انت شايفني ناقصة رجل ولا إيد... ولا يمكن عورة ولا خرسا. ولا |\@!ّ!×# .. زينات صدقي

التباب

Active Member
طاقم الإدارة
الدنيا لما تضحك

كتب الخبر: ماهر زهدي

بنت بحري زينات صدقي

( 18 )

كما كانت مسرحية «الدنيا لما تضحك» بداية مرحلة جديدة لنجيب الريحاني، على المستويين الفني والمادي، جاءت لتمثل عنواناً عريضاً من النجاح لزينات صدقي، فقد بدأت الدنيا تضحك لها فعلاً.

أصبح لزينات صدقي اسم يعرفه على الأقل المحيطون بها من الوسط الفني، أصبح لها دخل معقول، وشقتها التي كانت تفترش وتلتحف فيها بملابسها، بدأت تمتلئ بالأثاث والمفروشات، حجرتها وحجرة والدتها، والأهم حجرة نادرة التي أصبحت تناديها «ماما زينات».

نجاح مسرحية «الدنيا لما تضحك» أزال سوء التفاهم بين الريحاني والجمهور، وزاد من حماسه لتقديم عمل جديد يزيد من رضاء الجمهور عنه، فقرر استحضار روح «كشكش بك» بعد هجرها سنوات، تلك الشخصية التي كانت سبباً في شهرته وانتشاره.

بدأ الريحاني موسمه الجديد في 23 فبراير 1935 بمسرحية «الدنيا جرى فيها إيه» حيث يعود كشكش إلى القاهرة مع صديقيه «شيخ الغفر زعرب» الذي تخصص في تجسيد شخصيته الفنان عبد اللطيف المصري، و{الشيخ ينسون» الذي جسده الفنان بشارة واكيم، غير أن الريحاني تناول كشكش هذه المرة من زاوية أخلاقية، لم يدعه يتوه كالعادة في القاهرة، بل قرر أن يعود في نهاية المسرحية هو وصديقاه، إلى بلده «كفر البلاص» نادماً على ما فعله.

في مسرحية «الدنيا جرى فيها إيه»، تقدمت زينات خطوة جديدة، وللمرة الأولى يسمح لها الريحاني بأن تشارك في استعراض غنائي راقص، إلى جانب دورها في المسرحية، استطاعت من خلاله زينات استعادة مواهبها القديمة في الغناء والرقص، ما كان يجعل لها استقبالاً خاصاً لدى الجمهور كل يوم، وجعلها تشعر بسعادة فنية لم تتذوقها سابقاً. غير أن سعادتها لم تدم طويلاً، حيث سقط نجيب الريحاني مريضاً، ونصحه الأطباء بعدم الوقوف على خشبة المسرح نهائياً إلى حين تمام شفائه، ما انعكس بالطبع على فرقته التي اعتبرت نفسها في إجازة شبه مفتوحة حتى شفاء الريحاني وعودته إلى المسرح.

كان ذلك فرصة لتقوم زينات بالتقاط أنفاسها والتفرغ بعض الوقت لوالدتها وابنة شقيقتها نادرة، وقررت القيام برحلة إلى الإسكندرية، خصوصاً أن فصل الصيف كان قد بدأ، لزيارة شقيقاتها والاستجمام بعض الوقت.

خشيت زينات أن تفكر شقيقتها سنية في الإبقاء على ابنتها نادرة في الإسكندرية. لكن حتى لو فكرت في ذلك، فثمة أكثر من سبب سيمنعها، أولها نادرة نفسها التي لم تعد تقبل العودة إلى الإسكندرية وترك منزل خالتها في القاهرة، بعدما تعلقت بخالتها بشكل كبير، وأصبحت تناديها «ماما زينات». السبب الثاني والأهم، أن نادرة لم يعد لها مكان في بيت والديها، فكيف يمكن أن تترك بيتاً لها فيه غرفة بمفردها، محور اهتمام الجميع، لا يوجد غيرها تفكر فيه زينات ووالدتها، قبل أن تطلب الشيء تجده أمامها. أصبحت أمنياتها وأحلامها كطفلة مجابة ومحققة، فكيف تترك كل ذلك وتذهب لتزاحم أشقاءها في بيت والديها، الذين مهما كان ما يعيشون فيه فلن يصل إلى ما هي فيه. غير أن زينات لاحظت تبدل حال شقيقتها سنية، وإن لم يكن أفضل من أحوال بقية شقيقاتها، لكن سنية هي الأقرب لها في السن والتفكير... والشكل أيضاً:

* إيه يا سنية مالك يا أختي عاملة كدا ليه؟ دا أنت يا بت أصغر مني وتباني كأنك أمي.

= بسم الله ما شاء الله عيني عليك باردة يا أختي... اسكتي ما يحسد المال إلا أصحابه.

* بلا كلام فاضي... أنا قصدي أقولك أنت عاملة كدا ليه في نفسك؟

= عاملة إيه ما أنا كويسه أهو.

* كويسة إيه دا أنت حالك عدم.

= أقولك إيه بس يا أختي. مش عايزة أشيلك هم. كفاية اللي أنت فيه وشغلك.

* يا حبيبتي أحنا مالناش غير بعض. عايزاك تفضفضي. قولي اللي أنت عايزاه. لو محتاجة أي حاجة قوللي.

حزنت زينات لما وجدت عليه حال شقيقتها سنية وإهمالها لنفسها وصحتها، فعرضت عليها أن تصطحب معها طفل آخر من أولادها ليعيش معها في القاهرة، أو أن تأتي شقيقتها وزوجها وأولادها يعيشون معها ووالدتها في القاهرة:

* أنا مش شايفة أن فيها حاجة. وأهو واحد زي اتنين زي عشرة.

= يا أختي كفاية عليك نادرة... وبعدين أنت هتلتفتي لشغلك ولا هتربي وتهنني.

* هاربي إيه. دول ما شاء الله كبروا. نادرة بقت آنسة أهي عدت التلات سنين.

= كتير كدا عليك يا أختي... كفاية اللي بتبعتيه ليا ولكل أخواتك وولادهم وكمان نادرة زي ما بتقولي بتكبر. وبرضه مصاريفها بتكتر.

* شوفي أنا عايزة أقولك حاجة. أوعي تفتكري أني بعمل فيكم معروف وأنتو لأ... زي ما بعمل معاكم بتعملوا معايا... ما تعرفيش وجود نادرة مالي عليا البيت إزاي... محسساني إني عايشة... ماتعرفيش كمية الحب والحنان اللي بتدهملي نادرة... وما تبقيش بخيلة بقى وزوديهم شوية. يا إما تيجو كلكم تعيشوا معايا في مصر أنا وأمك. وأهو البيت يساع ألف.

= كتر خيرك يا أختي. كتر ألف خيرك. الحمد لله حتى وأنت قاعدة في مصر وأحنا قاعدين هنا. خيرك مغرق الكل.

شعرت سنية بما تريد زينات أن تفعله معها مثلما تفعل مع كل شقيقاتها، غير أنها لم ترد أن تزيد من أعباء شقيقتها، فلم توافق على أخذ زينات لأي من أولادها واكتفت باستمرار نادرة معها.

لقاء الأصدقاء

التقى إسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي مع زينات صدقي في شقتها، كان لقاء حميماً فعلى رغم أنها المرة الأولى التي يلتقي فيها الثلاثة معاً في جلسة صداقة، فإن كلاً منهم فتح قلبه أمام الآخر، فاكتشف إسماعيل وعبد السلام أن زينات تجلس بلا عمل، فأخذ كل منهما على عاتقه البحث لها عن عمل.

كان النابلسي قد بدأ تصوير فيلم سينمائي جديد بعنوان «الهارب» بطولة بدر لاما وفاطمة رشدي وامتثال فوزي ومارغريت صدقي، كتب له القصة والسيناريو والحوار إبراهيم لاما مع السيد حسن جمعة، تصوير إبراهيم لاما وإخراجه.

لم يكن عبد السلام النابلسي من هواة العمل على المسرح، بل كان عاشقاً للسينما، ويجري خلفها حتى لو كان مجرد مشهد واحد، لذا رفض عرض فاطمة رشدي بطلة الفيلم العمل معها على خشبة المسرح، غير أنه تدخل كي تلتحق زينات صدقي بالعمل في فرقتها، فرحبت فوراً، لتنضم زينات إلى فرقة فاطمة رشدي التي كونتها بمفردها بعدما انفصلت عن زوجها المخرج عزيز عيد:

= أهلا زينات. عبد السلام بيقول كلام حلو أوي عنك وحبيتك أكتر لما عرفت أنك بلدياتي من إسكندرية مش كدا.

* ربنا يخليك يا ست الكل. أنا مش عارفة أشكرك إزاي.

= المسرح قدامك أهه أشكريني بشغلك على المسرح. يلا وريني الهمة.

* هو بس فيه حاجة أنا كنت عايزة أقولها بس علشان تبقي ما تزعليش.

= قولي يا حبيبتي ما يهمكيش.

* أني أنا بس ماضية عقد مع فرقة الأستاذ نجيب الريحاني.

= وماله يا حبيبتي. أنت تشتغلي لحد أما نجيب يرجع بالسلامة.

عودة للريحاني

عملت زينات في فرقة فاطمة رشدي بشكل موقت لتستطيع أن تعيش، غير أن وجودها في فرقة فاطمة لم يستمر طويلاً، إذ عاد نجيب الريحاني من مرضه وسمح له الأطباء بالوقوف على خشبة المسرح مجدداً، وبدأ فعلاً في أكتوبر 1935 الاستعداد للموسم الشتوي، غير أنه لم يبدأ في تحضير أعمال جديدة، بل فضل إعادة عدد من الأعمال السابقة إلى حين تجهيز عمل جديد، فحرص على ألا يكون منفصلاً عن القاعدة الجماهيرية والشعبية، منغمساً في همومها.

في ظل التوترات الاجتماعية التي تهز المجتمع المصري، اختار الريحاني عملاً يعكس الاضطرابات السياسية والاقتصادية الموجودة، فكتب وبديع خيري مسرحية «حكم قراقوش» لتكون إسقاطاً مباشراً على الاستبداد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مصر، فهي تسخر من فؤاد، ملك مصر وحاشيته، خصوصاً رئيس الوزراء إسماعيل صدقي الذي تولى منصبه عام 1930، ليقضي على النظام الديمقراطي تماماً، حيث ألغى دستور 1923 واستبدل به دستوراً آخر أطلق فيه يد الملك في الحكم، وعدل النظام الانتخابي وأخضعه لرقابة صارمة، كذلك حرم البلاد من أي مظهر للحياة البرلمانية أو الديمقراطية السليمة، ولم تكن الأحزاب المتشاحنة تجرؤ على الثورة خشية أن يؤدي ذلك إلى مزيد من التدخل البريطاني، لتظل مصر ممزقة بين الملك ورئيس الوزراء والإنكليز ومختلف الأحزاب ذات المطامع السياسية، ويبقى الجميع منغمسين في الصراع على السلطة، متناسين شقاء الجماهير وبؤسها.

من هذا الصراع السياسي الذي شكّل هوة كبيرة بين الحاكم والمحكوم، ولدت الفكرة الأساسية لمسرحية «حكم قراقوش» التي تشبه أوبريتات «ألف ليلة وليلة» التي كان سبق وقدمها الريحاني مثل «لو كنت ملك، ياسمينة، نجمة الصبح».

تدور أحداث «حكم قراقوش» حول «بندق» الإنسان الفقير سيئ الحظ الذي يجد نفسه بتدخل من القدر في قصر السلطان حيث يؤدي دور الحاكم لفترة قصيرة. إلا أن «حكم قراقوش» تختلف تماماً في تأثيرها عن هذه الأوبريتات، فهي مشبعة بأفكار وأساليب فنية تسمو بها إلى مصاف الكوميديا الراقية، كذلك لا تشتمل على رقص وأغان، لكن المعالجة التاريخية البارعة كانت تدعم واقعية المسرحية وتؤكد طابعها المحلي، خصوصاً أن الخلفية التاريخية للعمل تتناسب ومسرح الريحاني الذي يتناول المواطن المصري المطحون، أضف إلى ذلك أن عبارة «حكم قراقوش» تعد كناية مصرية شائعة عن الاستبداد السياسي.

شاركت زينات في المسرحية التي لاقت نجاحاً كبيراً، ليس على المستوى الجماهيري، بل على المستوى النقدي أيضاً، حيث كانت فرصة كبيرة كي يرى النقاد والصحافيون كل من شاركوا في هذه المسرحية بنظرة جديدة ومختلفة، الأمر الذي حقق مكسباً أدبياً كبيراً للريحاني وفرقته أنساه الخسارة المادية. إلا أن المسرحية جاء فيها انتقاد لاذع للنظام السياسي، بل لملك مصر نفسه، ما جعل إدارة «المطبوعات» الخاصة بالرقابة على الأعمال الفنية تتخذ قراراً بغلق مسرح الريحاني لمدة ثلاثة أشهر. غير أن ذلك لم يفت في عضده، وانتظر مرور الأشهر الثلاثة حتى أعيد فتح مسرحه، وقدم مجدداً مسرحية «حكم قراقوش» من دون حذف كلمة منها، وقبل أن يتم تأديب الريحاني مجدداً توفي الملك فؤاد وتولى عرش مصر نجله الملك فاروق، بتاريخ 28 أبريل 1936، ولأنه كان قاصراً تم تشكيل مجلس وصاية ترأسه ابن عمه الأمير محمد علي باشا توفيق كونه أكبر أمراء الأسرة العلوية سناً.

خلال هذه المرحلة الانتقالية، وجد الريحاني أن من المناسب الانتظار وعدم تقديم أعمال مسرحية جديدة إلى حين اتضاح الرؤية، فوجد أن من المناسب أن يقبل عرضاً جديداً في السينما، ليقدم فيلماً جديداً مع المخرج ألكسندر فاركاش، بعنوان «بسلامته عاوز يتجوز». كتب القصة والحوار بديع خيري، وشارك في كتابة السيناريو مع «ماكس هراري».

اهتمام خاص

حرص الريحاني هذه المرة أن يختار كل من يشاركونه في الفيلم بنفسه، فضم غالبية أعضاء فرقته إلى الفيلم، خصوصاً أن أحداث الفيلم مستقاة من عمل مسرحي سبق وقدمه عن «كشكش بك»، حيث اختار بطلة الفيلم من خارج الفرقة، وهي الفنانة عزيزة أمير، وإلى جانبها ضم عبد الفتاح القصري، بشارة واكيم، زينب صدقي، حسن فايق، ماري منيب، ومحمد الديب، ثم حرص أن يجلس مع بديع خيري ليكتب خصيصاً دور زينات صدقي:

= بقلنا فترة ما شتغلناش يا زينات.

* معلش يا أستاذ ربنا يروق الحال.

= فاكرة الفيلم اللي كان مفروض تشتغلي معايا فيه في باريز وما حصلش نصيب.

* أيوا طبعاً... فيلم ياقوت.

= كويس. أنت فاكرة أهو... أنا بقى هعوضك عنه... إيه رأيك هتشاركي معايا في فيلم جديد «اسمه بسلامته عايز يتجوز».

* معقول يا أستاذ... دا شرف كبير ليا.

= خدي. دا دورك في الفيلم... أنا كتبته أنا وبديع مخصوص علشانك ودي ما حصلتش قبل كدا. دا بس علشان أعوض المقلب بتاع «ياقوت».

* ربنا يخليك يا أستاذ. إن شاء الله هكون عند حسن ظنك.

=أنا متأكد. أقري الدور ولو شايفة أننا ممكن نضيف حاجة قوللي.

* أضيف حاجة بعدك يا أستاذ... عمرها ما هتحصل.

= لا مش القصد. بس الدور دا بالذات أنا عارف أنك ممكن تضيفي له.

قدمها الريحاني في الفيلم في دور «خادمة ريفية» تعمل لدى «كشكش بيه» عمدة كفر البلاص، لكنه ينصرف عن شؤون البلدة إلى شؤونه الخاصة وهو رجل مزواج ويكلف سكرتيره «عزت» بالبحث له عن «عروس» من القاهرة، وعندما يوفق في اختيارها يلحق به «كشكش» إلا أن زوجته تعلم وتتفق مع خادمتها (زينات صدقي) على إفساد الزيجة. تتفق الخادمة بدورها مع أحد المعاونين لإفساد الزواج، فيضع الرجل معلومات أمام «عزت» من شأنها عدم إتمام زواج هذه السيدة من العمدة، فيدعي أن الفتاة سيئة الخلق هي وأهلها، ومن ناحية أخرى يؤكد لوالد الفتاة أن العمدة غارق في الديون ومتزوج من أكثر من سيدة، حتى ينجح فعلاً في خطته هو والخادمة ويعود العمدة إلى «كفر البلاص» من دون أن يتزوج. أثبتت زينات مقدرة كبيرة كممثلة على شاشة السينما، في الوقت الذي تقلص فيه وجودها على خشبة المسرح، حيث عاود الريحاني منح الفرقة إجازة. غير أن زينات كانت قد استوعبت الدرس كي لا تجلس في بيتها خلال هذه الفترة، وسعت إلى العمل مع يوسف بك وهبي في فرقة «رمسيس»، الذي رحب بها بعدما أصبح لها وجود، ليس في المسرح بل على شاشة السينما، بعد فيلمها مع الريحاني الذي اعتبرته بدايتها الحقيقية من حيث مساحة الدور والحوار والأداء، وهي الأسباب نفسها التي دفعت المخرج كمال سليم إلى اختيارها، ورشحها لتشارك معه في فيلم سينمائي جديد.

كتب كمال سليم فيلم «وراء الستار» وأخرجه، ورشح لبطولته رجاء عبده، عبد الغني السيد، مختار عثمان، عبد السلام النابلسي، تحية كاريوكا، رئيسة عفيفي، بديعة صادق، وزينات صدقي التي أسند إليها أيضاً دور خادمة بعدما برعت في الدور في فيلم «بسلامته عايز يتجوز» وإن كانت الخادمة هذه المرة في القاهرة وتعمل لدى راقصة. غير أن الراقصة تسببت في إفلاس «كازينو الفردوس» الذي يشرف مالكه «كامل بك» على الإفلاس بسبب مطالبها وجوعها للمال والألماس، لولا عثوره على مطرب له صوت رائع يضع له أوبريتاً جديداً ينفذه، فينقذ «الكازينو» من الإفلاس.

لم ينجح الفيلم النجاح المأمول، خصوصاً أن ثمة حالة من الفرح قد عمت البلاد، وانتشرت الاحتفالات في أرجاء مصر، بسبب جلوس الملك الشاب فاروق على عرش مصر، فبعدما استمرت مدة الوصاية ما يقارب السنة وثلاثة أشهر، إذ إن والدته الملكة نازلي خافت بأن يطمع الأمير محمد علي في الحكم ويأخذه لنفسه، فأخذت فتوى من شيخ الأزهر، محمد مصطفى المراغي، بأن يحسب عمره بالتاريخ الهجري، وأدّى ذلك إلى أن يتوَّج ملكاً رسمياً بتاريخ 29 يوليو 1937 وتعيين الأمير محمد علي باشا ولياً للعهد.

عمارة الأصدقاء

عانت زينات من عدم العمل لما يزيد على الشهر، بعد غلق مسرح الريحاني بسبب مرضه، ما جعلها تعيش حالة من الاكتئاب لم يخرجها منها سوى الصدفة وحدها، التي قادت إسماعيل ياسين إلى العمارة التي تسكن فيها، حيث وجدته يقف أمام باب شقتها:

* الله... إسماعيل ياسين. إيه المفاجأة الحلوة دي... أهلا أهلا.

= أزيك يا زينات إيه النور دا.

* تعال أتفضل يا سمعة.

= آجي فين.

* هنا.. شقتي هنا.

= أما صدفة بس غريبة بشكل.

* صدفة. أنا كنت فاكرة أنك جاي تزورني.

= وأنا اعرف منين أنك ساكنة هنا. أصل أنا سكنت هنا في العمارة من حوالي شهر. بس في الدور اللي تحت.

* معقول. صدفة حلوة أوي... أمال طالع هنا ليه لما أنت مش عارف أني ساكنة هنا.

= أنا كنت طالع للبانسيون اللي قدامك دا أصل فيه واحد صاحبي نازل فيه. أكيد أنت عارفاه.. عبد السلام النابلسي.

* أنت النهاردة بتقول مفاجآت يا سمعة. عبد السلام النابلسي ساكن هنا. أنا طبعاً ماعرفهوش... بس سمعت عنه في السينما.

= خلاص تعالي نشرب قهوة سوا وتتعرفي عليه.

* عيب عليك. ندخل البانسيون نشرب قهوة وأنا شقتي هنا. لا هاته وتعالوا أشربوا القهوة عندي.

(البقية في الحلقة المقبلة)

الجريدة الكويتية في

27/07/2013










images





images





images
 
التعديل الأخير:

التباب

Active Member
طاقم الإدارة
ظلموني الحبايب

كتب الخبر: ماهر زهدي

بنت بحري زينات صدقي

( 19 )

لم تستفد زينات صدقي استفادة مادية كبيرة من فيلم «وراء الستار»، ولم تقدم جديداً من خلال الدور. جسدت دور الخادمة أيضاً، لكنها استفادت استفادة من نوع آخر، بعدما التقت بشخصية مهمة أثناء تصوير الفيلم، حرص على أن يقدم لها نفسه، رغم أنه الأكثر شهرة والأكثر نجومية بالنسبة إليها.

في كواليس فيلم «وراء الستار» التقت زينات صدقي بالفنان الكبير سليمان نجيب، ذلك الفنان الذي لطالما سمعت عنه وعن كرم أخلاقه وطيبة قلبه، وكم الحب الذي يحمله في داخله كبيراً، ليس لأحد بعينه بل لكل من يعرفه أو يقترب منه، لم يكن ينتظر أن يطلب منه أحد المساعدة، لأنه كان يبادر دائماً بالمساعدة في أشكالها كافة، مادية ومعنوية ونفسية، والأهم المساعدات الفنية، من دون أن يشعر من أمامه أنه أفضل منه وأنه يتفضل عليه باستكمال نقيصة فيه. بل ربما وصل الأمر إلى أنه كان يُشعر أحد تلامذته بأنه يتعلم منه، وعندما يتقدم إلى زميل له يتعرف إليه، يُشعره بأنه يعرفه منذ سنوات، وهو ما فعله مع زينات.

= إيه الحلاوة دي يا كتكوتة. طبعاً نت مش عارفاني. أنا يا ست الكل اسمي سليمان نجيب.

* إزاي بقى؟ في حد في مصر ما يعرفش سليمان بيه.

= عال عال... شوفي بقى يا بنت أنت. قبله أنا عايز أقولك إن اللي بحبه باخد عليه دوغري وبكلمه كأني أعرفه من زمان... فاسمحي لي أقولك يا بنت. صحيح أنا أكبر منك بحوالى ميه ميه وخمسين شهر... بس دول يعني كلام فاضي.

* أنت تقول اللي أنت عايزه.

= أنا يا ستي بقالي فترة بدور عليك. من ساعة ما شفتك مع الريحاني في الفيلم بتاعه «بسلامته عايز يتجوز» وإن كان بسلامته لحد دلوقت مش عارف يتجوز... علشان أهنيك على براعتك في الدور اللي عملتيه. أنت هايلة وعندك موهبة بجد. بس محتاجة حد يخرج الموهبة دي من جواكي.

* أنا بشكرك يا سليمان بيه على الاهتمام دا... دا شرف كبير ليا.

= لا اهتمام إيه... لسه الاهتمام جاي. علشان كدا... أنا عايزك من دلوقت وجاي تعتبري محسوبك مستشار خاص لك. مش عايزك تشيلي هم أي شيء، مش عايز تحتاجي أي حاجة وما تكلمينيش... دي تليفوناتي الخصوصي في البيت والمكتب... تكلميني في أي وقت... عندك تليفون ولا لأ؟

* لا لسه بس إن شاء الله هأقدم عليه.

= آدي عيبه... من بكرة تقدمي طلب لمصلحة التليفونات وأنا هأتابع الطلب بنفسي. لازم يدخلك التليفون في أقرب وقت. مش رفاهية... التليفون دا جزء مهم من حياة الفنان. واعتبري مكتبي مكتبك... تيجي في أي وقت... تقري تكتبي تشتغلي في أي حاجة. دا مكتبك.

لم يكن كلام سليمان نجيب مع زينات مجرد كلام يجامل به زميلة جديدة في بداية مشوارها الفني، لكنه كان يقصد كل كلمة قالها، وقد صدق وعده لها فعلاً، فما إن تقدمت بطلب إلى «مصلحة التليفونات الملكية» حتى تدخل بعلاقاته ودائرة معارفه الواسعة للتعجيل بتركيب خط تليفون لها.

ما إن انتهت زينات من تصوير فيلم «وراء الستار» حتى عاد نجيب الريحاني من إجازة قصيرة قضاها في «جزيرة قبرص» وبدأ يستعد للموسم الصيفي. وقع عقداً مع مسرح «الهمبرا» في الإسكندرية، وكون فرقة من عبد العزيز خليل واستفان روستي وحسن فايق وماري منيب وميمي شكيب وزوز شكيب وزينات صدقي وفليب كامل وعبد اللطيف جمجوم ومحمد حسن الديب وبشارة واكيم ومحمد كمال المصري (شرفنطح) وعبد الفتاح القصري وسيد سليمان وعبد العزيز يوسف ومحمد لطفي.

سافرت زينات إلى الإسكندرية مع الفرقة، وانتقلت معها والدتها وابنة شقيقتها نادرة حيث كان الريحاني يحجز غرفاً عدة لأعضاء الفرقة كلهم في أحد الفنادق القريبة من المسرح. واستأذنت زينات الريحاني لتنزل في بيت شقيقتها، بشرط أن تصطحب معها أدوات طعامها الخاصة «شوكة وسكين وملعقة وكوب وطبق» وهي الأدوات التي تصطحبها معها في كل مكان، كي لا تضطر إلى استخدام أدوات لا تعرف مصدرها، حتى لو كانت تعرف مصدرها، فلا تعلم من استخدمها قبلها. كان إحساسها «بالوسواس» يزيد يوماً بعد يوم، ولا تأمن أن تأكل إلا من يد والدتها، حتى لو كان الثمن أن تظل طيلة اليوم جائعة، فإما أن تأخذ معها «سندويتشات» من بيتها لتأكلها وقت الراحة، أو تنتظر العودة إلى البيت.

ما إن وصلت زينات إلى الإسكندرية حتى فاجأتها شقيقتها بخبر لم تكن تتوقعه:

* عمي محمود مات؟! إمتى وإزاي.

= النهارده بقاله تلات أيام.

* كان عيان ولا إيه.

= كان عيان أوي. ولفوا به ياما على الحكما... ولا كانوا لاقيين له طب ولا دوا.

* الله يرحمه. ياااه تصدقي فكرني بأبونا الله يرحمه.

= كان نفسي يبقى بدل أبونا. بس اللي عمنا عمله فينا ياما أوي.

* الله يسامحه بقى. مهما كان الضفر عمره ما يطلع من اللحم... ومهما كان دا اسمه عمنا... وأهو راح للي خلقه.

دخلت زينات للمرة الأولى منذ سنوات بيت عمها لتقديم واجب العزاء لزوجته وأولاده، وكم كانت دهشتها عندما وجدتهم يستقبلونها استقبالاً حاراً، بل أكدت لها زوجة عمها أنه بحث عنها طويلاً، لا لأجل الانتقام منها، بل لأجل مصالحتها.

ضياع البكوية

في الموسم الصيفي في الإسكندرية قدم الريحاني مسرحيتي «مين يعاند ست» و»فانوس أفندي» وهما أقرب إلى نوعية المسرحيات الهزلية التي كان يقدمها الريحاني في فترة العشرينيات، وهي نوعية من المسرح تناسب جمهور المصطافين الذين كانوا يمضون إجازاتهم في الإسكندرية، ولم يزد دور زينات فيهما عن نوعية الأدوار التي سبق وقدمتها معه.

قبل أن يعود الريحاني إلى القاهرة كان قد كتب مع بديع خيري الرواية الجديدة التي ستقدمها الفرقة في القاهرة بعنوان «قسمتي»، وهي تنويع على مسرحية «حكم قراقوش»، فكما يجد المواطن البسيط نفسه فجأة يحل محل السلطان، في «حكم قراقوش» تسوق الأقدار «تحسين أفندي» المدرس البسيط ليحل محل أمير دولة «عربستان» بشكل موقت في تجربة قرر أن يقوم بها الأمير لأجل الترويح عن نفسه، فيصادف تحسين الكثير من العراقيل عبر مواقف كوميدية عدة.

وصل نجيب الريحاني إلى القاهرة، وانتظمت الفرقة في اليوم التالي على الفور في تمارين المسرحية الجديدة، غير أنه فوجئ بالفنان سليمان نجيب يتحدث إليه هاتفياً:

= حمد الله على السلامة يا أبو الكشاكش. مصر نورت.

- مصر منورة بأهلها يا حبيبي. أنت فين؟

= أنا في المكتب.

- طب ما تعدي عليا النهاردة نسهر شوية في الكلوب.

= لا أنا ما عنديش وقت. اسمع اللي هأقولك عليه. أنا سامع أن اليومين اللي جايين دول ها يبقى فيه شوية رتب كدا هاتتوزع على شوية من الحبايب. وأنا بصراحة عايزك تشد حيلك شوية كفاية كدا بقى. عايزين الباكوية.

- يا سيدي ما تدوقش...

= لا... دا أنا أدق... وأدق ونص. لازم أقعد معاك مش هينفع الكلام في التليفون.

فوجئ الريحاني بأن «القصر الملكي» يفكر في منحه رتبة «البكوية»، خصوصاً أنه منحها عن عدد من كبار الفنانين قبله، مثل جورج أبيض ويوسف وهبي وسليمان نجيب، الأمر الذي أدخل السعادة والسرور إلى نفس نجيب، فهو لم يكن أقل قيمة من هؤلاء الفنانين، والأهم أنه لم يدخر جهداً في سبيل إعلاء شأن الفن المصري، في الداخل والخارج، إضافة إلى مواقفه الوطنية من الاحتلال الإنكليزي.

سعى الفنان سليمان بك نجيب، الذي يعمل في الوقت نفسه سكرتير وزارة العدل، كي يزيل سوء التفاهم، بين السرايا وبين نجيب الريحاني، فاقترح عليه أن يقدم فصلاً من إحدى مسرحياته أمام الملك حتى يمنحه البكوية... فاختار الريحاني الفصل الثاني من مسرحية أعدها مع بديع خيري خصيصاً، ووضع لها اسم «الدنيا على كف عفريت».

بدأ العرض، ووقف الجميع في الكواليس، كل فنان يستعد للحظة دخوله، فيما وقف الريحاني في كواليس المسرح ينظم ذلك، حتى جاء الدور على لحظة دخول زينات إلى خشبة المسرح، وتسمرت قدميها ولم تتحرك، فنظر إليها الريحاني وأشار بالدخول، لكنها لم تستجب، سالت دموعها. اقترب الريحاني منها وسألها هامساً:

= في إيه يا زينات... ما تتحركي. دا معاد دخلتك... أنت كدا اتأخرتي.

* مش قادرة يا أستاذ. مش قادرة... حاسة أني نسيت كل حاجة.

لم تكمل زينات جملتها ولم تشعر إلا ويد الريحاني تهوي على وجهها، صفعها صفعة سمعها كل من في المسرح، ودفعها بيده دفعة قوية إلى داخل خشبة المسرح، فانطلقت إلى داخل المسرح وهي تزغرد فضج الملك بالضحك، فراحت زينات تصول وتجول فوق خشبة المسرح حتى نهاية العرض، وهي في حالة دهشة من نفسها، لم تصدق ما حدث وما قامت به، لكن نجيب الريحاني كان يعلم ولم يندهش:

* أنا آسفة يا أستاذ على الموقف اللي حصل في الكواليس.

= لا أبداً أنا اللي لازم اعتذر لك لأن القلم كان جامد أوي. بس كان لازم أعمل كدا.

* مش عارفة إيه اللي حصللي وعقد لساني.

= بس أنا عارف. بتحصل... وبيني وبينك حلها الوحيد قلم زي اللي نزل على وشك دا يفكر أجدع ناسي.

* بصراح ما كنتش مصدقة نفسي أني هأمثل قدام جلالة الملك نفسه.

= لا صدقي. ويا ريته نفع... أهم بيقولوا إنه مشي زعلان برضه. يظهر أني جيت أكحلها عمتها.

كتب الريحاني وبديع خيري مسرحية «قسمتي» المستوحاة من «حكم قراقوش» وقدمها على خشبة المسرح وشاركت فيها زينات صدقي، وقبل أن ينتهي عرضها اتفق الريحاني مع أحمد سالم مدير أستوديو مصر على تقديمها في فيلم سينمائي بعنوان «سلامة في خير» بعدما عدلا الريحاني وبديع الكثير من الأحداث والمشاهد فيها بما يتلاءم مع السينما.

شهرة سينمائية

شارك نجيب الريحاني المخرج نيازي مصطفى في اختيار الممثلين الذين يشاركونه في الفيلم، وجاء معظمهم من فرقة الريحاني المسرحية، حسن فايق وأدمان توما واستيفان روستي ومحمد كمال المصري (شرفنطح) ومنسي فهمي وأميل عصاعيصو، بالإضافة إلى فؤاد شفيق وحسين رياض وراقية إبراهيم وفردوس محمد ورياض القصبجي ومحمد كامل وصفا الجميل، وعندما طلب الريحاني من زينات صدقي المشاركة في الفيلم اعتذرت له للمرة الأولى، ليس موقفاً منه بسبب صفعها في كواليس المسرح، فقد شاركت معه بعدها في مسرحية «قسمتي»، ولكن لأن زينات ارتبطت للمرة الأولى في توقيت تصوير الفيلم نفسه بفيلمين جديدين لها.

استكمالاً لسلسلة أفلام «بحبح» التي بدأها المخرج فؤاد الجزايرلي، مع شقيقه فوزي وابنته إحسان، عرض على زينات المشاركة معه في فيلم جديد من هذه السلسلة بعنوان «بحبح باشا» من تأليف فؤاد الجزايرلي وإخراجه، بطولة: فوزي الجزايرلي، إحسان الجزايرلي، محمد الديب، رياض القصبجي، فيوليت صداوي، الفريد حداد، حسن سلامة، والمونولوجست سيد سليمان.

شعرت زينات بسعادة غامرة، فقد بدأت دائرة شهرتها تتسع بعيداً عن دائرة نجيب الريحاني وفرقته، وقبل أن تنتهي من تصوير «بحبح باشا» فوجئت بالمخرج أحمد بدرخان يتصل بها ويطلب مقابلتها:

= أزيك يا زينات... بقالنا كتير متقابلناش... فاكرة من أمتى؟

* طبعا مش ممكن أنسى أنك كنت السبب إني أشتغل في أول فيلم سينما ليا «الاتهام» كنت بتحاول تعوضني عن أني مااشتغلتش في فيلم «ياقوت» اللي أنت كنت مساعد مخرج فيه.

= وادي الأيام جريت وبقيت مخرج.. إيه رأيك تشتغلي معايا.

* دا شرف ليا يا أستاذ بدرخان... أنت فخر لكل مصري.

= طب أجلي الكلام الحلو دا لحد ما تشوفي شغلي.. وتعرفي إذا كنت فخر ولا لأ.

* أبدا والله. اللي أنا سامعاه عنك كلام جميل. وكفاية الفيلمين اللي عملتهم للآنسة أم كلثوم.. «وداد، ونشيد الأمل».

= الله... دا أنت متبعاني كويس بقى.

* مش أنا لوحدي مصر كلها متبعاك.

= دا كلام جميل. يظهر أننا هنتفاهم أوي مع بعض.

شاركت زينات صدقي في فيلم أحمد بدرخان الثالث «شيء من لا شيء» في أكتوبر 1938، مع الفنانين نجاة علي وعبد الغني السيد وفؤاد شفيق وحسن كامل وعبد الفتاح القصري والسيد بدير وصفا الجميل، الذي ما إن التقت به زينات حتى صارا صديقين حميمين، وعلى رغم أن الفارق بينهما لم يزد على سبع سنوات، فإن زينات اعتبرته ابناً لها، لدرجة أنه الوحيد الذي سمحت له بتناول الطعام معها، على رغم دمامة وجهه.

في فيلمه الثالث «شيء من لا شيء» عاد أحمد بدرخان إلى أجواء المماليك والسلاطين التي قدم من خلالها فيلمه الأول «وداد»، فدارت الأحداث في الأجواء نفسها، حيث أراد أحد السلاطين في عهد المماليك أن يزوج ابنة أخيه الأميرة «نجمة» من ولي عهده «عنتر»، لكن الأميرة ترفض فيثور السلطان ويحكم عليها أن تتزوج من أمير شاب يدعى «هلال» الذي رغم احتقارها له فإنه يحبها. في الوقت نفسه نجد أن ثمة جماعة من الإرهابيين تخطط للقضاء على الأمير «عنتر» فترسل أحد أعضائها لقتله، لكنه يفشل. تعلم الجماعة بأمر «هلال» فتفكر في استغلاله لكنه يرفض، وبمرور الوقت تقع «نجمة» في حبه وكانت قد تم تتويجها «سلطانة» على وطنها، في نهاية الفيلم يتضح أن هذا لم يكن إلا حلماً شاهده السلطان في منامه.

كان قد أصبح لزينات صدقي رصيد سينمائي، ما جعل اسمها مطلوباً عند المخرجين، فقد باتت مألوفة آنذاك ويطلبها المخرجون بالاسم، من دون محاصرتها في لون واحد من الأدوار، فحتى إذا كانت تجيد تقديم دور «الخادمة» التي تتحدث كثيراً، وتتدخل في ما لا يعنيها، فقد أثبتت أيضاً أنها تجيد تقديم أدوار الفتاة الارستقراطية وبنت البلد والفلاحة، سواء على خشبة المسرح، حيث راحت تتنقل بين أكثر من ثلاث فرق مسرحية في العام، وتقضي الموسم الرئيس مع الريحاني، ثم تقتسم الموسم الصيفي بين فرقتي «فاطمة رشدي» و»رمسيس» مع يوسف وهبي، ثم حضورها على شاشة السينما، فقد كان المخرج فؤاد الجزايرلي قد عاود ليطلبها في فيلم جديد من تأليفه وإخراجه بعنوان «تحت السلاح» في مطلع عام 1940، وبطولة بديعة صادق وأحمد علام وزوزو شكيب وعباس فارس ومحمد الديب، وفيه جسدت زينات صدقي دور صديقة البطلة «أمينة» التي تتزوج رغماً عنها، وتقودها الصدفة لمقابلة صديق زوجها من دون أن تعلم، وعندما يشك زوجها تتدخل صديقتها لتثبت له براءة زوجته.

ما إن انتهى المخرج فؤاد الجزايرلي من تصوير آخر مشهد وأطلق صيحته «ستوب»، حتى أطلقت زينات صدقي صيحة أيضاً، وراحت تصرخ بأعلى صوتها، ثم سقطت على الأرض وسط دهشة وذهول الجميع... قبل أن يلتفوا جميعاً حولها ليعرفوا سبب صراخها.

(البقية في الحلقة المقبلة)

معاناة المواطن

جاء اسم «الدنيا على كف عفريت» الذي اختاره الريحاني ليقدمه أمام الملك ليشير إلى أنه لا شيء باق إلا عمل الخير، كذلك استعرض في المسرحية تفاصيل الحياة المتواضعة والفقيرة في الحارة المصرية بكل ما فيها من ألفاظ شعبية، بل تعمد إظهار معاناة المواطن الفقير المطحون، ما أزعج الملك، وهو ما وصل للفنان سليمان نجيب، ونقله للريحاني الذي توقع ذلك:

= سبحان الله العظيم في طبعك يا أخي أنت مُصر تخلق عداوة مع السرايا من غير داعي ليه يا نجيب؟

* أنا مفيش حاجة بيني وبين السرايا ولا الملك.

= بس هو حاسس إنك قاصد تهاجمه قبل كدا هاجمت أبوه وقفلولك المرسح... ودلوقت دا لسه يا دوب ملك طازة ليه تعمل عداوة معاه.

* أنت عارف يا سليمان إن كل اللي يهمني أن أقدم فنا يوصل للناس وبس.

= وأحنا عايزينك توصل للباهوية... أنت أشطر واحد فينا ومن أكبر الفنانين في مصر والشرق دلوقت. وما ينفعش أن نجيب الريحاني ما يخدش الباهوية.

* طب أعمل إيه؟ أروح أركع تحت رجلين جلالته علشان يمن عليا بالباهوية.

= محدش قال كدا بس يعني...

* يعني إيه... ما هو لازم جلالته برضه يحس بالناس شوية.

= الله يجازيك... هتفضل زي ما أنت!

* وأتغير ليه؟ أنا كدا. ربنا عايزني كدا وهفضل كدا... وبعدين أنا لايهمني زعل الملك ولا السرايا... المهم عندي هو رضا الناس وخدمة بلدي.

الجريدة الكويتية في

28/07/2013















images






















 
التعديل الأخير:

التباب

Active Member
طاقم الإدارة
علشان عيونك

كتب الخبر: ماهر زهدي

بنت بحري زينات صدقي

( 20 )

التف زملاء زينات صدقي في الفيلم حولها، وتم نقلها إلى غرفتها في الأستوديو وهي تصرخ وتتألم، ثم اتصل المخرج فؤاد الجزايرلي بطبيبه الخاص الذي حضر فوراً، ووقع الكشف الطبي عليها.

جاء تشخيص الطبيب لزينات صدقي بشكل مبدئي على أن ثمة اشتباهاً في التهاب الزائدة الدودية، ولا بد من نقلها فوراً إلى أقرب مستشفى.

كاد يغشى على زينات، ليس من شدة الألم، ولكن مما قاله الطبيب وضرورة نقلها إلى المستشفى، فهي لم تكن تعاني وسواس النظافة فحسب، بل أيضاً وسواس المرض. كانت تكره النوم على سرير المرض ودخول المستشفى، غير أنها في مقابل ذلك تلتزم إلى حد الصرامة بتناول الدواء إذا وصفه لها الطبيب.

نُقلت زينات إلى مستشفى {قصر العيني} في الوقت الذي ذهب فيه من يخبر والدتها بنقلها إلى المستشفى لإحساسها ببعض {آلام المغص} كي لا تقلق عليها، وعلى رغم ذلك لم تنتظر والدتها عودتها، بل أصرت على الذهاب للاطمئنان عليها في المستشفى.

وصلت حفيظة إلى المستشفى فعرفت أن ابنتها دخلت غرفة الجراحات. لم تنتظر أن تسأل: لماذا؟ وأي جراحة ستجرى لها، ولا أن يطمئنها الأطباء، بل سقطت مغشياً عليها، وتم نقلها فوراً هي أيضاً إلى إحدى غرف المستشفى لإسعافها.

أقر الأطباء بوجود التهاب شديد في الزائدة الدودية، وضرورة إجراء جراحة فورية لاستئصالها، ولم يكن أمام زينات سوى الاستسلام لمطلب الجراح للتدخل في الوقت المناسب قبل استفحال الأمر، على رغم كراهيتها للمستشفى والجراحة والأدوية.

عندما أفاقت زينات من البنج، كان أول شيء سألت عنه والدتها:

= حمد الله على السلامة يا ست زينات.

* الله يسلمك يا دكتور. أنا بقالي كتير هنا.

= إيه زهقتي أوام مننا.

* لا مش القصد. بس علشان ماما ممكن تقلق عليا.

= أنت هنا يا ستي من إمبارح... وعملتي العملية والحمد لله.

* من أمبارح. دا أكيد زمان ماما ماتت من الخوف والقلق. طب حد من الإستوديو قالها؟

= شوفتي الورد دا كله. شوفي يا ستي دا من الأستاذ فؤاد الجزايرلي، ودا من الأستاذ أحمد علام، ودا كمان من الأستاذ محمد الديب، أما دا بقى فمن الأستاذ الكبير نجيب الريحاني. دا الواحد لازم يشعر بالفخر أنه عمل عملية لنجمة كبيرة زيك يا ست زينات.

* مرسيه يا دكتور... مرسيه. بس من فضلك عايزة تليفون أتصل بماما... زمانها هتموت من القلق والرعب. لازم أكلمها يا دكتور.

= يا ست ما تقلقيش... كل اللي أنت عايزاه هنعمله. بس أنت هدي نفسك.

* هو في إيه يا دكتور أنتوا مخبيين عليا حاجة؟

= هنخبي عليكِ إيه بس. اهدي شوية علشان الجرح ممنوع الانفعال.

* لو ما تكلمتش أنا هقوم أنزل أمشي دلوقت يا دكتور... أهو... أهو.

= طب بس بس. ماما هنا في المستشفى... في الأوضة اللي جنبك.

كان تشخيص الأطباء لحالة حفيظة والدة زينات أنها أصيبت بصدمة عصبية بسبب خوفها الشديد على زينات، فأثرت على قدميها وجعلتها غير قادرة على الوقوف أو المشي على قدميها. لم يكن شللاً، فهي كانت تحرك قدميها ويمكن أن تقف عليهما، لكنها لم تكن قادرة على المشي، لتعود إلى منزلها على كرسي متحرك.

إحساس بالذنب

تسبب مرض حفيظة في أزمة نفسية كبيرة لزينات، لإحساسها بالذنب أنها كانت السبب فيما حدث لوالدتها، فقررت التفرغ تماماً لخدمتها وعدم قبول أي أعمال جديدة سواء مسرحية أو سينمائية:

= يا بنتي أنا بقيت كويسة. أنزلي بقى شوفي حالك.

* أنت زهقتي مني ولا أيه يا ست الكل.

= أنا... أنا عمري مازهق منك يا حبة عيني. بس مصلحتك وأكل عيشك يا بنتي أولى.

* ما فيش حاجة في الدنيا دي كلها أهم ولا أولى منك.

= يا بنتي الناس ليها اللي قدامها... ولو الناس اتعودت غيابك هتنساك.

* ولو... برضه مش هسيبك إلا لما أطمن عليكِ وأنك بقيتي زي الخيل اللي بتجري في السبق.

لم يكن لشيء يمكن أن يثني زينات عن قرارها بالجلوس إلى جوار والدتها إلى حين شفائها، ساعدها على هذا القرار أكثر من سبب، أولها توقف نجيب الريحاني عن المسرح وتفرغه للسينما حيث قدم بعد «سلامة في خير» «سي عمر» مع المخرج نيازي مصطفى، وبعض أفراد فرقته، ميمي شكيب ومحمد كمال المصري «شرفنطح» وحسن فايق واستيفان روستي وعبد الفتاح القصري وعبد العزيز أحمد.

السبب الثاني وهو الأهم، أن نار «الحرب العالمية الثانية» استعرت بين الألمـان والإنكليز ودوت صفارات الإنذار ودارت المعـارك على أشـدها في الصـحراء الغربية لمصر، وتطورت الأحوال بسرعة والإنكليز وحلفاؤهم كانوا يتراجعون ويفرون أمام ضربات روميل القاصمة وهو يزحف في الصحراء من مرسى مطروح إلى العلمين.

كانت كل القرائن تدل على أن هذه المجزرة البشرية ستنتهي بسحق الإنكليز واندحارهم، وكانوا يولون الأدبار في كل ميدان، في الوقت الذي أخذ فيه العساكر الإنكليز يتكاثرون في قلب القاهرة، التي امتلأت بجيوش الإنكليز وحلفائهم، فقد كانوا منكسرين على طول الجبهة، ما جعلهم يغطون انكسارهم بالعراك مع المصريين كلما التقوهم في مكان، في الوقت نفسه راح المصريون يهتفون: «تقدم يا روميل»، فيزداد غيظهم وسعارهم.

أخذ الإنكليز يمرحون في القاهرة، يسكرون في حاناتها، يملأون الدنيا صياحاً ويغنون بالإنكليزية في صخب أغان بشعة، ويخرجون من الحانات ويمشون في جماعـات ويدورون سكارى صاخبين معربدين ويحتكون بالمارة المسالمين ويشتـبكون معهم في عراك دموي، ويكثر وجودهم في مناطق المسارح والسينمات والتياتروهات، تحديداً في منطقة وسط البلد، مثل «العتـبة، شارع كلـوت بك، شارع فؤاد الأول، شارع عماد الدين» حيث الحشـد المتدفق من الجمهور في ظلام الحرب.

طـالت الحـرب واستولى اليأس على النفوس، وسئم الناس من كل شيء، وخيم الظلام وطال الفقر والجـوع ونقمة المواطنين على التموين، وكان الخبز يختفي ثم يظهر أسود كالطين، ومع ذلك كان الناس يأكلونه. ولم يكن المصريون قد اشتركوا في الحرب أو كان لهم بها شأن لكنهم اكتووا بنارها، وسقطت عليهم القنابل، وجاعوا وتعذبوا بسببها.

كانت الملاهي ممتلئة بالجنود الإنكليز والسكارى، وفي ليالي الآحاد كان يكثر البحارة في الحانات ويزداد عراكهم وصخبهم، وكانوا في حالة فزع من الألمان ورعب يمزق أعصابهم.

سليمان بك المنقذ

في الشوارع الضيقة المعتمة كنت تلمح بعضهم سكارى يغنون وهم يترنحون، وقد تنشب معارك رهيبة بينهم وبين الأهالي، تصل إلى حد إطلاق النار من الجانبين، وعندما تدوي صفارات الإنذار، تتوقف العروض السينمائية والمسرحية وتغلق التياتروهات أبوابها، فتخرج الجماهير مهرولة إلى الشوارع والملاجئ، ويسمع دوي القذائف فيثير الرعب في النفوس.

كلما زاد الرعب والضجيج، زاد إصرار زينات صدقي على حالة الخمول التي تعيشها والبقاء إلى جوار والدتها، وكلما زادت فترة جلوس والدتها وعدم حركتها زاد إحساسها بالذنب، على رغم كلام والدتها كل يوم حتى ملت مفاتحتها في هذا الأمر، ولم ينقذها إلا الفنان سليمان بك نجيب، الذي ذهب إليها في بيتها مباشرة:

* إيه الشرف دا يا سليمان بيه. ما تعرفش أنا سعيدة أد إيه بزيارتك دي.

= هأكون أنا كمان سعيد لو حققت الزيارة الهدف اللي أنا جاي علشانه.

* هدف إيه أنا تحت أمرك... أي حاجة تطلبها لازم أنفذها فوراً.

= كدا... طب عال عال. يلا قومي ألبسي هدومك علشان عندنا معاد دلوقت في الإستوديو.

* لا... مش قصدي. بس يعني معاد إيه؟

= معاد شغل... شغل. هيكون إيه يعني... معاد غرامي.

* يا ريت. حد يطول ياخد معاد غرامي من سليمان بك نجيب فاكهة الفن المصري كله.

= أيوا يا بنت أيوا كلتيني بالكلمتين دول. ما تغيريش الموضوع ويلا بينا... ولا اللي سمعته صحيح؟

* سمعت إيه؟

= إسماعيل ياسين بيقولي إنك رافضة تشتغلي وقاعدة في البيت على طول وبترفضي أي شغل يجيلك.

* مش بالظبط كدا. لكن مقدرش أسيب أمي لوحدها... من يوم ما عملت العملية وهي ما بتعرفش تتحرك لوحدها... وزي ما أنت شايف كدا... حتى في البيت قاعدة على الكرسي أبو عجل على طول.

هنا تدخلت والدتها بحسم الموضوع:

- لا ما تعمليش حجتك أنا. يا سليمان بيه أنا ريقي نشف معاها علشان تشتغل... مش راضية.

= شوفي يا زينات أنا مقدر إحساسك دا... بس لو بتحبي أمك فعلاً لازم تشتغلي. قعدتك دي تضرها مش تنفعها. أمك دلوقت أكيد محتاجة أدوية وعلاجات... محتاجة تاكل وتشرب وتلبس هي والكتاكيت الصغيرين دول... هيصرفوا منين؟ ولا أنت نسيتي أنك أنت اللي بتصرفي على العيلة... لما فلوسك تخلص هتعملي إيه؟

- يسلم فمك يا سليمان بيه.

= وفمك أنت كمان يا خالة أم زينات..قومي قومي يا زينات الله يهديك.. خلينا نلحق معاد سي عبد الوهاب.

* عبد الوهاب مين؟

= محمد أفندي عبد الوهاب.. المطرب والملحن الأشهر في القطر المصري وبر الشام.

* أنا هشتغل مع محمد عبد الوهاب.

= أقل منها... دا هو اللي هيشتغل مع زينات صدقي.

* سليمان بيه مش عارفة أقولك إيه... على عطفك ونبل أخلاقك... دا.

= وفري الكلمتين الحلوين دول علشان تقوليهم قدام الكاميرا... يلا يلا.

بدأ محمد عبد الوهاب الاستعداد لتقديم فيلمه الخامس بعنوان «ممنوع الحب» بعدما قدم قبله أربعة أفلام هي: «الوردة البيضا، دموع الحب، يحيا الحب، يوم سعيد»، بعدما أصبح ينتج لنفسه وحققت أفلامه رواجاً كبيراً في السينما، من خلال الإيرادات العالية، فقد كان محمد عبد الوهاب يدفع أجوراً ضعيفة للعاملين معه، إلا أنه كان ينفق بسخاء على أفلامه ليكون الفيلم عملاً مكتمل الأركان.

كتب قصة وسيناريو وحوار «ممنوع الحب» عباس علام وشاركه في الكتابة مخرج الفيلم محمد كريم، الذي كان يقدم فيلمه السابع آنذاك بعدما وصل إلى مرحلة متقدمة من النضج الفني كمخرج له اسمه على الساحة السينمائية.

لم يكن سليمان نجيب مشاركاً في الفيلم، غير أنه كان على صلة صداقة كبيرة بمحمد عبد الوهاب والمخرج محمد كريم، وهو من كان وراء انضمام زينات إلى الفيلم، على رغم أن محمد كريم كان قد انتهى فعلاً من اختيار الممثلين المشاركين معه، ومع ذلك فقد أسند إليها دوراً مهماً وفقاً لسير الأحداث.

تدور الأحداث حول المهندس الشاب «عزيز» الذي يصله تلغراف كاذب يخبره بوفاة والده «عبد الغفار باشا». في القطار أثناء ذهابه إلى القرية يلتقي مع «فكرية» ابنة «أبو المجد باشا» العدو اللدود لوالده، وفي القرية يكتشف حقيقة استدعائه، وهي لأجل أن يناصر والده في حملته العدائية لـ «أبي المجد». غير أنه من دون أن يدري يجد نفسه هو وفكرية قد وقعا في الحب، ويحاولان إقناع والديهما بضرورة زواجهما بغرض أن يقوم كل طرف بالانتقام من الآخر، فيضطر الوالدين إلى الموافقة على ذلك، ويرسل «أبو المجد باشا» خادمة من بيته لتكون عيناً عليهما وتشعل فتيل الغضب عند اللزوم. غير أن الزوجين يتفقان مع الخادمة على أن تنقل صورة مزيفة لوالديهما، حتى يحدث الوفاق التام بين العائلتين.

شارك محمد عبد الوهاب في البطولة: رجاء عبده، عبد الوارث عسر، محمد كامل، محمد أمين، عبد العزيز خليل، الوجهان الجديدان آنذاك مديحة يسري وليلى فوزي.

عودة إلى المسرح

بدأ تصوير الفيلم، ووقف محمد عبد الوهاب يشاهد أداء زينات صدقي، وفوجئت به يصفق لها بعد انتهاء المشهد ويثني على أدائها، فاكتفت بشكره وانصرفت من دون أن تصافحه، فاكتشف أنها تعاني «وسواس» النظافة، والخوف من المرض أكثر منه:

= الله... خدي تعالي هنا. دا اللي أنا سمعته صحيح بقى.

* هو إيه دا اللي سمعته يا أستاذ.

= أنك ما بتسلميش على حد وما بترديش تاكلي مع حد. ولا حتى بتشربي شاي.

* والله أنا مش قصدي. أنا آسفة مش قصدي حاجة وحشة.

= لا لا ما فيش حاجة أنا كنت فاكر أني أنا مزودها شوية. طلعتي أنت مزوداها شويات.

* والله أنا بحب كل الناس أنا بس عندي مشكلة في المسألة دي.

= من غير حلفان... أنا عارف الموضوع.

انتهى تصوير «ممنوع الحب» وعرض في دار سينما «رويال» في أبريل 1942، ليكون عودة قوية لزينات صدقي بعد توقفها ما يقرب من عامين عن السينما منذ أن شاركت في فيلم «تحت السلاح» عام 1940 مع فؤاد الجزايرلي. كذلك عادت إلى المسرح، ولكن ليس إلى فرقة الريحاني التي كانت لا تزال متوقفة بسبب تدهور صحة الريحاني وعدم احتماله الوقوف مجدداً على خشبة المسرح بشكل يومي، فاتجهت إلى فرقة «رمسيس» مع يوسف بك وهبي.

قبل نهاية العام طلبها للعمل معه المخرج كمال سليم، الذي ذاع صيته بشكل كبير وأصبح له شأن في الإخراج بعد رائعته الكلاسيكية فيلم «العزيمة» عام 1939، والذي كان سبباً في زواجه من بطلته فاطمة رشدي.

علمت زينات أن الفيلم الجديد مأخوذ عن رواية عالمية، فحرصت أن تعتذر بأدب شديد للمخرج كمال سليم:

= ليه يا زينات؟ أنت مرتبطة بأعمال تانية؟

* بصراحة معنديش أي حاجة غير المسرح... بشتغل رواية «ربرتوار» مع فرقة رمسيس.

= طب بترفضي ليه؟

* أصل بصراحة أنا سمعت أن الفيلم متاخد عن رواية عالمية... وأنا بقلق من الحاجات التراثية دي علشان بيبقى فيها التزام باللغة العربية.

= علشان كدا. أما أنت حدوتة بجد. يا ستي الفيلم متاخد عن رواية عالمية صحيح بس موضوع معاصر. دا كمان شعبي... ما أنت عارفة شغلي. دورك بنت بتشتغل في مصنع نسيج بتوقع الدنيا في بعضها.

* لا إن كان كدا خلاص... من بكرة أكون عندك. ده أنا ست من توقع الدنيا في بعضها.

كانت الرواية التي اختارها كمال سليم هي «البؤساء» للكاتب العالمي فيكتور هوجو. أعدها سينمائياً المنتج مشيل تلحمي، برؤية مصرية معاصرة، لتقديمها بالاسم نفسه. أدت زينات فيها دور «فهيمة» سيدة في حي شعبي، ودور البطولة تولاه الفنان عباس فارس، ليجسد في الفيلم دورين متناقضين، الأول «الشرقاوي» اللص الذي يضطر إلى السرقة بسبب الفقر، ثم شخصية «عبد الفتاح باشا شريف» وهو الاسم الذي اختاره لنفسه بعدما أصبح رجلاً ثرياً، من جراء ما قام به من سرقة. وأدت أمينة رزق دور «درية» الفتاة الفقيرة في الحي الشعبي، وسراج منير دور «الضابط فهيم»، وبشارة واكيم صديق عبد الفتاح باشا، وعبد العزيز خليل دور «رئيس العصابة»، بالإضافة إلى ليلى فوزي في دور شقيقة الضابط فتحي، الذي أدى دوره الفنان الشاب فاخر فاخر، فيما تولى الغناء شافية أحمد، والرقص سامية جمال.

(البقية في الحلقة المقبلة)

«حسن ومرقص وكوهين»

بعد انتهاء الموسم الصيفي للمسرح في عام 1943، قرر الريحاني العودة إلى المسرح بعد توقفه خلال فترة تفرغ فيها للسينما وقدم فيلم «سي عمر». وزاد من حماسته طلب الدولة منه أن يقدم عروضه المسرحية على خشبة مسرح دار الأوبرا الملكية، لتكون المرة الثانية له بعدما سبق وقدم عليها مسرحية «ياما كان في نفسي» التي لم تشارك فيها زينات.

كتب الريحاني وبديع خيرى مسرحية «حسن ومرقص وكوهين» بعدما شاهدا أحد المحلات التجارية في «شارع الفجالة» يمتلكه رجلان أحدهما مسلم والآخر مسيحي، ففكرا أن يضيفا إليهما ثالثاً، ليكونوا مسلماً ومسيحياً ويهودياً، ثم عرض عليه صديقه جوزيف دخول مسرحية فرنسية بعنوان «المقهى الصغير» حول شاب يعمل في مقهى صغير يرث مبلغاً ضخماً عن والده، ويعلم ذلك صاحب المقهى قبله فيوقع معه عقداً للعمل في المقهى لسنوات عدة بشرط جزائي، ثم يكتشف الشاب المكيدة التي دبرها له صاحب المقهى.

أخذ الريحاني فكرة «المقهى الصغير» لتكون هي القوام الرئيس لمسرحية «حسن ومرقص وكوهين» واستبدل صاحب المقهى بثلاثة رجال، «حسن المسلم، ومرقص المسيحي، وكوهين اليهودي»، وجعل لأحدهم، وهو اليهودي ابنة يقع في غرامها «عباس» المستخدم لديهم في المحل، فيما تتجاهله هي وتنظر إليه باعتباره مستخدما لدى والدها.

طارت زينات صدقي من فرط السعادة، ليس فحسب لأنها عادت للعمل مع فرقة الريحاني، ولكن سعادتها كانت لسببين آخرين مهمين، كانا يمثلان حلماً بعيد المنال بالنسبة إليها، لذا انتظرت عرض المسرحية بفارغ الصبر، لترى الحلم يتحقق أمامها.

الجريدة الكويتية في

29/07/2013





images











images










 
التعديل الأخير:

التباب

Active Member
طاقم الإدارة
الدنيا بخير

كتب الخبر: ماهر زهدي

بنت بحري زينات صدقي

( 21 )

منذ أن احترفت زينات صدقي التمثيل سيطر حلمان عليها كانت تتمنى تحقيقهما، الأول أن تقف كممثلة فوق خشبة مسرح {دار الأوبرا الملكية}، أمام صفوة البلد من باشاوات وبكوات، والثاني وهو الأهم، أن تجسد دور الحبيبة أمام نجيب الريحاني، أو بلغة أهل السينما والمسرح تؤدي دور {الفيديت}، وهو الدور الذي احتكرته لسنوات طويلة الشقيقتان زوزو وميمي شكيب، من دون منافسة من غيرهما.

فجأة وجدت زينات نفسها وجها لوجه مع حلمين انتظرتهما طويلاً، الأول وقوفها للمرة الأولى على خشبة دار الأوبرا الملكية، حسبما تم الاتفاق مع الريحاني. أما الحلم الثاني، فقد حققه لها الريحاني بعدما أسند إليها دور فتاة تعمل في مخزن الأدوية ويحبها {عباس} المستخدم في المخزن والذي يؤدى دوره الريحاني، غير أنها تعامله بجفاء وترفض حبه وتودده إليها لأنه يعمل لديها ولدى والدها. وما إن يرث {عباس} ثروة من عمه المهاجر إلى أميركا اللاتينية، ويعرف الثلاثي «حسن ومرقص وكوهين» بأمر الثروة قبل أن يعرف هو، يحيكون ضده مؤامرة لنهب جزء كبير من ميراثه، بأن يجعلوه يوقع على عقد عمل جديد في المخزن، بشرط جزائي بقيمة ثلث الثروة، في حال تراجع أي من الطرفين، غير أن الفتاة يرق قلبها تجاه عباس فتبصره بالمؤامرة التي تحاك ضده.

قدمت زينات الدور بشكل أدهش نجيب الريحاني نفسه قبل الجمهور، ما جعله فور إغلاق الستار، يقف ليقدم التحية لزينات أمام بقية أعضاء الفرقة وهم لا يزالون فوق خشبة المسرح... فصفق لها الجميع.

ما حدث لم يكن ليمر سهلاً على بعض أعضاء الفرقة، خصوصاً على الشقيقتين زوزو وميمي شكيب، ليس فحسب لأن زينات هي أول من قدم لها الريحاني تحية بهذا الشكل، لكن لأنها أيضاً قفزت إلى نوعية من الأدوار كانت حكراً عليهما، ليس لتفوقهما في التمثيل بل لطبيعة الشكل: القوام الرشيق، البشرة البيضاء، الشعر الأصفر الطويل، والعيون الملونة... كانت هذه الصفات كافة تؤهلهما للأدوار الأولى، أو بمعنى أدق لأدوار البطلة «الفيديت» أو الحبيبة. لكن ابنة حسن لم تكن تحتاج إلى مثل هذه المواصفات، باعتبارها فتاة عادية كأي فتاة مصرية.

دبت الغيرة في قلب زوزو شكيب تحديداً، وبدأت تعامل زينات بجفاء، غير أنها لم تعر ذلك اهتماماً، فكل ما كان يهمها هو رضا الريحاني وتوظيفها بشكل يتناسب مع موهبتها في الأعمال التي تقدمها الفرقة، فضلاً عن علاقتها الممتازة مع بقية أعضاء الفرقة، بمن فيهم زوزو شكيب نفسها قبل هذه المسرحية. غير أنها كانت غيرة مكتومة، فلم يجرؤ أي من أعضاء الفرقة على مراجعة الريحاني في دور أسنده إليه، سواء كان كبيراً أو صغيراً، فما كان يقره الريحاني كان الجميع يوافق عليه، لكن هذا لم يمنع بعض الغيرة غير الظاهرة، والتي كان يهمس بها البعض في ما بينهم من دون أن يصل ذلك للريحاني.

كانت زوزو تشعر أنها الملكة المتوجة على عرش الفرقة لكثرة الأعمال التي شاركت فيها وقدمت من خلالها دور البطولة، وإحساسها بأن السجادة يمكن أن تسحب من تحت قدميها، أشعل نار الغيرة في داخلها، وزاد من ذلك انضمام ممثلة جديدة إلى الفرقة اسمها نظيرة موسى شحاتة، يهودية من أب لبناني يهودي وأم يهودية أسبانية، ضمها الريحاني إلى الفرقة وأطلق عليها اسم فني «نجوى سالم». كانت تتمتع بقوام ممشوق، ملامحها تمزج بين الجمال الأوروبي والبشرة العربية، شعرها يقترب من شعر زوزو شكيب في الطول غير أنه أسود فاحم، ما جعل الريحاني يرشحها للقيام بدور «سمحة» ابنة كوهين اليهودي، وقدمته بشكل جيد نالت به رضا الريحاني قبل الجمهور.

كبرياء

وجدت زوزو شكيب أنه إذا كانت زينات قد أفلتت منها وتسربت إلى قمة الفرقة في غفلة منها، فإنه يجب ألا تترك الفتاة الجديدة نجوى سالم تسلك الطريق نفسه، وتبدأ بالأدوار الصغيرة ثم تتسلل صاعدة إلى الأدوار الأولى، وقتها لن يكون لها وجود، فأرادت أن تضع حداً لذلك منذ البداية، وتظهر نفوذها لهذه الفتاة حتى تعرف حجمها. كان لا بد من أن تختلق موقفاً يظهر قوتها ونفوذها أمام نجوى سالم التي لم تستطع التحمل وانهارت تبكي، ولم تجد سوى صدر زينات صدقي ترتمي فيه وتحتمي به:

* إيه مالك كفى الله الشر. بس بس أهدي.

= صدقيني يا مدام زينات. أنا معملتلهاش حاجة. بس أنا ماقدرش أعمل اللي هي بتقول عليه.

* هي مين دي وعايزه إيه منك؟

= مدام زوزو شكيب

* مالها زوزو. دي ظريفة وحبوبة. هي بس اللي يبان عليها أنها متكبرة شوية

= أنا ماقلتش حاجة. وأنا بحبها والله هي ومدام ميمي. بس أنا في حالي وهي في حالها... ومش ذنبي أن ربنا خالقني كدا.

* انت بتتكلمي بالألغاز ليه... في إيه؟

= مدام زوزو مسكتني من شعري وقالتلي: انت تقصي شعرك دا اللي انت فرحانة بيه. هي الروس هاتتساوى... مفيش هنا غير زوزو شكيب واحدة بس.

* هي قالتلك كدا؟

= أيوا ومش عارفة أعمل إيه... وكمان ماقدرش أقص شعري. لو عايزاني أمشي من الفرقة أمشي... بس كدا حرام.

* بس بلاش عياط. انت لا هتمشي ولا هتقصي شعرك. الفرقة دي اسمها فرقة الريحاني. هو صاحبها والفنان الأول فيها... خليك هنا ما تتحركيش شويه ورجعالك.

تركت زينات نجوى سالم في حجرتها وخرجت، غير أنها لم تذهب إلى زوزو تعاتبها، فربما كانت زوزو تنتظر ذلك لتفتعل مشكلة مع زينات، فهي كانت تعرف أن نجوى سالم التصقت بزينات منذ أن انضمت إلى الفرقة، وتقول لها كل أسرارها وتحكي لها عن مشاكلها، غير أن زينات اتجهت إلى غرفة الريحاني مباشرة:

= في إيه يا زينات؟ إيه الأسئلة الغريبة اللي بتسأليها دي؟

* يا أستاذ أنا بسأل وعارفه الإجابة. بس علشان فيه ناس لازم تعرف دا كويس... وتفهمه.

= انت عماله تهلفطي في الكلام ليه؟ ما تتكلمي على طول فيه إيه؟

* هو ينفع يا أستاذ أن مدام زوزو شكيب تمسك نجوى سالم وتقولها لازم تقصي شعرك... الروس مش هتتساوى ومش هيبقى فيه غير زوزو شكيب واحدة بس هنا؟!

= زوزو عملت كدا.

* أيوا...

= طب ليه؟

* ما هو دا اللي أنا مش عارفاه ولا قادرة أفهمه.

= طب وهي نجوى ما جتش تكلمني أنا ليه؟ ولا هي لازم توكل محامي عنها. علشان المحامي يدخل عليّ وهو لاوي بوزه قوم أنا أخاف وأعمل له حساب.

* لا والله يا أستاذ العفو... مش قصدي والله. بس البنت صعبت عليا أوي وهي نازلة هري في نفسها.

= لا يا ستي ما يصعبش عليك غالي... عموماً سيبيلي الموضوع دا وطمني الموكلة بتاعتك وقوللها ما تقصش شعرها ولا حاجة... وأنا هتصرف.

علمت زوزو شكيب بما قالته زينات صدقي للريحاني، فزاد إصرارها على افتعال المشاكل. غير أن زينات قررت قطع الطريق عليها، واعتذرت عن عدم السفر مع الفرقة إلى الإسكندرية لعرض المسرحية هناك، فظن الريحاني أن المشكلة لا تزال قائمة وأن زينات اعتذرت خوفاً من وقوع مشاكل مع زوزو، لكنها أكدت له أنها ارتبطت بالعمل في فيلم سينمائي جديد مع المخرج عمر جميعي، وسيكون من الصعب عليها الذهاب والعودة كل يوم من وإلى الإسكندرية ومتابعة التصوير خلال عرض المسرحية.

سافرت الفرقة وفوجئ الريحاني بأن زينات لم تعتذر بمفردها، بل اعتذرت أيضاً زوزو شكيب عن عدم السفر، وقبل أن يقوم بتفسير ذلك تفسيراً سيئاً، علم منها أنها أيضاً مرتبطة بالعمل في فيلم سينمائي جديد.

كانت المفاجأة أن زوزو ارتبطت بالفيلم نفسه الذي ارتبطت به زينات، وهو «نداء القلب» قصة وسيناريو عمر جميعي وحواره، وشاركهما في بطولة الفيلم كل من أمينة نور الدين، سميرة خلوصي، إبراهيم حمودة، إسماعيل ياسين، منى فهمي، حسن كامل، عبد الفتاح القصري، إسكندر منسي، وفكتوريا حبيقة.

دارت أحداث الفيلم حول هاني الموسيقي، شاب طموح يبحث عن فرصة، فيجد أن وزارة المعارف تعلن عن مسابقة لأجمل مقطوعة موسيقية عاطفية. يجد هاني أن الفرصة سانحة ليتقدم إلى المسابقة وهو متأكد من الفوز، لو أنه استطاع أن يعبر عما في قلبه لفتاة أحلامه التي ترتسم في خياله، لكنه لم يعثر عليها بعد. وبدأ يؤلف اللحن قوياً مما نال إعجاب أستاذه والتقى بفتاة أحلامه {علية}، يتيمة الأبوين تكفل بالوصاية عليها عمها الذي وقع في حب راقصة كان يبدد عليها ثروته وجزءاً كبيراً من ثروة ابنة أخيه القاصر. فكر العم تلافياً لسوء العاقبة أن يزوج علية بابنه {حمادة} الأبله في الوقت الذي لم تشعر فيه بأي ميل نحوه، فقد كان قلبها يميل إلى هاني، والأخير وبعد أن نعم بحب علية خمدت فيه جذوة الفن ولم يتمكن من استكمال باقي اللحن الذي أطلق عليه اسم {نداء القلب}. حتى تشاء الأقدار أن يفترق الحبيبان بعدما ظن هاني أنها هجرته وتخلت عنه وهنا تشتعل ملكته الفنية من جديد، ويستكمل بقية مقطوعته الموسيقية ويفوز في المسابقة. ثم يكتشف في النهاية أن علية هي التي دبرت هذا الفراق بالاتفاق مع أستاذه، لإشعال جذوة الفن داخله واستعادة الإلهام الذي هجره، ليكمل اللحن، وعندما يكتشف الحقيقة يعود الحبيبان إلى بعضهما.

بين كشكش ورمسيس

خلال تصوير الفيلم استطاع إسماعيل ياسين أن يزيل الخلاف بين زوزو شكيب وزينات صدقي، وجمعهما معاً في وليمة سمك أقامها على شرف الصلح بينهما. وطلب جميع العاملين معه في الفيلم من زينات وزوزو أن تتخاصما مجدداً الأسبوع المقبل، ليقوم إسماعيل بالصلح بينهما على وليمة سمك من جديد.

لم تكن وليمة السمك هي التي جمعت بين زينات وزوزو، بل أمر آخر مهم وهو مرض نجيب الريحاني، الذي سقط مريضاً مجدداً على خشبة المسرح وتم نقله إلى المستشفى، وكان أول من وصل إليه زوزو وزينات.

بمرض نجيب الريحاني أغلق المسرح أبوابه مجدداً في 20 فبراير 1944، وتفرق أعضاء الفرقة بين بقية المسارح ودور السينما، وعادت زينات إلى المقر المسرحي الاحتياطي في «فرقة رمسيس» مع يوسف وهبي، الذي كان يرحب بها دائماً وقتما تعود إليه، بل إن عودتها إليه هذه المرة كانت الفائدة فيها مزدوجة، حيث التحقت بالفرقة المسرحية التي كانت تقدم «ريبرتواراً» لأعمال سبق أن قدمتها، وهو الأسلوب الذي يتبعه وهبي في المسرح عندما يكون مشغولاً بعمل سينمائي، وهي الفائدة الثانية التي استفادتها زينات بعودتها إلى فرقة رمسيس:

= زينات كويس أنك جيتي. أنا عايزك أقعدي.

* تحت أمرك يا يوسف بيه.

= خدي وقعي على العقد دا.

* حاضر.

= أما أنك غريبة أوي... طب مش تبصي تشوفي انت بتوقعي على إيه؟

* أنا أبص وراك يا يوسف بيه.

= أفرض خليتك تمضي على ورقة كدا ولا كدا... كان واجب تبصي.

* يعني إيه ورقة كدا ولا كدا... همضي على بيع العزبة... الحمد لله ما عنديش الأطيان مفيش... عقارات وخلافة مليزمونيش... العقد الوحيد اللي ممكن أتمنى أنك تمضيني عليه وهمضي عليه وأنا مغمضة هو عقد الجواز.

= (ضاحكاً) كدا... أنا عارف أنك مضربة عن الجواز. آه لو كنت أعرف انك موافقة. كنت حضرت المأذون والشهود. لكن يظهر أن مليش قسمة المرة دي... عموماً خلينا في الفيلم المرة دي وبعدين نبقى نشوف موضوع الجواز

* لحد هنا وما فيش إضراب... مع يوسف بيه الحقونا بالمأذون.

أصبح لزينات صدقي اسم مميز، ليس في المسرح فقط، بل الأهم في السينما، لدرجة أنها ترتبط للمرة الأولى بفيلمين جديدين في وقت واحد، ليصل جملة ما قدمته خلال عام 1943 إلى ثلاثة أفلام.

تعاقدت زينات مع آسيا التي أرادت أن تقدم ابنتها «منى» للسينما، في فيلم من هنري بركات، وكتب له القصة والسيناريو والحوار أبو السعود الإبياري، بعنوان «أما جنان» قامت ببطولته منى، وشاركها بطولته إسماعيل ياسين وعبد الفتاح القصري، وفؤاد شفيق وحسن فايق.

في الوقت الذي كانت تصور فيه فيلم «أما جنان» بدأت تصوير فيلم «تحيا الستات»، وضع فكرته وكتب له السيناريو والحوار المخرج توجو مزراحي، وأخرجه محمود ذو الفقار، وتدور أحداثه حول ثلاثة شبان يقررون مقاطعة خطيباتهم إثر خلاف بينهم، في محاولة للحياة من دون نساء، ظناً منهم أنهم بذلك يستطيعون أن يعيشوا حياة كلها حرية، والاستمتاع بكل شيء. غير أن هذه الحياة لا تستقيم وتتغلب الطبيعة البشرية على الشبان والفتيات، ويثبت عكس فكرتهم فيعود كل منهم إلى خطيبته.

شاركت زينات في بطولة الفيلم مع مديحة يسري، ليلى فوزي، محمد أمين، أنور وجدي، ماري منيب، ثريا حلمي، محسن سرحان، إسماعيل ياسين، ميمي شكيب، بشارة واكيم، وحسن فايق.

وصل أجر زينات صدقي إلى 400 جنيه في الفيلم الواحد، لتجد نفسها فجأة تمسك في يديها أكثر من ألف جنيه للمرة الأولى في حياتها، ولم تكن من محبي اقتناء المال وكنزه، بل تؤمن بأن وجوده فقط لإسعاد نفسها وكل من حولها من أهلها وأسرتها، ولم يكن حولها سوى والدتها، التي أصبحت لا تغادر المنزل إلا للذهاب إلى الطبيب، وفي أغلب الأوقات كان الطبيب يأتي إليها في المنزل، وتظل طوال الوقت على الكرسي المتحرك لا تغادره إلا للنوم، بالإضافة إلى شقيقتها وأولادها، وأولهم نادرة.

حرصت زينات على تجديد أثاث بيتها لتفرش شقتها من أرقى أنواع الأثاث والمفروشات، كذلك ألحقت نادرة بمدارس أبناء الطبقة الأرستقراطية، ثم راحت تغدق على والدتها بعدد ضخم من الملابس الفخمة غالية الثمن، وعدد مبالغ فيه من الأحذية، وهو ما رفضته والدتها، غير أن زينات أصرت عليه، بل حرصت على أن ترسل في طلب شقيقتها لتمضية عدة أيام معها.

البقية في الحلقة المقبلة

ألكساندرا بدران

في أول مارس 1944 بدأ يوسف وهبي التحضير لإخراج فيلمه الجديد “برلنتي” الذي كتب له القصة والسيناريو والحوار، وقام بالبطولة فيه أيضاً أمام الفتاة ألكساندرا بدران في التجربة الثانية لها معه، بعدما اكتشفها وأحضرها من حلب.

في إحدى زيارات وهبي لحلب لتقديم مسرحياته هناك، التقى الدكتور فؤاد رجائي، وهو طبيب أسنان وموسيقي يرعى الحركة الموسيقية في حلب. آنذاك، قدّم له ألكساندرا فأعجب بصوتها جداً. كانت تغني في الإذاعة، في الوقت الذي كان وهبي يبحث فيه عن بطلات لأفلامه الجديدة، وكان يفضل أن يختارهن من بين المطربات، خصوصاً أنه كان قد دخل مجال الإنتاج السينمائي، وسوق الفيلم الغنائي كان الأكثر رواجاً، فعرض عليها المجيء معه إلى مصر.

انتقلت ألكساندرا بدران إلى القاهرة مع يوسف وهبي ووقعت معه عقداً لمدة خمس سنوات ليقدمها من خلال السينما. اختار لها اسم “نور الهدى” وقدمها للمرة الأولى في عام 1943، في فيلم “جوهرة” وأدى أمامها دور البطولة، ليكون فيلم “برلنتي” التجربة الثانية لهما معاً، وهو دراما غنائية تدور أحداثها عقب موت والد الفتاة “برلنتي” فتضيق بها سبل الحياة، ويزداد الوضع صعوبة بعدما تسقط أمها فريسة المرض. تضطر “برلنتي” إلى العمل مطربة في الملاهي الليلية كي تتمكن من علاج أمها، غير أن القدر يرسل إليها “سامي”، محام شاب ناجح يقع في غرامها ويتزوجها، ومع توالي الأحداث ترى برلنتي أنها تقف حجرة عثرة في سبيل نجاح سامي، فتضحي بسمعتها في سبيل إسعاده حتى يهجرها. يصدق سامي أنها خائنة ويطردها ويتزوج من سميحة هانم، غير أن الأقدار لا تترك برلنتي وتتهم في جريمة قتل ظلماً ويكتشف سامي أن زوجته سميحة هانم هي القاتلة من خلال صديقتها، فلا يتردد في الاعتراف بذلك أمام المحكمة التي تبرئ برلنتي وتحكم على سميحة التي تصاب بصدمة فتموت على إثرها، ويعود سامي إلى برلنتي ليستأنفا حياتهما.

قبل أن ينتهي تصوير الفيلم، في نهاية مارس من العام نفسه كان الريحاني قد تماثل إلى الشفاء تماماً، غير أن الأطباء يمنعوه من الوقوف مجدداً فوق خشبة المسرح، لكنه يضرب عرض الحائط بكلام الأطباء ويعيد افتتاح مسرحية “حسن ومرقص وكوهين”، ليستمر عرضها حتى نهاية مايو من العام نفسه.

الجريدة الكويتية في

30/07/2013





images




images







images
 
التعديل الأخير:

التباب

Active Member
طاقم الإدارة
العمر واحد

كتب الخبر: ماهر زهدي

بنت بحري زينات صدقي

( 22 )

بعدما وصل أجر زينات صدقي إلى 400 جنيه في الفيلم الواحد شعرت سنية بسعادة حقيقية لما أصبحت فيه شقيقتها، خصوصاً أن ذلك يأتي بعد أيام طويلة من الشقاء والتعب، وأن الله عوضها خيراً عما عاشته سابقاً.

لفت انتباه سنية حجم المشتريات من الملابس والأحذية التي كانت زينات تشتريها، ليس لنفسها بل لوالدتها، فهي لم تشتر لنفسها باعتبارها فنانة هذا الكم:

= أنا عارفة طبعاً يا أختي انت بتحبي أمك أد إيه... بس إيه لزمتها الهدوم دي كلها... ولا الجزم الكتير أوي دي كلها.

* أنا لو أطول أجيبلها الدنيا كلها وأحطها تحت رجليها... وأسعدكم كلكم.

= أيوا يا أختى ربنا يخليك لنا ويزيدك كمان وكمان. بس ما تفهمنيش غلط يعني أمنا ربنا يديها الصحة والعافية لا بتقوم من مكانها ولا بتخرج ولا بتروح ولا تيجي.

* نفسي أسعدها بأي شكل حتى لو بالحاجات البسيطة التافهة دي.

كان إحساس زينات بالذنب تجاه والدتها عالياً جداً، وأنها السبب في إصابتها بهذه الحالة النفسية التي لم تعد معها قادرة على الوقوف على قدميها والمشي عليهما، غير أن زينات لم تفقد الأمل في أن يتم شفاؤها يوماً، وما كانت تسمع عن طبيب جديد في هذا التخصص إلا وتذهب إليه لتعرضها عليه، وهي الأسباب نفسها التي أحضرت لأجلها من يقوم على خدمتها في البيت. أما في ما يخصها هي، فقد حرصت على انتقاء من يقوم بطهي الطعام وتقديمه لها، من دون أن يخدم والدتها بمس أدواتها أو الاقتراب من طعامها.

في أثناء تصوير بعض المشاهد من فيلم «ممنوع الحب» للموسيقار محمد عبد الوهاب، في أحد فنادق وسط القاهرة، لفتت نظر زينات مجموعة من الصبية السودانيين يعملون في الفندق في خدمة الغرف وتوصيل الحقائب، ولفت نظرها كم النظافة الشخصية في الشكل والملابس التي يتمتع بها هؤلاء الصبية الذين لم يزد سن أحدهم على 13 عاماً، فقررت الاستعانة بواحد منهم ليقوم على خدمتها في المنزل. فعلاً ذهبت إلى مدير فندق «شبرد» في وسط القاهرة، واستعانت به ليختار لها واحداً من هؤلاء الصبية ليعيش معها في بيتها، ويتولى خدمتها.

أخبرت مدير فندق «شبرد» بأمر صبي سوداني شاهدته سابقاً عمره 13 عاماً، يدعى عثمان. ما إن أحضره وشاهدته زينات حتى صاحت:

* هو دا... تعالَ يا سمارة.

= اسمي عوثمان يا ستو هانم.

* تعرف تطبخ يا سمارة.

= اسمي عوثمان يا ستو هانم... وكمان أنا ما بنعرف نطبخ.

* أمال بتعرف تعمل إيه يا سمارة.

= رهمتك يا رب... ستو هانم... أنا اسمي عوثمان مش سمارة.

* وأنا عايزة أدلعك وأقولك يا سمارة... موافق.

= وهو عوثمان عملك إيه؟

* ما عمليش حاجة بس بحب اسم سمارة... إيه رأيك بقى تشتغل عندي في البيت يا سمارة.

= أشتغل... وأمري إلى الله.

منذ ذلك اليوم أصبح عثمان أو «سمارة» كما أصرت أن تناديه زينات المسؤول عن أكلها وشربها وتقديم الأكل لها، وغسل أدوات السفرة من «شوكة وسكين وملعقة» وتجهيزها لها ولا يدع أحداً يلمسها بيده.

شعرت زينات بأنها تقترب يوماً بعد يوم من السينما، وأنها أصبحت قريبة إلى قلبها، لا تبذل فيها الجهد نفسه الذي تبذله في المسرح، وعلى رغم ذلك تحقق عائداً مادياً وأدبياً كبيراً، فمن الممكن أن تتقاضى في فيلم واحد يتم تصويره في ثلاثة أسابيع أو شهر ما يمكن أن تتقاضاه في موسم مسرحي كامل ثلاثة أو أربعة أشهر، فضلاً عن أن جمهور السينما بات أكبر كثيراً من جمهور المسرح، أضف إلى ذلك أنها يمكن أن تصور فيلمين أو ثلاثة في وقت واحد.

مطلوبة سينمائياً

في مستهل عام 1945، تعاقدت زينات مع المخرج جمال مدكور، على المشاركة معه في فيلمه «كازينو اللطافة»، قصة وسيناريو الفنان عبد العزيز أحمد، بطولة سامية جمال وعباس فارس، المطرب الشعبي محمد عبد المطلب، إسماعيل ياسين، بشارة ومحمود المليجي وزوجته الفنانة علوية جميل، ميمي شكيب، والمونولوجست ثريا حلمي.

دارت أحداث الفيلم حول الصديقتين عزيزة وشريفة، المتزوجتين من الصديقين عزيز ورفعت، يحدث أن تشك عزيزة فى سلوك زوجها وتدعم صديقتها هذا الشك وتدبران خطة لكشف الحقيقة، فترسل شريفة خطابًا غراميًا غير موقع إلى عزيز باشا وتضرب له موعدًا في «كازينو اللطافة». يتلقى الباشا الخطاب على أنه حدث مثير فيطلع أصدقاءه عليه، يتعرف عزيز إلى خط زوجته ويتهمها بالخيانة ويتأزم الموقف حين يحزم رفعت أمره على الانتقام من زوجته «شريفة» فيهرع الباشا إلى الكازينو ليحذر شريفة من غضب زوجها، إلا أنها تراه هناك فتتأكد من خيانته. يصل سوء الفهم إلى ذروته في مواجهة تضم الأربعة ويصرح فيها كل منهم بما يعلم. تتضح الأمور ويزول سوء التفاهم. يعاتب الباشا زوجته على شكها فيه ويعاتب رفعت زوجته على مشاركتها في المقلب، وفي نهاية الأحداث يعود الباشا وعزيزة، كذلك رفعت وشريفة إلى ما كانوا عليه من سعادة تاركين وراءهم ما حدث في «كازينو اللطافة».ما إن انتهت زينات من تصوير «كازينو اللطافة» حتى وجدت نجيب الريحاني يرسل في طلبها للمشاركة معه في عمل مسرحي جديد، غير أنه هذه المرة لم يسند إليها الدور الرئيس كما فعل في مسرحية «حسن ومرقص وكوهين» بل أعادها إلى دور الخادمة، ولا يحق لها أن تعترض أو تراجعه، وأسند دور البطولة أمامه للفنانة ماري منيب لتجسد دور العانس التركية، العجوز المتصابية في مسرحية «إلا خمسة».

وجدت زينات نفسها في موقف حرج، ففي الوقت الذي أرسل لها الريحاني للعمل معه في المسرح، طلبها المخرج كمال سليم لتشارك معه في فيلم سينمائي جديد، وألح في الاستعجال عليها بشكل غير طبيعي:

= ما ينفعش الكلام دا يا زينات. يا موافقة يا إما مش موافقة. انت عارفة محبش المواقف الرمادية دي.

* لا رمادي ولا بني. أنا مستعدة أمضى العقد على بياض والله. دا شرف ليا يا أستاذ كمال أني أشتغل معاك.

= خلاص يبقى تحضري التصوير معانا الاسبوع اللي جاي.

* أنا بس بستأذنك تأجل المشاهد بتاعتي اسبوع واحد بس. لأن الاستاذ نجيب هيفتح المسرحية الأسبوع اللي جاي... وأنا لا أقدر أقوله لا ولا أقدر أعتذر... وأنا محتاجة التركيز جدا في أول أسبوع بس. وبعدين انت معروف عنك انك بتشتغل على مهلك من غير استعجال. اشمعنى المرة دي يعني؟

= لأني لازم أخلص الفيلم دا بسرعة علشان ارتبطت مع أنور وجدي بفيلم «ليلى بنت الفقراء» هايلعب البطولة قدام ليلى مراد... وهينتج لها الفيلم على حسابه.

* أنور وجدي هاينتج سينما؟

= ماهو يا إما أنور دا واد تاجر شاطر أوي... يا إما أنه عاشق متيم أوي.

* ويمكن يكون الاتنين مع بعض.

اقتنع كمال سليم بكلام زينات وأجَّل مشاهدها في الفيلم لمدة أسبوع فقط إلى حين مرور الأسبوع الأول من مسرحية «إلا خمسة» التي يراهن عليها الريحاني.

في 4 مارس 1945، افتتح الريحاني المسرحية، التي قدمت فيها زينات دوراً هامشياً، وهو دور خادمة العجوز العانس التي تمثل محور الأحداث مع المحامي الشاب المفلس الذي يتقمص شخصية سائق ليدخل بيت هذه الأسرة التركية للبحث عن كنز مدفون به.

حققت المسرحية نجاحاً لم تحققه أعمال الريحاني سابقاً، وعاد الفضل في ذلك إلى أداء ماري منيب التي جسدت شخصية العجوز العانس، وأداء الريحاني لدور المحامي الذي يبحث عن الكنز.

قصة عذاب

أطمأنت زينات صدقي إلى نجاح مسرحية «إلا خمسة» واتجهت فوراً إلى موقع تصوير فيلم «قصة غرام»، تأليف كمال سليم وإخراجه، وبطولة أميرة أمير، إبراهيم حمودة وزكي رستم وزوزو حمدي الحكيم ومحمود المليجي وبشارة واكيم وصفية حلمي.

تدور أحداث الفيلم حول عصمت وزوجته وابنتهما هدى، الذين يحضرون احتفالاً بختان بعض أنجال الأصدقاء. يعيش جلال في كنف والد هدى ويرتبط الصغيران إلا أن القدر لا يمهلهما حتى يكبرا. يتوفى عصمت والد هدى ليتركهما تحت سيطرة رجل شرير ظالم هو شاهين الذي يستولى على ثروة هدى ويعيشان معه حياة قاسية، إلى أن يكبرا ويقررا الهرب. لكن شاهين يطاردهما مع أحد رجاله ويصاب جلال بطلق ناري لكنه يوصى هدى بالهرب. فعلاً، تتركه وتهرب ويقع جلال مجدداً في قبضة الشرير بينما تتلمس هدى خطواتها في ظلام الحياة التي لا تعرف فيها أحدًا إلى أن تقع في قبضة شرير آخر يراودها عن نفسها هو راشد، العدو اللدود لشاهين، يسقيها من كأس الذل والهوان وتقاسي التعذيب والمعاناة مجدداً، إلى أن يستطيع جلال أن ينتصر على شاهين في مجابهة لا تخلو من الدماء ويقرر أن يبحث عن هدى محبوبته إلى أن يجدها ليخلصها من راشد ثم يعودان إلى حبهما.

عندما انضمت زينات لتصوير «قصة غرام» كان قد أنهى ما يقرب من ثلث الفيلم تقريباً، ولم يمر أربعة أيام من عملها في الفيلم حتى سقط المخرج كمال سليم مريضاً ليتوقف التصوير.

الفيلم الذي تعجل تصويره كمال سليم توقف إلى ما يقرب من أسبوع، رقد خلاله في المستشفى، حتى إن الأطباء لم يعرفوا أسباباً محددة لمرضه. فجأة قرر استئناف التصوير، وكلف محمود المليجي بإبلاغ زملائه كلهم بالحضور إلى الأستوديو لبدء التصوير، وهو ما التزم به الجميع، ليدخل عليهم محمود المليجي ويشيع لهم خبراً لم يتوقعه أي منهم: كمال سليم مات.

نصيحة أستاذ

بعد الأفلام الثلاثة التي قدمتها زينات في الربع الأول من عام 1945، «جمال ودلال، كازينو اللطافة، وقصة غرام» وقَّعت عقدين لفيلمين جديدين، أولهما كوميدي غنائي مع المخرج أحمد بدرخان، بعنوان «شهر العسل» قصة وسيناريو وحوار بديع خيري، بطولة فريد الأطرش، مديحة يسري، أمينة نور الدين، السيد بدير، ثريا حلمي، وحسن فايق.

دارت أحداث «شهر العسل» حول «هناء» الفتاة الجميلة التي تضطر إلى قبول شاب ثقيل الظل يتقدم لخطبتها، في الوقت الذي تقوم الفتاة جمالات بمحاولة الإيقاع بالشاب فريد، عندما تطلب منه عبر الهاتف أن يعلمها الموسيقى، ويحدث التباس عندما يذهب فريد إلى منزلها؛ إذ يلتبس الأمر على خطيبي الفتاتين هناء وجمالات، فكل من الشابين يظن أن الأخرى خطيبته، وعندما يحضر فريد ويلتقي بهناء يظنها جمالات، يؤكد عليها الموعد لتأتي إلى منزله، يترتب على ذلك أن تذهب الفتاتان إلى الموعد نفسه، ويحدث كثير من المواقف والمفارقات الكوميدية، وفي نهاية الأمر يتزوج فريد من هناء.

جاء الفيلم الأخير لها في عام 1945 في شهر أكتوبر، بعنوان «أحلاهم» مع الفنان استيفان روستي، والذي كتبه بمشاركة مع زكي صالح، وأخرجه، ليحمل لزينات مفاجأة سارة لم تتوقعها، عندما وجدت نفسها وجهاً لوجه مع أستاذها زكي طليمات، الذي شاركها في بطولة الفيلم:

* يااه... انت فاكرني يا أستاذ.

= طبعاً... انت من الناس اللي لازم يسيبوا أثر في اللي يقابلهم في حياته.

* دا شرف كبير يا أستاذ.

= أنا مش بجاملك... وكمان انت مش بس إنسانة كويسة. انت ممثلة هايلة يا زينات.

* دي شهادة كبيرة الأستاذ لتلميذة من تلاميذه... ولو دا حقيقي أكيد انت صاحب الفضل الأول لأني أتعلمت على أيدك. صحيح م لحقناش نكمل وقفلوا المعهد... بس برضه تلامذتك.

= ايوا... بس الحمد لله قدرنا نفتح المعهد تاني. وأول دفعة أتخرجت السنة اللي فاتت... طبعاً انت دلوقت فنانة كبيرة مش محتاجة دراسة.

* يموت المعلم ولا يتعلم يا أستاذ... بس خلاص بعد ما شاب ودوه الكتاب... أدينا بنتعلم منك برضه في شغلنا.

= طيب بالمناسبة دي أنا كنت عايز أقولك نصيحة تحطيها حلقة في ودنك... لو كنت تقبلي النصيحة.

* يا خبر يا أستاذ... دا انا اللي كنت هاطلب منك النصيحة.

= شوفي.. انت ممثلة هايلة جدا.. وعندك حضور قدام الكاميرا زي حضورك على خشبة المسرح بالظبط.. لكن أنا ملاحظ انك بتقبلي كل فيلم بيتعرض عليك.. علشان كدا عايزك تاخدي بالك كويس.. وتنقي الأفلام اللي بتشاركي فيها علشان ماتبقيش مجرد نمط واحد ثابت.

شارك زكي طليمات في بطولة الفيلم مع ببا عز الدين، ميمي شكيب، زينات صدقي، ليلى فوزي، سامية جمال، وحسن فايق.

دارت أحداث فيلم «أحلاهم» حول فتاة فقيرة، والدها رجل بخيل، غير أنها تحلم بصعود السلم الاجتماعي، تتعرف إلى صاحبة ملهى وتعمل به راقصة، يحاول الأب البخيل ابتزاز أموالها، وتتعرف «أحلاهم» إلى شاب في الملهي الليلي، وتنمو بينهما قصة حب. لكن الشاب لا يوافق على الزواج منها، تعود الفتاة إلى الحي الشعبي، ويلحق بها الشاب بعد أن يعرف معدنها الأصيل.

أصبحت زينات تذهب إلى المسرح باعتبارها «ضيفة» لا تستقر طويلاً فيه، فما إن تبدأ في عمل مسرحي، سواء مع فرقة الريحاني أو فرقة «رمسيس» حتى تناديها السينما مجدداً، ولم تستطع أن ترفض طلبها في أي وقت، ساعدها على ذلك تركيز كل من نجيب الريحاني ويوسف وهبي أيضاً في السينما.

في الوقت الذي بدأ فيه نجيب الريحاني تصوير أول فيلم من إنتاجه مع بداية عام 1946 بعنوان «أحمر شفايف» أمام سامية جمال، تعاقدت زينات صدقي على فيلمين جديدين هما «الدنيا بخير» تأليف وإخراج محمد عبد الجواد، الذي استكمل فيلم «قصة غرام» بعد رحيل كمال سليم، وأدى بطولته المطرب إبراهيم حمودة، إلى جانب أميرة أمير ومحمود شكوكو وعبد الفتاح القصري وفؤاد شفيق وفردوس محمد. ثم قدمت فيلم «عروسة للإيجار» قصة وسيناريو بديع خيري وحواره، وإخراج فريد الجندي. شاركت فيه أمام أنور وجدي وليلى حلمي وفؤاد شفيق وحسن فايق وبشارة واكيم.

بعدما قدمت زينات فيلمين خلال عام 1946 توقفت عن قبول أعمال سينمائية جديدة، تذكرت ما قاله لها زكي طليمات، فرفضت أكثر من ثلاثة أفلام عرضت عليها ذلك العام إلى جانب الفيلمين اللذين قدمتهما، وقررت إعادة ترتيب أوراقها، والتدقيق في ما يعرض عليها من أعمال.

(البقية في الحلقة المقبلة)

رحيل كمال سليم

في الثاني من أبريل 1945، رحل المخرج كمال سليم فجأة وهو في ريعان الشباب، فلم يزد عمره على 32 عاماً، رحل بعد حياة فنية قصيرة، قدم خلالها 11 فيلماً، وكتب قصة وسيناريو وحوار 13 فيلماًَ، ليكون فيلم «قصة غرام» هو آخر علاقة له بالسينما، ولم يكتمل، وقام بعدها صديقه المخرج محمد عبد الجواد باستكمال إخراج الفيلم، ويوضع اسم كمال سليم ثم محمد عبد الجواد، في حين أخرج أنور وجدي فيلم «ليلى بنت الفقراء» بنفسه والذي كان مقدراً أن يخرجه سليم أيضاً.

تأثرت زينات برحيل سليم بشكل كبير، فكما كانت تكره المرض كانت تكره الموت جداً، فهي لا تحب أن تذهب إلى مستشفى، إلا مضطرة، وما كانت تذهب إلى سرادقات العزاء، إلا اضطراراً أيضاً. جاء رحيل كمال سليم المفاجئ كأنه جرس إنذار نبهها لشيء لم تضعه في حسبانها، فوالدها مدفون في مقابر العائلة في الإسكندرية، لكنها تعيش الآن في القاهرة، فاتخذت قراراً كان مفاجئاً لكل من حولها وأولهم والدتها:

= يا ساتر يارب.. ليه كدا يا بنتي.. إيه اللي خلاكي تفكري في كدا

* أبداً. عادي يعني.

= أيوا اللي زيك وفى سنك تقول أشترى شقة أشترى فيلا... مش أشترى تربة. وبعدين ما أحنا لنا مدافن في الإسكندرية... نشترى تربة هنا في مصر ليه

* يعني يا أمي لما أموت هاتستنوا لما تسافروا بيا كل الطريق دا لحد إسكندرية.

= أعوذ بالله. ليه كدا يا بنتي... الشر بره وبعيد. هم بيقولوا يا صغار ولا يا كبار.

* صحيح انا ما بحبش سيرة الموت... بس كل شيء بيد الله. ولما يكون لنا مدفن هنا في مصر أحسن. عموماً أنا اتفقت مع اللي هيشتيريهالي خلاص. وبعدين محدش عارف مين اللي هيندفن فيها... أهي تكون لكل عابر سبيل.

فعلاً اشترت زينات مدفناً خاصاً بها وبأسرتها، غير أنها لم تكتب عليه اسم العائلة، بل حرصت أن تكتب عليه «مدفن لكل عابر سبيل»، وأكدت لحارس المدفن أنها تقصد حقيقة العبارة التي كتبتها على المدفن، وأوضحت له أنها ليس لديها أي مانع من أن يتم دفن أي إنسان ليس لديه مدافن خاصة به وبعائلته، وأن تجعل مدفنها فعلاً لأي عابر سبيل.

الجريدة الكويتية في

31/07/2013















images





images
 
التعديل الأخير:

التباب

Active Member
طاقم الإدارة
ما ليش حد

كتب الخبر: ماهر زهدي

بنت بحري زينات صدقي

( 23 )

انتهزت زينات صدقي فرصة رفضها لعدد من الأفلام السينمائية، وقررت العودة إلى المسرح، وما إن طلبها نجيب الريحاني للمشاركة معه في عمل مسرحي جديد، حتى هرولت إليه، فقد كان قد بدأ بتقديم مسرحية «سلاح اليوم» التي كتبها كالعادة بالمشاركة مع بديع خيري، غير أنها هذه المرة تضمنت هجوماً لاذعاً على قيم المجتمع المادية، فجاءت جادة خالية إلى حد ما من الكوميديا، ولكنها تتضمن موضوعاً مهماً حول الفساد المتفشي في المجتمع.

لم تنجح مسرحية نجيب الريحاني «سلاح اليوم» لأن الجمهور لم يتذوقها، باستثناء قلة صغيرة، من أمثال الدكتور طه حسين، هي التي أدركت مضمونها وأوفتها حقها من التقدير، فاضطر الريحاني إلى إعادة تقديم «ريبورتوار» من الأعمال القديمة التي أحبها الجمهور، والتي وجدت زينات نفسها تحبها وتميل إليها أكثر من أي أعمال أخرى.

اكتشفت زينات أنها تميل كل الميل إلى الكوميديا، ليس من خلال أعمالها الفنية فقط، بل حتى على المستوى الإنساني، وهو ما يفسر ضيقها من عدد من الأفلام التي قدمتها خلال الفترة الأخيرة والتي ابتعدت عن الكوميديا وناقشت عدداً من القضايا الاجتماعية التراجيدية، فاتخذت قراراً بالابتعاد عن كل ما هو بعيد عن الكوميديا، وإن لم يشجعها على ذلك سليمان بك نجيب، المعلم والمستشار والصديق:

= شوفي يا زينات دا كلام مش مظبوط. طبعاً من حقك تحبي الكوميديا... وكمان تفضليها على أي حاجة تانية. لكن انت فنانة. لازم تقدم كل الألوان.

* بس أنا ما بحبش النكد يا سليمان بيه. دا بيأثر عليّ أوي.

= مش لوحدك. كلنا كدا... بس لازم تدربي نفسك أنك تفصلي نفسك عن أي شخصية بتقديمها. أو أي حكاية بتعيشيها في الدراما.

على رغم عدم حب زينات للأعمال التراجيدية، فإنها اقتنعت تماماً بالدرس الذي لقنه إياها سليمان نجيب، لكن القدر سرعان ما استجاب لها وأرسل إليها فيلماً كوميدياً بعنوان «الستات عفاريت» وهو فانتازيا كوميدية كتب لها القصة والسيناريو والحوار أبو السعود الإبياري، وأخرجه حسن الإمام.

تدور أحداث الفيلم في إطار كوميدي خفيف حول زوجين تتبدل حياتهما من الهناء إلى العراك اليومي والنزاع بشكل دائم بسبب الغيرة والشك، وإذا بالزوجة يقع لها حادث وهي بصحبة خادمها، تصعد روحاهما فوراً ثم يعودان إلى الأرض في هيئة أشباح، تطارد الزوجة زوجها عندما يقرر الزواج من صديقتها، كما يغضب الخادم عندما يجد خطيبته الخادمة تقرر الزواج من صديقه، ويحول الشبحان حياة الأسرة إلى جحيم، وعندما يصل الصراع إلى ذروته، يفيق الزوج من نومه ويتضح أنه كان يحلم.

شارك زينات صدقي بطولة الفيلم زوزو حمدي الحكيم، محمود المليجي، ليلى فوزي، إسماعيل ياسين، ثريا حلمي، عزيز عثمان.

خوف من الأيام

توفي زوج زينات السابق الموسيقي إبراهيم فوزي، فترك بعض الحزن على نفسها، ليس لأنها ارتبطت به يوماً، بل ما أحزنها وسبب لها رعب فكرة الوحدة، أن يعيش الإنسان وحيداً بلا زوج أو أولاد أو أسرة تستره في أيامه الأخيرة، ما جعل أسئلة عدة تدور في رأسها، حول الحياة والموت والزواج والأولاد والوحدة، فهي ترفض فكرة الزواج مجدداً لمجرد الزواج، لكن ليس لديها مانع من أن تخوض التجربة إذا حدث تفاهم مع إنسان يمكن أن يحبها وتحبه، لكن ماذا لو لم يحدث؟ فهي تعيش الآن مع والدتها وابنة شقيقتها، لكن ماذا لو استمرت من دون زواج، فكيف يمكن أن يكون مصيرها بعد وفاة والدتها، وزواج ابنة شقيقتها؟

كانت نادرة ابنة شقيقتها قد بلغت مرحلة الشباب، فحرصت على أن تطمئن منها على أن تبقى إلى جوارها طوال العمر:

* يعني ما فيش حاجة كدا ولا كدا.

= أنا مش فهماكي يا ماما زوزو النهاردة انت تقصدي إيه؟

* يعني قصدي أسألك اخبار قلبك النونو إيه؟

= قلبي كويس والحمد لله.

* يا بت بطلي لف ودوران... أنا قصدي اسألك قلبك ما بيدقش لشاب أو صديق هنا ولا هنا.

= إيه يا ماما الكلام دا... أنا بتكسف.

* سيبك من الكسوف وصارحيني بجد.

= والله أبداً ما فيش حاجة.

* عايزين نتفق أنك ما تسبينيش طول حياتك.

= أسيبك وأروح فين بس انت يا قمر.

* أنا بتكلم بجد يا بنت علي اللبان.

= غريبة... أول مرة تقوللي يا بنت علي اللبان.

* مش دي الحقيقة. بفكرك بيها علشان ما تجيش يوم تقوللي أرجع لأبويا ولا أمي إسكندرية... هتفضلي معايا هنا لحد ما أموت.

= بعد الشر عليك يا ماما.

* لا شر ولا حر. أنا بنبهك. حتى لما ييجي ابن الحلال... هتتجوزي وتعيشي معايا هنا أهي الشقة كبيرة وواسعة.

بعدما أطمأنت زينات على حياتها الخاصة عادت لاستئناف عملها، حيث أشعرها هاجس الموت والعجز بخوف من الغد، فقررت أن تقبل كل ما يعرض عليها من أعمال في حدود إمكاناتها ووقتها، الأمر الذي جعلها تعود إلىأفلام التراجيديا والحركة التي كانت قد اتخذت قراراً بالامتناع عنها، فقبلت فيلم «شبح نص الليل» مع المخرج عبد الفتاح حسن، قصة وسيناريو محمد كامل حسن المحامي وحواره، في أبريل 1947، وشارك معها في بطولة الفيلم حسن عبد الوهاب، ومحمد عطية، وسراج منير، وروحية خالد، وعبد العزيز أحمد، وصوفي ديمتري.

دارت أحداث الفيلم حول ضابط المباحث الشاب الذي يتقدم لابنة عمه الثري، غير أن عمه يرفضه، ثم نكتشف أن الحالة المادية لهذا الثري تسوء، وأن الرجل قرر أن يزوج ابنته لرجل ثري حتى ولو كان يكبرها بسنوات ليست بقليلة لإنقاذ العائلة من الإفلاس. يطوي ابن العم حبه على قلبه، وتستسلم الابنة لمصير اختاره أبوها المفلس. فعلاً، تتزوج من الثري العجوز، إلا أن ابنه لا يرضى عن الزيجة ويضمر حقداً لأبيه وزوجته معاً. يحدث أن يصيب الزوج العجوز المرض ويصبح لصيقًا بالفراش، فيستغل الابن الفرصة ليضرب عصفورين بحجر. يتنكر في ملابس شبح ويتسلل إلى حجرة والده ثم يحمله ليلقي به من النافذة فيموت. يحقق ابن عم الزوجة في مقتل الزوج، فتُتهم في مقتله بدافع الاستفادة من أمواله. يتكرر ظهور الشبح ويعمل على كشف سره لابن العم ويقبض على الابن القاتل. يعود الحب بين ضابط المباحث وابنة عمه بعدما زالت كل العقبات من طريقهما.

ما إن تقاضت زينات أجرها عن فيلم «شبح نص الليل» حتى اشترت سيارة جديدة تصميم 1947، بعدما ظلت ما يقرب من عامين تتعلم قيادة السيارات، ليس لصعوبة التعلم أو أن ثمة مشكلة خاصة بها، ولكن لخوفها الشديد من أن ترتكب حادثاً وتتسبب في مقتل أو إصابة إنسان.

حرصت أن يكون أول من يركب السيارة والدتها، فأخذتها في رحلة مع نادرة وعثمان السفرجي إلى «حديقة الحيوان».

كارثة

في 29 نوفمبر 1947، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية وأخرى عربية فلسطينية وتدويل منطقة القدس ـ جعلها منطقة دولية لا تنتمي إلى دولة معينة ووضعها تحت حكم دولي ـ وقد شمل القرار الحدود بين الدولتين الموعودتين وحدد مراحل في تطبيقه وتوصيات لتسويات اقتصادية بين الدولتين.

رحب الصهاينة بمشروع التقسيم، بينما شعر العرب والفلسطينيون بالإجحاف، فتصاعدت حدّة القتال بعد قرار التقسيم، في بداية عام 1948، في الوقت الذي بدأت فيه «منظمتا الأرجون وشتيرن» استخدام السيارات المفخخة، وتفجير مركز الحكومة في يافا ما أسفر عن مقتل 26 مدنياً فلسطينياً.

في منتصف ليلة السبت ‏15‏ مايو ‏1948 ميلادية، الموافق السادس من مايو عام ‏5758‏ (من التقويم العبري)‏، غادر المندوب السامي البريطاني ميناء حيفا معلناً نهاية انتداب بلاده على فلسطين (‏بعد ‏26‏ عاماً).‏ عندئذ أعلن بن جوريون قيام دولة تدعى «إسرائيل» بحكومة موقتة وسكانها لا يتعدون ‏650‏ ألف يهودي‏، فتحركت جيوش خمس دول عربية‏ (‏مصر، الأردن، العراق‏، سورية‏، لبنان‏)‏ تمثل نحو ‏40‏ مليون نسمة، عدد سكانها، لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

قررت القيادة السياسية المصرية ممثلة في الملك فاروق ورئيس الوزراء النقراشي باشا، دخول الحرب قبل نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين بأسبوعين فقط، وأقر البرلمان المصري دخول الحرب قبلها بيومين، ونظراً إلى ضيق الوقت والقصور الشديد في السلاح والعتاد الحربي اللازم لدخول الجيش الحرب، تم تشكيل لجنة سميت لجنة احتياجات الجيش كانت لها صلاحيات واسعة من دون قيود أو رقابة لإحضار السلاح من كل المصادر و بأسرع وقت ممكن.

وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد أصدر قراراً بحظر بيع الأسلحة للدول المتحاربة في حرب فلسطين، وهو قرار كان يقصد منه الدول العربية تحديداً، لذلك اضطرت الحكومة المصرية إلى التحايل على القرار بإجراء صفقات الأسلحة مع شركات السلاح تحت غطاء أسماء وسطاء وسماسرة مصريين وأجانب، ما فتح الباب على مصراعيه للتلاعب وتحقيق مكاسب ضخمة وعمولات غير مشروعة.

ما كادت القوات العربية تقترب من حدود فلسطين حتى صدرت قرارات الدول الكبرى ‏(‏الولايات المتحدة‏ الأميركية،‏ الاتحاد السوفياتي، إنكلترا، وغيرها من دول أوروبية‏)‏ بالاعتراف بإسرائيل كدولة مستقلة‏. كذلك صدر مع قرارات الإدانة الدولية التهديد بالعقوبات على الجيوش العربية‏،‏ بينما لم تعترض أية قوة دولية عندما شرعت قوات الهاجاناه ومنظمتا «الأرجون والشتيرن» الإرهابيتين في ضرب المدن والقرى الفلسطينية الواحدة تلو الأخرى في الأسابيع السابقة للسبت الحزين‏ (15‏ مايو ‏1948).

حرص عدد من الفنانين على المشاركة بفاعلية في مساندة الجيش المصري في فلسطين، سواء عن طريق جمع تبرعات أو تقديم حفلات ترفيهية للجنود المصريين عبر الإذاعة المصرية، مثلما فعلت أم كلثوم وغيرها من مطربات، في الوقت الذي بحث فيه زينات صدقي بالمشاركة مع عدد كبير من الفنانين، عن عمل يقدمونه للمشاركة في الحدث الكبير، فاستقر الرأي على تقديم عمل مسرحي ضخم بعنوان «شهداء الوطنية» إخراج إبراهيم جلال، يتناول موضوع قتل الجنود المصريين على الجبهة الفلسطينية من دون حرب، وبمجرد استخدام الأسلحة التي معهم، وهو ما عرف في ما بعد بصفقة «الأسلحة الفاسدة».

اختيار أساسي

فيما كانت رحى الحرب دائرة، لم تتوقف حركة السينما، خصوصاً في ظل ظهور طبقة جديدة من أثرياء الحرب، شارك كثيرون منهم من الباطن في إنتاج عدد من الأفلام السينمائية، ما أدى إلى انتعاش سينمائي على رغم أجواء الحرب التي كانت تسيطر على البلد، فقدمت زينات في 19 أبريل 1948 فيلم «اللعب بالنار» تأليف عمر جميعي وإخراجه، وبطولة كل من المطربة الشابة شريفة فاضل ومحمود المليجي وزوزو ماضي وفريد شوقي ونعيمة جمال ومحمود شكوكو.

بعده شاركت في فيلم «بنت حظ» تأليف عبد الفتاح حسن وإخراجه، وبطولة كل من محمد فوزي وسامية جمال وعلي الكسار ومحمود شكوكو.

لفتت زينات صدقي نظر الفنان والمطرب الشاب محمد فوزي، لدرجة أنه أثناء تصوير الفيلم، وعندما لا تكون لديه مشاهد يصورها، كان يحرص على أن يقف خلف الكاميرا يشاهد أداءها، وهو في حالة انبهار وإعجاب:

= الله... الله عليكِ يا ست زينات... والله كأنك بتغني.

* على فكرة... أنا كنت زمان بغني.

= طبعاً أنا عارف... وبالإمارة كنت في نفس المدرسة اللي أنا أتخرجت منها... كازينو بديعة.

* فين أيام كازينو بديعة وأيام إسكندرية. يااه... كلام بقاله أكتر من 15 سنة... بس في دماغي كأنه حصل إمبارح.

= شوفي بقى. أنا بحضر لفيلم تاني جديد... هنبدأ تصويره الأسبوع الجاي. انت أساسي في الفيلم دا.

* ربنا يخليك يا محمد. انت عارف أنا بحبك أد إيه. بس مش عارفة ظروف شغلي إيه.

= ظروف وجوابات أنا مليش علاقة... لو مش هتشتغلي معايا... أنا هرفض الفيلم دا... انت اسمك على أفيش الفيلم انت وإسماعيل ياسين مكسب لأي حد.

قبل أن ينتهي تصوير فيلم «بنت حظ» بدأ محمد فوزي تصوير فيلم «حب وجنون» قصة وسيناريو بديع خيري وحواره، وإخراج حلمي رفلة، وإلى جانب فوزي وزينات، شارك في بطولته كل من تحية كاريوكا وإسماعيل ياسين ومحمود شكوكو وعبد السلام النابلسي.

دارت أحداث الفيلم حول محمد، الشاب الريفي الذي يعشق الغناء والطرب، ويغني في الموالد، غير أن عمه يكره ذلك، فيقرر الشاب السفر إلى القاهرة بحثاً عن فتح باب لموهبته، وفعلاً تفتح له الأبواب في القاهرة، لدرجة أن اسمه يتقدم اسم الراقصة التي سمعته يوماً ما وسخرت منه ومن ملابسه الفقيرة ومن أسلوبه هو وصديقاه، بل وتتصارع عليه فتيات الطبقة الراقية، فتضطر الراقصة إلى الاعتراف له بحبها.

إضافة إلى خوفها من المرض وعدم النظافة، بدأ زينات تخشى أمراً آخر، خصوصاً مع اتساع دائرة نجوميتها وتهافت الفنانين قبل المنتجين لطلبها للعمل معهم، فما إن يصيبها قليل من «البرد» أو الزكام، فترجع ذلك إلى الحسد، وإذا مرضت والدتها تؤكد لها أنه من الحسد، وتطلق «البخور» في البيت، وتبخر نفسها ووالدتها، بل ونادرة ابنة شقيقتها، خوفاً من عين الحسود.

ما إن انتهت من تصوير «حب وجنون» حتى شعرت بضيق وحالة من الاكتئاب، لدرجة أنها كانت ترفض الرد على الهاتف، بل وتتهرب إذا ما قالت لها نادرة إن من على الطرف الآخر منتج.

لاحظ ذلك ممثل يشارك في الأدوار الثانوية يدعى منير الفنجري، عندما وجدها تجلس شاردة الذهن، ليست كعادتها، فأكد لها أن لديه الدواء... يريد أن يسمع موافقتها فحسب، فقالت له: موافقة... أما أشوف هتعمل إيه!

(البقية في الحلقة المقبلة)

هروب إلى الضحك

عندما حاولت زينات الهروب إلى الكوميديا، وجدت أيضاً أمامها الموت والأشباح، فهي كانت تشعر بأن شبح الموت يهددها طوال الوقت. لم تكن تخشى على نفسها من الموت، لكن تخشى على والدتها، تخشى أن يخطف الموت والدتها منها، فلن تستطيع العيش بعدها، أو أن تموت هي فتتألم والدتها لموتها. زاد من مخاوفها «المدفن» الذي اشترته، وشعرت بوجود نذير شؤم، وأنه سيستقبل أياً منهما قريباً.

صدق حدسها... لكن ليس لها أو لوالدتها، لكن لزوجها السابق، الموسيقي إبراهيم فوزي، فبينما كان الجميع مشغولين في البروفة مع نجيب الريحاني على خشبة المسرح، دخل «عم مجانس» حارس المسرح مسرعاً ليقطع البروفة وليخبرهم بسقوط الأستاذ فوزي إبراهيم.

جرى الجميع ليروا ماذا حدث له، إلا زينات، اتجهت إلى أقرب كرسي وألقت بجسدها عليه، وبعد إحضار طبيب أكد لهم أنه فارق الحياة.

وقع الريحاني في حيرة، لم يعرف كيف يتصرف؟ ماذا يفعل؟ فهو لا يعرف له أسرة أو عائلة، ولم يخطر على باله يوما أن يسأله عن أسرته أو البيت الذي يسكن فيه، أو الحي الذي يعيش فيه:

= يا دي المصيبة... نعمل فيه إيه الجدع دا؟ الله يرحمه بقى لا نعرف له أهل ولا بيت... طب والعمل؟ ماهو لازم يتجهز ويتكفن والذي منه.

- أنا بقول يا أستاذ نوديه مستشفى قريب وهم يقوموا باللازم وأهو يخرج من المستشفى على الترب على طول.

= ترب إيه... ألا ما نعرف له بيت هنعرف تربته.

وقفت زينات ودموعها لا تتوقف، فقد كانت مرتبطة بهذا الرجل يوماً ما. وحتى لو لم تكن تعرفه، فهي لا تستطيع أن ترى إنساناً يمكن أن يهان إلى هذه الدرجة، وبعدما كان سهمه في صعود، أصبح في هبوط دائم منذ انفصاله عن زينات.

اقتربت من نجيب الريحاني وأعضاء الفرقة وهم يتداولون أمرهم:

* لو سمحت يا أستاذ نجيب... ما فيش داعي.

= ما فيش داعي لإيه يا زينات؟

* ما فيش داعي نبهدل الراجل.

= ومين قال نبهدله؟

* ماهو انتوا لو وديتوه مستشفى هيتبهدل وبعدين هيدفنوه في مدافن الصدقة.

= أيوا يا زينات ماهو ما حدش فينا يعرف له طريق عيله ولا أهل... هنعمل إيه؟ ونتصرف إزاي؟

* أنا هاتصرف...

= هتعملي إيه؟

* أنا هتكفل بيه وهيندفن في المدفن بتاعي... مش علشان كنت مرتبطة بيه في يوم من الأيام. لا بالعكس حتى لو كان غريب ما عرفوش... كنت برضه هعمل معاه كدا.

فعلاً تم تجهيز إبراهيم فوزي ودفنه في المقبرة الخاصة بزينات صدقي، التي ما إن نظرت إلى باب المقبرة وهو يغلق عليه، حتى أدركت وقتها معنى الجملة التي كتبتها فوق مدفنها «مدفن عابري السبيل».

الجريدة الكويتية في

01/08/2013












images




images





images
 
التعديل الأخير:

التباب

Active Member
طاقم الإدارة
عريس في المزاد

كتب الخبر: ماهر زهدي

بنت بحري زينات صدقي

( 24 )

انتهت زينات من تصوير «حب وجنون» ولكنها بدل أن تشعر بالراحة أحست بضيق ينتابها فراحت ترفض التحدث مع أحد، خصوصاً إذا كان منتجاً. فجاء منير الفنجري، الذي كان يشارك بأحد الأدوار الثانوية، ليخرجها من هذه الحالة.

كان الحل الذي أتى به منير الفنجري كما وعد زينات صدقي، هو معرفته الوثيقة بأحد العرافين الذين يمكنهم قراءة الطالع ومعرفة المستقبل:

* يعني إيه مش فاهمة.

= بقولك راجل مبروك. يعرف اللي عندك من غير ما تفتحي بقك.

* منجماتي يعني.

= دا كلامه ما يخيبش أبداً.

* انت بتصدق الكلام الفارغ دا يا فنجري.

= أنا كنت زيك كدا لحد ما سمعت بودني وشفت بعيني.

* سمعت إيه وشفت إيه؟

= طب وحياة الست زينات... ما بيقوللي على حاجة إلا تكون حصلت أو تحصل.

* على كل حال أنا ما بصدقش في الكلام دا... بس أهو هاتو نتسلى وخلاص.

ما إن شاهد الشيخ «برهام» زينات حتى وقع في هواها، وتعامل معها كأنه شاب يتودد إلى فتاة لأجل الرضا عنه والوقوع في هواه، ثم أمسك بيدها وبدأ يتحدث معها كلاماً عاماً يمكن أن يحدث لأي إنسان:

= أحوالك غير مستقرة... ودايما بتشعري بقلق.

* صحيح.

= القلق دا على نفسك وعلى ناس قريبين جدا منك.

* مظبوط.

= انت بتخافي من المرض... سواء يصيبك أو يصيب أي حد قريب منك.

* أيوا.

= انت كنت في مشكلة كبيرة وربنا فرجها عليك. والحمد لله دلوقت.

* الحمد لله... ربنا أنعم عليا بحاجات كتير.

= ولسه في حاجات أكتر في الطريق إليك... خير كتير أوي.

* بس أنا خايفة جداً على أمي ونفسي تمشي على رجليها زي الأول... نفسي تمشي علشان أحسسها بطعم السعادة وأعوضها كل اللي اتحرمت منه.

= هتعوضيها وانت كمان هتتعوضي عن اللي فات كله.

* بس أنا مش حاسة أني سعيدة في حياتي.

= أنا عارف... وعارف السبب.

* إيه هو السبب؟

= لازم راجل يملا عليكِ حياتك. انت مقاطعة الجواز... ودا اللي مسبب لك التعاسة. افتحي قلبك علشان السعادة تدخل.

* بقولك خايفة على أمي ونفسي أسعدها. تقوللي أفتحي قلبك علشان السعادة.

= عموماً أنا هكتب لك ورقة... الورقة دي ما تفارقيش.

على رغم عدم اقتناع زينات بالرجل وكلامه، بل وعدم اقتناعها أساساً بالدجل والدجالين، فإنها أرادت أن تجرب، ووضعت الورقة المطوية بطريقة غريبة في حقيبتها، ثم تحت مخدتها في ما بعد، غير أنها شعرت بشيء غريب، شعرت بأنها لا تستطيع أن ترفع جسدها، في الوقت نفسه لم يغمض لها جفن، الأرق يلازمها... صارحت والدتها بما جرى، فصرخت والدتها:

= على الكلام اللي بتقوليه دا شكله كدا سحار.

* يعني إيه سحار... مش بيقرا الطالع يعني زيه زي أم شبانه اللي كانت عندنا في إسكندرية.

= لا... لا... دا حاجة تانية. ليكون عاملك عمل في الحجاب دا... الله يخرب بيته.

* عمل!!

درس العمر

قامت زينات فوراً وفتحت الورقة أو «الحجاب» وهالها ما وجدته مكتوباً فيها، لم تجد في الورقة سوى كلمة مكررة وهي «بحبك» ففهمت ما كان يرمي إليه الدجال، وما كان يقصده عندما قال لها {افتحي قلبك... لازم يبقى فيه راجل يملا حياتك}.

في اليوم التالي قابلت منير الفنجري:

* انت اتكلمت معاه عني قبل ما تجيب يا فنجري.

= هو قعد يسأل شوية أسئلة زي ما بيعمل كل مرة معايا أو مع غيري.

* زي إيه كدا.

= أسئلة عن شغلك وحياتك ومتجوزة ولا لأ... يعني كدا.

* طب اسمع اللي هقولولك وتنفذه بالظبط... انت تتصل بيه وتقول له أن أنا من ساعة ما وصلت الأستوديو النهاردة وأنا عماله أتكلم عليه بشكل حلو أوي... وبقول أنا حاسة أن سعادتي هتكون على إيده... وبعدين طلبت منك أنك تتصل به وتخليه ييجي هنا بسرعة... وأن دي رغبتي أنا.

نفذ منير الفنجري ما قالته زينات بالحرف، وقبل مرور ساعة كان الشيخ «برهام» قد حضر إلى الأستوديو وهو يرتدي بذلة فاخرة وفوقها عباءة من «الجوخ» ودخل مزهواً منتشياً كمن انتصر في معركة كبرى. اقترب من زينات ليصافحها وينحني يقبل يدها، وإذا بيدها تهوى على خده بقوة لا تعرف من أين أتت، فارتجف ورفع وجهه وهو في حالة فزع ودهشة، وقبل أن ينطق ببنت شفة فردت زينات ذراعها وهوت على خده الآخر بصفعة أقوى، ثم ضربته بكلتا يديها في صدره فهوى على الأرض، وراحت تلكمه بقدميها ويديها، وتناولت الكرسي الذي كانت تجلس عليه وهوت به عليه، فيما وقف فنجري يشاهد ما يحدث وقد فتح فمه من هول المفاجأة والدهشة لا يعرف ماذا يفعل، بينما الشيخ «برهام» ليس لديه سوى جملة واحدة: إيه دا... هو في إيه؟ إيه دا... هو في إيه؟ إيه دا... هو في إيه؟

اجتمع كل من في البلاتوه وخلصوا برهام من يد زينات، غير أنها قصت لهم ما قام به هذا الدجال، وما فعله معها، وما كان ينوي أن يفعله، وفردت الورقة ليروا جريمته، فبدلاً من تخليصه من يديها، قام كل من في البلاتوه بضربه وتشييعه إلى الخارج باللكمات واللعنات، وكان أول المشاركين منير الفنجري، الذي اكتشف أنه أول من خدع.

ما إن انتهى الموسم الصيفي لعام 1948 في مسرح نجيب الريحاني، حيث قدمت الفرقة «ريبرتوار» من الأعمال المسرحية القديمة، حتى كانت زينات قد وقعت عقد فيلم سينمائي جديد مع المخرج عبد الفتاح حسن، من تأليفه وإخراجه، بعنوان «صاحبة العمارة» أمام محمد فوزي وسامية جمال وعلي الكسار وإسماعيل ياسين ومحمد الديب وزكية إبراهيم.

دارت أحداث الفيلم حول فتاة فقيرة ترتبط بشاب فقير يتفقان على الزواج غير مبالين بفقرهما. في ليلة الزفاف ترث الفتاة عمارة كبيرة تدر عليها دخلاً كبيرًا فتصبح من الأثرياء. يفسد الثراء حياتهما فتجد أن الزوج الفقير لا يناسبها وتسلك مسلكًا غير قويم. لا يرضى الزوج عن تصرفاتها، ينهرها ويذكرها بما كانا عليه قبل ثرائها، لكنها لا تسمع له وتهجره ما يجعل الزوج يطلبها في بيت الطاعة فلا تهتم. تصادق شابًا لا أخلاق له يعلمها قيادة السيارات ويعرفها على عالم المتعة الذي لا يتوافر إلا للأثرياء، لكنها سرعان ما تفقد ثراءها وتجد أن كل من صادقتهم في ثرائها يطمعون في مالها ويتركونها في وقت الشدة، فتعود إلى زوجها نادمة على ما كان منها، يصفح عنها الزوج ليعودا إلى حبهما وفقرهما بعدما فقدت ثراءها ولم تعد «صاحبة العمارة».

قبل أن تنتهي زينات من تصوير الفيلم وتتعاقد على أعمال جديدة، وجدت أنور وجدي يتصل بها ويطلبها للعمل معه في فيلم بعنوان «عنبر» كتبه محمد كامل حسن المحامي، قصة وإخراج أنور وجدي، بعدما وجد فيها «تميمة» حظ في أفلامه.

الخاطبة

قدمت زينات في الفيلم دور حورية المطربة التي يعتمد عليها «كازينو النجم الذهبي» الذي يملكه أنور الذي يذهب لشراء مجموعة من الملابس القديم من قصر رشوان باشا ليستعين بها في الكازينو. يفاجأ بأن رشوان باشا يقع في حصار أفراد العائلة وهو على فراش المرض، يحتضر، يعاملونه بقسوة ليجبروه على إعلامهم بالمكان الذي أخفى فيه ثروته التي يطمعون فيها، يطلب أنور مقابلة الباشا فيحاول أفراد العصابة إبعاده عن القصر. فجأة يسمع أنور غناءً ساحرًا قادمًا من «البدروم» يتعرف أنور إلى عنبر، ابنة رشوان باشا عليها ويعرفها بنفسه فترجوه أن يفتح لها الباب لكنه يفاجأ بأفراد العصابة وقد التفوا حوله فيوضح لهم أنور أنه جاء إلى القصر لشراء ملابس زوجة رشوان باشا الراحلة فملابسها ملابس مسرحية. يوافق رجال العصابة على بيع الملابس له فيشتري جميع الملابس بما فيها الفستان الذي كانت ترتديه عنبر. بعد خروجهما يأخذ أفراد العصابة عنبر ومربيها العجوز «سكر» إلى سرير رشوان باشا الذي أوشك على الموت، ويتركون عنبر مع والدها بناء على رغبته. يفضي الباشا لابنته بسره ورجال العصابة في الخارج يسترقون السمع، قال الباشا لابنته عنبر: إنه تزوج من أم عنبر ضد رغبة أسرته التي حاربته طوال سنين زواجه، ما جعله يوقن بأنهم سوف يحاربون ابنته بعد مماته؛ الأمر الذي جعله يبيع كل ممتلكاته واشترى بثمنها مجوهرات ثمينة ووضعها في صندوق وأخفاه في مكان رسم له خارطة ورقية أخفاها في ياقة فستان سهرة من الحرير الأسود وهو الفستان نفسه الذي كانت ترتديه عنبر وهي تغني وتم بيعه ضمن ما اشتراه أنور من ملابس. تنهار عنبر باكية بينما يسرع أفراد العصابة إلى كازينو «النجم الذهبي» حيث نرى أنور وهو يحاول إقناع مطربة الفرقة حورية أن ترتدي الفستان وهي ترفضه. أثناء المشادة تشد حورية الفستان عن جسمها فينقطع وتظهر الخارطة المخفية في ياقته، ولا يعرف أنور قيمة هذه الورقة بينما تخرج المطربة ساخطة على الكازينو وأصحابه.

فجأة تعود عنبر إلى أنور الذي تقفز إلى عقله فكرة أن يجعلها تغني بدلاً من المطربة حورية الغاضبة وتوافق عنبر التي عرفت أنها سترتدي الفستان الذي تبحث عنه، فيسخر أنور من حورية ويطردها، وبعد انتهاء الاستعراض تخرج عنبر بالفستان الأسود وتبحث في ياقته عن الورقة فلا تجدها، تدرك أن ياقة الفستان مقطوعة فتهرع عائدة هي وعم سكر إلى حجرة أنور الذي نشأ الحب في قلبه كما دق قلبها، تعرفه عنبر وعم سكر بسر الخارطة وصندوق المجوهرات. يأتي أنور بالورقة من حسن ويعودون إلى القصر حيث يختبئ أفراد العصابة هناك في انتظارهم، وفعلاً ينتظر رجال العصابة حتى يخرج أنور وعنبر ومن معهما الكنز، ولكن يداهمهم رجال البوليس حسب ما خطط أنور.

شارك في بطولة الفيلم إلى جانب أنور وجدي وزينات صدقي، كل من ليلى مراد وإسماعيل ياسين وشكوكو وحسن فايق وعزيز عثمان وفريد شوقي واستيفان روستي.

بدأ تصوير الفيلم في نهاية سبتمبر 1948، ليكون جاهزاً في الموسم السينمائي الشتوي.

عودة إلى الأستاذ

على رغم عودة نجيب الريحاني إلى المسرح في الموسم الشتوي لعامي 1948، 1949، فإن زينات لم تجد لديها من الوقت لتشارك معه في أعمال مسرحية جديدة، خصوصاً أنها قبل أن تنتهي من تصوير عمل كانت تفاجأ بمن يعرض عليها عملاً جديداً، فما إن أخبرها صفا بطلب المخرج إبراهيم حلمي لها، حتى وجدت مدير إنتاج الفيلم أمامها في اليوم التالي ومعه عقد فيلم «أسير العيون» لتقدم فيه دور «بلحة».

الفيلم تأليف مشترك بين اثنين من كبار الكتاب هما، بيرم التونسي وأبو السعود الإبياري، وهو من نوعية الأفلام «البدوية» التي تجمع بين الشكل المعاصر والحياة البدوية.

دارت الأحداث حول الحب الذي جمع بين قلبي «محمد وليلى». تقرر ليلى أن تتزوج من الشخص الذي ينجح في قهرها والتغلب عليها ويكون لديه من الشجاعة والحماسة ما يؤهله للارتباط بها... وأثناء قيام محمد بالخروج لممارسة هوايته المعتادة للصيد، يقابل شخصاً ملثماً يحاول التغلب عليه، لكنه يهرب فيعود محمد ويشتغل بالتجارة لرغبة والده. بعد فترة يعود إلى قبيلته ويكتشف أن ليلى ابنة قائد القبيلة ترفض الزواج إلا من الشخص الذي ينجح في التغلب عليها ومبارزتها فيوافق ابن عمها، لكنه يفشل ويتقدم محمد وينجح في مهمته فتتم موافقة والدها على زواجها من محمد.

شارك في بطولة الفيلم كل من ليلى فوزي ومحمد الكحلاوي وحورية محمد وعلي الكسار وعزيز عثمان وشافيه أحمد وصفا الجميل.

عاود أنور وجدي الاتصال بزينات صدقي، طالباً منها المشاركة معه في مشروع عمره، كما أطلق عليه، حيث تصدى لإنتاج وإخراج فيلم، قرر أن يجمع فيه عمالقة فن التمثيل في مصر: نجيب الريحاني، يوسف بك وهبي، الموسيقار محمد عبد الوهاب، إلى جانب ليلى مراد وعدد كبير من فناني المرحلة، من بينهم عبد الوارث عسر، محمود المليجي، فردوس محمد، فريد شوقي، استيفان روستي، سعيد أبو بكر، إلى جانب عدد من الوجوه الجديدة من بينهم، هند رستم، داليدا، نبيلة السيد.

دارت أحداث فيلم «غزل البنات» حول الأستاذ «حمام» مدرس اللغة العربية الفقير الذي يعمل في مدرسة خاصة، يطرده ناظر المدرسة لطيبته مع التلامذة، لكنه يصبح مدرسًا خاصاً لليلى ابنة مراد باشا، وما إن يلتقي حمام مع ليلى حتى يعجب بها في صمت، غير أنه يكتشف أنها تحب شاباً آخر، حيث تستغل حمام للذهاب للقاء حبيبها في الكباريه، وهناك يكتشف حمام من خلال الراقصة حكمت التي تجسد دورها زينات صدقي، أن أنور (محمود المليجي) حبيب ليلى ليس إلا نصاباً يطمع في ثروتها فيحاول أن يحذرها منه، إلا أنها لا تسمع له، فيخرج ليستنجد بأي أحد، فلا يجد أمامه إلا الضابط طيار وحيد (أنور وجدي) ليخلصها من هذا الأفاق، فيدعي الضابط للحبيب الأفاق أنه ابن عمها وينقذها منه، في الوقت نفسه الذي يعجب بها وتبادله مشاعره، فيخاف حمام من الحبيب الجديد، ويهربان إلى فيللا مجهولة يتضح أنها ليوسف بك وهبي، حيث يقوم بالتحضير لفيلم سينمائي جديد سيغني فيه الموسيقار محمد عبد الوهاب أغنية «عاشق الروح» تقود الصدفة ليلى وحمام إلى استماع الأغنية، التي تتناول علاقة تضحية الحبيب لأجل حبيبه، فيدرك حمام استحالة حبه لليلى، ويرضى بالأمر الواقع.

انتهى تصوير الفيلم، لكن أنور وجدي أراد أن يعيد تصوير بعض المشاهد التي تجمع بين زينات صدقي ونجيب الريحاني ومحمود المليجي وليلى مراد، غير أنه قبل أن يشرع في تصوير هذه المشاهد، فوجئ بكارثة لم يتوقعها أحد.

(البقية في الحلقة المقبلة)

متيَّم ليلى مراد

بينما زينات في حجرتها في «بلاتوه» التصوير، إذا بمن يطرق بابها في فترة الاستراحة، فوجدته الممثل الشاب صفا الجميل الذي اقترب كثيراً من زينات صدقي، لدرجة أنه كان يبوح لها بأسراره، وكانت تبادله الاقتراب نفسه، ليست وحدها، بل غالبية العاملين في الوسط الفني، ليس لطيبته وكرم أخلاقه، لكن أيضاً لأنهم يتفاءلون به، ويسعد جداً من يلتقيه أو يأتي لزيارته، وهو ما أسعد زينات جداً:

* ياه... إيه المفاجأة الجميلة دي. صفا الجميل بنفسه عندي في البلاتوه يا بختي النهارده.

= أزيك يا مدام زينات. عاملة إيه؟

* أنا كويسة. لكن انت اللي باين عليك مش كويس.

= فعلاً أنا مش كويس. علشان كدا أنا جتلك النهاردة... وفي إيدك سعادتي أو تعاستي.

* أنا؟! أنا متأخرش عنك لو طلبت لبن العصفور يا صفا.

= لا أنا مش عايز لبن العصفور... أنا عايز ليلى مراد.

* مش فاهمة. ليلى مراد بتصور دلوقت عندها مشاهد بتصورها... استنى لما تخلص وأنا أخدك من أيدك لحد عندها.

= انت مش فهماني يا مدام زينات.

* طب فهمني.

= أنا عايز أتجوز ليلى مراد.

* يا لهوي... تتجوزها إزاي.

= مش عارفة إزاي... زي ما كل الناس ما بتتجوز. صحيح هي أجمل منيّ... بس الجمال مش مهم للرجل.

* جمال إيه ووحاشة إيه... ما ينفعش.

= حتى لو عرفتي أنها بتحبني.

* أنا عارفة أنها بتحبك... بس زي أخوها. زي أنا ما بحبك يا صفا... وبعدين ليلى مراد متجوزة أنور وجدي... أقوله طلقها علشان صفا يتجوزها.

= بس أنا عرفت أنهم اتطلقوا... أنا سمعت الكلام دا من أحمد سالم.

* اللهيخرب عقلك. أوعى تفتح بقك بالكلام دا قدام حد. دي إشاعة حد طلعها بمناسبة الفيلم الجديد. لكن أخرج شوفهم تلاقيهم سمن على عسل.

= يعني ما فيش فايدة. مكتوب عليّ أفضل أحب كدا من بعيد لبعيد. أنا ليلى من ساعة ما اشتغلت معاها في فيلم «يحيا الحب» من عشر سنين سنة 38، ولما ما لقيتش فايدة حبيت أسمهان... لكن الموت خطفها مني.

* شوف يا صفا. أنت اسم على مسمى... صفا وجميل. بس المسائل دي ما تجيش كدا أبداً. علشان ترتبط بواحدة لازم يبقى فيه اتفاق بينكم انتو الاتنين. مش بس حب من طرف واحد... وبعدين يا سيدي فيه مية واحدة تتمناك. إيه رأيك يا سيدي تتجوزني أنا.

= انت إنسانة عظيمة يا مدام زينات. وأنا فعلاً بحبك زي ماما.

* ماما... امش قطع لسانك.

لم يغضب صفا يوماً من زينات صدقي، ولا هي غضبت منه، بل إن كل وقتهما معاً كان ضحكاً وتضمنته مقالب في فنانين آخرين، وما إن انتهى من مهمة الحب والزواج من ليلى مراد، حتى فاتحها في أمر آخر كان قد جاء من أجله، فما إن سمع المخرج إبراهيم حلمي يطلب من مدير إنتاج فيلمه الجديد أن يتعاقد مع الفنانة زينات صدقي، حتى سارع وطلب من المخرج أن يخبرها بنفسه.

الجريدة الكويتية في

02/08/2013



images












 
التعديل الأخير:

التباب

Active Member
طاقم الإدارة
عفريتة هانم

كتب الخبر: ماهر زهدي

بنت بحري زينات صدقي

( 25 )

لتصوير المشاهد المعادة في فيلم «غزل البنات»، اجتمع كل من ليلى مراد ومحمود المليجي وزينات صدقي وفريد شوقي واستيفان روستي، وجلسوا في انتظار نجم الفيلم الأول نجيب الريحاني والمخرج أنور وجدي.

حضر المخرج أنور وجدي إلى موقع تصوير «غزل البنات» ولم يحضر نجم الفيلم نجيب الريحاني... دخل وجدي البلاتوه والدمع في عينيه:

= الأستاذ نجيب الريحاني مات... الأستاذ مات في المستشفى بعدما كانت صحته اتحسنت وكان مفروض يخرج النهارده.

مات الفليسوف الضاحك... الفيلسوف العاشق، الذي عشق فنه ووطنه وقدم الكثير لأجله ولأجل الفن... بل لأجل الحب والحياة.

توفي نجيب الريحاني يوم الأربعاء الثامن من يونيو عام 1949 في المستشفى، من دون أن يعود إلى شقته في عمارة الإيموبليا، أو حتى يدخل القصر الذي شيده في منطقة حدائق القبة في القاهرة. رحل من دون أن يأخذ شيئاً، بل ترك كل شيء، ترك فنه العظيم الذي لا يزال وسيظل باقياً، ترك القصر الذي شيده، وبعض المحتويات في شقته في عمارة الإيموبليا في وسط القاهرة التي وجدوا فيها 44 بدلة و20 بيجاما وجلباباً للنوم، و15 زوجاً من الأحذية، ووجدوا إلى جوار السرير المصحف الشريف وصورة للقديسة «سانت تريزا» ومذكرات تشرشل بالفرنسية، وكتاب «حسن البيان في تفسير مفردات القرآن» و{ألفية ابن مالك»، وبعض روايات شكسبير وأخرى لموليير، وكلبته الوفية «ريتا» التي امتنعت عن الطعام حزناً عليه حتى توفيت بعد يومين من رحيله.

أمر الملك فاروق بأن يخرج نجيب الريحاني في جنازة رسمية، ويتم تصويرها سينمائياً، وشاهد الملك الفيلم الذي جاءت مدته 18 دقيقة، ودهش عندما شاهد أكبر جنازة في تاريخ مصر المعاصر، فقد قدر من ساروا في جنازته بخمسة ملايين مواطن، ما بين مصريين وأجانب من مختلف الأطياف والمناصب، ومختلف فئات المجتمع.

بكت زينات صدقي طويلاً، وحزنت على نجيب الريحاني حزنها على والدها، فإذا كان والدها له الفضل في أن أتى بها إلى الحياة ومنحها اسمها زينب وأحسن تربيتها، وتركها وهي في مفترق طرق في حياتها الخاصة، فاتخذت من القرارات ما أضاف الكثير إلى حياتها ومستقبلها.

كذلك الريحاني، أتى بها إلى عالم الفن ومنحها اسمها الفني «زينات» وأحسن تربيتها الفنية، ورحل وتركها أيضاً في مفترق طرق، وهي على حافة النجومية، فكان لا بد من أن تتخذ من القرارات ما ينتقل بها إلى مرحلة فنية جديدة تضيف إليها.

على رغم ارتباطها بعدد من الأفلام فإن زينات ظلت ما يقرب من شهر من دون عمل حزناً على رحيل الريحاني، لم ينجح في إخراجها من هذه الحالة سوى سليمان بك نجيب:

= يا ستي أنا حزين أكتر منك. الله يرحمه كان صاحبي وأخويا وصديقي... وعمري ما كنت أتخيل وأنا بعمل قدامه دور الباشا في «غزل البنات» إن دي آخر مرة هشوفه فيها... وآخر فيلم هنشتغله سوا... بس دا قضاء الله ولا اعتراض على قضائه.

* أنا مش معترضة. بس مش قادرة... مش عارفة إزاي ممكن أقف على خشبة المسرح من غيره.

= لازم تعرفي أن نجيب الريحاني ما كنش بيشتغل لوحده في المسرح أو السينما... الفنان لما بيشتغل بيفتح بيوت جيش جرار وراه. يعني إذا كان هو بيستفيد قيراطاً... فيه غيره بيستفيدوا أربعة وعشرين قيراطاً... علشان كدا الفنان لازم يشتغل مهما كانت الظروف... مهما مات لنا عزيز. نحزن في قلوبنا... لكن لازم نشتغل علشان غيرنا.

بداية جديدة

كان درس سليمان نجيب بليغاً اقتنعت به تماماً، وقررت أن تبدأ من جديد والعودة فوراً إلى ما أجلته من أفلام كانت تعاقدت عليها في مطلع عام 1949، فقدمت مع المخرج أحمد بدرخان فيلم «أحبك انت» عن قصة وسيناريو يوسف جوهر وحواره، وبطولة كل من فريد الأطرش ولولا صدقي وسناء سميح وعبد السلام النابلسي وإسماعيل ياسين وشكوكو وسامية جمال ومحمود رضا حسن فايق وثريا حلمي، ورفعت علي الجمال.

ورفعت علي الجمال الذي شارك في عدد من الأفلام المصرية في أدوار ثانوية، رحل بعد ذلك إلى «إسرائيل» بتكليف من جهاز المخابرات العامة المصرية، في إطار خطة منظمة في يونيو عام 1956 وتمكن من إقامة مصالح تجارية واسعة وناجحة في تل أبيب وأصبح شخصية بارزة في المجتمع الإسرائيلي وحسب الرواية المصرية فإن الجمال قام ولسنوات طويلة بالتجسس وإمداد جهاز المخابرات المصري بمعلومات مهمة تحت ستار شركة سياحية داخل إسرائيل حيث زود بلاده بمعلومات خطيرة منها موعد حرب يونيو عام 1967، وكان له دور فاعل في الإعداد لحرب أكتوبر عام 1973 بعدما زود مصر بتفاصيل عن خط بارليف. أحدثت هذه الرواية والعملية هزة عنيفة لأسطورة تألق الموساد وصعوبة اختراقه، وتم اعتبار الجمال بطلاً قومياً في مصر عمل داخل إسرائيل بنجاح باهر لمدة 17 عاماً وتم بث مسلسل تلفزيوني باسم «رأفت الهجان» عن حياته والبطولات التي قام بها لوطنه مصر، وقام بتمثيل دوره الفنان المصري محمود عبد العزيز. من جهة أخرى، كان الرد الرسمي من المخابرات الإسرائيلية في البداية: هذه المعلومات التي أعلنت عنها المخابرات المصرية ما هي إلا نسج خيال ورواية بالغة التعقيد وعلى المصريين أن يفخروا بنجاحهم في ابتكار هذه الرواية. لكن وتحت ضغوط الصحافة الإسرائيلية صرح رئيس الموساد الأسبق إيسر هاريل أن السلطات كانت تشعر باختراق قوي في قمة جهاز الأمن الإسرائيلي ولكننا لم نشك مطلقاً في جاك بيتون وهو اسم جمال الإسرائيلي.

بعد فيلم «أحبك انت» قدمت زينات صدقي مع المخرج إبراهيم عمارة، الذي شارك أيضا كممثل، فيلم «عقبال البكاري» عن قصة وسيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، بطولة كل من تحية كاريوكا وإسماعيل ياسين وعبد الفتاح القصري ومحمود المليجي ورياض القصبجي، ثم قدمت فيلم «عفريته هانم» قصة وسيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، وإخراج هنري بركات، وبطولة كل من فريد الأطرش وسامية جمال وإسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي، ولولا صدقي واستيفان روستي.

قبل أن تودع عام 1949، قدمت فيلمين آخرين في ديسمبر من هذا العام، بدأت تصوير الأول في 12 ديسمبر مع المخرج الشاب صلاح أبو سيف، الذي كان يقدم فيلمه الثاني بعدما قدم فيلمه الأول مع الفنان إسماعيل ياسين بعنوان «نمرة 6»، ليكون الفيلم الثاني بعنوان «شارع البهلوان» الذي كتب له القصة والسيناريو والحوار بالمشاركة مع السيناريست علي الزرقاني.

دارت أحداث الفيلم حول ثلاثة أصدقاء. يتزوج سعيد من أمينة غير أنه يغار عليها غيرة حمقاء. كامل متزوج من زهيرة (زينات) التي تهوى الملاكمة، وإبراهيم رجل رجعي متزوج من ميرفت، ولما كان كامل يحب ميرفت فقد أرسل إليها خطابات غرامية بعدما أقنع سعيد بكتابتها من دون أن يعرف أنها لميرفت، بينما يرسل الخطاب نفسه ولكن بخطه إلى أمينة. استأجر سعيد وكامل شقة سيد بهلول على أنها مكتب للعمل، تكتشف أمينة حين تشكو إليها ميرفت من أمر الخطابات الغرامية أنها بخط زوجها سعيد وفي الوقت نفسه تكتشف زهيرة أن خطابات أمينة بخط زوجها كامل، وفي الشقة يتلاقى الأصدقاء الثلاثة ويتهم كل منهم الآخر ويشك كل منهم في سلوك زوجته، إلا أن الحقيقة تتضح في النهاية وتظهر براءة أمينة وميرفت من أمر الخطابات بينما يخضع كامل للوم والعتاب من زوجته وصديقه ويعد الجميع بأن يكف عن هذا الهوى الجامح ويستقيم بينهم ويحفظ حق الصداقة.

أدى بطولة الفيلم كل من كمال الشناوي وكاميليا وإسماعيل ياسين وزينات صدقي وحسن فايق وإلياس مؤدب وعبد الحميد زكي ولولا صدقي ومحمد توفيق.

علامة فارقة

ثم تودع هذا العام بفيلم «ليلة العيد»، عن قصة وسيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، وإخراج حلمي رفلة. دارت أحداثه حول ياسمينة، وشقيقيها «شوشو وسوسو» اللذين يحاولون العمل في ملهى ليلي بعدما تشردوا وتعرضوا للحرمان. يذهبون لمقابلة مدير المسرح فيدخلون عن طريق الخطأ شقة أخرى يجدون فيها مجموعة أشرار معهم فتاة يكتشفون أنها أختهم. يحاولون جميعاً تدبير مؤامرة على عادل بك الشاب الثري. ترى ياسمينة عادل فتعجب به وتقرر إنقاذه فتدخل أسفل مائدة القمار وتلقف المال الذي كانت الفتاة اللعوب تناوله لأخيها، حين يكتشفون غياب المال يبحثون أسفل المائدة فتقلب ياسمينة المائدة وتفر هاربة لتعود إلى أخويها بالمال الذي يخفونه في «اللحاف»، يعتبرونه ديناً يسددونه إلى عادل بك حين تسنح لهم الفرصة. أخيراً يلتقون بمدير المسرح الذي يشاركه آخر لبناني، وتعمل ياسمينة بالغناء في المسرح إلا أن الشريك اللبناني يفضل أن يأتي بمطربة لبنانية.

تتنكر ياسمينة في شخصية «فلة» اللبنانية وتغني في المسرح لترضي الشريك اللبناني وتغني بشخصية ياسمينة لترضي الشريك المصري إلا أن زوجة المدير المصري (زينات صدقي) تغار على زوجها من ياسمينة، فتصرح لها ياسمينة أنها تحب عادل الذي سيتزوج من الفتاة اللعوب رغماً عنه، فتعدها بالمساعدة ويذهب الجميع إلى حفلة العرس ليفسدوه وينبهوا عادل بك الذي يعرف الحقيقة كاملة، فيطرد أبوه الأشرار ويبارك زواجه من ياسمينة التي أحبته وأنقذته من مؤامرة الأشرار.

الفيلم بطولة شادية وإسماعيل وشكوكو ونور الدمرداش وعبد الفتاح القصري واستيفان روستي وفريد شوقي ولولا صدقي وإلياس مؤدب وسعيد أبو بكر.

جاء عام 1950 عاماً فارقاً في تاريخ الكوميديا المصرية، فقد رحل الأستاذ والرائد نجيب الريحاني، وتراجع المنحى الفني لمنافسه التقليدي علي الكسار، لتخلو الساحة من النجم الكوميدي الكبير، والنجمة الكوميديانة التي لم يكن لها وجود كبير، فكانت الفرصة سانحة ليعلن التلامذة عن أنفسهم وأنهم قادرون على استكمال المسيرة بشكل أقوى وأوسع، ليتقدم الصفوف إسماعيل ياسين، وإلى جواره اثنتان من أهم من أنجبت مدرسة نجيب الريحاني، ماري منيب وزينات صدقي.

فجأة أصبح إسماعيل ياسين بنجاحه المتواصل في السينما «تميمة الحظ» التي ساندت البدايات لكثير من الفنانين والفنانات، الذين بدأوا حياتهم الفنية، خلال فترة ظهوره الطاغي على شاشة السينما، ووجد أنه مثلما فعل المخرج الكبير صلاح أبو سيف يستعين به في أول أفلامه، تكرر الأمر مع عدد كبير من المخرجين الذين حرصوا أن تكون بداياتهم في السينما من خلال العمل معه، بعدما عمل بعضهم كمساعد مخرج في بعض أفلامه، ضماناً لعدم المخاطرة أو كسراً لرهبة التجربة الأولى بالاعتماد على نجم سبق التفاهم معه مثل: حسن الصيفي، حسن حلمي، حمادة عبد الوهاب، ثم فطين عبد الوهاب.

ووسط ضجة التصفيق صار إسماعيل ياسين نجم المصريين في القرن العشرين، وهو الشاب الذي توقف الفن المصري لأجله سنوات عدة كي يتمرن كل هواة الإنتاج والإخراج والتصوير على سرقة شيء جديد من مواهبه.

شعر المنتجون بأنه آن الأوان كي يسلموا الراية لهذا الجيل، وضرورة منحهم البطولة المطلقة، ولأنه لا يزال هناك اعتقاد راسخ بأن البطولة رجل، تحديداً الكوميديا، بمعنى أنه يجب أن يقود بطولة الفيلم الكوميدي رجل، فلم يوجد بعد المؤلف الذي يمكن أن يكتب لنجمة كوميدية، كذلك المنتج الذي يتحمس لتقديمها، لكن لا مانع من مشاركتها مشاركة فاعلة ضخمة، فبدأ التركيز على وجود زينات صدقي في السينما المصرية، لدرجة أنها وقعت عام 1950 عقود ثمانية أفلام دفعة واحدة، بدأتها بفيلم «أنا وانت» تأليف بديع خيري، سيناريو أحمد بدر خان وإخراجه. دارت أحداثه حول راقصة ومطرب تنشأ بينهما قصة غرام عبر الهاتف، ثم يتفقان على اللقاء، لكن من دون أن يتفقا نجد أن المطرب يقدم خادمه على أنه هو المطرب نفسه، وتقدم الراقصة خادمتها على أنها هي الراقصة، وتتولد المفارقات الكوميدية وفي النهاية تتزوج الراقصة من المطرب.

شارك مع زينات في بطولة الفيلم المطرب الشعبي محمد الكحلاوي، وهاجر حمدي وفايدة كامل والقصبجي وحسن فايق، وإسماعيل ياسين.

في اليوم الأخير من تصوير الفيلم، دخل حسن فايق حجرة زينات صدقي:

* تعالَ يا حسن اتفضل اقعد.

= ايوا... الواحد محتاج يقعد شوية. بتشربي إيه؟

* دا شاي... تاخد شاي؟

= غريبة... بس الكوباية شكلها غريب مش من هنا.

* أيوا دي بتاعتي من البيت... حتى الشاي والسكر مش من هنا. من عندي من البيت برضه.

= ياه انت بخيلة أوي... حتى مش عايزة تنفعي عبد العال بتاع البوفيه.

* دا مش بخل. بس أنا ما بحبش أشرب حاجة من بره. وبعدين عبد العال بياخد مرتب على الشاي اللي ما بشربهوش هنا.

= أنا بضحك يا شيخة.

* خلاص أخلي فلتس يعملك شاي.

= مين فلتس دا؟

* دا ولد بيشتغل معايا بقاله سنة تقريباً... بس في منتهى النضافة والإخلاص.

= أكيد... اللي زينات صدقي تاكل وتشرب من أيده أكيد في منتهى النضافة.

* بالضبط زي عثمان اللي عندي في البيت.

= عثمان وفلتس... ناقصلك كوهين علشان يبقى عصمان وفلتس وكوهين... على طريقة حسن ومرقص وكوهين.

* أيوا فاكر... حسن ومرقص وكوهين؟

= إلا فاكر. تعرفي أنا نفسي أعمل الرواية دي... أموت وأعملها.

* يا خويا بعد الشر... إن شاء الله هتعملها.

= طيب المهم فيه فيلم جديد بشتغل فيه مع أحمد سالم، وكمان هيشتغل معانا إسماعيل ياسين.

* ربنا يوفقكم.

= مرسي. ويوفقك معانا... نسيت أقولك إن أنا بتشغل كمان منتج فني للفيلم. ومكلف اتفق معاك.

أداء منفرد

شاركت زينات في فيلم «دموع الفرح» المأخوذ عن قصة للكاتب الصحافي علي أمين، سيناريو بديع خيري وحواره، وإخراج أحمد سالم.

جسد البطولة كل من مديحة يسرى واستيفان روستي وثريا حلمي وإسماعيل ياسين وحسن فايق وسعيد أبو بكر، وأدى دور البطولة أمام مديحة يسري المخرج أحمد سالم نفسه، فيما تولى الإخراج مساعده فطين عبد الوهاب، في المشاهد التي يقف فيها أمام الكاميرا.

وقف أحمد سالم في مشهد يجمع بينه ومديحة يسري وزينات، وترك إدارة المشهد لمساعده فطين عبد الوهاب، وفجأة وقف أحمد سالم عن الأداء وظل صامتاً ينظر إلى زينات وهي تتكلم بالحوار الخاص بها، وعندما جاء دور أحمد سالم في الحوار ظل واقفاً صامتاً، ثم فجأة صرخ:

= ستوب... ستوب. إيه الكلام دا يا مدام زينات؟

* كلام إيه يا أستاذ أحمد؟

= اللي بتقوليه دا في المشهد.

* من الفيلم.

= الكلام دا مكتوب في السيناريو؟

* أنا ما قلتش في السيناريو أنا قلت من الفيلم. أنا قريت الرواية اللي كتبها علي أمين والسيناريو والحوار اللي كتبه الأستاذ بديع خيري... وفاهمة الفيلم كويس أوي يا أستاذ مش دوري بس.

= أيوا يا ست زينات بس خروج على النص. وكان مفروض الأستاذ فطين باعتباره مخرج المشهد يعمل ستوب... لكن يظهر الأستاذ نام.

ـ أنا مصحصح كويس يا أستاذ... بس أنا لقيت مدام زينات ماشية في المشهد حلو أوي. ومع احترامي للأستاذ بديع خيري وحواره. بس هي عبرت عن المشهد بشكل رائع... وأنا بعد أذنك يا أستاذ هنمشي الحوار اللي قالته مدام زينات.

دارت أحداث الفيلم حول أحمد علوي، الرسام الذي يموت والده فيحجز الدائنون على ممتلكاته وفاء للدين. يجد حافظة نقود يردها إلى صاحبها الذي يساعده في إيجاد فرصة عمل كسائق لدى أحد الباشوات... يحب أحمد بنت الباشا الذي يعارض زواج ابنته من السائق، لكنه يرضى ويوافق على زواج ابنته بعد أن يعرف أن أحمد والده باشا.

ذاع صيت زينات صدقي وارتجالها ما تقدمه من حوار في الأفلام التي تشارك فيها، خصوصاً أنها وضعت لنفسها قاموساً خاصاً للمفردات التي تستخدمها، لتمثل بصمتها الخاصة على الشخصيات التي تقدمها، والمدهش أنها على رغم ازدحامها بالأعمال التي كانت تقدمها، فإنها لم تخلط تفاصيل الشخصيات ببعضها، وظلت تضع لمسة خاصة لكل شخصية تقدمها، سواء على خشبة المسرح أو على شاشة السينما.

(البقية في الحلقة المقبلة)

الجريدة الكويتية في

03/08/2013











images








images
 
التعديل الأخير:

التباب

Active Member
طاقم الإدارة
العتبة الخضراء

كتب الخبر: ماهر زهدي

بنت بحري زينات صدقي

( 26 )

استكملت زينات صدقي تصوير بقية أفلامها الثمانية التي تعاقدت عليها خلال عام 1950، فقدمت {بلدي وخفة} تأليف حسن توفيق، سيناريو وإخراج حسين فوزي، الذي واصل من خلاله تقديم زوجته الشابة نعيمة عاكف.

شارك زينات في {بلدي وخفة} كل من ابن شقيق الموسيقار محمد عبد الوهاب المطرب الشاب سعد عبد الوهاب واستيفان روستي ولولا صدقي وشكوكو وعباس فارس وسعاد أحمد، وفيلم {غرام راقصة} تأليف يوسف جوهر سيناريو وإخراج حلمي رفلة، وبطولة محمد فوزي، نور الهدي، تحية كاريوكا، حسن فايق وعبد السلام النابلسي.

في الربع الأخير من العام قدمت ما تبقى من أفلام، فقدمت {العقل زينة، محسوب العيلة، آه من الرجالة، ياسمين، والآنسة ماما}.

كان إسماعيل ياسين القاسم المشترك الأعظم في الأفلام التي قدمتها زينات، ليس خلال هذا العام فحسب، لكن في غالبية ما سبق وقدمته، غير أنه كان دائماً يشاركها الدور الثاني، حتى فاجأها بطلبها:

* مش فاهمه قصدك... وإيه الجديد في كدا. ما إحنا شغالين مع بعض طول الوقت ولسه مخلصين «الآنسة ماما» سوا.

= يا ستي أنا عارف. لكن المرة دي الوضع مختلف.

* انت مختلف ووضعك مختلف... ما توضح يا أبو السباع.

= من الآخر كدا أنا المرة دي اللي هكون البطل.

* كدا... ألف ألف مبروك يا أبو السباع. انت ابن حلال وتستاهل كل خير.

= الله يبارك فيك... بس تعرفي أني خايف ومرعوب.

* من إيه؟

* لما باكون مشارك في فيلم بعمل دوري وأريح دماغي. لكن علشان أكون مسؤول عن الفيلم كله من أوله لآخره مسؤولية... مسؤولية كبيرة يا زينات... لو فشلت فيها هقعد في البيت مش هشتغل تاني.

* ولا يهمك... أنا معاك ولو من غير فلوس... ومش هسيبك.

= أنا متأكد من كدا.

قدم إسماعيل ياسين أول بطولة مطلقة له في فيلم «البطل»، وشاركته زينات صدقي وشادية وإلياس مؤدب، ومحمد كمال المصري «شرفنطح».

دارت أحداث الفيلم حول عامل شاب يدعى «البطل» يعمل في محل أحذية، ويحب ابنة صاحب المحل التي تحب سواه، لكنها تكتشف أن حبيبها يلعب بها فتعترف للبطل بأنها لا تحبه، فيغمي عليه ويقرر الطبيب أنه سيعيش لمدة أسبوع. يكتب صاحب المحل للبطل كل أملاكه هرباً من شريك له كان اختفى منذ سنوات وعاد يطالب بحقه وتعطف الابنة عليه وتحبه ويقرران الزواج.

حقق الفيلم نجاحاً لم يتوقعه أحد حتى إسماعيل ياسين نفسه، الذي تفاءل بوجود زينات صدقي إلى جواره، وقرر أن تشاركه أفلامه كافة كلما أمكن ذلك، وهو ما فعله في فيلمه التالي «المليونير» الذي كان اسماً على مسمى وفتح لهما أبواب السعادة معاً، فقد أصبحت زينات الورقة الرابحة في الكوميديا النسائية، فيما اعتبر المنتجون أن إسماعيل ياسين هو «الحصان الأسود» الذي يمكن أن يراهن الجميع عليه في السباق، وعلى رغم اقتناع إسماعيل بأهمية وجود زينات معه، فإن المنتجين لم يتركوا له هذا الاختيار، فقد كانوا يفعلون ذلك من دون أن يطلب، ويحرصون أن يضعوا اسميهما، بل ودوريهما في مستوى متقارب. على رغم أن إسماعيل نجح إلى حد كبير في البطولة المطلقة، فإنه ظل في منطقة الأدوار الثانية، طواعية، فلم يرفض أي دور يعرض عليه، كذلك زينات، ما جعل الطلب عليهما يزيد بشكل كبير، فتعاقدت زينات منذ مطلع عام 1951 على بطولة عشرة أفلام، شاركها في معظمها إسماعيل ياسين.

عشرة أفلام

بدأت زينات أفلامها العشرة في يناير 1951 بفيلم «بلد المحبوب» قصة وسيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، سيناريو حلمي رفلة وإخراجه، وشاركها هي وإسماعيل ياسين بطولة الفيلم، كل من المطرب سعد عبد الوهاب وسعاد مكاوي وتحية كاريوكا وعبد السلام النابلسي. دارت الأحداث حول شابين قادمين من الريف، يقرر أحدهما أن يختار شريكة حياته ولكنه لا يستطيع أن يلفت أنظارها إليه، فيحاول الثاني تدريبه على ذلك، وفي النهاية ينجح في الوصول إلى قلب من يحبها والزواج منها.

بعد ذلك، قدمت زينات شخصية «فتكات دندش» في فيلم «تعالَ سلم»، قصة أبو السعود الإبياري وحواره، سيناريو حلمي رفلة وإخراجه، ومساعد المخرج عاطف سالم.

تدور أحداثه حول فنان فقير يحب راقصة، غير أن الراقصة مشغولة بحب شاب ثري، فجأة تهبط ثروة على الفنان الفقير، فيحاول أن يكشف للراقصة خيانة الشاب الثري لها، وينجح في ذلك، فتقرر بعدها أن تتزوج صديقها الفنان.

شاركت زينات صدقي في بطولة الفيلم أمام فريد الأطرش وسامية جمال وإسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي وفريد شوقي وعبد الفتاح القصري وسعيد أبو بكر ومحمد الديب وميمي شكيب وسراج منير ووداد حمدي، ومحمد البكار.

بعده قدمت فيلم {الصبر جميل} تأليف بديع خيري وإخراج نيازي مصطفى، وشارك في بطولته كل من المطرب محمد الكحلاوي وشادية وتحية كاريوكا ومحمود المليجي وعبد الفتاح القصري وصلاح منصور وحورية حسن وشكوكو والراقصة كيتي.

دارت أحداث الفيلم حول قصة حب عزت والفتاة الثرية درية التي تنتهي بخطبتهما، وعلى رغم هذا الحب فإن درية تخون عزت، ويشعر بتغير في سلوكها، فيتابع كل خطواتها وهذا يسبب الضيق لها، فقد أصبحت تصرفاته لا ترضيها فترى أن تفسخ الخطوبة. تذهب لمقابلته لتسترد خطاباتها التي سبق وأرسلتها له، فيرفض أن يسلمها أي الخطابات، يتمادى في الرفض ويحاول الاعتداء عليها، ينقذها من بين يديه محمد الذي كان يحب درية ولكن من طرف واحد فهي لم تشعر به، في الوقت الذي تحضر فيه فاطمة عشيقة عزت وتطلق عليه الرصاص، في التحقيق يبرئ عزت عشيقته فاطمة ويدعي أن الرصاصة خرجت من مسدسه عن طريق الخطأ، ويفسخ خطبته من درية والتي توافق على خطبة محمد الذي يحبها.

وعلى رغم صغر حجم الدور في الفيلم الذي عرضه عليها المخرج حلمي رفلة، الذي عشق صورتها على شاشة السينما، إلا أنها قبلته، ليس مجاملة لمخرجها الخاص، لكن مجاملة لصديقها الفنان الكبير سليمان نجيب، الذي داعبها قائلاً:

= عموماً انت مش هتشتغلي الفيلم داع علشان خاطري.

* أبدا والله. دا أنا عندي في عين العدو خمسة أفلام تانية.

= عين العدو... العدو دا اللي هو أنا... ولا إسماعيل ياسين؟

* لا طبعاً إسماعيل. وبعدين لو ما كنش علشان خاطرك يبقى علشان خاطر مين.

= علشان خاطر أخواتك زينب صدقي ولولا صدقي.

* هاهاها... حلو أوي الفيلم العائلي دا. تتصور يا نجيب بيه إن ناس من الجمهور ساعات بيسألوني السؤال دا كتير... فعلاً الناس فاكره أننا أخوات إحنا التلاتة... بس هم فعلا أكتر من أخواتي.

شارك في بطولة فيلم «نهاية قصة» كل من محمد فوزي ومديحة يسري وإسماعيل ياسين، فيما تولى القصة والسيناريو والحوار علي الزرقاني.

أمومة

قبل أن تودع عام 1951 قدمت ثلاثة أفلام أخرى هي: {قطر الندى} قصة أبو السعود الإبياري وحواره، سيناريو أنور وجدي وإخراجه، بطولة كل من أنور وجدي وشادية والطفلة المعجزة فيروز وإسماعيل ياسين وإبراهيم عمارة وسراج منير وإلياس مؤدب ورياض القصبجي وصلاح منصور. ثم فيلم {الخارج عن القانون} تأليف محمد عبد الجواد وإخراجه، مع فريد شوقي ومونا فؤاد وحسن البارودي.

وأخيراً فيلم {من غير وداع} تأليف محمد كامل حسن، وإخراج أحمد ضياء الدين مع مديحة يسري وعماد حمدي ومحمد الديب وسهير فخري وعقيلة راتب.

حرصت زينات على أن تنال قدراً من الراحة والاستجمام في الإسكندرية بصحبة والدتها وابنة شقيقتها نادرة ووسط شقيقاتها وأولادهم، فلم تكن الزيارة لمجرد الراحة والاستجمام، لكن لأن أمراً مهماً أرادت مفاتحة شقيقتها سنية وزوجها فيه:

= انت بتقولي إيه يا ست زينب. لا مؤاخذة قصدي يا ست زينات. صحيح نادرة اسمها نادرة علي اللبان... لكن أنا وسنية أبوها وأمها على الورق بس... لكن انت أبوها وأمها وكل أهلها.

* معلش يا علي... بس انت أبوها ولازم تبقى عارف.

= أهي البنت بنتك وانت حرة فيها.

* بس أنا اشترطت على العريس شرط أساسي.

= ما قلتلك دي بنتك اشرطي براحتك.

* اشترطت أن نادرة مش هتسيبني... تتجوزي معايا في البيت وتعيش معايا.

= ربنا يخليكِ لهم... يخليكِ لينا كلنا.

عادت زينات إلى القاهرة مع نهاية فصل شتاء 1952 لتصوير فيلم جديد ارتبطت مع مخرج الخدع نيازي مصطفى، من خلال سيناريو علي الزرقاني وحواره، لتقدم دور {مستكة} في فيلم {من أين لك هذا} مع محمد فوزي ومديحة يسري وإسماعيل ياسين وفريد شوقي.

دارت الأحداث حول وحيد، طالب في كليه الطب يعيش مع عالم اخترع مركبًا كيماويًّا يجعله غير مرئي، يقع وحيد في حب سلوى وتبادله مشاعره، ولكن والدها المتزمت يرفض زواجهما ويرشح لها طاهر الذي يعتقد أنه الزوج المثالي لابنته في حين أنه تاجر مخدرات يستطيع وحيد بفضل هذا التركيب الكيماوي أن يعرقل زواج سلوى، إلا أنه يتهم بتهريب المخدرات وخطف سلوى ولكنه يستطيع أن يرشد الشرطة إلى المجرم الحقيقي طاهر ويتزوج من سلوى.

تحيا الثورة

بينما كان فيلم {من أين لك هذا}، يفتتح الموسم الصيفي في دو العرض في 18 يوليو 1952، حتى بدأت تصوير دور {عزيزة كهربة} مع المخرج إبراهيم حمدي في فيلم {عشرة بلدي} تأليف جمال حمدي، مع إسماعيل ياسين ومحمد التابعي وعبد الفتاح القصري ومحمد أمين وهدى شمس الدين.

تدور الأحداث حول عبد الفتاح الثري، صاحب أحد الكباريهات الذي يقع في حب إحدى الراقصات، يتقدم للعمل بالكباريه شابان تظهر عليهما دلائل الفقر، يرفض عبد الفتاح أن يعملا عنده، فيدعيان له أنهما مندوبا شركة تأمين على الحب. ينخدع عبد الفتاح بعملهما، ويوافق على التأمين ولكن بشروطه وهي أن يقيم الشابان معه لأجل قياس درجة الحب، ويوقع عبد الفتاح وثيقة التأمين وكذا العمدة الذي على علاقة حب مع خالة الراقصة {عزيزة كهربة} على وثيقة أخرى. وتسير الأمور في مجراها، إذ إن الشاب الأول يحب الراقصة، أما الثاني فيحب خالتها وحين يقرران الزواج يوافقان على ذلك ويرفضان عرض عبد الفتاح والعمدة.

بينما زينات نائمة دخلت نادرة عليها لتوقظها ظهيرة 23 يوليو 1952:

= ماما... أصحي... أصحي يا ماما... الدنيا مقلوبة.

* في إيه يا بت نونا بس... وإيه اللي دخلك هنا أوضتي؟

= أصحي يا ماما الدنيا مقلوبة... مصر كلها في الشارع.

* يا لهوي... مصر في الشارع. ليه مين اللي طردها... ما تتكلمي عدل يا بت بدل ما أقوم أعدلك.

* خلي عنك يا ماما. الجيش المصري قام بالواجب وعدل المايل... تعالي اسمعي البيان اللي الإذاعة بتذيعه:

بني وطني لقد اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في فلسطين، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب.

تلقت زينات النبأ بفرحة عامرة، مثل بقية الشعب المصري، لدرجة أنها اشترت كمية كبيرة من الحلويات الشرقية والغربية واصطحبتها معها إلى الأستوديو، ودخلت توزعها على كل الموجودين وهي تزغرد وتردد: تحيا الثورة... تحيا الثورة... تحيا الثورة.

استكملت زينات تصوير فيلم «عشرة بلدي» وقدمت بعده «المنتصر» تأليف حلمي رفلة وإخراجه، مع تحية كاريوكا وبرهان صادق ورشدي أباظة وعبد السلام النابلسي وإسماعيل ياسين وعزيز عثمان وسليمان نجيب، الذي كان أول من تجرد من لقبه طواعية وأعلن أنه أصبح السيد سليمان نجيب، ولم يعد سليمان بك نجيب.

في 28 أغسطس 1952 قدمت زينات فيلم «عايز أتجوز» قصة أبو السعود الإبياري وحواره، سيناريو أحمد بدرخان وإخراجه، بطولة كل من فريد الأطرش ونور الهدى وليلى الجزائرية وعبد السلام النابلسي ومحمد التابعي. ثم قدمت فيلم «بيت النتاش»، قصة علي كامل فهمي، سيناريو محمد متولي وحواره، إخراج حسن حلمي، مع شادية وإسماعيل ياسين ومحمد كمال المصري «شرفطح» وعبد السلام النابلسي وإلياس مؤدب وعبد الفتاح القصري.

في الفترة من أكتوبر إلى نوفمبر قدمت زينات آخر فيلمين لها في عام 1952، كانت قد اتفقت عليهما قبل قيام ثورة يوليو، فيلم «يا حلاوة الحب» قصة وسيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، إخراج حسين فوزي، وبطولة كل من محمد فوزي ونعيمة عاكف وسليمان نجيب ولولا صدقي وفؤاد شفيق وووداد حمدي. ثم فيلم «شم النسيم» مع المخرج الإيطالي فرينتشو ومعه مساعد المخرج المصري حمادة عبد الوهاب، قصة وسيناريو السيد بدير وحواره، بطولة كل من رشدي أباظة وبرلنتي عبد الحميد، قسمت شرين ومي مدور وجورج يوردانيدس والسيد بدير ومحمود عزمي سناء جميل وعبد السلام النابلسي وسميرة أحمد وحسن فايق.

ما إن استقبلت زينات عام 1953، حتى شعرت بأنها ولدت من جديد، ولدت في عصر الثورة وزوال الاستعباد والاستبداد. شعرت بأن الثورة قامت لأجلها فحسب، كإحساس كل المصريين، لكن ما زاد من إحساسها أن انهالت عليها التعاقدات من حيث لا تدري ولا تعلم.

(البقية في الحلقة المقبلة)

انقلاب السحر

كان حلمي رفلة من المخرجين الذين يؤمنون إيماناً مخلصاً بموهبة زينات صدقي، لذا كان بمجرد أن يعرض عليه أحد المؤلفين سيناريو فيلم جديد، وما إن يطمئن على موضوع الفيلم ودوري البطل والبطلة، يبحث عن دور زينات، فإذا كان موجوداً حاول تحسينه وإبرازه، وإن لم يكن موجوداً حاول قدر الإمكان أن يبحث لها عن مكان في الفيلم، فقد كان يضيف ويحذف، يبدل ويعدل بالاتفاق بينه وبين المؤلف والفنانين. لكن ما إن تدور الكاميرا كان لا بد أن يلتزم الجميع بكل كلمة مكتوبة في السيناريو.

في الفيلم الجديد الذي كانت تعمل فيه زينات مع رفلة بعنوان «فايق ورايق» وتشارك فيه إسماعيل ياسين وكارم محمود وتحية كاريوكا ونجوى سالم وسميحة توفيق القصري وعبد الوارث وإلياس مؤدب، لاحظ ياسين وكاريوكا اهتمام رفلة الزائد عن الحد بزينات صدقي في كل مشهد، فأرادا أن يوقعا بينهما فينقلب عليها حلمي رفلة ويضحك الجميع في النهاية ليس أكثر.

كان إسماعيل ياسين يعرف طباع حلمي رفلة في الحفاظ على كل كلمة مكتوبة بالسيناريو، فاتفق مع تحية كاريوكا ونجوى سالم على أن يدبِّر مقلباً بزينات لمعرفته عشقها للخروج على النص، فاتفق مع مساعد المخرج لمراقبة السيناريو سعد عرفة، الذي كلن يعمل للمرة الأولى مع حلمي رفلة، على أن يترك زينات ترتجل كما تريد في المشهد التالي:

- أيوا يا أستاذ إسماعيل... بس انت عارف الأستاذ حلمي موته وسمه عدم الالتزام باللي مكتوب في السيناريو.

= انت هتعرفني حلمي... ما أنا عارف يا سيدي. بس إحنا اتفقنا معاه هو وأبو السعود الإبياري على أنه هيسيب زينات تاخد راحتها في المشهد اللي جاي لأن المشهد محتاج يفك شوية... وإحنا كمان في المشاهد بتاعتنا.

- طب أروح أسأله؟

= عيب عليك لما أقولك على حاجة وتسأل ورايا.

- طب خلاص... بس أنا مش مسؤول عن أي حاجة تحصل.

= ما لكش دعوة... سيبها عليّ.

كما اتفق إسماعيل مع سعد عرفة، اتفق أيضاً مع زينات وأكد عليها بشكل لا ينقصه الجدية، أنه قد تم الاتفاق على أن ترتجل كما تشاء في المشهد، وأنهم جميعاً سيفعلون ذلك، بالاتفاق مع حلمي رفلة وأبو السعود الإبياري.

جلست زينات تفكر في المشهد وكيف ستقدمه من وجهة نظرها، وما هي العبارات التي ستقولها، وما إن دارت الكاميرا حتى انطلقت كالصاروخ، تصول وتجول أمامها، والجميع يقفون خلفها ينتظرون رد فعل حلمي رفلة، والمعركة التي ستدور بينه وبين زينات بسبب خروجها الزائد عن الحد على النص.

فجأة هب رفلة من فوق الكرسي الذي يجلس عليه خلف الكاميرا وعاد إلى الخلف، تناول نسخة السيناريو التي يمسك بها سعد عرفة، نظر فيها ثم نظر إلى عرفة، فهز له كتفيه ومط شفتيه... حبس الجميع أنفاسه وقد أيقنوا أن حتماً سيقع زلزال في الأستوديو في هذه اللحظة. تقدم عرفة ليوقف التصوير، فوضع حلمي رفلة يده على فمه. استمر المشهد حتى نهاية... ومع آخر جملة قالتها فوجئ كل من في الأستوديو بالمخرج رفلة يطلق صرخة مدوية وهو يصفق: برافو برافو برافو يا زينات... هو دا... هو دا اللي كنت عايزه بالظبط... برافو.

تبع تصفيق حلمي رفلة تصفيق حاد من الموجودين، فيما وقف إسماعيل ياسين وتحية كاريوكا ونجوى سالم ينظرون إلى بعضهم البعض وهم في دهشة من السحر الذي انقلب على الساحر، فلم يملكوا سوى الضحك والتصفيق.

الجريدة الكويتية في

04/08/2013














images
 
التعديل الأخير:

التباب

Active Member
طاقم الإدارة
أيامنا الحلوة

كتب الخبر: ماهر زهدي

بنت بحري زينات صدقي

( 27 )

جاءت ثورة 23 يوليو وجاء معها الخير للشعب العربي كله، وليس مصر فقط، قامت لإنصاف الفقراء المطحونين، ما جعل اليقين يستقر في وجدان زينات بأن الثورة قامت لإنصافها تحديداً.

شعرت زينات بأن أبواب المجد فتحت لها، والتاريخ يلعب معها دوراً مهماً، وأن الدنيا فتحت لها ذراعيها، فلم يكن في مصر فنان مطلوب بهذه الدرجة سوى هي وإسماعيل ياسين، وكأنهما دخلا سباقاً معاً، سباق لم يقررا أن يدخلاه بنفسيهما، لكنه فرض عليهما، فرضه المنتجون الذين تكالبوا عليهما، فتم التعاقد خلال عام 1953 مع إسماعيل ياسين على 17 فيلماً، ومع زينات على 18 فيلماً لتتفوق عليه بفيلم، وهو ما لم يحدث في تاريخ السينما المصرية. حتى إنها اضطرت إلى رفض نصف ما يعرض عليها من سيناريوهات تقريباً، ليس تمنعاً ولكن لضيق الوقت، فقد راحت تعمل غالبية ساعات اليوم، ولا تنال حقها من الراحة إلا من خلال سويعات قليلة قد لا تزيد على ثلاث ساعات في اليوم الواحد، لتستطيع أن تفي بالتزاماتها بالعقود التي أبرمتها. حتى أصبح اسمها على كل لسان، سواء من العاملين في صناعة السينما أو من الجمهور الذي أحبها وتعلق بها بشكل غير طبيعي، فلم تكن دار عرض في القاهرة أو الإسكندرية وبورسعيد والمنصورة، أو في أي من بقية محافظات مصر، إلا وكانت واجهتها تحمل ملصقاً لفيلم عليه اسم وصورة زينات صدقي.

مساعدة الأصدقاء

وجد الفنان حسن فايق أن إسماعيل ياسين وزينات صدقي أصبحا الورقة الرابحة التي يلعب عليها المنتجون، ففكر أن يشارك في الرهان ويلعب على هذه الورقة، ويخوض تجربة الإنتاج لهما بالمشاركة مع مهندس المناظر عباس حلمي.

باعتبار أن فايق أحد تلامذة مدرسة نجيب الريحاني، اختار رواية سبق أن قدمتها هذه المدرسة وهي «الدنيا لما تضحك» التي كتبها الريحاني وبديع خيري، وأعدّ السيناريو والحوار والإعداد السينمائي لها بديع خيري، وأخرجها عبد الجواد.

شارك إسماعيل ياسين في بطولة الفيلم كل من شكري سرحان ونجاح سلام وعبد الفتاح القصري ومحمد الديب واستيفان روستي وسميحة توفيق.

دارت أحداث الفيلم حول فكرة الثري الذي يعاني الملل في حياته، فيقرر الدخول في رهان مع الشاب «أفلاطون» الذي يعمل ملاحظاً لعمال بناء، على أن السعادة ليست في المال، فيما يعتبر أفلاطون أن المال هو كل شيء. فيتفق الشاب المليونير مع أفلاطون أنه إذا استطاع أن ينفق مبلغ ستة آلاف جنيه شهريًّا، سيعطيه المزيد فيقبل أفلاطون الرهان وهو على يقين أنه قادر على ذلك. في الوقت نفسه يقع المليونير في حب شقيقة أفلاطون، غير أنه لا يكشف عن حقيقة شخصيته لها، ويوهمها بأنه مجرد موظف بسيط في شركة المليونير نفسه، تحبه وتخلص له من دون أن تعرف أن هذا المليونير هو الذي غمر عائلتها بالمال، فهي لا تقيم وزنًا للمال، خصوصاً بعد أن تنتقل الأسرة إلى حي راق، بل تفضل أن تستمر بمفردها في العيش في الحي الشعبي، وينتهي الموقف بأن يخسر أفلاطون الرهان، وتعرف شقيقته حقيقة الشاب الذي أحبته وتتزوجه، ويتزوج سكرتير المليونير الشقيقة الأخرى للملاحظ التي تجسد شخصيتها زينات صدقي.

فيما كانت زينات تصور فيلم «الدنيا لما تضحك» استعان بها المخرج يوسف شاهين في تجربته السينمائية الخامسة في فيلم «نساء بلا رجال» الذي كتب له القصة والسيناريو وشارك فيه بالتمثيل، وكتب له الحوار نيروز عبد الملك، وتولى البطولة كل من ماري كوين وهدى سلطان وعماد حمدي وعلوية جميل وكمال الشناوي وعادل مأمون وعبد الفتاح القصري وووداد حمدي، ثم طلبها الفنان يوسف وهبي للعمل معه في فيلم «بنت الهوى» تأليف وإخراج يوسف وهبي وبطولته، ومعه فاتن حمامة وتحية كاريوكا وماري منيب وكمال حسين وشفيق نور الدين.

وصل الأمر إلى أن زينات أصبحت تصور أربعة أفلام في اليوم الواحد، تخرج من بلاتوه لتدخل آخر، تخرج من شخصية لتدخل أخرى، تعمل بين 16 إلى 18 ساعة في اليوم، وتنام بين أربع إلى خمس ساعات يومياً، حتى سقطت من شدة الإعياء والتعب، وتم نقلها إلى المستشفى حيث ظلت فيه خمسة أيام استردت فيها عافيتها، غير أن الأطباء حذروها من إهمال صحتها.

شعرت زينات بأن ما حدث لها هو بفعل «الحسد» وأن زملاءها الفنانين هم أكثر من يحسدونها لكثرة عملها والإقبال عليها، خصوصاً منافسها التقليدي إسماعيل ياسين الذي يعمل في الأعمال نفسها تقريباً، والعدد ذاته، لكن لأنه كان دائماً يحب أن يطمئن إلى أن زينات لا تعمل أكثر منه، فكان دائم السؤال لها:

= مضيتي عقود كام فيلم النهارده يا زينات؟

* (بسخرية) ولا عقد... بس فيه منتجين مكلميني على خمسة عقود إن شاء الله... في عين العدو.

= (ضاحكاً) انت فاكره أني هحسدك... أنا بسأل بس علشان خايف على صحتك.

* أنصح نفسك يا أبو السباع. أنا سامعه أنك بتصور أربعة وخمسة أفلام في اليوم.

= يا ريت... دا الواحد بيصور فيلمين بالعافية.

البسمة الوحيدة

على رغم براعة زينات صدقي في أي دور كان يسند إليها وتوافقها مع أي أحداث حتى لو كانت تراجيدية، بحيث تكون البسمة وسط المأساة، وعلى رغم أنها كانت تضمن في هذه النوعية من الأفلام أنها ستكون بعيداً عن أعين إسماعيل ياسين، فإنها كانت تشتاق إلى الكوميديا، فما إن عرض عليها المخرج عباس كامل فيلم «لسانك حصانك»، حتى قبلته فوراً.

الفيلم سيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، بطولة كل من شادية وكارم محمود وفريد شوقي عزيز عثمان ومحمد التابعي والراقصة كيتي والسيد بدير وعمر الجيزاوي وسعاد مكاوي.

فتحت الدنيا ذراعيها لإسماعيل ياسين، مثلما فتحت ذراعيها لزينات صدقي. قرر الأول أن ينتقل ليعيش في فيللا جديدة في منطقة «مصر الجديدة»، فعرض على صديقة عمره وشريكة أفلامه زينات صديقي أن تحذو حذوه وتتجه معه إلى حيث الدنيا الأرحب والأوسع في مصر الجديدة:

= اسمعي كلامي خديلك حتة أرض ولا تشوفي عمارة جديدة حاجة مفيش بعد كدا

* وأنا إيه اللي يوديني آخر الدنيا.

= مصر الجديدة آخر الدنيا؟

* أيوا... أنا قاعدة هنا في وسط البلد. لو عندي مسرح أهو شارع عماد الدين ورايا... ولو أي بلاتوه سينما خمس دقايق أبقى في شارع الأهرامات.

رفضت زينات كل العروض للانتقال من شقتها، وأصرت على البقاء فيها، خصوصاً أن عدداً من الفنانين يسكنون معها في المبنى نفسه، ثريا حلمي وعبد السلام النابلسي وزوزو حمدي الحكيم... فالمهم بالنسبة إليها كان أن إسماعيل ياسين غادر المبنى، كي لا يراها كل يوم ويضطر إلى أن يسألها عن عدد الأفلام التي تصورها أو التي تعاقدت عليها.

أراد المخرج حسين فوزي أن يقدم زينات صدقي في شكل مختلف، فاختار لها دور سيدة من الطبقة الأرستقراطية تهوى «سباق الخيل» وترث ثروة ضخمة ضمن مجموعة من الأقارب.

الفيلم بعنوان «مليون جنيه»، بطولة كل من نعيمة عاكف وشكري سرحان ومحمود شكوكو وسميرة أحمد وعبد الفتاح القصري واستيفان روستي ومحمود المليجي وزوزو شكيب، قصة حسين فوزي وإخراجه، سيناريو أبو السعود الإبياري وحواره.

يترك «زمرد أغا» إرثاً يقدر بمليون جنيه والورثة هم «مختار» (محمود المليجي) و{الست عيشة» (زينات صدقي) و{مرزوق» (عبد الفتاح القصري) و{وفاء» (سميرة أحمد)، ويشترط أن يكون الشخص الأقرب له هو الوصي على بقية الورثة وهذا الشخص هو فتاة تدعى «فلافل» (نعيمة عاكف)، فتاة تتسول في الشوارع برفقة متسول يدعى «البرنس» (محمود شكوكو). يتم العثور على «فلافل» وإبلاغها بالإرث وأنها الوصية على بقية الورثة، وتقرر «فلافل» منح كل وريث حقه، بمن فيهم هي نفسها، لكن كل وريث ينفق ما ورثه خلال وقت قصير جداً، فتقرر «فلافل» التنازل عن إرثها للجمعيات الخيرية، خوفاً من مصير أقاربها.

ما إن دخلت زينات باب شقتها حتى وجدت جرس الهاتف يرن، فجرت نادرة لترد:

* لو إسماعيل ياسين قوليله نايمة.

= لا دا مش عمو إسماعيل... دا عمو أنور وجدي.

* أنور. طب هاتي... ألو... أيوا حبيبي يا أبو الأنوار. بس كدا... انت تأمر... لا مش عايزه أعرف. كفاية أني هاقف معاك أنت ولولا حبيبتي. وكمان سليمان بيه... لا... أنا صحيح مع الثورة وبحبها. بس الراجل دا أفضاله عليا ما تتعدش... علشان كدا هفضل أقول له سليمان لحد آخر يوم في حياتي. وكمان الأستاذ زكي رستم. الله حلو أوي يا أنور... بس هو دا اللي كنت مستنية اسمع اسمه... أبو السباع. إسماعيل ياسين... كدا كملت.

قدمت فيلم «ليلى بنت الأكابر» قصة أنور وجدي وإخراجه، سيناريو وحوار أنور وجدي وأبو السعود الإبياري، ومساعد المخرج حسن الصيفي، مع ليلى مراد وأنور وجدي وزكي رستم وإسماعيل ياسين وسليمان نجيب والمطرب الشعبي محمد عبد المطلب.

دارت أحداث الفيلم حول ليلى، الفتاة الجميلة رقيقة المشاعر التي تعيش مع جدها بالقصر الكبير مانعاً إياها من الخروج أو مقابلة الأغراب لعدم تكرار قصة والدها الذي تزوج من والدتها الفقيرة.

اختبار جماهيري

يسافر الباشا إلى الحج تاركاً ليلى مع خالها للحفاظ عليها، فيأتي الأسطى أنور وزميله شفشق لإصلاح الهاتف المعطل في القصر ويقع أنور في حب ليلى معتقداً أنها خادمة في المنزل، ويتفقان على الزواج. في الوقت نفسه يقع خال ليلى (سليمان نجيب) في حب «حلويات» شقيقة أنور، التي تجسد دورها زينات صدقي. يأتي الجد من السفر ويحاول تفريق الزوجين ولكن بعد مجادلات طويلة يتمسك الزوجان بحبهما وينتصران ضد التقاليد البالية.

انتهى تصوير الفيلم ولم يكن يعلم جميع العاملين فيه أنه آخر فيلم يخرجه أنور وجدي لزوجته ليلى مراد، فقبل أن يعرض الفيلم في دور العرض تم انفصالهما، وكان الانفصال الأخير بينهما، ليفترقا إلى الأبد بعد حياة زوجية ليست طويلة، أخرج خلالها أنور وجدي سبعة أفلام من بطولة ليلى مراد وشاركها فيها كممثل، وتعد من أنجح وأفضل الأفلام الغنائية والاستعراضية في تاريخ السينما المصرية.

اختار المخرج عاطف سالم زينات لتقدم دور «لطيفة» في فيلم «الحرمان» تأليف نيروز عبد الملك، وبطولة كل من الطفلة المعجزة فيروز وعماد حمدي وزوز ماضي وعدلي كاسب ونجمة إبراهيم وعبد السلام النابلسي.

بعده شاركت شادية ومنير مراد ومحمد التابعي بطولة فيلم «أنا وحبيبي» ومعهم كل من عبد السلام النابلسي وتوفيق الدقن وسناء جميل ومي مدور. ثم فيلم «اللقاء الأخير» تأليف السيد زيادة وإخراجه، بطولة كل من محسن سرحان ومحمود المليجي وعماد حمدي وهند رستم وزينات علوي وفردوس محمد وبدرية رأفت وجلال صادق.

عادت زينات تلتقي مع أنور وجدي، لكن هذه المرة لم تكن معهما ليلى مراد، بل الطفلة المعجزة «فيروز» من خلال فيلم «دهب» عن قصة وتمثيل وجدي وإخراجه، سيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، إلى جانب ماجدة وإسماعيل ياسين وسراج منير وميمي شكيب وصفا الجيمل وعدلي كاسب وعزيزة حلمي.

قدمت زينات فيلم «المرأة كل شيء» قصة فريد شوقي، سيناريو حلمي رفلة وإخراجه، إلى جانب كل من فريد شوقي وتحية كاريوكا ومحسن سرحان وليلى فوزي وعبد الغني السيد وحسين رياض وعزيز عثمان ومنسي فهمي. ثم فيلم «مليش حد» تأليف مصطفى سامي سيناريو إبراهيم عمارة وإخراجه، بطولة كل من شادية ماجدة وشكري سرحان وشكوكو سميحة توفيق. بعد ذلك، شاركت في فيلم «ظلموني الحبايب» قصة يوسف عيسى وسيناريو بديع خيري وحواره، وبطولة كل من فريد شوقي وعماد حمدي ودولت أبيض وصباح والزرقاني وحسين رياض وشريفة ماهر.

انتهت زينات من تصوير آخر مشهد لها في الفيلم، وكادت تسقط من شدة الإعياء، فاستقلت سيارة الأستوديو عائدة إلى بيتها، وما إن جلست في السيارة حتى راحت في نوم عميق، لم يوقظها منه سوى صوت آلات تنبيه السيارات المختلفة التي توقفت لأن سيارة وقفت بعرض الشارع في حي المنيرة القريب من مسجد وحي السيدة زينب، وعلى بعد خطوات من قصر عابدين، وجدت رجلاً بملابس رثة وقد أمسك بطفل لا يتعدى عمره 12 عاماً، وراح يضربه ضرباً مبرحاً.

أفاقت زينات، نظرت إلى هذا المشهد، وفجأة تحولت السيدة المنهكة المتعبة التي نامت داخل السيارة من شدة الإرهاق إلى وحش كاسر، انطلقت كالسهم من داخل السيارة، وأمسكت بالرجل وأوسعته ضرباً. تجمع حولها المارة وقد تعرفوا إليها وظنوا أن ما يشاهدونه جزءاً من فيلم من أفلامها يتم تصويره، فراحوا يصفقون بحرارة مرددين: بص شوف زينات بتعمل إيه... بص شوف زينات بتعمل إيه.

فجأة أفلت الرجل منها وجرى ليجلس على الرصيف المقابل وظل يبكي، نظرت إليه زينات ورق قلبها له، فذهبت إليه وأخذته من يده وأجلسته على كرسي في المقهى المجاور والجمهور يلاحقها:

* لما انت غلبان وحالك عدم كدا... بتضربه الضرب دا كله ليه؟

= يا ست زينات أنا سيد دنجل الميكانيكي... ودا الصبي بتاعي. غلط غلطة كان هيضيع عربية الناس... يبقى لازم أعلمه ولا غلطان.

* ما قلناش حاجة بس العلام بالأصول. ومهما كان دا برضه عيل... عموماً حقك عليا لو كان الضرب وجعك.

= الضرب ما وجعنيش... اللي وجعني الإهانة قدام الحتة كلها. وأنا أجدعها راجل ما يقدرش يرفع عينه فيا... ولولا أنك واحدة ست كنت عرفت أتصرف معاكِ... بس دلوقت ارفع عيني إزاي في وش أهل الحتة؟

* عموماً أنا بعتذرلك قدام كل أهل الحتة. وعزامكم كلكم يوم الحد اللي جاي على الفيلم بتاعي الجديد مع كمال الشناوي وهدى شمس الدين ومحمد عبد المطلب ومحمد أمين وعبد الغني السيد وعمر الجيزاوي ومحمد التابعي «كبير الرحمية قبلي»، والفيلم اسمه «بينى وبينك» وخللي اللي حصل دا بيني وبينك بس.

ضج أهالي الشارع بالضحك، وراحوا جميعاً يمتدحون أعمالها ويعدون أفلامها الأخيرة وأدوارها فيها، بأسماء الشخصيات، ثم راحوا يودعونها بالتصفيق والزغاريد والهتافات.

على رغم أن الحادث جاء صدفة ولم تكن تتوقعه ولا تعرف عاقبة ما فعلته، وكيف أن الحادث انتهى بكل هذا الترحيب لها، وتظاهرة الحب التي شيعها بها الجمهور، فإن ذلك نبهها إلى شيء مهم جداً، هو رد فعل الجمهور حول أعمالها، وأنها لم تعد تلمس هذا الرد منذ أن ابتعدت عن المسرح في الفترة الأخيرة، فخطر لها أن تعيد التفكير في أمر المسرح من جديد.

لم تسر السيارة أكثر من مئة متر، حتى صرخت زينات في وجه السائق: استنَّ عندك يا إبراهيم. استنَّ... ارجع ورا تاني.

طالبته بالوقوف فوراً... فلم تصدق عيناها ما شاهدته.

البقية في الحلقة المقبلة

عين الحسود

كانت زينات ترد السخرية بالسخرية، غير أنها في الوقت نفسه كانت تخشى أن يعرف أحد عدد الأفلام التي تعمل فيها، إلا بعد الانتهاء من تصويرها، لدرجة أنها كانت تنكر وجودها في بيتها، عندما يرن جرس الهاتف، وترد ابنة شقيقتها «نادرة»:

= دا عمو إسماعيل ياسين.

* قوليله نايمة.

ما إن كانت نادرة تغلق الهاتف، حتى جري زينات بسرعة لتقوم بعمل طقوس مستمدة من الثقافة الشعبية المصرية، لها امتداد من الحضارة الفرعونية، ما يسمى بـ «تعويذة الحسد»، حيث تحضر ورقة بيضاء تقصها على شكل عروس، وتغرز «إبراً» فيها عدة مرات متتالية، ومع كل غرزة تسمى واحدا من الذين تخاف من عينيه: من عين إسماعيل ياسين، ومن عين حسن فايق، ومن عين فريد شوقي... ومن عين ميمي شكيب.. وكمان مرة من عين إسماعيل ياسين.

كانت زينات تظل تسمي اسماً مع كل غرزة، وما إن تنتهي تحرق العروس، ثم تطلق البخور درءا للحسد، فهي كانت تخشى الحسد فعلاً، تحديدا من عين ياسين، وعلى رغم ذلك كانت تسعد بشكل كبير عندما يأتي فيلم يجمعهما معاً، فمن ناحية هي كانت تحب العمل معه لأنها تقدره كفنان وتعرف قيمته، ومن ناحية أخرى كانت تضمن أنه لن يسألها عما تصور لأنهما يعملان في فيلم واحد معاً.

في مقابل ذلك كانت تخفي عنه الأفلام التي تشارك فيها بعيداً عنه، مثل فيلم «بيني وبينك» مع: كمال الشناوي، هدى شمس الدين، عبد المطلب، محمد أمين، عبد الغني السيد، عمر الجيزاوي، محمد التابعي، محمد الديب، وتأليف حسن رضا وإخراجه. كذلك فيلم «موعد مع الحياة»، بطولة كل من فاتن حمامة وشادية وشكري سرحان وعمر الحريري ونور الدمرداش وحسين رياض وعبد الوارث عسر وسعيد أبو بكر، تأليف عز الدين ذو الفقار وإخراجه، الذي ما إن انتهى من التصوير حتى اتفق مع زينات على أن تشارك معه في تصوير فيلمه الجديد «أقوى من الحب» مع شادية وعماد حمدي ومديحة يسري، وحسن البارودي.

الجريدة الكويتية في

05/08/2013















images



 
التعديل الأخير:

التباب

Active Member
طاقم الإدارة
أقوى من الحب

كتب الخبر: ماهر زهدي

بنت بحري زينات صدقي

( 28 )

طلبت زينات صدقي من إبراهيم السائق أن يعود إلى الخلف ويوقف السيارة، لتنزل بسرعة وتوقف إحدى السيدات التي تمشي في الشارع وهي لا تكاد تصدق عينيها، إنها صديقة العمر.

التقت زينات صدقي بصديقة عمرها خيرية صدقي فلم تصدق عينيها:

* خيرية صدقي؟! معقولة!

= مين زينا... قصدي الفنانة الكبيرة زينات صدقي.

* اخص عليك. فنانة كبيرة إيه وكلام فاضي إيه... مهما كبرت أكبر عليك يا خيرية. دا أنت أختي... حتى بالأمارة أنا شايلة اسم أبوكي عشان تعرفي إننا أخوات... تعالي اركبي... اركبي.

= أروح فين بس... شكلها عربية الشغل بلاش أعطلك.

* تعطليني... دا أنت غلبتيني.

= أنا!!

* أيوا... أنت ما تعرفيش أنا تعبت إزاي من اللف والدوران عليك. رحت لك البيت القديم ورحت إسكندرية... وناس قالولي على سكنك الجديد في المنيرة.

= ما أنا سبته... وسكنت هنا في عابدين.

* بس أنت سافرتي ورجعتي وسافرتي ورجعتي وغيرتي بيتك... لكن أنا بيتي زي ما هو... كان الواجب تجيلي.

= بيني وبيك خفت.

* خفتي!! من إيه؟

= زينات صدقي صاحبتي كنا زي بعض أنا وهي... من توب بعض. لكن لما رجعت آخر مرة من الشام لقيت الدنيا كلها بتتكلم عن زينات صدقي النجمة الكبيرة. حتى أفلامك كنت بشوفها هناك في الشام... فقلت لنفسي هتروحي فين يا بت يا خيرية... صاحبتك اللي كنت تعرفيها... ما بقاش لها وجود دلوقت أكيد بقت زينات هانم النجمة... فوفرت على نفسي الإحراج وخدتها من قصيرها وفضلت بعيد.

* أخص عليك... بعد العمر دا كله ما تعرفيش مين هي زينب.

= يااااه... بقالي كتير ما سمعتش الاسم دا.

* وأنت بتعملي إيه دلوقت يا خيرية؟

= أنا بطلت رقص... واتجوزت ودلوقت معايا تلات عيال.

* معقول... أنت يا خيرية اللي كنت مقاطعة الجواز.

= الأيام جريت ولقيت نفسي لوحدي... لقيت هو دا اللي فاضل.

بكت زينات طويلاً بسبب كلام خيرية، ليس لحالها فحسب ولكن لأنها ذكرتها بحالها، وإنها مهما صنعت من فن ومجد، فسيأتي يوم وتبقى بمفردها وحيدة.

منذ ذلك اليوم قررت زينات أن تضع راتباً شهرياً لخيرية يعينها على الحياة. ولم تكن تفعل ذلك مع صديقة عمرها فحسب، بل كانت يداها تمتدان بالخير لكثيرين غيرها، وكلما فعلت زادها الله من فضله الكثير، لدرجة أنها لم تعد تستطيع أن تلاحق ما يعرض عليها من أفلام، بل وصل الأمر بها إلى الاختفاء بعيداً عن أنظار المنتجين كي لا تضطر إلى توقيع عقود جديدة قد لا تستطيع أن تفي بها، فقد بلغ عدد الأفلام التي وقعت عقودها خلال عام 1954 23 فيلماً، بمعدل فيلمين في الشهر تقريباً، وهو رقم قياسي لم يصل إليه أي من نجوم أو فناني السينما العربية، باستثناء منافسها التقليدي إسماعيل ياسين الذي وقع في العام نفسه أيضاً 21 فيلماً، شارك الاثنان بالتمثيل معاً في أغلبها.

قدما معاً فيلم «الآنسة حنفي»، قصة وسيناريو جليل البنداري وحواره، وإخراج فطين عبد الوهاب، وشاركهما كل من ماجدة وعبد الفتاح القصري وعمر الحريري ورياض القصبجي وسليمان نجيب الذي ظهر في الفيلم بشخصية رجل دفع مبلغ عشرة آلاف جنيه للحصول على «البكوية» في العهد الملكي، ولحظه العاثر قامت ثورة 23 يوليو، ونسي أن يأخذ إيصالاً على من دفع له النقود، فبدا الدور كأنه يسخر ممن حصلوا على البكوية في العهد الملكي، وكان هو نفسه سليمان نجيب أول من حصل عليها، فظل جميع من في الفيلم يرددون له: لو كنت خدت الوصل.

قدما معاً أيضاً (زينات وإسماعيل) فيلم «الستات ما يعرفوش يكدبوا» قصة وسيناريو بديع خيري وحواره، وإخراج محمد عبد الجواد، شاركهما البطولة كل من شادية وشكري سرحان واستيفان روستي والوجه الجديد هند رستم. كذلك قدما فيلم «بنات حواء» قصة أبو السعود الإبياري وحواره، سيناريو نيازي مصطفى وإخراجه، وشاركهما كل من محمد فوزي ومديحة يسري وشادية ومحمد رضا. ثم قدما فيلم «عفريتة إسماعيل ياسين» قصة وسيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، وإخراج حسن الصيفي، وشاركهما البطولة كل من ماري منيب ومحمد كمال المصري (شرفنطح) وفردوس محمد وفريد شوقي وسراج منير والراقصة كيتي.

الثنائي

إذا كان إسماعيل هو الفنان الأول في مصر الذي يشكل مع زينات ثنائياً ناجحاً على شاشة السينما، ليس لتوافقهما على الشاشة فحسب، لكن أيضاً لعدد الأفلام الكبير الذي يشتركان فيه معاً، فإن ثمة فنانين آخرين يجدون معها انسجاماً كبيراً، مثل حسن فايق الذي لم ينكر أبداً تفاؤله بزينات صديقي، وزاد التفاؤل عندما بشرته يوماً بأنه سيقدم البطولة المطلقة عندما أبدى لها ذلك بأمنيته بأن يقدم رواية الريحاني «حسن ومرقص وكوهين» فكانت أول من رشحها لمشاركته البطولة عندما تحققت النبوءة:

= حسن ومرقص وكوهين... فاكرة؟ فاكرة يا زينات؟

* فاكر أنت مين اللي اتنبأ لك بأنك هتعمل الفيلم دا.

= طبعاً... علشان كدا طول عمري بقول إني بتفاءل بيكي... بس تعرفي على أد كدا أنا مرعوب.

* من إيه؟

= من الريحاني.

* الريحاني الله يرحمه ويرحم أيامه.

= بس لسه عايش جوه الناس... الناس شافت الريحاني وهو بيمثل الرواية دي ولسه فاكرينه وأكيد هيقارنوني بيه.

* أنا الدنيا علمتني إن اللي يخاف عمره ما هيعمل حاجة... اتوكل على الله وخليك حسن فايق مش نجيب الريحاني وأنت تنجح.

وضع حسن فايق نصيحة زينات نصب عينيه، وقدم «حسن ومرقص وكوهين» عن قصة نجيب الريحاني وبديع خيري وحوارهما، سيناريو فؤاد الجزايرلي وإخراجه، وشارك حسن وزينات بطولة الفيلم محمد كمال المصري (شرفنطح) وعبد الفتاح القصري واستيفان روستي ونجوى سالم وعايدة عثمان.

بعدها اختارهما المخرج حسين فوزي (حسن فايق وزينات صدقي) ليشاركا زوجته نعيمة عاكف فيلم «نور عيوني» عن قصة زهير بكير وحواره، سيناريو حسين فوزي وإخراجه، وشاركهما البطولة المطرب كارم محمود. ثم اختارهما أيضاً المخرج نيازي مصطفى ليشاركا هدى سلطان والمطرب عبد العزيز محمود في فيلم «تاكسي الغرام» قصة وسيناريو وحوار أبو السعود الإبياري.

تجربة البطولة المطلقة لحسن فايق شجعت كثيرين على خوض التجربة ففكر السيد بدير في أن يجرب نفسه في البطولة المطلقة فقدم مع الفنان عمر الجيزاوي فيلم «فالح ومحتاس» وأشركا معهما في البطولة فاكهة السينما المصرية زينات صدقي، ومعها ماري منيب وسميحة توفيق ومحمود شكوكو وشريفة ماهر، قصة وسيناريو جمال حمدي وحواره، إخراج إسماعيل حسن.

وعلى رغم أن الدور الذي عرض عليها في فيلم «أربع بنات وضابط» لم يكن بحجم الأدوار التي تقدمها في هذه الفترة، سواء المشاركة في البطولة أو الأدوار الثانية، فإنها لم تستطع أن ترفض طلباً للفنان أنور وجدي، الذي كان له الكثير من الأفضال عليها في سنواتها الأولى، فقدمت دورها في الفيلم أمام نعيمة عاكف وأمينة رزق وعبد الوارث عسر ونجمة إبراهيم ووداد حمدي والشقيقتين رجاء وعواطف يوسف، مع الطفلة المعجزة الجديدة «لبلبة»، ابنة خالة المعجزة الأولى «فيروز».

قدمت بعد ذلك فيلم «ضحايا الإقطاع» تأليف مصطفى كمال البدري وإخراجه، مع محمد الديب محمد توفيق، وكانت البطولة مشتركة بينها وبين سميحة توفيق، حول استغلال الفلاحين قبل قيام ثورة يوليو، وقيام أحد الإقطاعيين في قرية من القرى بسرقة ميراث شاب من شباب القرية، ومع بداية الثورة يتم القبض على الثرى ويأمر رجال الثورة بإعادة ميراث الشاب له، ويتم تنفيذ مشروع الإصلاح الزراعي في القرية بتحديد ملكية كل فرد بها، يستفيد الفلاحون ويأخذ كل فرد حقه.

أحزان الربيع

ألح الفنان سليمان نجيب على زينات أن تشارك معه في فيلم جديد، غير أنها طلبت فرصة تبتعد فيها إلى حين التئام الجرح. لكن أمام إصراره الغريب وافقت على الخروج من أزمتها والمشاركة في فيلم {علشان عيونك} قصة وسيناريو إبراهيم الورداني وحواره، إخراج أحمد بدر خان. ولم تكن تعرف أنه الفيلم الأخير لها مع سليمان نجيب، فما إن انتهى من تصويره في نوفمبر 1954، حتى شرع في تصوير فيلم آخر بعنوان {أحلام الربيع} غير أنه لم يكمله، ليرحل في 18 يناير 1955.

حاول سليمان نجيب أن يخرجها من جراحها، فأوقعها في جرح أعمق، جرح ترك أثراً كبيراً عليها، بفقدها الصديق والأخ والأب سليمان نجيب.

وجدت زينات أن أفضل وسيلة للخروج من أحزانها ترك الأحزان والذهاب إلى الأفراح وعدم انتظار وصولها، فوافقت على زواج ابنة شقيقتها نادرة من مصطفى، الشاب الذي ارتبطت معه بقصة حب توجتها زينات بزواجهما، بشرط أن يعيشا معها في شقتها، ويظلا بها مهما امتلأت عليهما بالأولاد.

مع بداية عام 1955، عادت زينات لتكون القاسم المشترك الأعظم في الأفلام التي يقدمها إسماعيل ياسين، فقدمت معه {إسماعيل ياسين في البوليس}، قصة السيد بدير وحواره، سيناريو فطين عبد الوهاب وإخراجه، فقد وافقت للمرة الأولى على أن تجسد دور الأم لفنانة كبيرة، فقامت بدور أم شريفة ماهر التي يحبها إسماعيل ياسين، وشاركهم في الفيلم رشدي أباظة وحسن البارودي وحسن أتله، وفي الفيلم التالي «صاحبة العصمة» قدمت دور زوجته، قصة أبو السعود الإبياري وحواره، سيناريو حسن الصيفي وإخراجه، وشاركهما البطولة كل من تحية كاريوكا وحسن فايق وإسماعيل والمليجي، و{فرقة ساعة لقلبك» الإذاعية التي بدأ نجاحها ينتقل إلى السينما عبر مشاركة أعضائها في كثير من الأفلام السينمائية، من بينهم فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي وخيرية أحمد ويوسف عوف والخواجة بيجو (فؤاد راتب) وأبو لمعة (محمد أحمد المصري) والمعلم شكل (محمد يوسف) وغيرهم.

وبفريق فيلم «صاحبة العصمة» نفسه مع إسماعيل ياسين وتحية كاريوكا ومعهم حسن فايق وحسن أتله و»الدكتور شديد» من أعضاء فرقة «ساعة لقلبك»، قدمت فيلم «الست نواعم» وهو الفيلم المعكوس لفيلم «الآنسة حنفي». فيه يبدأ إسماعيل ياسين كسيدة تتحول إلى رجل، عن قصة وسيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، إخراج يوسف معلوف، لتعود بعده لتجسد دور حماته في فيلم «إسماعيل ياسين في حديقة الحيوان»، حيث أدت دور خالة حبيبته التي تجسد دورها آمال فريد، ومعهم حسن فايق وعبد الفتاح القصري وعمر الحريري ونزهة يونس (خالة الفنانة إسعاد يونس)، قصة عبد الشافي محمد، سيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، وإخراج سيف الدين شكوت.

جسدت زينات دور الحماة نفسه في فيلم «إسماعيل في الأسطول» لتكون أم زهرة العلا، وزوجة الفنان عبد الوارث عسر، ومعهم محمود المليجي وأحمد رمزي وعبد المنعم إبراهيم ورياض القصبجي، قصة وسيناريو حسن توفيق وحواره، وإخراج فطين عبد الوهاب. بعده جسدت دور الأم مع الفنانة شادية في فيلم «أنت حبيبي» مع المخرج يوسف شاهين، قصة وسيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، وشاركهما البطولة عبد السلام النابلسي وسراج منير وهند رستم وميمي شكيب وعبد المنعم إبراهيم.

لم يكن يشغل بال زينات شكل الشخصية أو طبيعتها أو سنها، ما يشغلها كان فقط هو كيف ستقدمها على الشاشة وتخدم بها أحداث الفيلم، الأمر الذي يجعلها تقدم اليوم شخصية فتاة تقع في الحب، وغداً فتاة عزباء، وبعده أم لممثلة قريبة منها في السن، ثم حماة لممثل في مثل عمرها أو أكبر منها، وفي الأسبوع نفسه، وأحياناً اليوم ذاته تدخل بلاتوه آخر لتجسد أمامه دور زوجته أو حبيبته.

مسرح وسينما

بعد أدوار الحماة أمام إسماعيل ياسين دخلت البلاتوه لتصور أمامه دور العانس التي تقع في حبه في فيلم «ابن حميدو» البطولة الرباعية بينها وإسماعيل، وأحمد رمزي وهند رستم، ومعهم عبد الفتاح القصري وتوفيق الدقن ونعمت مختار ونيللي مظلوم ورياض القصبجي وحسن حامد وسعاد أحمد، قصة وسيناريو عباس كامل وحواره، إخراج فطين عبد الوهاب.

كذلك جسدت دور العانس التي تسعى إلى الزواج منه أيضاً في «إسماعيل ياسين طرزان» قصة وسيناريو وحوار أبو السعود الإبياري، إخراج نيازي مصطفى، والذي تظهر فيه الفنانة فيروز شابة تقع في غرام إسماعيل ياسين، بعدما كانت قد ظهرت أمامه طفلة في أفلام أنور وجدي، ومعهم عبد السلام النابلسي واستيفان روستي وحسن فايق وميمي شكيب والمطرب السوداني إبراهيم عوض.

وعادت مجدداً لتقدم دور حماته {أم طعمه} أو الفنانة هند رستم في فيلم {إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين} قصة عبد الفتاح السيد، سيناريو عباس كامل وحواره، إخراج رؤوف كامل، ومعهم عبد الفتاح القصري ورياض القصبجي وعبد الغني قمر وعبد المنعم إبراهيم.

ثم قدمت دور الفتاة التي تقف أمامه بندية في العمل من خلال فيلم {الكمساريات الفاتنات» قصة وسيناريو عباس كامل وحواره، إخراج حسن الصيفي. وفيما هما يعملان معا في الفيلم، وجدت إسماعيل يطلب الجلوس معها بعد انتهاء التصوير:

* خير يا سمعة... فيه حاجة مش عاجباك في الشغل.

= لا بالعكس. الشغل رائع... وأنت أروع.

* ربنا يخليك.

= أنا بس كنت عايز أقولك إني عايزك معايا.

* أنا معاك أهو. الحمد لله الحمد لله... النهاردة الخميس خمسة وخميسة... مش مبطلين شغل.

= لا أنا عايزك معايا في المسرح. هعمل فرقة مسرحية أنا وأبو السعود الإبياري. بس هاتكون إن شاء الله أكبر فرقة مسرحية في مصر... لا في الشرق كله.

لم تتمالك زينات نفسها وزغردت فالتف حولهما جميع من في المسرح ليهنئوهما معاً.

(البقية في الحلقة المقبلة)

الحب الأول... والأخير

نجحت زينات صدقي في الفيلم نجاحاً لم تتوقعه هي نفسها، حتى إنها أصبحت حديث الصحف والمجلات والبرامج الإذاعية، فلفتت الأنظار بقوة، ليس على المستوى الفني فحسب، بل أيضاً على المستوى الإنساني. بدأ كثيرون من أبناء العائلات والطبقة الراقية يتوددون إليها، ويعرضون عليها الارتباط، خصوصاً أنها لا تزال في ريعان الشباب، فقد كانت في 32 من عمرها. حتى شعرت فجأة بأن قلبها يدق للمرة الأولى... نعم طرق الحب بابها ولم تصدق نفسها أنه قد حدث، فحرصت على ألا تخبر أحداً بأمر هذا الحب، ولا حتى أعز صديقاتها خيرية التي تجددت علاقتهما، وكانت تلتقي بها من آن إلى آخر، غير أنها لم تستطع أن تخفي الأمر عن أعز الناس... والدتها:

= إيه بتقولي إيه... يا ألف نهار أبيض.

* ألف نهار أبيض على إيه بس. هو لسه حصل حاجة... بقولك مجرد كلام.

= ماهو الكلام بيجيب كلام... وزي ما بتقولوا في الأفلام نظرة وابتسامة فجوازة.

* جوازة... على طول كدا. دا اسمها نظرة بابتسامة فموعد فلقاء... ويا عالم بعد اللقاء يحصل اتفاق ولا لأ... وأحنا دلوقت في مرحلة الموعد لسه.

= بس اللي بتقوليه عنه ما يقولش إنه راجل لعبي.

* لا دا كل مشكلته أنه جد الجد... ما تنسيش أنه راجل عسكري. واحد من الظباط اللي ساهموا في الثورة.

= يعني من اللي بيقولوا عنهم الظباط الأحرار.

* مش بالظبط كدا... بس هو واحد من اللي حواليهم.

فعلاً تقدم لها «حضرة الصاغ» كما كانت تناديه (لم تشأ أن تذكر اسمه) فوافقت فوراً، ليس إرضاء لوالدتها، بل لأنها شعرت بالحب للمرة الأولى في حياتها، وسافر العروسان إلى الإسكندرية لقضاء شهر العسل، غير أن كثرة ارتباطات زينات الفنية لم تتح لها أن يكون شهر العسل أكثر من أسبوع، عادا بعده العروسان لتبدأ فوراً المشاكل، فالفنانة يمكن أن تعمل في ثلاثة أو أربعة أفلام في اليوم، ما يعني أنها يمكن أن تعود إلى البيت في ساعة متأخرة، بل وتعود منهكة تحتاج إلى النوم والراحة، وهو ما يتعارض بشدة مع الحياة العسكرية والانضباط اللذين يستوجبان النوم مبكراً والاستيقاظ مبكراً، وكل شيء بنظام ومواعيد، ما جعل الصدام يحدث مبكراً، فكان لا بد من وقفة حاسمة من الزوج:

* بس أحنا ما اتفقناش على كدا؟

= أمال اتفقنا إنك تقضي اليوم كله بره وترجعي بعد نص الليل... تنامي وتقومي كأننا زباين في لوكاندة مانعرفش بعض.

* دي ظروف استثنائية. علشان عندي زحمة شغل اليومين دول.

= اليومين دول ما بيخلصوش. ودي مهزلة لازم تنتهي فوراً.

لم يستمر زواج «الصاغ» بالفنانة أكثر من ثلاثة أشهر، ووقع بينهما الطلاق بعدما وضع الحياة بينهما في كفة والفن في كفة أخرى، فاختارت زينات الفن، ليس كرهاً في استمرار الحياة بينهما، بل لأنه تزوجها وهو يعرف أنها فنانة ولن تستغني عن فنها.

عاشت زينات فترة حزينة على الحب الذي ضاع، فكم تمنت أن تستمر هذه الزيجة، لإحساسها بالحب للمرة الأولى في حياتها... غير أنها لم تستطع أن تضحي بفنها.

الجريدة الكويتية في

06/08/2013















images




images
 
التعديل الأخير:

التباب

Active Member
طاقم الإدارة
اللقاء الأخير

كتب الخبر: ماهر زهدي

بنت بحري زينات صدقي

( 29 )

كانت فكرة المسرح تشغل بال إسماعيل ياسين طوال الوقت، فاتفق مع المؤلف الخاص به أبو السعود الإبياري على تكوين فرقة مسرحية، وساعدت الظروف والمناخ الثقافي والاجتماعي على نجاح ولادة الفكرة، فإسماعيل كان آنذاك نجماً في أوج تألقه، وعلى الساحة المسرحية لم يكن يوجد مسرح يجذب الجماهير بل إن الاتجاه السائد نحو السينما.

وجدت زينات صدقي فيما عرضه عليها إسماعيل ياسين من تكوين فرقة مسرحية فرصة لا تعوض ولا ترفض، فوافقت فوراً وكادت تطير من الفرح عندما عرض عليها راتباً شهرياً قدره 250 جنيهاً، وهو أجر كبار النجوم آنذاك، فقد حرص إسماعيل ياسين على تطعيم الفرقة بالأسماء الكوميدية الكبيرة كافة، وهو ما جعله يسعى إلى ضم أكبر عدد من أعضاء فرقة الريحاني تحت الإغراء المادي الكبير، مثل حسن فايق وميمي شكيب وعبد الفتاح القصري واستيفان روستي، ومعهم من خارج الفرقة تحية كاريوكا، إضافة إلى فنانين آخرين من فرق أخرى، فضم من المسرح الحر توفيق الدقن وشكري سرحان، واستعان بعدد كبير من المخرجين الموهوبين أمثال السيد بدير ومحمد توفيق وعبد المنعم مدبولي ونور الدمرداش في أولى محاولات الأخير للإخراج، لتبدأ زينات مع «فرقة إسماعيل ياسين المسرحية» وتقدم الكثير من الأعمال المسرحية الناجحة التي أعادت لها أمجاد فرقة الريحاني، فقدمت مسرحيات «أنا عايزة مليونير، الكورة مع بلبل، جوزي كداب، كناس في جاردن سيتي، الحب لما يفرقع»، لتنجح عروض الفرقة نجاحاً يفوق التوقعات واستطاعت الفرقة خلال أشهر من عملها أن تستقطب كل نجوم فرقة الريحاني، فتحولوا إلى العمل في فرقة إسماعيل ياسين بعدما أغراهم بمرتبات أكبر!

اطمأنت زينات إلى نجاحها المسرحي، فعادت لتفي بعقودها السينمائية، خصوصاً أن مطرب الثورة عبد الحليم حافظ أصرَّ على أن تشارك معه في فيلمه الجديد:

* أنا بشكرك يا أستاذ عبد الحليم... أنا عرفت إنك أجلت التصوير علشاني.

= أولا أنا اسمي حليم وبس.

* يوه يقطعني... أمال هم فهموني إنك اسمك عبد الحليم حافظ ليه... أتاريك اسمك حليم وبس.

= (ضاحكاً بصوت مرتفع) ودي الحاجة التانية... إني كان لازم أستنى أخف دم في السينما المصرية علشان أشتغل معاها... حتى لو استنيت سنة.

* روح ما عدمكش... ويحبب فيك خلقه أكتر ماهم هايتجننوا عليك. يا حليم يابن... هي أمك اسمها إيه؟

بدأت في أبريل 1958، تصوير فيلم «شارع الحب» قصة يوسف السباعي وحواره، سيناريو عز الدين ذو الفقار وإخراجه، أمام صباح وعبد السلام النابلسي وحسين رياض وعبد المنعم إبراهيم ورياض القصبجي ونور الدمرداش ومنيرة سنبل وأبطال ساعة لقلبك وفتوح نشاطي ونجوى فؤاد والطفل أحمد فرحات.

قدمت زينات في الفيلم دور «سنية ترتر» العالمة العانس التي تعشق «حسب الله السادس عشر» ويضطر إلى أن يتزوجها بسبب فعلها للخير، عندما تقوم بالعطف على الشاب عبد المنعم صبري الذي جسد دوره عبد الحليم حافظ، والمساهمة في استكمال تعليمه العالي.

ارتباط وثيق

قوي الارتباط الفني بين إسماعيل ياسين وزينات صدقي، وزاد تمسكه بها، وأصبح أكثر تمسكاً بها من المنتجين والمخرجين لمشاركته أفلامه، فقدمت معه فيلم «إسماعيل ياسين بوليس سري» سيناريو علي الزرقاني وحواره، إخراج فطين عبد الوهاب، إلى جانب حسن فايق وعبد السلام النابلسي ورياض القصبجي وجمال وميمو رمسيس وتهاني راشد. ثم قدمت أمامه دور «عديلة» صاحبة اللوكاندة التي تدخل معه شريكة في شراء «ميدان العتبة» في فيلم «العتبة الخضراء» قصة وسيناريو وحوار جليل البنداري، إخراج فطين عبد الوهاب، ومعهما صباح وأحمد مظهر وعمر الحريري ورياض القصبجي، وهدى شمس الدين.

أول حفيد

كتب عبد السلام النابلسي جزءاً ثانياً افتراضياً من فيلم «إسماعيل ياسين في الجيش» قدم من خلاله تصوراً لحال مجموعة الشباب التي التحقت بالجيش في الجزء الأول، وماذا سيعملون بعد أداء الخدمة العسكرية، فكتب قصة فيلم «حلاق السيدات» وكتب له السيناريو والحوار أبو السعود الإبياري، وأخرجه فطين عبد الوهاب، وقررت زينات المشاركة من دون أي شروط، ومن دون تحديد أجر مسبق لمجاملة صديقها عبد السلام النابلسي، وهو ما فعله أيضاً إسماعيل ياسين، وجسدت فيه دور «أشجان هانم» أمام عبد السلام النابلسي، وشاركهم البطولة كل من كريمة واستيفان روستي وخيرية أحمد وضيفة الشرف الفنانة صباح.

خيم الحزن على حياة زينات منذ رحيل والدتها، لم تعرف السعادة طريقاً إلى قلبها إلا برؤية أول حفيد لها، وإن كان ليس حفيداً مباشراً، لكن باعتبار أن نادرة ابنة شقيقتها هي ابنتها بالعشرة وليس بالدم فحسب:

* ياه... كبرتي يا نادرة واتجوزت وبقيتي أم!!

= الفضل لك يا ماما... أنت اللي ربتيني وكبرتيني وجوزتيني وجه اليوم اللي تشيلي أولادي ياماما.

* شوفي بقى يابت أنت.. صحيح في الأول كنت بقولك تقوليلي ياماما علشان كنتي لسه بنوتة صغيورة... لكن دلوقت أنت كبرتي وبقيتي أم... واللي يسمعك وأنتي بتقوليلي ياماما كدا وأنت أم يقول إن أنا بعد الشر بعد الشر بقيت كبيرة وعجزت.

= عجزتي مين يا قمر السينما المصرية والعربية.. أنت هتفضلي طول عمرك الفاكهة اللي بتحلي أيامنا.

* أيوا يا بت كلي بعقلي حلاوة.. شوفي أنت ما تقوليليش يا ماما... تقولي لأمك سنية... لكن البت الأمورة الكتوكتة دي هي اللي تقولي يا ماما... يا دوب دي على أدي.

سعدت زينات جداً بوصول عزة ابنة نادرة، بل واعتبرت نفسها المسؤولة الأولى عن تربيتها منذ لحظة الميلاد، مثلما أصبحت مسؤولة عن كل عائلتها وشقيقاتها وأولادهم جميعاً، مادياً ومعنوياً، من دون أن يشغلها ذلك عن عملها، وإن كانت لم تعد مشغولة كالسابق، لأكثر من سبب ربما أهمها أنها وجيلها لم يعودوا وحدهم على الساحة بعد ظهور جيل جديد من الفنانين، خصوصاً من الكوميديانات بدأوا يثبتون وجودهم، خصوصاً أولئلك الذين خرجوا من البرنامج الإذاعي «ساعة لقلبك» الذي ظهر في عام 1953، ليقدم عدداً كبيراً جداً من الكوميديانات وبأدوار ثابتة، مثل: فؤاد المهندس، عبد المنعم مدبولي، محمد عوض، أمين الهنيدي، خيرية أحمد، وزوجها يوسف عوف، وجمالات زايد، ومحمد أحمد المصري (أبو لمعة) وفؤاد راتب (الخواجة بيجو) ومحمد يوسف (المعلم شكل) ونبيلة السيد، والدكتور شديد، ورفيعة الشال، وحسين الفار (سلطان الجزار) وأحمد الحداد (الرغاية) ولطفي عبد الحميد، ويقوم بعضهم بالكتابة للفرقة مثل يوسف عوف وعبد المنعم مدبولي وأمين الهنيدي، وأنور عبد الله، وأحمد طاهر، حيث اعتمد المخرج والفنان السيد بدير على كثيرين منهم، إن لم يكن أغلبهم عند تأسيسه لمسرح التلفزيون في مطلع الستينيات، ليكون منافساً قوياً للفرق المسرحية الخاصة الموجودة، خصوصاً «الريحاني، وإسماعيل ياسين».

تراجع

بعدما بلغ ما قدمته زينات صدقي في عام 1954 ثلاثة وعشرين فيلماً، بلغ عدد أفلامها في عام 1962 أربعة فقط، إلى جانب عملها في المسرح، بدأتها بفيلم «بنات بحري» قصة محمد عثمان، سيناريو محمد مصطفى سامي وحواره، إخراج حسن الصيفي، إلى جانب المطرب الشاب ماهر العطار وعبد السلام النابلسي وماري منيب وعبد الفتاح القصري وآمال فريد. ثم فيلم «قاضي الغرام» قصة وسيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، إخراج حسن الصيفي، وبطولة كل من النابلسي وحسن يوسف ونادية لطفي ولبلبة وعبد الحليم حافظ كضيف شرف. كذلك قدمت فيلم «جمعية قتل الزوجات» تأليف يوسف السباعي، إخراج حسن الصيفي، إلى جانب صلاح ذو الفقار وزهرة وعبد المنعم إبراهيم وحسين رياض وماري منيب وسعيد أبو بكر وحسن فايق واستيفان وخيرية أحمد، لتقدم خلاله شخصية «الأرتيست» العانس التي تبحث عن زوج خوفاً على نفسها من الفتنة، ولم يكن لديها مانع من أن تتولى الإنفاق عليه.

بحلول عام 1963 دخلت زينات صدقي عقدها الخامس، وبدأت تظهر علامات التقدم في السن، ما جعل المخرجين يفكرون طويلاً قبل أن يسندوا إليها أي دور، وعندما كانوا يفكرون في الاستعانة بها كان ذلك في أدوار محدودة لا تخرج عن إطار «الخادمة» أو «المربية» أو حتى «الجارة الودود»، ما جعل المخرج عاطف سالم يختارها للقيام بدور «خادمة» في فيلم «ما فيش تفاهم»، قصة وسيناريو نيروز عبد الملك وحواره، بطولة سعاد حسني وحسن يوسف وعلوية جميل وحسين رياض وأحمد الحداد. ولم يخرج دورها في فيلم «جواز في خطر» عن الإطار نفسه، الفيلم قصة علي بحيري، سيناريو حسين عبد النبي وحواره، إخراج عيسى كرامة، وبطولة نادية لطفي وعبد المنعم إبراهيم وأحمد رمزي ونجوى سالم.

لم تتغير نظرة المنتجين والمخرجين عن زينات صدقي وما يسندونه إليها، بل هذه النظرة امتدت أيضاً لتشمل صديق عمرها وشريك دربها الفنان إسماعيل ياسين، نجم نجوم عصره وأغلاهم أجراً، ليتراجع عدد الأفلام التي يقدمها أيضاً ويصل إلى فيلمين أو ثلاثة في العام على أقصى تقدير، فقدما معاً «المجانين في نعيم»، قصة أبو السعود الإبياري وحواره، سيناريو لوسيان لامبير، إخراج حسن الصيفي، إلى جانب رشدي أباظة وشويكار وزهرة العلا واستيفان روستي وتوفيق الدقن وميمي شكيب ونجوى فؤاد.

انتهت زينات من تصوير فيلم «المجانين في نعيم» لتجد نفسها بعده، وللمرة الأولى منذ عملها بالفن، تجلس في البيت لمدة عامين كاملين، وبعدما كانت تهرب من الرد على مكالمات إسماعيل ياسين خوفاً من حسد عدد الأفلام التي تقدمها، أصبحت هي من تلجأ إلى الحديث معه في ما وصلا إليه معاً:

= تعرفي أنا كنت لسه بفكر في نفس الموضوع. أنا مش عارف إيه اللي بيحصل.

* عندك حق. بس أنا بقول يمكن السبب مسرح التلفزيون. ما هو دا مسرح تبع الدولة ولازم يكون الاهتمام بيه أكبر. وكمان عندهم التلفزيون نفسه.

= دا في المسرح. طب والسينما هتقوليلي مؤسسة السينما بتاعة الدولة... هقولك ما هي كانت موجودة وأحنا بنقدم عشر أفلام وخمستاشر فيلم في السنة.

* أمال إيه بس اللي اتغير؟

= أحنا.

* إيه... يعني إيه مش فاهمة؟

= أيوا... أحنا اللي اتغيرنا ولازم نعترف إننا اتغيرنا وكبرنا.

* لا يا أخويا... أنت لوحدك اللي كبرت. أنا لسه... اسم الله عليا وعلى حوليا.

لم تُعرض على زينات صدقي أفلام في الفترة من 1963 حتى 1965، باستثناء عملها في بعض أعمال مسرح التلفزيون من آن إلى آخر، كواحدة من طابور طويل من العاملين فيه. قدمت مسرحية «الأرملة الطروب» أمام الفنان كنعان وصفي، للكاتب عبد الرحمن الخميسي. ثم شهد عام 1965 فيلماً واحداً لها بعنوان «الجبل» عن قصة فتحي غانم، سيناريو خليل شوقي وإخراجه، أمام ليلى فوزي وسميرة أحمد وصلاح قابيل وعمر الحريري وماجدة الخطيب وزوز ماضي، ولم يخرج دورها فيه عن تلك النوعية التي بدأ المخرجون يحصرونها فيها، لتجد نفسها فجأة وجهاً لوجه أمام ذلك «البعبع» الذي سرق منها ومن جيلها الأضواء، وسحب البساط من تحت أقدامهم، وجدت نفسها أمام عرض للعمل في التلفزيون، من خلال المسلسلات التلفزيونية، وهو ما عرضه عليها المخرج حمادة عبد الوهاب:

* أنا... أنا يا أستاذ حمادة؟

= أيوا أنت يا ست زينات. أنت أقل منها... وإلا اللي بيشتغلوا في التلفزيون أحسن منك... أنت أستاذة الكل.

* ربنا يكرم أصلك. لكن أنا قصدي يعني مش واخدة على شغل التلفزيون... ما عرفش أتعامل معاه إزاي.

= يا ست زينات أنت ست العارفين... أهي كاميرا زي الكاميرا... كل الحكاية بدل الكاميرا اتنين. وبعدين الفنانة اللي زيك أفضل حد يشتغل في التلفزيون.

* اشمعنى... فيا شبه منه.

= هاهاها... لا مش القصد. بس أنا عارف أسلوبك في الشغل ولا أنت ناسية أننا اشتغلنا سوا. وعارف أنك بتاخدي معنى المشهد وتفهميه وتطلعي المشهد من جواكي بطريقتك.

بعد تردد وتفكير ومشاورات، وافقت زينات على الوقوف أمام كاميرات التلفزيون وشاركت في مسلسل «عادات وتقاليد» حول عادات وتقاليد المجتمع وما استجد عليه من متغيرات، وما يجب أن يعاد النظر فيه.

المسلسل قصة وسيناريو أنور عبد الله وحواره، وإخراج حمادة عبد الوهاب، وشاركت فيه البطولة مع الفنانة عقيلة راتب، كل من ليلى طاهر والوجوه الجديدة الشابة نور الشريف وأشرف عبد الغفور وصلاح السعدني.

كان مسلسل «عادات وتقاليد» أول مشاركة لزينات صدقي في المسلسلات، وبعد الانتهاء من تصويره قررت أن تكون المشاركة الأخيرة لها فيه بعد المعاناة التي شهدتها أثناء تصويره، وأسلوب العمل في هذا الوسط الفني الوليد.

(البقية في الحلقة المقبلة)

فقدان الحبيبة

حققت زينات نجاحاً لم تشهد مثله سابقاً، سواء في السينما أو المسرح، فهي تصور في اليوم ثلاثة أفلام، وتعمل في المسرح مساء مع إسماعيل ياسين، وأمام هذا النجاح جنت الكثير جداً من المال، فراحت تشتري لأمها كل ما يخطر وما لا يخطر لها على بال، كل ما يلزمها وما لا يلزمها، وكلما اشتد بها المرض زادت لهفة زينات عليها، وإحساسها بأنها تريد أن تأتي بالدنيا كلها تحت قدميها. فجأة وقع ما كانت تشعر به، وقعت الكارثة، فقد رحلت الأم... شريكة الدرب والرحلة، رحلت السند والظهر، رحلت الأليفة والجليسة، رحلت الحبيبة التي لم تعد بعدها حبيبة... سكتت «حفيظة».

اليوم فقط شعرت زينات باليتم، شعرت بأن عمرها قفز فجأة إلى مرحلة الكهولة وهي لا تزال في العقد الرابع من عمرها، فبكت كما لم تبك سابقاً، وكما لن تبكي من بعد.

انتهت مراسم تشييع الجنازة والدفن اللذين حضرهما عدد كبير جداً من الفنانين والفنيين العاملين في السينما والمسرح، وفي المساء فوجئ إسماعيل ياسين بزينات صدقي تجلس في حجرتها بالمسرح تمسح دموعها وتضع ماكياجها:

= إيه دا زينات... إيه اللي جابك. قومي قومي أنت لازم تمشي حالاً... دا أنا كنت جاي دلوقت هنا آخد كل الزملا ورايحين العزا.

* هو مش فيه شغل.

= شغل إيه... أنت أمك اللي هي أغلى حاجة في دنيتك ماتت النهاردة.

* ودفنتها.

= أيوا بس دا مش كفاية... أنت أعصابك منهارة ومش ممكن تشتغلي يا زينات الدنيا ما طارتش.

* بص كدا بعينك.

= على إيه.

* شوف كام واحد واقفين على خشبة المسرح وفي الكواليس. دا غير اللى بره في الصالة وشباك التذاكر والكافتيريا والعمال. كل دول بياكلوا عيش كل ليلة... والليلة اللي مش هنشتغلها مش هيقبضوا... يبقى ذنبهم إيه.

= ما جتش من يوم ولا اتنين.

* الله يرحمه سليمان نجيب علمني أن الحزن في القلب لنفسنا مش للناس... يلا يلا أجهز فاضل ربع ساعة على الستارة.

مثلت زينات في هذه الليلة كما لم تمثل سابقاً. أضحكت الجمهور كما لم تضحكه سابقاً، لدرجة أنه كان يصفق لها مع كل مرة تدخل فيها إلى خشبة المسرح، وليس المرة الأولى فقط. ما إن أسدل الستار، حتى جرت إلى حجرتها وانهارت في بكاء مرير... دخل إسماعيل إلى حجرتها وأخذها من يدها واتجه مجدداً إلى المسرح، وأزاح الستار ووقف في مواجهة الجمهور فانتبه الجميع:

= مساء الخير... أرجو أن حضراتكم تكونوا استمتعتم الليلة. أنا شخصياً رغم أني ممثل في المسرحية، وبقدم الدور دا بقالي النهاردة ست أسابيع، فإني استمتعت جداً الليلة وبشكل غير مسبوق... مش بس بالمسرحية، لكن بأداء هذه الفنانة العظيمة. الفنانة زينات صدقي... وكل دا رغم أن النهاردة صادف بالنسبة لها حادث أليم... الست زينات فقدت اليوم أعز إنسان في الوجود بالنسبة لها... فقدت والدتها عليها رحمة الله، ومع ذلك أصرت إنها تيجي تشتغل علشان حضراتكم... وعلشان العمال اللي بيأكلوا عيش من ورا المسرحية دي.

ما إن انتهى إسماعيل من كلامه حتى ضجت الصالة بالتصفيق المدوي، ولمدة ربع ساعة متواصلة وزينات منحنية أمامهم ويداها على صدرها ودموعها تسيل على خديها حتى بللت الأرض تحت قدميها.

زاد من حزن زينات واستدعى بكاءها مجدداً، ما طلبه منها خادمها عثمان:

* أنت كمان عايز تسيبني يا عثمان؟

= غصب عني والله يا ستو هانم. بس غريبة هضرتك بتقولوا أوثمان مش بتقولوا «سمارة».

* ما أنت خلاص كبرت وهتتجوز. ما ينفعش بقى أقولك يا سمارة.

= بس إن شاء الله بوعدك لو نزلت مصر تاني. لازم آجي لهضرتك.

* ضروري يا عثمان... وخد دول هدية جوازك مني.

= ربنا يخليك ياستو هانم... دا كتير... كتير أوي.

الجريدة الكويتية في

07/08/2013









images





images
 
التعديل الأخير:

التباب

Active Member
طاقم الإدارة
إني راحلة

كتب الخبر: ماهر زهدي

بنت بحري زينات صدقي

( 30 )

بانتصاف الستينيات لم تصل زينات صدقي إلى سن الكهولة، ولم تمرض ولم يفتر أداؤها كممثلة، وعلى الرغم من ذلك كله قل الطلب عليها. المنتجون توقفوا عن التهافت عليها، وكان يمر عام أو عامان ولا يتذكرونها، ما جعل لديها متسعاً كبيراً من الوقت للجلوس إلى عائلتها الكبيرة: شقيقاتها وأبناء شقيقاتها، أو عائلتها الصغيرة، الحفيدة عزة، التي أصبح لها شقيق هو طارق ووالدتهما نادرة ووالدهما محمد مصطفى.

سمع بمأساة زينات المادية الناقد والكاتب جليل البنداري، فكتب عنها مقالاً مطولاً نشره في جريدة «أخبار اليوم»:

«لم أصدق أن فنانة عظيمة من تلميذات الريحاني يحدث لها هذا، وأن أخف الممثلات دما تضطر إلى أن تبيع أثاث بيتها قطعة قطعة لأجل أن تسدد الضرائب وأن تأكل، لأنها تجلس بلا عمل، ويمنعها كبرياؤها أن تطلب المساعدة من أحد، وفي الوقت نفسه، من دون أن يشعر بها أحد من الدولة»!

تصادف أن وقعت عين الرئيس جمال عبد الناصر على ما كتبه جليل البنداري، فرفع سماعة الهاتف فوراً واتصل بوزير الإرشاد ثروت عكاشة:

= صباح الخير يا ثروت.

* صباح الخير يا فندم.

= قريت اللي كاتبه جليل البنداري النهاردة عن زينات صدقي؟

* أيوا يا فندم قريت.

= وهتعمل إيه؟

* هنتصرف يا ريس... دي فنانة عظيمة وقدمت فن عريق على مدار تاريخها، ولازم الدولة تقف جنبها.

= اتصرف يا ثروت... ما ينفعش فنانة عظيمة زي دي تتبهدل كدا.

قرر الرئيس عبد الناصر أن يكرم نخبة من الفنانين في عيد العلم، وجاءت على أول قائمة المكرمين ذلك العام الفنانة زينات صدقي، التي منحتها الدولة شهادة جدارة عن مجمل أعمالها ومبلغ ألف جنيه.

لم يكن تذكر الرئيس جمال عبد الناصر لزينات صدقي مجرد تكريم لفنانة لها تاريخ، بل الأهم هو إشارة للمنتجين والمخرجين لتذكيرهم بهذه الفنانة العظيمة، فما إن تم تكريم زينات في عيد العلم في 21 ديسمبر 1966، حتى بدأت تصوير فيلم جديد لها في 26 ديسمبر من العام نفسه.

أصبحت عائلة زينات همها الأول في الحياة، خصوصاً عزة وطارق، واجتهدت ألا تحرمهما من شيء وتوفر لهما كل سبل السعادة والحياة الكريمة، فلم تكن زينات من هواة اكتناز المال أو شراء الأراضي والعقارات، بل تأخذ بمبدأ «اصرف ما في الجيب... يأتيك ما في الغيب». غير أن الغيب كان يخبئ لها ما لا يرضيها أو يسعدها، فبعد سنوات عملها بالفن تذكرت مصلحة الضرائب فجأة أن هناك فنانة اسمها زينات صدقي، وراحت تحاسبها على كل سنوات عملها في الفن. تذكرت مصلحة الضرائب ذلك في الوقت الذي اختفى فيه الطلب على زينات، وأصبحت تقدم فيلماً كل عام أو عامين، وأصبح دخلها يكفي بالكاد نفقاتها الشخصية ونفقات أسرتها، فلم تمتنع ولم تتهرب، كذلك لم تلجأ إلى بعض أصدقائها من رجال الحكم في الدولة، بل فضلت أن تبيع أثاث بيتها لتسدد ما عليها من ضرائب، على أن تستجدي أحداً.

باعت زينات أثاث بيتها الثمين الذي اقتنته بحب وعشق من المزادات والمحلات الكبرى. حتى إنها كانت تعتز جداً بـ{بيانو» لديها، وهو تحفة فنية اقتنتها من أحد المزادات بمبلغ 20 ألف جنيه في منتصف الخمسينيات، اضطرت إلى أن تبيعه مع بقية الأثاث الذي تعد كل قطعة فيه بمثابة تحفة فنية مكانها القصور الفخمة، واشترت بدلاً منه أثاثاً متواضعاً:

= طب كنت كلمتي أي حد... ما أنت معارفك في الدولة كتير. وكلهم يتمنو تطلبي منهم أي خدمة.

* هاجي على آخر الزمن وأتسول.

= تقومي تبيعي عفش بيتك كله اللي كل حتة فيه تحفة نادرة.

* أحسن ما يقولوا زينات بتتهرب من دفع الضرايب.

لم يكن تراكم الديون وبيع أثاث بيتها وسداد الضرائب هو نهاية المطاف لما ترمي به الأقدار زينات صدقي، بل إنها وجدت نفسها أيضاً فجأة خارج فرق مسرح التلفزيون، ومن دون أسباب معلومة فشعرت أن الآخرين بدأوا يتجاهلونها وأن كثيراً من القيمين على الفرق المسرحية في هذه الفترة لم يتحمسوا كثيراً لوجودها على المسرح فآثرت أن تبتعد ولا تفرض نفسها على أحد واكتفت بما قدمته على خشبة المسرح طوال 30 عاماً منذ انضمامها إلى فرقة الريحاني في بدايات الثلاثينيات، ما جعل ظروفها المادية تتدهور بسرعة. فكان لمنقذ هذه المرة الرئيس جمال عبد الناصر، الذي كرمها، إلى جانب عدد من الفنانين، على مجمل أعمالها وقدم لها من الدولة مبلغاً أعانها في محنتها.

بعد التكريم، شاركت زينات في فيلم «رجل وامرأتان» قصة وسيناريو فاروق سعيد وحواره، وإخراج نجدي حافظ، بطولة يحيى شاهين وهند رستم والحريري وسميحة أيوب والدقن.

بمجرد عودة زينات إلى البلاتوهات والإستوديوهات، شعرت بأن روحها ردت إليها، وأنها لا تزال قادرة على العطاء سنوات عدة مقبلة، خصوصاً أنها أتمت خلال هذا العام عامها الثالث والخمسين... فقط.

في التاسع من يناير عام 1967، استدعاها العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ مرة أخرى لتشارك معه في فيلمه الجديد «معبودة الجماهير» المأخوذ عن قصة يوسف جوهر، سيناريو حلمي حليم، حوار محمد أبو يوسف، إخراج حلمي رفلة، وشارك في بطولته شادية، يوسف شعبان، محمد رضا، شفيق نور الدين، فؤاد المهندس، وجورج سيدهم.

كعادتها كانت زينات تصل قبل جميع العاملين في الفيلم، تجلس في حجرتها تراجع دورها، تستعد بالتبرج، ثم تنتظر أن يستدعيها المخرج للتصوير، وفي وقت الغداء، لا تتناول طعام الإنتاج الذي يحضرونه لجميع العاملين في الفيلم، بل تنتظر ابنة شقيقتها نادرة تأتيها بالغداء في موعده. جلست لتناول طعامها، فيما مر عبد الحليم حافظ من أمام حجرتها:

* اتفضل يا أستاذ تعالَ... دا أنت حماتك مش بس هتحبك. حتما ولا بد تموت فيك.

= بشرط تكون زيك كدا يا ست زينات.

* أقعد. نادرة لسه جايبه الغدا أهو سخن. ناكل سواء علشان يبقى عيش وملح.

= يا ريت يا ست زينات... أنا نفسي.

* اسم الله يا حبيبي. ما الأكل قدامك أهو ما تخليش في نفسك حاجة.

= مش قصدي... بس أنا ما قدرش أكل أي حاجة.

* لا متخافش... ما أنا زيك ما بكلش غير المسلوق.

= مش قصدي. أنا كل حاجة عندي بمواعيد وأنا شايل غدايا في جيبي... أهو... هو دا غدايا وعشايا.

أخرج عبد الحليم حافظ من جيبه علبة صغيرة فتحها أمامها فيها عدة أصناف من الأقراص العلاجية، عرضها لزينات ثم أغلق العلبة وانصرف:

= كلي أنت بالهنا والشفا.

* لمي الأكل دا يا نادرة وروحي.

- إيه دا.. أنت ما كلتيش.

* طب بذمتك حد يجيله نفس ياكل بعد اللي قاله حليم.

قبل أن تهنأ زينات بعودتها إلى الحياة الفنية، وبينما راحت تستعد لأدوار أخرى تم إخبارها بها، فجأة هاجم العدو الإسرائيلي سيناء في 5 يونيو 1967، وانهار كل شيء، وانكسرت الأحلام والآمال على صخرة العدوان، وأصيبت الحياة الفنية بالشلل التام، كبقية أشكال الحياة، وسارع عدد من الفنانين للانضمام إلى المجهود الحربي لجمع التبرعات، وكانت زينات أول من تقدم للقيام بذلك، بل وحرصت على التبرع بالدم على رغم نصيحة الأطباء لها بعدم التبرع لضعف قوتها، غير أنها كانت تصر على ذلك.

وجد كثير من الفنانين أن الحياة الفنية لن تستقيم في ظل أجواء الحرب، فاتجه بعضهم إلى لبنان للعمل وتصوير أعماله هناك، والبعض الآخر اتجه إلى تركيا. غير أن زينات رفضت تماماً مغادرة القاهرة حتى إلى محافظة أخرى، وظلت إلى جوار أسرتها لا يغيب أحد عن عينيها لحظة واحدة، خصوصاً عزة وطارق، لدرجة أنها كانت تمضي معهما عدة أيام لا يفارقاها إلا فترة وجودهما في المدرسة.

نهاية مرحلة

مع مطلع عام 1968، بدأت عجلة الإنتاج تدور مجدداً فطلبها المخرج حسن الصيفي للعمل معه في فيلم «أشجع رجل في العالم» الذي كتبه أنور عبد الله، ليكون البطولة الثانية للفنان أمين الهنيدي، بعدما قدم في عام 1967 أول بطولة له في السينما بعنوان «شنطة حمزة».

شارك معهما في «أشجع رجل في العالم» كل من شويكار وتوفيق الدقن وعبد المنعم مدبولي وزهرة العلا، ومذيعة التلفزيون أماني ناشد، لتقوم بدورها الحقيقي في الفيلم، غير أنها دخلت المسرح في ذلك اليوم وعيناها متورمتان من البكاء، فجرت إليها زينات صدقي:

* أماني... مالك شكلك زي ما تكوني معيطة. خير كفى الله الشر.

= عرفت خبر وحش أوي دلوقت وأنا جاية.

* خير يا بنتي... إيه اللي حصل.

= عرفت أن الفنان الكبير عبد السلام النابلسي مات النهاردة في بيروت.

سمعت زينات الخبر وانفجرت في البكاء ولم تقو على الوقوف، واضطروا إلى حملها إلى منزلها، لتبقى عدة أيام حزينة لا تغادر منزلها، حزناً على صديق العمر عبد السلام النابلسي الذي كان قد غادر مصر مع مطلع الستينيات ليستقر في بيروت.

استكملت زينات فيلم «أشجع رجل في العالم» وبعده شاركت في فيلم «السيرك» عن قصة صلاح حافظ، سيناريو فاروق سعيد وحواره، وإخراج عاطف سالم، وبطولة كل من حسن يوسف ونبيلة عبيد والشقيقتين سميرة وخيرية أحمد وأحمد لوكسر.

بعد فيلم السراب ظلت زينات في بيتها عامين كاملين لا يطلبها أحد، ولا يعرض عليها أي أعمال، لكن المخرج أنور الشناوي تذكرها عندما بدأ مطلع عام 1970 في التحضير لإخراج أول فيلم له بعد سنوات طويلة من العمل كمساعد، وطلب منها أن تشارك في فيلم «السراب» المأخوذ عن قصة الأديب نجيب محفوظ، سيناريو علي الزرقاني وحواره، وبطولة كل من نور الشريف وماجدة الخطيب ورشدي أباظة وعقيلة راتب وعباس فارس.

بعد تصوير الفيلم عادت زينات لتجلس في بيتها، ولم يجبرها على الخروج إلى الشارع باكية منهارة يوم 28 سبتمبر 1970، إلا تشييع الزعيم جمال عبد الناصر إلى مثواه الأخيرة، بعدما سقط فجأة في نهاية مؤتمر القمة العربي المقام في القاهرة، وعقب وداعه للملوك والأمراء والرؤساء العرب.

برحيل الزعيم جمال عبد الناصر شعرت زينات بأن عصراً بأكمله يطوي صفحاته، ويُغلق على من فيه، وإنها لم تعد في زمانها. لم يكن هذا إحساسها بمفردها، بل هو إحساس معظم نجوم جيلها، وفي مقدمهم زعيم الكوميديا في عصره إسماعيل ياسين، الذي تراجع بشكل مرعب هو الآخر، وتنكر له الجميع، وظل المنحى في تراجع حتى لقي ربه في الرابع والعشرين من مايو 1972، لتسقط زينات معه فعلياً، وتدرك برحيل عبد السلام النابلسي وعبد الفتاح القصري ثم إسماعيل ياسين أنها النهاية. غير أن أقصى ما أصبحت تتمناه أن تأتي النهاية وهي مرفوعة الهامة غير مكسورة، لما شهدته من انكسار هذه الهامات والقامات الكبيرة، ما جعلها ترفض كثيراً من العروض للعمل في أفلام لمجرد أن تظهر على الشاشة، فرفضت أن يكون وجودها فقط بدافع الشفقة، فابتعدت عن الحياة الفنية، العامة والخاصة، واكتفت بعائلتها الصغيرة، ومشاهدة ما يعرض لها من أفلام قديمة على شاشة التلفزيون، وفجأة طرق بابها مخرج إذاعي شاب:

* وأنت إيه اللي فكرك بيا يا ابني.

= إزاي يا ست زينات. حضرتك اسم وتاريخ... ودا شرف ليا إن الست زينات صدقي تشغل معايا.

* أنت قولتلي هو مسلسل إيه؟

= لا يا ست الكل دا مش مسلسل. دا أوبريت إذاعي من ألحان الموسيقار زكريا أحمد.

وقعت معه العقد وانصرف على وعد بإخبارها بموعد التسجيل... حفظت زينات دورها وتدربت عليه جيداً، وراحت تنتظر يوماً بعد آخر... حتى مر أسبوعان عندما فوجئت بالأوبريت يذاع في الإذاعة، فما كان منها إلا أن كلفت المحامي الخاص بها برفع دعوى قضائية على هذا المخرج الشاب تطالبه برد اعتبار وقيمة العقد وتعويض عما أصابها من ضرر. غير أنها في اللحظات الأخيرة طلبت من المحامي التنازل عن القضية المضمونة تماماً، حرصاً على مستقبل هذا المخرج الشاب، وكتمت أحزانها في قلبها لضياع قيمة الفن بهذا الشكل.

فرحة وسط الأحزان

لم يخرج زينات من وحدتها وأحزانها إلا عبور القوات المسلحة المصرية قناة السويس وتحطيم خط بارليف، وتحقيق النصر قي أكتوبر 1973.

ظلت بعيدة عن الأضواء والكاميرات أكثر من خمس سنوات، عندما تذكرها المخرج نيازي مصطفي في عام 1975 لتشارك بدور صغير (أم إبراهيم الخادمة) في فيلم «بنت اسمها محمود» قصة وسيناريو بهجت قمر وحواره، أمام سهير رمزي وسمير صبري ومحمد رضا وسمير غانم وهالة فاخر وسهير الباروني وسلامة إلياس.

عرض الفيلم وشاهده الرئيس محمد أنور السادات بالصدفة، فيما كانت أمامه إلا ورقة بأسماء الفنانين الذين سيتم تكريمهم في عيد الفن الأول، فهاتف الدكتور رشاد رشدي، مدير أكاديمية الفنون:

= يا دكتور رشاد. أنا قدامي الكشف بتاع الفنانين اللي هيتكرموا في عيد الفن الشهر اللي جاي.

- أيوا يا فندم... والأسماء كلها عليها إجماع.

= إجماع من مين... وإزاي فنانة كبيرة زي زينات صدقي اسمها مش موجود.

- زينات صدقي!

= أيوا يا دكتور زينات صدقي. دي فنانة كبيرة ولسه عايشة بينا ولازم تتكرم بالشكل اللائق... اسمها يتحط جنب اسم تحية كاريوكا ونجوى سالم.

لم تصدق زينات نفسها والدكتور رشاد رشدي يبلغها بنفسه، كأنما أعاد إليها روحها التي فقدتها منذ سنوات، وراحت تستعد كأنها عروس تستعد ليوم زفافها. ظلت لمدة أسبوعين تقوم بتجارب على اللقاء، وكل يوم ترتدي فستاناً من خزانة ملابسها، لترى فيه نفسها وكيف ستبدو، وفي الليلة السابقة على التكريم، لم يغمض لها جفن، حتى إنها اضطرت إلى تناول قرص منوم لتنام.

لم تصدق زينات نفسها وهي تقف على خشبة المسرح وجمهور الحضور يصفق لها بشكل مبالغ فيه، بمن فيهم رئيس الجمهورية نفسه، حتى اقتربت منه وصافحته وهو يناولها شهادة التقدير:

= مبروك يا ست زينات... أنت تستحقي تكريم عالمي.

* يبارك لي في عمرك يا ريسنا يا رافع رايتنا.

= أنت مش عايزة حاجة... أؤمري.

* اللي كان في نفسي حصل خلاص لما قابلتك يا ريس.

= عموما أنا قررت لك معاش استثنائي... وأي حاجة تانية.

بعد تكريم السادات لها عاشت زينات أياماً من السعادة لم تذق طعمها منذ سنوات طويلة، غير أن سعادتها لم تدم طويلاً، عندما دخلت عليها حفيدتها عزة مصطفى وهي تصرخ وتبكي:

= حليم مات يا نانا... حليم مات.

* إيه... بتقولي إيه؟ أنت بتخرفي.

= والله الإذاعة بتقول إن عبد الحليم حافظ مات في لندن.

* حسرة قلبي عليه... من يومه ابن موت. يا خسارة شبابك يا حبيب قلبي.

ظلت زينات ترتدي الأسود وتقيم الحداد على حليم 40 يوماً، ولم تبعدها عنه سوى حفيدتها عزة عندما ألحت عليها للخروج معها، ولم تكن ترفض لها طلباً، فقررت الذهاب لتناول الشاي معها في حديقة «غروبي» في وسط القاهرة، وهالها ما رأته من التفاف الجماهير حولها في الشارع وداخل المحل وبأعداد غفيرة. حتى إن مدير المحل اضطر إلى طلب شرطة النجدة خوفا من تحطيم الجماهير للمحل.

على رغم صعوبة الموقف فإنها شعرت بسعادة غامرة لتكريم الجماهير لها، وضاعف من سعادتها تكريم من نوع آخر عندما أحضرت لها رئاسة الجمهورية دعوة خاصة من رئيس الجمهورية يدعوها فيها لحضور عقد قران قرينته جيهان على محمود نجل المهندس عثمان أحمد عثمان، لتذهب بصحبة نادرة ابنة شقيقتها:

= نورت الفرح يا ست زينات.

* منور بيك... ومصر كلها منورة بيك يا أبو الأنوار والكرم كله.

= خدي يا ست زينات... دا الرقم الخاص بتاعي... في أي وقت عايزة أي حاجة كلميني... واعملي حسابك إنك إن شاء الله هتطلعي الحج الموسم اللي جاي.

ذلك كله ما كانت تتمناه من الدنيا، فلم تستطع أن تصف سعادتها عندما أعلن لها السادات عن قرب تحقيق هذه الأمنية، التي على رغم حاجتها الشديدة إليها، فإنها لم تطلبها بسبب عزة نفسها، وهو السبب نفسه الذي جعلها لا تطلب من الرئيس العلاج على نفقة الدولة بعد إصابتها بمرض «المياه على الرئة» لتتدهور حالتها بسرعة رهيبة خلال ثلاثة أشهر فقط، وأصرت على عدم الاتصال بالرئيس:

* مش عايزة الريس يعرف. ولو حد قال له من ورايا... أنا هشرب شريط البرشام دا كله وأخلصكم مني. أنا عارفة أنه خلاص... هي دي النهاية... ما لوش لازمة العلاج... دي نهاية الرحلة. مش عايزة حد يزعل ولا حد يعيط. أنا عشت طول عمري بحاول أضحكم... مش عايزة آجي في الآخر وأبكيكم... سيبوني أرتاح. بس قبل ما تمشوا... أنا ليا أمنية أخيرة. أنا نفسي في الكريز.

كانت هذه آخر أمنية لها... قبل أن تفارق روحها جسدها المنهك في الثاني من مارس 1978، وقبل أشهر قليلة من تحقيق أمنيتها بحج بيت الله الحرام... لتدفن إلى جوار والدتها في المقبرة التي بنتها في حياتها وكتبت عليها: «لا تنسوا قراءة الفاتحة على روح زينب محمد سعد».

النهاية

الجريدة الكويتية في

08/08/2013













 
أعلى