برنار هنري ليفي لم يصل إلى هنا.. ذلك أن كل شيء منهار ومدمر وأما غير بعيد عن العزبة فقد تم تدمير عدة مصانع من بينها مصنع للمثلجات وحظائر لتربية الدجاج، وقد استهدفت خلال الساعات الأخيرة التي سبقت توقيف إطلاق النار.
تقع عزبة عبد ربه ليس بعيدا عن الحدود الإسرائيلية، وأما سيديروت فلا تبعد عنها إلا بكيلومترين. المكان ليس مناسبا لإطلاق الصواريخ، لكنه كان مسرحا لمواجهات عدة مع الجيش الإسرائيلي.
في العادة يلازم السكان منازلهم وأما الجنود الإسرائيليون فيمرون فقط عبر المنطقة، لكن هذه المرة كان الأمر مختلفا تماما، حيث شاهدت عددا من الأفراد وهم يفتشون في ركام منازلهم عن بعض الأغراض فيما كان آخرون يعدون الشاي على الأطلال. لقد فقدوا كل شيء.
نصب ماجد عبد ربه العلم الفلسطيني على ما بقي من بيته. لقد روى لي ما حل بالقرية يوم الخامس من يناير وكيف أمطرتها القوات الإسرائيلية بالقنابل والصواريخ.. «هناك ماتت سيدة عجوز» بهذه الكلمة أشار لي احد الأولاد إلى المكان الذي سقطت فيه هذه السيدة الفلسطينية. لكن قصة ماجد عبد ربه لم تتوقف عند وصف التدمير الذي لحق بقريته، حيث أكد لي ان الجنود الإسرائيليين استعملوه كدرع بشري «لقد أدخلني الجنود الإسرائيليون إلى البيوت أولا وقد وضعوا بندقية على ظهري، للبحث عن المقاتلين».
إذا ما حصل هذا فعلا فان الأمر يتعلق بانتهاك للقانون الدولي لان هذه جريمة حرب.
رفض ماجد عبد ربه، وهو ضابط سابق في السلطة الفلسطينية العمل لمصلحة الحكومة الإسلامية، حيث كان ضمن الدوريات المشتركة التي شكلت وفق اتفاقيات أوسلو مع الشرطة الإسرائيلية.
في تلك الأثناء، امسكني احد الزملاء من ذراعي وطلب مني أن أتحدث إلى شخص يقف غير بعيد عني، انه خالد عبد ربه الذي رأى احد الجنود يطلق النار على بناته: «كان ذلك في السابع من يناير على الساعة الثانية عشرة وخمسين دقيقة، أتذكر ذلك جيدا، وقع ذلك قبل الهدنة بعشر دقائق».
والهدنة تمتد لساعتين من وقف لإطلاق النار وتم الاتفاق عليها في آخر مرحلة من الحرب. لقد توقفت دبابات أمام باب بيته، ثم أمره جنود بواسطة مكبر الصوت بالخروج. استجاب خالد وخرج مع زوجته وبناته الثلاث وجدتهن.
حدق فيهم جنديان كانا فوق الدبابة وخلال بضع دقائق خرج جندي ثالث من السيارة المدرعة وأطلق النار على البنات الثلاث أمل (سنتان) وسعاد (سبع سنوات) وجدتهما، لقد قتلن على الفور فيما أصيبت سمر (أربع سنوات) بجراح خطرة جدا.
حاول جار للعائلة، يشتغل سائق سيارة إسعاف إنقاذ سمر لكن الجنود الإسرائيليين منعوه من الاقتراب مما دفع خالد إلى حمل بناته الثلاث مشيا على الأقدام إلى الطريق على بعد 500 متر.
نقلت سمر إلى مصر ثم إلى بلجيكا حيث انتكست حالتها لعدة أيام، فيما دفنت شقيقتها في مقبرة جبالية «أريد أن تفتح إسرائيل تحقيقا في القضية وتقول لي لماذا فعلوا هذا، أي خطر يمثله أطفالي بالنسبة لإسرائيل؟».
كانت القصص كثيرة مما سود أكثر فأكثر دفتري، حيث كنت أسجل تفاصيل التفاصيل لأواجه بها رواية الجيش الاسرائيلي.
وأما في حي الزيتون في جنوب غزة فقد روى لي رجل شاب من عائلة سموني كيف قتل والده في بيته برصاص رشاشات الجنود الإسرائيليين وهو يحاول أن يقول لهم ان من في البيت مدنيون فقط.
رأيت المكان الذي سقط فيه الرجل، وكانت آثار الرصاص واضحة جدا على الباب والحائط.
لقد كشف خبراء منظمة العفو الدولية بعد تحليل أغلفة الرصاص التي عثر عليها ان الجيش الاسرائيلي أطلق النار كثيرا على الفلسطينيين واستعمل في ذلك الفوسفور الأبيض الذي يتميز بسرعة الاشتعال، كما نددت هيومن رايتس ووتش وامنستي انترناشيونال بما ارتكبه الجيش الإسرائيلي من جرائم حرب، لكن يبقى أن ما ارتكبته إسرائيل وحماس دون عقاب، حتى أن الجيش الإسرائيلي أعلن نيته تقديم الدعم القانوني والمادي لأي جندي تتم متابعته قضائيا، وأما ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي فقد كان جادا حين قال «على الضباط والجنود الذين خدموا في غزة أن يعرفوا ان إسرائيل تحميهم».
غزة في 23 يناير 2009


الحلقة التاسعة
إسرائيل تمنع كل شيء عن غزة.. حتى المعكرونة


Pictures%5C2010%5C08%5C10%5C4051289f-8959-4ae7-bd7f-d8d206ba2e3b_maincategory.jpg









11/08/2010


أيام هادئة في غزة - (9) إسرائيل تمنع كل شيء عن غزة.. حتى المعكرونة

Pictures%5C2010%5C08%5C11%5C1c30f9b7-fcdc-486e-b880-a42753fe514f_main.jpg


المؤلف: كريم لبحور - ترجمة: سليمة لبال
كيف يعيش مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة؟ ما هي يومياتهم؟ وكيف يواجهون الحصار الاسرائيلي داخل سجن لا تفتح الا نادرا بوابتاه، سواء باتجاه اسرائيل أو مصر؟
كان على الفلسطينيين أن يواصلوا الحياة، ويصمدوا رغم الحاجة والندرة والفقر، لكن كيف السبيل الى المقاومة واسرائيل تشدد الخناق وتمنع حتى الشوكولاتة على أطفال غزة؟
هي صور كان كريم لبحور الصحافي باذاعة فرنسا الدولية وجريدة لاكروا، شاهدا عليها طيلة ثلاث سنوات قضاها في قطاع غزة منذ استيلاء حماس على السلطة والى غاية الحرب الاسرائيلية في يناير 2009.
سنغوص من خلال يوميات كريم لبحور، التي جمعها في كتاب سماه «أيام هادئة في غزة»، في عمق حياة الغزاويين، سيدخلنا الى سهرات البورجوازية السرية، كما سيروي لنا قصصا لا تنتهي عن الثأر بين العصابات أو الفصائل المسلحة، وقصصا أخرى عن نساء ثائرات يرفضن الحجاب، ومختصين في علم الفلك يحلمون بمرصد فلكي يطلع من خلاله أطفال غزة على ما يجري في السماء بعيدا عن الطائرات الحربية والصواريخ.
كما ستأخذنا هذه اليوميات أيضا الى أنفاق رفح التي يقول الصحافي لبحور إنها أضحت الدورادو المهربين، باختصار سنتقاسم خلال حلقات الكتاب الذي تقدم القبس ترجمته لقرائها، مع سكان غزة معاناتهم وأيضا أملهم في غد أفضل.
«أيام هادئة في غزة» يروي يوميات نساء ورجال ضحايا، لكنهم ليسوا ضحايا كارثة طبيعية وإنما فضيحة سياسية هي الأشنع منذ بداية القرن..

(9) - إسرائيل تمنع كل شيء عن غزة.. حتى المعكرونةعملية الرصاص المسكوب دمرت كل شيء في غزة حتى المدارس

أصبح حي السلاطين بالقرب من بيت لاهية أطلالا، حيث يندر أن تشاهد بناية لم تتضرر من الصواريخ الإسرائيلية. ورغم أن الحرب وضعت أوزارها إلا أن المساعدات الإنسانية لم تصل بعد إلى هنا، كان السكان يسألوننا، ويكررون السؤال «لماذا لم يصلنا شيء، ولو قليلا من المساعدات الإنسانية؟
انزعجت كثيرا، فلا شيء يمكنني أن أعطيهم إياه سوى أن اطلب منهم تسجيل شهاداتهم. تحدث السكان هنا كثيرا عن مآسيهم ومعاناتهم، إلا أن الصحافيين لم يتوقفوا عن التردد على هذه الأماكن المنكوبة، وأما المساعدات الوحيدة المتوافرة، فهي بلاستيك الخيام والتمر وتوزعها شاحنات حماس.
كانت إحدى النساء تكنس الأرض وسط الركام، وكأن السقف ما يزال فوق رأسها. بدا لي الأمر مثيرا للشفقة، لان البيت كله مدمر. دعتني صابرين إلى المكان الذي كان صالون بيتها قبل الحرب. هي في الثلاثين وتعيش مع والدتها واخواتها الخمس... جميعهن نساء، ذلك أن الوالد رحل بعد أن طلق والدتهن.
لقد لجأن إلى مدرسة الاونروا بعد أن انهار بيتهن، لكن المدير يطالبهن اليوم بالمغادرة بسبب اقتراب موعد انطلاق الدراسة.
تقول صابرين «ننام في الليل عند الأقارب أو الاصدقاء وأما في النهار، فنبقى هنا فيما يسمح لنا الجيران باستعمال حماماتهم».
كانت مجوهرات مهر أختها مدفونة تحت الأنقاض، حيث كانت تقف، وفي عينيها نظرة تحد كبيرة جدا. طلب منها المصور فريديريك سوتيرو ان تسمح له بالتقاط صورة لها، فكان له ذلك.
لقد تأثرنا جدا بمحنتها، حيث كانت بحاجة إلى أفرشة وبطانيات. اتصلت بسيرينا وهي صديقة لي تشتغل في منظمة ايطالية غير حكومية، لكنها اعتذرت وقالت إنها لا تستطيع أن تأتي بأي شيء لعائلة واحدة، وتحرم بقية العائلات منها، لان الأمور يمكن أن تتطور إلى مشادات بين المنكوبين.
خلال تغطيتي لهذا الصراع، تعودت على زيارة عائلات في حداد، لكني ولأول مرة اشعر بالقهر من شدة ما وقع، فالأمم المتحدة، أحصت 100 ألف مشرد، لكن الأمور ليست طبيعية في غزة والمساعدات لا تصل مثلما تصل إلى أي منطقة منكوبة في العالم، لان اسرائيل تمنع عن الفلسطينيين كل شيء بما في ذلك مواد البناء، ما دفع الصليب الأحمر إلى نصب مزيد من الخيام.
علق احد الجيران على الخيام بقوله «تعود بنا هذه الصور إلى عام 1948 وما رواه لنا آباؤنا، قد لا تكون الأحداث بنفس الحدة، لكن القصة نفسها تتكرر».
حمل المفوض الأوروبي المسؤول عن المساعدات الإنسانية لويس ميشال حماس المسؤولية الكاملة فيما جرى، خلال زيارة له لأحد أحياء غزة، فيما رد عليه احد الصحافيين الفلسطينيين «كيف تجرؤ على قول هذا بعد كل ما رايته؟ أنا اعرفه واعرف انه لا يتعاطف مع حماس لذا أتفهم موقفه.
غزة في 26 يناير 2009

المعكرونة ممنوعة أيضا

لا احد يجلس على شرفة فندق الديرة، فبعد مرور خمسة عشر يوما على وقف إطلاق النار، غادر غالبية الصحافيين. . كانت وسائل الإعلام الأميركية أول من حزمت حقائبها منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار من قبل اسرائيل في الثامن عشر من يناير، فيما لم تطأ قدما الصحافية كريستين امانبور، نجمة السي إن إن أراضي قطاع غزة،
كان باراك اوباما على وشك تأدية القسم في واشنطن، فيما لم تعد غزة تهم الا المراسلين المحليين والمنظمات الانسانية التي لم تتمكن من تلبية جميع احتياجات السكان من أفرشة وأغطية، سألت كاساندرا نيلسون التي تشتغل لفائدة جمعية انسانية أميركية عن أسباب بطء توزيع المساعدات، فأجابتني هذه السيدة الشابة المتعودة على زيارة الأراضي الفلسطينية بأن جمعيتها وزعت حمولة 12 شاحنة على العائلات، فيما تنتظر باقي المساعدات ترخيصا اسرائيليا لعبور معبر كرم شالوم «تلقينا الضوء الأخضر لمرور الشاحنات أمس ما عدا الشاحنات المحملة بالمعكرونة وعددها ستة، لذلك يتطلب تفريغها منا وقتا طويلا».
فوجئت من الخبر، ما المشكلة مع المعكرونة؟ تنهدت كاساندرا وقالت «صراحة الأمر غير مفهوم، طلبنا تفسيرا حول رفض عبور المعجنات الغذائية، كما طلبنا أيضا قائمة المواد الممنوعة، لكن الجيش يرفض الرد علينا».
غزة في 31 يناير 2009

حلم المدرسة الأميركية في غزة يتحطم

تتوقف كثير من السيارات المدرعة أمام احدى البنايات المدمرة، ذلك أن المرور بأطلال المدرسة الأميركية أصبح اجباريا على من يدخلون الى غزة، هذه المرة الزوار ألمان،
كان المدير رابحي سالم يجيب على كل الأسئلة من دون كلل أو ملل، احدهم تساءل عما اذا كان اطلاق النار تم من داخل المدرسة فرد عليه «كذب، لا احد من الجيران رأى مقاتلا بالقرب من المدرسة، كما أن الحارس كان هنا ليلة الهجمة، لو رأى قاذفات صواريخ بالمدرسة لهرب وترك المكان، لكن الرجل قتل خلال القصف».
يقول أستاذ الرياضيات هذا والذي درس في الولايات المتحدة الأميركية «كنت أظن بان الاسرائيليين مهتمين بمدرسة مثل مدرستنا، التي كنا ندرس فيها قيم الحرية».
تقع هذه المدرسة الخاصة في بيت لاهية في الشمال، وكانت جوهرة النظام التربوي في غزة، حيث تدرس البرنامج المدرسي الأميركي باللغة الانكليزية من الروضة الى المرحلة الثانوية، لكنها استحالت اليوم أنقاضا وركاما،
دشنت المدرسة في 28 سبتمبر 2000 حين اندلعت الانتفاضة الثانية، لكن انفجار المواجهات بين فتح وحماس دفع عديد من السكان الى المغادرة بمن فيهم قياديي السلطة الفلسطينية، لتصبح المدرسة بذلك هدفا للاسلاميين المتطرفين، الذين لا يروقهم الطابع الغربي، وعلى الخصوص الاختلاط بين الذكور والبنات،
لقد كانت جماعة «سيوف الحق» أول من أضرم النار في مبنى المدرسة، فيما أطلق تنظيم القاعدة في فلسطين قذيفتين على المدرسة عشية زيارة الرئيس الأميركي الى رام الله في يناير 2008.
أعادت المدرسة فتح أبوابها بعد الحرب في مقر يقع وسط غزة، استقبلت فيه 230 تلميذا، فيما غادر قطاع غزة 20 تلميذا ينتمون الى عائلات غزاوية ميسورة الحال، ويتمتع أفرادها بجنسية ثانية،
لقد ترك المدرسة حوالى 100 تلميذ منذ سنتين، لكن رابح سالمي ما يزال يسعى إلى تحقيق حلمه، حيث بدأ في جمع الأموال لاعادة بناء المدرسة، ...ورابح يستطيع الخروج من القطاع، حيث ذهب أخيرا الى ولاية انديانا في الولايات المتحدة الأميركية لحضور حفل تخرج احد تلامذته، انه تلميذ يقول إنه لامع جدا، وإنه سيصبح شيئا ما، وكله أمل في أن تبنى غزة من جديد.
غزة في 20 فبراير 2009

أبو حصيرة

انه مطعم يقصده كثير من الدبلوماسيين ونشطاء حقوق الانسان والصحافيين أيضا، انه أفضل مكان يقدم السمك بمختلف أنواعه ووصفاته في قطاع غزة، وأما مديره فيدعى منير أبو حصيرة.
يصطاد الصيادون في غزة في مساحة ضيقة جدا، حيث كانت المسافة المسموحة لا تزيد عن 22 كلم في عام 2000، لكنها خفضت الى 11 كلم فيما بعد لتصل الى 5.5 كلم منذ عملية الرصاص المصبوب،
لقد قتل كثير من الصيادين الذين حاولوا تجاوز هذه المسافة، حيث يؤكد الجيش الاسرائيلي أن السلاح يصل إلى غزة عن طريق البحر.
اهتدى بعض الصيادين إلى فكرة تربية الأسماك في أحواض بلاستيكية، لكن منير أبو حصيرة يرفض تقديم هذا النوع من السمك لزبائنه حيث يقول انه لن يكون أبدا بطعم سمك البحر.
ويسعى أبو حصيرة أيضا إلى الحفاظ على سمعة مطعمه بفضل السمك المصري الذي يصل عبر أنفاق رفح.
لقد أصبحت غزة ورغم ساحلها الذي يمتد على طول 40 كلم مستوردة للسمك.
غزة في 22 فبراير 2009

آخر قداس

يحيي الأب مانويل موسالم اليوم آخر قداس له. لقد قرر التقاعد بعد أن بلغ سن السبعين، ورغم تقدمه في السن، تراه يحافظ على طاقيته السوداء، التي تعوّد عليها سكان غزة.
يدير الأب مانويل المدرسة الكاثوليكية، وهي اكبر مدارس غزة، حيث يتردد عليها 1200 تلميذ من بينهم 140 مسيحيا وأما البقية فمن المسلمين.
يقول الأب مانويل ان تلاميذ قياديي حماس يتابعون دراساتهم في المدرسة الكاثوليكية، لكن حين سألته عن التوتر الداخلي الذي تعرفه المنطقة أجابني «انتم الصحافيين لا تهمكم سوى المشاكل» لكن حين تطرقت الى مسألة رحيل المسيحيين عن القطاع، قال «الجميع يريدون مغادرة غزة والمسيحيون ليسوا مختلفين عن الآخرين «..» نحن كلنا فلسطينيون».
لا تعد أبرشية الأب مانويل أكثر من 300 كاثوليكي، حيث انخفض عددهم كثيرا مقارنة بالبداية، وأما من خلفه فهو الأب الأرجنتيني جورج هرنانديز.
لا يزيد عدد المسيحيين في غزة بما فيهم اليونان الأرثوذكس عن ألفي شخص، بينما كان عددهم يقارب خمسة آلاف قبل سنوات قليلة.
وليس هذا القداس الأخير بالنسبة للأب مانويل فقط، فالكثيرون أيضا يفكرون في الرحيل، بعد ان غادر كل من حصل على ترخيص إسرائيلي لزيارة الضفة الغربية، وأما آخرون فيفضلون العيش بطريقة غير شرعية في بيت لحم أو رام الله على العيش مسجونين في غزة.
هذا الجمعة سيتم موكب الصليب داخل الكنيسة، حيث سيسير المؤمنون في الساحة وهم يغنون، حاملين صليبا خشبيا على أكتافهم. قبل فترة قصيرة كان موكب الصليب يمر عبر شوارع الأحياء الشعبية، وأما اليوم فيتم داخل الكنيسة في مجتمع بات متأسلما أكثر فأكثر.
لا احد ينسى هنا مصير رامي عياد، الذي اختطف واغتيل في أكتوبر 2007 من قبل الإسلاميين المتطرفين. لقد صدم مقتل هذا الشاب الأرثوذكسي الذي تحول إلى البروتستانتية ومدير جمعية إنجيلية الجميع، إنها أول مرة يقتل فيها مسيحي بسبب ديانته.
حينها وعدت حماس بتوقيف مرتكبي الجريمة، لكن ورغم أنها تحكم قبضتها على القطاع، ما يزال القتلة يتمتعون بالحرية.
غزة في 10 ابريل 2009

واحد يدخن والآخر لا

يعاني علي سعيد مللا قاتلا، ذلك انه يلازم البيت منذ سنتين ولا يفعل شيئا سوى تدخين النارجيلة. لقد هرب هذا الشرطي السابق من مقر قيادة القوات الأمنية الوطنية، حين اقتحمته حماس، غير أن السلطة الفلسطينية في رام ما تزال تدفع له مرتبه، فيما يحتفظ لحد الساعة بزيه العسكري.
يقول علي انه لا يفعل شيئا غير الأكل والنوم. كان يظن ان انقلاب حماس لن يستمر سوى بضعة أشهر «لم نكن نظن ان حماس ستستولي على كل السلطات وعلى الإدارات والوزارات والشرطة، إنهم يراقبون كل شيء».
يشعر علي الفتحاوي بالاختناق في هذا الجو «لقد تغيرت غزة، ماعاد الناس يجرؤون على التحدث، ذلك أن من يفتح فمه، ينتهي برصاصة في الركبة».
وأما حسن فكان ضمن المعسكر الثاني في 13 يونيو 2007، حيث كان ينتمي إلى كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس. بدأ حسن في تذكر هزيمة القوات الموالية للرئيس محمود عباس وهو جالس في مقهى يقع وسط المدينة.
في تلك الأثناء قدم له احدهم سيجارة، لكنه رفضها وقال لي «حقيقة سالت الدماء هنا، لكن كان علينا أن نضع حدا للفوضى التي كانت تسود غزة، لو لم يحصل ذلك لكانت حصيلة القتلى اكبر «..» كان علينا أن نخلص غزة من قياديي فتح، الذين كانوا يحمون العاهرات وشبكات ترويج المخدرات».
لقد عرف هذا الشاب الطويل من أين تؤكل الكتف، واغتنم فرصة علاقته بالنظام الجديد لاقتحام عالم التجارة، لقد أصبح مستوردا ومصدرا ومع ذلك لم يتخل عن رشاشته «ما أخذه الإسرائيليون منا بالقوة لا يمكن أن نستعيده إلا بالقوة، لقد اختارت حماس طريق المقاومة، وأما فتح فتفاوض منذ 15 عاما، فما الذي حصلت عليه؟
لقد فشلت كل محاولات المصالحة بين الطرفين، ويمكن أن يكون سبب هذا الفشل، مواقفهما التي لا تقبل المصالحة مع بعضها.
يتصارع كل من حماس وفتح من اجل السيطرة على الكفاح الفلسطيني، فمنظمة التحرير الفلسطينية التي يسيطر الفتحاويون على الأغلبية فيها قبلت التفاوض مع إسرائيل على مبدأ إقامة دولة فلسطينية وفق حدود 1967 بينما ترفض حماس ذلك.
لا يمكن على الإطلاق أن نصدق ان الأمور استقرت بين الضفة الغربية التي تراقبها فتح وقطاع غزة الذي تديره حماس، ذلك أن المواجهات التي وقعت خلال الأسابيع الأخيرة بين القوات الأمنية ومسلحي حماس في الضفة الغربية أسقطت عشرات القتلى. ويهدد حسن «إذا ما استمرت السلطة الفلسطينية في التحرش بنا في الضفة الغربية، فعليهم أن ينتظروا سلسلة اغتيالات تطال قيادييهم».
ولا يستبعد علي هو الآخر تجدد العنف في قوله «لقد أثارت حماس الكثير من الأحقاد، ذلك أن من فقد أخاه أو أباه سينتقم لا محالة ويوما بعد يوم ستنفجر الأمور».
غزة في 4 يونيو 2009


الحلقة العاشرة
أما آن لإسرائيل أن ترفع عن غزة الحصار؟!


Pictures%5C2010%5C08%5C11%5C0fa3db76-291c-4254-b911-b1139c1cf1d4_maincategory.jpg






12/08/2010


أيام هادئة في غزة (10) أما آن لإسرائيل أن ترفع الحصار عن غزة ؟!

Pictures%5C2010%5C08%5C12%5Ca6004658-f64b-4d90-a634-d1111510fd3a_main.jpg


المؤلف: كريم لبحور - ترجمة: سليمة لبال
كيف يعيش مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة؟ ما هي يومياتهم؟ وكيف يواجهون الحصار الاسرائيلي داخل سجن لا تفتح الا نادرا بوابتاه، سواء باتجاه اسرائيل أو مصر؟
كان على الفلسطينيين أن يواصلوا الحياة، ويصمدوا رغم الحاجة والندرة والفقر، لكن كيف السبيل الى المقاومة واسرائيل تشدد الخناق وتمنع حتى الشوكولاتة على أطفال غزة؟
هي صور كان كريم لبحور الصحافي باذاعة فرنسا الدولية وجريدة لاكروا، شاهدا عليها طيلة ثلاث سنوات قضاها في قطاع غزة منذ استيلاء حماس على السلطة والى غاية الحرب الاسرائيلية في يناير 2009.
سنغوص من خلال يوميات كريم لبحور، التي جمعها في كتاب سماه «أيام هادئة في غزة»، في عمق حياة الغزاويين، سيدخلنا الى سهرات البورجوازية السرية، كما سيروي لنا قصصا لا تنتهي عن الثأر بين العصابات أو الفصائل المسلحة، وقصصا أخرى عن نساء ثائرات يرفضن الحجاب، ومختصين في علم الفلك يحلمون بمرصد فلكي يطلع من خلاله أطفال غزة على ما يجري في السماء بعيدا عن الطائرات الحربية والصواريخ.
كما ستأخذنا هذه اليوميات أيضا الى أنفاق رفح التي يقول الصحافي لبحور إنها أضحت الدورادو المهربين، باختصار سنتقاسم خلال حلقات الكتاب الذي تقدم القبس ترجمته لقرائها، مع سكان غزة معاناتهم وأيضا أملهم في غد أفضل.
«أيام هادئة في غزة» يروي يوميات نساء ورجال ضحايا، لكنهم ليسوا ضحايا كارثة طبيعية وإنما فضيحة سياسية هي الأشنع منذ بداية القرن..

(10) أما آن لإسرائيل أن ترفع الحصار عن غزة ؟!
أفراد الشرطة المصرية يبيعون تراخيص العبور ب 3000 دولار للشخص الواحد

رغم انه تجاوز الرابعة والثمانين من عمره ورغم التجاعيد التي تغطي وجهه، فان جيمي كارتر ذهب إلى غزة، فالرئيس الأميركي الأسبق يود أن يلعب دور الوسيط بين «حماس» والولايات المتحدة الأميركية، ذلك انه مقتنع بان انضمام هذه الحركة الإسلامية إلى اللعبة السياسية هو مفتاح السلام الدائم في الشرق الأوسط.
لقد تحاور جيمي كارتر مع رئيس وزراء حماس إسماعيل هنية، عكس الوفود الرسمية التي كانت تتجاهل عند زيارتها للقطاع الجلوس مع قياديي حماس كالوفود الأميركية والأوربية، مما أثار موجة من القلق في القدس.
قبل ساعة من وصول كارتر إلى غزة، سرّب الجيش الإسرائيلي خبرا إلى صحيفة معاريف مفاده أن شرطة حماس استطاعت أن تبطل مفعول متفجرات وضعت بعناية على الطريق الذي سيسلكه كارتر، لكن هل كان هذا الخبر صحيحا فعلا أم مجرد إشاعة؟
على كل، لا احد نقل الخبر عن «معاريف» ولم تشهد الزيارة سوى حادثة واحدة كان بطلها شيخ من عزبة عبدربه، أصيب بحالة من الغضب الحاد عند مرور موكب الرئيس الأسبق فصار يصرخ «لسنا في حديقة حيوانات ولسنا حيوانات تقومون بزيارتها!»، لكن سرعان ما تم استبعاده.
علق الرئيس كارتر على الموقف بقوله «أتفهمه، لو كنت مكانه، لكنت تصرفت على المنوال نفسه».
منذ نهاية عملية «الرصاص المصبوب» التي قادتها إسرائيل، زار الكثير من الشخصيات قطاع غزة، مثل: بان كي مون والأميركي جون كيري والأوروبي لويس ميشال والايرلندي جيمي أدامس وبرلمانيين وصحافيين من كل دول العالم، لقد جاءوا للاطلاع على معاناة سكان غزة، الذين أجبروا منذ ستة أشهر على الإقامة في مجموعة خيام.
كان زوار غزار ملزمين أيضا بزيارة ما تبقى من المدرسة الأميركية التي تحولت إلى ركام، فهذه المدرسة التي يتردد عليها غالبية أبناء قطاع غزة انهارت بأكملها بفعل الصواريخ الاسرائيلية.
حين زار جيمي كارتر أطلال المدرسة، اخذ صورة لها بواسطة كاميراته وقال انه سيريها الرئيس اوباما، وأما أمام وسائل الإعلام فقال «إنهم يعاملون الفلسطينيين وكأنهم حيوانات وليسوا بشرا».
التقى كارتر فيما بعد إسماعيل هنية، الذي دعا الصحافيين لحضور مؤتمر صحفي مشترك بين الرجلين، لكن يبدو أن قرار هنية دعوة الصحافة لمؤتمر صحفي مشترك، أزعج هذا الديموقراطي القديم الذي يبدو أنه رفض في الكواليس عقد المؤتمر الصحفي مع هنية، معلقا بـ «لم اعقد مؤتمر صحفيا مشتركا مع خالد مشعل في دمشق ولن أعقده هنا»، لكن كارتر تنازل في النهاية، وفي المقابل جدد إسماعيل هنية التزام حماس بقبول إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، لكنه تجنب التطرق إلى إسرائيل.
عبر هنية عن ابتهاجه كثيرا لحضور الرئيس الأميركي الأسبق، الذي اعتنى البروتوكول بوضع العلم الأميركي خلف مقعده إلى جانب العلم الفلسطيني، وهو ما اعتبره احد الصحافيين الفلسطينيين تقدما حقيقيا، على اعتبار أن حماس متعودة على حرق العلم الأميركي وليس رفعه.
غزة في 16 يونيو 2009.

تهديد الإنفلونزا

بدأت انفلونزا الخنازير تهدد قطاع غزة بعد ان تأكدت اصابة ثلاثة اشخاص في رام الله وبيت لحم، وارتفع عدد المصابين الى خمسة في الضفة الغربية.
في تلك الاثناء، اعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس استعدادها لمواجهة الوباء، لكن الجميع، كانوا يتساءلون كيف، خاصة ان عدد المستشفيات محدود في القطاع، والحل الوحيد امام المصابين هو نقلهم اما الى اسرائيل واما الى مصر.
تجاوز عدد المصابين بالانفلونزا المكسيكية في اسرائيل المائة، حيث خضع الجميع للتحاليل بمن فيهم الرئيس شيمون بيريز، خاصة بعد ان صافح مجموعة من المراهقين الاميركيين، تبين اصابة بعضهم فيما بعد.
لم يكن سكان غزة الممنوعون من الخروج باتجاه اسرائيل او مصر، يشعرون بالخوف من الانفلونزا التي باتت تهدد العالم بأسره، ذلك ان الحصار الذي يعانون منه اليوم، لم يعرف التاريخ مثيلا له ابدا.
غزة 17 يونيو 2009

في غزة يتحول الحمار الى حمار وحشي

ليس هناك شيء اسهل من ان يكون أمامك حمار وحشي، ما عليك سوى ان تقوم بطلائه بخطوط بيضاء. هذا ما فعله مدير حديقة الحيوانات في غزة بعد ان توفي الحماران الوحشيان اللذان تملكهما الحديقة خلال الهجوم الاسرائيلي.
منذ ذلك الحين لم يتوقف الاطفال عن المطالبة برؤية الحمار الوحشي. كان بمقدور مدير الحديقة ان يستنجد بخدمات انفاق التهريب للحصول على قرود ونعامات وتماسيح، لكن العملية تتطلب مبالغ طائلة، لذلك اهتدى الى فكرة صبغ الحمير البيضاء بصبغة الشعر بعد ان قرأ عن ذلك في الانترنت.
لقد دمرت الهجمات الاسرائيلية حديقة الحيوانات التي تقع في حي الزيتون، شرق غزة، حيث اصابت الصواريخ جمالا واحصنة، فيما قتلت القردة برصاص الجنود داخل اقفاصها، وعثر على اسد ولبؤة في حمامات الحديقة ويبدو ان الجنود الاسرائيليين فتحوا قفصهما قبل ان يغادروا الحديقة، حتى يهجما بدورهما على سكان غزة.
غزة في 20 اكتوبر 2009

الكبش الأسود

ركبت سيارة اجرة باتجاه خانس يونس. وخان يونس هو تجمع سكاني لحوالي 200 الف ساكن وهو ايضا ملاذ الجماعات الفلسطينية المسلحة والحركة السلفية.
كانت ماجدة مديرة جمعية الثقافة والفكر الحر تنتظرني، انها المرأة الوحيدة غير المحجبة في خان يونس، لقد قالت لي انها لا تجرؤ على دخول الوزارة لتجديد وثائقها الشخصية لان الحراس لا يسمحون لها بالدخول بسبب عدم ارتدائها الحجاب.
انقطعت الكهرباء في ذلك اليوم، لذلك شربنا الشاي في عريشة البيت في ضوء الشموع. تحدثنا عن حماس وعن اوضاع المدينة وعن زملاء الدراسة الذين اصبحوا اسلاميين ملتحين يرتدون الجلبية الطويلة وهو اللباس الذي يفضله مناصرو حماس واما السلفيون فهم ملتحون لكنهم يرتدون جلابيات قصيرة.
ماجدة هي امرأة حرة ومثقفة لكنها محبطة «احلم بالمتاحف والثقافة والخروج وشرب الخمر، اشعر باني اصبحت غبية في غزة».
تقول ماجدة انها تطلب ترخيصا للخروج من قطاع غزة كل ثلاثة اشهر لكن طلباتها ترفض كلها. لا فائدة من انتظار تفسير من السلطات الاسرائيلية التي تمنع خروج اي فلسطيني شارك في اي اجتماع سياسي او فقد احد افراد اسرته برصاص الجيش الاسرائيلي خوفا من اي عملية انتقامية، فيما يتمكن بعض الفلسطينيين من شراء رخصة الخروج من افراد الشرطة المصرية مقابل 3000 دولار للشخص الواحد.
لا تجد ماجدة ملاذا آخر لما تعيشه في غزة غير الكتب التي تعتبرها الوسيلة الوحيدة للهروب، حيث كانت تصلها عبر البريد بعد ان تطلبها عن طريق شبكة الانترنت.
تقول ماجدة ان الجيش الاسرائيل كان يفتح كل طرد يصلها ويسمح بمروره، لكن منع ذلك منذ العمليات العسكرية الاخيرة، لذلك وعدتها بمجموعة كتب خلال رحلتي المقبلة.
نصحتني ماجدة بتجنب الاغلفة التي تحتوي على ايحاءات ذلك ان جمركيا من حماس صادر كتاب احدى صديقاتها بسبب صورة القبلة التي تظهر على غلافه.
وتكنُّ هذه المناضلة، الشيوعية سابقا، الكراهية للسلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس وحماس على حد السواء «غالبية اصدقائي غادروا، حتى تعيش في غزة عليك ان تطأطئ الرأس وتبقى ضمن القطيع، لكن في كل القطعان، هناك دوما كبش يتسكع في الخلف ولا يريد الدخول في الصف، هذا الكبش هو انا».
غزة في 21 اكتوبر 2009.

الحياة في المريخ

في شارع عمر المختار، ابرز شرايين غزة، تنقطع الكهرباء لساعات طويلة ولا يستمتع السكان بها إلا بضع ساعات في اليوم سواء في الصباح او بعد الظهر.
في هذا الشارع تتقاطع النساء اللاتي يرتدين النقاب مع اللاتي يرتدين الجينز الضيق ويضعن الماكياج، فيما لا يغطي سوى «ايشارب» ملون شعرهن.
في ذلك اليوم، اغتنم عدد من الطلبة فرصة توفر الاتصال بشبكة الانترنت في مقهى مزاج للاطلاع على ما يجري. بدا لي وكأني في بيروت أو عمان لولا آثار الهجوم الإسرائيلي على واجهة المحل، التي تذكر الواحد بأنه في غزة، وليس مكانا آخر.
في الطاولة المجاورة جلس رجل أمام جهاز كمبيوتر عليه علامة وكالة الناسا. عرفته انه سليمان بركة، هذا المتخصص في علم الفلك الذي التقيته في صيف 2008، حين كان يود مغادرة غزة عبر البحر.
كان بركة ممنوعا من اجتياز معبر ايريز، لكنه تمكن من المغادرة إلى الولايات المتحدة الأميركية عن طريق مصر، كان قد عاد لتوه بعد ان قضى عاما في الوكالة الفضائية الأميركية.
فقد سليمان ابنه إبراهيم (11 عاما )خلال الحرب الأخيرة اثر سقوط صاروخ على سقف بيته في خان يونس. وخلال لقائي معه تحدثنا عن دراساته عن الرياح الشمسية وعن المرصد الذي يود إقامته لأطفال غزة، تخليدا لذكرى ولده «لو سألت الأطفال هنا عما يوجد في السماء، يجيبون: المروحيات وطائرات الاباتشي والــ «إف 16»، أريد أن أبين لهم بأنه بإمكانهم ان يروا النجوم والكواكب».
لقد وهب الاتحاد الدولي لعلم الفلك، منظارا فلكيا لسليمان بركة، لكنه متردد بشأن وضعه فوق سقف بيته، لان الإسرائيليين يمكن أن يردوا بحسبه بصاروخ، لذلك نظم قبل فترة لقاء علميا لزملاء ابنه في المدرسة لاكتشاف القمر وكوكب المريخ.
سأل الأطفال سليمان إن كان بمقدورهم العيش على المريخ فابتسم «السماء هي الحدود الوحيدة المفتوحة بالنسبة الينا، لذلك على الأطفال أن يعرفوا ان العالم لا ينتهي عند بيت حانون أو رفح».
يود سليمان أن يفتح قسما للفيزياء الفلكية في جامعة الأقصى، ولم لا مختبرا لدراسة الحقل المغناطيسي الأرضي؟! فهذا الرجل الأكبر ضمن عائلة تتألف من 14 طفلا واب اشتغل طويلا جزارا في خان يونس، يدرك ان لا شيء مستحيل.
غزة في 22 أكتوبر 2009.

رياضيات

ماذا يعني الحصار المفروض على قطاع غزة منذ يونيو 2007؟ الجواب قدمه الجيش الإسرائيلي نفسه، فمكتب الاتصال التابع للجيش يعلن يوميا عدد الشاحنات التي سمح بدخولها ويبعثها عن طريق الرسائل الالكترونية أو الهاتفية لكل المراسلين الأجانب، كما تمكن متابعة كل المعلومات على «تويتر» أو موقع وزارة الدفاع الإسرائيلية التي تسمح بمعرفة حركة البضائع في معبر كرم شالوم بفضل العديد من الكاميرات.
وبما أن السلطات الإسرائيلية تقول انها لا تفرض حصارا على قطاع غزة فهذه الأرقام تبين ما دخل إلى القطاع في الفترة الممتدة ما بين 14 و20 مارس:
-15 مارس: عبور 64 شاحنة مساعدات وتموين بالبنزين والغاز الطبيعي إلى غزة اليوم.
-16 مارس: عبور 160 شاحنة مساعدات وتموين بالبنزين والغاز الطبيعي إلى غزة.
-17 مارس: عبور 93 شاحنة مساعدات وتموين بالبنزين والغاز الطبيعي إلى غزة.
في المجموع دخلت إلى قطاع غزة 527 شاحنة بضائع ومساعدات إنسانية وبنزين وغاز طبيعي في هذا الأسبوع والأرقام أكدتها الأمم المتحدة، ووفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية فان عدد سكان غزة يبلغ 1499339 نسمة وفق تقديرات مايو 2009.
وهذا ما يعني أن كل شاحنة مخصصة لــ 2845 نسمة، إذا ما قسمنا عدد السكان على عدد الشاحنات، أو شاحنة يوميا لكل 19919 نسمة.
تفتقر غزة لأي موارد طبيعية، لذلك تعتمد على المواد المستوردة ولكم أن تتصوروا كيف يمكن أن يأكل ويلبس ويدفأ ويعالج 20 ألف ساكن بشاحنة بضائع واحدة يوميا!
قبل الحصار، كانت غزة تستفيد من دخول 2807 شاحنات يوميا، ورغم ذلك توقف 95 في المائة من المصانع والشركات عن العمل بسبب انقطاع التيار الكهربائي لفترات تتراوح ما بين 8 و12 ساعة يوميا.
رغم كل ذلك، صمد سكان غزة، الذين باتوا يعيشون على ما يستقدمه المهربون من بضائع عن طريق الإنفاق، لكن بأسعار باهظة جدا مقابل نوعية رديئة جدا. ولا يملك سكان غزة خيارا آخر غير التهريب ذلك أن إسرائيل تمنع دخول أي شيء لغزة سواء عن طريق البر أو البحر أو جوا.
لقد أصبح معبر كرم شالوم القريب من الحدود المصرية منذ عملية الرصاص المصبوب، ابرز نقطة عبور للبضائع باتجاه غزة بعد أن أُغلق معبرا ناحال عوزا وكارني. لكن هل تستطيع مصر أن ترفض طويلا أن تصبح نقطة عبور بديلة لغزة؟
غزة في 23 مارس 2010

انتهى


 
أعلى